×
تحتوي هذه الرسالة على بعض المراسلات العلمية للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك - رحِمه الله - مع علماءِ عصرِه من مشائخِه وأقرانِه وتلاميذِه.

النفحات الزكية من المراسلات العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

 مقدمة النفحات الزكية

إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمـالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يُضللْ فلن تجدَ لـه وليّاً مرشداً، وبعد:

فهذه بعض المراسلات العلمية للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك - المتوفى عام 1376هـ رحِمه الله - مع علماءِ عصرِه من مشائخِه وأقرانِه وتلاميذِه، مِمَّا يمثِّل نموذجاً مشرقاً للحياة العلميَّة في البلاد السعوديَّة في الحقبة المتوسطة من القرن الرابع عشر الهجري.

ومن أولئك الأعلام: الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعودية، والعلاَّمة الفقيه عبدالرحمن بن سعدي علامة القصيم، ومحدث الديار النجدية الشيخ العلاَّمة سعد بن حمد بن عتيق رحمهم الله أجمعين، فأسأل الله عز وجل أن يجعلها في موازين أعمال كاتبيها وناشريها، وأن يُعِمَّ بها النفع.

 لا سِيَّما أنَّ غالب هذه المراسلات تُطبع لأول مرة ، فالحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 قائمة الرسائل

الرسالة الأولى: "فـتاوى في مسائل متنوعة" لمحدِّث الديار النجديَّة العلاَّمة سعد بن حمد بن عتيق المتوفَّى عام 1349هـ.

الرسالة الثانية: "تاوى في مسائل متنوعة" للشيخ العلاَّمة عبدالرحمن بن سعدي المتوفي عام 1376 هـ.

الرسالتان: الثالثة والرابعة: فتوى للشيخين الإمام محمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعوديَّة والعلاَّمة عبدالرحمن بن سعدي المتوفي عام 1376 هـ، في "حكم سائق السيارة التي تمشي في طريقها المعتاد فنفرت منها إبلٌ تزاحمت فتلف بسبب نفورها رجلٌ من غير تعَدٍّ منه، فهل يضمن أم لا؟".

الرسالة الخامسة: فتوى في "المرأة المطلَّقة وفي بطنها حملٌ ميت، ومضى عليها أكثر من أربع سنين هل لها أن تتزوَّج؟" للشيخ العلاَّمة عبدالرحمن بن سعدي المتوفي عام 1376هـ.

الرسالة السادسة: فتوى في "جواز خلع القاضي للزوجة ببعض المهْـرِ عند حدوث الشقاق بين الزوجين" للشيخ العلاَّمة فيصل بن عبدالعزيزآل مبارك المتوفَى عام 1376هـ.

الرسالة السابعة: "القول الصائب في حكم بيع اللحم بالتمر الغائب" للشيخ فيصل بن عبدالعزيزآل مبارك

الرسالة الثامنة: رسالة من بعض تلامذة الشيخ عبدالله القرعاوي للشيخ فيصل آل مبارك.

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد بن حمد بن عتيق إلى الأخ المكرم فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك سلَّمه الله تعالى وهداه وجعله ممَّن اتبع هداه، سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد..

موجب الخط إبلاغ السلام والسؤال عن حالك، لا زلتَ بخيرٍ وعافيةًٍ، وخَطُّك وصل، وصَّلكَ اللهُ إلى رضاه، وتأخير جواب السؤال لأجل كثرةِ الأشغال وعدمِ الفراغ، وهذا الجواب يصل إليك إن شاء الله تعالى، كتبناه مع القُصور، وعدمِ الأهليَّة، ولكن الضرورة ألجأتْ إلى ذلك.

المسألة الأولى: قولُ الطحاوي - رحِمه الله تعالى - في عقيدته: "لا تحويه الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتدَعات"، ما معناه؟.

الجـواب: أنَّ الجهات بالنسبة إلى المخلوق ستٌّ: قُدَّامٌ وخلفٌ وفوق وتحت ويمينٌ وشمالٌ، ومرادُ المصنِّف أنَّ الله سبحانه لا يشبهُ خلقَه في ذلك ولا في غيره من الصِّـفات، بل هو سبحانه فوق سماواته على عرشِه، بائنٌ من خلقه، عالٍ عليهم، كما قال أعلمُ الخلق بِه - -:

(أنت الأوَّل فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطن فليس دونك شيءٌ).

هذا مُرادُ المصنِّفِ رحمه الله، ولكن ذِكرُ الجهةِ والتحيُّز ونحوهما من الألفاظ المجملة، كالجسمِ والجوهرِ والعَرَض ونحوها فيما يتعلَّقُ بذات الرب وصفاته تعالى لا يجوزُ إطلاقه على الربِّ سبحانه، لا نفياً ولا إثباتاً، عند أهلِ السُّنَّة والجماعة، بل عندهم أنَّه تعالى لا يوصف إلاَّ بما وصف به نفسه أو وصفه به رسولُ الله ، قال الإمام أحمد رحمه الله: "لا يوصف الله إلاَّ بما وصف به نفسه أو وصفه به رسولُه، لا يتجاوز القرآن والحديث".

ومثل هذه الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاًّ وباطلاً لا توجد ولا يوجد مثلها   في كلام الربِّ سبحانه وتعالى، ولا فيما ثبتَ عن رسولِ ، ولا عن أحدٍ من السَّلفِ الصالح المقتدَى بهم في هذا الباب، كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فقد صرَّحوا بأنَّ المتكلِّم بهذه الألفاظ ونحوها فيما يتعلَّق بصفات الربِّ سبحانه مخطئٌ وإن كان قَصدُه حسناً،كما يقع ذلك في كثير من المثبتين للصفات المتَّبِعين للسلف الصالح والله أعلم.

