×
هذا الكتيب يبين وصف الدارين الجنة والنار حسبما ورد في الكتاب والسنة، وأخبار الجنة وما فيها من نعيم، وأخبار النار وما فيها من العذاب الأليم، وطرق النجاة منها.

 نافذة على داري النعيم والجنة

عبد الرحمن اليحيى

بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

كنت أسمع أخبار الجنة والنار فلا أعرف عنها إلا أنَّ هناك جنة ونارًا، فأدعو الله أن يدخلني الجنة ويعيذني من النار دعاءَ باردٍ واستعاذةَ غافلٍ، ولكن لما اطلعت على أخبار الجنة والنار وشروحاتها تغيَّر الوضع عندي؛ فإذا سمعت بذكر الجنة تاقت نفسي إليها، وحنَّت لها، وأخذت أدعو الله من كل قلبي أن يدخلني الجنة، وإذا سمعتُ بذكر النار حزنت وخفت على نفسي، وأخذت أستعيذ بالله من كل قلبي أن يعيذني من النار، وما يقرب إليها من سوء.

ورأيت أن أكتب لك أخي المسلم هذه «النافذة على داري النعيم والجحيم»، وعرضتها عرضًا يخص كلَّ دار على حدة؛ ليجلي لك حقيقة كل دارٍ؛ عسى أن يبعثك ذلك على الرغبة في الفوز بدار السلام، وعلى الرهبة من دار البوار، وجعلت كل نافذة في مبحث مستقل لكي تطلب دار السلام بالإيمان والتقوى، وتهرب من دار الجحيم باجتنناب الشرك وترك المعاصي، وقد وصفتُ كلَّ واحدة منها حسبما ورد في الكتاب والسنة حتى لكأن القارئ عندما ينهي آخر خبر منها قد رآها بأمِّ عينيه، وعاش فيها ببدنه ونفسه، فهات يدك أنا وأنت لنطلع عبر هذه النافذة ساعة على ما هنالك من الحبور والسرور، وما هنالك من السعير والشرور قبل يوم البعث والنشور، وندعو الله الكريم الوهاب أن يتداركنا برحمته، وأن ييسر لنا الأسباب التي تقربنا من دار الكرامة، وأن يحول بيننا وبين ما يقربنا من دار الهوان.

كتبه

عبد الرحمن اليحيى

أبها – ص.ب: 20064

* * * *


 نافذة على دار النعيم

كتبت لك هذه المذكرة لغرض نبيل، نافذة على دار النعيم، وصغتها على شكل بحث لطيف، قُلْتها بلساني وقيَّدتها ببناني، قصدت بها وجه الله ونفع إخواني، ووصفت لك نعيمها وسرورها حتى لكأنك تراها فتشتاق نفسك ويحسن عملك ويعظم رجاؤك؛ فإن من رجا شيئًا طلبه، ولست أعني بالرجاء رجاء من ينهمك في المعاصي مع التعويل على كرم الله وعفوه من غير توبة ولا عمل؛ فهذا في الحقيقة غرور.

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إن السفينة لا تجري على اليبس

لكن الرجاء المحمود يكون بعد بذل الأسباب والاجتهاد في العمل؛ فلا يوصل إلى الجنة إلا على جسر من التعب؛ فقد جعل الله طريق الجنة وعرًا وحفَّه بالمكاره والصعوبات؛ فهو يحتاج منك إلى احتياط واحتراز وتشمير وجَدٍّ وعزم؛ ففي الحديث: «ألا مشمر للجنة، فإن الجنة لا خطر لها» [رواه البزار].

ورغم صعوبة طريق الجنة وعظم تكاليفه فإن نهايته الجنة، وإذا بلغ العبد تلك الدار وجد فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، وجد نعيمًا صافيًا دائمًا وسعادة أبدية.

إن الواحد إذا بنى له دارًا في الدنيا تعب ونصب، وقد يسقط أثناء البناء فتنكسر رجله، ومع ذلك يصبر ويستمر في البناء؛ فكيف تريد أن تتخذ دارًا بجوار رب العالمين وقصورًا في عليين، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، حصباؤها الدر والياقوت، وفرشها بطائنها من إستبرق، وحور عين، ولا تبذل أدنى مهر لها.

يقول يحيى بن معاذ: قلوب من التقوى خراب، وذنوب كعدد الرمال، وأعمال كالسراب، وتطمع في الكواعب الأتراب وجوار الكريم الوهاب، هيهات هيهات.

وإذا عرفت هذا كله فإليك هذه النافذة على دار النعيم لترى ما في حشوها من مسرات وأصناف اللذات. ومصدر حديثنا عن دار السلام هو الكتاب والسنة؛ إذ الأول كتاب من أوجدها وخلق أهلها وعرفهم لها، أما السنة فإنها أخبار من دخلها ووطأت أقدامه أرضها.

جمعتها لتكون هذه النافذة للمحزون سلوة، وللمشتاق جلوة، ومحركة للقلوب، وحادية للنفوس، ويزيد الناظر فيها إيمانًا، وينزر للجنة كأنه يشاهدها عيانًا، وجل المقصود بها بشارة أهل الإيمان، ومحركة للهمم إلى دار الأمان، نسأل الله أن يجعل أعلى الفردوس مأوانا ومثوانا بفضله ورحمته.

أخي القاري هات يدك نتجول قليلاً في دار السلام بين أنهار الجنة والأشجار والخدم والمطاعم والمشارب وسائر ألوان النعيم والسرور؛ لنمتع النفس ساعة قبل قيام الساعة.

فإذا خرج أهل الجنة من قبورهم ينفضون عن رؤوسهم التراب، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، يستقبلون بنوق بيض عليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد، لم تر الخلائق مثلها، يركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة وهم راكبون، تُقاد هذه النوق ويسيرون عليها ويتجهون إلى الجنة، يقول الله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 73]. فتفتح لهم أبواب الجنة؛ لأن الله قال عنها ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ﴾ [ص: 50]، فإذا رأوها من بعيد تكاد أكبادهم تتفطر فرحًا وشوقًا وهم يرونها أمامهم، ويدرون أنهم إليها سائرون، وكلما اقتربوا منها يبتهجون حتى يدخلوا بعد ذلك هذه الدار المباركة الطيبة أرضُها، والعَذْب شرابها.

ويجدون طيب ريحها من مسيرة سنين عديدة ومسافات شائعة، رائحة عبقة وزكية تملأ جنباتها، ففي مسند أحمد «وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عامًا» وعند البخاري: «وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا»، وورد أيضًا خمسمائة عام «تراح رائحة الجنة من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجدها منَّان بعمله، ولا عاق، ولا مدمِن خمر» [رواه الطبراني].

وهذه الأحاديث تدلنا على طيب الجنة لأهلها، وقد أشهدنا الله في هذه الدار نماذج للروائح الطيبة؛ لتدلنا على ما هنالك، وريح الجنة يشترك أهل الجنة في إدراكه من قُرب وبُعد إلا بعض العصاة لا يجدون ريحها في العرصات، وريح الجنة ونفسها حادٍ لأهل الجنة يحدوهم إليها، سبحان الله العظيم! هل يوجد في هذه الدنيا دار أو طيب يوجد ريحه من مسافات بعيدة هكذا؟ بل هل يوجد من مسافة مائة متر فقط؟! فيساقون على نوق الجنة حتى إذا وصلوا إلى أبواب الجنة وهي ثمانية أبواب، وجدوا عندها شجرة في أصلها عينان تجريان، فيشربون من إحداهما فلا تترك في بطونهم قذى ولا أذىً إلا رمته، ويذهب ما في قلوبهم من غل، ويغتسلون من الأخرى فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعث رؤوسهم، ولا تتغير أبشارهم بعد هذا أبدًا». رواه ابن أبي شيبة، فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم.

