الماتريدية
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
- الماتريدية
- المقدمة
- المطلب الأول: التعريف بالماتريدية:
- المطلب الثاني: نشأة الماتريدية
- المطلب الثالث: أسباب انتشار الماتريدية
- الفصل الأول: مصدر التلقي ومنهج الاستدلال عند الماتريدية،
- الفصل الثاني: الإيمان بالله،
- الفصل الثالث: بقية أركان الإيمان،
- الفصل الرابع: مسائل الإيمان،
- الفصل الخامس: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة،
- الخاتمة خلاصة المسائل العقدية التي خالف فيها الماتريدية السلف
- فهرس المراجع
الماتريدية
د. عبد المجيد بن محمد الوعلان
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا بحث مختصر عن الماتريدية([1])، ويشمل تمهيد خمسة فصول:
التمهيد وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالماتريدية ومؤسسها.
المطلب الثاني: نشأتها.
المطلب الثالث: أسباب انتشار الماتريدية.
الفصل الأول: مصدر التلقي ومنهج الاستدلال عند الماتريدية، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: الاعتماد على العقل.
المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد.
المبحث الثالث: القول بالمجاز.
المبحث الرابع: التأويل والتفويض.
المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين.
الفصل الثاني: الإيمان بالله، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع.
المبحث الثاني: إيمان المقلد.
المبحث الثالث: توحيد الربوبية.
المبحث الرابع: توحيد الألوهية
المبحث الخامس: توحيد الأسماء والصفات.
الفصل الثالث: بقية أركان الإيمان، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الإيمان بالرسل، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: بما تثبت النبوة.
المطلب الثاني: المعجزة والكرامة.
المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر.
المبحث الثالث: الإيمان بالقضاء والقدر، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: مراتب الإيمان بالقضاء والقدر.
المطلب الثاني: أفعال العباد.
المطلب الثالث: القدرة والاستطاعة.
المطلب الرابع: التكليف بما لا يطاق
الفصل الرابع: مسائل الإيمان، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: معنى الإيمان.
المبحث الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه.
المبحث الثالث: الاستثناء في الإيمان.
المبحث الرابع: العلاقة بين الإيمان والإسلام.
المبحث الخامس: حكم مرتكب الكبيرة.
الفصل الخامس: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المسائل الخلافية بينهما حقيقة.
المبحث الثاني: المسائل الخلافية بينهما لفظا.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
أسأل الله – عز وجل- أن يجعله خالصا لوجه الكريم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
عبد المجيد بن محمد الوعلان
تمهيد
المطلب الأول: التعريف بالماتريدية:
الماتريدية: فرقة كلامية بدعية، تنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية([2]).
التعريف بأبي منصور الماتريدي.
1- نسبه وحياته:
هو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود بن محمد الماتريدي([3]) السمرقندي الحنفي، المتكلم، ولم تذكر المصادر القديمة تاريخ ولادته، وقد ذكر بعض المعاصرين أن تاريخ ولادته تقريبا سنة 238ه والله أعلم([4])، وذكر بعضهم أن ولادته كانت سنة 258ه.
وأما وفاته فاتفق المترجمون للماتريدي أنه توفي سنة (333ه) ([5]).
تلقى علوم الفقه الحنفي والكلام على علماء ذلك العصر، ومنهم نصر بن يحيى البلخي المتوفى سنة 268 ه-، وغيره من كبار علماء الأحناف، كأبي نصر العياضي وأبي بكر أحمد الجوزجاني وأبي سليمان الجوزجاني، حتى أصبح من كبار علماء الأحناف وقد تتلمذ عليه بعض المشاهير في علم الكلام.
وقد كان لأبي منصور – وفق عقيدته- مناظرات ومجادلات عديدة مع المعتزلة في الأمور التي خالفهم فيها، وله مؤلفات كثيرة في مختلف الفنون.
وكان يلقب فيما وراء النهر بإمام السنة وبإمام الهدى – عند الماتريدية- ([6])، وقد وقف في وجه المعتزلة الذين كانوا فيما وراء النهر إلا أنه كان قريبا منهم في النظر إلى العقل، ولم يغل فيه غلوهم، بل اعتبره مصدرا آخر إضافة إلى المصدر الأساسي وهو النقل، مع تقديم النقل على العقل عند الخلاف بينهما، إلا أنه يعتبر معرفة الله واجبة بالعقل قبل ورود السمع، وإن الله يعاقبه على عدم هذه المعرفة([7]).
قال عبد الله المرائي في كتاب (الفتح المبين) في طبقات الأصوليين: "كان أبو منصور قوي الحجة، فحما في الخصومة، دافع عن عقائد المسلمين- يعني الماتريدية-، ورد شبهات الملحدين"([8]).
2- مصنفاته:
للماتريدي مؤلفات كثيرة منها:
1- التفسير المعروف باسم (تأويلات أهل السنة) أو (تأويلات القرآن)، وهو معروف ومشهور عند الماتريدية ولا يوازيه عندهم أي تفسير آخر لا قبله ولا بعده.
2- كتاب (التوحيد)، ويعد من أهم مؤلفاته الكلامية؛ وذلك لأنه قد قرر فيه نظرياته الكلامية، وبين فيه معتقده في أهم المسائل الاعتقادية.
3- رسالة في الإيمان.
4- المقالات، ويعد من أقدم كتب المقالات؛ وذلك لتقدم مؤلفه ولكن الكتاب مفقود.
5- بيان وهم المعتزلة.
6- رد تهذيب الجدل.
7- رد وعيد الفساق.
8- رد أوائل الأدلة.
9- رد الأصول الخمسة لأبي محمد الباهلي.
10- الرد على القرامطة.
11- رد الإمامة، وهو رد على بعض الروافض.
12- مأخذ الشرائع.
13- الجدل ([9]).
3- شيوخه وتلاميذه:
أولا: شيوخه:
1 - محمد بن مقاتل الرازي، حدث عن وكيع وطبقته، تكلم فيه، ولم يترك. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين، وله تصانيف منها المدعي والمدعى عليه([10]).
2 - أبو نصر العياضي أحمد بن العباس بن الحسين بن جبلة السمرقندي، وكان من أهل العلم والجهاد، وليس له رواية ولا حديثا، أسره الكفار فقتلوه صبرا في بلاد الترك في أيام نصر بن أحمد بن إسماعيل بن أسد بن سامان.
3 - أبو بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني، وكان من الجامعين بين علم الأصول وعلم الفروع، وكان في أنواع العلوم في الدرجة العالية، وله كتاب (الفرق والتمييز) وكتاب (التوبة) وغيرهما.
4 - نصير بن يحيى البلخي، وقيل نصر، كان بارعا في الفقه الحنفي والكلام توفي سنة 268ه([11]).
ثانيا: تلاميذه:
1 - أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن زيد القاضي الحكيم السمرقندي، أخذ الفقه والكلام عن الماتريدي، ويعد من أشهر تلاميذه. وذكر أبو المعين أنه توفي سنة 335ه، وقيل سنة 342ه.
2 - أبو الحسن علي بن سعيد الرستغفني، نسبة إلى رستغفن، وهي قرية من قرى سمرقند، وقد وصف الرستغفني من ترجم له بأنه من كبار مشايخ سمرقند، ومن أصحاب الماتريدي الكبار، وله ذكر في الفقه والأصول في كتب الحنفية.
3 - أبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى الفقيه البزدوي، تفقه على أبي منصور الماتريدي وسمع وحدث، وقد برع في الفقه خاصة. قال القرشي ذكر في تاريخ نسف أنه مات سنة 390ه في رمضان.
4 - أبو أحمد بن أبي نصر أحمد بن العباس العياضي، وهو ابن أبي نصر العياضي شيخ الماتريدي.
5 - أبو عبد الرحمن بن أبي الليث البخاري، أخذ عن أبي منصور الماتريدي الكلام والفقه، وهو صاحب أبي القاسم الحكيم السمرقندي([12]).
6- أبو اليسر البزدوي (493ه).
المطلب الثاني: نشأة الماتريدية
بدأت نشأة الماتريدية في نهاية القرن الثالث على يد أبي منصور الماتريدي، واتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهج غير منهج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضهما.
ثم بعد ذلك أصبح لأبي منصور تلاميذ عملوا على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فكان ذلك سببا لرواج العقيدة الماتريدية في سمر قند.
ثم بعد انتشار الماتريدية نشط اتباعها بالتأليف، فصنفوا المؤلفات في بيان عقيدة الماتريدية والتأسيس لها.
وكان من أشهر من صنف أبو المعين النسفي (438-508ه): وهو ميمون بن محمد بن معتمد النسفي المكحولي، ويعد من أشهر علماء الماتريدية، ومن أكبر من قام بنصرة مذهب الماتريدي، وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة، ومن أهم كتبه (تبصرة الأدلة)، ويعد من أهم المراجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب (التوحيد) للماتريدي، بل هو أوسع مرجع في عقيدة الماتريدية على الإطلاق، وقد اختصره في كتابه (التمهيد)، وله أيضا كتاب (بحر الكلام)، وهو من الكتب المختصرة التي تناول فيها أهم القضايا الكلامية.
ومنهم أيضا نجم الدين عمر النسفي (462-537ه)، كان من المكثرين من الشيوخ، وأخذ عنه خلق كثير، وله مؤلفات بلغت المائة، منها: (مجمع العلوم)، (التيسير في تفسير القرآن)، (النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح في شرح البخاري) وكتاب العقائد المشهورة بـــ (العقائد النسفية)، والذي يعد من أهم المتون في العقيدة الماتريدية وهو عبارة عن مختصر (لتبصرة الأدلة) لأبي المعين النسفي.
ثم لا يزال الأمر في الاتساع والانتشار وكثرة التأليف للكتب الماتريدية من: المتون، والشروح، والشروح على الشروح، والحواشي على الشروح.
المدارس التي تتبنى الدعوة للماتريدية، وخصوصا في شبه القارة الهندية كالمدرسة الديوبندية، والمدرسة البريلوية وغيرها([13]).
المطلب الثالث: أسباب انتشار الماتريدية
انتشرت الماتريدية في أماكن متعددة لأسباب أهمها ما يلي:
1- السبب الرئيس، بل أهم الأسباب، اعتناق السلاطين والملوك للمذهب الحنفي، فبسبب ذلك انتشر المذهب الحنفي في شرق الأرض وغربها، وعربها، وعجمها، وفارسها ورومها، وبانتشار الحنفية ونفوذ سلطانهم انتشرت الماتريدية، لأن الماتريدية كانوا يمثلون المذهب الحنفي في الفروع (الأحكام).
ومن المعروف في التاريخ عبر القرون أن أية دولة إذا كانت تميل إلى مذهب ما فإنها تسهل وتوفر لعلمائها مناصب القضاء والإفتاء، والرئاسة والخطابة، والتأليف والتدريس؛ فيجدون أسبابا كثيرة وطرقا ميسورة لبسط سلطانهم، ونفوذ تأثيرهم على الشعوب والأوطان، وتشجعهم الدولة أيضا بإنشاء المدارس والجوامع، وبذلك تنشر أفكارهم ويزداد نشاطهم([14]).
وهكذا انتشرت الماتريدية وعقائدهم في بلاد ما وراء النهر، والترك، والأفغان، والهند، والصين وما والاها.
وقوى هذا السبب لنشر العقيدة الماتريدية في الهند وما جاورها، أن العلماء والمشايخ الذين وردوا الهند في عهود الملوك المسلمين: كان جلهم من علماء ما وراء النهر الذي كان معظم اعتمادهم على كتب المتأخرين من فقهاء الحنفية وكانت عنايتهم بكتب السنة ضعيفة وكانوا متأثرين بعلوم اليونان.
2- مدارس الماتريدية، ونشاطهم الدراسي والتدريسي:
لمدارس الماتريدية دور عظيم في نشر عقيدتهم، وفي تاريخ الدولة العثمانية خدمت الحنفية والماتريدية في آن واحد، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، وكان جل القضاة والمفتين وخطباء الجوامع ورؤساء المدارس حنفية الفروع ماتريدية العقيدة.
3- نشاط الماتريدية في ميدان التأليف:
للماتريدية نشاط بالغ وسعي متواصل في ميدان التصنيف في علم الكلام، وانتشرت هذه الكتب، وبانتشارها وتدريسها انتشرت العقيدة الماتريدية ([15]).
4- أمور أخرى تكون بمجموعها سببا قويا لانتشارهم وتأثر الناس بهم، وهي ما يلي:
أ- تظاهرهم بمظهر أهل السنة بل دعواهم: أنهم والأشعرية يمثلون أهل السنة.
ب- اتهامهم لأهل السنة المحضة وأصحاب الحديث بالتجسيم والتشبيه ونحو ذلك.
ج- انتسابهم إلى السلف ولاسيما إلى الأئمة: "أبي حنيفة "و "الشافعي ".
د- كثرة الحق الذي عندهم بالنسبة للباطل الذي عند غيرهم من أهل البدع.
ه- ردهم على الفرق الباطلة كالجهمية الأولى والمعتزلة والخوارج والروافض وغيرهم.
و- ضعف بعض أهل السنة المحضة وأهل الحديث في نشر عقيدة السلف وبيان الحق والرد على المخالف([16]).
الفصل الأول: مصدر التلقي ومنهج الاستدلال عند الماتريدية،
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: الاعتماد على العقل.
المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد.
المبحث الثالث: القول بالمجاز.
المبحث الرابع: التأويل والتفويض.
المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين.
المبحث الأول: الاعتماد على العقل
قسم الماتريدية أصول الدين إلى "عقليات" و"سمعيات"، وبنوا على ذلك موقفهم من النقل في باب ما يسمونه "العقليات"، فأي نقل خالف عقولهم في "العقليات" إن كان من أخبار الآحاد ردوه، وإن كان من المتواترات حرفوه أو أولوه بشتى التأويلات الفاسدة، وأما ما يتعلق بالمعاد فلا يؤولونه([17]).
فمصدر الماتريدية في التلقي هو العقل يقول أبو منصور الماتريدي: "إن العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلا بالاستدلال"([18]). أي: بالمعرفة الاستدلالية القائمة على النظر العقلي.
وقال في تفسيره لقوله تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء:165]: "حقيقة الحجة لكل ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل فلا يكون، وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة"([19]).
كما جعلت الماتريدية معظم مباحث الإلهيات "عقليات"، فجعلوا "السمع" تابعا للعقل فيها، ومن هذه العقليات تلك الصفات الثمان التي يسمونها صفات عقلية ثبوتية، كما يسمونها (صفات المعاني) أيضا. ويعتمدون في إثباتها على الحجج العقلية التي يرونها قطعية، أما النصوص الشريعة فيذكرونها للاعتضاد لا للاعتماد ([20]).
أما مباحث المعاد والنبوات فجعلوها سمعية، ويعبرون عن السمعيات بالشرعيات أيضا.
وعرفوا الشرعيات بأنها أمور يجزم العقل بإمكانها ثبوتا ونفيا، ولا طريق للعقل إليها، وأما العقليات فهي ما ليس كذلك ([21]).
وقد جعل بعضهم مباحث النبوات من قبيل العقليات ([22]).
والماتريدية لا تقول بالقدرة المطلقة للعقل إذ إن العقل عندهم يدرك ظواهر الأشياء ولا يدرك ماهيتها وحقائقها، يقول الماتريدي موضحا هذا: "إن العقول أنشئت متناهية تقصر عن الإحاطة بكلية الأشياء والأفهام متقاصرة عن بلوغ غاية الأمر"([23])، وهم بذلك يحاولون أن يصلوا إلى غايتهم وهي محاولة التوسط بين العقل والنقل، وهذا دفعهم إلى تقسيم العقائد إلى: إلهيات ونبوات يستقل العقل بإثباتها، وإلى سمعيات لا يستقل العقل بإثباتها ولا تدرك إلا بالسمع ([24]).
وهذا المنهج الذي تحاول به الماتريدية التوسط بين العقل والنقل قائم أساسا على فكرة باطلة وهي أن نصوص الوحي متعارضة مع أحكام العقل ، وهذا التعارض المزعوم إنما هو في الواقع مسلك الفلاسفة في الأصل الذين لا يثبتون النبوات ولا يرون أن إرسال الرسل وما جاءوا به حقائق ثابتة فمصدرهم في الاستدلال على إثبات الأمور هو العقل وما أثبته العقل فهو الثابت وما نفاه هو المنفي.
قال الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله: " اعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل؛ فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع والمأثور تبعا للمعقول، وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم ولبطل معنى الأمر والنهي ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول وجب أن لا يجوز للمؤمنين أن يقبلوا أشياء حتى يعقلوا .
ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله عز وجل وما تعبد الناس (باعتقاده) وكذلك ما ظهر بين المسلمين وتداولوه بينهم ونقلوه عن سلفهم إلى أن أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر عذاب القبر وسؤال الملكين والحوض والميزان والصراط وصفات النار وتخليد الفريقين فيهما أمور لا تدرك حقائقها بعقولنا وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها، فإذا سمعنا شيئًا من أمور الدين وعقلناه وفهمناه فلله الحمد في ذلك والشكر ومنه التوفيق، وما لم يمكنا إدراكه وفهمه ولم تبلغه عقولنا آمنا به وصدقنا واعتقدنا أن هذا من قبل ربوبيته وقدرته واكتفينا في ذلك بعلمه ومشيئته، وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [ الإسراء:85]، وقال تعالى: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) [البقرة:255]".
ثم قال رحمه الله: " وإنمَّا علينا أن نقبل ما عقلناه إيمانًا وتصديقًا، وما لم نعقله قبلناه تسليمًا واستسلامًا، وهذا معنى قول القائل من أهل السنة : إن الإسلام قنطرة لا تعبر إلا بالتسليم"([25]).
المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة
من الأصول المنهجية لدى الماتريدية في تقرير العقيدة عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في باب العقائد، فلا يحتجون إلا بالقرآن أو المتواتر من الأحاديث، ولا يثبتون العقيدة بالقرآن أو الحديث إلا إذا كان النص قطعي الدلالة([26]).
وقالوا بأن أحاديث الآحاد تفيد الظن ولا تفيد العلم اليقيني، وذلك لعروض الشبهة في كونها خبر الرسول، لعدم الأمن من وضع الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم ([27]).
وقالوا يؤخذ بها في الأحكام الشرعية؛ وذلك حيطة في الأمر وأخذا بالحزم، وأن المتواتر لا يوجد في كل حادثة فلو رد خبر الواحد تعطلت الأحكام ([28]).
وقد نص على عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد الماتريدي في كتاب (التوحيد) وفي (التأويلات)، وذكر أن خبر الآحاد لا يوجب العلم لأنه لا يبلغ مرتبة الخبر المتواتر في إيجاب العلم والشهادة ولكنه يجب العمل به واستدل على وجوب العمل بخبر الواحد بأمر الله لمن يصلح للتفقه في الدين بالتخلف عن الجهاد لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ([29]).
والماتريدية في الحقيقة لا يحتجون بأحاديث الآحاد الصحيحة في الأحكام الشرعية العملية مطلقا بل حتى يكون الحديث مقبولا لديهم يجب أن يكون موافقا لقواعدهم وأصولهم التي قرروها وقد صرح به غير واحد منهم قال أبو زيد الدبوسي في (تأسيس النظر) : " الأصل عند أصحابنا أن خبر الآحاد متى ورد مخالفًا لنفس الأصول مثل ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أوجب الوضوء من مس الذكر لم يقبل أصحابنا هذا الخبر لأنه ورد مخالفا للأصول"([30]).
وقول الماتريدية ومن وافقهم بعدم حجية أحاديث الآحاد في العقائد قول لا أصل له؛ بل هو مبتدع محدث، فتقسيم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى متواتر وآحاد تقسيم لم يكن معروفا في عصر الصحابة والتابعين، كما أن القول بأن خبر الواحد لا يفيد العلم قول ابتدعته القدرية والمعتزلة، وكان قصدهم منه رد الأحاديث ورفضها لأنها حجة عليهم([31]).
وقد نص الإمام الشافعي رحمه الله على إجماع المسلمين على حجية خبر الواحد في الرسالة حيث قال: " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي "([32]). وقال بعد أن نص على حجية خبر الواحد: " ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل" ([33]).
والقول بحجية خبر الواحد في العقائد والأحكام هو مذهب الإمام مالك رحمه الله كما ذكره عنه محمد بن أحمد المعروف بابن خويزمنداد([34]). وهو أيضا قول الإمام أحمد رحمه الله، قال المروذي رحمه الله: "قلت لأبي عبد الله: ههنا اثنان يقولان: إن الخبر يوجب عملًا ولا يوجب علمًا فعابه، وقال: لا أدري ما هذا..." ([35]).
ولا يعرف عن أبي حنيفة رحمه الله أنَّه قال بعدم إفادة خبر الواحد العلم، أو أنَّه فرق في قبوله بين العقائد والأعمال؛ بل الذي ورد عنه قبول الأحاديث بدون تفريق، فقد روي عنه أنه قال :"إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نحد عنه إلى غيره وأخذنا به"([36]). وهو مذهب السلف وجمهور المحدثين والأصوليين.
