وإنك لعلى خلق عظيم
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكريم الرزاق، والصلاة والسلام على من بُعث لإتمام مكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التلاق، أما بعد:
لقد كان للأخلاق النبوية والآداب المحمدية أعظم الأثر في الدعوة والتربية، وبناء أمة مسلمة قوية، وجيل إسلامي رائد قادر على نشر الإسلام في كل جنبات هذا العالم الفسيح.
* فكم من الناس آمن بعد كفر؟
* وكم من الناس اهتدى بعد ضلال؟
* وكم من الناس انقاد بعد شرور، بسبب هذه الأخلاق النبوية الكريمة والشمائل المحمدية السامية؟
* وكم من الناس دخل في دين الله – عز وجل - بسبب حلم النبي ﷺ وعلمه؟
* وكم من الناس دخل في الإسلام بسبب عفوه ورحمته؟
* وكم من الناس دخل في الإسلام بسبب إيثاره وجوده؟
* وكم من الناس دخل في الإسلام بسبب عدله ومروءته؟
* وكم من الناس دخل في الإسلام بسبب زهده وافتقاره؟
* وكم من الناس دخل في الإسلام بسبب قوته وبأسه وشجاعته؟
* وكم كان لهذه الأمة من آثار على الجماعة المسلمة، والعصبة المؤمنة، والأمة الخالدة؟
لقد كان محمد ﷺ يربي أصحابه على مكارم الأخلاق، ورفيع الآداب، ومعالي الخصال، فكان – دائما - يحثهم على إحسان معاملة الخلق، والتواضع لهم، والشفقة عليهم، والرحمة بهم، والسعي في حوائجهم، وأخبر أن ذلك مما يتقرب به المرء إلى ربه, وينال به الدرجات العلا.
إن الأزمة التي يعيشها المسلمون اليوم هي - في جانب كبير منها - أزمة أخلاقية، ولن يستقيم لنا حال، ولن نفلح في إعادة الحياة الإسلامية على منهاج النبوة إلا بالتعامل فيما بيننا من خلال مكارم الأخلاق.
لقد غابت أخلاق النبوة بين المسلمين إلا من رحم ربي، وإلا فأين هذه الأخلاق في واقع المسلمين وسلوكهم؟
أين الآداب النبوية في العبادات والمعاملات؟
أين الفضائل والشمائل المحمدية في دنيا الناس؟
أين دعوى المحبة العريضة التي يطلقها أكثر الخلق؟
إن الناس – قديما - كانوا يدخلون في دين الله أفواجا بسبب أخلاق تجار المسلمين، فدار الزمان دورته, وأصبح الناس يُصدون عن دين الله من قبل أخلاق المسلمين.
نعم لقد أهمل أكثر المسلمين هذا الجانب المهم، وتلك القضية الكبرى، وآثروا النـزاع والتناحر حول قضايا أخرى يتسع في معظمها الخلاف، فظهر التجريح والتبديع، والتفسيق، والتضليل فيما بينهم، دون دليل معتبر, وذلك لأن القلوب خاوية، والنفوس خربة، وأخلاق النبوة بعيدة عن هذا كله، ودعوة النبي ﷺ أرفع من هذه الفوضى وتلك الأحقاد.
* فلماذا لا نجتمع على هذا الجانب الأخلاقي الذي لا نجد فيه خلافا البتة؟
* لماذا يبحث كل منا عن خطأ الآخر، ولا يجد له عذرا بينما يعمى عن أخطاء نفسه، وإذا شعر بخطأ واحد، أوجد لنفسه مئات المعاذير؟
* لماذا نتناحر ونتدابر ونتباغض وديننا واحد، وربنا واحد، ورسولنا واحد، وكتابنا واحد، وقبلتنا واحدة؟
ألا ما أكثر ما يمكن أن يجتمع عليه المسلمون في دين الله – عز وجل-, ولكنهم أحيانا لا ينظرون إلا إلى جوانب الخلاف والفرقة. }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{ [الأحزاب: 22]، }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [التوبة: 128]، }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{ [الأنبياء: 107]، }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ [القلم: 4]، }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{ [آل عمران: 159].
رحمة أرسله الله لنا | وشفيعا قد غدا فينا غدا | |
وهب المال لمن مال له | وفدى من ذنبه من وفدا | |
ليس يحصي فضله إلا الذي | هو أحصى كل شيء عددا |
صور من أخلاق النبوة
1- عن أنس بن مالك – رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقاً) [متفق عليه].
2- وعن ابن عمر – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ لم يكن فاحشا, ولا متفحشا. وكان يقول: «إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا» [رواه مسلم].
أخلاقه ﷺ في بيته
3- وعن الأسود قال: سألت عائشة –رضي الله عنها: كيف كان النبي ﷺ يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام فصلى. [رواه البخاري].
4- وعن عروة قال: سألت عائشة –رضي الله عنها: ما كان النبي ﷺ يصنع إذا خلا؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويصنع ما يصنع الرجل في أهله. [رواه أحمد، وصححه الألباني].
