رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه
التصنيفات
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن للصحبة حقوقًا لا يقوم بها إلا القليل من الناس، وإنما ينبلُ الرجل ويعظم؛ لقيامه بحقوق أصحابه، وقد قال النبي ﷺ: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه» [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
إن أعظم إنسان قام بحقوق أصحابه على التمام هو رسولُ الله ﷺ، فقد كان معهم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّابٍ، ولا فحّاش، ولا عياب، ولا مشاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يذمُّ أحدًا، و يعيره، ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجات ثوابه.
· وكان ﷺ يؤلف بين أصحابه ولا ينفرهم ولا يشدد عليهم، بل يقربهم ويدنيهم ويتفقدهم ويسأل عنهم، ويواسيهم ويؤازرهم ويكرمهم ويتفضل عليهم.
· وكان ﷺ يحترم جلساءه، ويعطي كلَّ واحد منهم نصيبه، فلا يحسب جليسه أن أحدًا أرم عليه منه، ومن سأله حاجةً لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول. قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا، وصاروا عنده في الحق سواء.
قال تعالى: } فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ { [آل عمران: 159].
وقال تعالى: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { [التوبة: 128].
يعلمهم ويربيهم
· كان النبي ﷺ يعلم أصحابه ويربيهم ويحثهم على العلم والتعلم، وكان رحيمًا بهم في تعليمهم، ولذلك قال ﷺ: «أنا بمنزلة الوالد أعلمكم». [رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني].
· وكان ﷺ يزيد في الإجابة عما لم يتطرق إليه السائل في سؤاله، مما يدل على شدة رغبته ﷺ في تعليم أصحابه وإفادتهم، فقد روى أبو هريرة أن رجلًا سأل النبي ﷺ فقال: إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإذا توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله ﷺ: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته». [رواه أحمد وأهل السنن].
ويستشيرهم
وقد أمره ربه تبارك وتعالى بمشاورة أصحابه فقال: } وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ { [آل عمران: 159].
· قال أبو هريرة t: ما رأيت من الناس أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ﷺ.
· وعن الحسن قال: قد علم الله أن ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده.
· وقال قتادة: أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يشاوره أصحابه رضي الله عنهم في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء؛ لأنه أطيب لأنفس القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله عزم عليهم على أرشده.
ويرشدهم إلى الكمال
· وكان ﷺ يرشد أصحابه إلى الكمال في كل شيء، قال (مرة) مرشدًا عبد الله بن عمر: «نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل» قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلًا.
ويمدحهم بما فيهم من خير
وكان ﷺ يثنى على أصحابه ويمدحهم بما فيهم من خصال الخير، فقد قال لأشج عبد القيس: «إن فيك خلَّتين يحبهما الله: الحلم والأناة» قال: يا رسول الله! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: «بل الله جبلك عليهما» قال: الحمد لله الذي جبلني على خلّتين يحبهما الله ورسوله. [رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني].
وينبههم على بعض النقائص
· وكان ﷺ ينبه أصحابه على ما بهم من نقص؛ ليعالجوه ويتخلصوا منه، قال أبو ذر: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجميهً، فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي ﷺ، فلقيت النبي ﷺ فقال: «يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية» قلت: يا رسول الله من سبّ الرجال سبوا أباه وأمه. قال: «يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم، جعلكم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم». [متفق عليه].
· وكان هذا التنبيه من النبي ﷺ مصلحًا لشأن أبي ذر، فكان بعد ذلك يأكل مع خادمه، ويلبسه من لباسه، ولا يكلفه فوق طاقته.
ويخوفهم بالله تبارك وتعالى
* وكان ﷺ يخوف أصحابه بالله، ويحذرهم غضبه وعقابه، فعن أبي مسعود البدري t قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي: «اعلم، أبا مسعود»، فلم أفهم الصوت من الغضب. قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله ﷺ، فإذا هو يقول: «اعلم، أبا مسعود»، قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: «اعلم، يا أبا مسعود، أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام».
فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا.
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حرُّ لوجه الله.
فقال: «لو لم تفعل للفحتك النار»، أو «لمستك النار» [رواه مسلم].
ويعطيهم ويكرمهم
وكان ﷺ يعطي أصحابه الجزيل ولا يبخل عليهم بما عنده، فعن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع رسول الله ﷺ ومعه الناس مقفله ([1]) من حنين فعلقه الناس ([2]) يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة([3])، فخطفت رداءه([4])، فوقف النبي ﷺ فقال: «أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه ([5]) نعمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا ولا كذوبًا، ولا جبانًا». [رواه البخاري].
واشترى رسول الله ﷺ من جابر بن عبد الله جملًا، فأعطاه الثمن، وردَّ عليه الجمل. [صحيح مسلم].
ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم
· عن سهل بن حنيف t قال: كان رسول الله ﷺ يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم . [رواه أبو يعلي والطبراني].
· وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا جلوسًا مع رسول الله ﷺ، حتى إذا جاءه رجل من الأنصار، فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري، فقال رسول الله ﷺ: «يا أخا الأنصار، كيف أخي سعد بن عبادة؟» فقال: صالح. فقال رسول الله ﷺ: «من يعوده منكم؟» فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص، نمشي في تلك السباخ حتى جئنا، فاستأخر قومه من حوله، حتى دنا رسول الله ﷺ وأصحابه الذين معه. [رواه مسلم].
· وعن جابر t عن النبي ﷺ قال: «انطلقوا بنا إلى البصير الذي في بني واقفٍ نعوده، قال: وكان رجلًا أعمى». [رواه ابن الأعرابي وصححه الألباني].