المسألة الثانية: ما يُخرِج الإنسان من ماله من: صدَقةٍ في الاستسقاء، وصدقةٍ في بناء المساجد، وصدقةٍ على المساكين الذين يسألون الناس في المساجد، وإعطاء سائل، هل تكون من الزكاة أم لا؟ وهل إذا نواها يصحُّ كونها من الزكاة أم لا؟ أفتونا مأجورين.

الجواب: المساكين الذين يسألون في المساجد لا بأس أن يعطيهم الإنسان من زكاة ماله، لأنَّهم من أهل الزكاة المذكورين في الآية.

وما يُخرِجه من الصدقة عند الاستسقاء إذا كان المعطَى من أهل الزكاة فلا بأس أن يعطَى من الزكاة.

وأمَّا النِّيَّة عند الإخراج فلا بُدَّ منها في هذا والذي قبله.

وأمَّا دفع الزكاة في بناء المساجد فقد ذكر الأصحاب أنَّه لا يجوز صرفها إلى غير الثمانية المذكورين في الآية، قال في الإقناع وشرحه: "لا يجوز صرفها إلى غير الثمانية المذكورين، كبناء المساجدِ والقناطرِ، وسدِّ البثوق، وتكفينِ الموتى، ووقفِ المصاحف وغير ذلك" انتهى. والله أعلم( ).

بسم الله الرحمن الرحيم

 غرة رجب 1371هـ

حضرة محترم المقام الشيخ الفاضل فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك، بارك الله في علمه وعمله، وجميع ما آتاه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مع السؤال عن أحوالكم أتمّّّ الله عليكم نعمه، ودفع عنكم نقمه، حالاً وصلني كتابكم الكريم – رقم:30 جماد أول -، فسررت بما أفاد عنكم، وعن أحوالكم، وهديتكم لِمحبِّكم: "خلاصة الكلام على عمدة الأحكام" وصلَ وسُرِرتُ به، وسألتُ المولى أن يضاعِفَ لكم الأجر بما أبديتموه فيه من الفوائد الجليلة والمعاني الكثيرة، وسعيكم في نشره، لا زلتم تخرجون أمثاله من الكتبِ العامُّ نفْـعُها، العظيمُ وقْـعُها، وتفضَّلَ علينا وعليكم بالإخلاص التامِّ الذي هو رفع الأعمال وبه تمامها، ونسخة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل سلَّمناها له، ويشكرُ كثيراً منكم ويدعو لكم.

ولقد سرَّني ما ذكرته من ترتيب بعض الطلبة عليكم القراءة في كتابنا: "الإرشاد"، وذكرتم ما فيه من الفوائد النافعة الواضحة، وهو كما ذكرتم من فضل الله وكرمه، وأنَّكم ألحقتموه بكتابكم: "المرتع المشبع"، ويظهر لي من هذا أنَّكم ساعين( ) بتصنيف هذا الكتاب، وأنَّه على وشك التمام، فلعلَّ الله ييسِّر لكم إتمامه، ثُمَّ نشره.

وقد ألحقتَ في خطِّك المذكور - في أسفله - لفظةً أشكلت عليَّ، وصورتها: (و من طرف "مقام الرشاد"( ) سنطبعه إن شاء الله) وتطلبون إرسال لنسخة.....( )، وغلب على ظنِّي من هذه العبارة وما قبلها أنَّ كتابكم الذي ذكرتم "المرتع المشبع" الذي ألحقتم به "الإرشاد" تريدون منَّا نسخة "الإرشاد" الخطية، فالخطيَّة ليست موجودةٌ عندي، ولا بُدَّ النسخة المطبوعة سابقاً عندكم منها، أرجو توضيح مقصودكم بذلك.

1ـ السؤال الذي في كتابكم لنا - رقم 4جماد آخر-: رجل تزوج امرأة واشترط أبوها ألاَّ يخرجها من بلدها، وإن خرج بها فهي طالقٌ ثلاثاً، وبعد ذلك رضِيت المرأة بالخروج مع زوجها، وخاف الزوج من وقوع الطلاق إن أخرجها.

جـواب هذا السؤال: أنَّ هذا تعليقٌ محضٌ من الزوج للطلاق على خروجه بها من بلدها، ولم يقيِّد وقت الاشتراط برضى الزوج ولا رضى الأب، فحيثُ خرج بها من بلدها وقع عليه الطلاق، ولو رضيت، لوقوع المعلَّق عليه الطلاق، فالصورة المذكور شرحها في السؤال توجِبُ وقوعَ الطلاق بوجودِ المعلَّق عليه وهو الخروج، وهذا بخلاف لو شرط عليه الأب ألاَّ يخرجَ بها من بلدِها شرطاً ليس فيه تعليقُ طلاقٍ، والتزم به الزوج، ثمَّ رضيت الزوجة بالخروج، فإنَّ لـه الخروج لأنَّ الحقَّ لها، وقد رضيت بإسقاطه، وأمَّا المسئول عنه ففيه حقَّان: حقُّها وقد رَضِيت به، وحقُّ الله وهو وقوع الطلاق، فلا سبيل إلى إسقاط وإلغاء هذا التعليق، والله أعلم.

