×
مقالة ترد على من قام بحرق القرآن الكريم في دولة السويد وتبين عظمة وهداية القرآن للبشرية جمعاء وتبين كيف أن القرآن هو الحل الأمثل لمشاكل وأمراض المجتمعات.

رسالة إلى من أحرق القرآن الكريم

د. جوهانس كلومنك (عبدالله السويدي)

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد:

قد وقع مرة أخرى. راسموس بالودان قام بحرق المصحف الشريف، ولكن هذه المرة فعل ذلك أمام سفارة الجمهورية التركية. هذا المقال لن يكون مقالًا سياسيًا. فلن أكتب عن أنّ بالودان وصل إلى السفارة في سيارة شرطة وقام بفعله الشنيع بحماية خاصة لن يحصل عليها أيّ متظاهر آخر في السويد.

ولن أكتب عن أنّ سياسيين سويديين دافعوا دفاعًا مستميتًا عن فعله وأنه لم يحرك أي حزب سياسي ساكنًا في البرلمان السويدي من أجل إصدار قانون يمنع هذا الفعل.

ولن أكتب عن أنّ ما قام به بالودان من حرق المصحف وما نتج عنه من أعمال الشغب كان من أسباب حصول الحزب الديمقراطي السويدي – الحزب المتطرّف الذي يرجع أصوله إلى النازية – على أكبر عدد من الأصوات في تاريخه في الانتخابات السويدية عام 2022، وأنّ الحكومة الحالية تنفّذ أجندة هذا الحزب.

ولن أكتب عن الإعلامي الذي يرافق بالودان في جولات حرق المصحف كان يعمل لقناة تابعة للحكومة الروسية وأن بالودان بحرق المصحف أمام السفارة التركية يعرقل انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي.

بل، لن أكتب عن شخصية بالودان نفسه، وأنه يتحدّث عبر النت مع أولاد أعمارهم 13 سنة عن أمور متعلقة بالجنس. لا أحتاج ذكر ذلك، فقد فضحه الإعلام من قبل.

لن أكتب عن هذه الأمور كلها في هذا المقال، وإن كانت مهمة، ولكن أريد أن أكتب عما هو أهمّ من ذلك كله. أريد أن أكتب عن هذا الكتاب الذي يقوم بحرقه، فهو ليس كتابًا عاديًا، بل هو كتاب ربّ العالمين. نعم، هو كتاب خالقنا الذي خلقنا وخلق جميع البشر، ومنهم راسموس بالودان الذي يقوم بحرق هذا الكتاب الآن ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ (الشعراء: 191 - 194). نعم، نزل هذا القرآن المبين على قلب رسولنا الكريم (ﷺ) بواسطة الروح الأمين الذي هو جبريل (عليه السلام).

وكان أوّل آيات نزل بها جبريل إلى نبينا محمد (ﷺ):﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1 - 5]. هذه الآيات تدلّ على أنه يجب على الإنسان أن يقرأ عمومًا، ويقرأ هذا الكتاب خصوصًا، لأنّ هذا الكتاب هو كتاب ربّنا الذي خلقنا من علق، وصوّرنا في أرحام أمهاتنا كيف شاء. ولكنّ الله عزوجل ذكر بعد ذلك في سياق هذه الآيات مشكلة الإنسان، وهي: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ﴾ [العلق: 6 - 7]. فجبروت الإنسان وكبرياؤه تمنعه من القراءة والتعلم والاستفادة. وإلا، فلو قرأ هذا الكتاب لوجد فيه برهان ونور: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: 174] وجد فيه شفاء لما في الصدور: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57). ووجد فيه هداية لما هو أقوم: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9].

القرآن الكريم يهدينا لكل خير، بل هو ينبوع العلوم كلّها. فها هو المستشرق البريطاني هارتويغ هيرشفيلد يقول معترفًا بتأثير القرآن في تطور المعرفة رغم حقده على الإسلام: "ويجب ألا ندهش عندما يُنظر إلى القرآن بأنه ينبوع العلوم. فالقرآن يقع أحيانًا على كل موضوع يصل بين السماء والأرض، والحياة البشرية، والتجارة، والمهن الأخرى، وهذا أدى بدوره إلى إصدار رسائل علمية عدة تشكل تعليقات على أجزاء من الكتاب الكريم. وبهذه الطريقة كان القرآن دافعًا لمناقشات كبرى، وإليه يعزى بطريقة غير مباشرة التطور الرائع لفروع المعرفة كافة في العالم الإسلامي"[1].

ولكن لن يستفيد الإنسان من القرآن بهذا القدر إلا بعد التفكّر والتعّقل؛ ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: 219]، ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 242]. ولكن يبدو أنك يا بالودان لا تفكّر ولا تستخدم عقلك الذي وهبه الله إياك، وبالتالي فلا تفهم ما فيه من الهدى والشفاء: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44].

أنا سويدي، ونشأت في أسرة غير مسلمة، وكنت كذلك في يوم من الأيام لا أعرف شيئًا عن القرآن الكريم، ولكنّ الله لطف بي، وفتح قلبي لقراءته وتأمّله وتدبّره، فوجدت أنّ هذا الكتاب لا يمكن أن يكون من تأليف إنسان. فهو كتاب معجز، كتاب خارق فوق الطبيعة، كتاب نور وهداية ورحمة وخير. وهذا ما أريد منك أيضًا يا بالودان، ومن بقية السويديين أيضًا أن تتأملوه وتفكروا فيه.

ولو فعلتم ذلك لوجدتم أنّ هذا الكتاب فيه شفاء لأمراض المجتمع السويدي الذي نعيشه. ألا يعاني كثيرًا من سكّان السويد من التعاسة، ويتعاطى 10 % من الشعب حبوبًا مضادة للاكتئات، ويحاول 100 ألف سويدي الانتحار كلّ سنة؟ القرآن الكريم يحيي الله به النفوس الميتة: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ [الأنعام: 122]. يا بالودان، اسأل أي سويدي اعتنق الإسلام عن السعادة الغامرة التي شعر بها، والسكينة الروحانية التي يحسّ بها عندما يقرأ القرآن. ألا تريد السعادة أنت؟

يا بالودان، ألا يعاني المجتمع السويدي من تفكّك أسري رهيب وعقوق الوالدين؟ ألا يموت بعض الآباء والأمهات ويظلون في شققهم أشهرًا، بل سنوات ولا يسأل عنهم أولادهم؟ أما القرآن الكريم ففيه شفاء لهذا الداء العضال: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23 - 24].

يا بالودان، ألا يعاني المجتمع السويدي من زيادة الحدّة والتوتّر والبغضاء والشحناء؟ ما أحوجنا إلى الأوامر الربانية في القرآن الكريم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]. بل، وما أحوجنا إلى التأسي بالرسول الكريم (ﷺ) الذي طالما قذفته أنت في كل وقت وحين: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159].

يا بالودان، ما الذي يفرّك من القرآن الكريم، ما الذي تكرهه؟ هل هي هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]. أو هل هي هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].

لا أظنّ أنها هذه الآية أو تلك، لأنّ مشكلتك أنك لا تقرأ القرآن، ولا تفهم رسالته، بل انشغلت بحرقه وإهانته. ولهذا أدعوك، وأدعو جميع السويديين، بل الناس أجمعين إلى قراءة هذا الكتاب، فإنه سبيل هدايتنا في الدنيا ونجاتنا في الآخرة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبته وسلم