مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد
التصنيفات
الوصف المفصل
مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد
تَألِيفُ
فَضَيلةِ الشَّيْخِ العَلاَّمةِ
فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَك
ت 1376هـ رَحِمَهُ اللهُ
تَحْقَيِقُ
أَبِي الْعَالِيَةَ محَمّدُ بِنُ يُوسُفُ الجُورَانِيّ
مُقَدِّمة
إنَّ الحمْدَ للهِِِِ ، نَحْمَدُهُ ونَسْتعِينُهُ ونَسْتغفِرُهُ ، ونَعُوذُ بِِِِاللهِِِ مِِنْ شُرورِ أَنْفسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعمَالِِنَا ، مَنْ يَهْدِهِِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، ومَنْ يُضْلِل فَلا هَادِي لَهُ ، وأَشْهدُ أنَّ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وأَشْهدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ .
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ [ آل عمران : 102]
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً{
[ النساء : 1]
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا ً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{ [ الأحزاب : 70 ، 71 ] .
أمَّا بعدُ : فَإنَّ أصدقَ الحدِيْثِ كِتابُ اللهِ تعالى ، وخَيرَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ e ، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعة ، وكلَّ بِدْعةٍ ضَلالة ، وكلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ .
فَإنَّ مِنْ أجلِّ القُرَبِ والطَّاعاتِ التي يَنْبَغي للمُسْلمِ السَّعْيُ فِيْها ، والمسَارعةُ إِلَيْهَا والازدِيَادُ مِنْها ؛ الاشتِغَالُ بِعُلومِ الشَّرِيعةِ الغرَّاءِ ، مَعْ حُسْنِ النيَّةِ ، سَائراً في ذِلك عَلى مِنْهاجِ النُّبوَّةِ المُحَمَّديَّةِ ، ومُقْتَفِياً آثارَ السَّلفِ العَلِيَّة .
قَال الحقُّ جَلَّ فِي عُلاهُ : }وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً{ [ طه : 114 ]
قَال الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ : (( وَاضِحُ الدَّلَالَةِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ e بِطَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ الْعِلْمِ ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ ؛ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُفِيدُ مَعْرِفَةَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ أَمْرِ عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ ، وَالْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ بِأَمْرِهِ ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ النَّقَائِصِ ، وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ )) ([1]) .
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعما ً | لَآثـَرتَ التَعـَلُّمَ وَاِجتَهَدتـا | |
وَلَم يَشغَلْكَ عَنهُ هَوىً مُطاعٌ | وَلا دُنْيَــا بِزُخرُفِها فُتِنْـتا | |
وَلا أَلهاكَ عَنهُ أَنيـقُ رَوضٍ | وَلا دُنْيَــا بِزِينـَتِهَا كَلِفْتا | |
فَقُوتُ الـرُّوحِ أَرواحُ المعَانِي | وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَلا شَرِبْتا | |
فَـواظِـبهُ وَخُـذْ بِالجِدِّ فيهِ | فَإِنْ أَعطاكـَهُ اللَهُ انْتَفَـعْتَا ([2]) |
وَلِأَجْلِ هَذا وذَاك ، تَطلَّعَتْ هِمَّةُ الشَّيخِ فَيْصَلَ رَحمهُ الله بِالمشَارَكَةِ - ولَو بِالقَلِيلِ - فِي هَذا الفَنِّ الجَدِيرِ بِالاهتِمَامِ ؛ فَأخَرْجَ لَنَا هَذِهِ الدُّرَةَ ، وهَاتِهِ الرَّائعَةَ مِنْ رَوَائِعِ تَصَانِيْفِهِ ؛ فَاسْتَلَّ هَذهِ الرِّسالةَ اسْتِلَالَ العَالِمِ النَّحْرِيْرِ ، والنَّاقدِ البَصِيْرِ ، مِنْ بِيْنِ مَوضُوعَاتِ الاجْتِهادِ والتَّقْليدِ وأَبْحَاثِهِمَا المتَشَعِّبِةِ ؛ فَرَفَعَ لِوَاءَ الاجْتِهادِ وَأَهَمِّيَّتَهُ ، وَحَثَّ العُلَمَاءَ وَطَلَبَةَ العِلْمِ المتَّقِيْنَ إِلَيْهِ ، وَأَنْ يَدُورُوا مَعْ الدَّلِيْلِ حَيْثُ دَارَ ، وَيَتْرُكُوا أَقْوَالَ العُلَمَاءِ إِنْ خَالَفَتْهُ ؛ فَمَحَبَّةُ الحَقِّ أَحَبُّ مِنْ مَحَبَّةِ الخَلْقِ ؛ فَسَاقَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ بِبَرَاعةِ أُسْلُوبِهِ ، وَجَمَالِ رَوْنَقِهِ ؛ مِمَّا جَعَلَهَا سَهْلةً يَسِيْرةً بَعِيدةً عن التَّعْقيدِ والتنْظِيرِ ؛ كعَادَةِ أَصْحَابِ الأُصُولِ والمتِكَلِّمِينَ .
فَجَاءتْ رِسَالتُهُ مَاتِعَةً في بَابِها ؛ نَافِعَةً لطُلاَّبِهَا ؛ فجَزَاه اللهُ خَيْرَ الجَزَاءِ عَلى مَا نَفَعَ بِهِ الإِسْلامَ والمسْلِمِينَ .
وَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلِكَ ؛ فَقَدْ نَشِطَتْ الهِمَّةُ ، وقَوِيتْ العَزِيمةُ ، وحَسُنتْ النِّيَّةُ - إنْ شَاءَ اللهُ - فِي إِخْراجِ هِذهِ الرِّسالَةِ الَّلَطِيفةِ ، في ثَوْبٍ جَديدٍ مُتْقَنٍ - إنْ شَاءَ اللهُ - عَلَّنِي أَدْخُلَ في صُفوفِ أُولئكَ النَّفرِ الَّذِين يَخْدِمونَ مِيراثَ العُلَماءِ - وأَنَا المتَطفِّلُ عَلَيْهِم - لِيستَفِيدَ مِنْه مَنْ خَلْفَهُمْ ، وليَقِفُوا عَلى أَرَائِهم في تَصَانِيْفِهِم ؛ فيَذْكُرُونَا بِالجَمِيلِ ، بَعْدَ وقْتِ الرَّحيلِ ؛ فَاللهُمَّ أَنْتَ بِكُلِّ جَميلٍ كَفِيلٍ ، وأَنْتَ حَسْبُنا ونِعْم الوَكِيل .
وَرَحِمَ اللهُ ابنَ الجوزيِّ حِيْن نَقَل عَنْ الإمامِ العَالِمِ المُجَاهِدِ عَبْدِ اللهِ بِنِ المبَارَكِ ، إذْ يَقُولُ : (( لا أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلُ مِنْ بَثِّ العِلْمِ )) ([3]) .
ومِنْ المنَاسِبِ أنْ تُبيَّنَ خِطَّةُ العَمَلِ في هَذهِ الرِّسَالةِ ؛ فَيُقَالَ بَعْدَ عَوْنِ اللهِ وتَوْفِيقِهِ :
أَولاً : قدَّمَ المحقِّقُ مُقدِّمةً يَسِيرةً بَيْنَ يَدَي الرِّسَالةِ كتَمْهِيدٍ ، واحْتَوتْ عَلى :
1- تَرْجَمَةِ المؤلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ ، وبَيانِ مَصَادِرِ تَرْجَمَتِهِ .
2- دِرَاسةِ الرِّسالةِ ، مِنْ حَيْثُ مَوْضُوعِها ، وصِحْةِ نِسْبَتِها لِلِّمُؤَلِّفِ ، وَوَصْفِ النُّسَخِ المطْبُوعَةِ ، والنُّسْخَةِ المعْتَمَدَةِ فِي التَّحْقِيقِ .
ثانياً : تَوْثِيقُ النَّصِّ .
ثُمَّ خُتِمَت بِالفِهْرِسِ .
واعْلَم أَيُّهَا القَارِئُ الكَرِيم أنَّ (( نتائِجَ الأِفْكَارِ عَلى اختِلافِ القَرَائحِ لا تَتَنَاهَى ، وإنَّما يُنفقُ كلُّ أَحدٍ على قَدْرِ سَعَتهِ ، لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلا مَا آتَاهَا ، ورَحِم اللهُ مَنْ وَقَفَ فِيهِ عَلى سَهْوٍ أو خَطَإٍ ؛ فأصْلَحَهُ عَاذراً لا عَاذِلاً ، ومُنيلاً لا نَائِلاً ؛ فَلَيْسَ المبرَّأُ من الخَطَلِ إلا مَنْ وقَى اللهُ وعَصَمْ ، وقَدْ قِيل : الكتابُ كالمُكَلَّّفِ ؛ لا يَسْلَمَ مِنْ المُؤاخَذَةِ ولا يَرْتفعَ عَنْه القَلَمُ ، واللهُ تَعَالى يُقرنُهُ بالتَّوفِيقِ ، ويُرشدُ فيهِ إِلى أَوْضَحِ طَريقٍ ، ومَا تَوْفيقي إلا بِالله عَليه تَوكلتُ وإليهِ أُنِيب )) ([4]) .
ومَا خطَّ كفُ امرئٍ شيئاً ورَاجعَهُ ً | إلَّا وعَنَّ لَهُ تَبْـدِيلُ مَا فِـيْهِ | |
وقَالَ ذَاكَ كَـذَا أَوْلَى وَذَاكَ كَذَا | وإنْ يَكُنْ هَكَذَا تَسْمُوُ مَعَانِيهِ |
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن . قَالَهُ مُقيِّدُهُ محَمّدُ بِنُ يُوسُفُ الجُورَانِي
المنطقةالشرقية1422هـ ([5])
تَرْجَمةٌ مُوجَزَةٌ :
لِلشَّيخِ فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ ([6]) .
* اسْمُهُ وَنَسَبُهُ :
هُوَ الشَّيخُ العَالِمُ المفَسِّرُ الفَقِيْهُ القَاضِي الجلِيْلُ : فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ بِنِ فَيْصَلَ بنَ حَمَدِ بِنِ مُبَارَكِ آلِ حَمَدٍ النَّجْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ .
* مَوْلِدُهُ ونَشْأَتُهُ :
وَلِدَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ فِي بَيْتِ عِلْمٍ وفَضْلٍ ، عَام 1313هـ فِي حُرَيْمَلاءٍ
وَحِيْنَ بَلَغَ السَّابِعَةَ مِنْ عُمُرِهِ انتَقَلَ مَعْ بَعْضِ أَفْرَادِ أسْرَتِهِ إِلى الرِّيَاضِ ، وفِي عَام 1322هـ قُتِلَ وَالِدُهُ فِي مَوْقِعَِة البِكِيْرِيَّةِ وكانَ مع جَيشِ الملكِ عبدالعزيز رحِمَه الله ؛ فَنَشَأَ يَتِيْمَاً ؛ فَتَولَّى رِعَايَتَهُ مِعْ إِخْوَتِهِ عَمُّهُ الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ فَيْصَلَ رَحِمَهُ اللهُ ؛ فَكَانَ لَهُم بِمَثَابَةِ الأَبِ الصَّالِحِ لِلابْنِ الصَّالِحِ .
لَقَدْ دَرَسَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ القُرْآنَ عَلى يَدِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزِيزِ الخيَّالِ رَحِمَهُ اللهُ فِي الرِّيَاضِ ، وَمَكثَ بِهَا أربع سنوات ، وَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إِلى حُرَيْمَلاءَ عَام 1324هـ فدرَسَ على علماءِ بلدتِه ، ثُمَّ كانَ بعدَ ذلِكَ يتردَّدُ عل الرياضِ للقراءةِ على عُلمائِها .
* طلَبَهُ ُلِلعِلْمِ :
حَرِصَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ عَلى تَلقِّي العِلْمَ وَالجِدِّ فِي تَحْصِيلهِ ، وَلَيْسَ هَذا بِغَرِيبٍ ؛ فَقَدْ نَشَأَ فِي بَيْتٍ عَرِيقٍ فِي الفَضْلِ وَالكَرَمِ وَالعِلْمِ ؛ فَعَمُّهُ الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ فَيْصَلَ أَحَدُ العُلَمَاءِ الأَفَاضِلِ فِي حُرَيْمَلاءَ ، وَجَدُّهُ لِأُمِّهِ الشَّيخُ نَاصِرُ بِنُ نَاصِرِ بِنِ مُحَمَّدِ بِنِ نَاصِرِ كَانَ مِثْلَ عَمِّهِ مَعْرُوفَاً بِالعِلْمِ وَالخَيْرِ والصَّلاحِ ؛ فَالبِيئَةُ الَّتِي عَاشَ فِيْهَا الشَّيخُ بِيئَةً تَبْعَثُ فِي النَّفْسِ الِهمَّةَ عَلى تَحْصِيلِ العِلْمِ والمِيرَاثِ النَّبَوِيِّ .
وَبِفَضْلِ اللهِ ﷻ حَفِظَ القُرْآنَ الكَرِيمَ وَهُوَ فِي سِنِّ الثَّامِنَةَ عَشْرَ مِنْ عُمُرِهِ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَرِصَ عَلى تَلَقِّي الأَهَمِّ فَالمهِمِّ مِنْ العِلْمِ : فَبَدأَ بِالأُصُولِ الثَّلاثَةِ ، ثُمَّ كِتَابِ التَّوحِيدِ ، ثُمَّ العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ ، ثُمَّ أَخَذَ يَتَعَلَّمُ الفِقْهَ والنَّحْوَ والفَرَائِضَ ، حَتَّى أَصْبَحَ بِفَضْلِ اللهِ ذَا إِلْمَاٍم كَبِيرٍ بِكَثيرٍ مِنْ عُلومِ الدِّيْنِ .
وتَلَقَّى الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ العِلْمَ عَنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ بَلَدِهِ حُرَيْمَلاءَ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلى الرِّيَاضِ لِيُكْمِلَ مِشْوَارَهُ الَّذي قَطَعَهُ فِي تَحْصِيلِ العِلْمِ ؛ فَأخَذَ عَنْ عُلَمَائِهَا الأَجِلَّاءِ وَرِجَالِهَا النُّبَلاءِ .