* أما صفة أبواب الجنة فصفائحها من ذهب، وحلقها ياقوت أحمر [رواه ابن أبي الدنيا كما في الترغيب].

* وأما سعتها فهي في غاية الوسع والكبر حتى إن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة، ففي الحديث: «وإن ما بين المصراعين من الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام». رواه البخاري ومسلم، وزاد مسلم: «وأول مَنْ يدخل الجنة فيستفتح فتفتح له أبوابها محمد - صلى الله عليه وسلم -». فإذا وصلوا أبوابها نادى المنادي: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ﴾ [الحجر: 46]، سلام من الآفات، آمنين من المخاوف، فلا موت ولا مرض ولا همَّ ولا جوع ولا عطش، ففي الجنة ينادي المنادي: «إنَّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا، ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 43]»، رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

فيا لها من فرحة عظيمة وهم يدخلون من تلك الأبواب ويزدحمون عليها ازدحام الإبل العطاش إذا وردت الماء، وبعد الدخول تستقبلهم الملائكة تهنئهم بسلامة الوصول بعد السفر الطويل بالفوز العظيم ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 24].

* أما وصف نعيم الجنة ففوق ما يدور في الخيال ويخطر بالبال، وكيف يقدر قَدْر دار غرسها الله بيده وجعلها مقرًأ لأحبابه، وملأها من رحمته، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها الخير بحذافيره، وطهَّرها من كل عيب ونقص، فقد أخبرنا ربَّنا في كتابه عما أعدَّه من الكرامة لعباده المؤمنين من أصناف المطاعم والمناكح والمساكن والملابس، فأخبرنا أن فيها لبنًا وعسلاً وخمرًا، وماء، ولحمًا، وحريرًا، وفضَّةً، وذهبًا، وفاكهة، وحورًا، وقصورًا، وليس في الدنيا مما في الجنة إلا التوافق في الأسماء؛ لكنها تختلف في الطعوم والروائح؛ ففيها ما لم ترَ عين، ولم تسمع أُذُن، ولم يخطر على قلب بشر.

* أما تحفة أهل الجنة إذا دخلوها وأول طعامهم «فزيادة كبد الحوت» رواه مسلم، والتحفة هي ما يجعل للضيف قبل الطعام ويهدى له ويخص ويلاطف به، وهي من عادة العرب إذا ذبحوا للضيف يتحفونه بالكبد إيدامًا له قبل الطعام، قال النووي: «وزائدة كبد الحوت» هي القطعة المنفردة المتعلقة في الكبد وهي أطيبها.

أما أول طعامهم «فينحر لهم ثور الجنة يأكل من أطرافها». [رواه مسلم].

* أما قصور الجنة وخيامها فيبنى لأهل الجنة مساكن طيبة حسنة، لبنة من ذهب ولبنة من فضة: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [الزمر: 20]؛ مبنيات محكمات مزخرفات عاليات، وفي مسند أحمد وابن حبان «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» وفي الحديث: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى قصرًا من ذهب لعُمر في الجنة» [رواه البخاري]، وهذا القصر لا مطمع فيه في الدنيا.

وفي الجنة خيام عجيبة، والسؤال: ما شكل تلك الخيام؟ وما نوعها؟ وما هي مادَّة تكوينها؟ وما مدى حسنها وجمالها؟ وقد تولَّى الإجابة على هذه الأسئلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهي من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، وفي بعض الروايات: وعرضها ستون ميلاً «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا» [رواه مسلم].

وقد سئل أحد المهندسين: لو أردنا أن نقيم خيمة فقال: نحتاج إلى قاعدة لها مثل مدينة الرياض، مائة كيلو في مائة كيلو، سبحان الله خيمة واحدة لرجل واحد مثل مدينة كاملة يسكنها أكثر من ثلاثة ملايين!

أما ثمارها فنسأل الله العظيم أن يطعمنا منها؛ فليست كثمار الدنيا؛ إن ثمار الدنيا تأتي في بعض الفصول وتُفقد في وقت آخر، وتكسو أشجارها الأوراق في وقت وتسقط في وقت آخر؛ أما ثمار الجنة فأُكلها دائم وظلها، فلا تنقطع وتوجد في كل أوان ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾ [الرعد: 35]. وثمار الجنة سهلة المنال قريبة المتناول؛ حتى ولو كانت الثمرة في أعالي الأشجار فأراد أَخْذها لاقتربت منه ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾ [الإنسان: 14]. وما في الجنة شجرة إلا ولها ساق من ذهب؛ ففي الحديث: «ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب» [رواه الترمذي].

وتربتها زعفران ومسك، يقول ابن كثير: إذا كان الساق ذهبا والتراب مسكا فما ظنك بما يتولد منها! إنه لا يتولد منها إلا الثمار الرائقة الناضجة الأنيفة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر شجرة السدر في الدنيا لا تثمر إلا ثمرة ضعيفة وهي النبق، وشوكها أكثر من ثمرها، وكذلك شجرة الطلح لا يراد منها في الدنيا إلا الظل لكنها في الجنان تختلف؛ ففي الحديث: «أن أعرابيًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله خضده، فجعل مكان كل شوكة ثمرة ينفتق عنها سبعون لونًا من الطعام لا يشبه لون لونًا» [رواه أحمد وابن المبارك].

* أما صفة الثمر ففي الحديث: «ثمر الجنة أمثال القلال والدلاء؛ أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، وليس فيها عجم». رواه ابن المبارك. وورد أن الرجل إذا قال: سبحان الله غُرست له نخلة في الجنة، لثمرها فقط خمس صفات: أحلى من العسل، أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وليس فيها عجم، والثمرة كالتيس.

* أما سعة الجنة: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [آل عمران: 133]؛ ففي مسند أحمد أن هرقل كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار» قال ابن كثير: يحتمل معنيين:

1- أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار ألا يكون في مكان آخر وإن كنا لا نعلمه.

2- وكذلك النار تكون حيث يشاء الله؛ فقد سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الجنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال: «أرأيت الليل إذا جاء فأين النهار؟!» فقال الرجل: حيث شاء الله، فقال: «كذلك النار تكون حيث شاء الله».

* أما صفة الرجال في الجنة فيدخل أهل الجنة الجنة على أكمل صورة وأجملها؛ على صورة أبيهم آدم، فقد خلقه الله بيده وأحسن صورته، أسنانهم وألوانهم وطولهم واحد، ففي الحديث: «يدخل أهل الجنة جردًا مردًا بيضًا جعادًا ومكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، وهم على خلق آدم ستون ذراعًا في سبعة أذرع». رواه أحمد.

يقول ابن كثير: وفي هذا الطول والعرض والسن من الحكمة ما لا يخفى؛ فإنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذات، ولأنه أكمل سن القوة مع عظم آلات اللذة، وباجتماع الأمرين يكون كمال اللذة وقوتها؛ بحيث يصل الواحد مائة عذراء، ففي الحديث: «والذي نفسي بيده، إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع» رواه الدارمي. وورد «أن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عُدْن أبكارًا» رواه الطبراني، وهم في ازدياد من قوة الشباب ونضرة الوجوه وحسن الهيئة وطيب العيش، وذلك على الدوام بخلاف نعيم الدنيا؛ فإن الواحد يسأم من زوجته وإن كانت جميلة، ويمل من قصره وإن كان في غاية الحسن؛ لأن العادة تهون ذلك، أما الجنة فهم في زيادة من طيب العيش.