المبحث الثالث: القول بالمجاز
ذهبت الماتريدية إلى القول بأن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث، قال ابن الهمام: "المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث"([37])، ودفعهم إلى ذلك اعتقادهم بأن حمل النصوص على معانيها الحقيقية يستلزم التجسيم والتشبيه، قال البياضي: "لما لم يكن حمل تلك النصوص على معانيها الحقيقية من الجوارح الجسمانية والتحيز والانفعالات النفسانية لمنع البراهين القطعية ولم يجز إبطال الأصل لعدم درك حقيقة الوصف بلا كيفية تحمل على المجاز من الصفات بلا كيفية"([38]).
والقول بالمجاز عند أهل السنة والجماعة قول محدث مبتدع لا أصل له فأئمة اللغة المتقدمون كالخليل بن أحمد وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء لم يتكلموا فيه، كما لا يوجد هذا التقسيم عند أئمة الفقهاء والأصوليين، فالشافعي رحمه الله أول من تكلم في علم الأصول، وقد وصل إلينا أهم كتبه في هذا العلم وهو (الرسالة) ولا يوجد في كتابه هذا أدنى إشارة إلى هذا التقسيم لا من قريب ولا من بعيد، وكذلك الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الجامع الكبير لم يتكلم فيه بلفظ الحقيقة والمجاز، كما أنه لم ينقل هذا التقسيم عن أي واحد من الأئمة كمالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وغيرهم([39]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "من قال من الأصوليين ...إنه يعرف الحقيقة من المجاز بطرق منها نص أهل اللغة على ذلك بأن يقولوا هذا حقيقة وهذا مجاز فقد تكلم بلا علم فإنه ظن أن أهل اللغة قالوا هذا ولم يقل ذلك أحد من أهل اللغة ولا من سلف الأمة وعلمائها ..." ([40]).
وقال ابن القيم : " وإذا علم أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز ليس تقسيما شرعيا ولا عقليا ولا لغويا فهو اصطلاح محض وهو اصطلاح حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص وكان منشؤه من جهة المعتزلة والجهمية ومن سلك طريقهم من المتكلمين...." ([41]).
المبحث الرابع: التأويل أو التفويض
لما كان مصدر تلقى العقيدة عند الماتريدية في العقليات هو العقل وهو حاكم وأصل، والنقل تبع له وفرع عنه؛ فإذا ورد النقل على خلاف العقل لابد من أن يرد أو يحرف بتأويله وصرفه عن ظاهره، وأما في السمعيات فمصدر تلقي العقيدة عندهم هو النقل.
فالمتواترات - كنصوص القرآن الكريم، والسنة المتواترة - حكموا عليها بأنها وإن كانت قطعية الثبوت، ولكنها ظنية الدلالة؛ لأنها أدلة لفظية، وظواهر ظنية لا تفيد اليقين، وتخالف البراهين القطعية العقلية، وأن الأدلة العقلية براهين قطعية، وعند التعارض تقدم الأدلة العقلية، لأنها الأصل([42]).
والأدلة السمعية إما أن تفوض، وإما أن تؤول([43])، وأما البراهين العقلية فتأويلها محال([44]).
واختلفوا بينهم في إيهما يقدم، فمنهم من قال في هذه الآيات - أي آيات الصفات الخبرية - إنها متشابهة نعتقد فيها أن لا وجه لإجرائها على ظواهرها، ولا نشتغل بتأويلها، ونعتقد أن ما أراد الله تعالى بها حق.
ومنهم من اشتغل ببيان احتمال الآياتِ معانيَ مختلفة سوى ظاهرها، ويقولون: نعلم أن المراد بعض ما يحتمل بها الألفاظ من المعاني التي لا تكون منافية للتوحيد والقدم، ولا يقطعون على مراد الله تعالى لانعدام دليل يوجب القطع على المراد وتعيين بعض المعاني ([45]).
قال في التمهيد بعد ذكره لآيات الصفات: "فإما أن نؤمن بتنزيلها ولا نشتغل بتأويلها، وإما أن تصرف إلى وجه من التأويل يوافق التوحيد"([46]).
وقول الماتريدية وغيرهم من المتكلمين بالتأويل ظاهر الفساد، ومما يدل على فساده تناقضهم فيه، والقول المتناقض قول فاسد، لذا كان الطبيب ابن النفيس يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث أو مذهب الفلاسفة فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف([47])، وهو بهذا "يعني أن أهل الحديث أثبتوا كل ما جاء به الرسول وأولئك جعلوا الجميع تخييلا وتوهيما، ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل الحديث والسنة والجماعة"([48]).
لهذا لم يكن لهم قانون مستقيم في التأويل فلا يستطيعون أن يفرقوا بين النصوص التي تحتاج إلى تأويل والتي لا تحتاج إليه، فهم كما يقول شيخ الإسلام: " يوجبون التأويل في بعض السمعيات دون بعض، وليس في المنتسبين إلى القبلة، بل ولا في غيرهم من يمكنه تأويل جميع السمعيات.
وإذا كان كذلك، قيل لهم: ما الفرق بين ما جوزتم تأويله فصرفتموه عن مفهومه الظاهر ومعناه البين وبين ما أقررتموه؟
فهم بين أمرين، إما أن يقولوا ما يقوله جمهورهم: إن ما عارضه عقلي قاطع تأولناه، وما لم يعارضه عقلي قاطع أقررناه .
فيقال لهم: فحينئذ لا يمكنكم نفي التأويل عن شيء؛ فإنه لا يمكنكم نفي جميع المعارضات العقلية...
وأيضا فعدم المعارض العقلي القاطع لا يوجب الجزم بمدلول الدليل السمعي؛ فإنه على قولكم إذا جوزتم على الشارع أن يقول قولا له معنى مفهوم وهو لا يريد ذلك لأن في العقليات الدقيقة التي لا تخطر ببال أكثر الناس أو لا تخطر للخلق في قرون كثيرة ما يخالف ذلك جاز أن يريد بكلامه ما يخالف مقتضاه بدون ذلك لجواز أن يظهر في الآخرة ما يخالف ذلك أو لكون ذلك ليس معلوما بدليل عقلي ونحو ذلك؛ فإنه إذا جاز أن يكون تصديق الناس له فيما أخبر به موقوفا على مثل ذلك الشرط جاز أن يكون موقوفا على أمثاله من الشروط إذ الجميع يشترك في أن يكون الوقف على مثل هذا الشرط يوجب أن لا يستدل بشيء من أخباره على العلم بما أخبر به.
وإن قالوا بتأويل كل شيء إلا ما علم بالاضطرار أنه أراده كان ذلك أبلغ فإنه ما من نص وارد إلا ويكون الدافع له أن يقول ما يعلم بالاضطرار أنه أراد هذا.
فإن كان للمثبت أن يقول أنا أعلم بالاضطرار أنه أراده كان لمن أثبت ما ينازعه فيه هذا المثبت أن يقول أيضا مثل ذلك ...
فإنك إذا تأملت كلامهم لم تجد لهم قانونا فيما يتأول وما لا يتأول، بل لازم قولهم إمكان تأويل الجميع ... فعلم أن قولهم باطل..." ([49]).
ثم يقال لهم: إن القول بالتأويل على اصطلاحكم شر من التشبيه والتعطيل؛ فإن التأويل " يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها؛ فإن المعطل والمؤول قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصفات، وامتاز المؤول بتلاعبه بالنصوص وانتهاكه لحرمتها وإساءة الظن بها ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال، فجمعوا بين أربعة محاذير: اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله المحال الباطل، ففهموا التشبيه أولا، ثم انتقلوا إلى المحذور الثاني وهو التعطيل، فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي لا يليق بها ولا يليق بالرب جل جلاله.
المحذور الثالث نسبة المتكلم الكامل العلم الكامل البيان التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد ... ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه أو أفصح أو أنصح للناس.
المحذور الرابع: تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها، فلو رأيتها وهم يلوكونها بأفواههم وقد حلت بها المثلات وتلاعبت بها أمواج التأويلات ونادى عليها أهل التأويل في سوق من يزيد فبذل كل واحد في ثمنها من التأويلات ما يريد فلو شاهدتها بينهم وقد قعد النفاة على صراطها المستقيم بالدفع في صدورها والأعجاز، وقالوا لا طريق لك علينا، وإن كان لا بد فعلى سبيل المجاز، فنحن أهل المعقولات وأصحاب البراهين، وأنت أدلة لفظية وظواهر سمعية لا تفيد العلم ولا اليقين، فلا إله إلا الله والله أكبر كم هدمت بهذه المعاول من معاقل الإيمان، وثلمت بها حصون حقائق السنة والقرآن..."([50]).
وأما القول بالتفويض فهو من شر أقوال أهل البدع؛ وذلك لمناقضته ومعارضته نصوص التدبر للقرآن، واستلزامه تجهيل الأنبياء والمرسلين برب العالمين، فمن المعلوم " أن الله تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟!
وأيضا فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلى النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر، ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه، أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك؛ فعلى التقديرين لم نخاطب بما بين فيه الحق ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر.
وحقيقة قول هؤلاء في المخاطب لنا أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه؛ بل دل ظاهره على الكفر والباطل، وأراد منا أن لا نفهم منه شيئا، أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه، وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد"([51]).
" فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الملائكة ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه؛ بل يقولون كلاما لا يعقلون معناه ... ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء؛ إذ كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته ... لا يعلم أحد معناه، فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بيَّن للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين.
وعلى هذا التقدير، فيقول كل ملحد ومبتدع الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم معناه أحد لا يجوز أن يستدل به ..." ([52]).
المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين
ذهبت الماتريدية إلى القول بالتحسين والتقبيح العقليين، وأن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها.
واختلفوا فيما بينهم في الجزم بحكم الله في الفعل بمجرد إدراك العقل للحسن والقبح فيه، فجمهورهم يذهبون إلى أن حكم الله يجزم به في بعض الأفعال دون بعض قبل ورود السمع كالإلهيات والنبوات، وأما السمعيات والشرائع فلا تدرك إلا بالسمع.
وذهب بعضهم إلى أن العقل لا يقضي بما أدركه من حسن الفعل وقبحه بحكم الله تعالى فيه إلا بعد ورود الشرع.
قال ابن الهمام: "قالت الحنفية قاطبة بثبوت الحسن والقبح للفعل على الوجه الذي قالته المعتزلة، ثم اتفقوا على نفي ما بنته المعتزلة على إثبات الحسن والقبح للفعل من القول بوجوب الأصلح، ووجوب الرزق والثواب على الطاعة والعوض في إيلام الأطفال والبهائم.
واختلفوا هل يعلم باعتبار العلم بثبوتهما في فعل حكم الله في ذلك الفعل تكليفا، فقال الأستاذ أبو منصور وعامة مشايخ سمرقند: نعم، وجوب الإيمان بالله وتعظيمه وحرمة نسبة ما هو شنيع إليه وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم وهو معنى شكر المنعم.
وقال أئمة بخارى منهم لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة، إذ لا يمتنع أن لا يأمر الباري بالإيمان ولا يثيب عليه وإن كان حسنا، ولا ينهى سبحانه عن الكفر ولا يعاقب عليه وإن كان قبيحا، والحاصل أن لا يمتنع عدم التكليف عقلا إذ لا يحتاج سبحانه إلى الطاعة، ولا يتضرر بالمعصية"([53]).
وقول الماتريدية بالتحسين والتقبيح العقليين راجع إلى أن العقل عندهم هو أصل المعرفة فلذلك كان أصلا للسمع، وكان مقدما عليه عند التعارض ([54]).
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الصواب في مسألة التحسين والتقبيح، فقال: "وقد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة أو مفسدة ولو لم يرد الشرع بذلك، كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم، والظلم يشتمل على فسادهم، فهذا النوع هو حسن وقبيح، وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن؛ لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقبا في الآخرة إذا لم يرد شرع بذلك، وهذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح، فإنهم قالوا: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسولا، وهذا خلاف النص قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: ١٥ ]، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) [القصص:59]، والنصوص الدالة على أن الله لا يعذب إلا بعد الرسالة كثيرة، ترد على من قال من أهل التحسين والتقبيح أن الخلق يعذبون في الأرض بدون رسول أرسل إليهم.
النوع الثاني: أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسنا، وإذا نهى عن شيء صار قبيحا، واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع.
النوع الثالث: أن يأمر الشارع بشيء ليمتحن العبد هل يطيعه أم يعصيه، ولا يكون المراد فعل المأمور به، كما أمر إبراهيم بذبح ابنه، فلما أسلما وتله للجبين حصل المقصود ففداه بالذبح، وكذلك حديث الأبرص والأقرع والأعمى، لما بعث إليهم من سألهم الصدقة، فلما أجاب الأعمى "قال الملك: أمسك عليك مالك؛ فإنما ابتليتم، فرضي عنك وسخط على صاحبيك"([55]).
فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به، وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع، والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان، وأن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع، وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة وهو الصواب "([56]).
الفصل الثاني: الإيمان بالله،
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع.
المبحث الثاني: إيمان المقلد.
المبحث الثالث: توحيد الربوبية.
المبحث الرابع: توحيد الألوهية
المبحث الخامس: توحيد الأسماء والصفات.
المبحث الأول: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع
ذهبت الماتريدية إلى أن معرفة الله تجب بالعقل قبل ورود السمع، وأن الإنسان يتحمل مسؤولية هذه المعرفة قبل بعثة الأنبياء والرسل ولا يكون معذورا بتركها بل يعاقب على تركه لها ([57]).
وأوجب بعضهم معرفة الله تعالى بالعقل على الصبي العاقل([58]).
وقال أبو المعين النسفي: "من لم يبلغه الوحي وهو عاقل ولم يعرف ربه هل يكون معذورا أم لا؟ عندنا لا يكون معذورا ويجب عليه أن يستدل بأن للعالم صانعا"([59]).
والحق والصواب في هذه المسألة أن معرفة الله فطرة في القلوب، ودل عليها أيضا العقل والسمع، ومتى ما تطلب الأمر الاستدلال عليها لعارض من شبهة أو شهوة كان ذلك واجبًا، "والقرآن على هذا يدل؛ فإنه يذكر الأدلة والبراهين العقلية على التوحيد، ويبين حسنه وقبح الشرك عقلا وفطرة ويأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك، ولهذا ضرب الله سبحانه الأمثال وهي الأدلة العقلية، وخاطب العباد بذلك خطاب من استقر في عقولهم وفطرهم حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك وذمه، والقرآن مملوء بالبراهين العقلية الدالة على ذلك كقوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر:29] وقوله: (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [ النحل:75]، وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [ الحـج:73-74] إلى أضعاف ذلك من براهين التوحيد العقلية التي أرشد إليها القرآن ونبه عليها.
ولكن ههنا أمر آخر وهو أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر إلى حين ورود الشرع كما دل عليه قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: ١٥ ]، وقوله: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)) [الملك:8 - 9]، وهذا في القرآن كثير يخبر أن الحجة إنما قامت عليهم بكتابه ورسوله كما نبههم بما في عقولهم وفطرهم من حسن التوحيد والشكر وقبح الشرك والكفر"([60]).
المبحث الثاني: حكم إيمان المقلد
لما قالت الماتريدية بوجوب النظر والاستدلال لمعرفة الله ذهب جمهورهم إلى أن من آمن ولم ينظر ويستدل يكون إيمانه صحيحا، ولكنه يأثم على تركه للنظر والاستدلال وذهب بعضهم إلى أنه يكون مقلدا ولا يأثم على تركه النظر والاستدلال.
قال الناصري: "قال الإمام سيف الحق أبو المعين: ثم المذهب أن المقلد الذي لا دليل معه مؤمن، وحكم الإسلام لازم له، وهو مطيع لله تعالى باعتقاده وسائر طاعاته، وإن كان عاصيا بترك النظر والاستدلال وحكمه حكم غيره من فساق أهل الملة"([61]).
وقال الزرنوجي: "فإن إيمان المقلد وإن كان صحيحا عندنا لكن يكون آثما بترك الاستدلال"([62]).
والصواب في هذه المسألة، هو أنه يكفي الجزم بما يطلب فيه الجزم، ولو عن طريق التقليد؛ فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر: هذا مما يجب فيه الجزم، ولكن العامي لا يدرك ذلك بدليله، ومع ذلك نصحح إيمانه، ونقول إنه مؤمن وإن كان لا يدرك ذلك بدليله. والدليل على ذلك أن الله أحال على سؤال أهل العلم في مسألة من مسائل الدين التي يجب فيها الجزم، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7] ؛ وواضح أننا نسألهم لنأخذ بقولهم، ومعلوم أن الإيمان بأن الرسل رجال هو من العقيدة، ومع ذلك أحالنا الله فيه إلى أهل العلم...
ثم إننا لو ألزمنا العامي بترك التقليد والتزام الأخذ بالاجتهاد، لألزمناه بما لا يطيق، وقد قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وقال: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) [المؤمنون: 61-62]([63]).
ومما يرد على زاعمي بطلان إيمان المقلد أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فتحوا أكثر بلاد العجم، وقبلوا إيمان عوامهم، كأجلاف العرب، وإن كان تحت السيف، أو تبعا لكبير منهم أسلم، ولم يأمروا أحدا منهم بترديد نظر، ولا سألوه عن دليل تصديقه، ولا أرجئوا أمره حتى ينظر"([64]).
قال النووي رحمه الله في شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ...) ([65]): " فيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف أن الإنسان إذا اعتقد اعتقادا جازما لا تردد فيه كفاه ذلك، وهو مؤمن من الموحدين، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله تعالى بها خلافا لمن أوجب ذلك وجعله شرطا في كونه من أهل القبلة وزعم أنه لا يكون له حكم المسلمين إلا به، وهذا المذهب هو قول كثير من المعتزلة وبعض أصحابنا المتكلمين، وهو خطأ ظاهر؛ فإن المراد التصديق الجازم وقد حصل؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالتصديق بما جاء به صلى الله عليه وسلم ولم يشترط المعرفة بالدليل، فقد تظاهرت بهذا أحاديث في الصحيحين يحصل بمجموعها التواتر بأصلها والعلم القطعي"([66]).
المبحث الثالث: توحيد الربوبية
المراد بالتوحيد عند الماتريدية هو اعتقاد الوحدانية، التي هي عندهم صفة سلبية تقال على ثلاثة أنواع:
الأول: الوحدة في الذات، ويقصدون بها انتفاء الكثرة عن ذاته تعالى بمعنى عدم قبولها الانقسام، فيقولون هو واحد في ذاته لا قسيم له، وفسروا لفظ الأحد الوارد في النصوص في حق الله تعالى بهذا المعنى، فقالوا في تفسير قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: ١ ] هو الله أحد، أي الواحد الموجود الذي لا بعض له ولا انقسام لذاته([67]).
الثاني: الوحدة في الصفات: والمراد بها كما يقولون: انتفاء النظير له تعالى في كل صفة من صفاته، فيمتنع أن يكون له تعالى علوم وقدرات متكثرة بحسب المعلومات والمقدورات، بل علمه تعالى واحد، ومعلوماته كثيرة، وقدرته واحدة، ومقدوراته كثيرة، وهذا على جميع صفاته.
وقصدوا بهما – أي النوعين السابقين- نفي التجسيم ونفي التشبيه، وأدرجوا في مسمى هذا التوحيد الذي اصطلحوا عليه نفي ما ينفونه من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة، لذا جعلوا من أصول عقيدتهم نفي الجسم والجوهر والعرض ونحوها من الألفاظ والمعاني المبتدعة ([68]).
الثالث: الوحدة في الأفعال، ويسمى بتوحيد الأفعال، والمراد به انفراده تعالى باختراع جميع الكائنات عموما وامتناع إسناد التأثير لغيره تعالى في شيء من الممكنات أصلا.
وجماع قولهم في توحيده تعالى: أنه واحد في ذاته لا قسيم له أو لا جزء له، واحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له ([69]).
قال أبو منصور الماتريدي في بيان معنى الواحد والتوحيد: "والله واحد لا شبيه له، دائم قائم لا ضد له ولا ند، وهذا تأويل قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ) [الشورى:11]. وواحد بالتوحد عن الأشباه والأضداد، ولذلك بطل القول فيه بالجسم والعرض إذ هما تأويلا الأشياء، وإذا ثبت ذا بطل تقدير جميع ما يضاف إليه من الخلق ويوصف به من الصفات بما يفهم منه لو أضيف إلى الخلق ووصف به"([70]).
التوحيد هو إفراد الله عز وجل بما يستحقه من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، أو إلى قسمين: توحيد معرفة وإثبات: وهو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد قصد وإرادة وطلب: وهو توحيد الألوهية([71])، فهذه عقيدة المسلمين، المؤمنين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والمراد بتوحيد الربوبية: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله وحده الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لشؤون خلقه كلها لا شريك له في ذلك([72]).