وَبَعْدَ أَنْ تَمَّ فَتُحُ بِلادِ الأَحْسَاءِ عَام 1331هـ ارْتَحَلَ إِليْهَا لِلاسْتِزَادَةِ مِنْ العِلْمِ ؛ فَدَرَسَ عَلى الشَّيخِ عِيْسَى بِنِ عَكَّاسٍِ رَحِمَهُ اللهُ ، والشَّيخِ عَبْدِ العَزِيزِ بِنِ بِشْرٍ رَحِمَهُ اللهُ ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلى قَطَرَ ، حَيْثُ دَرَسَ عَلى الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ مَانِعٍ رَحِمَهُ اللهُ ضُرُوبَ العِلْمِ وَفُنُونِهِ ([7]) .
شيوخه :
تلقَّى الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ العِلْمَ عَلى أَيْدِي عُلَمَاءَ عُرِفُوا بِالصَّلاحِ ، وَصَفَاءِ العَقِيدَةِ ، وَكَانَ مِنْ أَبْرَزِهِمْ :
1- الشَّيخُ عَبْدُ العَزيزِ الخيَّالِ رَحِمَهُ اللهُ ، الَّذِي تَعَلَّمَ عَلى يَدَيْهِ القُرْآنَ الكَرِيمَ وَأَتَمَّ حِفْظَهُ .
2- الشيخُ عبدُ اللهِ بنِ عبدِ اللَّطيفِ مُفْتي الدِّيارِ السُّعودِيةِ - رَحِمَهُ اللهُ - قرأَ عَليه كثيراً ، لا سِيَّمَا في علم العَقِيدةِ .
3- الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ عُبْدُ الَّلطِيفِ آلِ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللهُ ، الذي دَرَسَ عَلَيْهِ كِتَابَ التَّوحِيدِ ، والعَقِيدَةَ الوَاسِطِيَّةِ ، وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ العَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ .
4- سَمَاحَةُ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ إِبْرَاهِيمِ آلِ الشَّيخِ مُفْتِي الممْلَكَةِ السَّابِقِ رَحِمَهُ اللهُ الَّذي تَلقَّى مِنْهُ دُرُوسَاً في التَّوْحِيدِ والفِقْهِ وغَيْرِهَا مِنْ الفُنُونِ .
5- الشَّيخُ سَعْدُ بِنُ حَمْدِ بِنِ عَتِيقٍ رَحِمَهُ اللهُ الَّذي تَلقَّى مِنْهُ دُرُوسَاً فِي التَّفْسِيرِ والحدِيثِ وَغَيْرِهِمَا .
وكَانَ قَدْ أَجَازَهُ بِمَا رَوَاهُ مِنْ كُتُبِ الحدِيْثِ : كَالصَّحِيْحَيْنِ ، وَالسُّنَنِ الأَرْبَعَةِ ، ومُسْنَدِ أَحْمَدَ ، وَالموَطَّإِ لِلإِمَامِ مَالِكٍ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الحدِيْثِ المصَنَّفَةِ ، وَكَذَا أَجَازَهُ فِي التَّفْسِيرِ والفِقْهِ وبِمُصَنَّفَاتِ شَيْخِ الإسْلامِ ابِنِ تَيْمِيَّةَ وَابِنِ قَيِّمِ الجوْزِيَّةَ رَحِمَهُمُ اللهُ وغَيْرِهَا مِنْ الكُتُبِ المصَنَّفَةِ .
6- الشَّيخُ عَبْدُ اللهِ بِنِ عَبْدُ العَزيزِ العَنْقَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ الذي تَلقَّى عَلى يَدَيْهِ شَيْئَاً مِنْ الحدِيْثِ وَغَيْرِهِ مِنْ فُنُونِ العِلْمِ . وقَدْ أَجَازَهُ بِمَا رَوَاهُ مِنْ كُتُبِ الحدِيْثِ والتَّفْسِيرِ والفِقْهِ وغَيْرِهَا مِنْ المصَنَّفَاتِ ، وأَجَازَهُ بِالرِّوَايَةِ لِمَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ وبِالرِّوَايَةِ لمصَنَّفَاتِ شَيْخِ الإسْلامِ ابِنِ تَيْمِيَّةَ وَابِنِ قَيِّمِ الجوْزِيَّةَ رَحِمَهُمُ اللهُ ، وَبِجَمِيعِ مَا أَجَازَهُ بِهِ شُيُوخُهُ وَتَلَقَّاهُ عَنْهُمُ رِوَايَةً .
7- الشَّيخُ حَمَدُ بِنُ فَارِسٍ رَحِمَهُ اللهُ أَخَذَ عَنْهُ فِي الفِقْهِ والنَّحْوِ .
8- الشَّيخُ مُحَمَّدُ بِنُ فَيْصَلَ رَحِمَهُ اللهُ وهُوَ عَمُّهُ الَّذي تَلقَّى عَلى يَدَيْهِ شَيْئَاً مِنْ الحدِيْثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الفُنُونِ .
9- الشَّيخُ نَاصِرُ بِنُ نَاصِرِ بِنِ مُحَمَّدِ بِنِ نَاصِرِ رَحِمَهُ اللهُ وهُوَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ الَّذي دَرَسَ عَلَيْهِ الأُصُوَلَ الثَّلاثَةَ ، وَسِيْرَةَ الرَّسُولِ e .
10- الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُ العَزيزِ بِنِ مَانِعٍ رَحِمَهُ اللهُ .
11- الشَّيخُ عِيْسَى بِنِ عَكَّاسٍِ رَحِمَهُ اللهُ .
12- الشَّيخُ عَبْدُ العَزِيزِ بِنُ بِشْرٍ رَحِمَهُ اللهُ ، وَغَيْرِهِم .
* صفاته الخَلْقِيَّة و الخُلُقِيَّة :
فَالخَلْقِيةُ : كان الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ أَبْيَضَ ، وَكَانَ بَيَاضُهُ مُشْرَباً بِحُمْرَةٍ قَلِيلاً ، مُتَوسِّطَ الطُّوْلِ ، وِيَمِيلُ إِلى الطُّولِ قَلِيلاً ، جَمِيلَ الوَجْهِ ، حَسَنَ المنْظَرِ ، ذَا لِحْيةٍِ كَثَّةٍ ، رِبْعَةٍ بَيْنَ الرِّجَالِ .
وَالخُلُقِيةُ : كاَنَ رَحِمَهُ اللهُ ذَا خُلُقٍ رَفِيعٍ كَرِيماً ، لَيِّنَ الجَانِبِ ، سَهْلَ المعَامَلَةِ ، بَشُوشاً مَعْ النَّاسِ جَمِيْعَاً ، ولا صَخَّابَاً ، وَلا يَغْضَبُ إِلا إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللهِ ، وَتُعُدِّيَتْ حُدُودَهُ ، وَكانَ لا تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ، يَتَوخَّى العَدْلَ وَلا يَأْبَاهُ ، وَيُجَافِي الظُّلْمَ وَلا يَرْضَاهُ ، مُتَواضِعَاً زَاهِدَاً فِي حُطَامِ الدُّنْيَا ، رَاغِبَاً فِي الدَّارِ الآخِرَةِ ؛ فَرَحِمَهُ اللهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ .
* زُهْدُهُ وَوَرَعُهُ وَعِبَادَتُهُ :
كاَنَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ مُعْرِضَاً عَنْ الدُّنْيَا وَعَنْ حُطَامِهَا الزَّائِل ِوَمَظْهَرِهَا الخَادِعِ ؛ فَتُوُفِّيَ .
رَحِمَهُ اللهُ ولَمْ يُخْلِفْ مُلْكَاً ، أَوْ تِجَارَةً أَوْ مَالاً كَثِيرَاً ، وَمِنْ صُوَرِ عُزُوفِهِ عَنْ الدُّنْيَا .
مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ تَلامِذَتِِهِ : أَنَّهُ ذَاتَ مَرَّةٍ أَحْيَا قِطْعَةَ أَرْضٍِ ، وَقَامَ بِزِرَاعَتِهَا ، وَحَفَرَ بِئْراً بِهَا ، وبَنَى فِيْهَا مَسْجِدَاً ، وَزَرَعَ زَرْعَاً يَسِيرَاً ؛ فَلَمَّا رَأَى تَلمِيذُهُ ابِنُ عَبِدِ الوَهَّابِ عَمَلَ الشَّيْخِ ، أَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا سَتَصْرِفُهُ عَنْ أَمْرِ الآخِرَةِ ؛ فَقَالَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ: (( أَنَا أَحْيَيْتُ هَذِهِ الأَرْضَ وَبَنَيْتُ المسْجِدَ ، وَحَفَرْتُ البِئْرَ ؛ لِأَجْلِ إِذَا مَرَّ المارَّةُ مِنْ أَهْلِ الإبْلِ وَغَيْرِهِم ، أَنْ يُصَلُّوا فِيْهِ ؛ فَيَكُونُ لَهُم عَوْناً عَلى أَدَاءِ الصَّلاةِ ، أَوْ كَلامَاً نَحْواً مِنْ هَذا ثُمَّ قَامَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ وَقَدَّمَهَا لابِنِ عَيْشَانِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ المدَي وَيُحَافِظُ عَلى المسْجِدِ )) .
وَلَمَّا كَتَبَ أَحَدُهُم تَرْجَمَةً بِسِيرَتِهِ الذَّاتِيَّةِ ، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِ ، بَكَى ، وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ ؛ فَكَتَبَ عَلَيْهَا : (( اللهُمَّ اجْعَلْنِي أَحْسَنَ مِمَّا يَظُنَّونَ ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا يَقُولُونَ )) .
وَكَانَ رَحِمَهُ اللهُ جُلُّ وَقْتِهِ وَمُعْظَمُهُ إِمَّا فِي صَلاةٍ وَعِبَادَةٍ ، وَخَلْوَةٍ مَعْ رَبِّهِ ﷻ يِسْتَغْفِرُ فِيْهَا ذُنُوبَهُ ، وَيَسْأَلُهُ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، وَإِمَّا مَعْ تَلامِيذِهِ يُعَلِّمُهُمُ أُمُورَ دِيْنِهِم وَدُنْيَاهُمُ .
وَكَانَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ لا يَأْخُذُ مِنْ رَاتِبِهِ شَيْئَاً ، وَلا يَسْتَلِمَهُ ، بَلْ يَقُومُ عَنْهُ وَكِيْلُهُ بِأَخْذِهِ ، وِصَرْفِهِ عَلى أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ المسَاكِيْنِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ .
* أعماله ومناصبه :
لمَّا تَلقَّى الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ العِلْمَ عَلى يَدِ كَثِيرٍ مِنْ العُلَمَاءِ ؛ أَهَّلَهُ ذلك لِأَنْ يَتَقَلَّدَ المنَاصِبَ ؛ فوُلِّيَ القَضَاءَ ؛ لِلفَصْلِ بَيْنَ الخُصُومِ ، وَإِرْشَادِ النَّاسَ وَتَوجِيْهِهِمْ ؛ فأُرْسِلَ إِلى تُهَامَةَ وَالحِجَازَ مُعَلِّماً وَوَاعِظَاً وَمُوجِّهَاً ، مَعْ غَيْرِهِ مِنْ المشَايِخِ .
فعُيِّنَ قَاضِيَاً فِي الصُّبَيْخَةِ ( تَثْلِيْث ) ، وَفِي أَبْهَا ، وَفِي القَرْيةِ العُلْيَا ، وَفِي تُرَبَةَ ، وَتَرَدَّدَ بَيْنَ هَذِهِ المنَاطِقَ وَغَيْرِهَا ، وَكَانَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ هَذِهِ البِلادِ يَدْعُو إِلى التَّوْحِيْدِ ، وَإِلى الإلْتِزَامِ بِشَرْعِ اللهِ وَحْدَهُ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا يَبْتَدِئُ فِي تَعْلِيْمِهِمِ : كِتَابَ اللهِ ، ثُمَّ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ ، وَكَشْفِ الشُّبُهَاتِ ، وَالأُصُولِ الثَّلاثَةِ ، وَالقَوَاعِدِ الأَرْبَعَةِ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بِنِ عَبْدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ .
إِلى أَنْ آَلَ بِهِ المطَافُ إِلى قَضَاءِ الجَوْفِ حِيْنَ قَالَ لَهُ الملِكُ عَبْدُ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ: (( إِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلى مِكَانٍ بَعِيْدٍِ ، وِلَكِنْ سَتَجِدُ فِيْهِ دَعْوَةً بِإِذْنِ اللهِ )) فَرَحَلَ إِلى هُنَاكَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ 1362هـ وَوَصَلَ فِي أَولِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَكَانَ فِي وُصُولِهِ إِلى تِلْكَ البِلادِ بُزُوغُ شَمْسِ الخَيْرِ وَالعِلْمِ وَالتَّوْحِيْدِ ، وَهَدْمِ واضْمِحْلالِ دَيَاجِيْرِ الجَهْلِ وِالشَّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ ؛ فَأَقَامَ بِهَا قُرَابَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ عَامَاً مُعَلِّمَاً ، وَمُوجِّهَاً ، وَمُرْشِدَاً ، وَدَاعِيَاً إِلى اللهِ عَلى بَصِيْرَةٍِ .
* تلاميذه :
تَلقَّى عَنْ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللهُ طُلَّابٌ كُـثُرٌ ، وَدَرَسُوا عَلَيْهِ مُصَنَّفَاتِ العُلَمَاءِ ، وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ مَنْ لَازَمَهُ وَتَلقَّى عَنْهُ :
1- الشيخُ العالم ُإبراهيمُ بنُ سُلَيمانِ الرَّاشدِ - رَحِمَهُ اللهُ- .
2- الشيخُ العالم ُعبدُ الرَّحمنِ بنُ سَعدِ بنِ يحيى - رَحِمَهُ اللهُ- .
3- الشيخُ القاضِي محمَّدُ بنُ عبدِ العزيزِ المهيزِعِ - رَحِمَهُ اللهُ- .
4- الشَّيخُ العالم نَاصِرُ بِنُ حَمَدِ الرَّاشِدِ - رَحِمَهُ اللهُ- .