أمَّا السؤال الثاني: وهو المعاملة بالنوط، وهي الأوراق التي صارت الآن هي قيم الأشياء، فقد كنتُ ألَّفتُ فيها رسالةً، وذكرتُ الأقوال الثلاثة فيها لعلماء الوقت:

[أ] قول من يمنع المعاملة بها بناءً على أنَّها مثل بيع الديون في الذمم، وهذا قولٌ لا يمكن العمل به بوجهٍ من الوجوه.

[ب] وقول من قال أنَّ حكم الأنواط حكم ما جعلت عنه من النقود، فنوط الرُّبِيَّة بمنزلة الرُّبِيَّة، ونوطُ الجنيه ونوط الدينار بمنزلة الذهب بناءً على أنَّها قائمةُ مقام النقود فيُعطى حكمها.

[جـ] والقول الثالث الذي رجَّحناه أنَّها لا تعطى أحكام النقود [من كلِّ وجه]( )، إنَّما حُكِم بالربا بالفضل والنسيئة بالذهب والفضَّة وهذه ليست كذلك [من جهة ربا الفضل]( )، وقد ذكرتُ لهذا القول الذي رجَّحتُه، - وأنَّ الأنواط ليست بمنزلة الصكوك والديون، ولا بمنزلة النقود:الذهب والفضَّة - عدَّةَ مآخذَ، منها:

 (أَ) أنَّ الأصل في جميع المعاملات الحِلُّ، فلا يحرُمُ منها إلاَّ ما حرَّمه الله ورسوله بنصٍّ أو ما في حكم النص، وبيع الأنواط بعضها ببعض أو بيعها بنقود داخلٌ في هذا الأصل وهو الجواز، سواءً كان بمثله أو بزيادة أو نقص.

(ب) ومنها أنَّ النصوص الشرعيَّة إنما وردت في الذهب والفضة، وذلك عامٌّ لها في أحوالها، سواءً كانت مضروبةً أو كانت حـُلِـيّاً، أو كانت تبراً، فكلُّها تدلُّ النصوص الشرعيَّة على جريان ربا الفضل وربا النسيئة فيها بشروطها المعروفة، وأمَّا أوراق النوط فلا تدخل في هذه النصوص.

فإذا لم تكن بنفسها لا ذهباً ولا فضَّةً كيف تدخلُ في مثل قولـه : (الذهب بالذهب مثلاً بمثل وزناً بوزن والفضَّة بالفضَّة مثلاً بمثل وزناً بوزن....الخ) الحديث وما في معناه؟، فكونُها غير ذهب ولا فضَّة لا بأس بيع بعضها ببعض متماثلاً ومتفاضلاً، ولا بأس بالتحويل فيها أو عليها، ونهاية الأمر أن تكون بِمنزلة الفلوس المعدنيَّة التي لا يجري فيها ربا الفضل على الصحيح، هذا نهاية الأمر، وإنَّما الممنوع فيها أن يعامل فيها معاملة نسيئة إلى أجل، بأن يبيعَهُ عشرَ أوراقٍ باثني عشر مثلاً إلى مدَّةِ سنة أو نحوها.

(جـ) ومنها أنَّ من مآخذ جواز بيع الأنواط أنَّ الذين أجرَوها مجرى الذهب والفضة فإنَّما ذلك بالقياس منهم، وهو قياسٌ مختلٌّ لم تتمَّ شروطه، فإن قالوا أنَّها تجري مجرَى ما وضعت عليه من نوط ربيَّة أو نوط دينار أو جنيه، ويعبَّر عنها بالرُبية والدينار والجنيه، هذا معتمد من منع التعامل بها إلاَّ متماثلة، ووجه اختلال هذا القياس: أنَّ القياسَ شرطَه: مساواةُ فرعٍ لأصله من كلِّ وجهٍ، وهذا مفقودٌ في هذا القياس، فإنَّ جوهر الذهب والفضَّة غير جوهر النوط، وهذا أمرٌ مشاهَدٌ محسوس، وكونه يقوم مقام الذهب والفضَّة في أثمان البياعات وقِـيم المتلفات لا يوجِبُ أن يكون مثله، فإنَّه لو قام العَروض الآخر مقام الذهب والفضَّة لم يثبت لها أحكامها من جهة الربا.

 ويوضِّحُ ذلك أنَّها أيضاً لا يُتصوَّر فيها الوزن، والنبي صلى الله عليه وسلَّم جعل الذهب والفضة موزونين، واعتبر تساويَهما في معيارهما الشرعي الذي هو الوزن، فأين القياس المساوي، وأيضاً الذهب والفضة يجري فيهما الربا، سواء كانت نقوداً مضروبة أو حُلِيّاً مصنوعاً أو تبراً لا مضروباً ولا مصنوعاً، والأنواطُ معروفٌ أنها لا تقوم مقام الذهب والفضة إلاَّ إذا كانت على وجهٍ واحد بأن تكون مضروبةً فقط، مع أنَّه لولا كفالات الدول القويَّة والشركات المثرية والضمانات المتعددة للنوط ما قام مقام الذهب والفضة من كُلِّ وجهٍ، ولهذا إذا اختلَّت دولته أو فلَّست الشركات الضامنة له بقي النوط لا قيمة له أصلاً لا قليلاً ولا كثيراً.

دَ - ومنها أيضاً شِدَّة الحاجة بل الضرورة في هذه الأوقات [للمعاملة]( ) في الأنواط، وهي مدار المعاملات كلُّها، فلوحُكِم لها حكم الذهب والفضة من كلِّ وجهٍ لتعطَّلت [ المصالح ] وانتفت التجارات وما اضطر العباد إليه ودعت إليه حاجتهم فإنَّ الشارع لا يمنعهم منه، [إذ به ] تقوم أحوالهم وتصلح أمورهم فهي إذاً بالعروض أشبه منها بالنقود.

ـ ولهذا من يلتزم القول بأن حكمها حكم الذهب والفضة فهو بين أمرين: إمَّا أن يمتنع من الكثير من المعاملات التي هي من ضرورته وحاجته، وإمَّا أن يتجرأ عملاً على الحرام، والله تعالى قد كفى المؤمنين بحلاله عن حرامه، ووسَّع لهم طرق المعاملة فإذا نظرنا إلى الأصل الذي هو حِلُّ المعاملات كلِّها إلاَّ ما فيه محذور، وإلى قوَّة الضرورة إليها، وإلى عدم دخول الأنواط في جواهر الذهب والفضة، وإلى ضعف قياس من قاسها على الذهب والفضة عرفنا أنَّ هذا القول هو الصواب الصحيح، والله أعلم.

ولوْ أنِّي وجدتُ الرسالة التي أشرتُ أنِّي كتبتُها في هذه المسألة، وذكرتُ فيها مآخذ الأقوال كلِّها، لأرسلتها إليك، وإن وجدتُها بعد هذا أرسلتها لا بُدَّ.

النسخ الثلاث من كتابنا (الرياض الناضرة) وصلتكم، فإن عبدالعزيز التميمي ذكر لي أنَّه أرسلها إليكم منذ عشرة أيام فأكثر، إذا كان تريدون نسخة من الإرشاد السؤال والجواب من المطبوع فعندنا نسخة من المطبوع مصحَّحة نرسلها إليكم فاذكر لنا ذلك بكتاب أو برقية.

هذا ما يلزم وإذا يبدي لازم شرفني فيه، ومني السلام على العائلة وجميع المحبين، كما منَّا الولد والشيخ عبدالله بن عقيل وجميع الإخوان، والله يحفظكم ويتولاَّكم برعايته آمين.

السؤال:

الشيخ محمد بن ابراهيم أفتونا مأجورين إذا كان سائق سيارة ماشياً على السكَّة، ونفرت ابلٌ ودقَّت إنسانا وقتلته، هل يلزم صاحب السيارة ديةً أو كفارةً أصلاً.

جـواب الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:

الظاهر لي أنْ لا دِية ولا كفَّارة في هذه المسألة.

                         محمد بن إبراهيم 24 /1/1373هـ( )

جـواب الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله:

[1] أمَّا الجواب عن السيارة التي تمشي في طريقها المعتاد، يعني: في سِكَّتِها، فصادف أن نفرت منها إبلٌ تزاحمت فتلف بسبب نفورها رجلٌ، فليس على صاحب السيارة السائق ضمان لأنّه لم يتعدَّ ويسلك بها طريقاً غير طريقها، والإبل إنما نفرت من صوت السيارة أو رؤيتها، وليس هذا من الأسباب الموجبة للضمان، نعم لو باشرت السيارة وداست في طريقها شيئاً من الإبل فنفرت [فكان هو] السبب، أو سلك بِها سائقها غير طريقها المعتاد فنفرت لذلك الإبل، فهذا يوجب الضمان لأنَّه من باب التعدِّي.

[2] وأمَّا الذي وجد ناقةً لـه وعرَّفها وأقام الشهود المعتبرين شرعاً على أنَّها ملكه، والناقة قد تنامت، أتت بأولاد، وزعم لذي عرفها عنده أنَّه اشتراها ممَّن لا يعرفه، فالناقة وأولادها للذي أقام البينة على أنَّها ملكه، لأنَّها لم تزل في ملكه، ونماؤها له، والمشتري يتبع من باعها عليه عرفَه أو جهِله.

وقد نصَّ الأصحاب عليه في باب الغصب، بل ذكروا ما هو أبلغ من ذلك: أنَّ الذي عرَّفها يتبعُ المشتري في أجرتها مُدَّة مقامها في يده، وأنَّه لو تلفت أو تلف شيءٌ من أولادها ضمنها المشتري، ولكن هذا فيه نظر، فإنَّ المشتري مغرور، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن المغرورَ الذي لا يدري عن الذي اشتراه أنه مغصوب لا يرجع صاحبها عليه في الأجرة، ولا إذا تلِفت تحت يده بلا تفريط، وقولـه هو الموافق للأصول والله أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

جناب الأخ الكرَّم الشيخ الفاضل فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك، بارك الله في أقواله وأفعاله، وسدَّده في كلِّ أحواله، السلام عليكم رحمة الله وبركاته.

مع السؤال عن صحَّتكم وصحَّة العيال أتمَّ الله علينا نعمه، في أسَـرِّ وقتٍ تشرَّفتًُ بكتابكم – رقم:10شوال -، وسُررتُ بصحَّة وصول الكتب إليكم.

السؤال: عن المرأة المطلَّقة وفي بطنها حملٌ ميت، ومضى عليها أكثر من أربع سنين هل لها أن تزوَّج؟ وإذا لم يجُـز لها، فهل لها نفقة أم لا؟.

الجـواب: -وبالله التوفيق - قد عرفتم ما قاله الأصحاب رحمهم الله أن أكثر مُدَّة الحمل أربع سنين، وهم رحمهم الله احتجُّوا بمجرَّد الوجود الأغلبي، لأنَّه لم يرِد فيه حديثٌ لا صحيحٌ ولا ضعيفٌ، والوجود يختلف باختلاف النساء، وما يعرِضُ لهنَّ من عوارض، ولهذا كان القول الصحيح: أنَّه لا تحديد لأكثر مدَّة الحمل، كما هو ظاهر الأدلَّة وعمومها، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، ولكنَّ هذه المرأة المسؤول عنها قد مات حملها في بطنها.

ولمَّا ذكرَ صاحب"المنتهى" أنَّ عِدَّة الحامل وضعُ حملِها قال في شرحِه: "وظاهرُه ولو ماتَ ببطنها لعموم الآية": (قُلتُ ولا نفقة لها، حيثُ تجِبُ للحامل كما يأتي أنَّ النفقة للحمل، والمـيِّتُ ليس محلاًّ لوجوبِها) هذا كلامه في شرحه "المنتهى"( ).

و لكنَّ الظاهر أنَّ مرادَه إذا مات قبل الأربع سنين، مع أن في النفس منه شيءٌ إذا مات في بطنها ولوفي مدَّة الأربع سنين، وأمَّا مسألتكم فإنَّه قد مضى لها أكثر من أربع سنين، فالذي أرى في هذه الحال جواز تزوُّجِها لأنَّها خرجت من العِدَّة على التقديرين، أي: أكثر مُدَّة الحمل أربع سنين، وقد مضت، وعلى تقدير أنَّه لا تقدير فيها لأنَّ الحمل قد تيقَّن موته، والله تعالى قال: أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ، ولأنَّ صار حملُها جماداً بعد ما كان إنساناً.

 وأيضاً الحكمة في عدَّة الحامل معظمُها يعود إلى العلم ببراءة رحم المرأة من ولد الزوج الأول ومائه، ومتى تيقنَّا موته - أي الحمل - فقد عُلِم أنَّ رحمها ليس فيه ولدٌ صحيحٌ، ولا ماء للأوَّل، هذا الذي نرى في هذه المسألة، والله أعلم.

 مُحِبُّك: عبدالرحمن بن سعدي

بسم الله الرحمن الرحيم

من فيصل بن عبدالعزيز إلى حضرة الأخ المكرم الأحشم المحب الناصح الأمين الشيخ إبراهيم بن سليمان بن ناصر( ) سلَّمه الله تعالى وهداه، ونصره على من عاداه، وأرشده إلى الصراط المستقيم آمين، سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، ومغفرته وطيب صلواته.

ونحن - فنحمد الله الذي لا إله إلاَّ هو - بخيرٍ وعافيةٍ، عسى اللهُ يُعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، ويُثبتَنا وإيَّاكم على الدين، وكتابُكم الكريم وصل، وسرَّنا ما ذكَرتُم فيه، خصوصاً تأنِّيكم واستفساركم عن مستندنا في حكمنا، فهذا هو الواجب بين طلبة العلم، وخصوصاً المتجاوِرين، وزيادةً على ذلك ما تعلم، والحقُّ ضالَّة المؤمن، فأقول وبالله التوفيق:

 مستندي في ذلك قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، وقَـولُه لثابتٍ بنِ قيسِ: (خذ الحديقة وطلِّقْها تطليقةً)، فإذا لم يُفِدْ الحَكَمانِ بشيء، وأبَى الزوجُ التطليقَ، جازَ للحاكمِ التفريقُ بينهما، لأنَّ الضررَ اللاحقَ من الشقاق أعظمُ من الضررِ اللاحقِ من الإيلاء أو الإعـسار، ولا تخفاك أقوال العلماء في ذلك.

وقد قال في الاختيارات لشيخ الاسلام ابن تيمية: (ويجوز الخُلعُ عند الأئمَّة الأربعةِ والجمهورِ من الأجنبي) - إلى أن قال - (وفي معنى الخُلعِ من الأجنبي العفوُ من القصاص وغيره على مالٍ من الأجنبي كما ذكره الفقهاء في الغارم ولإصلاح ذات البين، فإنَّه يَضمَنُ لكُلٍّ مِن الطرفَيْنِ مالاً مِن عندِه، والتَّحقيقُ: أنَّه يصُحُّ ممَّن يصُحُّ طلاقُه بالمُلكِ أو الولايةِ، كالحاكِم في الشقاق، وكذا لو فعلَه الحاكمُ في الإيلاءِ أو العِـنَّة أو الإعسار أو غيرها من المواضعِ التي يملِكُ الحاكِمُ الفُرقَة) انتهى.

وقال الشوكاني في "الدرر البهية": (إذا خالَعَ الرجلُ امرأتَهُ صارَ أمرها إليها: لا ترجِعُ إليهِ بِمُجَرَّدِ الرَّجعَةِ، ويجوزُ بالقليلِ والكثيِر ما لمْ يجاوِزْ ما صارِ إليها منْهُ، ولا بُدَّ من التراضِي بينَ الزوجين على الخُلعِ، أوْ إلزامِ الحاكمِ مع الشقاقِ بينَهُما،وهو فَسخٌ) انتهى.

وقال ابن القيَِّم في "الهَدْيِ": (مَنْ نَظَرَ إلى حَقائقِ العُقُودِ ومقاصدِها دونَ ألفاظِها يعُدُّ الخُلع فسخاً بأيِّ لفظٍ كان حتَّى يلفُظَ الطلاق، وهذا أحد الوجهين لأصحابِ أحمدَ، وهُوَ اختيارُ شيخِنا) انتهى.

وقال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العسقلاني في"فتح الباري شرح صحيح البخاري"    - على قولِـه: باب الشقاق، وهل يشيرُ بالخُلعِ عند الضرورة، وقولـه تعالى:  وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا الآية -.

(قال ابن بطال: أجمع العلماء على أنَّ المخاطب بقولـه تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا الحكَّامُ، وأنَّ المرادَ بقولِـه: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا الحَكَمانِ، وأنَّ الحكَمَين يكونُ أحدُهما من جِهةِ الرجلِ والآخر من جِهةِ المرأة، إلاَّ أنْ لا يوجدَ من أهلِهما من يصلُحُ، فيجوزُ أن يكونَ من الأجانبِ مِمَّن يصلُحُ لذلك، وأنهما إذا اختلفا لم ينفُذْ قولُهُما وإن اتَفقا نفَذَ في الجمعِ بينهما من غير توكبل، واختلفوا فيما إذا اتفقا على الفرقة، فقال مالكٌ والأوزاعيُّ وإسحاقُ: يَنفُذُ بغير توكيلٍ ولا إذْنٍ مِن الزوجيِن، وقال الكوفيون والشافعيُّ وأحمدُ: يحتاجان إلى الإذْن، فأمَّا مالكٌ ومن تابعَـه فألحَقُوهُ بالعِنِّين والمَوْلَى، فإنَّ الحاكِم يُطَلِّقُ عليهِما، فكذلكَ هذا، وأيضاً فلمَّا كان المخاطَبُ بذلكَ الحُكَّام، وأنَّ الإرسال إليهم، دلَّ على أنَّ بلوغَ الغاية من الجمع أو التفريق إليهم، وجرى الباقون على الأصلِ، وهو أنَّ الطلاقَ بِيَدِ الزوجِ فإن أذِنَ في ذلك، وإلاَّ طلَّقَ عليه الحاكم) انتهى. 

فبموجبِ ذلك لمَّا حصَلَ الشقاقُ وطال النزاعُ بين "فلانٍ" وزوجتِه المذكورَينِ خَلَعناها منه ببعضِ المهْرِ، وطلَّقناها عليه تطليقة، هذا حُكمُنا في ذلك، فإن كانَ صواباً فمن الله، وأرجو من الله الإثابة، وإن كان خطأً فمنِّي ومن الشيطان فأرجو من الله المغفرة، والله أعلم والحمد لله رب العالمين.

هذا ما لزم مع إبلاغ السلام الأمير والعيال وعبدالله بن ناصر والإخوان والأشراف والجماعة، ومِن لدينا الأمير وعبدالله والإخوان والجماعة يسلِّمون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

حُرِّر: 1/جمادى آخر/سنة 1361هـ

                                       قاضي رنية

بسم الله الرحمن الرحيم

 القول الصائب في بيع اللحم بالتمر الغائب

قال في زاد المستقنع: (ويحرم ربا النسيئة في بيع كلِّ جنسين اتفقا في علَّة ربا الفضل أي: الكيل أو الوزن ليس أحدهما نقداً، كالمكيلين والموزونين، وإن تفرَّقا قبل القبض بطُلَ، وإن باعَ مكيلاً بموزونٍ جازَ التفرُّق قبل القبضِ والنَّساء).

قال في الشرح: (لأنَّهما لم يجتمِعا في أحَدِ وصفي عِلَّة ربا الفضل أشبَهَ الثيابَ والحيوان، وقال في المقنع (وأمَّا ربا النسيئة فكلُّ شيئين ليس أحدُهما ثَمَناً - علَّةُ ربا الفضل فيهما واحدة: كالمكِيلِ بالمكِيلِ والموزونِ بالموزونِ - لا يجوزُ النَّساءُ فيهِما، وإن تفرَّقا قبل التقابُضِ بطُلَ العَقْدُ، وإنْ باعَ مكيلاً بموزونٍ جاز َالتفرُّق قبل القَبضِ، وفي النَّساء روايتان) انتهى.

قال في الحاشية: (إحداهما يجوزُ وهي المذهب، وبِه قال النخعي لأنَّهما لم يجتمعا في أحد وصفي عِلَّة ربا الفضل فجازَ النَّساءُ فيهما كالثياب بالحيوان، وعند من يُعَلِّلُ بالطُّعمِ لا يجيزُه هنا وجهاً واحداً، والثانية لا يجوزُ قَطَعَ به الخِرقي وصاحبُ الوجيزِ( ) لأنَّهما من أموالِ الرِّبا فلم يجُزْ النَّساءُ كمكيلٍ بمثله) انتهى، وقال: (العِلَّة في تحريم ربا الفضل الكيل أو الوزن مع الطُّعم، وهو رواية عن أحمد) انتهى.

قال في الاختيارت: (والعِلَّة في تحريم ربا الفضل "الكيل أو الوزن مع الطُّعْمِ"، وهو روايةٌ عَن أحمد) انتهى.

وقال خليل من المالكيَّة: (علَّة طعام الربا اقتيات وادِّخار) انتهى.