والمراد بتوحيد الألوهية([73]): إفراد الله وحده بالخضوع والذل والمحبة والخشوع وسائر أنواع العبادة لا شريك له.
والمراد بتوحيد الأسماء والصفات: الإيمان الجازم بأسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، وإثباتها دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل([74]).
وترى الماتريدية أن معرفة الله لا تتم بالمعرفة الضرورية الفطرية؛ بل لا تكون إلا بالاكتساب العقلي، فلذا كان من الأصول التي تنبني عليها عقيدتهم (وجوب معرفة الله بالعقل) ورتبوا على ذلك إيجاب النظر والاستدلال وجعلوه أول واجب على العبد ([75]). وجعلوه هو الغاية الكبرى والمقصد الأسنى، وأن من أتى به كان مؤمنا موحدا.
وتقريرهم لتوحيد الربوبية يقوم على إثبات قضيتين:
الأولى: إثبات وجود الله: فتعتقد الماتريدية أن الله تعالى لا يعرف إلا من طريق العالم، وفي هذا يقول الماتريدي: "والأصل أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع"([76]).
وهذه المعرفة تكون عندهم بإثبات حدوث العالم، ثم الاستدلال بذلك على إثبات وجودِ محدِثه تعالى([77]).
الثانية: إثبات وحدانية الله تعالى في ربوبيته: استدلت الماتريدية على إثبات وحدانية الله تعالى في ربوبيته بالدليل المشهور عند المتكلمين والمعروف بدليل التمانع([78]).
وصورة دليل التمانع عندهم هي: "إذا ثبت أن للعالم محدثا أحدثه وصانعا صنعه كان الصانع واحدا، إذ لو كان له صانعان لثبت بينهما تمانع وذلك دليل حدوثهما، أو حدوث أحدهما، فإن أحدهما لو أراد أن يخلق في شخص حياة والآخر أراد أن يخلق فيه موتا - وكذا هذا في جميع المتضادات كالحركة والسكون والاجتماع والافتراق والسواد والبياض وغير ذلك- إما أن يحصل مرادهما ووجد في المحل المتضادات وهو محال، وإما أن تعطلت إرادتهما ولم تنفذ ولم يحصل في المحل لا هذا ولا ذاك وهو تعجيزهما، وإما أن نفذت إرادة أحدهما دون الآخر وفيه تعجيز من لم تنفذ إرادته، والعجز من أمارات الحدث فإذا لم يتصور إثبات صانعين قديمين للعالم فكان الصانع واحدا ضرورة "([79]).
وهذا الدليل دليل صحيح وبرهان تام على إثبات امتناع صدور العالم عن اثنين ([80])، ولكن اعتقاد الماتريدية بأن هذا الدليل هو المقصود بقوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء:22]، اعتقاد باطل وفهم غير صحيح لكلام الله، والذي جعلهم يقولون هذا: هو اعتقادهم أن الإله بمعنى الآله- اسم فاعل- وأن الإلهية هي القدرة على الاختراع ([81]).
فالإله عندهم هو بمعنى الرب، والآية دلت على انتفاء ربين فقط وذلك؛ بتقدير امتناع الفعل من ربين، فالآية عندهم دلت على نفي الشرك في الربوبية فقط، وهو مطلوب دليل التمانع، بينما الآية "دلت على ما هو أكمل وأعظم من هذا، وأن إثبات ربين للعالم لم يذهب إليه أحد من بني آدم، ولكن الإشراك الذي وقع في العالم إنما وقع بجعل بعض المخلوقات مخلوقة لغير الله، وفي الإلهية بعبادة غير الله تعالى، واتخاذ الوسائط ودعائها والتقرب إليها. فأما إثبات خالقين للعالم متماثلين فلم يذهب إليه أحد من الآدميين، وقد قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [الزمر: ٣٨].
فعلى هذا هنالك فرق كبير بين مطلوب الآية ومطلوب دليل التمانع – عند الماتريدية-، فمطلوب الآية هو إثبات توحيد الإلهية بفساد العالم لو وجد من يستحق العبادة مع الله أحد غير الله تعالى، بينما مطلوب دليل التمانع هو إثبات توحيد الربوبية بفساد العالم لو وجد خالق آخر للعالم.
كما استدلت الماتريدية بأدلة أخرى كاستدلالها بتناهي العالم وآيات الأنبياء والرسل واتساق العالم ودقة صنعه، وقد نص على هذا الماتريدي في كتاب (التوحيد) بقوله: "والدلالة أن محدث العالم واحد، اتفاق القول على أن الواحد اسم لابتداء العدد واسم للعظمة والسلطان والرفعة والفضل، كما يقال فلان واحد الزمان، ومنقطع القرين في الرفعة والفضل والجلال، وما جاوز ذلك لا يحتمل غير العدد فيجب أن يكون العالم غير متناه إذ لو كان منهم شيء واحد فيخرج الجملة عن التناهي بخروج المحدثين وذلك بعيد، ثم ما من عدد يشار إليه إلا وأمكن من الدعوى أن يزاد عليه وينقص منه؛ فلم يجب القول بشيء لما لا حقيقة لذلك بحق العدد لا يشارك فيه غيره لذلك بطل القول به "([82]).
وقال في استدلاله بآيات الأنبياء والرسل واتساق العالم: "إنه لم يذكر عن غير الإله الذي يعرفه أهل التوحيد دعوى الألوهية والإشارة إلى أثر فعل منه يدل على ربوبيته، ولا وجد في شيء معنى أمكن إخراجه عن حمله، ولا بعث رسلا بالآيات التي تقهر العقول ويبهر لها فتثبت أن القول بذلك خيال ووسواس.
ومجيء الرسل بالآيات التي يضطر من شهدها أنها فعل من لو كان معه شريك ليمنعهم عن إظهارها إذ بذلك إبطال ربوبيتهم وألوهيتهم، فإذا لم يوجد ولا منعوا عن ذلك مع كثرة المكابرين لهم والمعاندين ممن لو أحبوا وجود الإبصار لهم في إظهار آياتهم لوجدوا؛ فثبت أن ذلك إنما سلم للرسل لما لم يكن الإله الحق والخالق للخلق غير الواحد القهار الذي قهر كل متعنت مكابر عن التمويه فضلا عن التحقيق"([83]).
المبحث الرابع: توحيد الألوهية
لم تتعرض الماتريدية لتوحيد الإلهية، ولم يتنبه أحد منهم إليه؛ مع أنه أصل الدين، وأول وآخر دعوة الأنبياء والمرسلين، وهذا التوحيد هو الذي جاءت به الرسل ودعوا إليه أقوامهم، فالرسل مقررِون لتوحيد الربوبية داعون لتوحيد الألوهية كما أخبر الله عنهم([84])، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: عن نوح عليه السلام: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)) [هود: 25- 26]، وقال تعالى عن هود عليه السلام: (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) [هود: 50]([85]).
ولم يفرقوا بين توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية؛ بل خلطوا بين معنى الإلهية ومعنى الربوبية، وظنوا أن معنى الإلهية هو القدرة على الاختراع، فلذا اعتقدوا أن توحيد الربوبية هو المقصود في قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء: ٢٢]، ونحوها من الآيات، وظنوا بأن المراد بالتوحيد- الذي هو حق الله على عباده- هو مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم وظنوا أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد وأن من جاء به فقد أخلص الدين كله لله وصار مؤمنا موحدا ([86]).
ولذلك كانت عنايتهم بتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال – توحيد الربوبية- ([87])، أما توحيد الأفعال: فهو أشهر أنواع التوحيد عندهم، وهو توحيد الربوبية، والخالقية، بمعنى "أن الله خالق العالم وحده، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، والغاية، وأنه معنى "لا إله إلا الله"؟ حيث إنهم فسروا "الألوهية بمعنى "القدرة على الاختراع"([88]).
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وقد دل استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيده في ربوبيته، وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فِطر العقلاء، قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [الزخرف: 87]، وقال: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) [يونس: 31]، وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله...
الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته. وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى "لا إله إلا الله"، وهي متركبة من نفي وإثبات؛ فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت.
ومعنى الإثبات منها: إفراد الله -جل وعلا- وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام... وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) [ص: 5].
ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) [محمد: 19] الآية...
النوع الثالث: توحيده -جل وعلا- في أسمائه وصفاته" ([89]).
ومن الآيات التي جمعت أقسام التوحيد الثلاثة([90]) قول الله -تبارك وتعالى- في سورة مريم: (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم: 65].
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله مبيناً دلالة الآية على ذلك: "… اشتملت -أي الآية- على أصول عظيمة على توحيد الربوبية، وأنه تعالى رب كل شيء وخالقه ورازقه ومدبره، وعلى توحيد الألوهية والعبادة، وأنه تعالى الإله المعبود، وعلى أن ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده،... واشتملت على أن الله تعالى كامل الأسماء والصفات عظيم النعوت جليل القدر وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي، بل قد تفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات"([91]).
وهذه الأقسام الثلاثة للتوحيد لها دلائل كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
1- فمن أدلة توحيد الربوبية قول الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2]، وقوله: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]، وقوله: (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ) [الرعد: 16]، وقوله: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ (89)) [المؤمنون: 84-89]، وقوله: (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64]، وقوله: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62]، وغيرها من الآيات.
2- ومن أدلة توحيد الألوهية قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة: 2]؛ لأن الله معناه المألوه المعبود، وقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]، وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 21]، وقوله: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ) [الزمر: 2-3]، وقوله: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ) [الزمر: 14-15]، وقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]، وغيرها من الآيات.
3- ومن أدلة توحيد الأسماء والصفات قوله تعالى: (الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) [الفاتحة: 3-4]، وقوله: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) [الإسراء: 110]، وقوله: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) [طه: 8]، وقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، وآخر سورة الحشر، وغيرها من الآيات.
المبحث الخامس: توحيد الأسماء والصفات
المراد بتوحيد الأسماء والصفات: الإيمان الجازم بأسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، وإثباتها دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل([92]).
و "الأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسله نفيًا وإثباتًا، فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها: إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته، فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت: 40]، فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات: إثباتًا بلا تشبيه وتنزيهًا بلا تعطيل، كما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11]، ففي قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) رد للتشبيه والتمثيل، وفي قوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) رد للإلحاد والتعطيل"([93]).
"وإذا عرفت أنَّ توحيد الأسماء والصفات هو أن يدعى الله تعالى بما سمى به نفسه ويوصف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وينفى عنه التشبيه والتمثيل، فضد ذلك أشياء([94]):
أحدها: أن ينكر شيئا من الأسماء أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل.
الثاني: أن يُسمي اللهَ سبحانه وتعالى بما لم يسم به نفسه، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية؛ فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها.
الثالث: أن يعتقد أن هذه الأسماء دالة على أوصاف المخلوقين فيجعلها دالة على التمثيل.
الرابع: أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماء الأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله.
الخامس: تعطيل الله عن صفات كماله ونعوت جلاله، أو تشبيه صفاته بصفات خلقه، وقد قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، وقال تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) [طه: 110]"([95]).
أولاً: توحيد الأسماء:
قالت الماتريدية بوجوب إثبات أسماء الله تعالى، وأن إثباتها لا يستلزم التشبيه، بدليل أن الرسل والكتب السماوية قد جاءت بها، ولو كان في إثباتها تشبيه لكان ذلك طعن في الرسل.
قال أبو منصور الماتريدي: "الأصل عندنا أن لله أسماء ذاتية يسمى بها نحو قوله: (الرَّحْمَٰنُ) [الرحمن:1]، ثم الدليل على ما قلنا مجيء الرسل والكتب السماوية بها، ولو كان في التسمية بما جاءت به الرسل تشبيه لكانوا سبب نقض التوحيد. ولكن لما احتملت تلك الأسماء خروج المسمى بها عن المعروفين من المسمين بما جاز مجيئهم بها مع قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: ١١] لينفي به شيئية الأشياء"([96]).
وذهب جمهورهم إلى القول بالتوقيف في أسماء الله تعالى، أي أن طريق إثبات الأسماء هو السمع، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه وجاء به الشرع.
قال الماتريدي - في نفيه لاسم الجسم عن الله-: "وحقه السمع عن الله، أن الجسم ليس من أسمائه، ولم يرد عنه ولا عن أحد ممن أذن لأحد تقليده. فالقول به لا يسع، ولو وسع بالنحت من غير دليل حسي أو سمعي أو عقلي لوسع القول بالجسد والشخص، وكل ذلك مستنكر بالسمع، وليس القول بكل ما يسمى به الخلق، وذلك فاسد"([97]).
والذي دفعهم للقول بأن أسماء الله توقيفية - مع أن مصدرهم في التلقي العقل - هو خشية إطلاق أسماء على الله تعالى توهم اتصافه سبحانه بما فيه نقص، فقالوا بالتوقيف من باب الاحتياط كما نص على هذا صاحب (بيان الاعتقاد) بقوله: "والحق أنه لابد من التوقيف وذلك للاحتياط عما يوهم باطلا لعظم الخطر في ذلك، فلا يجوز الاكتفاء في عدم إيهام الباطل بمبلغ إدراكنا بل لابد من الاستناد إلى إذن الشرع"([98]).
وقال أبو منصو الماتريدي: "لا يجوز أن يقال لله تعالى يا مبارك. لأنه لا يعرف في أسمائه هذا بالنقل، وعلينا أن نسكت عن تسميته بما لم يسم نفسه"([99]).
ثم إن الماتريدية في إثباتها للأسماء لم يفرقوا بين باب الإخبار عن الله تعالى، وباب التسمية، فأدخلوا في أسمائه تعالى ما ليس من أسمائه كالصانع، والقديم، والذات، والشيء، ونحو ذلك.
فقال في إثبات جواز إطلاق لفظ (الشيء) على الله، وأنه من أسمائه مستدلا على ذلك بقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: ١١]، وقوله تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الأنعام: ١٩]: "وبعد، فإن القول بهذا كله واجب بما ثبت في السمع التسمية به"([100]).
وأما بالنسبة لإثباتهم لمدلولات الأسماء، فهم إما أن يجعلوا مدلول الاسم هو الذات، وهذا في اسم (الله) فقط، وإما أن يكون المدلول مأخوذا عندهم باعتبار ما أثبتوه من الصفات، كاسم السميع والبصير والعليم، وإما أن يردوه إلى الصفات السلبية والإضافية.
فالاسم عندهم إن دل على ما أثبتوه من الصفات، أثبتوه على حقيقته وإن خالف صرفوه عن حقيقته بالتأويل؛ وذلك لاعتقادهم أن ما دل عليه الاسم من المعاني والحقائق يعارض الدليل العقلي.
قال ابن الهمام: "ثم إنه تعالى سميع بسمع، وبصير بصفة تسمى بصرا، وكذا عليم بعلم، وقدير بقدرة، ومريد بإرادة لأنه تعالى أطلق على نفسه هذه الأسماء بخطابٍ لمن هو من أهل اللغة، والمفهوم في اللغة من عليم ذات له علم، بل يستحيل عندهم عليم بلا علم كاستحالته بلا معلوم، فلا يجوز صرفه عنه إلا لقاطع عقلي يوجب نفيه"([101]).
وقال البياضي: "إن مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة وهو اسم الجلالة فقط، وقد يكون مأخوذا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات، ولا خفاء في تكثر أسمائه تعالى بهذا الاعتبار"([102]).
وأما بالنسبة لبقية الأسماء، فإن الماتريدية تقر بأن لها معاني مأخوذة باعتبار الصفات، أي أنها تدل على الصفات كما تدل على الذات، إلا أنهم في الأسماء التي مدلولاتها لا تتفق مع ما اعتقدوه في باب الصفات، لا يثبتون ما دلت عليه من المعاني والحقائق على الوجه الصحيح؛ بل يؤولونها بما يتفق مع اعتقادهم في الصفات.
ومن الأمثلة على ذلك اسم الله (الأعلى): قال الماتريدي في تفسيره لاسم (الأعلى): "الأعلى. هو أعلى من أن يمسه حاجة أو يلحقه آفة"([103]).
وقال أبو البركات النسفي: "الأعلى: بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار، لا بمعنى العلو في المكان"([104]).
والخلاصة، فمذهبهم في الأسماء الحسنى على نوعين:
الأول: ما اشتمل على حق، ووافق أهل السنة والجماعة في ظاهره، ومن ذلك:
1 - إثبات جميع أسماء الله الحسنى له تعالى، وبذلك فارقوا غلاة الجهمية الذين لا يثبتون لله الأسماء([105]).
2 - إثبات كثير من معاني أسماء الله تعالى، وبذلك فارقوا جهمية المعتزلة، لأنهم يثبتون الأسماء مجردة عن المعاني([106]).
3 - أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يجوز تسمية الله تعالى إلا بما ورد في الشرع([107]).
4 – أسماء الله تعالى كلها حسنى، وأنها ليست ألفاظا مجردة عن معانيها، بل تدل على معان حسنة من التمجيد، والتقديس، والتعظيم([108]).
فأسماؤه تعالى أحسن الأسماء وأجلها، لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها ولدلالتها على صفات الكمال من الجلالة والجمال والإكرام([109]).
والثاني: ما اشتمل على باطل وإلحاد:
وأهم ذلك ما يلي:
1 - أن أسماء الله تعالى ليست أسماء حقيقة لله تعالى، قال أبو منصور الماتريدي: "فيدلك أن الأسماء التي نسميه بها عبارات عما يقرب إلى الأفهام، لا أنها في الحقيقة أسماؤه"([110]).
2 - الأسماء الحسنى غير مشتملة على صفات مستقلة بل هي مندرجة في صفة التكوين. قال أنور شاه الكشميري الديوبندي: "والأسماء الحسنى عند الأشاعرة عبارة عن الإضافات، وأما عند الماتريدية فكلها مندرجة في صفة التكوين"([111]).
3 - أسماء الله الحسنى مخلوقة عندهم: لأنها عبارة عن الألفاظ والحروف، وهي مخلوقة، ولذلك جعلوا أسماء الله تعالى الحسنى تسميات.
فلما قالوا إنها تسميات، قالوا: إنها غير الله تعالى، إنها حروف وألفاظ، وإن الاسم الأزلي عين المسمى وهو الله لا غير([112]). كل هذا للتدرج إلى القول بأن أسماء الله تعالى مخلوقة بعد قولهم: إنها غير الله؛ لأن كل ما هو غير الله فهو مخلوق ([113]).
ومن أهم المسائل المتعلقة بباب الأسماء عند الماتريدية مسألة: الاسم والمسمى، فذهبت الماتريدية في هذه المسألة إلى القول بأن الاسم هو المسمى. واحتجوا بقوله تعالى: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) [الرحمن: ٧٨]، وقوله: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى: ١].
وقالوا: إن الله هو الخالق وما سواه مخلوق فلو كانت أسماؤه غيره لكانت مخلوقه، وللزم أن لا يكون له اسم في الأزل ولا صفة ([114]).
قال البزدوي: "إن الدليل يضطرنا وكل عاقل إلى القول بأن الاسم نفس المسمى، فإن الناس أمروا بأن يعبدوا الله تعالى، ويوحدوا الله تعالى ويعظموه ويكبروه ويهللوه، ولو أن الاسم غير المسمى لكان هذا خطأ. قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36]، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) [الحج: ١]"([115]).
وقال أبو المعين النسفي: "اعلم أن الاسم والمسمى واحد. والله تعالى بجميع أسمائه واحد. دليلنا قول الله -عز وجل-: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) [الزمر: ٢]، وقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا) [التوبة: ٣١]، الله تعالى أمرنا بأن نوحد الله تعالى، فلو كان اسم الله تعالى غير الله لكان حصول التوحيد للاسم لا لله تعالى"([116]).
والصواب في المسألة التفصيل "فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، واستوى الله على عرشه وسمع الله، ورأى وخلق فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت (الله) اسم عربي، و (الرحمن) اسم عربي، و (الرحمن) من أسماء الله، و (الرحمن) وزنه فعلان، و (الرحمن) مشتق من الرحمة ونحو ذلك، فالاسم ههنا للمسمى ولا يقال غيره لما في لفظ الغير من الإجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه اسما أو حتى سماه خلقه بأسماء من وضعهم فهذا من أعظم الضلال والإلحاد"([117]).
ثانيا: توحيد الصفات:
تعد الماتريدية في صفات الله تعالى من الصفاتية، وذلك لأنهم يثبتون بعض الصفات، ويثبتون لهذه الصفات معنى حقيقيا يقوم بذات الرب تعالى. فليست هي عندهم مجرد وصف الواصف أو نفي الضد ([118]).
وتأكد الماتريدية على أن إثبات هذه الصفات لا يستلزم التشبيه، إذ أنه لا شبه بين حقيقة الخالق والمخلوق، ولو كان إثبات الصفات يستلزم التشبيه للزم قدم المخلوق أو حدوث الخالق، وهذا ما لا يقول به عاقل.
قال الماتريدي: "ليس في إثبات الأسماء وتحقيق الصفات تشابه لنفي حقائق ما في الخلق عنه، فلو كان لشيء منه شبه يسقط عنه من ذلك القدم، أو عن غيره الحدث، فلو وصف بالشبه بغيره بجهة فيصير من ذلك الوجه كأحد الخلق"([119]).