* أما أخلاق أهل الجنة وقلوبهم فيقول الله تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: 47]؛ فتلاقت قلوبهم ووجوهم، فخلقهم في باطنهم واحد، ونفوسهم صافية، وأرواحهم طاهرة زاكية، وفي الحديث: «لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يسبِّحون الله بكرةً وعشيَّة» [رواه البخاري].

* أما نساء أهل الجنة فلسن كنساء الدنيا؛ فإنهن مطهرات من الحيض والنفاس والبصاق والمخاط والبول والغائط، وقد شهد الله لحور الجنة بالحسن والجمال، وحسبك ذلك، وقد حدَّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جمال نساء الجنة، ففي الحديث: «ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأتها ريحًا، ولنصيفها على رأسها – يعني الخمار – خير من الدنيا وما فيها» [رواه البخاري].

وانظر إلى هذا الجمال الذي يحدث عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تجد له نظيرًا في الدنيا؛ ففي الحديث: «لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت لملأت الأرض ريحًا ومسكًا، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر» رواه الطبراني.

إن مصابيح النهار مع قوتها يضيع نورها مع الشمس، وضوء الشمس يضيع نوره مع نور الحور العين.

وقد وصف الله حور الجنة بوصفين فقال: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ [الرحمن: 72]، فلسن ولاجات في الطرقات والأسواق، ووصفهن بأنهن ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ فلم تطمع أنظارهن لغير أزواجهن. ومع هذا كله فقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل نساء الدنيا أفضل أم الحور العين يوم القيامة؟ فقال: «بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين» قيل: وبما ذلك؟ فقال: «بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن» انظر المجمع جـ10.

* أما أنهار الجنة فليست أنهار ماء فحسب؛ بل منها أنهار الماء واللبن والخمر والعسل المصفى ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد: 15].

فذكر هذه الأنهار الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا، فآفة الماء أن يأسن ويتغير طعمه ولونه ورائحته، وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة، وفي هذه الأيام يكتب على الألبان تاريخ الصلاحية، وإذا شربته بعد ذلك تسممت ولا تلومنَّ إلا نفسك، وآفة الخمر كراهية مذاقها؛ فهي مُرَّة وتصنع من بقايا الأطعمة المتعفنة حتى إنك إذا دخلت الأماكن التي تصنع فيها لوجدتها أنتن من الجيف، وإذا شربتها فلها خمس آفات: ذهاب العقل، وكثرة اللغو، وتصدع الرأس، وتُضيِّع المال، وتنزف النفس، وهي أم الخبائث. وآفة العسل عدم تصفيته وعدم الصبر على لسعات وخز النحل، وتلك الأنهار في الجنة تجري في غير أخاديد، ومنع الله عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها.

ومن أنهار الجنة نهر الكوثر أعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي الحديث: «بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدُرِّ المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبه أو طينه مسك أذفر». رواه البخاري، وعند أحمد «هو نهر أعطانيه الله في الجنة عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، ترابه مسك، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور».

* أما صفة الحوض المحمدي فوَرَدَ عند أبي بكر بن أبي عاصم: قيل: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما الحوض قال: «والذي نفسي بيده، إن شرابه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحًا من المسك، وآنيته أكثر عددًا من النجوم، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدًا، ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدًا». علَّق ابن كثير عليه في الفتن فقال: تعددت الطرق الكثيرة رغم أنوف كثير من المبتدعة المكابرة القائلين بجحوده، وخليق بهم أن يحال بينهم وبين وروده، قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها، سقانا الله منه يوم القيامة.

* أما أرض الجنة: فما تظن في أرضها؟ هل هي تراب أبيض أو أحمر؟ وما حصباؤها؟ وهل جدران مبانيها من لبن أو أسمنت؟ ففي الحديث: «قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها الدُر والياقوت، وتربتها الزعفران، مَنْ يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا يبلى ثيابهم ولا ينفى شبابهم». [رواه الترمذي، وانظر السلسلة].

* أما تزاور أهل الجنة وتذاكر ما كان منهم في الدنيا من طاعات وزلات، وما منَّ الله به عليهم في الجنان، ففي الحديث: «إذا دخل أهل الجنة واشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض، يسير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعًا، فيقول أحدهما لصاحبه: أعلم أن الله غفر لنا، فيقول صاحبه: كنَّا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا» رواه ابن أبي الدنيا وابن كثير في الفتن. وعند الطبراني: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل يتزاور أهل الجنة؟ فقال: «يزور الأعلى الأسفل، ولا يزور الأسفل إلا الذين يتحابون في الله...» الحديث.

قال ابن كثير يحتمل معنيين/

الأول: صاحب الرتبة السفلى لا يصلح له أن يتعدى.

الثاني: لئلا يرى فوق ما هو فيه من النعيم، فيحزن وليس في الجنة حزن.

* أما لباس أهل الجنة فأرقى من أي ثياب صنعها إنسان؛ فلباسهم الحلل والتحلي بالحلي، ففي الحديث: «أُتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثوب من حرير فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا». رواه البخاري عن البراء.

فأهل الجنة لباسهم فيها الحرير، وحُليهم أساور من ذهب: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج: 23]. وفوق هذا لا تبلى ولا تفنى، ففي الحديث: «من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه». [رواه مسلم].

* أما طعام أهل الجنة وشرابهم فلا دنس معه، ولا يترتب على نعيم الجنة ما يترتب على نعيم الدنيا؛ لأن الله جعل الجنة دارًا ليس فيها أذى، لكن أين تذهب فضلات الطعام والشراب؟ هذا السؤال قد وُجِّه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من رجلٍ من اليهود فقال: يا محمد، أهل الجنة يأكلون ويشربون فقال: «نعم». قال: فالذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى، فقال: «تكون حاجة أحدهم رشحًا يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه». [رواه أحمد والنسائي].

أما السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة؛ ففي حديث سوق الجنة أنه يغشاهم يوم الزيارة سحابة من فوقهم فتمطر عليهم طيبًا لم يجدوا مثل ريحه قط، وهذا عكس سحابة أهل النار؛ تمطرهم عذابًا كما أنشأ الله لقوم هود وشعب، وروى كثير بن مرى أن من المزيد في قوله: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: 35]. أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: «ماذا تريدون أن أمطركم، فلا يتمنون شيئًا إلا مطروا». رواه ابن المبارك؛ فالله يثير سحابة في الجنة يمطرهم ما شاؤوا من طيب وغيره.

* أما أعلى نعيم الجنة فشيء يبهر العقول ويشوق النفوس؛ وذلك إذا كشف الرب جلَّ جلاله الحجاب وتجلى لأهل الجنان نسي أهل الجنة ما هم فيه من النعيم، وشغلوا عن الحور العين بالنظر إلى ربِّ العالمين، وذلك لكمال جماله وجلاله سبحانه وتعالى، وذكر ابن كثير عن أبي المعالي الجويني في الرد على السجزي أن الرب تبارك وتعالى إذا كشف لأهل الجنة الحجاب وتجلى لهم تدفقت الأنهار واصطَفَّت الأشجار، وتجاوبت السرر والغرفات بالصرير، وغرَّدت الطيور، وأشرفت الحور العين. قلت: ومع هذا كله إلا أن أهل الجنان يشغلون عن ذلك كله بالنظر إلى رب العالمين، نسأل الله الكريم أن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم والشوق إلى لقائه في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، ففي الحديث: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة، إنَّ لكم عند الله وعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم». [رواه أحمد ومسلم].