أخلاقه ﷺ مع الخادم
5- وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه - قال: خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين. والله، ما قال لي أفا قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ [متفق عليه].
وفي لفظ: (ولا عاب عليَّ شيئا قط) [رواه مسلم] وكان رسول الله ﷺ يقول للخادم: «ألك حاجة؟» [رواه أحمد, وصححه الألباني].
أخلاقه ﷺ مع الأطفال
6- وعن أنس – رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عميرة، كان فطيماً، فكان إذا جاء رسول الله ﷺ فرآه قال: « يا أبا عمير، ما فعل النُّغير؟» قال: فكان يلعب به. [متفق عليه]. والنغير: طائر صغير مثل العصفور.
7- وعن أنس قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله, لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله ﷺ، فخرجت حتى أمر على صبيان, وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله ﷺ قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه, وهو يضحك، فقال: «يا أُنيس، أذهبت حيث أمرتك؟» قلت: نعم, أنا ذاهب يا رسول الله. [رواه مسلم].
8- وعن أنس – رضي الله عنه: (أن النبي ﷺ كان يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم) [رواه النسائي، وصححه الألباني].
أخلاقه ﷺ مع الناس
9- وعن أنس – رضي الله عنه - قال: صحبت رسول الله ﷺ عشر سنين، وشممت العطر كله، فلم أشم نكهة أطيب من نكهته، وكان إذا لقيه واحد من أصحابه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناولها إياه، فلم ينـزع منه حتى يكون الرجل هو الذي ينـزع عنه. وإذا لقي أحدا من أصحابه, فتناول أذنه ناولها إياه، فلم ينـزعها عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينـزعها منه. [متفق عليه].
قضاؤه ﷺ حوائج النساء
10- وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه - أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال رسول الله ﷺ: «يا أم فلان، خذي في أي الطريق شئتِ، قومي فيه حتى أقوم معك، فخلا معها رسول الله ﷺ يناجيها حتى قضت حاجتها» [رواه البخاري معلقا مجزوما به، وأبو داود وأحمد].
قضاؤه ﷺ حوائج الإماء
11- وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه - قال: إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله ﷺ، فما تنـزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في حاجتها. [رواه ابن ماجة، وصححه الألباني].
جود النبي ﷺ وسخاؤه
12- عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- قال: ما سئل رسول الله ﷺ شيئا قط فقال: لا. [متفق عليه].
13- وعن أنس – رضي الله عنه - قال: ما سئل رسول الله ﷺ على الإسلام شيئا إلا أعطاه. قال: فجاء رجل، فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء، من لا يخشى الفاقة. [رواه مسلم].
14- وقال صفوان بن أمية بعد أن أعطاه رسول الله ﷺ ثلاثمائة من النعم بعد غزوة حنين: والله, لقد أعطاني رسول الله ﷺ ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى أنه لأحب الناس إليّ. [رواه مسلم].
15- وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، حين يلقاه جبريل – عليه السلام - فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة. [متفق عليه].
16- وعن جبير بن مطعم – رضي الله عنه - قال: بينا رسول الله ﷺ ومعه الناس مقفلة من حُنين، علقت الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف رسول الله ﷺ فقال: «أَعْطُونِي رِدَائِي, فوالله, لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا» [رواه البخاري].
سعة صدره ﷺ وكثرة احتماله
17- عن عائشة – رضي الله عنها - قالت: ما خير رسول الله ﷺ بين أمرين، إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله – عز وجل - فينتقم لله عز وجل. [متفق عليه].
18- وعن عائشة – رضي الله عنها - قالت: ما ضرب رسول الله ﷺ امرأة قط، ولا ضرب خادما قط، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله – عز وجل - ولا نيل منه, فانتقم من صاحبه، إلا أن تنتهك محارم الله. [رواه مسلم].
19- وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ أدركه أعرابي، فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله ﷺ, وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ﷺ فضحك, وأمر له بعطاء. [متفق عليه].
20- وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ، وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة – وهو رجل من بني تميم - فقال: يا رسول الله, أعدل. فقال رسول الله ﷺ: «ويلك, ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل» فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه, فأضرب عنقه. فقال: «دعه» [رواه البخاري].
21- وعن ابن مسعود – رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله ﷺ قسما فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النبي ﷺ فساررته، فغضب من ذلك غضباً شديداً، واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له، ثم قال: «قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر» [متفق عليه].
حسن كلامه ﷺ في العتاب
22- عن أنس – رضي الله عنه - قال: لم يكن رسول الله ﷺ سبابا, ولا فحاشا، كان يقول لأحدنا في المعتبة: «ما له؟ تربت يمينه»([1]) [رواه البخاري].
حسن كلامه ﷺ إذا رأى ما يحب وما يكره
23- عن عائشة – رضي عنها - قالت: كان رسول الله ﷺ إذا رأى ما يحب قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات» وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كل حال» [رواه البيهقي، وصححه الألباني].
حياؤه ﷺ
24- عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - قال: كان رسول الله ﷺ أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا، عرفناه في وجهه. [متفق عليه].
تبسمه ﷺ
25- عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة – رضي الله عنه: أكنت تجالس رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، كثيرا، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون, ويتبسم ﷺ. [رواه مسلم].
دعابته ﷺ
26- عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: «إني لا أقول إلا حقا» [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
عفوه ﷺ وصفحه
عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله ﷺ غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله ﷺ في واد كثير العضاة([2])، فنـزل رسول الله ﷺ تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها، وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر. فقال رسول الله ﷺ: «أن رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف فاستيقظت، وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا([3]) في يديه. فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله. قال: فشام السيف([4])، فها هو ذا جالس» ثم لم يعرض له رسول الله ﷺ. [متفق عليه].
28- وعن عائشة – رضي الله عنها - قالت: قلت للنبي ﷺ هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ, فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي, فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي, فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ, وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ, وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ, فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ, فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ, إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ, وأنا ملك الجبال, وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك, فِمَا شِئْتَ, إِنْ شِئْتَ أَطْبَقتُ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ»([5]). فقال النبي ﷺ: « بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ, لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا».
شجاعته ﷺ وقوته
29- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس. ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله ﷺ راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي، في عنقه السيف، وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا»([6]) [متفق عليه].
30- وعن جابر – رضي الله عنه - قال: كنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية([7]) شديدة، فجاؤوا بالنبي ﷺ فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق. فقال: «أنا نازل» ثم قام، وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا, فأخذ النبي ﷺ المعول فضرب في الكدية، فعاد كثيبا أهيل أو أهيم ([8]) [رواه البخاري].
31-وقال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به, يعني النبي ﷺ. [رواه مسلم].
32- وسأل رجل البراء: أفررتم عن رسول الله ﷺ يوم حنين؟ فقال البراء: ولكن رسول الله ﷺ لم يفر) [متفق عليه].
تواضعه ﷺ
33- عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله ﷺ يردف خلفه، ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار. [رواه الحاكم، وصححه الألباني].
34-وعن أبي أيوب قال: كان رسول الله ﷺ يركب الحمار، ويخصف النعل، ويرفع القميص، ويلبس الصوف، ويقول: «من رغب عن سنتي فليس مني» [رواه ابن عساكر، وحسنه الألباني].
35- وعن أنس – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله ﷺ يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السَّنِخَة ([9]) .[رواه الترمذي في الشمائل، وصححه الألباني].
36- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال: كان رسول الله ﷺ يجلس على الأرض, ويأكل على الأرض، ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير.[رواه الطبراني، وصححه الألباني].
حسن تعليمه ﷺ
37- عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم, فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله, ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله, ما كهرني, ولا ضربني, ولا شتمني. قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله ﷺ [رواه مسلم].
رحمته ﷺ وشفقته بأمته
38- عن أنس بن مالك – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأخفف من شدة وجد أمه به» [متفق عليه].
39- وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رجلا أتى رسول الله, فقال: يا رسول الله, هلكت. قال: «ويحك» قال : وقعت على أهلي في رمضان. قال: «أعتق رقبة» قال: ما أجدها. قال: «فصم شهرين متتابعين» قال: لا أستطيع. قال: «فأطعم ستين مسكيناً» قال: ما أجد. فأتى بعرق فقال النبي ﷺ: «خذه فتصدق به» فقال: يا رسول الله, أعلى غير أهلي؟ فو الذي نفسي بيده, ما بين طُنُبَي المدينة أحوج مني، فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، فقال: «خذه»[متفق عليه].
40- وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله ﷺ إذ جاء أعرابي, فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله: مه مه. فقال رسول الله ﷺ: «لا تزرموه, دعوه» فتركوه حتى بال, ثم إن رسول الله ﷺ دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول, ولا القذر، إنما هي لذكر الله – عز وجل- والصلاة، وقراءة القرآن» ثم أمر رجلا من القوم, فجاء بدلو من ماء فشنه عليه [متفق عليه].
41- وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي ﷺ كان يُصغي للهرة الإناء فتشرب، ثم يتوضأ بفضلها. [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
42- وعن جابر - رضي الله عنه – أن النبي ﷺ كان يتخلف في المسير, فيزجي([10]) الضعيف, ويردف، ويدعو لهم» [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
([1]) تربت يمينه: أي افتق، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب, ولا وقوع الأمر به. انظر النهاية (1/184).
([2]) العضاه: كل شجرة ذات شوك.
([3]) صلتا: أي مسلولا.
([4]) فشام السيف: أي: أغمده.
([5]) الأخشبان: جبلان بمكة.
([6]) قال النووي: وفيه فوائد: منها: بيان شجاعته ﷺ من شدة عجلته في الخروج إلى العدو, وقيل: الناس كلهم، بحيث كشف الحال, ورجع قبل وصول الناس.
([7]) الكدية: الصخرة: الصلبة.
([8]) أي تحولت هذه الكدية إلى كثيب من الرمل المبعثر لشدة ضربته ﷺ .
([9]) الإهالة السنخة: الشحم الرديء.
([10])زجى الضعيف: ساقه برفق.