ويبتسم لهم ويمازحهم
· وكان من أخلاق النبي ﷺ مع أصحابه أن يبتسم في وجوههم ويقابلهم بالبشر، ويتبسط معهم في القول، وربما مازحهم، غير أنه ﷺ لا يقول إلا حقاً.
· فعن جرير بن عبد الله t قال: «ما رآني رسول الله ﷺ منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي». [رواه البخاري في «الأدب والمفرد»، والنسائي في «الكبرى»، وصححه الألباني].
· وعن أنس بن مالك t أن النبي ﷺ قال له: «يا ذا الأذنين». [رواه أبو داود وصححه الألباني].
يمازحه ﷺ بذلك.
· وعن أبي هريرة t قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا. قال: «إني لا أقول إلا حقًّا». [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
ويحفظ قلوبهم
· فعن جابر t قال: كنا مع النبي ﷺ، فبعثني في حاجة، فرجعت وهو يصلي على راحلته، ووجهه على غير القبلة، فسلمت عليه فلم يرد عليَّ، فلما انصرف قال: «إنه لم يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنت أصلي» . [ رواه مسلم].
· وعن الصعب بن جثامة t أنه أهدى لرسول الله ﷺ حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: «أما إنا لم نردّه عليك إلا أنا حرم» . [رواه البخاري].
· وعن صفية بنت حيي قالت: كان النبي ﷺ معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسماة بن زيد، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، فقال النبي ﷺ: «على رسلكما، إنها صفية بنت حُيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله .قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا» أو قال: «شيئًا» [متفق عليه].
ويشاركهم فقرهم وشدة معيشتهم
· فعن أبي هريرة t قال: خرج رسول الله ﷺ ذات يوم (أو ليلة)، فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» قالا: الجوع يا رسول الله. قال: «وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما». [رواه مسلم].
ويقيل عثراتهم ويقبل معاذيرهم ويسأل عنهم إذا غابوا
· فعن أنس بن مالك t قال: لما نزلت هذه الآية: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ { [الحجرات: 2]. إلى آخر الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي ﷺ، فسأل النبي ﷺ سعد ابن معاذ فقال: يا أبا عمرو! ما شأن ثابت؟ أشتكى؟ قال سعد: إنه لجاري وما علمت له شكوى. قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله ﷺ، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا على رسول الله ﷺ، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «بل هو من أهل الجنة». [رواه مسلم].
ولما خاطب حاطب بن أبي بلتعة ناسًا من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ قال له رسول الله ﷺ: «يا حاطب، ما هذا؟» فذكر له أنه فعل ذلك ليتخذ فيهم يدًا، يحمون بها قرابته، ولم يفعله كفرًا ولا ارتدادًا عن الدين، فقال عمر: «دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق» فقال ﷺ: «صدق، إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم». [متفق عليه].
· وكان يسأل عنهم في الغزو كما سأل عن كعب بن مالك في غزوة تبوك فقال: «ما فعل كعب بن مالك؟». [متفق عليه].
وقال في يوم خيبر: «أين علي بن أبي طالب؟». [متفق عليه].
ويحسن عشرتهم
قال أنس: «خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين، والله ما قال لي: أفًّا قط، ولا قال لي لشيء: لِمَ فعلت كذا؟، وهلَّا فعلت كذا». [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
ويعرف لذوي السبق منهم فضلهم وسابقتهم
* فعن أبي الدرداء t قال: كنت جالسًا عند النبي ﷺ إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي ﷺ: «أما صحابكم فقد غامر» فسلم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر» ثلاثًا. ثم إن عمر ندم فأتي منزل أبي بكرٍ فسأل: أَثَمَّ أبو بكرٍ، فقالوا: لا. فأتى إلى النبي ﷺ، فسلَّم، فجعل وجه النبيِّ ﷺ يتمعَّر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي ﷺ: «إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكرٍ: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي» مرتين. فما أوذي بعدها. [رواه البخاري].
وينصر ضعفاءهم وفقراءهم
· فعن عائذ بن عمرو، أنا أبا سفيان، أتى على سلمان، وصهيب، وبلال، في نفرٍ فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم، فأتى النبي ﷺ فأخبره، فقال: «يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك» فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي. [رواه مسلم].
ويذهب إليهم ليصلح بينهم
· فعن سهل بن سعدٍ الساعدي t: «أن رسول الله ﷺ ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم». [متفق عليه].
ويحذرهم من الفتنة والاختلاف
· فعن جابر t قال: اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فنادى المهاجرون: يا للمهاجرين، ونادى الأنصار: يا للأنصار، فخرج رسول الله ﷺ فقال: «ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية» قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر. قال: «فلا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره». [رواه مسلم].
وفي لفظ: «دعوها فإنها منتنة». [متفق عليه].
وينهاهم عن إطرائه والغلو فيه
* فعن عمر t قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله» . [رواه البخاري].
ويشاركهم العمل والجهاد
* فعن البراء t قال: رأيت رسول الله ﷺ يوم الخندق وهو ينقل التراب، حتى وارى التراب شعر صدره – وكان رجلًا كثير الشعر – وهو يرتجز برجز عبد الله:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا | ||
ولا تصدقنا ولا صلينا | ||
فأنزلن سكينة علينا | ||
وثبت الأقدام إن لاقينا | ||
إن الأعداء قد بغوا علينا | ||
إذا أرادوا فتنة أبينا | ||
يرفع بها صوته. [رواه البخاري].
ويقبل دعوتهم
* فعن أنس t قال: «قال رجل من الأنصار: إني لا أستطيع الصلاة معك - وكان رجلًا ضخمًا – فصنع للنبي ﷺ طعامًا فدعاه إلى منزله، فبسط له حصيرًا، ونضح طرف الحصير، فصلى عليه ركعتين». [رواه البخاري].