يقول ابن الأثير: فرؤية الله هي الغاية القصوى في نعيم الآخرة والدرجات العليا، من عطايا الله الفاخرة، بلغنا الله منها ما نرجو، اللهم أعطنا منها فوق ما نرجو.

* أما أفضل ما يعطي الله أهل الجنة فرضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم؛ ففي الحديث: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك. فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا». [رواه البخاري].

* أما ذبح الموت بين الجنة والنار فيجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: «يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، ثم يقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود ولا موت، ويا أهل النار، خلود ولا موت». رواه البخاري، وزاد أحمد: «فازداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، وازداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم»، وعند ابن أبي الدنيا: «فيأمن هؤلاء، وينقطع رجاء هؤلاء».

فأهل الجنة لا يموتون فيها لكمال حياتهم، ولا ينامون لئلا يشغلوا بالنوم عن الملاذ والحياة الهنيئة، يقول الله تعالى: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى﴾ [الدخان: 56]. وعند الطبراني عن جابر سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أينام أهل الجنة؟ فقال: «النوم أخو الموت، وإن أهل الجنة لا ينامون».

أما دخول الجنة فبرحمة الله لا بالعمل، ففي الحديث: «قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل». [رواه مسلم].

ولا تعارض بين هذا الحديث وقوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32]؛ لأن الباء المقتضية للدخول غير الباء النافية: «لن يدخل الجنة أحد بعمله»؛ فإن الباء المقتضية للدخول – أي بسبب العمل – هي الباء السببية، أما الباء النافية فالمراد بها المعاوضة والمقابلة، فلا يوجد عمل يكون عوضًا لجنة الله.

يقول ابن القيم: ونحن معشر الحمقى نحسب ما لنا ولا نحسب ما علينا؛ فإذا عمل طاعة طار فرحًا، ونسي الذنوب التي يعملها كل حين.

وعليه ينبغي لنا أن نحتقر أعمالنا، ونخاف من التقصير في شكر نعم الله علينا.

* أما مكان الجنة فقال ابن كثير: عليون في السماء السابعة تحت العرش. ثم هل الجنة والنار موجودتان الآن؟ نعم. قال ابن كثير: الجنة والنار موجودتان الآن معدتان لأصحابهما كما نطق بذلك القرآن، وتواترت به الأخبار. وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة المتمسكين بالعروة الوثقى، أما الآيات فمنها: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ [غافر: 46].

وقد ثبت أن أرواح المؤمنين في الجنة على شكل طيور تعلق بشجر الجنة؛ ففي مسند أحمد عن كعب بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه». «يعلق» أي: يأكل.

أما أرواح الشهداء ففي جوف طير خضر لها قناديل؛ ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود مرفوعًا: «أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل».

ويؤخذ من هذا أيضًا أن الأرواح ممسكة عند الله، وينالها من العذاب والنعيم ما شاء الله من ذلك، ولا مانع من عرض العذاب والنعيم ما شاء الله من ذلك، ولا مانع من عرض العذاب والنعيم عليها وإحساس البدن؛ خلافًا لمن قال: إن الأرواح على أفنية القبور؛ فمذهب أهل السنة أن الأرواح ممسكة عند الله كما في قوله تعالى: ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ﴾ [الزمر: 42]، وأرواح المؤمنين على شكل طير كما سبق في الأحاديث آنفًا.

 أما الأعمال الموجبة للجنة فكثيرة منها:

1- أن مفتاح الجنة «لا إله إلا الله» ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان، ومن هنا فإن أصول «لا إله إلا الله» خمسة:

أ- المعرفة.                      ب- الإقرار.

ج- النطق باللسان.            د- العمل بالأركان.

هـ- البراءة من الكفار وبغضهم وإعلان العداوة لهم، فلا يكفي أن يقول العبد: لا إله إلا الله. حتى يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله وحده.

2- أن الجنة لا تنال بالأماني واتباع الهوى؛ فلا سبيل إليها ولو تمنى المتمنون إلا بطاعة الله ورسوله ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].

وحديث: «كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا مَنْ أبى». قالوا: ومَنْ يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».

3- ومنها إطعام الطعام وإفشاء السلام وطيب الكلام والصلاة بالليل والناس نيام؛ ففي حديث عبد الله بن سلام: «أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، ولينوا الكلام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».

4- كمال التوحيد: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا- أو سبعمائة ألف- متماسكين أخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، وجوههم على ضوء القمر ليلة البدر». [رواه البخاري]. زاد الطبراني: قيل: مَنْ هم يا رسول الله؟ قال: «هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون».

5- سؤال معاذ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أسألك عن كلمة قد أمرضتني وأسقمتني وأحزنتني قال: «سل عما شئت» قال: أخبرني بعمل يدخلني الجنة- وزاد الترمذي: ويباعدني عن النار- فقال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت».

وفي هذا إشارة إلى أن التوفيق كله بيد الله؛ فمن يسَّر الله عليه الهدى اهتدى، ومَنْ لم ييسره له لم يتيسر، وفي الحديث: «كلُّكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم». وفي الدعاء: «اللهم اهدني ويسِّر الهدى لي». وأيضًا ورد: «اللهم يسِّرني لليسرى، وجنِّبني العسرى».

تمَّت النافذة الأولى على دار النعيم ولله الحمد والمنة، وفائدة الإخبار بنعيم الجنة أن تنبِّه السامع والقارئ؛ فيأخذ في الأسباب التي تبلغه دار السلام، ويبادر إلى التوبة من التبعات، ويلجأ إلى الكريم الوهاب؛ ليعينه على أسباب السلامة، ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان وإدخاله دار الكرامة بمنِّه ورحمته.

* * * *


 نافذة على دار الجحيم

إن المسلم يعلم أن هذه الحياة تنتهي بالموت، ثم يتقرر مصيره إما إلى الجنة أو النار، ولا شكَّ أن العاقل حريص على أن يكون من أهل الجنة، وألا يكون من أهل النار، والمسلم من سلك طريق الجنة وإن كان صعبًا وشاقًّا، وترك طريق النار وإن كان سهلاً ميسورًا؛ فإن دعاة النار قد شقَّوا على جوانب طريق الجنة الوعر طرقًا فرعية عبَّدوا أولها ليخدعوا الناس، وأقاموا على جوانبها المقاهي والملاهي والمطاعم، وتخرج منها أصوات الموسيقا والغناء؛ يحسبها الجاهل مقاهي ومطاعم حقيقية، وما هي إلا أماكن خادعة أعدت لهدم الدين والأخلاق؛ فمن دخلها خرج منها مفلسًا، خسر الدنيا والآخرة، وربما حمل معه الأمراض وخسر صحته وماله، ومع ما في هذا الطريق من الهمِّ والحزن والضيق والنكد، قد ترى فيه كثرة السالكين ولكن نهايته نار جهنم.

وقد أحببت أن أكتب هذه المذكرة «نافذة على النار»؛ وصغتها على شكل بحث، قلتها بلساني وقيدتها ببناني؛ قصدت بها وجه الله ونفع إخواني؛ ليقف المسلم على أهوال النار ويطول فكره فيها؛ فإن من طال فكره في أهوال النار خاف على نفسه فاتقى الله ووقف عند حدوده وأدَّى فرائضه؛ فقد خلق الله الجنة وجعلها لمن أطاعه ولو كان عبدًا حبشيًّا، وخلق النار وجعلها لمن عصاه ولو كان حرًّا قرشيًّا، وقد ضمن الله لمن خافه في الدنيا أن يؤمِّنه يوم القيامة، ومَنْ أمن الله في الدنيا فارتكب حدوده أخافه الله يوم القيامة؛ ولست أعني بالخوف رقَّة كرقَّة النساء تدمع العين ويرق القلب حال السماع، ثم تنساه عن قرب وتعود إلى لَهْوك ولعبك وعنادك لربِّك، لا ثُمَّ لا؛ ولكن مَنْ خاف شيئًا هرب منه، ومن رجا شيئًا طلبه، فلا ينجيك إلا خوفٌ يمنعك من المعاصي ويحثُّك على فعل الطاعات.