وقال القدُّوري من الحنفيَّة: (الربا محرَّم في كلِّ مكيلٍ أو موزون إذا بـِيعَ بجنسِه متفاضلاً، فالعلَّة فيه "الكيل مع الجنس"، أو "الوزن مع االجنس"، فإذا بيع المكيلُ بجنسِه أو الموزون بجنسه مِثلاً بمثل جازَ البيعُ، وإن تفاضلا لم يجُزْ، ولا يجوز بيع الجيِّد بالرديء مِمَّا فيه الربا إلاَّ مثلاً بمثلٍ فإذا عُدِمَ الوصفان: الجنسُ والمعنى المضمومُ إليه حلَّ التفاضلُ والنساءُ، وإذا وُجِدا حَرُم التفاضلُ والنَّساءُ، وإذا وُجِد أحدُهما وعُدِمَ الآخرُ حلَّ التفاضلُ وحرُم النَّساءُ، وكلُّ شيءٍ نصَّ رسول الله على تحريم التفاضل فيه كيلاً فهو مكيل أبداً، وإن ترك الناس فيه الكيلُ، مثل: الحنطةِ والشعيرِ، والتمرِ والملحِ، وكلُّ ما نُصَّ على تحريِم التفاضلِ فيه وزناً فهو موزونٌ أبداً، وإن تركَ الناسُ الوزنَ فيه مثل: الذهبِ والفضةِ، وما لم يُنصَّ عليه فهو محمولٌ على عاداتِ الناس) انتهى.

وقال النووي في المنهاج: (إذا بِـيعَ الطعامُ بالطعام: إن كان جنساً اشتُرِطَ الحلُولُ والمماثلةُ والتقابضُ قبل التفرُّقِ، أو جنسين كحنطةٍ وشعير جازَ التفاضلُ واشتُرِطَ الحُلُولُ والتقابُضُ، والطعامُ: ما قُصِدَ للطُّعْمِ اقتِياتاً أو تفَكُّهاً أو تداوِياً، وأدقـَّةُ( ) الأصول المختلفة الجنس وخُلولُها وأدهانها أجناس، واللحوم والألبان كذلك في الأظهر، والمماثلة تُعتبرُ في المكيلِ كيلاً والموزون وزناً، والمعتبرُ غالبُ عادةِ أهل الحجاز في عهدِ رسول الله ، وما جُهِلَ يُراعَى فيه عادة بلد البيع، وقيل: الكيل، وقيل: الموزون، وقيل: يتخيَّر، وقيل: إذا كان لـه أصلٌ اعتُبِرَ، والنقدُ بالنقدِ كطعامٍ بطعامٍ) انتهى.

وقال الشيخُ عبدالرحمن بن قاسم في كتابِه: (الدررُ السَّنِيَّة في الأجوبة النجدية): (سُئِل الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله عن بيعِ الحديد بالنحاس واللحمِ بالتمر نسيئة فأجابَ: ومسألةُ الحديد بالنحاس واللحم بالتمر نسيئةً ما ندري عنها، والورَعُ ترْكُه).

و أجاب ابنُه الشيخ عبدالله: (وأمَّا السَّمن بالتمرِ واللحم بالتمرِ والأقِطُ بالتمرِ فالذي يعملًُ علَيه أكثرُ أهلِ العلمِ أنَّه لا يجوزُ، ويُنهَى عنه، وهو الذي نعمل عليه).

 وأجاب أيضاً: (وأمَّا إذا باع ذُرةً بِبُرٍّ نَساءً فهذا لا يجوزُ، وهو رباً إلاَّ إذا كان يداً بيدٍ وأمَّا بيع السمن بالحَبِّ مؤجَّلاً فلا ينبغي فِعلُه).

وأجاب أيضاً: (و أمَّا بيع الحيوان بالتمر نَساءً فلا أرى به بأساً، وأمَّا بيع الدُّهنِ بالتمر والبُرِّ نساءً فلا يجوز عند جمهور العلماء، وأجازه نُـفـاةُ القياس القائلون بقَصْر الرِّبا على الأنواع الستة المذكورة في حديث عُبادة، ولكن قول الجمهور أولى وأحوط، وأمَّا إذا بِـيعَ ذلك يداً بيدٍ فهو جائزٌ لقوله عليه السلام: (فإذا اختلفت هذه الأجناس).. إلى آخره، وأمَّا بيعُ الدراهم بالحَـبِّ وبيع الحَـبِّ بالدراهمِ مؤجَّلاً فجائزٌ إذا حَضَرَ أحدُ النوعين).

وأجاب الشيخ عبدالرحمن بن حسن: (أمَّا بيع اللحم بالطعام نسيئةً فإذا كان الطعام مكيلاً فهو من باب بيع الموزون بالمكيل، لأنَّ اللحم من الموزونات، فيجوز حالاًّ مقبوضاً بلا ريبٍ، وأمَّا إذا اشترى به مكيلاً ففيه روايتان: إحداهما يجوز وهو المذهب، صحَّحه في الخُلاصة وغيرها، وهو الذي ذكرتَه عن شيخِنا حمد بن ناصر رحمه الله أنَّهُ أفتاكَ به، والرواية الثانية أنَّه لا يجوز، قطَعَ به الخِرقيُُّ وصاحبُ الوجيز وصحَّحه في التصحيح، وهذه الرواية تجري على مذهب مالك إذا كان كلاهما من القوت، وتجري أيضاً على الرواية الثانية عن الإمام أحمد وقولِ الشافعي وابنِ المسيَّب أنَّ العِـلَّة الطُّعمُ، فتأمَّلْه يظهر لك أقواهما) انتهى.

قـُلتُ: الأظهرُ قولُ الأكثرِ، لأنَّ العِلَّة هي الكيل مع الطُّعم أو الوزن مع الطُّعم - كما اختارَهُ شيخ الإسلام -، وهي موجودةٌ في بيع اللحم بالتمر ونحوه نسيئةً، واللحمُ جِنسٌ، والتَّمرُ جِنس، فيجوزُ بيعُ اللحمِ بالتمرِ حاضراً، ولا يجوزُ إذا كان أحدُهما غائباً.

 لقولِ النبي : (الذهب بالذهب والفضة بالفضَّة والبرُّ بالبِّر والشعيُر بالشعيِر والتمرُ بالتمرِ والملحُ بالملحِ، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ) رواه مسلم.

بسم الله الرحمن الرحيم( )

الحمد لله وحد والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،

أما بعد فإنَّه السلام الأسنى والتحية الحسنى، إلى من طابت أعراقُه فحسنت أخلاقُه، أخينا الشيخ الماجد الكريم فيصل بن عبدالعزيز المبارك، حماه الله بحِماه، وأسبغ عليه نُعماه، وزاد عزه وعلياه، وحرس دينه ودنياه، وجعل الجنة مثواه، آمين.

الموجِبُ لتحريرِه والباعث لتسطيرِه: تجديد العهد القديم، وأن تذكروا أخاكم بدعوة صالحة، فاجعلونا على بالكم، وعلى الله القبول والإجابة.

أخبار طرفنا ساكنة مطمئنَّة، وأحوال الطلبة تلاميذ القرعاوي تسرُّكم حالهم، جادِّين مجتهدين في التعلم والتعليم، ومدارسهم عامرة، وقد وصلت الهيئة: صالح بن عبدالحميد وأخوياه، ورأوا منهم ما سرَّ الناظر، وشَرح الخاطر، ورفعوا للملك عن معلوماتهم وعددهم نحو مما رفعنا سابقاً، واستبشَرَ الملكُ بذلك.

 والظاهر أنه صدر الأمر عليهم بتقرير إعانة لهم، ورأوا تقرير عشرين ريال للمعلم، ومائة ريال لكل مدرَسة، إعانةً للفقير والغريب من المتعلمين، وجملة المعلمين الذين نجحوا في العلوم الدينية قدر ستين، والمدارس ستة وعشرين مدرسة، والمتعلمين فيها إذا اجتمعوا يزيدون عن ألف ومائة، ولكن من الأسف أن القرار رُفِع لجلالة الملك، والهيئة طُلبت لمهمةٍ بأبها قبل تمام أي شيء من جهة الطلبة، ونُؤمِّل - إنشاء الله - تمام المطلوب على المرغوب.

 والشيء ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله: مصنفات الحافظ تحصَّلنا على غالبها، وسنبذل الجهد في طبعها، فمن الذي عندنا من مؤلفاته:

(1) رسالته في التوحيد المسمَّاة: (الأعلام السنة المنشورة باعتقاد الطائفة المنصورة).

(2) وأرجوزته في الفقه المسمَّاة: (السبل السوية لقصد السنن المروية) قدر 1500 بيت.

(3) ورسالته في الفرائض المسمَّاة: (بالنور الفائض من شمس الوحي في علم الفرائض).

(4) ولـه (ديوان خطب منبرية) تليق بالوقت دعايةٌ إلى التوحيد ونهي عن الشرك وترغيب وترهيب.

(5) ولـه (مناظيم) و(رسائل) و(نصائح) لا يفيء الزمان بمثلها.

ولا شكَّ أنَّ هذا فتح من الله، نرجو الله يوفق الجميع لما فيه الخير وأن يرزق الجميع صدق القول ونجاح العمل وقبولـه.

الخط بغاية العجلة، أرجو عدم المؤاخذة، سلموا لنا على عموم من لديكم عزيز، منِّي الطلبة والمحبين ومن عندنا جميعاً بخير ويسلمون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

ح  30 /11/1365هـ

       محبُّكم قاضي البرك

                                                         توقيعه

إنَّ سؤالَنا عنكم على الدوام، وإني لم أنسَ ما بيننا وبينكم من المودَّة، وهي لله سبحانه، ولكن البعد - كما قيل - جفا، والقلوب عامرة، والدعاء مبذول، كما هو منكم مأمول، ونحن في البرك على ما تعهدون، إذا تفضلتم بإخبارنا بوصول كِتابنا وصحتكم واستقامتكم فنُحِبُّ ذلك.

محبُّكم قاضي البرك      

                                                         توقيعه

صـدر للمؤلف

1- لباب الإعراب في تيسير علم النحو لعامَّة الطُلاب. 1425هـ. للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (دار كنوز إشبيليا)          (تحقيق).

2- السبيكة الذهبية على المنظومة الرحبيَّة، 1425هـ، للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (دار كنوز إشبيليا)                        (تحقيق).

3- الغرر النقية على الدرر البهيَّة. 1426هـ، للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك. (دار كنوز إشبيليا)                         (تحقيق).

4- رسالتان في علم الفرائض. 1426هـ، للشيخ فيصل بن عبدالعزيز    آل مبارك (دار كنوز إشبيليا)                          (تحقيق).

5- معالم الوسطية والتيسير والاعتدال في سيرة الشيخ، 1427هـ، فيصل ابن عبدالعزيز آل مبارك.                                  (تأليف).

6- كلمات السداد على متن الزاد، 1427هـ، للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك. (دار كنوز إشبيليا)                           (تحقيق).

7- الكنوز الدفينة من المؤلفات الثمينة. 1427هـ، (دار كنوز إشبيليا).                                                         (تأليف).

8- النفحات الزكية من المراسلات العلمية العلمية. 1427هـ، للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك، (دار كنوز إشبيليا).                (تحقيق).

9- المتدارك من تاريخ الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك 1420هـ                                                      (تأليف).