وأما الصفات الثبوتية عند الماتريدية فهي ثمان صفات، وهي: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والتكوين ([120]).
وهم قد خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها، لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم. وأما غيرها من الصفات فإنه لا دليل عليها من العقل عندهم، فلذا قالوا بنفيها.
وسلكوا في الاستدلال على إثبات هذه الصفات طريقتين، وقد يسلكوا أحيانا طرقا غيرها:
الأولى: التنزيه عن النقائص.
الثانية: دلالة المحدثات.
قال أبو المعين النسفي موضحا الطريقة الأولى وأنه "إذا ثبت أن صانع العالم قديم ومن شرط القدم التبري عن النقائص، ثبت أنه حي قادر سميع بصير عالم، إذ لو لم يكن كذلك لكان موصوفا بالموت والجهل والعجز والعمى والصمم، إذ هذه الصفات متعاقبة لتلك الصفات، فلو لم تكن هذه الصفات ثابتة لله تعالى لثبت ما يعقبها وهي صفات نقص ومن شرط القدم الكمال، فدل أنه موصوف بما بينا لضرورة انتفاء أضدادها التي هي من سمات المحدث لكونها نقائص"([121]).
وقال في الثانية: "وإذا ثبت أيضا أنه هو المخترع لهذا العالم مع اختلاف أنواعه، وهو الخالق له على ما هو عليه من الإحكام والإتقان، وبديع الصفة وعجيب النظم والترتيب، وتركيب الأفلاك وما فيها من الكواكب السائرة، وما يرى من البدايع في أبدان الحيوانات من الحياة والتميز والاهتداء إلى اجتلاب المنافع وانتفاء المضار، وما فيهن من الحواس، وما في الأجسام الجمادية من البدايع والخاصيات التي أودعت فيها على وجه لو تأمل ذو البصيرة الموصوف بدقة الفكرة وحدة الخاطر ورجاحة العقل وكمال الذهن وقوة التمييز جميع عمره فيها لما وقف على كنهها؛ بل على جزء من ألف جزء مما فيها من آثار كمال الحكمة ولطف التدبير، ثبت أنه حي قادر عالم سميع بصير. يجري العلم بذلك مجرى الأوائل البديهية، حتى أن العقلاء بأسرهم ينسبون من يضيف نسيج الديباج المنقوشة، وتحصيل التصاوير المونقة، وبناء القصور العالية، واتخاذ السفن الجارية إلى ميت عاجز جاهل، إما إلى الحماقة والغباوة، وإما إلى العناد والمكابرة"([122]).
كما سلكوا في الصفات التي لم يثبتوها: إما التفويض، وإما التأويل. وقالوا لو تركنا هذه النصوص على ظاهرها بدون تفويض أو تأويل، وأثبتنا ما تدل عليها دلالة حقيقة ولم نصرفها إلى المعاني المجازية، للزم من ذلك التشبيه، وهذا يخالف التنزيه؛ لأن العقل يستحيل ما تدل عليه ظواهر هذه النصوص، وهي ظواهر ظنية في معارضة البراهين العقلية القطعية فنقدم عليها البراهين العقلية.
وهذه الظواهر الظنية إما أن نفوض معانيها إلى الله تعالى كما فعله السلف – حسب زعمهم([123])، وإما أن نؤولها بأنواع من المجازات إلى معان توافق البراهين العقلية([124]).
ويزعمون أن حمل هذه النصوص على ظاهرها يستحيله العقل، فهي إما أن يفوض في معانيها، أو تؤول، فهم أولاً: وقعوا في التشبيه، وثانيا: فروا منه، وثالثا: حرفوا النصوص، ورابعا: عطلوا الصفات، وخامسا: وقعوا فيما فروا منه من التشبيه والتمثيل بل أشد منه حيث وصفوا الله بصفات المعدوم بل الممتنع ([125]).
وسادسا: وقعوا في التناقض والاضطراب؛ حيث أثبتوا بعض الصفات وعطلوا بعضها بهذه الشبهة، مع أن تلك الشبهة موجودة فيما أثبتوه من الصفات إذ لا فرق بين ما أثبتوه وبين ما نفوه([126]).
فيتلخص إذاً مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى فيما يلي:
1 - أثبتوا بعض صفات الله تعالى الثبوتية الذاتية، كحياته، وعلمه، وقدرته، وإرادته سبحانه وتعالى.
2 - كما أثبت جمهورهم سمعه تعالى، وبصره سبحانه([127]).
3 - أما الصفات السلبية فأثبتوها مع إلحاد وتعطيل وقوعوا فيهما.
4 - أثبتوا صفة التكوين باعتبار أنها مرجع للصفات الفعلية، والمراد بصفة التكوين صفات الفعل: وهي ما يرجع إلى التكوين من الصفات كالتخليق والترزيق والإحياء والإماتة .
فصفة التكوين هو أنه سبحانه يكون الأشياء فيخلق ويصور ويبرئ ويحيي ويميت بقوله كن فيكون، وتسمى صفة الخلق أو الفعل([128])، وعندهم أن الفعل غير المفعول، والتكوين غير المكون، ولذلك فهم يقولون بأزلية صفات الفعل لله تعالى من الخلق والإحياء والرزق، وإن كان المفعول منها حادثا([129]).
5 - استدلوا لإثبات الصفات التي أثبتوها بنصوص الكتاب والسنة ([130]).
6 - حصرهم لصفات الله تعالى، فقد حصروا جميع الصفات في إحدى وعشرين صفة لا غير، وقد صرح بعضهم بحصر الصفات الذاتية الثبوتية في سبع، والصفة الثامنة هي التكوين، وهي صفة فعلية فقال: "وعند جلة الخلف لا يزيد على الصفات الثمانية، والصفات الأخرى راجعة إليها"([131]).
كما صرح الشاه محمد أنور الكشميري أحد كبار أئمة الديوبندية (1352ه) بأن الأسماء الحسنى كلها مندرجة في صفة التكوين ([132]).
ومعلوم أن صفة التكوين مرجع للصفات الفعلية عندهم، فهي صفة فعل فأين يضعون لفظ الجلالة "الله" ونحوه من الأسماء الحسنى التي تدل على ذات الله تعالى وعلى الصفات الثبوتية الذاتية الكمالية، فهل يضعونها أيضا في صفة التكوين؟.
ولما قالوا بحصر الصفات الإلهية فيما ذكروه عطلوا جميع ما سواها من صفات الله الكمالية، وحرفوا نصوصها الصريحة المحكمة الصحيحة.
وهم مع إثباتهم لهذه الصفات كادوا أن ينفوها ويعطلوها فإنهم قد صرحوا بأن كلا من هذه الصفات صفة واحدة قديمة أزلية لا تكثر فيها ولا تجدد وإنما التجدد في متعلقاتها؛ لأن ذلك أليق بكمال التوحيد ([133]).
فأخرجوا الصفات عما عرف في الشرع والعقل والفطرة.
7- أنهم عطلوا صفة الكلام: وهو كلام الله تعالى المسموع بحرف وصوت، وهو لم يزل ولا يزال متكلما.
8- أنهم قالوا بدعة الكلام النفسي، وصرح بعضهم بعدم الفرق بينهم وبين المعتزلة في القول بخلق القرآن([134]).
9 - أنهم لا يثبتون الصفات الفعلية ولا يقولون بقيامها بالله تعالى، ومعلوم أن الصفة لا تكون صفة إلا إذا قامت بالموصوف واتصف الموصوف بها.
حيث قالوا: "ومعلوم أن كلا من ذلك –يعني الصفات التي أثبتوها- يدل على معنى زائد على مفهوم الواجب. وليس الكل ألفاظا مترادفة، وإن صدق المشتق على الشيء يقتضي ثبوت مأخذ الاشتقاق له فثبت له صفة العلم، والقدرة، والحياة وغير ذلك، لا كما يزعم المعتزلة: أنه عالم لا علم له، وقادر لا قدرة له إلى غير ذلك، فإنه محال ظاهر بمنزلة قولنا: أسود لا سواد له، وقد نطقت النصوص بثبوت علمه، وقدرته، وغيرهما"، وقالوا: "ولا معنى له سوى أنه متصف بالكلام"([135]).
وأنهم أرجعوا جميع الصفات الفعلية إلى صفة التكوين، وأن جميع الصفات الفعلية ليست صفات حقيقة لله تعالى، وإنما هي من متعلقات صفة التكوين، والتكوين صفة أزلية وهي عندهم: مبدأ الإخراج من العدم إلى الوجود.
ومن الأمثلة على ذلك:
صفة علو الله تعالى: فالماتريدية فهموا من نصوص علو الله على عرشه وفوقيته على عباده أنه يلزم من ظاهرها أن الله تعالى في جهة، وأنه محاط وكل ذلك وصف الخلائق ([136])، وأن من كان في جهة لابد أن يكون بينهما مسافة مقدرة، ويتصور أن تكون أزيد من ذلك أو أنقص أو مساوية ([137])، ولو كان في جهة لزم قدم المكان والجهة والحيز، ولزم كونه جسما، ومركبا أو يكون محلا للحوادث ([138])، وأيضا: إما أن يساوى الحيز أو ينقص عنه فيكون متناهيا، أو يزيد عليه فيكون متحيزا([139]).
وبناء على هذه الشبهة حرفوا نصوص العلو وعطلوا صفة العلو ووصفوا الله بصفات الممتنعات، فقالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلا به ولا منفصلا عنه ([140])، وأنه ليس في الجهات الست، لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا أمام ولا خلف([141]). وأنه ليس على العرش ولا على غيره، ولا فوق العرش ([142])، فليس الله فوق العالم ([143])، ويكفّرون من وصف الله تعالى بأنه في السماء أو وصفه بأنه فوق ([144]).
ويحرفون نصوص الكتاب والسنة في علو الله تعالى على خلقه وفوقيته على عباده إلى فوقية القهر والاستيلاء وتعاليه عن الأمكنية ([145]). وعلو القهر والغلبة وعلو المكانة ([146])، وفوقية الربوبية والعظمة ([147])، وغيرها من التأويلات الباطلة.
ومن الأمثلة صفة الكلام: وإذا تصوروا صفة الكلام يتبادر إلى أذهانهم "الآلة والجارحة"([148]) أي اللسان، والفم، والشفتان، والأسنان، والحلق ، وأنه يلزم كون الله تعالى محلا للحوادث، والأعراض ([149]).
ويعطلون صفة الكلام، ويقولون ببدعة الكلام النفسي وصرح بعضهم ببدعة القول بخلق القرآن، وأنه لا خلاف بينهم وبين المعتزلة في هذه المسألة.
يقول التفتازاني: "ثم تحقيق الخلاف بيننا وبينهم - المعتزلة - يرجع إلى إثبات الكلام النفسي ونفيه، وإلا فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف، وهم لا يقولون بحدوث الكلام النفسي"([150]).
وقال البوطي وهو يحكي مذهب الأشاعرة والمعتزلة: "ثم إن المعتزلة فسروا هذا الذي أجمع المسلمون على إثباته لله – تعالى – بأنه أصوات وحروف يخلقهما الله – تعالى – في غيره كاللوح المحفوظ وجبريل، ومن المعلوم أنه حادث وليس بقديم، ثم إنهم لم يثبتوا لله – تعالى – شيئًا آخر من وراء هذه الأصوات والحروف تحت اسم: الكلام.
أما جماهير المسلمين – أهل السنة والجماعة يعني الأشاعرة والماتريدية في نظره – فقالوا: إننا لا ننكر هذا الذي تقوله المعتزلة، بل نقول به، ونسميه كلامًا لفظيًّا، ونحن جميعًا متفقون على حدوثه، وأنه غير قائم بذاته – تعالى –؛ من أجل أنه حادث، ولكنا نثبت أمرًا وراء ذلك، وهو الصفة القائمة بالنفس والتي يعبر عنها بالألفاظ، وهي غير حقيقة العلم والإرادة"([151]).
ومن الأمثلة على ذلك رؤية المؤمنين ربهم بالأبصار في الآخرة:
فهم يشترطون شروطا وقيودا سلبية في مسألة رؤية الله تعالى؛ لأنه تبادر إلى أذهانهم رؤية الجسم. يقول أبو منصور الماتريدي: "فإن قيل: كيف يرى؟ قيل: بلا كيف، إذ الكيفية تكون لذى صورة، بل يرى بلا وصف قيام وقعود، واتكاء وتعلق، واتصال وانفصال، ومقابلة ومدابرة، وقصير وطويل، ونور وظلمة، وساكن ومتحرك، ومماس ومباين، وخارج وداخل، ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك"([152]).
وقد حكم عليهم شيخ الإسلام بأنهم – بهذه الشروط والقيود -جعلوا رؤية الله تعالى مستحيلة([153]).
وأهل السنة والجماعة متفقون على إثبات رؤية المؤمنين لربهم، قالَ الله تَعَالَى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]، وقالَ تَعَالَى ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]. وقال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15]، وحجب الكفار عن الله جل وعلا يدل على رؤية المؤمنين لربهم جل وعلا.
عن صهيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل"([154]).
وعن جرير رضي الله عنه، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروب الشمس، فافعلوا"([155]).
قال عبدالغني المقدسي رحمه الله: "وأجمع أهل الحق واتَّفق أهل التوحيد والصدق - أن الله تعالى يرى في الآخرة كما جاء في كتابه وصح عن رسوله"([156]).
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: "وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، وأهل الحديث، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة"([157]).
الفصل الثالث: بقية أركان الإيمان،
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الإيمان بالرسل، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: بما تثبت النبوة.
المطلب الثاني: المعجزة والكرامة.
المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر.
المبحث الثالث: الإيمان بالقضاء والقدر، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: مراتب الإيمان بالقضاء والقدر.
المطلب الثاني: أفعال العباد.
المطلب الثالث: القدرة والاستطاعة.
المطلب الرابع: التكليف بما لا يطاق
المبحث الأول: الإيمان بالرسل
المطلب الأول: بما تثبت به النبوة
ترى الماتريدية أن إثبات صدق الرسل والأنبياء يقوم على النظر في صفات الأنبياء الخَلْقية والخلقية قبل الرسالة وبعدها وعلى تأييد الله لهم بالمعجزات الدالة على صدقهم.
قال أبو منصور الماتريدي: "ثم الأصل عندنا في إعلام الرسل وجهان:
أحدهما: ظهور أحوالهم على جهة تدفع العقول عنهم الريبة، وتأبى فيهم توهم الظنة بما صحبوهم في الصغر والكبر فوجدوهم طاهرين أصفياء أتقياء بين أظهر قوم ما احتمل التسوية بينهم على ذلك، ولا تربيتهم تبلغ ذلك، على ظهور أحوالهم لهم، وكونهم بينهم في القرار والانتشار، فيعلم بإحاطة أن ذلك حفظ من يعلم أنه يقيمهم مقاما شريفا، ويجعلهم أمناء على الغيوب والأسرار، وهذا مما تميل إلى قبوله الطبيعة ويستحسن جميع أمورهم العقل فيكون الراد عليه يرد بعد المعرفة رد تعنت له.
والثاني: مجيء الآيات الخارجة عن طبائع أهل البَصر في ذلك النوع الممتنعة عن أن يطمع في مثلها أو يبلغ بكنهها التعلم مع ما لو احتمل أن يبلغ أحد ذلك بالتعلم والاجتهاد فإن الرسل بما نشؤوا لا في ذلك وربوا لا به يظهر أنهم استفادوه بالله أكرمهم بذلك لما يجعلهم أمناء على وحيه"([158]).
وأما جمهور الماتريدية فيرون أنه لا دليل على صدق النبي غير المعجزة، بحجة أن المعجزة وحدها هي التي تفيد العلم اليقيني بثبوت نبوة النبي أو الرسول.
قال البزدوي: "لا يتصور ثبوت الرسالة بلا دليل فيكون الثبوت بالدلائل؛ وليست تلك الدلائل إلا المعجزات، فثبتت رسالة كل رسول بمعجزات ظهرت على يديه... فكانت المعجزات دليل صدق دعواهم الرسالة؛ فإن ما ظهر ليس في وسع بشر، فعلم أن الله هو المنشئ، وإنما ينشئها لتكون دليلا على صدق دعواه؛ فإن قوم كل رسول سألوا منه دلائل صدقه فدعا الله تعالى ليؤيده بإعطاء ما طلبوا منه، فلما أعطاه دليل صدقه الذي طلب منه قومه صار ذلك دليل صدقه من الله تعالى، فإن الله لا يؤيد الكاذب. ولابد للناس من معرفة الرسل ولا طريق للمعرفة سوى المعجزات"([159]).
ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء؛ ولكن القول بأن نبوة الأنبياء لا تعرف إلا بالمعجزات قول غير صحيح، بل هناك دلائل أخرى، منها ما يظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدنى تمييز، وما يقترن به من أحوال وغير ذلك([160]).
وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشيطان عليه ما ظهر من حاله عند أدنى تمييز، والناس يميزون بين الصادق والكاذب.
ولهذا لما كانت خديجة رضي الله عنها تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه الصادق البار، قال لها لما جاءه الوحي : (إني قد خشيت على نفسي) فقالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق"([161]) (10). فهو لم يخف من تعمد الكذب؛ فإنه يعلم من نفسه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكذب؛ لكن خاف في أول الأمر أن يكون قد عرض له عارض سوء، وهو المقام الثاني، فذكرت خديجة ما ينفي هذا، وهو ما كان مجبولا عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم والأعمال، وهو الصدق المستلزم للعدل والإحسان إلى الخلق، ومن جمع فيها الصدق والعدل والإحسان لم يكن ممن يخزيه الله.
وصلة الرحم وقرى الضيف وحمل الكل وإعطاء المعدوم والإعانة على نوائب الحق هي من أعظم أنواع البر والإحسان، وقد علم من سنة الله أن من جبله الله على الأخلاق المحمودة ونزهه عن الأخلاق المذمومة فإنه لا يخزيه"([162]).
المطلب الثاني: المعجزة والكرامة
تثبت الماتريدية كرامات الأولياء، كما أنهم يثبتون معجزات الأنبياء، ويرون أنه لا فرق بينهما إلا التحدي، الذي هو دعوى الرسالة، فالمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة. والكرامة عندهم: أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدي. ويرون أنه لا تعارض ولا التباس بين إثبات المعجزات وإثبات الكرامات، بل إن كرامة الولي من معجزة النبي ودليل على صدقه؛ لأن كرامة التابع كرامة المتبوع، والولي لا يكون وليا حتى يكون مصدقا بالنبي ومتبعا له.
قال أبو المعين النسفي مبينا تعريف المعجزة: "المعجزة وحدها على طريقة المتكلمين: أنها ظهور أمر بخلاف العادة في دار التكليف لإظهار صدق مدعي النبوة مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله، وإنما قيد بدار التكليف لأن ما يظهر من الناقض للعادة في دار الآخرة لا يكون معجزة، وإنما قلنا لإظهار صدق مدعي النبوة ليقع الاحتراز به عما يظهر مدعي الألوهية، إذ ظهور ذلك على يده جائز عندنا، وفيه أيضا احتراز يظهر على يد الولي إذ ظهور ذلك كرامة للولي جائز عندنا، وإنما قلنا لإظهار صدقه لأن ذلك لو ظهر لإظهار كذبه لا يكون ذلك معجزة له ولا دليلا على صدقه بل يكون دليلا على كذبه في دعواه، وإنما قلنا مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله لأن الناقض للعادة لو ظهر على يده ثم ظهر على يد المتحدي به مثله لخرج ما ظهر على يده عند المعارضة عن الدلالة إذ مثله ظهر على يدي من يكذبه يكون دليل صدق من يكذبه فيتعارض الدليلان فيسقطان"([163]).
وقال الناصري :" الفرق بين النبي والولي ظاهر لأن النبي يدعي المعجزة والكرامة ويتحدى بها الخلق فيقول إن آية رسالتي وثبوتي كذا وكذا والولي لا يدعي الكرامة وإنما تظهر على يده من غير تحد ودعوى ومتى ادعاها سقط من رتبة الولاية وصار فاسقا كذا ذكر علماء الأصول منهم سيف الحق أبو المعين...." ([164]).
فيظهر من تعريف الماتريدية للمعجزة أن النبوة تثبت لديهم بثلاثة شروط: خرق العادة، التحدي، عدم المعارضة. وهذه الشروط وحدها للمعجزة غير منضبط وذلك للآتي:
- ليس في الكتاب والسنة تعليق الحكم بهذا الوصف؛ بل ولا ذكر خرق العادة وإنما فيه آيات وبراهين([165]).
- كون الآية خارقة للعادة وصف لا ينضبط، فإن نفس النبوة معتادة للأنبياء، وهي خارقة للعادة بالنسبة لغيرهم.
والكهانة والسحر أمور معتادة للسحرة والكهان، خارقة لغيرهم، كما أن أهل الطب يعرفون أشياء معتادة لأمثالهم خارقة لغيرهم، فكون المعجزة أمراً خارقاً للعادة ليس أمراً مضبوطاً([166]).