إن النار ليس لأحد صبر عليها، ولا لأحد عليها طاقة ولا قوة؛ فليست مصيبتها كالمصيبات، ولا حُزن أهلها كالأحزان، نبؤها عظيم، وشأنها خطير، وحزنها فظيع، وقعرها بعيد، وحرُّها شديد، وحليها حديد، وشرابها صديد، ولا يغفل عن الفرار منها والتعوذ من عذابها إلا سفيه أحمق خاسر؛ خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.

وجهنم – أجارنا الله منها – هي دار العذاب وعالم الشقاء؛ العذاب فيها أنواع متنوعة وصنوف مصنفة، وقد جمع الله فيها من صنوف العذاب وضروب الشقاء ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر.

فيا أيها العاقل عن نفسه المغرور بما في هذه الحياة من ملهيات ومغريات وفتن وشهوات، إن الله جعل النار سجنًا لمن عصاه وتمرَّد على أوامره ونواهيه، وهذا السجن ليس كسجن الدنيا؛ ففي سجن الدنيا تجد الساقي إذا ظمئت، وتجد الراحة إذا تعبت، وتجد الفراش إذا نمت، وتتصل على أهلك إذا اشتقت؛ أما نار جهنم فهيهات هيهات أن تجد الراحة فيها أبدًا؛ فليس فيها شيء من هذا كله ولا ما يقاربه؛ بل يسكنه الله دارًا ضيقة الأرجاء، لا يسمع فيها النداء، ولا يرحم فيها البكاء، وما هم منها بمخرجين.

 وإليك بعض ألوان العذاب في هذا السجن لتعرف الفرق بين السجنين، أجارنا الله من جهنَّم وما يقرب إليها من سوء:

كيف يخرجون من قبورهم ويساقون إلى هذا السجن؟ يقول الله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ [الزمر: 71]؛ فتسوقهم الملائكة رجالاً ونساءً سَوْق الدواب وقطع الغنم زجرًا وضربًا، ولهم بكاء وصراخ وأهوال وغموم وحسرات وزفرات، فلا يدرون إلى أي جهة يتجهون؟ وهذا في الحقيقة صعب على الإنسان أن يُقاد إلى مكان لا يعلم الجهة التي يؤخذ إليها، فإذا وصلوا أمام جهنم وهم فزعون يدفعون فتحت أبوابها السبعة، وزفرت زفرة طيرت عقولهم من رؤوسهم، ثم تلفح وجوههم النار، ويستقبلهم لهبها؛ تصور لو وقفت أمام نار الدنيا وبينك وبينها مسافة ألا تحس بحرارتها؛ فإذا بعُدت منها خفَّت حرارتها، قد يكون بينك وبينها متران أو خمسة أمتار وتجد لفحها، ولكن نار الآخرة تصل حرارتها على بُعد مائة سنة، قال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان: 12]. قال: من مسيرة مائة عام فتشوي وجهه، فكيف بمن وقف على أبوابها ووقع فيها.

ومن شدَّة حرارتها لا يتقدمون إليها مع أنهم يضربون ضربًا شديدًا؛ فتدفعهم الملائكة دعًّا أي دفعًا، فيخرُّ الواحد منهم على وجهه ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: 90].

وهذا من إهانة الله لأهل النار؛ أنهم يكبون على وجوههم في النار؛ لأن أكرم ما في الإنسان وجهه فيكب عليه.

وإذا دخلوا النار يهوي أحدهم آمادًا طويلة حتى يبلغ قعرها: «لو أن حجرًا مثل سبع خلفات ألقي من شفير جهنَّم لهوى سبعين خريفًا لا يبلغ قعرها». رواه ابن أبي شيبة، وهذا يدلنا على عمقها، تصوَّر لو أن شخصًا سقط من طائرة: كم يكون فزعه! فكيف بنار جهنم عندما يسقط فيها! فإذا تكاملوا في تلك الدركات أغلقت عليهم أبواب جهنم: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ [الهمزة: 8]؛ أي مغلقة.

وإذا أردت أن تعرف درجة حرارة تلك النار فضاعف نار الدنيا (69) ضعفًا؛ ففي الحديث: «إن نارنا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم. قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية قال: فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل حرِّها» [رواه البخاري ومسلم].

وهي نار تأكل كلَّ شيء بإذن ربها، لا تُبقي ولا تذر «ولولا أن نار الدنيا ضربت بماء البحر مرتين ما انتفعتم بها، وإنها لتدعو الله ألا يعيدها فيها». [رواه ابن ماجه]، وما ظنُّك بنار «أوقد عليها ألف عام حتى احمرَّت، وألف عام حتى ابيضَّت، وألف عام حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة». [رواه الترمذي].

حياة أهلها فيها ﴿ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى﴾ [الأعلى: 13]. فلا موت، ولا حياة كاملة، ولا خروج، ولا يخفف عنهم من عذابها ولو يومًا واحدًا، روى ابن أبي الدنيا عن وهب: «أن أهل النار الذين هم أهلها لا يهتدون ولا ينامون ولا يموتون، يمشون على النار، ويجلسون على النار، ويشربون من صديد النار، ويأكلون من زقوم أهل النار، لحافهم نار، وفرشهم نار، وقمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها يجذبونهم مقبلين ومدبرين، فيسيل صديدهم إلى حفيرة في النار فذلك شرابهم». وقد ورد من طرق صحاح مقطعًا، وقد جعل الله في النار كل مؤذٍ: «كل مؤذ في النار». رواه الخطيب.

وإذا أردت أن تعرف تحفة أهل النار عند دخولهم النار فيتحفون بالأكل من زقوم ﴿هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الواقعة: 56]، والنزل هو ما يُعدُّ للضيف.

يقول الحسن: «ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشًا، واحترفت أجوافهم جوعًا، فإذا دخلوا النار فيسقون من عين آنية قد آن حرها، ويأكلون من زقومها».

إذا كان الواحد منا لا يصبر عن الطعام يومًا وليلة فما ظنك بجوع وظمأ يوم القيامة، ألا ترى الناس في الحج والصيف لا يصبرون عن الماء ساعة، ولك أن تتساءل: لماذا ذهبت اللذات في الآخرة عن الكفار والفجار؛ فلا ماء بارد ولا طعام شهي، وحيل بينهم وبين ما يشتهون؛ لأنهم كانوا يأكلون فلا يحمدون الله، ويشربون فلا يشكرون الله، وبعدها يعصونه، فكان الجزاء من جنس العمل.

طعام أهل النار ثلاثة أنواع: الزقوم، والغسلين، والضريع.

الزقوم وهي شجرة طلعها كأنه رءوس الشياطين، ولمَّا أخبرنا الله في كتابه بأنها شجرة تنبت في أصل الجحيم ضجَّ الكفار بالإنكار فقالوا: شجرة في النار ولا تحترق، والنار تحرق الشجر، فكيف تنبت فيها؟ يقول الله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: 63، 64]. ثمرها مذاقه مُر شديد المرارة يغص في الحلق، ومن خواصه أنه يغلي في البطون كغلي الماء؛ فهو شبيه بالجير الذي إن صب عليه الماء فار وغلى ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾. [الدخان: 43-46].