5- الشَّيخُ القاضي سَعْدُ بِنُ مُحَمَّدِ بِنِ فَيْصَلَ آلَ مُبَارَكِ - رَحِمَهُ اللهُ- .
6- الشَّيخُ القاضي عَبْدُ اللهِ بِنُ عَبْدِ العَزِيزِ آلِ عَبْدِ الوَهَّابِ - رَحِمَهُ اللهُ- .
7- الشَّيخُ القاضِي حُمُودُ بِنُ مَتْرُوكِ البِلِيْهِدِ - حَفِظَهُ اللهُ - .
وَغَيْرِهِمُ الكَثِيرِ مِمَّنْ تَقَلَّدَ مَنَاصِبَ فِي القَضَاءِ أَوْ الشُّوْرَى أَوْ التَّعْلِيْمِ ؛ فَرَحِمَ اللهُ مَنْ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ ، وَبَارَكَ وَنفَعَ وَخَتَمَ بِخَيْرٍ لِمَنْ فَوْقَهَا .
* مصنفاته :
لَقَدْ أَثْرَى الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ المكْتَبَةَ الإسْلامِيَّةَ ، بِمُصَنَّفَاتِهِ الزَّاخِرَةِ ؛ فَتَرَكَ لَنَا العَدِيْدَ مِنْ المؤَلَّفَاتِ فِي فُنُونِ العِلْمِ فِي التَّفْسِيرِ ، والحدِيْثِ ، والعَقِيدَةِ ، والفِقْهِ ، والفَرَائِضِ ، وَالنَّحْوِ ، والرَّقَائِقِ وغَيْرِهَا ؛ وَهُو يُعدُّ مِنْ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ نَجْدٍ تَصْنِيْفَاً وَتَأْلِيْفَاً .
وَلَمَّا أَرْسَلَ المؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ كِتَابَهُ : (( خُلاصَةُ الكَلامِ شَرْحُ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ )) لِلشَّيخِ العَلامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنَ السِّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ ، أَرْسَلَ لَهُ رِسَالةً خَاصَّةً ؛ مُثْنِيَاً عَلى تَصَانِيْفِهِ ، وَيَقُولُ فِيْها : (( هَدِيَّتُكُمُ لِمُحِبِّكُمِ (( خُلاصَةُ الكَلامِ شَرْحُ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ )) وَصَلَ وَسُرِرْتُ بِهِ ، وَسَأَلْتُ الموْلَى أَنْ يُضَاعِفَ لَكُمُ الأَجْرَ ؛ بِمَا أَبْدَيِتُمُوهُ فِيْهِ مِنْ الفَوَائِدِ الجَلِيْلَةِ ، وَالمعَانِي الكَثِيْرَةِ ، وَسَعْيِكُم فِي نَشْرِهِ . لَازِلْتُمُ تُخْرِجُونَ أَمْثَالَهُ مِنْ الكُتُبِ العَامِّ نَفْعُهَا ، وَالعَظِيْمِ وَقْعُهَا )) أهـ .
وَهَا هُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ المِحْسِنِ أَبَا بِطَيْنِ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ عَنْ سَائِرِ تَصَانِيْفِ الشَّيْخِ فَيْصَلَ رَحِمَهُ اللهُ : (( وَقَدْ أَلَّفَ كُتُبَاً كَثِيْرَةً ، صَارَ لَهَا رَوَاجٌ فِي جَمِيْعِ أَقْطَارِ الممْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ )) .
وَبَعْدَ هَذَا ، وَقَدْ تَاقَتْ نَفْسُكَ لِمَعْرِفَةِ تَصَانِيْفِ الشَّيْخِ ؛ فَهَا هِيَ مُصَنَّفَاتِهِ قَيْدَ نَاظِرَيْكَ ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ ؛ مُبَيِّنَاً المطْبُوعَ مِنْهَا وَالمخْطُوُطَ بِاخْتِصَارٍ :
وَاعْلَمْ - عَلَّمَنِي اللهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ كُتُبَ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللهُ لا تَعْدُو أَحَدَ هَذِهِ الأنْوَاعِ : النَّوعُ الأَولُ : الشُّرُوحُ المخْتَصَرَةُ عَلى المتُوُنِ .
النَّوعُ الثَّانِي : الشُّرُوحُ المطوَّلةُ عَلى المتُوُنِ .
النَّوعُ الثَّالِثُ : اختِصَارُهُ لِكَثِيرٍ مِنْ الكُتُبِ المطوَّلةِ .
النَّوعُ الرَّابِعُ : التَّأْلِيفُ فِي الفُنُونِ تَأْصِيْلاً وَابْتِدَاءً .
* فِي العَـقِيدَةِ :
1- القَصْدُ السَّدِيدُ شَرْحُ كِتَابِ التَّوْحِيدِ : طُبِعَ فِي مُجَـلَّدٍِ عَنْ دَارِ الصُّمَيْعِي بِالرِّيَاضِ ، بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ الإلَهِ الشَّايِعِ وَفَّقَهُ اللهُ .
2- التَّعْلِيقَاتُ السَّنِيَّةُ عَلى العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ : طُبِعَ فِي مُجَـلَّدٍِ عَنْ دَارِ الصُّمَيْعِي بِالرِّيَاضِ ، بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ الإلَهِ الشَّايِعِ وَفَّقَهُ اللهُ .
* فِي التَّـفْسِيرِ :
3- تَوْفُيقُ الرَّحْمَنِ فِي دُرُوسِ القُرْآنِ : طُبِعَ فِي أَرْبَعَةِ مُجَلَّدَاتٍ عَنْ دَارِ العَاصِمَةِ بِالرِّيَاضِ ، باعْتِنَاءِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ .
4- القَوْلُ فِي الكُرَّةِ الجَسِيْمَةِ الموَافِقُ لِلفِطْرَةِ السَّلِيْمَةِ : مَخْطُوطٌ فِي مُجَـلَّدٍِ ، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ .
* ِفي الحدِيْثِ :
5- لَذَّةُ القَارِي مُخْتَصَرُ فَتْحِ البَارِي : مَخْطُوطٌ فِي ثَمَانِيَةِ مُجَلَّدَاتٍ ، وهُوَ مَفْقُودٌ .
6- نَقْعُ الأُوَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيْثَ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ : مَخْطُوطٌ ، وَهُوَ الشَّرْحُ الكَبِيرُ عَلى عُمْدَةِ الأَحْكَامِ ، خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ كِبَارٍِ ، فِي إِحْدَى عَشْرَةَ مُجَلَّدَةٍ ، وَمِنْهُ مَخْطُوطَةٌ كَامِلَةٌ بِخَطِّ الشَّيخِ فَيْصَلَ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ بِالرِّيَاضِ .
7- أَقوَالُ العُلَمَاءِ الأَعْلامِ عَلى أَحَادِيْثَ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ : مَخْطُوطٌ فِي مُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْنِ ، فِي سَبْعَةِ مَلازِمٍ ، بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ ، وَمَكْتَبَةِ الشَّيخِ عَبْدِ المِحْسِنِ أَبَا بِطَيْنِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ عَنْ سَابِقِِهِ .
8- خُلاصَةُ الكَلامِ شَرْحُ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ : طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍ بمكتبة الرُّشْدِ بِالرِّيَاضِ ، وَهُوَ اخْتِصَارٌ لِشَرْحَيْهِ عَلى العُمْدَةِ ؛ الكَبِيرِ وَالمتَوَسِّطِ ، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْمُوعِ ( زُبْدَةُ الكَلامِ ) .
9- مُخْتَصَرُ الكَلامِ شَرْحِ بُلُوغِ المَرَامِ: طُبِعَ عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا ، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْمُوعِ ( زُبْدَةُ الكَلامِ ) .
10- بُسْتَانُ الأَحْبَارِ بِاخْتِصَارِ نَيْلِ الأَوْطَارِ : طُبِعَ عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا فِي مُجَلَّدَيْنِ. 11- تِجَارَةُ المؤْمِنِيْنَ فِي المُرَابَحَةِ مَعْ رَبِّ العَالَمِيْنَ : طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍ مَرَّتَيْنِ ؛ بِدِمَشْقٍ أُولَاهُمَا عَلى نَفَقَةِ الأَمِيْرِ عَبْدِالرَّحْمَنِ السِّدِيْرِيِّ عَام 1372هـ ، وَآخِرْهُمَا عَلى نَفَقَةِ تِلْمِيذِهِ الشَّيخِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بِنِ عَطَا الشَّايعِ عَام 1404هـ .
12- تَطْرِيزُ رِيَاضِ الصَّالِحِيْن : طُبِعَ عَنْ دَارِ العَاصِمَةَ بِالرِّيَاضِ ، بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ .
13- مَحَاسِنُ الدِّيْنِ بِشَرْحِ الأَرْبَعِينَ ( النَّوَوِيَّة ): طُبِعَ عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا بِالرِّيَاضِ .
14- تَعْلِيمُ الأَحَبِّ أَحَادِيثَ النَّوَوِيِّ وَابْنِ رَجَبِ : طُبِعَ ضِمْنَ ( المُخْتَصَرَاتُ النَّافِعَةُ ) ، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْمُوعِ ( زُبْدَةُ الكَلامِ ) .
15- نَصِيْحَةُ المُسْلِمِيْنَ = نَصِيْحَةٌ دِيْنِيَّةٌ : طُبِعَتْ بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ .
16- وَصِيَّةٌ لِطَلَبَةِ العِلْمِ : طُبِعَتْ بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ الزَّيْرِ حَفِظَهُ اللهُ . 17- غِـــذاءُ القُلُوبِ وَمُفَــرِّجُ الكُرُوبِ : وَقَدْ طُبِعَ قَدِيْماً ضِمْنَ مَجْموعِ ( المخْتَصَراتِ النَّافِعَةِ ) ، وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ضِمْنَ مَجْموعِ ( زُبْدَةُ الكَلامِ ) .
* فِي الفِقْهِ وأُصُولِهِ :
18- مَقَامُ الرَّشَادِ بَيْنَ التَّقْلِيْدِ والاجْتِهَادِ : وهُوَ كِتَابُنَا هَذَا .
19- كَلِمَاتُ السَّدَادِ عَلى مَتْنِ الزَّادِ ( المسْتَقْنَعِ ) : طُبِعَ فِي مُجَلَّدٍ عدة مرات عَنْ مَكْتَبَةِ النَّهْضَةِ ، و صدر مؤخَّراً محققاً عن دار اشبيليا .
20- المرْتَعُ المشْبِعُ شَرْحُ مَوَاضِعَ مِنْ الرَّوْضِ المرْبِعِ : مَخْطُوطٌ فِي أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ ، وَسِتَّةِ مُجَلَّدَاتٍ كَبِيرِةٍ . وَمِنْهُ مَخْطُوطُةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ ، وَعَنْهَا مُصَوَّرةٌ بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ ، وَسَيُطْبَعُ قَرِيْبَاً بِعناية الشَّيخِ عبد العزيز القاسم حفظه الله .
21- الوَابِلُ المُمْرِعُ عَلى الرَّوْضِ المرْبِعِ : مَخْطُوطٌ غَيْرُ مُكْتَمِلٍ ، مِنْهُ نُسْخَةٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ فَهْدٍ إِلى كِتَابِ الجَنَائِزِ ، وَعَنْهَا مَصَوَّرةٌ بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ .
22- مَجْمَعُ الجوَادِ حَاشِيةُ شَرْحِ الزَّادِ : مَخْطُوطٌ غَيْرُ مُكْتَمِلٍ ، وَهُوَ شَرْحٌ كَبِيرٌ مُطوَّلٌ عَلى (( الرَّوْضِ المُرْبِعِ )) وَذَلِك أَنَّ الشَّيخَ رَحِمَهُ اللهُ فِي الشَّرْحَيْنِ السَّابِقَيْنِ انْتَقَى مَسَائِلَ خِلافِيَةً مُعَيَّنةً ؛ فَشَرَحَهَا ، أمَّا فِي هَذَا المُطَوَّلِ ؛ فَقَدَ وَجَّهَ عِنَايَتَهُ إِلى غَالِبِ المسَائِلِ الخِلافِيَّةِ فِيْهِ. وَلَهُ : زُبْدةُ المرَادِ فِهْرْسِ مَجْمَعِ الجَوادِ : مَخْطُوطٌ ، فِي تِسْعٍِ وَعِشْرِينَ وَرَقةً ، بِخَطِّ الشَّيخِ إِسَمْاعِيلِ البِلالِ أَحَدُ تَلامِذَةِ الشَّيخِ ، وَكانَ المخطُوطُ لَدَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ ، وَعَنْهُ مَصَوَّرةٌ بِدَارَةِ الملِكِ عَبْدِ العَزِيزِ .
23- القَوْلُ الصَّائِبُ فِي حُكْمِ بَيْعِ الَّلحْمِ بِالتَّمْرِ الغَائِبِ : مَخْطُوطٌ فِي مَكْتَبَةِ الملِكِ
فَهْدٍ .
24- الغُرَرُ النَّقِيَةُ شَرْحُ الدُّرَرِ البَهِيَّةِ : طُبِعَتْ بِاعْتِنَاءِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَكِ وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ ، عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا .
* فِي الفَرَائِضِ :
25- الحُجَجُ القَاطِعَةِ فِي الموَارِيثِ الوَاقِعَةِ : طُبِعَتْ بِاعْتِنَاءِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَك وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ . عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا .
26- السَّبِيكَةُ الذَّهَبِيَّةُ عَلى مَتْنِ الرَّحَبِيَّةِ : طُبِعَتْ بِاعْتِنَاءِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَكِ وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ . عَنْ دَارِ إِشْبِيلْيَا .
* فِي النَّحْو :
27- صِلَةُ الأَحْبَابِ شَرْحُ مُلْحَةَ الإعْرَابِ : مَفْقُودٌ .
28- مَفَاتِيحُ العَرَبِيَّةِ عَلى مَتْنِ الآجُرُّومِيَّةِ : مطبوعٌ - عن دار الصميعي - بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ العَزيزِ بِنِ سَعْدِ الدّغِيثِر وَفَّقَهُ اللهُ وسَدَّدَهُ .
29- لُبـَابُ الإعْرَابِ فِي تَيْسِيرِ عِلْمِ النَّحْوِ لَعَامَّةِ الطُّلابِ : طُبِعَتْ بِتَحْقِيقِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بِنِ حَسَنِ آل مُبَارَكِ وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ .
* وَفَاته :
تُوُفِّيَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ عُمُرٍ نَاهَزَ 63هـ سَنَةً ، قَضَاهَا فِي الدَّعْوَةِ إِلى اللهِ تَعَالى ، وَإِلى تَعْلِيمِ النَّاسَ أُمُورَ دِيْنِهِم .
واخْتَلَفَ المتَرْجِمُونَ فِي تَحْدِيدِ يَومِ وَسَنَةِ وَفاتِهِ ؛ فَذَكَرَ بَعْضُهُم أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 1377هـ فِي العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ ذِي القِعْدَةِ ، وَقِيْلَ فِي السَّادِسِ عَشَرَ، وَقِيْلَ فِي السَّابِعِ عَشَرَ .
وَالصَّوابُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الثُّلُثِ الأَخِيْرِ مِنْ لَيْلَةِ الجمْعَةِ الموَافِقِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي القِعْدَةِ عَام 1376هـ . واللُه أَعْلَمُ .
* عَقِبَهُ :
لم يُرْزَق الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ ْ بِذُكُورٍ ، وَإِنَّمَا وُهِبَ سِتَّاً مِنْ البَنَاتِ ، جَعَلَهُنَّ اللهُ مِنْ المؤمِنَاتِ الصَّالِحَاتِ . وَصَلَّى اللهُ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
الحدِيثُ عَنْ الرِّسَالةِ
- الموضُوعُ :
مَوضُوعُ الرِّسالةِ هو التَّقليدُ والاجتهادُ ، وهُمَا مَوْضوعانِ يَخْتَصَّانِ بِعِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ .
وهُمَا مِنْ المواضِيعِ الهامَّةِ جِداً لِكلِّ مُفْتٍ وفَقِيهٍ ، سِيَّما مَعْ مَا يَمُرُّ مِنْ ضَرُوريَّاتٍ يُمْلِيها الواقعُ في بِلادِ المسلِمِينَ ، أوْ فِي أَحْوالِ النَّاسِ ومَعَاشِهِم مِنْ مَسَائِلَ لَيْسَ فِيْها نَصٌّ شَرْعِيٌّ ؛ لِذَا اعتَنَى بِهِ المتقَدِّمونَ ؛ ومِنْهُم الأئمةُ الأَربَعةُ ، وهُم الفُقَهاءُ المجتَهِدُونَ في أَزْهَى عُصُورِ الفِقْهِ الِإسْلَامِيِّ .
- نِسْبَتُهَا :
نِسْبَتُها للمؤلِّفِ ثَابِتةٌ والحمدُ للهِ ؛ فَقَدْ أَثْبَتَهَا لَهُ كُلُّ مَنْ تَرْجَمَ لِلشَّيخِ ، بَلْه أَنَّها بِخطِّهِ ومَكْتوبٌ اسمُهُ عَلى طُرَّتِهَا ([8])
- النُّسَخُ :
أمَّا المطْبُوعَةُ ؛ فَفِي بِدَايةِ اهتِمَامِي بِالرِّسَالةِ ، كُنْتُ قَدْ اعْتَنَيْتُ بِهَا مِنْ خِلالِ طَبْعَةِ ( المجْمُوعَةُ الجَلِيْلَةُ ) والَّتِي تَضُمُّ الرَّسائلَ التَّالِية :
الأُوْلَى : مُخْتَصَرُ الكَلامِ شَرْحُ بُلُوغِ المَرَامِ ، وطُبِعَتْ مُفْرَدةً عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا بِالرِّيَاضِ .
الثانية : مَحَاسِنُ الدِّيْنِ بِشَرْحِ الأَرْبَعِينَ ( النَّوَوِيَّة ) . وطُبِعَتْ عَنْ دَارِ كُنُوزِ إشْبِيلْيَا.
الثالثة : مَقَامُ الرَّشَادِ بَيْنَ التَّقْلِيْدِ والاجْتِهَادِ . وَهِي الَّتي قَيْدَ نَاظِرَيْكَ .
وبَيْنَا كُنْتُ مُشْتَغِلاً بِالاعتِنَاءِ بِهَا ، أَوْقَفنِي أَحَدُ الإِخْوَةِ الفُضَلاءِ على طَبْعةٍ مُفرَدةٍ لَهَا عَنْ دَارِ السَّلفِ بِالرِّيَاضِ ؛ بِاعتِنَاءِ الشَّيخِ رَاشدَ الغُفَيْلِي وَفَّقهُ اللهُ .
فَلمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهَا تَرَكْتُ العَمَلَ بِإكْمَالِهَا ؛ لِاعتِقَادِي أَنِّي قَدْ سُبِقتُ بِذَلكَ ؛ فَتَوَجَّهْتُ لِلمَشَارِيعِ العِلْمِيَّةِ الأُخْرَى ، سِيَّمَا خُلاصَةُ الكَلامِ عَلى عُمْدةِ الأَحْكَامِ لِلشَّيخِ فَيْصَلَ رَحِمَهُ اللهُ ([9]).
وبَعْدَ حِيْنٍ مِنْ الزَّمنِ قَرَأتُهَا كَامِلَةً وأَبَنْتُ بَعْضَ الأُمُورِ فِيْهَا وقَيَّدْتُهَا عَلى نُسْخَتِي ؛ مِنْ سَقطٍ ، أوْ تَخْرِيجٍ ؛ أوْ عَزْوٍ .
وَحِينَمَا كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ مخَطُوطَةِ خُلاصَةُ الكَلامِ لَمْ آلُ جهداً في البَحْثِ والتَّنْقيبِ والسُّؤالِ عَنْها مِنْ أَقْرِبَاءِ الشَّيخِ رَحِمهُ اللهُ أوْ تَلامِذَتِهِ وَ مُحِبِّيهِ ، حَتَّى وَقفَ السُّؤالُ عِنْدَ الشَّيخِ الفَاضلِ عَبْدِ العَزِيزِ الزَّيرِ حَفِظَهُ اللهُ وسَدَّدَ خُطَاهُ ؛ فَسَألتُهُ عَنْ مَخْطُوطِ شَرْحِ العُمْدَةِ ؛ فَلمْ أَظْفَر بِهِ ، ثُمَّ عَرَّجتُ بِالحدِيثِ عَلى مَقَامِ الرَّشَادِ ؛ فَأخْبَرَنِي بَأَنَّهُ يَقتَنِي نُسْخَةً مِنْها ؛ فَفَرِحتُ وَرَغِبتُ بِمُصَوَّرَتِها ، فَأرسَلَهَا إِليَّ مَشكُوراً مَعْ تَحْقِيقِهِ لِكِتَابِ ( مَحَجَّةُ القُرُبِ في فَضْلِ العَرَبِ ) للعِرَاقِي رَحمهُ اللهُ ، وحِينَ وَصَلَتْنِي سَارَعتُ بِمَقَابَلَتِها عَلى طَبْعَةِ الشَّيخِ الغُفَيْلِي - وَلَمْ تَكُن عَنْ أَصْلٍ خَطِّيٍّ كَذَلِك - فَوَجَدتُ الدَّاعِي لإعَادَةِ تَحْقِيقِها مُتَحَقِّقاً ؛ فَعُدْتُ عَلى مَا بَدأتُه سَابِقاً حَتَّى أَنْهَيتُهَا ، وهَاهِيَ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَأَمَامَ نَاظِرَيكَ ، وَالحمْدُ للهِ عَلى تَوْفِيْقِهِ أَوَّلاً وَآخِرَاً .
وأمَّا النُّسْخَةُ الخَطِّيَةُ المعْتَمَدَةُ ([10]) فهَاكَ وَصْفُها :
1- عِنْوَانُها كَمَا هُو مُدَوَّنٌ عَلى طُرَّتِها : (( مَقَامُ الرَّشَادِ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالاجْتِهَادِ )).
2 - المُؤلِّفُ : فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَكِ رَحمهُ اللهُ .
3- اسْمُ النَّاسِخِ : بِخَطِّ المُؤلِّفِ .
4- تَأْرِيخُهَا : القَرْنُ الرَّابِعُ عَشَرِ الهِجْرِي .
5- عَدَدُ الأَوْرَاقِ : ( 13 ) وَرَقةً مَعْ وَرَقَةِ العِنْوانِ . وَفِي كُلِّ وَرَقَةٍ صَفْحَتَانِ ، وَفِي كُلِّ صَفْحَةٍ ( 13 ) سَطْراً .
6- مَصْدَرُهَا : جَامِعَةُ الرِّيَاضِ ( الملَِكِ سُعُودٍ حَالِيَّاً ) ، وَرَقَمُهَا : ( 1156 )
7- الخَطُّ : كُتِبَتْ بِخَطِّ الرُّقْعَةِ ، وَتميَّزَتْ بِالتَّقْيِدَةِ ؛ وَهِيَ كَلِمَةٌ تَوضَعُ فِي أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ الأُولَى وَتَكُونُ هِي الأُوْلَى في نَصِّ الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ ؛ دِلَالَةً عَلى تَتَابُعِ الصَّفَحَات .
عَمَلُ المحَقِّقِ اشْتَمَلَ عَلى مَا يَلِي :
أ . ضَبْطِ النَّصِّ وشَكْلِهِ ، وتَوْزِيعِ فَقراتِهِ ، وتَقْسِيمِهِ عَلَى صَفحَاتِ المخطُوُطِ بِوَضْعِ أَرْقَامِ صَفحَاتِهِ بَيْنَ مَعْقُوفَتَيْن [ / ] .
ب . عَزْوِ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ ، وَجَعْلِهَا عَقِبَ الآيةِ في النَّصِّ المحقَّقِ .
ج . تَخْريجِ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ ، والآثَارِ مِنْ مصَادِرِهَا الأَصِيْلَةِ ؛ فمَا كَانَ في الصَّحِيْحَيْنِ أوْ أَحَدِهِمَا اكْتُفِيَ بِذلِكَ ، ومَا عَدَاهُما تُوُسِّعَ فِيْهِ بَعْضَ الشَّيءِ ، مُبَيَّنَاً حُكْمَ أَهْلِ الصِّنَاعةِ الحدِيثِيَّةِ عَلى الحدِيْثِ صِحْةً أو ضَعْفاً .
د . عَزْوِ النُّقولِ لأَصْحَابِهَا .
ومِنْ بَابِ قَولِ المصْطَفَى ﷺ : (( لا يَشْكُرِ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرِ النَّاسَ )) ([11])
فَالشُّكُرُ لِشَيْخِي الكَرِيمِ القَاضِي المفْضَالِ مُحَمَّدٍ بِنِ سُلَيْمَانَ آل سُلَيْمَانَ ؛ الَّذِي لازَمْتُهُ قُرَابَةِ السِّتِّ سَنَواتٍ أَنْهَلُ مِنْ مَعِيْنِ عِلْمِهِ وخُلُقِهِ وفَضْلِهِ ، حَفِظَهُ اللهُ وأَمَدَّ فِي عُمُرِهِ ، عَلى تَقْدِيمهِ لِلرِّسَالَةِ . وكَذَا الشَّكُرُ مَوْصُولٌ لِلشَّيخِ عَبدِ العَزِيزِ الزَّيرِ الَّذِي تَفَضَّلَ وتَكَرَّمَ عَليَّ بِإرْسَالِهِ النُّسْخَةَ الخَطِّيةَ ؛ فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَاً .
وكَذا كُلِّ مَنْ أَعَانَنِي بِنُصْحٍ ، أوْ فَائِدَةٍ ، أوْ دِلَالَةً ، أَسألُ اللهَ العَلِيَّ القَدِيرِ أَنْ يُثِيبَهُم خَيْراً كَثِيرَاً ؛ فَهُو سُبْحَانَهُ خَيرَ مَسْؤُولٍ ، وَالحمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتِ .
***
النَّصُّ المُحَقَّقِ
[2/] هذه نُبذَةٌ في مَعْرفةِ أُصُولِ الفِقْهِ .
[ والفِقْهُ ] ([12]) هُوَ العِلْمُ بالأَحْكامِ الشَّرْعِيَّة ([13]) .
قالَ النَّبيُّ e : (( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) ([14]) .
وأُصُولُ الأَدلَّةِ : الكِتَابُ ، والسُّنَّةُ ، والإِجْمَاعُ ، وشَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شَرْعٌ لنَا إِذَا قَصَّه اللهُ عَلَيْنا ورَسُولُهُ ولَمْ يُنْسخْ ؛ لِقَولِ اللهِ تَعَالى : } أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ { [ الأنعام : 90] ([15])
وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ e عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ ([16])
؛ فَقَالَ : (( الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ )) ([17])
والسُّنَّةُ : مَا وَرَدَ عَنْ النَّبيِّ e مِنْ قَولٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ ([18]) .
قالَ إِمَامُ الحَرَمَيْن : (( والأَحْكامُ سَبعةٌ : الوَاجبُ ، والمنْدُوبُ ، والمُبَاحُ ، والمَحْظُورُ ، والمكرُوهُ ، والصَّحيحُ ، والفَاسِدُ )) ([19])
قَالَ : والتَّقليدُ : قَبولُ [/3] قَوْلِ القَائِلِ بِلا حُجَّةٍ .
والاجْتِهادُ : بَذْلُ الوُسْعِ في بُلُوغِ الغَرَضِ ([20]) .
وَقالَ مَالكٌ : (( يَجِبُ على العَوَامِ تَقْليدُ المُجْتَهدِين في الأَحْكامِ ، كَمَا يَجِبُ على المُجْتَهدِين الاجْتِهادُ في أَعْيَانِ الأَدِلَّةِ )) ([21]) .
قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّة : (( النَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتَلافَ العُلَمَاءِ وأَدِلَّتَهُم ؛ في الجُمْلةِ عِنْدَهُ مَا يَعْرِفُ بِهِ رُجْحَانَ القَوْلِ )) ([22]) .
قَالَ : (( وأَكثرُ مَنْ يُميِّزُ في العِلْمِ من المتّوسِّطِينَ إذَا نَظَرَ وتَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الفَرِيقَيْنِ بقَصْدٍ حَسَنٍ ، ونَظَرٍ تَامٍ ، تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهما ، لكِنْ قَدْ لا يَثِقُ بِنَظَرِهِ ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لا يَعْرِفُ جَوَابَهُ ، والوَاجِبُ عَلى مِثْلِ هَذَا مُوافَقَتهُ القَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدهُ بِلا دَعْوَى مِنْهُ لِلاجْتِهَادِ )) ([23]) . انْتَهَى .
وقَالَ الشَّافِعيُّ في الرِّسَالةِ : (( فَكلُّ مَا أَنَزْلَ اللهُ في كِتَابِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَحمةٌ وحُجَّةٌ [4/]، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ ، وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ . وَالنَّاسُ طَبَقاتٌ في العِلْمِ مَوقِعُهُم مِنْ العِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِيْهِ ؛ فَحَقٌّ عَلى طَلَبَةِ العِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جَهْدَهِمْ في الاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ ، والصَّبرُ عَلى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ ، واخْلاصُ النِّيَّةِ للهِ في اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصَّاً واستِنْبَاطَاً ، وَالرَّغبَةُ إلى اللهِ في العَوْنِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّهً لا يُدْرَكُ خَيرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ .فَإنّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ اللهِ مِنْ كِتَابِهِ نَصَّاً واسْتِدْلالاً ، وَوَفَّقَهُ اللهُ لِلقَوْلِ والعَمَلِ بِمَا عَلِمَ مِنْهُ ، فَازَ بِالفَضِيلَةِ في دِيْنِهِ ودُنْياهُ ؛ فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمَاً في كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّه ِe ([24]))).
قَالَ : (( وَإِنَّمَا خَاطبَ اللهُ بِكِتَابِهِ العَرَبَ بِلِسَانِهَا عَلى مَا تَعْرِفُ مِنْ مَعَانِيْهَا )) ([25]) .
وَقَالَ أَيْضَاً : (( القِيَاسُ [/5] أَنْ يُحَرِّمَ اللهُ في كِتَابِهِ ، أَوْ يُحَرِّمَ رَسُولُهُ القَلِيلَ مِنْ الشَّيءِ ؛ فيُعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَهُ إِذَا حُرِّمَ كَانَ كَثيرُهُ مِثلَ قَلِيلِهِ في التَّحْرِيم أَوْ أَكثرَ ، وكَذَلِك إذا حُمِدَ على يَسيرٍ مِنْ الطاعَةِ كانَ مَا هُوَ أكثرُ مِنْها أَوْلَى أَنْ يُحْمَدَ عَليهِ ، وَكذَلِك إِذَا أَبَاحَ كثيرَ شَيءٍ كانَ الأَقَلُّ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَكونَ مُبَاحَاً )) ([26]) .
وقال أيضاً : ((القِيَاسُ مَنْزِلَةُ ضَرُورةٍ ؛ لأنَّهُ لا يَحِلُّ القِياسُ والخَبرُ مَوجودٌ ، كَما يكونَ التَّيَمُّمُ طَهارةً في السَّفَرِ عِنْدَ الإِعْوَازِ مِنْ الماءِ . )) ([27]) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ e لِمُعَاذٍ بِنِ جَبَلٍ حِيْنَ بَعَثَهُ إِلى اليَمَنِ : (( بِمَ تَقْضِي ؟ فَقَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ . قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَقْضِي َبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ .
قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ؟ قَالَ : أَجْتَهِدُ رَأْيِي ؛ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ )) ([28]) .
وقالَ عُمرَ بنَ الخطَّابِ في كِتَابِهِ إِلى أَبِي مُوسَى : (( ثُمَّ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِيَ إِليْكَ مِمَّا وَرَدَ عَلَيْكَ مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلا سُنَّة ، ثُمَّ قَايِسِ الأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَاعْرِفِ الأَمْثَالَ ، ثُمَّ َاعْمَدْ فِيْمَا تَرَى إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ )) ([29]) .
وَقَالَ الشَّافِعيُّ : (( أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ e لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ )) ([30]) .
قَالَ في الوَرَقَاتِ :
(( وَالفِقْهُ أَخَصُّ مِنْ العِلْمِ . والعِلْمُ : مَعْرفةُ المعْلُومِ عَلى مَا هُوَ بِهِ في الوَاقِعِ .
والجَهْلُ : تَصوُّرُ الشَّيءِ عَلى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ في الوَاقِعِ .
والعِلْمُ الضَّرُوريُّ : مَا لا يَقَعُ عَنْ [/7] نَظَرٍ واسْتِدْلَالٍ ؛ كَالعِلْمِ الوَاقعِ بِإِحْدَى الحوَاسِّ الخَمْسِ .
وأمَّا العِلمُ المُكْتَسبُ ؛ فَهُوَ : الموقُوفُ عَلى النَّظرِ والاسْتِدْلَالِ .
والنَّظرُ : هُوَ الفِكْرُ في حَالِ المنْظُورِ فِيْهِ .
و الاسْتِدْلَالُ : هُوَ طَلبُ الدَّليلِ . والدَّليلُ : هُوَ المُرْشِدُ إِلى المطْلُوبِ .
والظَّنُّ : تَجْويزُ أَمْرَين أحدُهُما أظهرُ من الآخر .
والشَّكُّ : تَجْويزُ أَمْرَين لا مَزيَّةَ لأحدِهِما عن الآخَر )) ([31]) .
انْتَهَى .
قَالَ الخَطَّابِيُّ : (( ورَأَيْتُ أَهْلَ العِلْمِ في زَمَانِنَا قَدْ حَصَلُوا حِزْبَيْنِ ، وانَقْسَمُوا إِلى فِرْقَتَيْنِ : أَصْحَابُ حَدِيثٍ وأَثَرٍ ، وَأَهْلُ فِقْهٍ وَنَظَرٍ .
وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لا تَتَمَيَّزُ عَنْ أُخْتِهَا في الحَاجَةِ ، ولا تَسْتَغنِي عَنْهَا في دَرَكِ مَا تَنْحُوهُ مِنْ الـبُغْيَةِ والإِرَادَةِ ؛ لأَنَّ الحدِيثَ بِمَنْزِلَةِ الأَسَاسِ الَّذِي هُوَ الأَصْلُ ، [8/] وَالفِقْهُ بِمَنْزِلَةِ البِنَاءِ الَّذِي هُوَ لَهُ كَالفَرْعِ .
وَكُلُّ بِنَاءٍ لَمْ يُوضَعْ عَلى قَاعِدةٍ وأَسَاسٍ ؛ فَهُوَ مُنْهَارٌ ، وَكُلُّ أَسَاسٍ خَلا عَنْ بِنَاءٍ وعِمَارَةٍ ؛ فَهُوَ قَفْرٌ وخَرَابٌ .
قَالَ : وَوَجدْتُ هَذَيْنِ الفَرِيقَيْنِ عَلى مَا بَيْنَهُمُ مِنْ التَّدَانِي ؛ إِخْوَانَاً مُتَهَاجِرِينَ ؛ فأَمَّا هَذِهِ الطَّبَقةُ - الَّذِين هُمْ أَصْحَابُ الأَثَرِ والحَدِيثِ - فَإِنَّ الأَكْثَرِينَ مِنْهُم إِنَّما وَكْدُهُمُ ([32]) الرِّوَايَاتِ ، وَجَمْعُ الطُّرُقِ ، وَطَلَبُ الغَرِيبِ والشَّاذِّ مِنْ الحَدِيثِ الَّذِي أَكْثرهُ مَوْضُوعٌ أَوْ مَقْلُوبٌ لا يُرَاعُونَ المُتُونَ ، ولا يَتَفَهَّمُونَ المَعَانِي ، ولا يَسْتَنْبِطُونَ سِيَرَهَا ، ولا يَسْتَخْرِجُونَ رِكَازَهَا وَفِقْهَهَا ، وَرُبَّمَا عَابُوا الفُقَهَاءَ وتَنَاوَلُوُهُمْ بِالطَّعْنِ ، وادَّعُوْا عَلَيْهِمُ مُخَالَفةَ السُّنَنِ ، ولايَعْلَمُونَ أَنَّهُمُ عَنْ مَبْلَغِ مَا أُوْتُوهُ مِنْ العِلْمِ قَاصِرُونَ ، وبِسُوءِ القَوْلِ فِيْهِمُ آثِمُونَ .
[/9] وأَمَّا الطَّبَقةُ الاخْرَى - وَهُمْ أَهْلُ الفِقْهِ والنَّظَرِ - فِإِنَّ أَكْثَرَهُمُ لا يُعَرِّجُونَ مِنْ الحَدِيثِ إَلَّا عَلى أَقلِّهِ ، ولا يَكادُونَ يُمَيِّزُونَ صَحِيْحَهُ مِنْ سَقِيْمِهِ ، وَلا يَعْرِفُونَ جَيِّدَهُ مِنْ رَدِيْئِهِ ، و لا يَعْبَؤُونَ بِمَا بَلَغَهُمُ مِنْهُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ عَلى خُصُومِهمُ إِذَا وَافَقَ مَذَاهِبَهُم الَّتِي يِنْتَحِلُونَهَا ، ووَافَقَ آرَاءَهُمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَها ، وقَدْ اصْطَلَحُوا عَلى مَوَاضِعةٍ بَيْنَهُمُ في قَبُولِ الخَبَرِ الضَّعِيْفِ ، والحَدِيثِ المُنْقَطِعِ ، إِذَا كانَ ذَلِك قَدْ اشْتُهِرَ عِنْدَهُم .
إِلى أَنْ قَالَ : وَلكِنَّ أَقْوَامَاً عَسَاهُم اسْتَوْعَرُوا طَرِيقَ الحَقِّ ، واسْتَطَالُوا المدَّةَ في دَرَكِ الحَظِّ ، وأَحَبُّوا عُجَالَةَ النَّيْلِ ؛ فاخْتَصَرُوا طَرِيقَ العِلْمِ ، واقْتَصَرُوا على نُتَفٍ وحُرُوفٍ مُنْتَزَعَةٍ مِنْ مَعَانِي أُصُولِ الفِقْهِ سَمَّوْهَا [10/] عِلَلا ، وجَعَلُوهَا شِعَاراً لِأَنْفُسِهِم في التَّرَسُّمِ بِرَسْمِ العِلْمِ ، واتَّخَذُوهَا جُنَّةً عِنْدَ لِقَاءِ خُصُومِهِمُ ، ونَصَبُوهَا دَرِيْئَةً للخَوْضِ والجِدَالِ ، يَتَناظَرُونَ بِهَا ، ويَتَلاطَمُونَ عَلَيْهَا ، وعِنْدَ التَّصَادُرِ عَنْهَا قَدْ حُكِمَ لِلغَالِبِ بالحَذْقِ والتَّبْرِيزِ ؛ فَهُوَ الفَقِيْهُ المذْكُورُ في عَصْرِهِ ، والرَّئِيسُ المعَظَّمُ في بَلَدِهِ ومَصْرِهِ .
هَذا وقَدْ دَسَّ لَهُمُ الشَّيطَانُ حِيْلةً لَطِيفًَة ، وبَلَغَ مِنْهُمْ مَكِيدَةً بَلِيغَةً ؛ فَقَالَ لَهُمْ :
هَذَا الَّذِي في أَيْدِيِكُمُ عِلْمٌ قَصِيرٌ ، وبِضَاعَةٌ مُزْجَاةٌ لا يَفِي بِمَبْلَغِ الحَاجَةِ والكِفَايِةِ ؛ فَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِ بِالكَلامِ ، وَصِلُوُه بِمَقْطَعَاتٍ مِنْهُ ، واسْتَظْهِرُوا بِأُصُولِ المتَكَلِّمِينَ ، يِتَّسِعُ لَكُمُ مَذْهبُ الخَوضِ ومَجَالُ النَّظَرِ ؛ فَصَدَّقَ عَلَيْهُمُ ظَنَّهُ ، وأَطَاعَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمُ واتَّبَعُوهُ [/11] إِلَّا فَرِيقَاً مِنْ المؤْمِنِيْنَ .
فَيَا لِلرِّجَالِ والعُقُولِ ! أَنَّى يُذْهَبُ بِهِمُ ! وأَنَّى يَخْتَدِعَهُمُ الشَّيْطَانُ عَنْ حَظِّهِمْ وَمَوْضِعِ رُشْدِهِمْ ، وَاللهُ المُسْتَعَان )) ([33]) انْتَهَى .
واعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الكَلامِ في هَذا الفَنِّ تَعَبٌ عَاجِلٌ في تَحْصِيلِ حَاصِلٍ .
وَالمقْصُودُ ؛ العَمَلُ بِكِتَابِ اللهِ ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ e ، واتِّبَاعِ الحَقِّ والعَدْلِ .
وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى : }يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً { [ سورة النساء : 59 ] .
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ : (( فَأَمَرَ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَأَعَادَ الْفِعْلَ إعْلَامًا بِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ تَجِبُ اسْتِقْلَالًا مِنْ غَيْرِ عَرْضِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الكِتَابِ ، بَلْ إذَا أَمَرَ وَجَبَتْ [12/] طَاعَتُهُ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَمَرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ؛ فَإِنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ اسْتِقْلَالًا ، بَلْ حَذَفَ الْفِعْلَ وَجَعَلَ طَاعَتَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَةِ الرَّسُولِ ؛ إيذَانًا بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُطَاعُونَ تَبَعًا لِطَاعَةِ الرَّسُولِ ؛ فَمَنْ أَمَرَ مِنْهُمْ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ ، وَمَنْ أَمَرَ بِخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ؛ فَلَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ .
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى بِرَدِّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا فِي الْعَاقِبَةِ ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا أُمُورًا :
مِنْهَا : أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ قَدْ يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَا يَخْرُجُونَ بِذَلِكَ عَنْ الْإِيمَانِ ، إذَا رَدُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَحَاكَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدْ حَكَّمَ الطَّاغُوتَ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ .
[/13] وَالطَّاغُوتُ : كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ .
ثُمَّ أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ الْعِبَادِ حَتَّى يُحَكِّمُوا رَسُولَهُ فِي كُلِّ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، وَيَنْقَادُوا ))([34]) انْتَهَى مُلَخَّصَاًَ .
وعن عبد الرحمن بن زيد عن ابن مسعود ، قال : (( أَكْثَرُوا عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ ؛ فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَلَسْنَا نَقْضِي ، وَلَسْنَا هُنَالِكَ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ بَلَّغْنَا مَا تَرَوْنَ ؛ فَمَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ بَعْدَ الْيَوْمِ ؛ فَلْيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ ؛ فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا قَضَى بِهِ ؛ فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ ؛ فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ e وَلَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ ؛ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ ؛ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ فَلْيَقُمْ وَلا يَسْتَحْي )) ([35]) .
وقال أيضاً : (( إنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَرَأَى قَلْبَ مُحَمَّدٍ e خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ . ثُمَّ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَهُ فَرَأَى قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَهُمْ لِصُحْبَتِهِ ؛[14/] فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّه حَسَنٌ ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ )) ([36]) .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
العِـلْمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُـهُ | قَـالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيْهِ | |
مَا العِلْمُ نَصْبُكَ لِلخِلافِ سَفَاهةً | بَيْنَ النُّصُوصِ وَبَيْنَ رَأْيِ سَفِيْهِ | |
كـَلَّا وَلا نَصْبُ الخِلافِ جَهَالة ً | بَيْنَ الرَّسُـولِ وَبَيْنَ رَأْيِ فَقِيْهِ | |
كَـلَّا وَلا رَدُّ النُّصُوصِ تَعَـمُّدَاً | حَـذَرَاً مِنْ التَّجْسِيمِ والتَّشْبِيْهِ | |
حَاشَا النُّصُوصَ مِنْ الَّذِي رُمِيتْ بِهِ | مِنْ فِرْقَـةِ التَّعْـطِيلِ وَالتَّمْوِيْهِ ([37]) |
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ : (( إذَا حَضَرَك أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ؛ فَانْظُرْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ e ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ؛ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَك فَاجْتَهِدْ رَأْيَك ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تُؤَامِرنِي ، وَلَا أَرَى مُؤَامَرَتَك إيَّايَ إلَّا خَيْرًا لَك ، وَالسَّلَامُ )) ([38])
وَعَنْ الشَّعْبِي أَيْضَاً قَالَ : (( أَخَذَ عُمرَ فَرَساً مِنْ رَجُل عَلى سَوْمٍ ([39]) .
؛ فحَمَلَ عَلَيْهِ فَعُطِبَ ؛ فَخَاصَمَهُ الرَّجُلُ ، فَقالَ عُمَرُ : اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَجُلاً .
فَقَالَ الرَّجُلُ : إِنِّي أَرْضَى بِشُرَيحٍ العِرَاقِي [/15] ؛ فَقَالَ شُرَيْحٌ : أَخَذْتَهُ صَحِيْحَاً سَلِيْمَا ً ؛ فأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى تَرُدَّهُ صَحِيْحَاً سَلِيْمَاً . قَالَ : فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ ؛ فَبَعَثَهُ قَاضِيَاً ، وقَالَ : مَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ ؛ فَلا تَسْأَلْ عَنْهُ ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ في كِتَابِ اللهِ ؛ فَمِنْ السُّنَّةِ ؛ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في السُّنَّةِ ؛ فَاجْتَهِدْ رَأْيَك )) ([40]) .
قَالَ ابنُ القَيِّمِ : (( فَالرَّأْيُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : رَأْيٌ بَاطِلٌ بِلَا رَيْبٍ ، وَهُوَ الرَّأْيُ الْمُخَالِفُ لِلنَّصِّ ، والْكَلَامُ فِي الدِّينِ بِالْخَرْصِ .
وَرَأْيٌ صَحِيحٌ ، وهُوَ الَّذِي اسْتَعْمَلهُ السَّلَفُ وَعَمِلُوا بِهِ .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : سَوَّغُوا الْعَمَلَ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءَ بِهِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بُدٌّ ، وَلَمْ يُلْزِمُوا أَحَدًا الْعَمَلَ بِهِ ، وَلَمْ يُحَرِّمُوا مُخَالَفَتَهُ ، وَلَا جَعَلُوا مُخَالِفَهُ مُخَالِفًا لِلدِّينِ )) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً مَعْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ ([41]) .
وَقَالَ أَيْضَاً : ((لَفْظَ الْقِيَاسِ لَفْظٌ مُجْمَلٌ ، يَدْخُلُ فِيهِ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، فَالْأَوَّلُ قِيَاسُ الطَّرْدِ ، وَالثَّانِي قِيَاسُ الْعَكْسِ ، وَهُوَ مِنْ الْعَدْلِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ e، وَحَيْثُ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ قِيَاسٍ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ )) ([42])
[16/] وَقَالَ أَيْضَاً : ((ذِكْرُ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي التَّقْلِيدِ وَانْقِسَامِهِ إلَى مَا يَحْرُمُ الْقَوْلُ فِيهِ وَالْإِفْتَاءُ بِهِ ، وَإِلَى مَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ ، وَإِلَى مَا يَسُوغُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ .
فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ ؛ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ :
أَحَدُهَا : الْإِعْرَاضُ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ اكْتِفَاءً بِتَقْلِيدِ الْآبَاءِ .
الثَّانِي : تَقْلِيدُ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْمُقَلِّدُ أَنَّهُ أَهْلٌ لَأَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِ .
الثَّالِثُ : التَّقْلِيدُ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ وَظُهُورِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمُقَلَّدِ . )) ([43])
إلى أن قال : (( وَالْمُقَلِّدُ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ ، وَقَدْ نَهَاهُمُ أَئِمَّتُهُم عَنْ تَقْلِيْدِهِم ، وَأَوْصَوْهُمْ إذَا ظَهَرَ الدَّلِيلُ أَنْ يَتْرُكُوا أَقْوَالَهُمْ وَيَتَّبِعُوهُ ، فَخَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ !
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي كُتُبِهِمْ بِبُطْلَانِ التَّقْلِيدِ وَتَحْرِيمِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ الْإِمَامُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ وَلَا تَوْلِيَتُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ التَّوْلِيَةَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ .
وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِفْتَاءُ بِمَا لَا يَعْلَمُ صِحَّتُهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ، وَالْمُقَلِّدُ لَا عِلْمَ لَهُ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ وَفَسَادِهِ ؛ إذْ طَرِيقُ ذَلِكَ مَسْدُودَةٌ عَلَيْهِ ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِمَتْبُوعِهِ لَا يُفَارِقُ قَوْلَهُ ، [/17] وَيَتْرُكُ لَهُ كُلَّ مَا خَالَفَهُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ قَوْلِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مَتْبُوعِهِ أَوْ نَظِيرِهِ ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ )) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً ([44]) .
وَقَالَ الأَمِيرُ مُحَمَّدُ بِنُ إِسْمَاعِيل الصَّنْعَانِي فِي قَصِيْدَتِهِ المشْهُورَةِ :
وَمَا كُلُّ قَوْلٍ بَالقَـبُولِ مُقَابَلٌ ً | وَمَا كُلُّ قَوْلٍ وَاجِبُ الرَّدِّ والطَّرْدِ | |
سِوَى مَا أَتَى عَنْ رَبِّنَا ورَسُولِهِ | فَذَلِك قَوْلٌ جَـلَّ يَا ذَا عَنْ الرَّدِّ | |
وَأَمَا أَقَاوِيلُ الرِّجَـالِ فَإِنَّهَا | تَدُورُ عَلى حَسْبِ الأَدِلَّةِ فِي النَّقْدِ | |
فَمُقْتدِياً كُنْ فِي الهُدَى لا مُقَلِّدَاً | وَخَلِّ أَخَا التَّقْلِيدِ فِي الأَسْرِ بِالقَدِ ([45]) |
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ مُحَمَّدُ بِنُ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ :
(( وأَمَّا هَذَا الخَيَالُ الشَّيْطَانِي الَّذِي اصْطَادَ بِهِ النَّاسَ ، أَنَّ مَنْ سَلَكَ هَذا المسْلَكَ فَقَدْ نَسَبَ نَفْسَهُ لِلاجْتِهَادِ ، وَترَكَ الاِقْتِدَاءَ بِأَهْلِ العِلْمِ ، وَزَخْرَفَهُ بِأَنْوَاعِ الزَّخَارِفِ ؛ فَلَيْسَ هَذا بِكَثيرٍ مِنْ الشَّيْطَانِ وزَخَارِفِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالى : }يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا { [ سورة الأنعام : 112 ] .
فَإِنَّ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وأَدْعُوُكُمْ إِلَيْهِ هُوَ فِي الحَقِيْقَةِ ، الاِقْتِدَاءِ بِأَهْلِ العِلْمِ فَإِنَّهُمُ قَدْ وَصَّوْا النَّاسَ بِذَلِك ، وَمِنْ أَشْهَرِهِمْ كَلامَاً فِي ذَلِكَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ :
(( لا بُدَّ أَنْ تَجِدُوُا عَنِّي مَا يُخَالِفُ الحَدِيثَ ؛ فَكُلُ مَا خَالَفَهُ فَأُشْهِدُكُمْ [18/] أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْهُ ))
وَأَيْضَاً : (( أَنَا فِي مُخَالَفَتِي هَذَا العَالِمَ ([46]) لَمْ أُخَالِفَهُ وَحْدِي ؛ فَإِذَا اخْتَلَفْتُ أَنَا وَشَافِعِيٌ مَثَلاً فِي أَبْوَالِ مَأكُولِ الَّلَحْمِ ، وقُلْتُ القَوْلَ بِنَجَاسَتِهِ يُخَالِفُ حَدِيثَ العُرَنِنِّينَ ، وَيُخَالِفُ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ e : (( صَلَّى فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ )) ؛ فَقَالَ هَذَا الجَاهِلُ الظَّالِمُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنْ الشَّافِعِيِّ ؟
قُلْتُ : أَنَا لَمْ أُخَالِفُ الشَّافِعِيَّ مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ اتَّبَعْتُهُ ، بَلْ اتَّبَعْتُ مَنْ هُوَ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ ، أَوْ أَعْلَمَ مِنْهُ قَدْ خَاَلَفَهُ واسْتَدَلَّ بِالأَحَادِيثِ .
فَإِذَا قَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْ الشَّافِعِيِّ ؟ قُلتُ : أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِكَ وَأَحْمَدَ ؟
فَقَدْ عَارَضْتُهُ بِمِثْلِ مَا عَارَضَنِي بِهِ ، وسَلِمَ الدَّلِيلُ مِنْ المَعَارِضِ ، واتَّبَعْتُ قَولَ اللهِ تَعَالى : } فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً { [ سورة النساء :59] . انْتَهَى ([47]) .
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي إِرْشَادِ الفُحُولِ : (( وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ تَتَبُّعِ الآيَاتِ القُرْآنيَِّةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ ، وجَعَلَ ذَلِكَ دَأْبَهُ ، وَوَجَّهَ إِلَيْهِ هِمَّتَهُ ، واسْتَعَانَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، واسْتَمَدَّ مِنْهُ التَّوْفِيقَ ، كَانَ مُعْظَمُ هَمِّهِ ومَرْمَى قَصْدِهِ الوُقُوفَ عَلى الحَقِّ ، والعُثُورَ عَلى الصَّوابِ ، مِنْ دُونِ تَعَصُّبٍ لِمَذْهَبٍ مِنْ المَذَاهِبِ ،[/19] وَجَدَ فِيْهِمَا مَا يَطْلُُبُهُ ؛ فَإِنَّهُمَا الكَثِيرُ الطَّيِبُ ، والبَحْرُ الَّذِي لا يَنْزِفُ ، والنَّهْرُ الَّذِي يَشْرِبُ مِنْهُ كُلُّ وَارِدٍ عَلَيْهِ ، وَالعَذْبُ الزُّلَالُ ، والمُعْتَصَمُ الَّذِي يَأْوِيِ إِلَيهِ كُلُّ خَائِفٍ ؛ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ عَلى هَذا ؛ فَإِنَّكَ لَإِنْ قَبِلْتَهُ بِصَدْرٍ مُنْشَرِحٍ ، وَقَلْبٍ مُوَفَّقٍ ، وَعَقْلٍِ قَدْ حَلَّتْ بِهِ الهِدَايَةُ ، وَجَدْتَ فِيْهِمَا كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنْ أَدِلَّةِ الأَحْكَامِ الَّتِي تُرِيدُ الوُقُوفَ عَلى دَلَائِلِهَا كَائِنَاً مَا كَان . )) ([48]) .
وَقَالَ أَيْضَاً : (( التَّقْلِيدُ : العَمَلُ بِقَوْلِ الغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍِ ؛ فَيَخْرُجُ العَمَلُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ e ، والعَمَلُ بِالإجْمَاعِ ، ورُجُوعُ العَامِّيِّ إِلى المُفْتِي ، ورُجُوعُ القَاضِي إِلى شَهَادَةِ العُدُولِ ؛ فَإِنَّها قَدْ قَامَتْ الحُجَّةُ فِي ذَلِك )) انْتَهَى ([49]) .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ e : (( إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ ؛ فَلَهُ أَجْرٌ )) ([50])
وَقَالَ البُخَارِيُّ : (( بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ ))
} وَلَا تَقْفُ { ولَا تَقُلْ } مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {
وسَاقَ حَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ [20/] بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ )) ([51]).
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : (( التَّوْفِيق بَيْن الْآيَة وَالْحَدِيث فِي ذَمِّ الْعَمَل بِالرَّأْيِ وَبَيْن مَا فَعَلَهُ السَّلَف مِنْ اِسْتِنْبَاط الْأَحْكَام ، أَنَّ نَصَّ الْآيَة ذَمُّ الْقَوْل بِغَيْرِ عِلْم ؛ فَخَصَّ بِهِ مَنْ تَكَلَّمَ بِرَأْيٍ مَحْمُود عَنْ اِسْتِنَاد إِلَى أَصْلٍ .
وَمَعْنَى الْحَدِيثَ : ذَمّ مَنْ أَفْتَى مَعَ الْجَهْل ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالضَّلَالِ وَالْإِضْلَال ، وَإِلَّا فَقَدْ مَدَحَ مَنْ اِسْتَنْبَطَ مِنْ الْأَصْل لِقَوْلِهِ : } لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ { فَالرَّأْي إِذَا كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى أَصْلٍ مِنْ الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة أَوْ الْإِجْمَاع ؛ فَهُوَ الْمَحْمُود ، وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَنِد إِلَى شَيْء مِنْهَا ؛ فَهُوَ الْمَذْمُوم )) ([52]) .
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ : (( وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصِيرَ إِلَى الرَّأْي إِنَّمَا يَكُون عِنْد فَقْد النَّصِّ ، وَإِلَى هَذَا يُومِئ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيح إِلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل سَمِعْت الشَّافِعِيّ يَقُول : (( الْقِيَاس عِنْد الضَّرُورَة )) وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ الْعَامِلُ بِرَأْيِهِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْس الْأَمْرِ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الِاجْتِهَادِ ؛ لِيُؤْجَرَ وَلَوْ أَخْطَأَ . وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ ، وَابْنُ عَبْد الْبَرِّ فِي بَيَان الْعِلْم عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ ، وَابْن سِيرِينَ ، وَشُرَيْحٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ ، بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ ، [/21] ذَمِّ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : (( لَا يُؤْمِن أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ )) أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْن سُفْيَانَ وَغَيْره ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٍ وَقَدْ صَحَّحَهُ النَّوَوِي فِي آخِر الْأَرْبَعِينَ ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَمْرو بْن حُرَيْث عَنْ عُمَر قَالَ : (( إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ ، أَعْيَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا ؛ فَقَالُوا بِالرَّأْيِ ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا )) فَظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ ذَمَّ مَنْ قَالَ بِالرَّأْيِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ مِنْ الْحَدِيثِ لِإِغْفَالِهِ التَّنْقِيب عَلَيْهِ فَهَذَا يُلَامُ ، وَأَوْلَى مِنْهُ بِاللَّوْمِ مَنْ عَرَفَ النَّصَّ وَعَمِلَ بِمَا عَارَضَهُ مِنْ الرَّأْي ، وَتَكَلَّفَ لِرَدِّهِ بِالتَّأْوِيلِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَة (( وَتَكَلَّفَ الْقِيَاس )) وَاللَّهُ أَعْلَم)) ([53]) . انْتَهَى .
قَالَ فِي الاِخْتِيَارَاتِ لِشَيْخِ الإِسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ :
(( وَأَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلى تَحْرِيمِ الحُكْمِ والفُتْيَا بِالهَوَى ، وَبِقَوْلٍ ، أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيْحِ ، وَيَجِبُ العَمَلُ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ فِيْمَا لَهُ وعَلَيْهِ إِجْمَاعَاً .
وَالوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ : القُوَّةُ والأَمَانَةُ ؛ فَالقُوَّةُ فِي الحُكْمِ ؛ تَرْجِعُ إِلى العِلْمِ بِالعَدْلِ بِتَنْفِيذِ الحُكْمِ . والأَمَانَةِ تَرْجِعُ إِلى خَشْيَةِ اللهِ تَعَالى ، وَلا يَجُوزُ الاسْتِفْتَاءُ إِلا مِمَّنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍِ . وشُروطُ القَضَاءِ تُعْتبرُ حَسْبَ الإِمْكَانِ ، وَيَجُِب تَوْلِيةُ الأَمْثَلِ [22/] فَالأَمْثَلُ ، وعَلى هَذَا يَدُلُّ كَلامُ أَحْمَدَ وَغَيرُهُ ، فَيُوَلَّى لِعَدَمِهِ أَنْفَعُ الفَاسِقِينَ ، وأَقَلُّهُمَا شَرَّاً ، وأَعَدَلُ المُقَلِّدِينَ ، وأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمُ والآخَرُ أَوْرَعُ قَدَّمَ فِيْمَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ ويَخَافُ الهَوَى فِيْهِ الأَوْرَعَ ، وفِيْمَا يَنْدُرُ حُكْمُهُ ويَخَافُ مِنْ الاشْتِبَاهِ الأَعْلَمُ ، وَيَجِبُ أَنْ يَنْصِبَ عَلى الحُكْمِ دَلِيلاً ، وأَدِلَّةُ الأَحْكَامِ مِنْ الكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمِاعِ ، ومِا تَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ فِيْهِ إِلى اليَوْمِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ .
وَالنَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتَلافَ العُلَمَاءِ وأَدِلَّتَهُم ؛ في الجُمْلةِ عندُه مَا يَعْرِفُ بِهِ رُجْحَانَ القَوْلِ ، ومَاكَانَ مُتَّبِعَاً لإمامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدُهُمَا أَعْلَمُ وأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ ، ولَمْ يَقْدَحْ ذَلِك فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ ، وَكَرِهَ العُلَمَاءُ الأَخْذَ بِالرُّخَصِ . ولا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مَعْ مَعْرِفَةِ الحُكْمِ اتِّفَاقَاً ، وقَبْلُهُ يَجُوزُ عَلى المشْهُورِ إِلَّا أَنْ يَضِيْقَ الوَقْتُ ؛ فَفِيْهِ وَجْهَان ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الحَقِّ ؛ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ ؛ فَفِيْهِ وَجْهَان ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلٍ .
والعَجْزُ قَدْ يُعْنَى بِهِ العُجْزُ الحَقِيْقِيُّ ، وَقَدْ يُعْنَى بِهِ المَشَقَّةَ العَظِيْمَةَ ، والصَّحِيْحُ الجَوَازُ فَي هَذَيْنِ الموْضِعَيْنِ )) انْتَهَى مُلَخَّصَاً ([54]) .
قَالَ البُخَارِيُّ : [/23] (( بَابُ الإِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ e وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى } وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا { قَالَ : أَئمَِّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا .
وَعَنْ ابْنُ عَوْنٍ : (( ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلِإِخْوَانِي ؛ هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا ، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ )) . انْتَهَى ([55]) .
قَالَ الْكِِرْمَانِيُّ : (( قَالَ فِي الْقُرْآن (( يَتَفَهَّمُوهُ )) وَفِي السُّنَّة (( يَتَعَلَّمُوهَا )) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ فِي أَوَّلِ أَمْرهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصِيَّةِ بِتَعَلُّمِهِ ؛ فَلِهَذَا أَوْصَى بِتَفَهُّمِ مَعْنَاهُ وَإِدْرَاكِ مَنْطُوقِهِ . انْتَهَى )) ([56]) .
قَالَ الحَافِظُ : (( وَلَا يَرْتَابُ عَاقِلٌ فِي أَنَّ مَدَارَ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ عَلى كِتَابِ اللهِ ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ، وَأَنَّ بَاقِي العُلُومِ ، إِمَّا آلَاتٌ لِفَهْمِهَا وَهِيَ الضَّالَّةُ المطْلُوُبَةُ ، أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهَا وَهِيَ الضَّارَّةُ المغْلُوُبَةُ )) . ([57]) . انْتَهَى .
وَاللهُ أَعْلَمُ ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّيْنِ ([58]) .
([1]) الفتح (1/187) .
([2]) من قصيدة أبي إسحاق الإلبيري رحمه الله ، انظرها في الجامع للمتون العلمية للشمراني (629) .
([3]) صفة الصفوة (4/124) .
([4]) صبح الأعشى (1/36) .
([5]) ثم أعدتُ النظر فيها من جديد في رمضان لعام 1427هـ ؛ لتطبع مع مجموع مؤلفات الشيخ رحمه الله بعناية سبطه الشيخ المفضال محمد بن حسن آل مبارك نفع الله به .
([6]) مصادر ترجمته :
الأعلام للزركلي (5/168) ، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ (398) ، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (5/392) ، وروضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين لمحمد بن عثمان بن صالح القاضي (2/159) ، ومعجم مصنفات الحنابلة للطريقي (7/26) ، وموسوعة آسبار (3/936) ، وممن أفرده بالترجمة أبو بكر فيصل البديوي في (( العلامة المحقق والسلفي المدقق )) ، ومحمد بن حسن عبد الله آل مبارك في (( المتدارك من تاريخ الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك )) ، وترجم له الشيخ حماد بن عبد الله الحماد في مجلة العدل العامرة (10/203) ، وكذا علي جواد الطاهر في مجلة العرب (9/909) ، وغيرهم من الذين ترجموا له في بداية كتبه سواءً من تلاميذه أو محققي كتبه رحمه الله ، وأحسنها ترجمة الشيخ عبد العزيز الزير في تحقيقه لتفسيره ، ثم أحسن هذه الكتب المفردة ؛ كتاب : (( معالم الوسطية والتيسير والاعتدال في سيرة الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك )) فقد جاء شاملاً عن حياته رحمه الله ، وهو لسبطه الشيخ الفاضل محمد بن حسن آل مبارك جزاه الله خيراً كثيراً ونفع به . والله أعلم .
([7]) ذكر الشيخُ عبدُ العزيزِ الزَّيرِ حَفِظهُ اللهُ فِي ترجمتِهِ قَال : (( كان الشيخُ رحمهُ اللهُ يَنوي الرَّحيلَ إلى الهندِ ؛ لِدِراسةِ الحديثِ هُنَاك ، فَلَمَّا وصلَ إلى قَطر ؛ وَجَدَ الشيخَ مُحَمدَ بِنَ مَانِعٍ رَحِمهُ اللهُ بِهَا ، وكانَ مُتَضَلِّعاً مِنْ عِلْمِ الحدِيثِ ؛ فَآثَرَ الجلُوسَ عِنْدَهُ . أفادَهُ الشيخُ نَاصرُ بنُ حمدِ الرَّاشدِ وَفَّقَهُ اللهُ )) تَوفيقُ الرَّحمنِ (1/17) .
([8]) انظر : مصادر ترجمته صـ (5) .
([9]) وقد انتهيتُ من الاعتناءِ به على وَجْهٍ أسألُ الله أن يكون غيرَ مسبوقٍ بحمد الله ، والفضلُ له وحدَهُ ، ثمَّ للأخِ الشيخِ الفاضلِ السِّبْطِ محمد بن حسن آل مبارك وفَّقه الله ؛ فقد أرسل إليَّ النسخة الخطية ، والكتابُ الآن في طَوْر المقابلة النهائية ؛ فالحمد لله على توفيقه .
([10]) اعتمدتُ في ضَبْطِ النَّصِ على المخطوطِ وَحْدَهُ ؛ لأنها بخط المؤلِّف نفسه ، ولَمْ أثُبتْ الفروقَ بين النُّسَخِ سواء ما كان من فُروقاتٍ أو تغيرٍ أو سقطٍ أو غيره ؛ ولو فعلتً لطالتْ الرِّسالةُ وكَبُرَ حَجْمُها ، وحُسنُ ذلك يكمن في ذلك . واللهُ أعلم .
([11]) أخرجه أبو داود : كتاب الأدب ، باب في شكر المعروف ، حديث (4811) ، والترمذي : كتاب البر والصلة عن رسول الله ، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك ، حديث (1954) وقال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ صحيح . وأحمد في مسنده برقم (7879) قال الهيثمي في المجمع (8/180) : (( رواه كله أحمد والطبراني ، ورجال أحمد ثقات )) وصححه الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله في الأدب المفرد (83) برقم (218) .
قال المنذري رحمه الله : رُوِيَ هذا الحديث ، برفع الله ، وبرفع الناس ، وروي أيضاً : بنصبهما ، وبرفع الله، ونصب الناس، وعكسه ، أربع روايات (( الترغيب والترهيب )) (2/46) ، وقال الحافظ الزين العراقي رحمه الله : (( والمعروف المشهور في الرواية بنصبهما )) ، فيض القدير للمناوي (6/225) ، والله أعلم .
([12]) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق .
([13]) هذا تعريفٌ مختصرٌ للفقه ، والتعريف المشهور له هو : (( العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية )) ومصطلح ( الفِقْه ) يختلف بين المتقدمين والمتأخرين . وانظر في بيان ذلك بياناً لطيفاً في تاريخ الفقه الإسلامي لشيخنا العلامة أ.د. عمر الأشقر حفظه الله (11: 17) والمدخل الفقهي العام للعلامة مصطفى الزرقا رحمه الله (1/65) ومعجم أصول الفقه . خالد رمضان حسن (213) .
([14]) أخرجه البخاري : كتاب العلم ، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، حديث (71) وغيره . ومسلم : الزكاة ، باب النهي عن المسألة ، حديث (2389) وغيره ، من حديث معاوية t.
([15]) يضاف للأصول الثلاثة الأولى القياس ؛ لتكون أصول الأدلة الأساسية ، وأما الفرعية ؛ فهي : الاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وسدِّ الذرائع ، والعُرْف ، وقول الصحابي ، وشرع من قبلنا ، والاستصحاب . انظر : المستصفى للغزالي (1/189) ، والمدخل الفقهي العام للعلامة مصطفى الزرقا رحمه الله (1/73) وتيسير الوصول إلى قواعد الأصول للفوزان (1/102) وما بعدها ، ومعالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (68) .
([16]) الفِرَاء : حمار الوحش . انظر : المعجم الوسيط (678) مادة ( الفَرَأُ ) وَ تحفة الأحوذي (5/324) .
([17]) أخرجه الترمذي : كتاب اللباس ، باب ما جاء في لبس الفراء ، ح (1726) ، وابن ماجه : كتاب الأطعمة ، باب أكل السمن والجبن ، حديث (3367) ، والحاكم في مستدركه (4/ حديث 7115)= =والبيهقي في سننه الكبرى (9/320 ) ، و (10/12) . وحسَّنَهُ الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2/1726/267) ، وصحيح سنن ابن ماجه (3/3430/141) والله أعلم .
([18]) تعريف السنة يقابل تعريف الحديث ، وبعض أهل الحديث يُفرِّق بينها من حيث العموم و الخصوص ، والتعريف هنا خاص بالأصوليين ؛ إذ يقتصرون في تعريفهم على ما يكون محلاً للتشريع بخلاف أهل الحديث ؛ فهم يبحثون كل ما أضيف للنبي e ويضيفون الصفات الخَلْقية والخُلُقية . انظر : معالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (118) ، ومنهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر نفع الله به (26 : 30) .
([19]) متن الورقات (497) من الجامع للمتون العلمية للشمراني ، وفيه ( الباطل ) بدل الفاسد .
لطيفة : كثير من النسخ الخطية والمطبوعة فيها ( الفاسد ) بدل ( الباطل ) وأيَّاً كان ؛ فإن جمهور الأصوليين لم يفرِّقوا بين الباطل والفاسد ، سواء كان ذلك في العبادات أو في المعاملات، وأما الحنفيّة ففرَّقوا بينهما في المعاملات ، وأما في العبادات فوافقوا الجمهور في عدم التفريق بين الباطل والفاسد . انظر : شرح الورقات للمحلي (86) و (94) تحقيق د. حسام الدين عفانه ، وشرح الورقات للفوزان (48) ، والمدخل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله لشيخنا الدكتور أحمد سعيد حوى (153) . ومعجم أصول الفقه (212) ، وفي ذلك يقول صاحب مراقي السعود رحمه الله :
والصحة القبول فيه يدخل | وبعضهم للاستواء ينقل | |
وخصص الإجزاء بالمطلوب | وقيل بل يختص بالمكتوب | |
وقابل الصحة بالبطلان | وهو الفساد عند أهل الشان | |
و خالف النعمان فالفساد ج | ما نهيه للوصف يستفاد |
نثر الورود للعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله (1/64 ، 65) .
([20]) الورقات (508) باختصار . وانظر : معجم أصول الفقه (91) و (21) ومعالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (463) و (489) فهو نفيس ، و التقليد للدكتور سعد الشثري (16) ففيه مناقشة لتعريف التقليد نفيسة .
([21]) لم أجد من ذكره على طول بحث .
([22]) الاختيارات مع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (5/555) .
([23]) الاختيارات مع الفتاوى الكبرى (5/556) .
([24]) الرسالة (34) .
([25]) الرسالة (51) .
([26]) الرسالة (513) .
([27]) الرسالة (599) بتلخيصٍ وتصرفٍ لما سبق من المؤلف رحمه الله كما ذكر . وانظر : إعلام الموقعين (4/43) .
([28]) أخرجه : أبو داود . في كتاب القضاء ، باب اجتهاد الرأي في القضاء ، حديث (3592) ، والترمذي : في كتاب الأحكام ، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي ، حديث (1327) ، وأحمد في مسند (36/ حديث 22007 و 22100 و 22061 ، طبعة الرسالة ) ، والدارمي في مسنده (1/267 / رقم 170) تحقيق الأسد ، وأبو داود الطيالسي في مسنده رقم (559) طبعة المعرفة ، وفي المنحة (1/286/رقم 1452) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/114) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، (4/544/22979) ، وابن عبد البر في جامعه (2/ رقم 1592 ، 1593) ، والعُقَيْلي في الضعفاء في ترجمة الحارث بن عمرو (1/234/ رقم 263) طبعة السلفي ، والدارقطني في العلل (6/88/ رقم 1001) ، وغيرهم .
من طرق عن شعبة عن أبي العون محمد بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن معاذ ، وتارة عن أصحاب معاذ عن معاذ ، واخرى عن أناس من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/82) : (( الحارث بن عمرو ؛ روى عن أصحاب معاذ ، روى عنه أبو عون الثقفي سمعت أبي يقول ذلك )) .=
=وقال الذهبي في الميزان (2/175) : (( عن رجال عن معاذ بحديث الاجتهاد ، قال البخاري لا يصح حديثه )) . وانظر : التاريخ الصغير للبخاري (1/304) ؛ فمدار الحديث على الحارث بن عمرو :
قال الحافظ : (( مجهول )) ، وقال البخاري : (( لا يصح حديثه )) وقال الذهبي : (( تفرد به أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي ، عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة ، وما روى عن الحارث غير أبي عون ، فهو مجهول )) . وانظر : التهذيب (1/474) طبعة المعرفة .
وقال الترمذي : (( هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده عندي بمتصل )) . وانظر تحفة الأحوذي (3/449) .
وقال ابن الجوزي في العلل (2/758) : (( لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحاً )).
وقال الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/243 رقم 101) طبعة الفريوائي : (( هذا حديث باطل )) .
وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/424) تحقيق السلفي: (( رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف ، وقال البخاري : مرسل ، وقال ابن حزم : لا يصح ، وقال عبد الحق : لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح . )) باختصار .
وقال العلامة المحدث الراحل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الضعيفة (2/273) (( منكر )) وذكر كلاماً لابن حزم رحمه الله فقال : (( هذا حديث ساقط ، لم يروه أحد من هذا الطريق ، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يُسموا ، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو ؟ وفيه الحارث بن عمرو ، وهو مجهول لا يعرف من هو ؟ ولم يأت هذا الحديث من غير طريقه )) وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه : (( لا يصح )) ثم قال : (( وهذا حديث باطل لا أصل له )) أ.هـ .
وقال الحافظ رحمه الله في التلخيص الحبيـر (4/182) فيما نقله عن محمد بن طاهر المقدسي ( ت 507هـ ) : (( اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار ، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل ؛ فلم أجد له غير طريقين ؛ إحداهما طريق شعبة ؛ والأخرى عن محمد بن جابر ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن رجل من ثقيف ، عن معاذ ؛ وكلاهما لا يصح )) . أ.هـ .
ولقد صنَّف جمع من أهل العلم في بيان درجة هذا الحديث ، انظر : التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف للشيخ يوسف العتيق أثابه الله .
وجوَّد إسناده الحافظُ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/113) ، فقال : (( وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد كما هو مقرَّر في موضعه )) .
= ومن رام مزيد بيان وتوضيح وردٍّ على من صحَّح الحديث أو حسَّنه يُرجع إلى ما سطرته يراعُ العلاّمَة المحدِّث الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2/273/ رقم 881) والله أعلم .
([29]) أخرجه الدارقطني في سننه (5/367/ رقم 4471 الرسالة ) ، والبيهقي في الكبرى (10/150) ، والمعرفة (7/366 ) وعبد الرزاق في مصنفه (8/300 رقم 15290) ، ووكيع في أخبار القضاة (1/70) ، وخرَّجه الزيلعي في نصب الراية (4/63) ، وضعَّفه ابن حزم رحمه الله في الإحكام (2/1002) ووصفه في المحلَّى (1/59) بأنه مكذوب موضوع على عمر ! ففنّد ذلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه وانتهى إلى ثبوته بعد أن جمع طرقه وأسانيده . ( أفدته من بحث شيخنا العلامة أ.د. عمر الأشقر حفظه الله من كتابه ( نظرات في أصول الفقه (117) حاشية ) ، وكذا الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء (8/241/ رقم 2619) وقال (( صحيح )) . فانظره إنْ رُمْتَ فائدةً .
وانظر مزيداً : تحقيق صحة هذا الكتاب في مجلة الشريعة العدد (4) من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ( 1402هـ ) للشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله بعنوان : (( تحقيق ثبوت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في شأن القضاء ، وفيه العمل بالقياس )) صـ (299) ، وبحثاً للشيخ سعود الدريب في مجلة البحوث الإسلامية العدد (7) صـ (269) ، وكذا تحقيق رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الشعري رضي الله عنهما للدكتور ناصر بن عقيل الطريقي في العدد (17) صـ (195) حيث أثبت صحتها وردَّ الشُّبَه عنها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (6/71) : (( ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء وبنوا عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه )) . وانظر إعلام الموقعين (2/158) ، وشرحها (2/163) ، وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (13/264) : (( فيما أنشد ابن عبد البر لأبي محمد اليزيدي النحوي من أبيات طويلة في إثبات القياس :
وكتاب الفـاروق يرحمه الله | إلى الأشـعري في تبيان | |
قس إذا أشكلت عليك الأمور | ثم قل بالصواب والعرفان)). |
([30]) إعلام الموقعين (2/11) .
([31]) الورقات صـ ( 498) .
([32]) ( وَكْدُهم ) قال ابن فارس في معجمه : (( وَكَدَ )) الواو والكاف والدال : كلمةٌ تدل على شَدٍّ وإحكام ، وقال : وَكَدَ وَكْدَه : إذا أمَّه وعُنِيَ به " أ.هـ فيكون المعنى أي : أن عملهم ووَكْدهم أي ؛ قصدهم الروايات في مظانها واستخراجها وجمعها . وانظر لسان العرب (6/482) مادة : ( وكد ) .
([33]) معالم السنن للخطابي رحمه الله (1/4 : 6) بتصرف .
([34]) إعلام الموقعين (2/89 : 93) .
([35]) أخرجه النسائي ، كتاب آداب القضاة ، باب الحكم باتفاق أهل العلم ح (5412) ، والدارمي ، باب الفتيا وما فيه من الشدة ح (172) ، والحاكم في مستدركه (4/106/ رقم 7030) ، والبيهقي في الكبرى (10/115) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/455/22979) ، وعبد الرزاق في مصنفه (8/301/ رقم 15295) ، ووكيع في أخبار القضاة (1/76) ، وابن عبد البر في جامعه (2/874/ رقم 1597) ، والدارقطني في العلل (5/210) ، والضياء المقدسي في المختارة (1/239/ رقم 133) . وقال محققه : (( إسناده صحيح )) وأطال ابن حزم رحمه الله في الإحكام (5/205) في ذكر طرقه وشواهده ؛ فانظره .
وقال النسائي : (( وهذا الحديث جيدٌ جيد )) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/301) : (( وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود نحو حديث عمر من رواية الشيباني )) ، وقال الحاكم في المستدرك : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح النسائي (( صحيح الإسناد موقوفاً )) وانظر سياقه عند ابن القيم رحمه الله في الإعلام (2/116 وَ 118) .
([36]) أخرجه أحمد في مسنده (6/84) ، والطيالسي في مسنده (33) ، وفي المنحة (69) ، والحاكم في مستدركه (1/177) ، والدارقطني في العلل (5/66) ، والبغوي في شرح السنة (1/214/ رقم 105) ، وأورده الهيثمي في المجمع (1/428/ رقم 832) ، وقال : (( رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثقون )) ، وحسَّن وقفه على ابن مسعود t الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة (2/ رقم 532) ، واللفظ للطبراني (8/12) والله أعلم .
([37]) نسبها إلى الذهبي رحمه الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مؤلفاته (3/ قسم الرسائل الخاصة /144) ، والقنوجي في أبجد العلوم (3/98) ، وكذا الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله في تقديمه لتخريج كتاب الجهاد لابن أبي عاصم (1/8) ولم أقف عليه في مؤلفاته الآن ، وبعضهم نسبها إلى ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه (( عناية النساء بالحديث النبوي )) (20) وأظنه وهماً ؛ فقد أوردها ابن القيم في إعلام الموقعين (2/149) وقال : ولبعض أهل العلم ، ولو كانت له لنسبها لنفسه .
أما الأبيات التي في النُّونيَّة ( 226 ط: ابن الجوزي ) فهي قريبة منها ؛ لكنها على قافية النون ، ويقول فيها :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُهُ | قَالَ الصَّحَابَةُ هُم ذَوُو العِرفَانِ | |
مَا العِلمُ نَصبَكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً | بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فَلاَنِ | |
كَلاَّ وَلاَ جَحدَ الصِّفَاتِ لِرَبِّنَا | فِي قَالَبِ التَّنزِيهِ وَالسُّبحَانِ |
([38]) أخرجه النسائي ، كتاب آداب القضاة ، باب الحكم باتفاق أهل العلم (8/231/ رقم 5414) ، والدارمي في مسنده ، باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/265/169) ، والبيهقي في الكبرى (10/150) ، وأبو نعيم في الحلية (4/149) ، ووكيع في أخبار القضاة (1/189) ، وهو في تحفة الإشراف (8/29/ رقم 10463) ، و الفقيه والمتفقه باسنادٍ صحيح (2/99/ برقم 527) ، وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (13/352) وسكت عنه . وصحَّحه في موافقة الخُبر الخَبر (1/120) ، والله أعلم .
([39]) السَّوْم : المُحاذَبَة بين البائِع والمشتري على السّلْعةِ وفَصلُ ثَمنِها يقال سَام يَسُوم سَوْماً . انظر النهاية (2/425) مادة ( سوم ) .
([40]) أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (2/88 برقم 526) ، وأبو نعيم في الحلية (4/149) ، والمزي في تهذيب الكمال (3/377) ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/332/ ترجمة 1458) .
([41]) إعلام الموقعين (2/125) .
([42]) الإعلام (3/165) .
([43]) الإعلام (3/447) .
([44]) الإعلام (3/484) .
([45]) ديوان الصنعاني (128) عن نسخة الشيخ الغفيلي وفقه الله .
([46]) في المخطوط ( العلم ) والتصحيح من الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/142) .
([47]) الرسائل الشخصية (3/142 ، 143) ط : دار القاسم .
([48]) إرشاد الفحول (2/1059) بتصرف .
([49]) إرشاد الفحول (2/1081) .
([50]) أخرجه البخاري : كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب أجر الحاكم ، إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (7352) ، ومسلم : كتاب الأقضية ، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد ، فأصاب أو أخطأ (1716) .
([51]) البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (9/100) ، تحقيق الشيخ زهير الناصر ، والفتح (13/345) .
([52]) شرح ابن بطال (10/365) بمعناه . والمنقول من الفتح (13/352) .
([53]) الفتح (13/354) .
([54]) الاختيارات (5/556) .
([55]) صحيح البخاري : كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (9/100) ، والفتح (13/305) .
([56]) الفتح (13/309) .
([57]) هدي الساري (1/3) .
([58]) انتهيت من مقابلته على النسخة الخطية وعلى الطبعات الثلاث في ضحى يوم السبت الموافق 4/8/1422هـ .
فما كان فيه من صواب فمن الله وحده المتفضل بالنعم والإحسان ، وما كان فيه من خللٍ ونقص وزلل ، فمن نفسي والشيطان ، والله ورسوله منه بريئان ، وأسأله المسامحة والغفران . وصلى الله وسلم على سيد ولد عدنان .