فتعريف الماتريدية للمعجزة بهذا التعريف غير مستقيم وغير منضبط. ثم إنه لم يرد في الكتاب ولا السنة تسميه ما يؤيد الله به أنبياءه ورسله معجزة، وإنما ورد تسميتها بالآيات. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من الأنبياء من نبي إلا قد اعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)([167]).
ويمكن تعريف الآية: بما يؤيد الله به أنبياءه ورسله من الأمور الخارقة للسنن الكونية، والتي لا قدرة للخلق على الإتيان بمثلها؛ فتكون دليلاً على صدقهم وتأييد الله لهم.
أما كرامات الأولياء، فهي كما قالوا من آيات الأنبياء؛ ولكن ليس كل ما كان من آيات الأنبياء يكون كرامة للصالحين.
والماتريدية ساووا بين هذا وهذا، ويقولون الفرق هو دعوى النبوة والتحدي، وهذا غلط؛ فإن آيات الأنبياء التي دلت على نبوتهم هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم، فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن وانقلاب العصا حية وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للأولياء، فالآيات الكبرى مختصة بالأنبياء والرسل، وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين مثل تكثير الطعام -مثلاً- فهذا قد وجد لبعض الصالحين، لكن لم يوجد لأحد كما وجد للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أطعم جيشاً من شيء يسير، فقد تكون المشاركة في جنس الآية لكن لا تكون بنفس العظمة والكثرة([168]).
المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر
تسمي الماتريدية المسائل المتعلقة باليوم الآخر السمعيات وذلك بناء على أن هذه المسائل لا تعلم إلا بالسمع، أي أن مصدرهم في التلقي فيما يتعلق باليوم الآخر هو السمع فقط، لذا نجدهم قد وافقوا أهل السنة والجماعة في هذا الباب فأثبتوا نعيم القبر وعذابه وأشراط الساعة والبعث والنشور والميزان والصراط والحوض([169])؛ إلا أن اعتقادهم بأن اليوم الآخر وما يتعلق به لا يعلم إلا بالسمع ليس بصحيح؛ بل إن العقل قد دل على اليوم الآخر كما دل عليه السمع، بل إن السمع قد نبه على دلالة العقل في ذل كما في قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192)) [آل عمران: ١٩٠ – ١٩٢].
ولما كانت رؤية الله تعالى من المسائل المتعلقة باليوم الآخر قالت الماتريدية بإثباتها لدلالة السمع عليها وبجوازها في العقل، إلا أنهم قيدوها بنفي الجهة والمقابلة؛ وذلك لأنهم ينفون عن الله علو الذات فاحتاجوا إلى أن يجمعوا بين مسألة نفي العلو وإثبات الرؤية([170]).
قال أبو منصور الماتريدي: "القول في رؤية الرب -عز وجل- عندنا لازم وحق من غير إدراك ولا تفسير، فأما الدليل على الرؤية فقوله تعالى: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) [الأنعام:103]، ولو كان لا يرى لم يكن لنفي الإدراك حكمة.
الثاني: قول موسى عليه السلام: (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف:143] ولو كان لا يجوز الرؤية لكان ذلك السؤال منه جهل بربه.
وأيضا قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)) [القيامة: 22-23]"([171]).
ثم قال: "فإن قيل كيف يرى؟ قيل: بلا كيف إذ الكيفية تكون لذي صورة بل يرى بلا وصف قيام وقعود واتكاء وتعلق واتصال وانفصال ومقابلة ومدابرة وقصير وطويل ونور وظلمة وساكن ومتحرك ومماس ومباين وخارج وداخل ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك "([172]).
وحقيقة قول الماتريدية، أنهم أثبتوا ما لا يمكن رؤيته حيث إنهم "جمعوا بين أمرين متناقضين، فإن ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه يمتنع أن يرى بالعين، ولو كان وجوده في الخارج ممكنا فكيف وهو ممتنع؟ وإنما يقدر في الأذهان من غير أن يكون له وجود في الأعيان فهو من باب الوهم والخيال الباطل "([173]).
وسبق الكلام([174]) على رد قول الماتريدية في هذه المسألة، وأن أهل السنة والجماعة متفقون على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة بدلالة الكتاب والسنة.
المبحث الثالث: الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان ولا يصح الإيمان إلا به، وهو أربع مراتب:
1 - علم الله الأزلي بكل شيء، وأنه علم أعمال العباد قبل أن يعملوها.
2 - كتابة ذلك في اللوح المحفوظ.
3 - مشيئة الله العامة وقدرته الشاملة.
4 - إيجاد الله لكل المخلوقات وأنه الخالق وما سواه مخلوق.
وهذا هو قول أهل السنة والجماعة والذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ([175]).
قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49]، وقال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 1-2]، "أي كل شيء مما سواه مخلوق مربوب وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره"([176]).
وقال تعالى: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) [الأحزاب: 38-37]، "أي وكان أمره الذي يقدره كائناً لا محالة وواقعاً لا محيد عنه ولا معدل فما شاء كان وما لم يشاء لم يكن"([177]).
وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن: 11]، "وهذا عام لجميع المصائب، في النفس والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم. فجميع ما أصاب العباد، بقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علمه، وجرى به قلمه، ونفذت مشيئته، واقتضته حكمته"([178]).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل عليه السلام الرسولَ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خير وشره. قال: -يعني جبريل- صدقت)([179]). "في هذا الحديث أن الإيمان بالقدر من أصول الإيمان الستة المذكورة، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره، فقد ترك أصلاً من أصول الدين وجحده، فيشبه من قال الله فيهم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة: 85]"([180]).
وعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه)([181]).
المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية:
والماتريدية تثبت هذه المراتب: العلم والكتابة وعموم المشيئة والخلق، وما وقع منهم من انحراف في القضاء والقدر إنما هو فيما يتعلق بأفعال العباد، وكلامهم في هذه المراتب الأربع ليس بواضح كوضوحه في كلام أهل السنة؛ فهم عندما يعرفون القضاء والقدر ينصون على العلم والخلق، أما المشيئة فيذكرونها في بحثهم لمسألة الإرادة، وأما الكتابة فقل أن يذكروها.
قال الماتريدي: "القضاء في حقيقته الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به وأحق أن يقطع عليه، فرجع مرة إلى خلق الأشياء لأنه تحقيق كونها على ما هي عليه وعلى الأولى بكل شيء أن يكون على ما خلق؛ إذ الذي خلق الخلق هو الحكيم العليم، والحكمة هي إصابة الحقيقة لكل شيء ووضعه موضعه قال الله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) [فصلت:12] وعلى ذلك يجوز وصف أفعال الخلق أن قضى بهن أي خلقهن وحكم".
ثم قال: "وأما القدر فهو على وجهين: أحدهما: الحد الذي عليه يخرج الشيء وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر من حسن أو قبح وعلى مثل هذا قوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49].
والثاني: بيان ما عليه يقع كل شيء من زمان ومكان وحق وباطل وما له من الثواب والعقاب"([182]).
وقال أيضا: "الحمد لله الذي فطر الخلق بقدرته وصرفهم بحكمته على سابق علم ومشيئة، أنشأ الأشياء كيف شاء (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23] "([183]).
وقال أبو المعين النسفي مبينا إثبات الكتابة: ". وقد كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ جميع ما يكون وجميع ما تفعل العباد قبل خلقهم"([184]).
المطلب الثاني: أفعال العباد
الكلام على هذه المسألة من جهتين:
الجهة الأولى: خلق أفعال العباد.
قالت الماتريدية: إن أفعال العباد مخلوقة لله، وأن الله تعالى خلقها كلها خيرا كانت أو شرا، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة نقلية وعقلية.
قال الماتريدي: "ثم الدليل عندنا من طريق القرآن على لزوم القول بخلق الأفعال قوله: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)) [الملك: ١٣ – ١٤]، فلو لم يكن جل ثناؤه خالقا لما يجهر ويخفى لم يكن ليحتج به على علمه.
وأيضا أن الله تعالى قال: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [يونس:22]، وقال في موضع آخر (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) [سبأ:18]، أخبر أن تقدير السير والتسير فعله وبه كان السير"([185]).
الجهة الثانية: علاقة العباد بأفعالهم.
قول الماتريدية بأن الله تعالى خالق أفعال العباد خيرها وشرها هو القول الحق الذي دل عليه السمع والعقل ،وهو قول أهل السنة والجماعة وسلف الأمة؛ لكن بالنسبة لعلاقة العباد بأفعالهم فقد حاولت الماتريدية التوسط بين قول المعتزلة وقول الجبرية فقالوا: أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي كسب من العباد.
قال الماتريدي: "إن حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ولله من طريق الخلق"([186]).
وقال أبو المعين النسفي: "وعندنا فعل العبد هو مخلوق الله تعالى ومفعوله، والله تعالى هو الذي يتولى إيجاده وإخراجه من العدم إلى الوجود والعبد اكتسبه وباشره"([187]).
وقد اختلفت عباراتهم في بيان معنى الكسب ([188])، وحاصل كلامهم أن المؤثر في أصل الفعل قدرة الله تعالى، والمؤثر في صفة الفعل قدرة العبد، وتأثير العبد هذا هو الكسب عندهم.
قال البياضي: "أصل الفعل بقدرة الله، والاتصاف بكونه طاعة أو معصية بقدرة العبد وهو مذهب جمهور الماتريدية"([189]).
وهم يقصدون بهذا أن الله تعالى لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره، وقد نصوا على ذلك.
قال أبو المعين النسفي: "وما يخترعه -أي الله تعالى- فيه -أي في العبد- باختيار العبد ذلك وله عليه قدرة، فأثر تعلق قدرته به كونه فعلا له فيكون الله تعالى مخترعا فعل العبد باختياره لولا اختيار العبد وقصده اكتسابه لما خلقه الله تعالى فعلا له"([190]).
وحقيقة قول الماتريدية هذا أن للعباد إرادة غير مخلوقة وهي مبدأ الفعل، فالعباد على مذهبهم يتصرفون بمبادئ أفعالهم باستقلال تام كما يشاؤون، وخلق الله تعالى لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم غير المخلوقة.
ولا شك أن قول الماتريدية هذا باطل لأن الله تعالى خالق كل شيء " ومعاذ الله، والله أكبر وأجل وأعظم أن يكون في عبده شيء غير مخلوق له ولا داخل تحت قدرته ومشيئته، فما قدر الله حق قدره من زعم ذلك، ولا عرفه حق معرفته، ولا عظمه حق تعظيمه؛ بل العبد جسمه وروحه وصفاته وأفعاله ودواعيه وكل ذرة فيه مخلوق لله خلقا تصرف به في عبده، ... فهو عبد مخلوق من كل وجه وبكل اعتبار، وفقره إلى خالقه وبارئه من لوازم ذاته، وقلبه بيد خالقه وبين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء فيجعله مريدا لما شاء، وقوعه منه كارها لما لم يشأ وقوعه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ... "([191]).
وهذا لا يعني أن العبد مجبور لا اختيار له بل إن الله تعالى خلقه على "نشأة وصفة يتمكن بها من إحداث إرادته وأفعاله، وتلك النشأة بمشيئة الله وقدرته وتكوينه، فهو الذي خلقه وكونه كذلك، وهو لم يجعل نفسه كذلك؛ بل خالقه وباريه جعله محدثا لإرادته وأفعاله، وبذلك أمره ونهاه وأقام عليه حجته، وعرضه للثواب والعقاب، فأمره بما هو متمكن من إحداثه، ونهاه عما هو متمكن من تركه، ورتب ثوابه وعقابه على هذه الأفعال والتروك التي مكنه منها وأقدره عليها وناطها به وفطر خلقه على مدحه وذمه عليها، مؤمنهم وكافرهم المقر بالشرائع منهم والجاحد لها، فكان مريدا شائيا بمشيئة الله له؛ ولولا مشيئة الله أن يكون شائيا لكان أعجز وأضعف من أن يجعل نفسه شائيا، فالرب سبحانه أعطاه مشيئة وقدرة وإرادة وعرفه ما ينفعه وما يضره، وأمره أن يجري مشيئته وإرادته وقدرته في الطريق التي يصل بها إلى غاية صلاحه...." ([192]).
قال تعالى: (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) [التكوير:28-29].
فأفعال العباد إذا هي أفعالهم حقيقة ومفعولة للرب تعالى، إذ إن الفعل غير المفعول فالعبد فعل فعله حقيقة " والله خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته وسر المسألة أن العبد فاعل منفعل ... فربه هو الذي جعله فاعلا بقدرته ومشيئته وأقدره على الفعل وأحدث له المشيئة التي يفعل بها"([193]).
المطلب الثالث: القدرة والاستطاعة:
الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع ألفاظ متقاربة المعنى، وضدها العجز، عرفها المتكلمون بأنها: "صفة وجودية يتأتى معها الفعل بدلا عن الترك، والترك بدلا عن الفعل"([194]).
ومسألة الاستطاعة أو القدرة من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الفرق الإسلامية تبعا للخلاف الواقع في القدر فالذين قالوا بالجبر - وهم الجهمية ومن وافقهم - قالوا بنفي الاستطاعة لا مع الفعل ولا قبله وذلك لأن العبد عندهم لا اختيار له ([195]).
والذين قالوا بنفي القدر وأن العبد خالق لفعله - وهم المعتزلة ومن وافقهم - أثبتوا الاستطاعة قبل الفعل ونفوا أن تكون معه ([196]).
والذين قالوا بالكسب - وهم الأشاعرة ومن وافقهم - قالوا بأن الاستطاعة تكون مع الفعل لا قبله ([197]).
وأما جمهور الماتريدية فقد توسطوا في المسألة، فقالوا بإثبات الاستطاعة قبل الفعل ومعه، فقالوا بأن الاستطاعة تقع على نوعين:
الأولى: سلامة الأسباب والآلات وهي تتقدم الفعل.
الثانية: الاستطاعة التي يتهيأ بها الفعل وتكون مع الفعل.
قال الماتريدي: "الأصل عندنا في المسمى باسم القدرة أنها على قسمين: أحدهما: سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي تتقدم الأفعال.
والثاني: معنى لا يقدر على تبين حده بشيء يصار إليه سوى أنه ليس إلا للفعل لا يجوز وجوده بحال إلا ويقع به الفعل عندما يقع معه"([198]).
قال أبو المعين النسفي: "ثم الاستطاعة والطاقة والقدرة والقوة إذا أضيفت إلى العبد يراد بها كلها معنى واحد في مصطلح أهل الأصول.
ثم الاستطاعة عندنا قسمان:
أحدهما: سلامة الأسباب والآلات وصحة الجوارح والأعضاء وهي المعنية بقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران:97]، وبقوله تعالى: (فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) [المجادلة:4]، وبقوله تعالى خبرا عن أهل النفاق: (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة:42] أي لو كانت لنا الآلات والأسباب. وصحة التكليف تعتمد هذه الاستطاعة.
والثانية: الاستطاعة التي هي حقيقة القدرة التي يتهيأ بها الفعل وهي المعنية بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) [هود:20]. ألا ترى أن الله تعالى قد ذمهم بذلك، والذم إنما يلحقهم بانعدام حقيقة القدرة عند وجود سلامة الأسباب وصحة الآلات، لا بانعدام سلامة الأسباب وصحة الآلات؛ لأن انتفاء تلك الاستطاعة لا يكون بتضييعه بل هو في ذلك مجبور فلم يلحقهم الذم بالامتناع عن الفعل عند انتفائها، وكذا هي المعنية بقول صاحب موسى عليهما السلام: (قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) [ الكهف:67]، وقوله: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا) [ الكهف:75] إذ لو كان المراد بها سلامة الأسباب والآلات لما عاتبه على ترك الصبر .
والاستطاعة الثانية عرض تحدث عندنا مقارنة للفعل ..." ([199]).
وقول جمهور الماتريدية في الاستطاعة هو قول أهل السنة والجماعة([200])، وهو القول الحق الذي دلت عليه الأدلة.
قال الطحاوي رحمه الله: " والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف به المخلوق به تكون مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكين وسلامة الآلات فهي قبل الفعل وبها يتعلق الخطاب".
قال ابن أبي العز رحمه الله موضحا كلام الطحاوي: " والذي قاله عامة أهل السنة أن للعبد قدرة هي مناط الأمر والنهي وهذه قد تكون قبله لا يجب أن تكون معه، والقدرة التي بها الفعل لابد أن تكون مع الفعل لا يجوز أن يوجد الفعل بقدرة معدومة، وأما القدرة التي من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فقد تتقدم الأفعال وهذه القدرة المذكورة في قوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97]، وكذلك قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، وكذا قوله تعالى: (فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) [المجادلة:4]، والمراد منه استطاعة الأسباب والآلات... وأما دليل ثبوت الاستطاعة التي هي حقيقة القدرة فقد ذكروا فيها قوله تعالى: (مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ) [هود:20] المراد نفي حقيقة القدرة لا نفي الأسباب والآلات..."([201]).
المطلب الرابع: التكليف بما لا يطاق:
مسألة التكليف بما لا يطاق هي أيضا من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين طوائف المسلمين وذلك تبعا للخلاف الواقع في الاستطاعة والتحسين والتقبيح، فالجهمية قالوا بجواز تكليف ما لا يطاق مطلقا([202]).
والمعتزلة قالت بعدم جواز تكليف ما لا يطاق؛ لأنه قبيح، والله تعالى منزه عن فعل القبيح فلا يجوز صدوره منه ([203]).
والأشاعرة قالوا بجواز تكليف ما لا يطاق عقلا وإن لم يقع في الشرع ،وقد أجازوه عقلا بناء على نفيهم الحسن والقبيح العقليين ([204]).
وأما الماتريدية فقد وافقوا المعتزلة في هذه المسألة، فقالوا بعدم جواز تكليف ما لا يطاق؛ لأنه فاسد عقلا، ولعدم وجود القدرة التي هي مقتضى التكليف.
قال الماتريدي: "الأصل أن تكليف من منع عنه الطاقة فاسد في العقل"([205]).
وقال ابن الهمام: "ولا أعلم أحدا منهم (أي الماتريدية) جوز تكليف ما لا يطاق"([206]).
والصواب في المسألة هو التفصيل، فيقال: "تكليف ما لا يطاق ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما لا يطاق للعجز عنه، كتكليف الزمن المشي، وتكليف الإنسان الطيران ونحو ذلك، فهذا غير واقع في الشريعة عند جماهير أهل السنة المثبتين للقدر.
والثاني: ما لا يطاق للاشتغال بضده، كاشتغال الكافر بالكفر؛ فإنه هو الذي صده عن الإيمان، وكالقاعد في حال قعوده؛ فإن اشتغاله بالقعود يمنعه أن يكون قائما، والإرادة الجازمة لأحد الضدين تنافي إرادة الضد الآخر، وتكليف الكافر الإيمان من هذا الباب.
ومثل هذا ليس بقبيح عقلا عند أحد من العقلاء؛ بل العقلاء متفقون على أمر الإنسان ونهيه بما لا يقدر عليه حال الأمر والنهي لاشتغاله بضده إذا أمكن أن يترك الضد ويفعل الضد المأمور به.
وهذا لا يدخل فيما لا يطاق؛ فإنه لا يقال للمستطيع المأمور بالحج إذا لم يحج إنه كلف بما لا يطيق، ولا يقال لمن أمر بالطهارة والصلاة فترك ذلك كسلا أنه كلف ما لا يطيق "([207]).
الفصل الرابع: مسائل الإيمان،
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: معنى الإيمان.
المبحث الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه.
المبحث الثالث: الاستثناء في الإيمان.
المبحث الرابع: العلاقة بين الإيمان والإسلام.
المبحث الخامس: حكم مرتكب الكبيرة.
المبحث الأول: معنى الإيمان وحقيقته
ذهبت الماتريدية إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وذهب بعضهم إلى أنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان ([208]).
قال أبو المعين النسفي: "الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق، فكل من صدق غيره فيما يخبره يسمى في اللغة مؤمنا به ومؤمنا له، قال الله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا) [يوسف: 17] "أي بمصدق لنا، ثم إن اللغوي وهو التصديق بالقلب هو حقيقة الإيمان الواجب على العبد حقا لله تعالى، وهو أن يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الله تعالى، فمن أتى بهذا التصديق فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى([209]).
وهذا القول مخالف لقول أهل السنة والجماعة، فمادة أَمِنَ معناها في اللغة وثِق واطمأنَّ، والأمانة الوثوق([210])، يقال: "ما أمنت أن أجد صاحبَه أي ما وثِقْت"([211]).
قال الراغب الأصبهاني رحمه الله: "أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف "([212]).
والإيمان مصدر آمن يؤمن إيماناً فهو مؤمن([213])، وأصل آمن أأمن بهمزتين لينت الثانية([214])، وهو من الأمن ضد الخوف([215]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: في تعريفه للإيمان: ".. فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو الإقرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والإنقياد" ([216]).
وهذا الإقرار يشمل قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد.
أما معنى الإيمان: فهو التصديق مع الانقياد. وهو تارة يتعدّى بالباء وتارة باللام. فمن الأول - التعدي بالباء- يقال: آمن به قوم([217]) وكذّب به قومٌ، ومنه قوله تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 3]. أي يصدقون بأخبار الله عن الجنة والنار([218]).
ومن الثاني - التعدي باللام- قوله تعالى مخبرا عن اليهود أنهم قالوا: (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ) [آل عمران: 73]، أي لا تقروا ولا تصدقوا([219]).
ومنه قوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا) [يوسف: 17]، أي بمصدق لنا([220]).
والفرق بينهما أن المتعدي بالباء هو تصديق المخبَر به، والمعتدي باللام هو تصديق المُخْبِر([221]).
فالإيمان: إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان([222]).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان: قول، وعمل، ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر"([223]).
وقال محمد بن حسين الآجري رحمه الله في باب "القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمناً إلا أن يجتمع فيه هذه الخصال الثلاث "، قال: "اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.
ثم اعلموا أنه لا تجزىء المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزىء معرفة القلب ونطق اللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمناً، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين.." ([224]).
والأدلة على دخول هذه الأمور في مسمى الإيمان كثيرة، منها: قوله تعالى عن تصديق القلب وإيقانه: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)) [الزمر: 33- 34]، وقال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).
وفي حديث الشفاعة: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن شعيرة)([225]).
وقوله تعالى في ذكر بعض أعمال القلوب من الإخلاص والمحبة والإنقياد والإقبال على الله -عز وجل- والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه، قال الله تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام: 52]، وقال: (وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20)) [الليل:19-20]، وغير ذلك من النصوص الدالة على وجوب التوكل والخوف والرجاء والخشية والخضوع والإنابة وغيرها من أعمال القلوب.
ومنها قوله تعالى بالنطق بالشهادتين: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بلوازمهما، قال الله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 136]، وقال تعالى: (وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا) [القصص: 53]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله..)([226]).
ومنها قوله تعالى في الأعمال التي تؤدى باللسان كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتحميد والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) [فاطر: 29]، وقال: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) [الكهف: 27]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)) [الأحزاب: 41-42].
ومنها الأدلة فيما ما يتعلق بعمل الجوارح، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا بها، مثل: القيام والركوع والسجود، والمشي إلى المساجد وإلى الحج والجهاد في سبيل الله، قال الله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج: 77- 78]، وقال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)) [الفرقان: 63- 64]([227]).
ومن الأدلة الصريحة في ذلك حديث وفد عبد القيس، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (آمركم بالإيمان بالله وحده)، وقال: ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من المغنم الخمس)([228]).
المبحث الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه
هذه المسألة مبنية على التي قبلها؛ فإن الماتريدية لما قالت بأن الإيمان هو التصديق وأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان قالوا: بعدم زيادة الإيمان ونقصانه، وبنوا ذلك على أن التصديق لا يتصور فيه الزيادة والنقص.
قال الحكيم السمرقندي: "وينبغي أن يعلم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن من يرى الزيادة والنقصان في الإيمان مبتدع، والزيادة والنقصان إنما تكون في الأفعال لا في الإيمان. ولم يقل أحد من العلماء والصالحين إن الإيمان يزيد وينقص"([229]).
وقال أبو المعين النسفي: "وإذا ثبت أن الإيمان هو التصديق، وهو لا يتزايد في نفسه، دل أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فلا زيادة له بانضمام الطاعات إليه ولا نقصان له بارتكاب المعاصي، إذ التصديق في الحالين على ما كان قبلهما "([230]).
وهذا القول مخالف لقول أهل السنة والجماعة، وهو أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية([231])، والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسُّنة وآثار السلف كثيرة جدًّا:
فمنها: قوله تعالى ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2]، وقال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]، وقال تعالى: ﴿ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ﴾ [المدثر: 31]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4].
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين، فقال: (...ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن) ([232]).
وفي حديث الشفاعة: (انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، فأخرجه من النار) ([233]).
وكلام الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم في هذا المعنى كثير أيضًا: قال أبو الدرداء: "من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص؟"([234]). وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا"([235]).
وقال الشافعي رحمه الله: "الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية"([236]). وقال البخاري رحمه الله: "لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص"([237]).
المبحث الثالث: الاستثناء في الإيمان
يقصد بالاستثناء في الإيمان: تعليق الإيمان بالمشيئة، وهو قول المؤمن: أنا مؤمن إن شاء الله.
والماتريدية لما قالوا بأن الإيمان هو التصديق، وأنه لا يقبل الزيادة والنقصان منعوا الاستثناء في الإيمان، وقالوا: إن الاستثناء شك، ومن شك في تصديقه فهو كافر.
قال أبو منصور الماتريدي: "الأصل عندنا قطع القول بالإيمان وبالتسمي به بالإطلاق وترك الاستثناء فيه؛ لأن كل معنى في اجتماع وجودهِ تمامُ الإيمانِ عندَه مما إذا استثني فيه لم يصحَ ذلك المعنى، فعلى ذلك أمره في الجملة، نحو أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله إن شاء الله، أو محمد رسول الله إن شاء الله، وكذلك الشهادة بالبعث والملائكة والرسل والكتب"([238]).
وقال أبو المعين النسفي: "ثم لما كان - أي الإيمان- اسما للتصديق، وهو شيء حقيقي معلوم الحد فإذا حصل بهذا الحد كان الذات به مؤمنا كالقعود والجلوس والسواد والبياض وغير ذلك لما كانت معاني معلومة الحد متى وجدت بحقيقتها كان الذات بها قاعد جالس أسود أبيض فكذا هذا.
وبمعرفة هذا يعرف أن التصديق لما وجد فقد وجد الإيمان بحقيقته، فقول من يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ مع وجود حقيقة التصديق، كقول من يقول: أنا قائم إن شاء الله، وأنا قاعد إن شاء الله مع وجود حقيقة ذلك، وذلك باطل فكذا هذا"([239]).
فالماتريدية منعوا الاستثناء في الإيمان وذلك لأن مفهوم وحقيقة الإيمان عندهم التصديق أو التصديق والقول.
والمقصود بالاستثناء في الإيمان تعليق الإيمان بالمشيئة، وهو قول المؤمن أنا مؤمن إن شاء الله. والخلاف في هذه المسألة وقع تبعا للخلاف في حقيقة الإيمان، وحاصل الأقوال التي قيلت في الاستثناء ثلاثة أقوال:
أولًا: تحريم الاستثناء إن كان الاستثناء صادرًا عن شك في وجود أصل الإيمان، فهذا محرَّم، بل كفر؛ لأن الإيمان جزم، والشك ينافيه. ومأخذ هذا القول: أن الإيمان شيء واحد يعلمه الإنسان من نفسه، فإن استثنى منه كان دليلًا على شكه؛ ولذلك كانوا يسمون الذين يستثنون في الإيمان شُكَّاكًا.
ثانيًا: وجوب الاستثناء: إن كان الاستثناء صادرًا عن خوف تزكية النفس والشهادة لها بتحقيق الإيمان قولًا وعملًا واعتقادًا، فهذا واجب؛ خوفًا من هذا المحظور.
وكذلك فإن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه؛ فالإنسان إنما يكون مؤمنًا أو كافرًا حسب الوفاة، وهذا شيء مستقبل غير معلوم؛ فلا يجوز الجزم به.
ثالثًا: التفصيل:
- فإن كان الاستثناء صادرًا عن شك في وجود أصل الإيمان، فهذا محرم، بل كفر؛ لأن الإيمان جزم، والشك ينافيه.
- وإن كان صادرًا عن خوف تزكية النفس والشهادة لها بتحقق الإيمان قولًا وعملًا واعتقادًا، أو أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه؛ فالإنسان إنما يكون مؤمنًا أو كافرًا حسب الوفاة، وهذا شيء مستقبل غير معلوم؛ فلا يجوز الجزم به فهذا واجب.
- إن كان المقصود من الاستثناء التبرك بذكر المشيئة أو بيان التعليل، وأن ما قام بقلبه من الإيمان بمشيئة الله، فهذا جائز، والتعليق على هذا الوجه - أعني بيان التعليل - لا ينافي تحقيق المعلق، فإنه قد ورد التعليق على هذا الوجه في الأمور المحققة؛ كقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ﴾ [الفتح: 27]. وكذلك الدعاء في زيارة القبور: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ([240])"([241]).
المبحث الرابع: العلاقة بين الإيمان والإسلام
ذهبت الماتريدية في هذه المسألة إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد وأنه لا تغاير بينهما ولا ينفك أحدهما عن الآخر وإذا زال أحدهما زال الآخر، وأن الاختلاف بينهما في المعنى باللسان.
قال أبو منصور الماتريدي: "وأما القول عندنا في الإيمان والإسلام أنه واحد في أمر الدين في التحقيق بالمراد وإن كانا قد يختلفان في المعنى باللسان، ثم من جهة التحقيق بالمراد في الدين، إن الإيمان هو اسم لشهادة العقول والآثار بالتصديق على وحدانية الله تعالى، وأن له الخلق والأمر في الخلق لا شريك له في ذلك، والإسلام هو إسلام المرء نفسه بكليتها وكذا كل شيء لله تعالى بالعبودية لله لا شريك فيه فحصلا من المراد فيهما على واحد.
ثم الأصل أنه من البعيد عن العقول أن يأتي المرء بجميع شرائط الإيمان ثم لا يكون مسلما أو يأتي بجميع شرائط الإسلام ثم لا يكون مؤمنا، ثبت أنهما في الحقيقة واحد ومعلوم أن الذي يسع له التسمي بأحدهما يسع بالآخر"([242]).
والناس في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: أن الإسلام والإيمان اسمان لمسمى واحد.
الثاني: أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل .
الثالث: التفصيل، وهو الحق؛ وذلك بأن حالة اقترانهما غير حالة إفرادهما، فإذا اقترنا كان المقصود بالإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، وإذا أفردا كان معناهما واحدا ودخل أحدهما في الآخر، ويكون المقصود جميع أمور الدين الظاهرة والباطنة.
ومعناه: أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا في نص واحد من كتاب أو سنة فإن لكل واحد منهما معنى يختص به. فالإسلام: الأعمال الظاهرة ومنها الشهادتان والصلاة.. والإيمان: الأعمال الباطنة من الاعتقادات كالتوكل والخوف والمحبة والرغبة والرهبة… وغيرها.
وقد دل على هذا دلائل كثيرة منها:
قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14]، فاجتمعا في نص واحد، ونفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام؛ فدل على افتراقهما أنهم مسلمون لكن لم يبلغوا أن يكونوا مؤمنين.
وحديث جبريل عليه السلام المشهور([243])، وفيه ذكر الإسلام: بالأركان الخمسة، والإيمان: بالأصول الستة. فإنهما اجتمعا في نص واحد، أجاب النبي صلى الله عليه وسلم لكلٍ بمعنى غير الآخر؛ فدل على افتراقهما.
ومعنى افتراقهما: أن يأتي أحدهما في نص دون الآخر، فعندئذٍ يكون أحدهما بمعنى الآخر، فالإسلام هو الإيمان والعكس صحيح.
ولهذا أدلة كثيرة في الوحيين: منها قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85].
وفي أولها قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ﴾[آل عمران: 19]، فاقتضينا أن الدين عند الله الإيمان، ومن يبتغ غير الإيمان ديناً فلن يقبل منه.
ومنه قوله تعالى في خطابه للمؤمنين في آيات كثيرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾؛ فإن الخطاب أيضاً متوجه للذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، مما يدل على تناول أحدهما الآخر عند الانفراد.
ومن أصرح الأدلة من السنة على كون افتراقهما يُصِّيرُ معناهما واحداً حديث وفد عبد القيس، المتفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من مضر ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الأشهر الحرم، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتصوموا رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس) ([244]).
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم في الحديث عن الإيمان بأركان الإسلام، فدل على أنهما بمعنى واحد، مما يفيد أن أحدهما يغني عن الآخر عند الافتراق.
المبحث الخامس: حكم مرتكب الكبيرة
ذهبت الماتريدية إلى أن مرتكب الكبيرة - غير المستحل لها- لا يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر؛ بل هو مؤمن كامل الإيمان لعدم زوال التصديق، وهو مع إيمانه فاسق مستحق للوعيد لعدم طاعته لله تعالى واقترافه للمعاصي والآثام.
وقالوا إذا مات مرتكب الكبيرة من غير توبة فهو تحت المشيئة، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، وإن عذب يخرج من النار لا محالة.
قال أبو المعين النسفي: "وأما أهل الحق فإنهم يقولون: إن من اقترف كبيرة غير مستحل لها، ولا مستخف بمن نهى عنها؛ بل لغلبة شهوة أو حمية، يرجو الله أن يغفر له، ويخاف أن يعذبه عليها؛ فهذا اسمه المؤمن، وبقي على ما كان عليه من الإيمان، ولم يزل عنه إيمانه، ولم ينتقص، ولا يخرج من الإيمان إلا من الباب الذي دخله، وحكمه أنه لو مات من غير توبة فلله تعالى فيه المشيئة، إن شاء عفا عنه بفضله وكرمه أو ببركة ما معه من الإيمان والحسنات أو بشفاعة بعض الأخيار، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم عاقبة أمره الجنة لا محالة ولا يخلد في النار.
أما الاسم فلأن الإيمان هو التصديق والكفر هو التكذيب، وهذا الذي ارتكب هذه الكبيرة، كان التصديق معه باقيا، وما دام التصديق موجودا كان التكذيب منعدما للمضادة بينهما، فالقول بكفره والتكذيب منعدم أو بزوال الإيمان والتصديق قائم أو بثبوت النفاق والتصديق في القلب متقرر قول ظاهر الفساد، ثم إطلاق اسم الفاسق لما أنه خرج عن حد الائتمار، والفسق في اللغة هو الخروج ثم الخروج عن الائتمار، ولا يضاد التصديق فيبقى التصديق، وإذا بقي كان المصدق مؤمنا ضرورة"([245]).
والحق والصواب في الحكم على مرتكب الكبيرة بالنسبة لأحكام الدنيا أن يقال: هو "مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ولا يعطى اسم الإيمان المطلق؛ فإن الكتاب والسنة نفيا عنه الاسم المطلق واسم الإيمان يتناوله فيما أمر الله به ورسوله؛ لأن ذلك إيجاب عليه وتحريم عليه وهو لازم له كما يلزم غيره"([246]).
وأما قولهم بأن مرتكب الكبيرة إذا مات من غير توبة يكون تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه، ثم عاقبة أمره إلى الجنة وأنه لا يخلد في النار فهو القول الحق في المسألة وهو مذهب أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة.
قال الطحاوي رحمه الله: " وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل في كتابه ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء: 48]، وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته، وذلك بأن الله تعالى مولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته، اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به"([247]).
الفصل الخامس: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة،
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المسائل الخلافية بينهما حقيقة.
المبحث الثاني: المسائل الخلافية بينهما لفظا.
تمهيد
إن الناظر في معتقد الماتريدية ومعتقد الأشاعرة يجد بينهما تقاربا كبيرا، وهذا التقارب هو الذي أوجد الاتفاق والائتلاف بينهما، حتى صار كل منهم يطلق اسم أهل السنة والجماعة على الطائفتين.
والذي يظهر - والله تعالى أعلم بالصواب- أن الماتريدية انبثقت من الكلابية كما أن الأشعرية كذلك.
والدليل على هذا أن أهم ما تتميز به الماتريدية هو القول بأزلية التكوين، وهذا قد قالت به الكلابية من قبل ظهور الماتريدية، كما أن المذهب الكلابي كان منتشرا في بلاد ما وراء النهر، وهي البلاد التي عاش وتوفي فيها الماتريدي...
فعلى هذا لابد أن يكون الماتريدي قد أخذ عن شيوخه من الكلابية وتأثر بهم، وبهذا يتضح السر في التقارب بين الأشاعرة والماتريدية، والله تعالى أعلم بالصواب([248]).
قال السبكي- وهو من الأشاعرة- في الطبقات: "تفحصت كتب الحنفية -ويقصد بهم الماتريدية لتمذهبهم بالمذهب الحنفي- فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث عشرة مسألة، منها معنوي ست مسائل والباقي لفظي، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا، ولا مخالفتنا لهم فيها تكفيرا ولا تبديعا. ولي قصيدة نونية جمعت فيها هذه المسائل، وضممت إليها مسائل اختلفت الأشاعرة فيها مع تصويب بعضهم بعضا في أصل العقيدة ودعواهم أنهم أجمعين على السنة"([249]).
كما عقد البياضي في كتابه "إشارات المرام" فصلا لبيان المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية، وذكر أن الخلاف بينهما يقع في خمسين مسألة، كما أنه عرض لتفصيل المسائل الخلافية بأدلتها في جميع فصول الكتاب. وذكر أن الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية معنوي، ولكنه في التفاريع التي لا يلزم من الخلاف فيها التبديع، فلذا يعد الكتاب من أهم المراجع في معرفة الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية ([250]).
ويقول زاهد الكوثري: "فالأشعري والماتريدي هما إماما أهل السنة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها، لهم كتب لا تحصى، وغالب ما وقع بين هذين الإمامين من الخلاف من قبيل الخلاف اللفظي، وقد دونت عدة كتب في ذلك، وقد أحسن تلخيصها البياضي في "إشارات المرام في عبارات الإمام"، ونقل نصه الزبيدي في "شرح الإحياء"([251]).
المبحث الأول: المسائل الخلافية بينهما حقيقة([252])
أهم المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الماتريدية والأشعرية وكان الخلاف فيها حقيقيًا وليس لفظيًا، وجوهريًا ليس فرعيًا:
المسألة الأولى: معرفة الله تعالى: قالت الماتريدية أن معرفة الله تعالى واجبة بالعقل، وأنه تعالى لو لم يبعث للناس رسولا لوجب عليهم بعقولهم معرفة وجوده تعالى ووحدته واتصافه بما يليق من الصفات، وأنه محدث العالم وصانعه، وأن من لم يبلغه الوحي لا يكون معذورا.
وأما الأشاعرة فقالوا: إن معرفة الله تعالى واجبة بالشرع، وأنه لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل ورود الشرع، فلذلك قالوا: بأن الناشئ في الشاهق الذي لم تبلغه الدعوة يكون معذورا.
المسألة الثانية: صفة الإرادة: ذهبت الماتريدية إلى أن الإرادة لا تستلزم الرضى والمحبة، وذهب الأشاعرة إلى أن المحبة والرضى والإرادة بمعنى واحد.
المسألة الثالثة: صفة الكلام: ذهبت الماتريدية إلى أن كلام الله لا يسمع، إنما يسمع ما هو عبارة عنه، فموسى إنما سمع صوتا وحروفا خلقها الله دالة على كلامه.
وذهب الأشاعرة إلى جواز سماع كلام الله تعالى، وأن ما سمعه موسى عليه السلام هو كلام الله تعالى النفسي، وذلك يكون بخلق إدراك في المستمع.
المسألة الرابعة: صفة التكوين: قالت الماتريدية أن التكوين صفة أزلية لله تعالى، وأن التكوين غير المكون.
وذهب الأشاعرة إلى أن التكوين ليس صفة لله تعالى، بل هو أمر اعتباري يحصل في العقل من نسبة المؤثر إلى الأثر، فلذا قالوا بأن التكوين هو عين المكون وهو حادث.
المسألة الخامسة: التكليف بما لا يطاق: ذهبت الماتريدية إلى عدم جواز التكليف بما لا يطاق، وذهب جمهور الأشاعرة إلى أن التكليف بما لا يطاق جائز.
المسألة السادسة: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى: ذهبت الماتريدية إلى القول بلزوم الحكمة في أفعال الله تعالى، وأنه لا يجوز أن تنفك عنها مطلقا.
وذهب الأشاعرة إلى نفي الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، وقالوا: أن أفعاله ليست معللة بالأغراض، ولا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائية.
المسألة السابعة: التحسين والتقبيح: ذهبت الماتريدية إلى أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها، أي أنهم قالوا بالتحسين والتقبيح العقليين.
وأما الأشاعرة فذهبوا إلى أنه لا يعرف بالعقل حسن الأشياء وقبحها، بل إنما يعرف بالشرع.
المسألة الثامنة: الاستطاعة: ذهب جمهور الماتريدية إلى أن الاستطاعة تقع على نوعين:
الأولى: سلامة الأسباب والآلات، وهي تتقدم الفعل.
الثانية: الاستطاعة التي يتهيأ بها الفعل، وتكون مع الفعل.
وأما الأشاعرة فقد ذهبوا إلى أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل، ولا يجوز أن تتقدمه ولا أن تتأخر عنه.
المسألة التاسعة: الكسب: اتفقت الماتريدية والأشاعرة على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وهي كسب من العباد، ولكن اختلفوا في معنى الكسب.
فقالت الماتريدية: إن المؤثر في أصل الفعل قدرة الله تعالى، والمؤثر في صفة الفعل قدرة العبد، وتأثير العبد هذا هو الكسب. فقدرة العبد عند الماتريدية لها أثر في الفعل، لكن لا أثر لها في الإيجاد لأن الخلق ينفرد الله تعالى به، وإنما أثرها في القصد والاختيار للفعل.
وأما الكسب عند الأشاعرة فهو أن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله تعالى وحدها، وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما، فيكون الفعل مخلوقا لله إبداعا وإحداثا، ومكسوبا للعبد، والمراد بكسبه إياه: مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له.
المسألة العاشرة: إيمان المقلد: ذهبت الماتريدية إلى أن من اعتقد أركان الدين تقليدا يكون إيمانه صحيحا.
وأما الأشاعرة فذهبوا إلى عدم صحة إيمان المقلد، وقالوا: إن من شروط صحة الإيمان أن يعرف كل مسألة بدليل قطعي عقلي.
المسألة الحادية عشرة: الثواب والعقاب، فالماتريدية والأشاعرة يتفقان في القول بعدم جواز تعذيب المطيع وإثابة العاصي. أما محل الخلاف بينهما فهو في المدرك، حيث ذهبت الماتريدية إلى أن المدرك لذلك هو العقل والشرع.
أما الأشاعرة فذهبوا إلى أن المدرك لذلك هو الشرع. وقد ترتب على ذلك أن الماتريدية منعوا جواز تعذيب المطيع وإثابة العاصي، بينما أجاز ذلك الأشعرية([253]).
المسألة الثانية عشرة: عصمة الأنبياء، حيث قالت الماتريدية بعصمة الأنبياء من الكبائر والقبائح وخصوصا فيما يتعلق بأمر الشرع وتبليغ الأحكام وإرشاد الأمة.
ويذهب الماتريدية أيضا إلى أن الأنبياء معصومون من الصغائر، وأوجبوا تأويل كل ما أوهم في حقهم عليهم السلام من الكتاب والسنة مما اغتر به بعض من أجاز عليهم الصغائر، فالأنبياء منزهون عن الصغائر والكبائر ومن جميع المعاصي.
بينما يذهب الأشاعرة إلى أن الأنبياء تصدر عنهم الصغائر قبل النبوة إذا لم تكن خسيسة وليس هناك دليل على منع ذلك، سواء أكان ذلك عمدا أم سهوا، أما بعد النبوة فإن الأنبياء معصومون عن تعمد كل ما يخل بصدقهم حتى إذا كان من الصغائر ([254]).
المبحث الثاني: المسائل الخلافية بينهما لفظا([255])
أما المسائل المختلف فيها لفظا فهي:
المسألة الأولى: السعادة والشقاوة: ترى الماتريدية أن السعادة والشقاوة تكونان في الحال، وليستا أزليتين، وبذلك يكون السعيد عندهم هو المؤمن في الحال، ولو مات على الكفر فقد انقلب شقيا بعد أن كان سعيدا، والشقي هو الكافر في الحال ولو مات على الإيمان فقد انقلب سعيدا.
أما عند الأشاعرة: فمفهوم السعادة عندهم هو الموت على الإيمان، وذلك-باعتبار تعلق علم الله تعالى- أزلا بذلك، وكذلك الشقاوة عندهم هي الموت على الكفر، وبذلك يكون السعيد عندهم سعيدا في الأزل والشقي شقيا في الأزل، ولا يتبدل السعيد شقيا أو الشقي سعيدا.
المسألة الثانية: حكم بقاء الرسالة بعد موت الرسل: عند الماتريدية أن الرسل والأنبياء يظلون كذلك حتى بعد موتهم أي بصفتهم أنبياء ورسلا.
وأما الأشاعرة فيرون أن الأنبياء والرسل بعد موتهم في حكم الرسالة، وحكم الشيء يقوم مقام أصله. وبذلك يتضح أن الفريقين يتفقان في أصل المسألة وهي أن الرسالة باقية إلى الآن، لكن الخلاف فيما إذا كانت الرسالة باقية حقيقة أم في حكم الرسالة.
المسألة الثالثة: الإرادة، وهل تستلزم الرضا والمحبة أم لا؟ فالماتريدية يثبتون إرادة الله تعالى الشاملة لأفعال العباد، لأن أفعال العباد من خلقه تعالى، والقول بعدم إرادة الله الشاملة معناه: عدم قدرة الله على أفعالهم، فالقول بالقدرة المطلقة والإرادة المطلقة والعلم المطلق لازم لتمام صفات الألوهية.
غير أن الماتريدية يقولون: إنه لا محبة في صفة الإرادة، وأن هذه الإرادة لا تستلزم الرضا والمحبة.
أما الأشاعرة فيرون أن الإرادة هي الرضا والمحبة، إذ المحبة هي الإرادة، والرضا كذلك معناه الإرادة، والإرادة تستلزم الرضا والمحبة، وبهذا تكون الإرادة والمحبة والمشيئة والرضا والاختيار كلها بمعنى واحد.
المسألة الرابعة: الاستثناء في الإيمان: يعرف الماتريدية الإيمان بأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان. ويعرفه الأشعرية بأنه التصديق بالله تعالى.
فذهبت الماتريدية إلى منع دخول الاستثناء في الإيمان، فالمؤمن عندهم يكون مؤمنا حقا وليس مؤمنا بالمشيئة، وذلك لأن الماتريدية يرون أن الاستثناء شك في إيمان المؤمن وشرائطه التي لا تقبل الشك.
بينما يذهب الأشاعرة إلى جواز الاستثناء في الإيمان، فيمكن للمؤمن أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله.
وبذلك يظهر أن محل الخلاف هو أن الماتريدية لا يجيزون الاستثناء في الإيمان، بينما الأشعرية يجيزون ذلك.
المسألة الخامسة: إيمان المقلد: فالماتريدية يذهبون إلى القول بصحة إيمان المقلد، لأن مع هذا الإيمان تصديق، والتصديق هو أصل الإيمان، وعندهم أيضا يصح الاكتفاء بالتقليد في العقائد الدينية؛ إلا أن المقلد يعد عاصيا بتركه للنظر إذا كان قادرا على ذلك.
أما الأشاعرة فإنهم يقولون بأنه لا يُكتفى بالتقليد في العقائد الدينية، ولكن لابد من الاعتقاد الجازم الناشئ عن دليل؛ لأن الإيمان من المسائل الأصولية، وهذه قليلة يمكن الإحاطة بها، وتكفي فيها المعرفة على الإجمال، ولا يشترط عندهم القدرة على التعبير عن ذلك. ويذهبون إلى أن المقلد عاص بتركه النظر والاستدلال، ولكنه ليس مشركا أو كافرا.
المسألة السادسة: الكسب: فالماتريدية يثبتون للعبد قدرة وإرادة لها أثر في الفعل، ولا أثر لها في الإيجاب والإحداث، وإنما أثرها ينصب على وصف الفعل بكونه طاعة أو معصية، وتتمثل هذه القدرة في القصد والاختيار للفعل، والله سبحانه وتعالى يخلق للعبد القدرة على الفعل، وتكون نتيجة الفعل عليه. وبذلك يثبت الماتريدية أن للعبد اختيارا في أفعاله، وهذه الأفعال هي التي يترتب عليها المدح والذم في الدنيا، كما يترتب عليها الثواب والعقاب في الآخرة.
أما الأشاعرة فيذهبون إلى أن قدرة العباد التي وقع بها الفعل غير مخلوقة، وأن أمرها بأيديهم، وعليها مدار تكليفهم، والإرادة عند الأشاعرة هي الإرادة الجزئية، أما الإرادة الكلية عندهم فهي مخلوقة لله تعالى.
المسألة السابعة: الكافر منعَمٌ عليه أم لا؟ يرى الماتريدية أن الكافر منعم عليه، لكن هذا الإنعام إنما وقع في الدنيا فقط.
ويرى الأشاعرة أن الكافر لم ينعم عليه لا في الدين ولا في الدنيا ولا في الآخرة([256]).
الخاتمة خلاصة المسائل العقدية التي خالف فيها الماتريدية السلف
وبعد هذه الدراسة المختصرة؛ فإن أهم المسائل التي خالفت فيها الماتريدية عقيدة السلف ما يلي:
1- خلاف الماتريدية في مفهوم التوحيد، إذ هو عندهم بمعنى أن الله واحد في ذاته لا قسيم له ولا جزء له، واحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له.
2- اعتمدت الماتريدية في إثبات وجود الله تعالى على دليل حدوث الأعراض والأجسام.
3- يستدل الماتريدية على وحدانية الله تعالى بقوله عز وجل: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء:22] وهو ما يسمى بدليل التمانع، وقد خطأهم السلف في هذا المفهوم، مع إقرار السلف بأن دليل التمانع صحيح في دلالته على امتناع صدور العالم عن إلهين، لكن ليس هذا هو المقصود من الآية الكريمة.
4- تثبت الماتريدية جميع الأسماء الحسنى لدلالة السمع عليها، إلا أنهم غلوا في الإثبات ومدلول الأسماء لعدم تفريقهم بين ما جاء في باب التسمية وبين ما جاء في باب الإخبار عن الله، فمدلول الاسم عندهم هو الذات وهذا خاص في اسم "الله" فقط، وأما ما عداه فمدلوله يؤخذ عندهم من الصفات التي أثبتوها فلم يقفوا على ما ثبت بالسمع فقط.
5- وقف الماتريديون في باب الصفات على إثبات بعض الصفات دون غيرها، فأثبتوا من الصفات: القدرة، العلم، الحياة، الإرادة، السمع، البصر، الكلام، التكوين، وذلك لدلالة العقل عليها عندهم.
6- نفت الماتريدية جميع الصفات الخبرية الثابتة بالكتاب والسنة، لأن في إثباتها - بزعمهم - مخالفة للعقل الذي يرى في إثباتها ما يدعو إلى وصف الله تعالى بالتشبيه والتجسيم.
7- نفت الماتريدية الصفات الاختيارية لله تعالى التي هي صفات الفعل اللازمة لله تعالى، لأنها كذلك تؤدي إلى التشبيه والتجسيم.
8- ذهبت الماتريدية إلى أن كلام الله تعالى معنى واحد قديم أزلي، ليس له تعلق بمشيئة الله تعالى وقدرته، وأنه ليس بحرف ولا صوت، بل هو كلام نفسي لا يسمع، بل المسموع منه إنما هو عبارة عنه.
9- حصرت الماتريدية الدليل على صدق الأنبياء في ظهور المعجزات على أيديهم، لأنها تفيد العلم اليقيني وحدها بزعمهم.
10- ترى الماتريدية أن كل المسائل المتعلقة باليوم الآخر لا تعلم إلا بالسمع، والسلف يخالفونهم في هذا، ويقولون: إن تلك المسائل علمت بالسمع ودل عليها العقل أيضا.
11- أثبت الماتريديون رؤية الله تعالى، ولكنهم نفوا الجهة والمقابلة، وفي قولهم تناقض واضطراب في مفهومهم للرؤية، يؤدي إلى إثبات ما لا يمكن رؤيته، وإلى نفي جهة العلو المطلق الثابت لله تعالى.
12- اعتبر السلف ما ذهبت إليه الماتريدية في خلق أفعال العباد اعتقادا خاطئا لما فيه من إثبات إرادة للعباد مستقلة عن مشيئة الله تعالى، وأن خلق الله لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم غير المخلوقة، والسلف يعتقدون أن لله تعالى وحده المشيئة وأن للعباد مشيئة لا تخرج عن مشيئة الله تعالى.
13- ذهبت الماتريدية إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وقال بعضهم: إنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان، ومنعوا زيادته ونقصانه، وحرموا الاستثناء فيه، ومنعوا التفريق بين مفهوم الإيمان والإسلام.
14- ترى الماتريدية أن الفاسق مؤمن كامل الإيمان.
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتابه، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
فهرس المراجع
1- إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، للزبيدي، طبعة دار الفكر، بيروت.
2- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القران الكريم لأبي السعود : ط1، دار احياء التراث العربي، بيروت.
3- إشارات المرام من عبارات الإمام لكمال الدين أحمد البياضي الحنفي، ت: يوسف عبد الرزاق، ط1، الحلبي، القاهرة.
4- أصول الدين لأبي اليسر البزدوي، تحقيق د: هانزبيترلنس، طبعة: عيسى البابي الحلبي القاهرة 1383.
5- أصول الدين، عبد القاهر البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1401.
6- أعلام الموقعين، ابن القيم، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1388.
7- إمام أهل السنة والجماعة، أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية، ط1، مكتبة وهبة، القاهرة.
8- الأنساب للسمعاني، المكتبة العلمية، بيروت.
9- الإنصاف للباقلاني، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، ط2، مؤسسة الخانجي، القاهرة.
10- البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم المصري.
11- بحر الكلام لأبي المعين النسفي، مطبعة الكردي، القاهرة، 1911م.
12- بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط1، مطبعة الحكومة، مكة.
13- تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.
14- تأويلات أهل السنة لأبي منصور الماتريدي، ت: د. إبراهيم عوضين والسيد عوضين، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة.
15- تبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي، تحقيق: أوت.
16- التبصير في الدين لأبي المظفر الإسفراييني، ط1، ت: عزت العطار، القاهرة.
17- التحرير في أصول الفقه لابن الهمام، طبعة الحلبي، القاهرة، 1351.
18- التدمرية لابن تيمية، ت: محمد بن عودة السعوي، ط1، دار العبيكان، الرياض.
19- التعريفات للجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت.
20- تعليم المتعلم طرق التعلم، برهان الدين الزرنوجي، ت: مروان قباني، ط1، المكتب الإسلامي.
21- تفسير النسفي، طبعة الحلبي، القاهرة.
22- التمهيد في أصول الدين لأبي المعين النسفي، ت: عبد الحي قابيل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة .
23- التمهيد للباقلاني، ت: مكارثي، المكتبة الشرقية، بيروت.
24- تيسير التحرير لأمير بادشاه، طبعة الحلبي، القاهرة.
25- جامع المتون في حق أنواع الصفات الإلهية والعقائد الماتريدية، أحمد ضياء الدين بن مصطفى، ط1، دار الطباعة العامرة، الآستانة.
26- حاشية العصام على شرح العقائد النسفية، ط1، دار الطباعة العامر، الآستانة.
27- الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد بن ربيع بن هادي المدخلي، ط1، مكتبة لينة، دمنهور، مصر.
28- الحواشي البهية على العقائد النسفية، مطبعة كردستان العلمية، القاهرة، 1329.
29- درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، ت: محمد رشاد سالم، ط1، جامعة الإمام محمد بن سعود.
30- رسالة في إثبات الاستواء والفوقية ومسألة الحرف والصوت في القرآن للجويني، مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية.
31- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لمحمود الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
32- الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية، الحسن بن عبد المحسن أبو عذبة، ط1، دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد، الدكن، الهند.
33- سلام الأحكم على سواد الأعظم، إبراهيم حلمي بن حسين الوافي، ط1، الآستانة.
34- شرح الأصفهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تقديم حسنين مخلوف، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
35- شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار الهمذاني، ت: عبد الكريم عثمان، ط1، مكتبة وهبة، مصر.
36- شرح العقائد النسفية، سعد الدين التفتازاني، طبعة اسطنبول.
37- شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، ت: عبد الله التركي، وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة.
38- شرح الفقه الأكبر، لملا علي القاري، ط1، الحلبي، القاهرة.
39- شرح المقاصد في علم الكلام، سعد الدين التفتازاني، دائرة المعارف النعمانية، لاهور، باكستان.
40- شرح المنار لأبي البركات النسفي وحواشيه من علم الأصول، لعبد اللطيف الملك، دار سعادات، اسطنبول.
41- شرح المواقف للجرجاني، مطبعة السعادة، القاهرة.
42- شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد الله الغنيمان، ط1.
43- شفاء العليل، لابن القيم، ط1، المطبعة الحسينية المصرية، القاهرة.
44- صحيح البخاري المطبوع مع فتح الباري، المطبعة السلفية، القاهرة.
45- ضوء المعالي شرح بدء الأمالي لملا علي القاري، ط1، المطبعة العامرة، استنبول.
46- طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي، ت: محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، طبعة الحلبي، القاهرة.
47- عداء الماتريدية للعقيدة السلفية وموقفهم من الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني.
48- عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي، د. محمد أيوب علي، ط1، المؤسسة الإسلامية، بنجلاديش.
49- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني، ط1، الحلبي، القاهرة.
50- فتح الغفار بشرح المنار لابن نجيم الحنفي، ط1، الحلبي، القاهرة.
51- الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي، ت: محمد محي الدين، دار المعرفة.
52- فرق معاصرة لغالب عواجي، مكتبة لينة.
53- الفوائد البهية في تراجم الحنفية، محمد عبد الحي اللكنوي، ط1، مطبعة السعادة، القاهرة.
54- فيض الباري على صحيح البخاري لأنوار شاه الكشميري الديوبندي، دار المعرفة، بيروت.
55- القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ عبد الرحمن المحمود، ط1، دار طيبة، الرياض.
56- كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي، ت: فتح الله خليف، المشرق، بيروت.
57- اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع لأبي الحسن الأشعري، ت: حمود غرابة، مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة.
58- اللمعة في تحقيق مباحث الوجود والحدوث والقدرة وأفعال العباد لإبراهيم الحلبي، ط1، الناشر عزت العطار، القاهرة.
59- الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض بن داخل اللهيبي الحربي، ط2، دار الصميعي، الرياض.
60- المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي، ت: عبد الأمير الأعسم، ط1، دار المناهل، بيروت.
61- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمة، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم، ط1.
62- محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين لفخر الدين الرازي، دار الكتاب العربي، بيروت.
63- مدارج السالكين لابن القيم، ت: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة.
64- مدارك التنزيل وحقائق التأويل لحافظ الدين النسفي، دار الكتاب العربي، بيروت.
65- المراكشية لابن تيمية، ت: ناصر الرشيد ورضا بن نعسان، دار طيبة.
66- المسامرة شرح المسايرة للكمال بن أبي شريف، ط1، بولاق.
67- المسايرة لابن الهمام مع شرحها لقاسم بن قطلوبغا، ت: محمد محي الدين، مطبعة السعادة، القاهرة.
68- المستصفى لأبي حامد الغزالي، ط1، بولاق.
69- المطالب العالية للرازي، ت: أحمد حجازي السقا، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت.
70- معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي، طبعة جماعة إحياء التراث، مصر.
71- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري، ط3، تصحيح ريتر .
72- الملل والنحل للشهرستاني، ط1، مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت.
73- منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ت: محمد رشاد سالم، ط1، جامعة الإمام محمد بن سعود.
74- المنهل السيال الدافع لما نشأ من خلاف بين الأشعري والماتريدية من الإشكال لعبد الحافظ بن علي المالكي الصعيدي الأزهري.
75- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط2.
76- موقف ابن تيمية من الأشاعرة للشيخ عبد الرحمن المحمود، ط1، دار الرشد، الرياض.
77- ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي، ت: علي البجاوي، طبعة الحلبي، القاهرة.
78- النافع الكبير مقدمة الجامع الصغير لأبي الحسنات اللكنوي، ضمن مجموعة الرسائل الست، ط1.
79- النبراس لعبدالعزيز الهندي الفريهاري، طبعة بشاور، باكستان.
80- النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت.
81- نشر الطوالع للمرعشي، مكتبة العلوم العصرية، مصر.
82- نظم الفرائد وجمع الفوائد، عبد الرحيم علي شيخ زاده، المطبعة الأدبية، القاهرة.
83- النور اللامع والبرهان الساطع في شرح عقائد أهل السنة والجماعة، لمنكو برس بن يلنقلج الناصري .
([1]) مستفاد من: الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للأفغاني، والماتريدية دراسة وتقويما لأحمد الحربي، والماتريدية لمحمد الخميس، مع بعض الإضافات اليسيرة.
([2]) الموسوعة الميسرة: 1/29.
([3]) نسبة إلى "ماتريد "بفتح الميم وسكون الألف وضم التاء الفوقانية المثناة، وكسر الراء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، ودال مهملة، أو "ماتريت "بدل الدال المهملة تاء فوقها نقطتان، والأول أشهر وهي محلة من مدينة سمرقند. انظر: الأنساب: 12/2، الفوائد البهية: 195.
([4]) انظر: عقيدة الإسلام لأبي الخير: 265، مقدمة فتح الله لكتاب التوحيد للماتريدي: 2، مقدمة إبراهيم عوضين والسيد عوضين لتأويلات أهل السنة للماتريدي: 10.
([5]) انظر: مقدمة فتح الله لكتاب التوحيد: 3، إمام أهل السنة لعلي المغربي: 14، الماتريدية للأفغاني: 1/210 - 214.
([6]) انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/197.
([7]) فرق معاصرة لغالب عواجي: 3/1228.
([8])1/193، 194.
([9]) انظر: الماتريدية للحربي: 109 - 114.
([10]) ميزان الاعتدال: 4/47.
([11]) الماتريدية للحربي: 100 - 103.
([12]) الماتريدية للحربي: 104 - 108.
([13]) الموسوعة الميسرة: 1/99.
([14]) النافع الكبير مقدمة الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن الشيباني 7، الروضة البهية: 4.
([15]) عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي: 480.
([16]) الماتريدية للأفغاني: 1/294 - 301.
([17]) الماتريدية للأفغاني: 1/537 - 540.
([18]) التوحيد: 4 – 6، 3، 129، 137، وانظر: النبراس: 316 - 317.
([19]) انظر: التوحيد 185: 224، التمهيد: 19، بحر الكلام: 5، 6، 14.
([20]) منهاج السنة: 7/37، وشرح الطحاوية: 237.
([21]) شرح المواقف: 2/309.
([22]) انظر: المسايرة مع شرحها لقاسم بن قطلوبغا: 216 - 242.
([23]) التأويلات: (1/ل651 ) دار الكتب.
([24]) الماتريدية للحربي: 140 - 145.
([25]) الانتصار لأهل الحديث عن صون المنطق: 182- 183.
([26]) انظر: شرح العقائد النسفية: 34، المسامرة شرح المسايرة: 31، 32.
([27]) النور اللامع: ل 99، 100، الحواشي البهية: 1/59.
([28]) شرح المنار لأبي البركات النسفي وحواشيه 620، فتح الغفار شرح المنار: 2/79.
([29]) التوحيد: 8، 9، وانظر: التحرير لابن الهمام: 334، الماتريدية للحربي: 177 - 185.
([30]) تأسيس النظر: 156. وانظر: ((الأصول)) لأبي الحسن الكرخي ملحقة بتأسيس النظر تحقيق مصطفى القباني: 166-171.
([31]) انظر: صون المنطق: 161.
([32]) الرسالة: 457.
([33]) الرسالة: 453.
([34]) انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: 1/132، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم: 2/363.
([35]) انظر: مختصر الصواعق: 2/363، إرشاد الفحول للشوكاني: 48.
([36]) مناقب أبي حنيفة للموفق بن أحمد المكي: 71.
([37]) التحرير: 168، وانظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه: 2/21، التوحيد: 68، 69.
([38]) إشارات المرام: 187، 189.
([39]) انظر: الإيمان لابن تيمية: 72.
([40]) الإيمان لابن تيمية: 73.
([41]) مختص الصواعق المرسلة: 2/5. الإيمان لابن تيمية: 73.
([42]) انظر شرح المقاصد: 2/50، وشرح العقائد السلفية: 5، 42.
([43]) انظر: شرح العقائد النسفية: 42، شرح المقاصد: 2/50، عمدة القاري: 25/88، 90، 109، 134.
([44]) نشر الطوالع: 282.
([45]) تبصرة الأدلة: ل110، 111، 113، وانظر: أصول الدين للبزدوي: 25، 26.
([46]) السواد الأعظم: 27، التمهيد: 19، وانظر: إشارات المرام: 187، 189.
([47]) درء تعارض العقل والنقل: 1/203.
([48]) درء تعارض العقل والنقل: 1/203.
([49]) درء تعارض العقل والنقل: 5/343- 345.
([50]) الصواعق المرسلة: 1/296- 298، مختصر الصواعق: 1/48- 50.
([51]) درء تعارض العقل والنقل: 1/202.
([52]) درء تعارض العقل والنقل: 1/204-205.
([53]) المسايرة: 154 - 161، وانظر: التوحيد للماتريدي: 221، 223، 224، أصول الدين للبزدوي: 92، التمهيد: 43، 44.
([54]) الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد بن ربيع بن هادي المدخلي: 94.
([55]) رواه البخاري: 2052.
([56]) الفتاوى: 8/432 – 436.
([57]) انظر: تأويلات أهل السنة: ل 1/444، والتوحيد: 102، 129، 130.
([58]) انظر: التحرير: 24، الروضة البهية: 37.
([59]) بحر الكلام: 140 وانظر: 5، 6.
([60]) مدارج السالكين: 3/488-490: وانظر: درء تعارض العقل والنقل: 9/38، 39، بيان تلبيس الجهمية: 1/247، 248، الماتريدية للحربي: 147-150.
([61]) النور اللامع: ل8، 9.
([62]) تعليم المتعلم طريق التعلم: 13، وانظر: أصول الدين للبزدوي: 152، 153، المسايرة وحاشية قاسم عليهما: 300-302.
([63]) شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين: 310.
([64]) لوامع الأنوار: 1/269.
([65]) رواه البخاري (25)، ومسلم (20).
([66]) شرح صحيح مسلم: 1/210- 211.
([67]) تأويلات أهل السنة: ل656، 657.
([68]) انظر: التوحيد 38، 39، التمهيد: 6-12، المسايرة: 24-30، إشارات المرام: 107.
([69]) انظر: التوحيد: 23، 119، 121، بحر الكلام: 4، 19، المسامرة: 43.
([70]) التوحيد: 23.
([71]) انظر: مجموع الفتاوى: 3/94، ومدارج السالكين: 3/417، وشرح العقيدة الطحاوية: 26، والقول المفيد: 1/12، وعقيدة التوحيد: 15.
([72]) انظر: التوحيد لابن مندة: 3/304-306، والحجة في بيان المحجة: 1/111-113، والإبانة لابن بطة: 6/149، والقول المفيد: 1/12، وعقيدة التوحيد: 16.
([73]) انظر: مجموع الفتاوى: 1/104، 19/106، ومدارج السالكين: 1/25، وشرح الطحاوية: 26، والعقائد السلفية: 23، ودعوة التوحيد: 47، والقول المفيد: 1/14، وعقيدة التوحيد: 36.
([74]) انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث: 160-164، والحجة في بيان المحجة: 1/321، والتدمرية: 124، والقول المفيد: 1/16، وعقيدة التوحيد: 63.
([75]) انظر: التوحيد 135-137، شرح المقاصد: 1/44، 45، 48، 49، إشارات المرام: 84.
([76]) التوحيد: 129.
([77]) انظر: المرجع السابق: 11-19، 231، 233، وأصول الدين: 14-15، 18.
([78]) انظر: اللمع للأشعري: 8، الإنصاف للباقلاني: 30، شرح العقائد النسفية: 93، 95، التوحيد: 20، 21، 140.
([79]) التمهيد: 6.
([80]) انظر: درء تعارض العقل والنقل: 9/354، 355.
([81]) التوحيد: 20، 21، المسايرة: 42-48.
([82]) التوحيد: 19.
([83]) التوحيد: 20، 21.
([84]) انظر: مدارج السالكين: 1/411، والدين الخالص: 1/57، وتيسير العزيز الحميد: 20، ودعوة التوحيد: 37.
([85]) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 464، ومجموع الفتاوى: 16/332، ومدارج السالكين: 3/443، ومفتاح دار السعادة: 1/212، وتطهير الاعتقاد: 6.
([86]) الماتريدية للحربي: 212.
([87]) التدمرية: 179-180، 185-186.
([88]) انظر: التوحيد للماتريدي: 20-21، تبصرة الأدلة: ل 35، وما بعدها، النور اللامع: ل 22-23، المسايرة: 42-48، التبيان للفنجفيري: 58-59.
([89]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 3/17-19.
([90]) انظر: القول المفيد: 1/12.
([91]) المواهب الربانية من الآيات القرآنية: 44، 45.
([92]) انظر:عقيدة السلف وأصحاب الحديث: 160-164، والحجة في بيان المحجة: 1/321، والتدمرية: 124، والقول المفيد: 1/16، وعقيدة التوحيد: 63.
([93]) الرسالة التدمرية: 4.
([94]) انظر: المفردات في غريب القرآن: 737، ومختصر الصواعق المرسلة: 2/110، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 3/17-19، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 1/157، 3/278، ومعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى: 14-24.
([95]) معارج القبول للشيخ حافظ حكمي: 2/459 بتصرف يسير.
([96]) التوحيد: 93، 947، وانظر: : 24، 41، 44، التمهيد: 13-16.
([97]) التوحيد: 38، وانظر: التمهيد: 10.
([98]) بيان الاعتقاد: ل 13.
([99]) التأويلات: ل 562.
([100]) التوحيد: 42، 94.
([101]) المسايرة: 68، 69.
([102]) إشارات المرام: 114، وانظر: التوحيد: 65، 66، 69،.
([103]) التأويلات: ل 547.
([104]) تفسير النسفي: 4/223-224.
([105]) انظر: التدمرية: 182-183.
([106]) انظر: المرجع السابق: 182-183.
([107]) انظر: كتاب التوحيد: 38-44، شرح المواقف للجرجاني الحنفي الماتريدي: 8/210، مدارك التنزيل: 1/591، وإرشاد العقل السليم لأبي السعود: 3/296
([108]) مدارك التنزيل: 1/591، 2/274.
([109]) إرشاد العقل السليم: 3/296، 5/200.
([110]) كتاب التوحيد: 93-94.
([111]) فيض الباري: 4/517.
([112]) انظر: كتاب التوحيد: 65-66، وروح المعاني: 1/53.
([113]) انظر: مجموع الفتاوى: 6/185-186، وشرح كتاب التوحيد في صحيح البخاري للغنيمان: 224.
([114]) انظر: التوحيد: 66، شرح الفقه الأكبر للقاري: 15.
([115]) أصول الدين: 88، 89، 90.
([116]) بحر الكلام: 37، وانظر: تبصرة الأدلة: 198.
([117]) شفاء العليل: 277، وانظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز: 80.
([118]) انظر: التوحيد: 49-60، 128، 129، أصول الدين، للبزدوي: 21، 22.
([119]) انظر: التوحيد: 24، 25، والتمهيد: 13، 14، وأصول الدين: 31-33
([120]) انظر: إشارات المرام: 107، 114، جامع المتون: 8-12، نظم الفرائد: 24.
([121]) انظر: التمهيد: 9، 12، 21، المسايرة: 67.
([122]) انظر: التوحيد: 45، التمهيد: 12، 21، تفسير النسفي: 1/86، 200، الماتريدية للحربي: 219.
([123]) انظر: في رد الزعم بأن التفويض مذهب السلف كتاب: مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد القاضي.
([124]) انظر: هذه القاعدة في المسايرة مع المسامرة: 35، 29، أصول الدين للبزدوي: 25، 189، وشرح العقائد النسفية للتفتازاني: 42.
([125]) انظر: رسالة في إثبات الاستواء والفوقية للجويني: 1/181، درء التعارض: 4/9، والتدمرية: 19، 79 – 85.
([126]) انظر: التدمرية: 182 – 183، 81-83، ورسالة في إثبات الاستواء والفوقية: 1/181.
([127]) انظر: المسايرة مع شرحها لقاسم بن قطلوبغا: 69.
([128]) انظر: مجموع الفتاوى: 6/426.
([129]) انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة: 2/484.
([130]) انظر: شرح العقائد النسفية: 44-58، وكتاب التوحيد: 57.
([131]) إشارات المرام: 188.
([132]) فيض الباري: 4/517.
([133]) شرح العقائد النسفية: 55-56، والنبراس: 217-218.
([134]) شرح العقائد النسفية: 165-166، منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر: 95، كبرى اليقينيات الكونية: 125.
([135]) شرح العقائد النسفية: 44، 58.
([136]) كتاب التوحيد: 70، وشرح العقائد النسفية: 40.
([137]) كتاب التوحيد: 70، وشرح العقائد النسفية: 40.
([138]) شرح المواقف: 8/20-22، وشرح العقائد النسفية: 40.
([139]) شرح العقائد النسفية: 40،.
([140]) كتاب التوحيد: 107، شرح العقائد النسفية: 42، شرح المواقف: 8/23، و إشارات المرام: 197.
([141]) شرح العقائد النسفية: 40، وشرح المواقف: 8/19،.
([142]) أصول الدين للبزدوي: 28.
([143]) المرجع السابق: 31.
([144]) البحر الرائق: 5/120.
([145]) تأويلات أهل السنة: 1/58، و إشارات المرام: 98.
([146]) شرح الفقه الأكبر: 171.
([147]) شرح الإحياء للزبيدي: 2/108.
([148]) حاشية العصام على شرح العقائد النسفية: 181.
([149]) شرح العقائد النسفية: 55، المسايرة: 84.
([150]) شرح العقائد النسفية: 165-166. وانظر: منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر: 95.
([151]) كبرى اليقينيات الكونية: 125.
([152]) كتاب التوحيد: 85، وانظر ضوء المعالي شرح بدء الأمالي للقاري: 43، والمسايرة مع المسامرة: 41، 43، 46، وأصول الدين للبزدوي: 77.
([153]) انظر: بيان تلبيس الجهمية: 72-78، والمراكشية: 49، ومجموع الفتاوى: 5/175.
([154]) رواه مسلم ( 181).
([155]) رواه البخاري ( 7434)، ومسلم ( 633).
([156]) عقيدة الحافظ عبدالغني المقدسي: 58.
([157]) شرح العقيدة الطحاوية: 153.
([158]) التوحيد: 188، 189.
([159]) أصول الدين: 97، 98.
([160]) انظر: الأصفهانية: 474، 476، 477، شرح الطحاوية: 112، 114، النبوات: 37-43.
([161]) رواه البخاري (4953) ومسلم (160).
([162]) انظر: الأصفهانية: 479، 480، منهاج السنة: 2/419، 420، 8/549، شرح العقيدة الطحاوية: 114- 115.
([163]) التمهيد: 46، أصول الدين للبزدوي: 96-99، 227-230.
([164]) النور اللامع: (ل 121)، وانظر (120)، شرح الفقه الأكبر: 79.
([165]) النبوات لابن تيمية: 45.
([166]) المرجع السابق: 20-21، 23.
([167]) رواه البخاري (7274)، ومسلم (239).
([168]) المرجع السابق: 269، وانظر: 7-8، 305، 308.
([169]) انظر: الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية للدكتور عبد الفتاح أحمد فؤاد: 1/276.
([170]) انظر: منهاج السنة: 3/342، 2/334، وبيان تلبيس الجهمية: 2/77.
([171]) التوحيد: 77-80.
([172]) التوحيد: 85، وانظر: التمهيد: 38.
([173]) الفتاوى: 16/87.
([174]) صفحة: 50.
([175]) انظر: الفتاوى: 3/148-150، وشفاء العليل: 29-65، ومعارج القبول: 2/294.
([176]) ابن كثير، تفسير القران العظيم: 3/320، الطبعة الثانية، تقديم الدكتور يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، 1407هـ.
([177]) تفسير ابن كثير: 3/500.
([178]) تفسير ابن سعدي: 867.
([179]) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات القدر، ص(1/155-شرح النووي).
([180]) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ص 428، الطبعة الأولى، المكتبة التجارية، مكة، 1412هـ.
([181]) رواه الترمذي: كتاب القدر، باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره، رقم 2231، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
([182]) التوحيد: 306، 307.
([183]) التوحيد: 221، وانظر: 287، 291، 294،303، 304، التمهيد: 81، 82.
([184]) النور اللامع: ل 110، وانظر: 57، 58،61، 62، 94،95.
([185]) التوحيد: 254، أصول الدين: 99، 102، 105.
([186]) التوحيد: 228، 225، 226.
([187]) تبصرة الأدلة: ل 384، وانظر: التمهيد: 67، 70،71.
([188]) التمهيد: 71.
([189]) إشارات المرام: 256، اللمعة لإبراهيم الحلبي: 48.
([190]) تبصرة الأدلة: ل 386، وانظر: مقدمة المحقق لكتاب التوحيد: 42.
([191]) شفاء العليل: 144.
([192]) شفاء العليل: 137-138.
([193]) شفاء العليل: 131.
([194]) المواقف: 2/229، وانظر: المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي: 127، التعريفات للجرجاني: 35.
([195]) الملل والنحل: 36، مقالات الإسلاميين: 1/312، الفرق بين الفرق: 128،، التبصير في الدين: 96، أصول الدين للبغدادي: 333.
([196]) مقالات الإسلاميين: 1/300، شرح الأصول الخمسة: 390.
([197]) الإنصاف: 46، التمهيد للباقلاني: 323 – 325، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين: 152.
([198]) التوحيد: 256،257.
([199]) التمهيد: 53-54. وانظر: تبصر الأدلة: ل 331، والنور اللامع: ل 113.
([200]) شرح الطحاوية: 499، وانظر: الدرء: 1/60-62، الفتاوى: 8/129، 290-302، القضاء والقدر للمحمود: 212-214.
([201]) شرح الطحاوية: 499-501.
([202]) الفتاوى: 8/297، وانظر: الملل والنحل: 36.
([203]) شرح الأصول الخمسة: 133، 396-409، نظرية التكليف: 300-304.
([204]) المستصفى للغزالي: 1/98، شرح المواقف: 1/160، 161، المطالب العالية للرازي: 9/267-271.
([205]) التوحيد: 266.
([206]) المسايرة: 156.
([207]) منهاج السنة: 3/104، 105، وانظر: الدرء: 1/64، 65، شرح الطحاوية: 515-518، موقف ابن تيمية من الأشاعرة: 1402-1404.
([208]) انظر: شرح العقائد النسفية: 55، 56، وحاشية قاسم الحنفي على المسايرة: 290-293، شرح ضوء المعالي: 19، 20.
([209]) التمهيد: 99-101، التوحيد: 373-379.
([210]) انظر: مادة أمن في الصحاح: 5/2071، والقاموس المحيط: 1176، ولسان العرب: 13/21، والمعجم الوسيط: 8.
([211]) لسان العرب: 13/21.
([212]) المفردات في غريب القرآن: 90.
([213]) تهذيب اللغة: 15/368.
([214]) الصحاح: 5/2071.
([215]) الصحاح: 5/2071، والقاموس المحيط: 1176.
([216]) الصارم المسلول: 519، وانظر: الفتاوى: 7/289.
([217]) المفردات في غريب القرآن: 25.
([218]) انظر: تفسير ابن كثير: 1/165.
([219]) انظر: مجاز القرآن: 97، ومعاني القرآن: 1/222، وتفسير ابن كثير: 2/59.
([220]) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 213، المفردات في غريب القرآن: 91.
([221]) مجموع الفتاوى: 7/289، 529، وشرح الطحاوية: 321.
([222]) انظر: مجموع الفتاوى: 7/505، وانظر: شرح الطحاوية: 314.
([223]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 5/886.
([224]) الشريعة للآجري: 2/611، وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 4/832.
([225]) صحيح البخاري (7410)، ومسلم (191).
([226]) صحيح البخاري (25)، ومسلم (22).
([227]) انظر: معارج القبول للشيخ حافظ حكمي: 2/17 وما بعدها.
([228]) صحيح البخاري (53)، وصحيح مسلم (23).
([229]) سلام الأحكم: 189، 190. وانظر: 193-197.
([230]) التمهيد: 102، أصول الدين للبزدوي: 153، شرح العقائد النسفية: 56 – 59.
([231]) وللمزيد في هذه المسألة: انظر: زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه، لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر.
([232]) صحيح مسلم (79).
([233]) صحيح البخاري (7510)، وصحيح مسلم (193).
([234]) شرح العقيدة الطحاوية: 2/ 126.
([235]) أخرجه الطبراني في الكبير (8549)، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده جيد، وقال الحافظ رحمه الله في الفتح (1/ 48): رواه أحمد في الإيمان، وإسناده صحيح.
([236]) فتح الباري: 1/ 47.
([237]) فتح الباري: 1/ 47.
([238]) التوحيد: 388.
([239]) التمهيد: 105، 106.
([240]) صحيح مسلم (249).
([241]) انظر: المناهي اللفظية لابن عثيمين: 125، رسالة فتح رب البرية بتلخيص الحموية: 117.
([242]) التوحيد: 394-397، وانظر: أصول الدين للبزدوي: 154، 221.
([243]) صحيح مسلم (8).
([244]) صحيح البخاري (53). وللمزيد في هذه المسألة، انظر: مسألة الإيمان لعلي بن عبد العزيز الشبل.
([245]) التمهيد: 92، 93، بحر الكلام: 47، 48، وانظر: التوحيد: 329-365.
([246]) مجموع الفتاوى: 7/241.
([247]) شرح العقيدة الطحاوية: 413.
([248]) انظر: الماتريدية للحربي: 491-496، وذكر مجموعة من المؤلفات في موضوع هذا الخلاف.
([249]) طبقات السبكي: 378-379.
([250]) كتاب إشارات المرام: 23،53.
([251]) مقدمات الكوثري: 51.
([252]) انظر: الماتريدية للحربي: 498-501. الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للأفغاني: 1/452 وما بعدها.
([253]) تأويلات أهل السنة: 1/169- 178.
([254]) المرجع السابق: 1/169- 178.
([255]) انظر: الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للأفغاني: 1/468 وما بعدها.
([256]) تأويلات أهل السنة: 1/160-169، وانظر المنهل السيال الدافع لما نشأ من خلاف بين الأشعري والماتريدية من الإشكال لعبد الحافظ بن علي المالكي الصعيدي الأزهري.