وإذا كان الطعام في الدنيا يغلي في القدور فطعام أهل النار يغلي في البطون، ولا يكون في ناحية من البطن؛ بل تمتلئ به البطون ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾ [الصافات: 66].

الغسلين عصارة أهل النار من قيح وصديد وعرق وما يخرج من فروج الزناة، وما يسيل من لعاب شاربي الخمور والمغتابين والكذابين، وقائلي الباطل، وشاهدي الزور ﴿وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ﴾ [الحاقة: 36، 37].

الضريع هو شيء يكون في النار يشبه الشوك أَمرُّ من الصبَّار، وأنتن من الجيفة، وأشد حرًّا من النار، سماه الله الضريع، إذا طعمه صاحبه لا يدخل البطن ولا يرتفع إلى الفم؛ فيبقى بين ذلك، فإذا أكل ذلك الطعام غصَّ في نحره، يقول الله ﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾ [المزمل: 13]؛ لا يغني ولا يسمن من جوع، وكيف يَسمن مَنْ كان طعامه الشوك؟ وينشب في حلقه فلا يسيغه إلا بالحميم، فيسبب له إسهالاً فظيعًا، فلا يسمن ولا يغنيه من الجوع.

فألم الجوع وألم الطعام في نار جهنم عذابٌ فوق العذاب، ومتى يكون ذلك؟ عندما يلقي الله على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام فيغاثون بالضريع.

* أما شرابهم؛ فيطلبون الماء البارد، فيغاثون بماء كالمهل يغلي في البطون، ومن شدة حرِّه أنه إذا قرب الوجه منه سقطت فروة الوجه في الإناء فيدفعه ولا يريد أن يشربه، فتضربه الملائكة بمقامع من حديد، ويصب من فوق رأسه، ويقال له: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: 49].

فإذا نزل بطنه قطَّع أمعاءه من شدة حرارته: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: 15]، فيجد ألمه من الداخل ومن الخارج: ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].

أما مشارب أهل النار فالحميم والصديد والمهل وماء نهر الغوطة.

أما الحميم فماء حار يجري من عين آنية، ومن خواصه أنه يصهر به ما في بطونهم، ويقطع أمعاءهم.

أما الماء الصديد فهو ماء كدر يحوي كميات من الصديد يغص به شاربه حتى لا يكاد يسيغه، ويعاني شاربه منه الآلام، يقول الله تعالى: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾. [إبراهيم: 16، 17].

أما المهل فهو ماء ثخين حارٌّ حتى لكأنه النحاس المذاب بحيث إذا أدناه من فمه ليشربه، شوت حرارته جلد وجهه: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف: 29].

أما نهر الغوطة فهو بمنزلة الأوساخ والأقذار والنتن في الدنيا؛ ماء متجمع يسيل من فروج الزواني من النساء، سئل عنه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم». [رواه أحمد].

* أما لباس أهل النار فلباسهم من نحاس، وسرابيلهم من قطران؛ أي نحاس، وتُقطع لهم ثياب من نار، يقول إبراهيم التيمي: سبحان من خلق من النار ثيابًا ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾ [الحج: 19].

وتصوَّر لو أنك لبست ثوبًا من الصوف في الحرِّ الشديد ماذا تجد؟ تجد حرجًا وضيقًا؛ فكيف باللباس من النار؟!

* أما فرشهم فهي من نار: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: 41]، تصور لو أنك تنام على فراش من جمر كيف يكون حالك؟!

وعلى كل حالٍ:  الطعام نار، والشراب نار، واللباس نار، والنعال نار، والفراش نار، واللحاف نار، والمسكن نار، لماذا كل هذا؟! لأنه أكل، وشرب، ولبس، وافترش، وتنعم بنعم الله، فلم يشكرها، ولم يستعن بها على طاعة الله؛ فكل لقمة وشربة يحاسب عليها: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: 211]، وأما المؤمن فيثاب على كل حسنة في الدنيا والآخرة.

أخرج الإمام البزار عن فاطمة رضي الله عنها مرفوعًا: «شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان الثياب، أولئك شرار الخلق عند الله». وسنده حسن.

ويوجد في النار الروائح المنتنة؛ تصور أنك في مكان منتن الرائحة، كيف يكون حالك؟ ففي الحديث: «وإن ريح فروج أهل الزنا ليؤذي أهل النار»، مع ما هم فيه من الأذى والعذاب.

أما غيث أهل النار: فعندما يسألون الغيث لما بهم من العطش وشدة الحر تظهر لهم سحابة سوداء فيظنون أنهم يمطرون مطرًا، فتقول لهم: ماذا تريدون أن أمطركم؟ فيقولون: ماء، فتمطرهم حيات وعقارب كأمثال البغال، فتلدغ الواحد منهم اللدغة يجد حموتها أربعين خريفًا، تهري لحمه هريًا، وفي رواية: «تلسعه لسعة فيتناثر لحمه على قدمه».

وفي هذه الدنيا مشاهد مفسرة لما في الآخرة؛ لو أن أدبيرًا لسع رجلاً لرأيته يتلوى من شدة حموتها، وترى هذا الأمر لا يتجاوز دقيقة، فكيف بأربعين سنة يجد حموة وسُمِّية تلك العقارب والحيات! نعم، حيات وعقارب الدنيا تشارك حيات وعقارب الآخرة في الاسم وتخالفها في الكيف؛ فحيات وعقارب الآخرة كالبغال الضخمة، غزيرة السمِّ؛ بخلاف عقارب وحيات الدنيا، وحيات وعقارب النار تؤذي أهل النار بلسعها وسُمِّها، ولا تتأذى هي بنار جهنم مع قوة إحراقها، وحيات وعقارب الدنيا تموت بنار الدنيا؛ فلا تستغرب أبدًا وجود حياة ناهشة ولا عقارب لاذعة في نار جهنم.

ثم تأتي سحابة حمراء فتقول: ماذا تريدون أن أمطركم؟ فيقولون: ماء، فتمطرهم سلاسل وأغلال إلى أغلالهم، نسأل الله العافية؛ لأن من لوازم العذاب الشديدة عادة السلاسل والأغلال، حتى إنه ورد أن الله إذا قال للكافر: خذوه. ابتدره مائة ألف ملك يتخطفونه إلى نار جهنم.

وإذا أردت أن تعرف شدة زمهرير جهنم فشيء لا يطاق ولا يوصف، يقول ابن عباس: «يستغيث أهل النار من الحرِّ فيغاثون بريح  باردة، يصدع العظام بردها، حتى يتميز الكافر من بردها»؛ أي يتقطع، وقد جعل الله في هذه الدنيا ما يذكر بحرِّ وبرد جهنم؛ فهناك أماكن مفرطة الحر، وهناك أماكن مفرطة البرد، وكلها تذكِّر بعذاب الله لمن كان له قلب.

* أما أكثر أهل النار من عصاة الموحدين فهم النساء، ففي الحديث: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء والأغنياء». [رواه أحمد]. ورود عند مسلم: «أقل ساكني الجنة النساء».

والسبب لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، ولنقص عقولهن ودينهن وسرعة انخداعهن بالدنيا.

 ومن هنا نحذر النساء من ثلاثة أمور شاعت وذاعت في هذه الأيام:

1- ترك الحجاب وشعور البعض منهن بأنها كالرجال، يقول الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾. [آل عمران: 36]. وقد ذكرت إحدى المغسِّلات للموتى أنها رأت سوادًا حول العينين مكان النقاب لنساء عدة، فدعوا أيتها النساء النقاب الذي ينقب القلوب.

2- التبرج في اللباس، ويكون بلبس الضيق من الثياب، أو بلبس الشفاف منه، أو شقه من القدم إلى منتصف الفخذ، أو كشف الظهر أو البطن؛ إلى غير ذلك من المناظر المزرية التي تجعل المتبرجة نصف عارية، وفي الحديث: «العنوهنَّ فإنهن ملعونات». [رواه أحمد].

3- تغيير خلق الله؛ بنتف الحاجبين وتقشير الوجه أو تضخيم الشفتين أو الأرداف أو الصدر بواسطة عمليات جراحية، أو تشقير الشعر لغير حاجة، أو لبس العدسات الملونة، «وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله» وتأمل معي قوله: «المتفلجات للحسن»؛ أي طلبًا للجمال، لعنهن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن البعض من النساء إذا نصحت قالت: أتجمل لزوجي، يقول الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].

ومع هذا كله ففيهن صالحات كثيرة، وفيهن من يسبقن كثيرًا من الرجال بإيمانهن وأعمالهنَّ الصالحة.

* أما بشاعة الكافر وضخامته في النار وقبح منظره فشيء عظيم يبهر العقول ويحزن القلوب، نسأل الله أن يدخلنا الجنة بغير سابقة حساب ولا عذاب، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وغلظ جلده أربعون ذراعًا بذراع الجبار» [رواه أحمد والبزار]. وعند مسلم: «ضرس الكافر مثل أُحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث». وهذا التغليظ لجسمه ليزداد عذابه وآلامه.

يُفاجأ أهل الموقف يوم القيامة بظاهرة غريبة؛ وهي: بروز جهنم؛ حيث يجاء بها وهي تجرُّ بالأزمة، تجرُّ كما تجرُّ القاطرة، ولها تغيُّظ وزفير، ولك أن تتخيَّل عظم هذه النار، المخلوق الرهيب التي تأتي يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك. [رواه مسلم].

ولا شك أن هذا العدد الهائل من الملائكة الأشداء الأقوياء لا يعلم مدى قوتهم إلا الله، وإذا كانت هذه النار لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فيكون عددهم أربعة ملايين وتسعمائة ألف ملك يجرونها، وفوق هذا يقول الله تعالى: ﴿عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ﴾ [التحريم: 6]؛ فالملك الواحد يملك من القوة ما يواجه به البشر، ولهذا دكَّ جبريل u قرى لوط بطرف جناحه وهم ستمائة ألف بقُراهم ودوابهم؛ فجعل عاليها سافلها؛ فدلَّ هذا العدد الهائل من الملائكة الذين يجرون النار أنها مخلوق عظيم، نسأل الله العافية والسلامة.

* أما أعظم عذاب أهل النار فهو حجابهم عن الله، وإبعادهم عنه، وإعراضه عنهم، وسخطه عليهم: ﴿كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾. [المطففين: 15-17]؛ فذكر ثلاثة أنواع من العذاب: حجابهم، وصليهم، وتوبيخهم.

* أما مكان النار فقال ابن كثير: سِجِّين تحت الأرض السابعة.

 طلبات أهل النار في النار:

1- قالوا: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾. [فاطر: 37]؛ فكان العمل الصالح هو أول مطلب لهم بعد أن كان أكره ما يكون لديهم في الدنيا، فيأتيهم الجواب: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾. [فاطر: 37].

2- نداء الخزنة؛ قالوا: ﴿لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾. [غافر: 49]، فيأتيهم الجواب: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر: 50].

3- نداء مالك خازن النار: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾. [الزخرف: 77، 78].

4- يرى أهل النار أقاربهم في الجنة فيظنون أنهم يشفقون عليهم فينادونهم: ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾؛ فيأتي الجواب: ﴿إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: 25].

5- نداء أهل النار: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: 106]، فيأتي الجواب: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: 108]، ولو قيل لرجل: اخسأ. لوجد في نفسه، فكيف وهذا الجواب من ربِّ العالمين!

نخلص من كلِّ ما تقدم إلى أن الله جمع لأهل النار ما بين العذاب النفسي والبدني؛ فعذاب البدن بالنار، وعذاب النفس بالتوبيخ والإهانة، فما بقي إلا أن نقول: إن البر لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، اعمل ما شئت فأنت مجزي به.

* * * *


 كيف يتقي الإنسان النار وينجو منها؟

1- التوبة النصوح، ولا تيأس من روح الله؛ فإنه لا يهلك على الله إلا هالك، ولا ينزغنك الشيطان فيقول لك: ليس لك توبة؛ فقد وقعت في كبائر الذنوب. لا ثم لا؛ فإن الله يغفر الذنوب جميعًا، وانظر إلى الكفار يسبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويؤذونه، ومع ذلك يقول الله تعالى: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38].

وتذكَّر قاتل المائة نفس لما تاقت نفسه للتوبة وذهب إلى العالم، فقال: «هل لي من توبة؟ قال: نعم، ولكن أرضك أرض سوء فاخرج منها». فلما كان القاتل صادقًا وعازمًا على التوبة خرج، لكن من الناس من يقول: أريد أن أتوب فيتوب ساعة، ثم يعود بعد ساعة؛ لأن التوبة الصادقة هي العزم على عدم العودة إلى الذنب.

 ومن هنا نقول لكل من أضاع الصلوات وتجاوز حدود الله، وأكل الربا، وقطع رحمه، وزنى، وسرق، وتتبع عورات المسلمين، وعادى أولياء الله الصالحين، نقول: إن التوبة وطاعة الله أهون من لبس الحديد وشرب الصديد، وقد ضرب نبينا عليه الصلاة والسلام مثلاً للتائب بأنه مثل رجل ركب ناقته فدخل صحراء مدوية، ليس فيها أحد ولا شجر ولا جبل، ولا يعرف غربها من شرقها، فنام، فلما استيقظ وجد راحلته قد ذهبت وعليها طعامه وشرابه، فأخذ يبحث عنها يمنةً ويسرةً فلم يجدها، فنام من شدة اليأس، فلما أفاق وجدها عند رأسه فقال من شدَّة الفرح: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك»؛ أخطأ من شدة الفرح.

فالله أشد فرحًا بتوبة عبده من هذا براحلته بعد اليأس، وتذكَّر شيئًا أضعته ثم وجدته؛ كيف يكون فرحك؟ لكن لماذا يفرح الله بتوبة عبده؛ لأنه يحبك، فرح إحسان وفضل منه، خلق آدم بيده، وأسجد له ملائكته، وحمل بني آدم في البر والبحر، وفضَّلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وسخر لهم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه؛ لكن إذا تمرَّد العبد على الله وعصى أوامره وغرَّه إمهال الله له، فما بقي له إلا علاج نار جهنم؛ لأن آخر العلاج الكي، ومن عَدْلِ الله أن هذا العذاب لا يكون إلا بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب وتتابع النذر، وأخذه بالحسنات والسيئات لعله يرجع؛ فإن أصرَّ ولم يزده إمهال الله إلا طغيانًا وكفرًا، فالنار النار وبئس المصير.

2- ومما ينجي من عذاب الله محبته محبة تدعو إلى العمل؛ أما الحب الرخيص بلا عمل فلا ينفع؛ إن من أحب الله أطاعه، ومن أطاعه دخل الجنة؛ فالمحب للمحب مطيع، ففي الحديث: «والله لا يلقي الله حبيبه في النار». [رواه الحاكم عن أنس، انظر صحيح الجامع].

3- كثرة الصيام، ففي الحديث: «الصوم جنة من عذاب الله». [رواه أحمد والنسائي].

4- وما ينجي من النار مخافة الله وترك الهوى؛ فقد أخبرنا الله أننا لا ننجو من النار إلا بأمرين: أحدهما يتركب من الآخر: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 40، 41]؛ لأن من خاف الله ترك الهوى.

5- الجهاد في سبيل الله: «لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدًا». [رواه مسلم].

6- ومما يقي من النار الاستجارة منها، ففي الحديث: «ولا استجار رجل مسلم من النار إلا قالت النار: اللهم أجره مني». [رواه الحاكم، انظر صحيح الجامع].

7- حثَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء لما وعظهن على الإكثار من الصدقة والاستغفار، فقال: «يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار». فقالت امرأة: يا رسول الله، ولم؟ قال: «إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير». [رواه البخاري].

8- الصدقة تقي صاحبه من النار؛ ففي الصحيحين عن عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة». وفي رواية البخاري: «فإن لم يجد فبكلمة طيبة». وعند مسلم: «من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل».

* أما أسباب دخول النار فكثيرة بيَّنها الله في كتابه، وهذه الأسباب على نوعين ذكرها ابن عثيمين رحمه الله:

أ- أسباب مكفِّرة تُخرج فاعليها من الإيمان إلى الكفر.

ب- أسباب مفسقة تخرج فاعلها من العدالة إلى الفسق، ويستحق بها دخول النار دون الخلود فيها.

أما النوع الأول فنذكر منها:

1- الشرك بالله في الربوبية والألوهية أو الصفات أو في العبادة: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾. [المائدة: 72].

2- الكفر بالله أو ملائكته أو كتبه أو رسله.

3- إنكار ركن من أركان الإسلام الخمسة؛ فهو كافر مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين.

4- الاستهزاء بالله أو بدينه أو برسوله: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾. [التوبة: 65، 66].

5- سب الله أو دينه أو رسوله.

قال ابن تيمية رحمه الله: «من سب الله ورسوله فهو كافر ظاهرًا وباطنًا».

وقال الحنابلة: «من سب الله ورسوله كفر؛ سواء كان مازحًا أو جادًا، وهو الصواب، وكذلك من سب الصحابة يكفر؛ لأنه سب للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

6- الحكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أنه أقرب إلى الحق، أو أنه أصلح للخلق، أو أنه مساو لحكم الله؛ فمن حكَّم غير شرع الله واعتقد أنه خير من حكم الله أو مساو له أو أنه يجوز الحكم به، فهو كافر.

7- النفاق: وهو أن يكون كافرًا بقلبه، ويظهر للناس أنه مسلم؛ إما بقوله أو بفعله، وللنفاق علامات:

أ- الشك فيما أنزل الله.

ب- طلب الفتنة بين المسلمين والتفريق بينهم.

ج- محبة أعداء الإسلام والكفرة ومدحهم ونشر آرائهم.

ح- لمز المؤمنين في عباداتهم وعيبهم بالرياء والعجز والحمق.

د- الاستكبار عن دعاء المؤمنين احتقارًا وشكًا.

ك- ثقل الصلاة عليهم.

ط- أذية الله ورسوله والمؤمنين.

أما النوع الثاني التي يستحق فاعلوها دخول النار دون الخلود فيها:

1- عقوق الوالدين.

2- قطيعة الرحم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم»، والقطع منع حقوق مالية أو بدنية.

3- أكل الربا، وقد توعَّد الله آكل الربا بالنار.

4- أكل مال اليتيم.

5- شهادة الزور: «لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار». [رواه ابن ماجه].

6- الرشوة في الحكم: «الراشي والمرتشي في النار». [رواه الطبراني].

7- اليمين الغموس؛ سواء حلف على ما ادعاه فحكم له به، أو حلف كاذبًا فحكم ببراءته؛ «من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار». [رواه أحمد].

8- القضاء بين الناس بغير علم؛ أو بجورٍ وميلٍ.

9- غش الرعية وعدم النصح لهم.

10- تصوير ما فيه روح من إنسان أو حيوان: «كل مصور في النار يجعل الله له بكل صورة صوَّرها نفسًا فتعذبه في جهنم». [رواه مسلم]، وهذا عامٌّ في كل صورة باليد أو بالآلة؛ لأنها لا تصور بنفسها وتسمى صورة.

11- استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب للرجال والنساء.

تمت هذه المذكرة حول أخبار النار وما فيها من العذاب الأليم وطرق النجاة منها، وهي موعظة وتبصرة لكل عبدٍ منيب.

مودتي لك تأبى أن تسامحني

بأن أراك على كل شيء من الزلل

بغير دين الله لا ترجو النجاة

بغير دين الله لا يحلو البقا

وكتبه

عبد الرحمن اليحيى

أبها ص.ب: 20064


 المسابقة المقترحة على هذا الكتاب

1- ما هو أعظم نعيم أهل الجنة، مع ذكر الدليل؟

2- هات دليلاً على أن رائحة الجنة تراح من بعيد، مع ذكر ثلاثة أعمال تمنع من شم رائحة الجنة؟

3- اذكر خمسة أنهار من أنهار الجنة مع ذكر الدليل؟

4- أين مكان الجنة؟

5- هل الجنة والنار موجودتان الآن مع ذكر الدليل؟

6- ما هو بناء الجنة مع ذكر الدليل؟

7- مدح الله نساء الجنة بوصفين، اذكرهما؟

8- لمن أعد الله الغرف التي يُرى ظاهرها من باطنها، مع ذكر الدليل؟

9- رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصرًا من ذهب، لمن هو؟

10- من أول من يدخل الجنة، مع ذكر الدليل؟

11- أين تكون أرواح المؤمنين بعد الموت، مع ذكر الدليل؟

12- اذكر خمسة أسباب لدخول الجنة؟

13- بماذا يستقبل أهل الجنة عند الخروج من القبور؟

14- ما المقصود من كتابة هذا الكتاب؟

15- ما هو الرجاء المحمود؟

16- ما هو أفضل ما يُعطى أهل الجنة، مع ذكر الدليل؟

17- كم سعة الجنة؟ وبماذا أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي قال: أين النار؟ واذكر تعليق ابن كثير؟

18- ما هي تحفة أهل الجنة مع ذكر الدليل؟

19- ما هو أعظم عذاب أهل النار؟

20- كم عمق النار مع ذكر الدليل؟

21- اذكر الأسباب الواقية من النار؟

22- اذكر سبعة أسباب مكفِّرة وتوجب دخول النار؟

23- اذكر سبعة أسباب واقية من النار؟

24- اذكر عشرة أسباب مفسقة يستحق صاحبها دخول النار؟

25- ذكر المؤلف ثلاثة أمور شاعت وذاعت بين النساء في هذه الأيام، اذكرها؟

26- اذكر ثلاثة من مشارب أهل النار؟

27- اذكر ثلاثة من مطاعم أهل النار؟

28- بماذا يتحف أهل النار عند دخولها؟

29- ما هو الفرق بين عقارب الدنيا والآخرة؟

30- من أكثر من يدخل النار، وما السبب؟

31- كم عدد من يجر النار يوم القيامة من الملائكة؟

32- اذكر خمسة فوائد استفدتها من هذا الكتاب؟

العنـوان: ..........................

التليفون: ...........................

اسم الجهة التي قامت بتوزيع هذه المسابقة:

آخر موعد لتسليم أوراق الإجابة: