×
رسالة للدكتور يوسف بن حمود الحوشان تتحدث عن - الآثار الواردة عن السلف في اليهود في تفسير الطبري - وقد حصل بها على درجة الدكتوراة في العقيدة والمذاهب المعاصرة من جامعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

 الآثار الواردة عن السلف في اليهود في تفسير الطبري

جمعاً ودراسة عقدية

رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة في العقيدة والمذاهب المعاصرة

إعداد

يوسف بن حمود الحوشان

قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة

بكلية أصول الدين بالرياض

1424هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

الحـمد لله وحده لا شــريك لـه والصـلاة والسلام على المبعوث رحمـة للعالمين.

والحمد لله الذي هدانا صراطاً مستقيما،ً غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين، والحمد لله الذي أرسل لنا رسولاً منا يتلو علينا آيات الله ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، فأخذ عنه صحابته عقيدة صافية غير مشوبة، بيضاء نقية، وتلقاها تابعوهم من سلف هذه الأمة فنقلوا لنا ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم  وعن صحابته وبلغوها خلفاً عن سلف،

وقام من أئمة السلف من جمع هذه الآثار والأقوال السلفية النقية في مؤلفات عظيمة، بينوا لنا فيها أصول الدين وأحكامه منهم: الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله  في كتابه الحافل (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) الذي يعد عمدة التفاسير المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  والصحابة والتابعين.

وقد قام بعض الزملاء الباحثين في جمع مرويات السلف وأقوالهم في عدد من أبواب الاعتقاد كالربوبية والألوهية وأصول الإيمان واليوم الآخر وغيرها من الأبواب.

و هناك جانب مهم وعظيم في هذا الكتاب الحافل وهو جانب الأديان والفرق وما ورد عن السلف من آثار في اليهود وغيرهم، حيث جاءت آثار كثيرة في بيان حال هؤلاء، فاخترت أن أكتب في هذا الموضوع وهو :

(الآثار الواردة عن السلف في اليهود في تفسير الطبري)

( جمعاً ودراسة عقدية)

 خطة البحث:

التمهيد: وفيه:

ترجمة موجزة للإمام الطبري.

التعريف (بجامع البيان عن تأويل آي  القرآن) وقيمته العلمية

عرض مجمل لحديث القرآن عن اليهود

الروايات الإسرائيلية في التفسير

الباب الأول: (الآثار الواردة عن السلف في حقيقة اليهود  و أبرز صفاتهم)

وفيه فصلان:

الفصل الأول: الآثار الواردة في حقيقة اليهود.           وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الآثار الواردة في تسميتهم.

المبحث الثاني: الآثار الواردة في منزلتهم ونعم الله عليهم

المبحث الثالث: الآثار الواردة في عقاب الله لهم.

الفصل الثاني:الآثار الواردة في أبرز صفات اليهود.   وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: الآثار الواردة في قسوة قلوبهم

المبحث الثاني: الآثار الواردة في اتباعهم الهوى

المبحث الثالث: الآثار الواردة في تزكيتهم أنفسهم

المبحث الرابع: الآثار الواردة في نقضهم العهود

المبحث الخامس: الآثار الواردة في كذبهم وافترائهم

المبحث السادس: الآثار الواردة في حسدهم

الباب الثاني: الآثار الواردة عن السلف في عقيدة اليهود في أصول الإيمان.

وفيه ستة فصول:

             الفصل الأول: الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان بالله

الفصل الثاني:  الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان بالملائكة

الفصل الثالث: الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان بالكتب

الفصل الرابع: الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان بالأنبياء

الفصل الخامس : الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان باليوم الآخر

الباب الثالث :الآثار الواردة عن السلف في موقف اليهود من النصرانية والإسلام

وفيه فصلان:

  الفصل الأول: الآثار الواردة في موقف اليهود من النصرانية      وفيه ثلاثة مباحث:

                        المبحث الأول: الآثار الواردة في موقفهم من مريم-عليها السلام-

المبحث الثاني: الآثار الواردة في موقفهم من عيسى عليه السلام

المبحث الثالث: الآثار الواردة في موقفهم من النصارى

  الفصل الثاني موقف اليهود من المسلمين                  وفيه  ثلاثة مباحث:

             المبحث الأول: الآثار الواردة في موقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم

المبحث الثاني: الآثار الواردة في موقفهم من المسلمين

المبحث الثالث: علاقة اليهود  بالمنافقين

الخاتمة :وفيها أهم النتائج

المراجع والفهارس المتنوعة

 منهج البحث:

سلكت في هذا البحث المنهج التالي:

1- قمت بقراءة التفسير من أوله إلى آخره، قراءة متأنية واستخرجت منه جميع الآثار المروية عن السلف، مما لـه صلة باليهود من قريب أو بعيد، ثم قمت بقراءة هذه الآثار مرة أخرى واستبعدت كل ما ظهر لي عدم صلته بالموضوع، أو كانت صلته بالموضوع ضعيفة.

2- رتبت هذه الآثار المروية عن السلف في اليهود، حسب خطة البحث السابقة.

3- رتبت الآثار المتعلقة بالمبحث الواحد حسب ترتيبها في تفسير الطبري في الأعم الأغلب، ذاكراً أولاً الآية التي ورد في تفسيرها ذكر الأثر؛ وذلك ليهتدي القارئ إلى الأثر في تفسير الطبري مهما كانت طبعة الكتاب التي لديه. وقد أقدّم بعض الآثار على خلاف ترتيبها في التفسير لمعنى يقتضيه.

4- احتفظت بأرقام هذه الآثار حسب طبعة دار الفكر -بيروت 1405هـ- . وإذا لم يكن لـه رقم في التفسير وضعت له الرمز التالي: m

5- أوردت الآثار كاملة، إلا إذا كان الأثر طويلاً جداً، فأكتفي بموضع الشاهد منه.

6- ترجمت لقائلي الآثار ترجمة موجزة، دون غيرهم من رجال السند، لكونهم المعتمد على قولهم في البحث. وجعلت هذا في ملحق في نهاية البحث.

7- وثقت الأثر، خاصة من الكتب المسندة كتفسير ابن أبي حاتم, وعبد الرزاق، وإن لم أجده فيهما فإني أوثقه من السنن والمسانيد والمصنفات وغيرها، خاصة تفسير الدر المنثور للسيوطي، لاحتوائه عل غالب التفسير بالمأثور خاصة الكتب المفقودة منها، ثم من تفسيري القرطبي وابن كثير, ثم من فتح الباري وتاريخ دمشق, ناقلاً ما أقف عليه من أقوال العلماء في الحكم عليه. ولم أقم بدارسة الأسانيد والحكم عليها - رغم أهميته- لأن القيام بذلك يستغرق وقتاً طويلاً جداً عند المختصين، فكيف بغيرهم. لكني حرصت على ذكر ما وقفت عليه من حكم أهل العلم بالحديث على الأثر، وخاصة المتقدمين منهم كالحافظ ابن كثير وابن حجر، لأن النفس تطمئن إلى تصحيح المتقدمين، فإن لم أجد لهؤلاء حكماً استفدت من حكم المتأخرين كعلامة مصر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ،وعلامة الشام الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ، ووجدت أن الدكتور حكمت بشير ياسين في موسوعته النافعة في التفسير المسماة (الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور) قد جمع ذلك كله فكان هو المرجع الرئيس في الآثار الصحيحة والحسنة، وكذلك استفدت مما وقفت عليه من أحكام بعض المحققين لكتب السنة، وكذا ما صنعه بعض طلبة العلم في المدينة النبوية من مذكرة سموها (إيضاح بعض أسانيد الطبري من أحكام الشيخ أحمد شاكر مع الزيادة عليها)، أو غيرهم من المحققين.

8- عملت دراسة لتلك الآثار، ركزت فيها على فهم السلف للآيات الواردة في اليهود مع إيراد الأحاديث النبوية الموضحة لها وكلام أئمة السلف من المفسرين خاصة الإمامين ابن جرير الطبري وابن كثير عليهما رحمة الله, ولم أطل فيما كانت دلالته على المسألة واضحة.

9- عزوت الآيات إلى سورها، وجعلت العزو في المتن لئلا أثقل الحاشية بكثرة الحواشي وخاصة أن الآيات كثيرة في البحث.

10- خرجت الأحاديث التي في الدراسة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما، وإن لم يكن كذلك فإني أخرجه من السنن والمسانيد والمصنفات.

11- ترجمت لأهم الأعلام الذين ورد ذكرهم في أبواب البحث. كما ترجمت لأصحاب الآثار في ملحق خاص في نهاية البحث ترجمة مختصرة.

11- عرفت بالفرق والأماكن التي ورد ذكرها في البحث.

12- شرحت المفردات الغريبة الواردة في البحث كلما دعت الحاجة إلى ذلك .

13- في تخريج الأحاديث، والآثار، وترجمة الأعلام، والتعريف بالفرق، وشرح الغريب من الألفاظ، أذكر ذلك في أول موضع يرد فقط، تجنباً للتكرار، ولا أشير إلى مكان ذلك، مكتفياً بعمل فهرس للأعلام في آخر البحث لمن أراد الوقوف على أماكن تكرار ورود العَلَم في البحث.

15- اعتمدت في استخراج الآثار طبعة دار الفكر 1405هـ  

16- وحرصاً على الاختصار في الحواشي، اقتصرت في التخريج على ذكر طرف من أسماء الكتب، ولم اتكثر بها لكثرة الآثار وحصول المقصودببعضها.

 وبعد فقد بذلت في هذا البحث قدر وسعي، ومبلغ طاقتي، ومع ذلك فإني لم أوف الموضوع حقه، ولا أدعي الإصابة فيما كتبت لقول الله I: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [سورة النساء 4/82] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ((كل بني آدم خطأ، وخير الخطائين التوابون.)) ([1])، فما كان في البحث من صواب فمن الله وحده وبتوفيقه وفضله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي، واستغفر الله منه، وجزى الله خيراً من رأى فيه اختلافاً فأرشدني إليه لأصلحه، أو رأى خطأً فدلني على تصويبه أو صوّبه.

وفي الختام فإني أحمد الله وأشكره على توفيقي وهدايتي لهذا الموضوع، وأن أتم الله علي فضله ومنته بإنجاز هذا البحث وإتمامه، وإني لأدعو الله لوالدي بالمغفرة على ما بذلاه من حسن تربية وأقول رب ارحمهما كما ربياني صغيراً.

ثم أشكر شيخي الفاضل الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل على رعايته للبحث من فكرته الى مناقشته  فأحسن الله اليه

وكذلك أشكر الاستاذ الدكتور احمد بن عطية الغامدي على قبوله للمناقشة وحسن إفادته

 ثم اشكرالمشرف على هذا البحث الأستاذ الدكتور:/ يوسف عبد الغني ، أحسن الله اليه

 كما أشكر -أيضاً- كل من أعانني في بحثي هذا من المشايخ والزملاء سواءً كان ذلك بفائدة علمية، أو إعارة كتاب، أو غير ذلك .وأخص منهم أخي في الله سعود بن عبد العزيز العقيل على مساعدته لي وفقه الله وذريته للخير

وأخيراً لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في كلية أصول الدين وفي قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة منها، وذلك لمنحي هذه الفرصة لإعداد رسالتي هذه .

وأسأل الله I أن يجعل أعمالنا صالحة، ولوجهه الكريم خالصة، وأن لا يجعل لأحد فيها شيئاً، كما أسأله ﷻ‬ أن يوفقنا لما يرضيه، وأن يجنبنا سخطه ومعاصيه، وأن يعيذنا من فتنة القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.                                وكتبه: يوسف بن حمود الحوشان

 التمهيد: وفيه:

 ترجمة الطبري ([2])

 1- نسبــه:

هو محمد بن جرير بن يزيد والي جدة، اتفق المؤرخون في نسبه ثم اختلفوا فمنهم من قال: ( يزيد هذا هو ابن كثير بن غالب)، وعلى هذا الرأي جمهرة المحققين من المؤرخين ولم يتوقفوا في هذا بل قطعوا به.

ومنهم من قال إن يزيد هو ابن خالد ([3]).

على أن أبا جعفر نفسه رحمه الله  تعالى لم يكن يزيد في نسبه اسماً آخر على أبيه فقد صأل سائل عن نسبه فقال: محمد بن جرير قال السائل زدنا في النسب فأنشده بيت رؤبة([4]) بن العجاج:

قد رفع العجاج ذكرى فادعني

باسمي إذا الأنساب طالت يكفن

 2- الحالة السياسية والعلمية في عصره:

لقد عاش الطبري رحمه الله  تعالى في عهد العباسين بعد أن مضى من عصره الذهبي اثنان وثلاثون عاماً تقريباً، وفي هذه الفترة التي عاش فيها ابن جرير تولى الخلافة المعتصم بالله، وهو أبو إسحاق، محمد بن ابن الرشيد بن المهدي بن المنصور، ولد سنة تسع وسبعين ومائة وبينه وبين أخيه المأمون تسع سنين، وكان في عهد أخيه المأمون والياً على الشام ومصر، وكان المأمون يميل إليه بشجاعته فولاه عهده وترك ابنه، وفي اليوم الذي توفي فيه المأمون ببلاد الروم بويع بالخلافة في تسعة عشر رجب 19 – سنة 218 – ولم يزل خليفة إلى أن توفي بمدينة سامراء في 18 ثمانية عشر ربيع الأول سنة 227هـ، فكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام([5]).

ثم تولى بعده الخلافة الواثق: (227 – 232) ويعتبر عهد الواثق نهاية العصر الذهبي للدولة العباسية، ثم تولى بعدهم في عصر نفوذ الأتراك المتوكل (232 – 247) والمنتصر (247 – 248) والمستعين (248 – 252) والمعتز (252 – 255) والمهتدي (255 – 256) والمعتمد ( 256 – 279) والمقتصد (279 – 289) والمكتفي (289 –295) والمقتدر (295 – 320).

وقد عاش الطبري في عصر الدولة العباسية الذهبي، وفي عصر نفوذ الأتراك وانقسام البلاد الإسلامية إلى دويلات متفرقة، فيبدأ بعهد المتوكل إلى نهاية الدولة العباسية، وقد عاش الطبري في هذا العصر ولكن هذا الضعف السياسي لم يؤثر على الحركة العلمية، فلقد سارت الحياة العلمية سيراً حسناً، وكان أصحاب الإمارات يكرمون العلماء ويتنافسون في إكرامهم، مما دفع بعجلة العلم والبحث إلى التقدم في مسيرته الطيبة.

أما الحياة العلمية في عهد الطبري: فهي حياة حافلة بالتصنيف والرواية، ودونت أهم أقوال المذاهب الأربعة، ووصلت القراآت إلى حد بعيد من التأليف.

وكذلك النحو والصرف والعروض والأدب كلها قد سارت خُطىً مباركة، وقطعت شوطاً كبيراً.

وقد طوف الطبري رحمه الله  تعالى في طبرستان والعراق والشام ومصر، واستقى من ينابيع الثقافة في كثير من المدن، وقد تخرج في هذه المدن كثير من الفقهاء والمحدثين والمؤرخين واللغويين والنحاةوالأدباء.

 3- حياته العلمية ونبوغه:

لم يكد أبو جعفر رحمه الله  تعالى يبلغ السن الذي يؤهله للتعلم حتى عهد به والده إلى علماء (آمل)، وسرعان ما تفتح عقله وبدت عليه مخايل النبوغ وهو صغير، فقد قال: إني حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة. ([6])

وكان هذا النبوغ المبكر حافزاً لأبيه على الجد في إكمال تعليمه، وخاصة أنه رأى حلماً تفاءل من تأويله، قال الطبري رحمه الله  تعالى: رأى لي أبي في النوم أنني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعي مخلاة مملوءة بالأحجار وأنا أرمي بين يديه.

وقص رؤياه على المعبر فقال لـه: إن ابنك إن كبر نصح في دينه وذب عن شريعته. ولم يطل حبس هذه الرؤيا عن الابن إذ أخبره بها أبوه فزادت من رغبته ونشاطه، وكان لها من الأثر على الابن المقبل على العلم الشيء الكثير، فاجتمع لـه ركنا التحصيل والتعليم وهما الاستعداد الفطري، وتيسر العامل الكسبي مع توفيق الله وعونه طلبه للعلم.

وقد بدأ الطبري رحمه الله  تعالى دراسته وحياته العلمية في بلدة (آمل)، وحفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم من علمائها الأجلاء.

 4- شيوخه وتلاميذه:

 أ- شيوخه:

لقد كان لتجوال الإمام الطبري في البلدان لطلب العلم أثر في كثرة شيوخه ومن أبرز أولئك الشيوخ:

1- هناد بن السري التميمي الكوفي([7]) الإمام الزاهد الحافظ توفي سنة 243هـ . لقيه ابن جرير بالكوفة وروى عنه الحديث.

2- أحمد بن منيع البغوي ([8]) البغدادي الإمام الحافظ الثقة، يعد من أقران الإمام أحمد، توفي سنة 244هـ ، وقد روى عنه ابن جرير ببغداد لما فاته الأخذ عن الإمام أحمد.

3- محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ([9]) الإمام الحافظ، المتوفى سنة 244هـ سمع منه الطبري بالبصرة.

4- محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ([10]) البصري، أحد الحفاظ الثقات الكبار، مات سنة 245هـ ، والتقى به ابن جرير بالبصرة، وسمع منه وأخرج لـه في التفسير كثيراً.

5- محمد بن العلاء الهمداني ([11]) أبو كريب الكوفي، المتوفى سنة 247هـ ، حافظ الكوفة المتقن، أكثر ابن جرير الرواية عنه، حتى قيل: إنه بلغ ما تلقاه عنه مائة ألف حديث ([12]).

6- محمد بن حميد الرازي ([13]) التميمي، المتوفى سنة 248هـ ، أحد الشيوخ الذين أكثر ابن جرير الرواية عنهم، فبلغ ما تلقاه عنه أكثر من مائة ألف حديث، وقد أخذ عنه التفسير والحديث في بلاد الري، وهو من أكثر الشيوخ الذين روى عنهم في تفسيره.

7- محمد بن بشار العبدي ([14]) البصري المعروف ببندار المتوفى سنة 252هـ ، من مشاهير رواة الحديث لقيه ابن جرير بالبصرة، وأكثر الرواية عنه.

8- سليمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلحي، ([15]) المتوفى سنة 252هـ ، أخذ عنه القراءات في الكوفة.

9- الربيع بن سليمان بن داود الأزدي، ([16]) المتوفى سنة 256هـ ، لقيه ابن جرير عند دخولـه إلى مصر، وأخذ عنه فقه الإمام الشافعي ومروياته.

10- إسماعيل بن يحيى المزني، ([17]) المتوفى سنة 264 هـ ، صاحب الإمام الشافعي، أخذ عنه ابن جرير الفقه حين لقائه به في القاهرة.

11- أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني، ([18]) الكوفي المعروف بثعلب، المتوفى سنة 291هـ ، إمام نحاة الكوفة أخذ عنه ابن جرير النحو والعربية وآدابها عندما ارتحل ابن جرير إلى الكوفة.

هؤلاء من أشهر شيوخ ابن جرير، الذين أخذ عنهم فنوناً من العلم، مما كان لـه الأثر الواضح والكبير فيما تركه من آثار ومؤلفات.

  
 ب- تلاميذه:

تتلمذ على يد الإمام الطبري كثيرون، وروى عنه جمع غفير، ولعلّ سعة اطلاعه، وطول حياته، من أسباب كثرة تلامذته فمن أشهر تلامذته:

1- القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف، ([19]) قاضي الكوفة ألّف كتاباً في ترجمة شيخه ابن جرير، نقل منه ياقوت الحموي كثيراً في معجم الأدباء عند ترجمته لابن جرير.

2- عبد العزيز بن محمد الطبري، ولـه كتاب في تاريخ أستاذه، نقل ياقوت كثيراً منه.

3- أبو إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الطبري، مؤلف كتاب في التاريخ، موصول بكتاب الطبري، ضمنه من أخبار أبي جعفر وأصحابه شيئاً كثيراً، ولـه كتاب الرسالة، وكتاب جامع الفقه ([20]).

4- أبو الحسن أحمد بن يحيى بن علم الدين، وهو صاحب كتاب المدخل إلى مذهب الطبري ونصرة مذهبه، وكتاب الإجماع في الفقه، على مذهب أبي جعفر.

5- أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي، ([21]) الإمام المقرئ المحدث النحوي، المتوفى سنة 324 هـ ، أخذ عن ابن جرير القراءات.

6- الإمام الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ([22]) المتوفى سنة 360هـ ، صاحب المعاجم الثلاثة الكبير والأوسط والصغير.

7- أبو أحمد عبد الله بن عدي، ([23]) المتوفى سنة 365هـ ، والمشتهر بكتابه الجامع (الكامل في ضعفاء الرجال).

8- أبو الفرج المعافي بن زكريا النهرواني، ([24]) المتوفى سنة 390هـ ، من أشهر علماء وقته يعرف بابن طرّار، وهو من أبرز تلاميذ ابن جرير، والمتأثرين به، شرح بعض كتب ابن جرير كـ (الخفيف في أحكام شرائع الإسلام) وغيره وقد لازم ابن جرير وهو صغير، وسمع منه وأخذ عنه الفقه والتفسير .

9- علي بن عبد العزيز بن محمد الدولابي، مؤلف كتاب القراءات، وكتاب أصول الكلام، وكتاب الأصول الأكبر، وكتاب الأصول الأوسط وكتاب إثبات الرسالة.

10- أبو مسلم الكجي. ([25])

 5- مكانته العملية وثناء العلماء عليه:

قال مسلمة بن قاسم : «كان حصوراً لا يعرف النساء ، ورحل من بلده في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة ؛ سنة ست وثلاثين ، فلم يزل طالبا للعلم مولعا به ، إلى أن مات».

قال أبو معبد عثمان بن أحمد الدينوري : « حضرت مجلس محمد بن جرير وحضر الفضل بن جعفر بن الفرات بن الوزير ، وقد سبقه رجل،فقال الطبري للرجل: ألا تقرأ ؟! فأشار إلي الوزير. فقال له الطبري : إذا كانت النوبة لك ، فلا تكترث بدجلة ولا الفرات» . قال العسقلاني في اللسان معلقا : « قلت : وهذه من لطائفه وبلاغته وعدم التفاته لأبناء الدنيا».

قال الخطيب البغدادي في تاريخه : « وكان أحد أئمة العلماء ، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه ؛ لمعرفته وفضله ، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني ، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم، ولـه الكتاب المشهور في « تاريخ الأمم والملوك » ، وكتاب في «التفسير» ،لم يصنف أحد مثله ، وكتاب سماه « تهذيب الآثار » ، لم أر سواه في معناه ! إلا انه لم يتمه، ولـه في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه.

وقال أيضاً: «سمعت على بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي، المعروف بالسمسماني يحكى أن : محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.»

وقال أيضاً : «بلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الفقيه الإسفرائيني أنه قال : لو سافر رجل إلى الصين، حتى يحصل لـه كتاب « تفسير » (محمد بن جرير) ، لم يكن ذلك كثيراً، - أو كلاماً هذا معناه -» .

وقال أيضاً: « أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد، قال : ثنا علي بن أحمد ابن الصناع، وعبيد الله بن أحمد السمسار، وأبي : أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه : أتنشطون لتفسير القرآن ؟! قالوا كم يكون قدره ؟ فقال : ثلاثون ألف ورقة . فقالوا : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه . فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. » ([26])

وقال أبو بكر محمد بن إسحاق يعني بن خزيمة : «قد نظرت في (التفسير) من أولـه إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض اعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة».

قال الحسين بن علي التميمي- حسينك : «لما رجعت من بغداد إلى نيسابور سألني محمد بن إسحاق بن خزيمة فقال لي : ممن سمعت ببغداد؟ فذكرت له جماعة ممن سمعت منهم. فقال : هل سمعت من محمد بن جرير شيئاً؟ فقلت له : لا ، إنه ببغداد لا يُدْخَلُ عليه؛ لأجل الحنابلة، -وكانت تمنع منه - فقال: لو سمعت منه لكان خيراً لك من جميع من سمعت منه سواه» . ([27])

وقال أبو علي الطوماري : «كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح ، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره ، واجتاز على مسجده فلم يدخله ، وأنا معه ، وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش ، فوقف بباب مسجد ( محمد بن جرير ) ، ومحمد يقرأ (سورة الرحمن ) ، فاستمع قراءته طويلاً ثم انصرف . فقلت له : يا أستاذ ! تركت الناس ينتظرونك وجئت تسمع قراءة هذا؟ فقال : يا أبا علي ! دع هذا عنك ، ما ظننت أن الله تعالى خلق بشراً يحسن يقرأ هذه القراءة . أو كما قال» . ([28])

وقال أبو العباس البكري - من ولد أبي بكر الصديق - : «جمعت الرحلة بين محمد بن جرير ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ، ومحمد بن نصر المروزي ، ومحمد ابن هارون الروياني ، بمصر ، فأرملوا ، ولم يبق عندهم ما يقوتهم ، وأضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه ، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ، ويضربوا القرعة، فمــن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام ، فخرجت القرعة على ( محمد بن إسحاق بن خزيمة ) ، فقال لأصحابه : أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة. قال:فاندفع في الصلاة ، فإذا هم بالشموع ، وخَصِيٌّ من قبل والي مصر ، يدق الباب ، ففتحوا الباب ، فنزل عن دابته فقال :- أيكم محمد بن نصر ؟ فقيل هو هذا . فأخرج صرة فيها خمسون دينارا ، فدفعها اليه ، ثم قال : أيكم محمد بن جرير ؟ فقالوا هو ذا . فأخرج صرة فيها خمسون دينارا ، فدفعها إليه ، ثم قال : أيكم محمد بن هارون ؟ فقالوا هو ذا . فأخرج صرة فيها خمسون دينارا ، فدفعها إليه ، ثم قال : أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة ؟ فقال هو ذا يصلي . فلما فرغ ، دفع إليه الصرة ، وفيها خمسون دينارا ، ثم قال : إن الأمير كان قائلاً بالأمس ، فرأى في المنام خيالاً قال : إن المحامد طووا كشحهم جياعاً ؛ فانفذ إليكم هذه الصرار ، وأقسم عليكم، إذا نفدت فابعثوا إليَّ أمدكم» .

وقال محمد بن علي بن محمد بن سهل بن الإمام: «سمعت أبا جعفر الطبري وجرى ذكر علي _ فقال أبو جعفر : من قال : أن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى أيش هو؟ فقال له ابن الأعلم: مبتدع. فقال لـه الطبري منكراً عليه: مبتدع؟! مبتدع؟! هذا يُقتل! من قال أن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى يُقتل، يُقتل» . ([29])

وقال الذهبي في السير: «الإمام، العلم، المجتهد، عالم العصر، صاحب التصانيف البديعة. أكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علماً، وذكاء، وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله، وكان من أئمة الاجتهاد».

وقال فيه أيضا : «كان ثقة ، صادقاً ، حافظاً ، رأساً في التفسير ، إماماً في الفقه ، والإجماع ، والاختلاف ، علامة في التاريخ ، وأيام الناس ، عارفاً بالقراءات ، وباللغة وغير ذلك» . ([30])

قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) : «وإنما نبز بالتشيع ، لأنه صحح حديث ( غدير خم ) ، وقد اغتر شيخ شيوخنا أبو حيان بكلام السليماني فقال في الكلام على الصراط في أوايل تفسيره : وقال أبو جعفر الطبري وهو إمام من أئمة الأمامية : الصراط بالفساد ، لغة قريش إلى آخر المسألة.

ونبهت عليه لئلا يغتر به؛ فقد ترجمه أئمة النقل في عصره وبعده فلم يصفوه بذلك؛ وإنما ضره الاشتراك في اسمه ، واسم أبيه ، ونسبه ، وكنيته ، ومعاصرته ، وكثرة تصانيفه ، والعلم عند الله تعالى ، قاله الخطيب» . ([31])

ثم قال «أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ؛ فقال : كان يضع للروافض . كذا قال السليماني قال الذهبي:وهذا رجم بالظن الكاذب ؛ بل ( ابن جرير ) من كبار أئمة الإسلام المعتمدين، وما ندعي عصمته من الخطأ ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى ؛ فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ، لا ينبغي أن يتأتى فيه ؛ ولا سيما في مثل إمام كبير» ([32]).

 6- عقيدته ومذهبه الفقهي :

إن الطبري من كبار أئمة أهل السنة والجماعة . ألف عدة كتب في بيان العقيدة الصحيحة والذب عنها: منها كتاب " صريح السنة " ، و" التبصير في معالم الدين " . ومن قرأ ما كتبه في مباحث العقيدة، عرف قدره ومنزلته. وتفسيره الذي بين أيدينا يعتبر من أجل التفاسير لأهل السنة والجماعة .

ومجمل عقيدة الإمام الطبري - رحمه الله  - نجده فيما كتبه في " صريح السنة وأما مذهبه الفقهي ، فكان على المذهب الشافعي في بداية أمره، ثم تبحر في المذاهب الفقهية الأخرى حتى صار إماماً في الفقه المقارن، إلى أن بلغ مرتبة المجتهد المطلق([33]). فصار له مذهب مستقل ، يعرف بـ " الجريري " ([34])، وتبعه أناس ،كما قال ابن الأثيرفي ترجمة أبو الفرج المعافى بن زكريا المعروف بابن طراز الجريري بفتح الجيم منسوب إلى محمد بن جرير الطبري لأنه كان يتفقه على مذهبه. ([35])

 7- مؤلفاته :

أثنى الإمام الذهبي على الطبري ، فوصفه بقولـه : " وكان من أفراد الدهر علما ، وذكاء ، وكثرة تصانيف . قل أن ترى العيون مثله " ([36]). ومن نظر في مؤلفات الطبري ، ليعجب من كثرتها ، وتنوعها ، ونفاستها .

وفيما يلي بعض مؤلفاته([37]) :

1- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، المعروف بتفسير الطبري ([38]). سيأتي الحديث عنه بالتفصيل في المبحث التالي.

2- تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والأنبياء والملوك والخلفاء ، المعروف بتاريخ الطبري ([39]).

3- كتاب ذيل المذيَّل ([40]).

4- اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام ، المعروف باختلاف الفقهاء([41]).

5- لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام.

6- الخفيف في أحكام شرائع الإسلام ، وهو مختصر للكتاب السابق.

7- بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام.

8- تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار ([42]). توفي الطبري قبل      تمامه.

9- آداب القضاة.

10- أدب النفوس الجيدة والأخلاق النفيسة أو أدب النفس الشريفة والأخلاق           الحميدة. توفي الطبري قبل أن يتمّه.

11- كتاب المسند المجرّد. ولم يتمّه.

12- الرد على ذي الأسفار.

13- كتاب القراءات وتنزيل القرآن ([43]).

14- صريح السنة أو شرح السنة ([44]).

15- التبصير في معالم الدين أو تبصير أولى النهى ومعالم الهدى ، وقد سمّي بـ " البصير في معالم الدين " ([45]) .

16- فضائل علي بن أبي طالب .

17- فضائل أبي بكر وعمر . ولم يتمّه الطبري .

18- فضائل العباس . ولم يتمّه أيضا .

19- مختصر مناسك الحج .

20- مختصر الفرائض .

21- العدد والتنزيل .

وقد فصل القول في وصف مخطوطات ومطبوعات كتب الإمام الطبري الشيخ ( علي بن عبد العزيز الشبل ) -حفظه الله تعالى في الترجمة التي جمعها للطبري في ( 132صفحة ) والتي سماها « إمام المفسرين والمحدثين والمؤرخين الطبري » والصادرة عن ( دار الوطن ) في ( الرياض ) ( سنة 1417 هـ ) وفي تقديمه لكتاب الطبري « التبصير في معالم الدين » ..

 8-وفاته :

توفي الإمام الطبري في بغداد سنة 310 هـ ([46])، وعمره ست وثمانون سنة . بذل أكثر عمره لخدمة الدين والعلم ، فجزاه الله عنا وعن سائر المسلمين خير ما يجزي به عباده المؤمنين الصالحين ، ورحمه رحمة واسعة ، وأدخله فسيح جناته .

ورثاه كثير من معاصريه منهم أبو سعيد([47])بن الأعرابي بقوله:

دق عن مثله اصطبار الصبور

حدث مفظع وخطب جليل

قام ناعي محمد بن جرير

قام ناعي العلوم أجمع لما

مؤذنات رسومها بالدثور

فهوت أنجم لها زاهواتي

ثم عادت سهولها كالوعور

وغدا روضها الأنيق هشيماً

غير وان في الجد والتشمير

يا أبا جعفر مضيت حميداً

موفور وسعي إلى التقى مشكور

بين أجو على اجتهاد موفر

جنة عدن في غبطة وسرور

مستحقاً به الخلود لدى

ورثاه ابن دريد ([48]) بقصيدة منها:

فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبا

لن تستطيع لأمر الله تعقيباً

قضى المهيمن مكروهاً ومحبوبا

وافزع إلى كنف التسليم وارض بما

أعظم بذا صاحبا إذاك مصحوبا

أودى أبو جعفر والعلم فاصطحبا

بل أتلفت علماً للدين منصوبا

إن المنية لم تتلف به رجلاً

تنبيه مهم : هناك من اسمه أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الرافضي .له عدة كتب ، منها كتاب الرواة عن أهل البيت ، رماه بالرفض عبد العزيز الكتاني . وقال هو من هو من الروافض صنف كتبا كثيرة في ضلالتهم لـه كتاب الرواة عن أهل البيت وكتاب المسترشد في الإمامة. ([49])

 التعريف «جامع البيان عن تأويل آي القرآن»وقيمته العلمية:

قدم الطبري لتفسيره بمقدمة تعتبر منهجا لمن أراد تفسير الكتاب العزيز فيقول معرفاً بمنهجه: نحن في شرح تأويله، وبيان ما فيه من معانيه، منشئون - إن شاء اللّه ذلك - كتاباً، مستوعباً لكل ما بالناس إليه الحاجة من علمه جامعاً، ومن سائر الكتب غيره في ذلك كافياً، ومخبرون في كل ذلك، بما انتهى إلينا من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه الأمة، واختلافها فيما اختلفت فيه منه، ومبينو علل كل مذهب من مذاهبهم، وموضحو الصحيح لدينا من ذلك، بأوجز ما أمكن من الإيجاز في ذلك، وأخصر ما أمكن من الاختصار فيه([50]).

قال الحلبي في مقدمة التفسيروهو تفسير ذو منهج خاص: يذكر الآية أو الآيات من القرآن، ثم يُعْقِبها بذكر أشهر الأقوال التي أُثرت عن الصحابة والتابعين من سلف الأمة في تفسيرها. ثم يورد بعد ذلك روايات أخرى متفاوتة الدرجة في الثقة والقوّة، في الآية كلها، أو بعض أجزائها، بناء على خلاف في القراءة أو اختلاف في التأويل. ثم يعقّب على كل ذلك بالترجيح بين الروايات، واختيار أَولاها بالتقدمة، وأحقها بالإيثار. ثم ينتقل إلى آية أخرى، فينهج نفس النّهْج: عارضاً، ثم ناقداً، ثم مرجّحاً.

وهو إذ ينقد أو يرجّح، يردّ النقد أو الترجيح الى مقاييس تاريخه، من حال رجال السنّد في القوة والضعف، أو إلى مقاييس علمية وفنية: من الاحتكام إلى اللغة التي نـزل بها الكتاب، نصوصها وأقول شعرائها، ومن نقد القراءة وتوثيقها أو تضعيفها، ومن رجوع إلى ما تقرّر بين العلماء من أصول العقائد أو أصول الأحكام، أو غيرهما من ضروب المعارف التي أحاط بها ابن جرير، وجمع مادة لم تجتمع لكثير غيره من كبار علماء عصره.

وقد نقل ابن جرير روايات عن أشهر مفسري الصحابة والتابعين، كابن عبَّاس رضي الله عنهما  من خمسة طرق، وعن سعيد بن جبير من طريقين، وعن مجاهد من ثلاثة طرق أو أكثر في بعض المواضع، وعن قتادة بن دعامة من ثلاثة طرق، وعن الحسن البصري من ثلاثة طرق، وعن عِكرمة من ثلاثة طرق، وعن الضحاك بن مزاحم من طريقين، وعن عبد اللّه بن مسعود _ من طريق واحد. وذكر من التفاسير تفسير عبد الرحمن بن زيد بن مسلم، وتفسير ابن جُريجج، وتفسير مقاتل بن حيان، ولم يتعرّض لتفسير غير موثوق به، فانه لم يدخل في كتابه شيئا من كتاب محمد بن السائب الكلبي، ولا مقاتل بن سليمان، ولا محمد بن عمر الواقدي، لأنهم عنده أظِنَّاء.

وقد ذاعت شهرة تفسير ابن جرير في الآفاق الإسلامية، وأصبح مضرب المثل في غزارة المادة، واستقامة المنهج:

قال السيوطي في الإتقان بعد أن ساق أسماء جماعة من المفسرين بالمأثور قبل الطبري: (وبعدهم ابن جرير الطبري، وكتابه أجلّ التفاسير وأعظمها).

ثم قال: فإن قلت: فأي التفاسير ترشد إليه، وتأمر الناظر أن يعول عليه ؟ قلت: تفسير الإمام أبي جعفر بن جرير الطبري، الذي أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف مثله. قال النووي في تهذيبه: كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله.([51])

 ثم اختلف بعد ذلك مناهج المفسرين، ولم يتقيدوا بالمنقول عن الصحابة والتابعين، وتميز كل تفسير منها بطابَع خاصّ غلب على صاحبه، فمنها ما عُنِىَ ببيان العقائد، ومنها ما اختصّ بالأحكام الفقهية، ومنها ما بالغ في شرح قصص القرآن، ومنها ما التزم بيان الخصائص الأسلوبية والبلاغية المرتبطة بالإعجاز، ومنها ما جمع أطرافا من كل ذلك، ومن اللغة والنحو والإعراب ...الخ.

ولا يزال الناس حتى يومنا هذا يرومون تفسير الكتاب العزيز، ولا يكاد يخلو تفسير مما ألف في النصف الأوّل من القرن العشرين من معنى جديد، أو مذهب مستطرف.

 عرض مجمل لحديث القرآن عن اليهود:

ختم الله ـ تبارك وتعالى ـ كتبه إلى العباد بكتابه المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكان فيه الوعظ والقصة والتوجيه والترغيب والترهيب وحكاية الأمم السابقة وبداية لخلق ونهايته وخبر الآخرة، فما فرط الرحمن في القرآن من شيء.

 قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ  = 38 } [سورة الأنعام 6/38]

وكان للأديان السابقة والأنبياء وأتباعهم نصيب من الكتاب العزيز.

والملاحظ أن بني إسرائيل كان لهم نصيب كبير نسبة إلى غيرهم بل يصعب أن تمر بجزء ليس فيه ذكرهم، ومن الإحصاآت في هذا الشأن أنهم ذكروا في نحو خمسمائة موضع، فكان خُمس القرآن حديثاً عنهم فيما يقرب من ستة أجزاء، وكان حديث القرآن عن اليهود؛ مذكراً لهم بنعم الله ،عليهم من بداية دخولهم لمصر، في تفضيل ليوسف وإخوته أبناء إسرائيل نبي الله يعقوب عليهم السلام ، إلى تصوير لحالهم مع فرعون وقومه وما حصل لهم فيه من اضطهاد وقتل، ثم منة لله عليهم بإرسال موسى ودفاعه عنهم وتعليمهم الدين الحق وتفضيل الله لهم على عالمي زمانهم.

ثم خرج موسى ومعه هارون عليهما السلام  ببني إسرائيل من مصر هرباً من بطش فرعون، وفصل القرآن ذلك في عدة سور من سور القرآن، انتهت بنجاتهم وإغراق فرعون ومن معه.

ثم بين الله عنادهم، وما حصل منهم في سيناء، ولقاء موسى بربه، وعبادتهم للعجل، ثم حكم الله عليهم بالتيه، ثم ذهابهم إلى الأرض المقدسة، وقص الله علينا في القرآن أخبار بعد أنبيائهم، وسيرهم مع أقوامهم، وما حصل من قتل وتكذيب، وأبان القرآن ونوّع في موقفهم من آخر أنبيائهم وهو عيسى بن مريم عليه السلام ،وقولهم فيه وأمه واتهامهم بالعظائم.

وقص علينا بعض أخبار آحادهم، وما فيها من العبر؛ كأصحاب الجنة وأهل القرية، وما في قصة هاروت وماروت، وغيرها مما هو داخل في الحديث عنهم.

وفي أثناء ذلك كان حديث القرآن منبهاً على صفاتهم التي ميزتهم: من قسوة القلب، والكذب، والحسد وأكل الربا، ونقض العهد وتحريف الكتاب، وقتل الرسل.

وكان الحديث عن موقفهم من بعثة سيد الخلق قبل الهجرة، وتعاونهم مع الكفار، أو بعد الهجرة وولادة النفاق بين أظهرهم وفي أحضانهم، وموالاتهم للكافرين، ونقضهم للعهود، والصد عن الدعوة الجديدة، وتشويه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل ومحاولة قتله.

وتحدث عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم  لهم، والقتال معهم، وأحكامه التي انتهت بقتل كثير منهم وإجلاء بقيتهم.

وكان خبر أصدق القائلين منصفاً لمن آمن منهم، مثنياً عليهم ومحذراً في الوقت نفسه من موالاتهم والالتقاء معهم.

وجاء الحديث عن اليهود في السور المكية التالية: الأعراف، يونس، الإسراء، طه، الشعراء، القصص، غافر، الدخان.

وأطال عنهم في السور المدنية التالية: البقرة، وآل عمران، والمائدة، والمجادلة، والحشر، والصف، والجمعة.


 الروايات الإسرائيلية في التفسير:

لا تخلو كتب التفاسير غالباً من آثار مصدرها أهل الكتاب، وخاصة الرواية في عهد متأخري التابعين، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله - الضابط فيما يروى عنهم فقال: بعد أن ذكر أن الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد-: فإنها على ثلاثة أقسام:

1- أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذلك صحيح.

2- والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.

3- والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك.

كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أعلمُ بعدَّتِهِم ما يعلَمُهُم إلاَّ قَليلٌ فلا تُمارِ فيهِم إلاَّ مِراءً ظاهراً ولا تستفت فيهم منهم أحداً} [سورة الكهف 18/22]

فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته: إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قُل ربّي أعلمُ بعِدَّتِهِم} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تُمارِ فيهِم إلاَّ مِراءً ظَاهرِاً} أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.

فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النـزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم، فأما من حكى خلافاً في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضاً، فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمد الكذب، أو جاهلاً فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالاً متعددة لفظاً ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معاً فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب([52]).

ويعلل العلامة السعدي –رحمه الله - بقاء الروايات الإسرائيلية بقوله:

وهذه التفاسير التي توجد وتشتهر بها أقوال لا يعرف غيرها تنقل هذه الأقوال عن بني إسرائيل مجردة، ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة تطبيقها على الأقوال ثم لا تزال تتناقل وينقلها المتأخر مسلماً للمتقدم حتى يظن أنها الحق فيقع من الأقوال الردية في التفاسير ما يقع.([53])

 موقف الطبري من الإسرائيليات :

معلوم عناية الإمام الطبري - رحمه الله  - بأمر الإسناد وهي عناية فائقة ، وقد التزم بذكر الأسانيد في جميع الأقوال التي أوردها في تفسيره . والذي يتأمل في هذا التفسير العظيم يجد هذا الإمام الجليل قد ذكر نحو أكثر من ثمانية وثلاثين ألف رواية مسندة في تفسيره ؛ ما بين حديث وأثر([54]).

وقد علل العلامة محمود شاكر سبب ذكر الطبري للإسرائيليات ، وهو أنه ما قصد بذكرها إلا تحقيق معنى لفظ ، أو بيان سياق عبارة ، فهو لم يسقها لتكون مهيمنة على تفسير آي التنـزيل الكريم ، بل يسوقها للغرض السابق . وأن استدلاله بها كان يقوم مقام الاستدلال بالشعر القديم ([55]).

أورد الإمام الطبري بعض الإسرائيليات عن عدد الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت ، وذلك عند قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [سورة البقرة 2/243] وقصد الطبري بإيرادها بيان معنى ( ألوف ) ، هل هي بمعنى جماع ( ألف ) ، أو بمعنى ( مؤتلفون ) .([56])

وعلى ما سبق بيانه فإن استدلال الطبري بالإسرائيليات لبيان معنى لفظ أو عبارة يعتبر من أحد الأسباب التي حملته على ذكر بعض الإسرائيليات في تفسيره. ولكن هذا ليس في كل ما أورده من الإسرائيليات ، لأن الكثير منها لا صلة لها بالاستدلال اللغوي. والأمثلة على هذا كثيرة جداً، يصعب حصرها. وعلى سبيل المثال ، ما ذكره الطبري من الإسرائيليات في بيان المراد بالذين سلّطوا على بني إسرائيل ([57]).

والطبري رحمه الله  يبين -أحياناً- نقده لبعض الأسانيد من ذلك:

قوله: حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعن مرة عن ابن مسعود _، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  .... : ثم قال: ( فإن كان ذلك صحيحاً - ولست أعلمه صحيحاً إذ كنت بإسناده مرتاباً ...) ([58]).ونقده هذا الإسناد المتكرر في تفسيره يكفينا مؤنة الحكم عليه.

وأحياناً تكون صيغة الأداء من الصيغ التعارف على ضعفها عند أهل الصناعة الحديثية, كحدثت عن فلان وروي عن فلان، وهذا كثير في تفسيره رحمه الله  وأما نقده للمتن فواضح، وفيه نفس العالم الرباني الذي جعل مقياسة الوحيين.

كتنبيهه كثيراً على على عدم الفائدة من الخوض في تفاصيل الأمور التي لم يبينها القرآن الكريم ولا الأحاديث الصحيحة ، وكثير من هذه التفاصيل من الإسرائيليات. مثاله: قولـه تعالى : {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [سورة البقرة 2/35] ، فقد ذكر الطبري الروايات الواردة في تعيين نوع الشجرة ، وبين أنه إذا علم لم ينفع العالمَ به علمُه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به ([59]). وكذلك عند قولـه تعالى : {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ  = 73 } ([60])، فقد عقّب الطبري على الإسرائيليات الواردة في تعيين " البعض" من البقرة ، بقوله : "ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل ، ولا ينفع العلم به." ([61])

بقي أن يقال أن الإمام الطبري ذكر الأسانيد وخرج من عهدتها، كما ذكر شيئاً من ذلك في تاريخه فقال: (فما يكن في كتابي هذا من خبرٍ ذكرناه عن بعض الماضين ممّا يستنكره قارئه، أو يَسْتَشْنِعُهُ سامعه، من أجل أنّه لم يعرفْ لـه وجهاً في الصِّحّة، ولا معنىً في الحقيقة، فلْيُعْلَم أنّه لم يُؤْتَ في ذلك مِن قِبَلنا، وإنّما أُتِيَ مِن قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنّما أدّينا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا)([62]).

قال الأستاذ محمد حسين الذهبي: "ثم إن ابن جرير وإن التزم في تفسيره ذكر الروايات بأسانيدها ، إلا أنه في الأعم الأغلب لا يتعقب الأسانيد بتصحيح ولا تضعيف ، لأنه كان يرى - كما هو مقرّر في أصول الحديث - أن من أسند لك فقد حملك البحث عن رجال السند ومعرفة مبلغهم من العدالة أو الجرح ، فهو بعمله هذا قد خرج من العهدة ..." ([63])

قال ابن حجر في - ترجمة الطّبرانيّ - : "أكثر المحدِّثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلمّ جرّا، إذا ساقوا الحديث بإسناده، اعتقدوا أنّهم برئوا من عهدته" ([64])


 الباب الأول: الآثار الواردة عن السلف في حقيقة اليهود و أبرز صفاتهم

وفيه فصلان:

الفصل الأول: الآثار الواردة في حقيقة اليهود

الفصل الثاني: الآثار الواردة في أبرز صفات اليهود


 الفصل الأول: الآثار الواردة في حقيقة اليهود

 المبحث الأول: الآثار الواردة في تسميتهم.

 أولا: الآثــــار:

 المطلب الأول: تسميتهم بني إسرائيل

قولـه تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  = 40 } [سورة البقرة 2/40]

  1-666- حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن إسرائيل كقولك عبد الله.‏ ([65])

  2-667- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث قال: إيل: الله بالعبرانية. ([66])

  3-668- حدثنا به ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  = 40 } قال: يا أهل الكتاب للأحبار من يهود. ([67])

 المطلب الثاني: تسميتهم باليهود:

قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ. } [سورة الأعراف 7/156]

  4-914 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (‏[68])

  5-11802 - قال: ثنا أبي عن شريك عن جابر عن عبد الله بن يحيى عن علي قال: إنما سميت اليهود لأنهم قالوا {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} ([69])

  6-حدثني المثني قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس رضي الله عنهما : {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} يعني: تبنا إليك. ([70])

  7-حدثنا ابن البرقي قال: ثنا عمرو قال: سمعت رجلا يسأل سعيدا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} قال: إنا تبنا إليك. ([71])

 المطلب الثالث: تسميتهم أهل الكتاب:

قولـه: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  = 40 } [سورة البقرة 2/40]

  8-668 - حدثنا به ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  = 40 } قال: يا أهل الكتاب للأحبار من يهود. ([72])

  9-1481 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: حدثني ابن إسحاق. وحدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا ًإذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم ، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا، فأنـزل الله فيهما: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  = 109 } [سورة البقرة 2/109] الآية. ([73])

10-5678 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم  دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك فأبوا عليه فجاهدهم، قال: دعاهم إلى قول الله عز وجل : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [سورة آل عمران 3/64] .. الآية. ([74])

11-5689 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم  دعا يهود أهل المدينة إلى كلمة السواء، وهم الذين حاجوا في إبراهيم وزعموا أنه مات يهودياً. فأكذبهم الله عز وجل  ونفاهم منه فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْـزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ  = 65 }[سورة آل عمران 3/65] ([75])

12-6044- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه قالت: أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا أشرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره فأنـزل الله عز وجل  في ذلك من قولهم: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [سورة آل عمران 3/113] إلى قوله: {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ  = 114 } ([76])

13-6633 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن أبي الجحاف عن مسلم البطين قال: سأل الحجاج بن يوسف جلساءه عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ  = 187 } [سورة آل عمران 3/187] فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال: وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب يهود "ليبيننه للناس" محمد  صلى الله عليه وسلم  ولا يكتمونه فنبذوه. ([77])

14- 21623- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: ثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير وعمن لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن مالك وعن الزهري وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا: أنه كان من حديث الخندق أن نفراً من اليهود منهم: سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم  خرجوا حتى قدموا مكة على قريش فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم  وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله. فقال لهم قريش: يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه. ([78])

 المطلب الرابع: تسميتهم بالعبرانيين:

قولـه تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ  = 35 } [سورة يوسف 12/35]

15-14739 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا عمرو بن محمد عن أسباط عن السدي: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ  = 35 } قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فذلك قول الله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ([79])

16-1346 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال: "إيل" الله بالعبرانية. ([80])

17-14744 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا عمرو بن محمد عن أسباط عن السدي قال: لما دخل يوسف السجن قال: أنا أعبر الأحلام. فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلم نجرب هذا العبد العبراني نتراءى له! فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئاً. فقال الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه وقال الآخر: إني أراني أعصر خمراً. ‏([81])

18-21185- حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا علي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية. فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنـزل إلينا وأنـزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن لـه مسلمون.)) ([82])


 الدراســــة:

اليهود هم أمة موسى صلى الله عليه وسلم  واختلف في تسميتهم على أقوال:

1- الهود التوبة وقولـه عز وجل{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [سورة الأعراف 7/156] أي تبنا إليك، قاله النووي رحمه الله .

2- وقال غيره هاد في اللغة معناه: مال، يقال: هاد زفر هيادة وهوداً. وقال المبرد في قولـه تعالى: {هُدْنَا إِلَيْكَ} أي: ملنا إليك ويقال لمن تاب: هاد؛ لأن من تاب من شيء مال عنه.

ثم اختلف فيما تابوا عنه:

1- فقال الليث: سميت اليهود يهوداً اشتقاقاً من هادوا أي: تابوا من عبادة العجل، فعلى هذا القول لزمهم هذا الاسم في ذلك الوقت.

2- وقال غيره: سموا بذلك؛ لأنهم مالوا عن دين الإسلام، وعن دين موسى عليه السلام ، فعلى هذا إنما سموا يهوداً بعد أنبيائهم.

3- وقال ابن الأعرابي يقال هاد إذا رجع من خير إلى شر ومن شر إلى خير، وسموا اليهود بذلك لتخليطهم وكثرة انتقالهم من مذاهبهم.

4- وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال سميت اليهود لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة، وعلى هذا: التهود تفعل من الهيد بمعنى الحركة، يقال: هدته أهيده هيداً كأنك تحركه ثم تصلحه.

5- وقيل: اليهود معرب يهوذا بن يعقوب عليهما السلام  بالذال المعجمة عرب ثم نسب الواحد إليه.

6-ويقال: هاد إذا دخل في اليهودية، وتهود إذا تشبه بهم ودخل في دينهم، وهود إذا دعي إلى اليهودية، ومنه الحديث ((فأبواه يهودانه.)) ([83])

وقال البخاري :"هادوا صاروا يهوداً، وأما قوله: (هدنا) تبنا هائد تائب."([84])

وقال ابن منظور: "الهَوْدُ: التَّوْبَةُ هادَ يَهُودُ هَوْداً و تَهَوَّد: تابَ ورجع إِلـى الـحق فهو هائدٌ. وقومٌ هُودٌ: مِثْلُ حائِلٍ وحُولٍ وبازِلٍ وبُزْلٍ؛ قال أَعرابـي: إِنِّـي امرُؤٌ مِنْ مَدْحِه هائِدُ وفـي التنـزيل العزيز: {إِنَّا هُدْنا إِلـيك} أَي تُبْنا إِلـيك وهو قول مـجاهد وسعيد بن جبـير وإِبراهيم. قال ابن سيده: عدّاه بإِلـى لأَن فـيه معنى رجعنا، وسميت الـيهود اشتقاقاً من هادُوا أَي تابوا وأَرادوا بالـيَهُودِ الـيَهُودِيِّـينَ ولكنهم حذفوا ياء الإِضافة.

قال سيبويه: "وفـي الـحديث: ((كلُّ مَوْلُود يُولَدُ علـى الفِطْرَةِ حتـى يكون أَبواه يُهَوِّدانِه أَو يُنَصِّرانِه.)) ([85]) ؛ معناه أَنهما يعلـمانه دين الـيهودية والنصارى ويُدْخلانه فـيه. و التَّهْوِيدُ: أَن يُصَيَّرَ الإِنسانُ يَهُودِيَّاً. وهادَ و تَهَوَّد إِذا صار يهوديَّا. ([86])

وهذا الذي دلل له علماء اللغة هو الذي وردت به الآثار عن السلف رحمهم الله فإضافة الى الآثار السابقة, أخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الله بن مسعود _ قال: ((نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية بكلمة موسى عليه السلام  إنا هدنا إليك، ولم تسمت النصارى بالنصرانية من كلمة عيسى عليه السلام  كونوا أنصار الله.)

وقال أنه المروي عن أبى الطفيل، وأبى العالية، ومجاهد وسعيد بن جبير، وإبراهيم التيمي، والنخعي، وعكرمة، وعطاء الخراساني، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة. ([87])

وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود _ قال: ((نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية ولم تسمت النصارى بالنصرانية إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هدنا إليك فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود، وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية.)) ([88])

وقد ورد ذكراليهود في القرآن الكريم ثمان مرات بلفظة اليهود وهو الاسم الذي يصفهم به الرسول صلى الله عليه وسلم  وهو ما يطلق عليهم إلى اليوم.

 نشأتهـــم :

            تعود بداية اليهود كأمة ذات تاريخ وعقيدة إلى تلك الفترة التي أرسل الله تعالى فيها نبيه موسى - عليه السلام  - إليهم بالتوراة لهدايتهم وتخليصهم من عبادة ماسواه.

            واليهود هم تلك الأمة التي نشأت في مصر إثر استقرار أبناء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام  فيها. فقد عاشوا فيها حياة مستقرةً منذ عهد يوسف بن يعقوب عليهما السلام  وتكاثروا في مصر وتناسلوا وصاروا الطبقة العاملة عند الأقباط.

            ثم إن فرعون رأى في منامه ,كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس, فأحرقت دور مصر, وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل, فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والحذقة والسحرة وسألهم عن ذلك فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النساء، وهو قولـه تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [سورة الأعراف 7/141].

            واستمر الحال على هذا إلى أن "شكا القبط إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور، وخشوا أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار فيصيرون هم الذين يلون ماكان بنو إسرائيل يعالجون، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً وأن يتركوا عاماً."

  وفي عام المسامحة ولد هارون عليه السلام  وفي عام القتل ولد موسى عليه السلام  وأراد الله تعالى لموسى أن يعيش في بيت فرعون نفسه يقول عز وجل : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ  = 7  فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناًً} [سورة القصص 28/7] .

            وقد صدق الله وعده لأم موسى حينما بعثه إلى فرعون وبنى إسرائيل يدعوهم لعبادته. حيـث آمنـوا بـه وخرجـوا معـه من مصـر على إثـر الاضطهاد الذي لحق بهم من فرعون مصر ثم لم يلبثوا أن ارتدوا إلى عبادة العجل يقول تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [سورة البقرة 2/93].

وبسبب قسوة قلوبهم وعصيانهم فرض الله تعالى عليهم التيه قال تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاتَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [سورة المائدة 5/26]. وفي هذه الفترة توفى موسى  عليه السلام  ولم يدخل الأرض المقدسة ودخلها بنو إسرائيل بعد ذلك بقيادة نبي الله يوشع بن نون عليه السلام .

 الأسماء التي اشتهروا بها

            أُطلق على اليهود من خلال تاريخهم الطويل عدة أسماء مشهورة مثل:

1- العبريين أو العبرانيين

2- وأيضاً ورد في القرآن الكريم بعضاً من أسمائهم مثل: بنو إسرائيل.

3- وأهل الكتاب الذي يطلق عليهم بالاشتراك مع النصارى.

4- وأما في العصر الحديث فقد ظهر لهم اسم آخر هو : بنو صهيون أو أحباء صهيون ومنه الصهيونيون .

            ولكلٍ من هذه الأسماء معنى وسبب من أجله سموا به، ولكنها في النهاية تدل في الأغلب على أتباع الدين الذي جاء به موسى-عليه السلام -.

وتفصيلها كما يلي:

 أولاً: اليهــود:

هو من الأسماء المشهورة ويستخدم للدلالة على أتباع موسى - عليه السلام - وقد ورد ذكره في القرآن الكريم حوالي ثمان مرات بلفظة اليهود وقد اختلف في اشتقاق هذه الكلمة على رأيين :

1- الأول : أنها نسبة إلى صفة الندم والتوبة وهو الهود المذكور في قولـه تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} وهي بذلك تكون نسبة إلى كلمة عربية.

            ومعنى هدنا: "أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك" ([89]) قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا} يقول القرطبي: "وأجاز الفراء أن يكون هوداً بمعنى يهودياً حذف منه الزائد وأن يكون جمع هائد." ([90]) وعند ابن منظور أن الهود هو: "التوبة هاد يهود هوداً وتهود: تاب ورجع إلى الحق فهو هائد ... ... والهود: اليهود هادوا يهودون هوداً وسميت اليهود اشتقاقاً من هادوا أي تابوا ... ... وهود الرجل: حولـه إلى ملة يهود قال سيبويه: وفي الحديث: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه))([91]) معناه: أنهما يعلمانه دين اليهودية والنصارى ويدخلانه فيه والتهويد أن يصير الإنسان يهودياً." ([92])

2- أما الرأي الثاني : أنه نسبة إلى إسم يهوذا وهو الإبن الرابع ليعقوب عليه السلام "ويهوذا إسم عبري معناه حمد." ([93])

والكثيرون على أنه نسبة إلى الهود وهو التوبة والرجوع إلى الحق وهو الحق كما صح في الآثار. يذكر الشهرستاني ذلك فيقول: "هاد الرجل: أي رجع وتاب وإنما لزمهم هذا الاسم لقول موسى عليه السلام  {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}" ([94])

وقد وردت صيغ عديدة في القرآن لكلمة (اليهود):

هادوا: وقد وردت عشر مرات مسبوقة دائماً بالاسم الموصول:{الذين هادوا}

هدنا: ووردت مرة واحدة في معرض إقرارهم وتوبتهم وهم من اختارهم موسى للقاء الله.

هود: وردت ثلاث مرات وكلها في البقرة.

 ثانياً: العبرانيون :

عرف اليهود في تاريخهم القديم باسم العبريين، حيث لم تكن لفظتي اليهود، أو بني إسرائيل قد شاعتا بعد، واختلفت آراء الباحثين حول أصل التسمية على أقوال أهمها: نسبة العبريين إلى فعل العبور والتنقل. يقول الدكتور: أحمد سوسه: "وقد ظلت هذه التسمية أي تسمية عبري وعبراني تطلق على الجماعات من القبائل النازحة من البادية ومن جهة فلسطين إلى مصر، وعلى هذا الأساس صار المصريون يسمون الإسرائيليين بالعبرانيين باعتبارهم من تلك الجماعات البدوية."([95])

 ثالثاً: بنو إسرائيل :

سمى الله نبيه: يعقوب بن إسحق بن إبراهيم - عليهم السلام  - إسرائيل فقال تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَـزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 93 } [سورة آل عمران 3/93] وقد ذُكِرَ هذا الاسم في القرآن إحدى وأربعين مرة, خمساً وعشرين مرة في السور المكية, وستة عشر مرة في السور المدنية.

وجاء في تاج العروس: "وإسرال: هو مخفف عن إسرائيل ومعناه: صفوة الله وقيل عبد الله وهو يعقوب عليه السلام ." ([96]) وقال السدي أن معناه"سري الله" ([97])

وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما : ((.. ولم يكن من الأنبياء من لـه اسمان إلا إسرائيل وعيسى عليهما السلام  فإسرائيل يعقوب وعيسى المسيح.)) ([98])

            أما بنو إسرائيل فهم: رأوبين - شمعون - لاوي - يهوذا - يساكر - زبولون - يوسف - بنيامين - جاد - أشير - دان - نفتالي .([99])

            وقد كون هؤلاء ونسلهم ماعرف فيما بعد بالأسباط الاثني عشر، وفي عهد رحبعام بن سليمان انقسمت مملكة اليهود إلى قسمين:

1- أحدهما: مملكة بني إسرائيل في الشمال، وعاصمتها شكيم وتتكون من جميع قبائل بني إسرائيل ما عدا قبيلتي يهوذا وبنيامين اللتين كونتا المملكة الجنوبية.

2- مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم.

و عندما يطلق القرآن عليهم لفظ بني إسرائيل فإن هذا يكون في معرض المدح لهم، والتذكير بفضل الله تعالى عليهم، ورضاه عنهم، وماينبغي أن يكونوا عليه، يقول الله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْـزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} [سورة البقرة 2/40-41].

وينسب القرآن من آمن منهم إلى هذه النسبة مثل قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  = 10 } [سورة الأحقاف 46/10] في من قال أنها نـزلت في عبد الله بن سلام _ كما في الصحيحين عن عامر بن سعد عن أبيه قال: ((ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام _)) قال: وفيه نـزلت {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [سورة الأحقاف 46/10] ([100]) ، ومن جنس قولـه تعالى: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ  = 197 } [سورة الشعراء 26/197]

قال الطبري : "عني بعلماء بني إسرائيل في هذا الموضع: عبد الله بن سلام ومن أشبهه ممن كان قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم  من بني إسرائيل في عصره." ([101])

            واليهود اليوم يطلقون على أنفسهم بني إسرائيل وذلك للدلالات الدينية الخاصة حيث تربطهم بيعقوب نسباً، وحتى يخلعوا على أنفسهم بهذا الوصف معنى القوة والقدرة واكتساب صفات الغلبة، ليتيسر لهم أن يحيوا الحياة التي يريدون، وبالأسلوب الذي يحبونه، وتتعلق به عواطفهم ويتفق واستعدادهم." ([102])

وأما تفصيل وجهة نظرهم الخاطئة فهي كالتالي:

تنسب تسمية "إسرائيل" إلى يعقوب عليه السلام ، حيث ترد في التوراة قصة مفادها أنه خاض عراكاً ضد رجل حتى مطلع الفجر عند جدول صغير في منطقة الأردن يدعى "يبوق"، ولما رأى الرجل أنه لا يقدر عليه، طلب منه أن يطلقه، فقال لـه لا أطلقك حتى تباركني، فباركه وقال لـه "لن يدعى اسمك يعقوب من بعد، بل إسرائيل، لأنك صارعت الله والناس وغلبت." ([103]).

ولفظة إسرائيل مكونة من كلمتين ساميتين قديمتين هما: (إسر) : بمعني غلب، و(إيل) : أي الإله أو الله، وقد أصبحت هذه التسمية مصدر فخر من الناحية القومية لبني إسرائيل وأصبحوا ينسبون أنفسهم لها فيقولون: "بيت إسرائيل" أو "آل إسرائيل" أو "بني إسرائيل"، وكثيراً ما يختصرون التعبير فيقولون "إسرائيل" فقط كما رأينا في مأثور التلمود والاسم العبري لفلسطين هو "إيرتس يسرائيل" أي "أرض إسرائيل".

وبالرغم من أن تيودور هرتسل زعيم الصهيونية السياسية، ورئيس المؤتمر الصهيوني العالمي الأول الذي عقد في مدينة بال بسويسرا عام 1897، لم يتردد في تسمية كتابه المتضمن لدعوته هذه "دولة اليهود" فإن هذه الدعوة الصهيونية آثرت عند الكتابة عن فلسطين أن تسميها "أرض إسرائيل"، حرصاً على تأكيد انتماء هذه الأرض إلى من يزعمون أنهم أسلافهم الأوائل، وهم أبناء يعقوب، أو "بنو إسرائيل".

وعندما أعلنت الصهيونية قيام دولتها في فلسطين في 15 مايو 1948، أطلقت عليها أسم "إسرائيل" وطبع هذا الاسم في الأعداد الأولى من "الجريدة الرسمية" في رأس صحيفة تدعى "إسرائيل"، ولكن بعد أن قامت موجة من النقد تجاه هذه التسمية قامت الحكومة الإسرائيلية بتغيير الاسم إلى "دولة إسرائيل" وإن كان الشائع هو استخدام الاسم المختصر في جميع أجهزة الإعلام الإسرائيلية.

وقد فضل الصهاينة استخدام هذا الاسم "دولة إسرائيل" لدولتهم، بدلاً من الاسم الذي كان قد اختاره هرتسل وهو "دولة اليهود" لأسباب نذكر منها:

إيجاد تناسق بين اسم الدولة، والاسم العبري لفلسطين، وهو "أرض إسرائيل".

إيثار الصفة العنصرية الكافية في اسم إسرائيل على الصفة الدينية في لفظة اليهود.

عدم الرغبة في التذكير بالحدود القديمة لمملكة يهود البائدة، التي لم تكن تشمل إلا القسم الجنوبي من فلسطين من دون ساحل البحر، مما يمثل قيداً تاريخياً للمطامع التوسعية الاستعمارية للصهاينة الذين يريدون أن يضعوا تحت قبضتهم أوسع رقعة ممكنة من الوطن العربي.

وقد خلقت هذه التسمية عدة مشاكل أمام المشرعين الصهاينة، حيث انتقلت صفة الإسرائيلي من الشعب (وهي صفة مذكرة في العبرية) إلى الدولة (وهي صفة مؤنثة في العبرية)، وهو الانتقال الذي أدى إلى انطباق هذه الصفة على كل من يقيم داخل إسرائيل من العرب والمسلمين والنصارى وأرغم السلطات الإسرائيلية على اعتماد هؤلاء العرب المقيمين فيها في عداد المواطنين الذي يتمتعون بالجنسية الإسرائيلية.

وقد أصبح اليهودي المقيم خارج إسرائيل، وفقاً لقانون العودة، الصادرة في 5 يوليو 1950، هو الآخر "إسرائيلياً".

والخلاصة أن الإسرائيلي وفق هذا المفهوم هو أولاً وأخيراً اليهودي المقيم في إسرائيل واليهودي المقيم خارج إسرائيل أيضاً، بشرط أن يكون صهيونياً متمسكاً بالولاء لإسرائيل، ومن هنا اكتسبت لفظة "إسرائيل" في المصطلح السياسي المعاصر دلالة مختلفة تماماً عن الإسرائيلي قبل الصهيونية، والإسرائيلي في بداوة العبريين الأولى. وقد تجدر الإشارة إلى عدم الخلط في إطار تحديد مفاهيم هذه الاصطلاحات بين اصطلاحات مثل "دولة إسرائيل" و "أرض إسرائيل".

إن "دولة إسرائيل" هي اصطلاح سياسي محدد، بينما "أرض إسرائيل" هي اصطلاح جغرافي فدولة إسرائيل يمكن أن تمتد على كل "أرض إسرائيل" أو على جزء من منها، أو حتى على أجزاء ليست تابعة "لأرض إسرائيل" (مثل شرم الشيخ والجولان على سبيل المثال)، ودولة إسرائيل هي الإطار الحاسم بالنسبة للمبدأ الصهيوني. ([104])

 رابعاً: أهل الكتاب :

هذا الاسم مما أطلق على اليهود ويشترك معهم فيه النصارى. وقد ورد ذكره في القرآن إحدى وثلاثون مرة وقد عرَّفهم الشهرستاني بقوله: "الخارجون عن الملة الحنيفية، والشريعة الإسلامية ممن يقول بشريعة وأحكام وحدود وأعلام، وقد انقسموا إلى من لـه كتاب محقق مثل: التوراة والإنجيل، وعن هذا يخاطبهم التنـزيل بأهل الكتاب..."([105]).

            وعلى تعريف الشهرستاني هم إذن من أنـزل عليهم كتاب سماوي وأرسل فيهم الرسل، وقد كان يقابلهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم الأمميين الذين كانوا على عبادة الأوثان والأصنام فأطلق عليهم هذا الاسم لتمييزهم عنهم، وقد ورد ذكر هذه التسمية في القرآن في معرض الإنكار عليهم، وتذكيرهم بما يجب أن يكونوا عليه، مثل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة آل عمران 3/64] الآية. وقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [سورة آل عمران 3/70] وغيرها من الآيات.ولكن سياق الآيات وأسباب النـزول الواردة فيها تحدد -غالباً-المقصود بأهل الكتاب.

 خامساً: بنو صهيون :

وهذا أيضاً من الأسماء التي تطلق على اليهود، وهو ما تنتسب إليه غالب طوائف اليهود اليوم، وكلمة صهيون هي نسبة الى المنطقة أو الجبل المطل على البيت المقدس. كما في الأثر الذي ساقه الطبري بسنده عن وهب بن منبه قال: ((لما اشتملت مريم على الحمل كان معها قرابة لها يقال لـه يوسف النجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، فكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد في ذلك الزمان، وكان لخدمته فضل عظيم، فرغبا في ذلك فكانا يليان معالجته بأنفسهما، تحبيره وكناسته وطهوره وكل عمل يعمل فيه، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحد أشد اجتهاداً وعبادة منهما. ([106])

وقال عنه ياقوت الحموي: "موضع معروف بالبيت المقدس محلة فيها كنيسة صهيون، وصهيون أيضاً حصن حصين من أعمال سواحل بحر الشام من أعمال حمص." ([107])

            وجاء في قاموس الكتاب المقدس: "صهيون: رابية من الروابي التي تقوم عليها أورشليم، ورد ذكرها للمرة الأولى في العهد القديم كموقع لحصن يبوسي، فاحتل داود الحصن وسماه مدينة داود، وإليها أتي بالتابوت فمنذئذ صارت الرابية مقدسة." ([108])

وأما الصهيونية فهي: منظمة يهودية تنفيذية، مهمتها تنفيذ المخططات المرسومة لإعادة مجد بني إسرائيل -اليهود- وبناء هيكل سليمان، ثم إقامة مملكة إسرائيل ثم السيطرة من خلالها على العالم تحت ملك (ملك يهوذا) المنتظر.

- وقد ظهر مصطلح الصهيونية (Zionism) لأول مرة على يد الكاتب الألماني ناثان برنباوم سنة 1893م.

- في عام 1882م ظهرت في روسيا لأول مرة حركة عرفت باسم ( حب صهيون ) وكان أنصارها يتجمعون في حلقات اسمها (أحباء صهيون) وقد تم الاعتراف بهذه الجماعات في عام 1890م تحت اسم " جمعية مساعدة الصناع والمزارعين اليهود في سوريا وفلسطين وإحياء اللغة العبرية.

- الصهيونية الحديثة وهي الحركة المنسوبة إلى تيودور هرتزل الصحفي اليهودي المجري ولد في بودابست في 2/5/1860م، حصل على شهادة الحقوق من جامعة فينا 1878م، وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم بدءاً بإقامة دولة لهم في فلسطين. وقد فاوض السلطان عبد الحميد بهذا الخصوص في محاولتين، لكنه أخفق، عند ذلك عملت اليهودية العالمية على إزاحة السلطان وإلغاء الخلافة الإسلامية.

- وقد أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عاملي سنة 1897م، مستغلاً محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي دريفوس الذي اتهم بالخيانة 1894م لنقله أسراراً عسكرية من فرنسا إلى ألمانيا، لكن ثبتت براءته فيما بعد ونجح هرتزل من تصوير المأساة اليهودية في زعمه من خلال هذه الواقعة الفردية وأصدر كتابه الشهير الدولة اليهودية الذي أكسبه أنصاراً لا بأس بعددهم، مما شجعه على إقامة أول مؤتمر صهيوني في بال بسويسرا 29-31/8/47 وقد علق عليه بقولـه : "لو طلب إلى تلخيص أعمال المؤتمر فإني أقول بل أنادي على مسمع من الجميع إنني قد أسست الدولة اليهودية." ونجح في تجميع يهود العالم حولـه، كما نجح في جمع دعاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ العالم وهي بروتوكولات حكماء صهيون المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها، ومن ذلك الوقت أحكم اليهود تنظيماتهم وأصبحوا يتحركون بدقة ودهاء وخفاء لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها واضحة للعيان في زماننا هذا.

وللمنظمة الصهيونية جانبان مهمان :ديني وسياسي

أما الجانب الديني فيتلخص فيما يلي :

1- إثارة الحماس الديني بين أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم، لعودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة ( أرض فلسطين).

2- حث سائر اليهود على التمسك بالتعاليم الدينية والعبادات والشعائر اليهودية والالتزام بأحكام الشريعة اليهودية.

3- إثارة الروح القتالية بين اليهود، والعصبية الدينية والقومية لهم للتصدي للأديان والأمم والشعوب الأخرى.

أما الجانب السياسي فيتلخص فيما يلي:

1- محاولة تهويد فلسطين (أي جعلها يهودية داخلياً) وذلك بتشجيع اليهود في جميع أنحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين وتنظيم هجرتهم وتمويلها، وتأمين وسائل الاستقرار النفسي والوظيفي والسكني وذلك بإقامة المستوطنات داخل أرض فلسطين (وهي عبارة عن مجمعات سكنية حديثة كاملة المرافق تمولها الصهيونية من تبرعات اليهود والدول الموالية لهم في العالم)، وتوطيد الكيان اليهودي الناشئ في فلسطين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

2- تدويل الكيان الإسرائيلي في فلسطين عالمياً ، وذلك بانتزاع اعتراف أكثر دول العالم بوجود دولة إسرائيل في فلسطين وشرعيتها، وضمان تحقيق الحماية الدولية لها، وفرضها على العالم، وعلى المسلمين على وجه الخصوص. لذلك نجد أن الصهيونية تقوم بدور رئيس في دفع أمريكا وروسيا وأكثر الدول في أوربا لحماية إسرائيل سياسياً وعسكرياً ودعمها اقتصادياً وبشرياً، فبالرغم من أن أمريكا ودول أوربا - دول نصرانية - ، وبالرغم من أن روسيا شيوعية تحارب الأديان وبالرغم –أيضاً- من أن شعوب هذه الدول تكره اليهود بحق إلا أنها لا تزال تحمي دولة إسرائيل وتدعمها. وما ذك إلا بتأثير الصهيونية الواضح.

3- متابعة وتنفيذ المخططات اليهودية العالمية السياسية والاقتصادية، خطوة بخطوة، ووضع الوسائل الكفيلة بالتنفيذ السريع والدقيق لهذه المخططات، ثم التهيئة لها إعلامياً وتمويلها اقتصادياً، ودعمها سياسياً.

4- توحيد وتنظيم جهود اليهود في جميع العالم أفرادً وجماعات ومؤسسات ومنظمات، وتحريك العملاء والمأجورين عند الحاجة لخدمة اليهود وتحقيق مصالحهم ومخططاتهم.

هذه أهم أهداف وأساليب الصهيونية بإيجاز. ([109])


 المبحث الثاني: الآثار الواردة في منـزلتهم ونعم الله عليهم.

وفيه سبعة مطالب:

 المطلب الأول:تفضيلهم على العالمين:

 الآثـــــار:

قوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ  = 47 } [سورة البقرة 2/47]

19-727 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر وحدثنا الحسن بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: فضلهم على عالم ذلك الزمان.‏([110])

20-728- حدثني المثنى قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالماً.‏ ([111])

21-729- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: قال مجاهد في قوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: على من هم بين ظهرانيه. ([112])

22-730- وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قول الله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ  = 47 } قال: عالم أهل ذلك الزمان. وقرأ قول الله: {وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ  = 32 } [سورة الدخان 44/32] قال: هذه لمن أطاعه واتبع أمره وقد كان فيهم القردة وهم أبغض خلقه إليه وقال لهذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ  = 110 } [سورة آل عمران 3/110] قال: هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه. ([113])

قوله تعالى: { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ  = 20 } [سورة المائدة 5/20]

23-9083 - حدثنا سفيان بن وكيع قال: ثنا أبي عن سفيان عن رجل عن مجاهد: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ  = 20 } قال: المن والسلوى والحجر والغمام. ([114])

24-حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ  = 20 } يعني أهل ذلك الزمان المن والسلوى والحجر والغمام.‏ ([115])

قولـه تعالى: {وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ  = 32 } [سورة الدخان 44/32] 

25-24083- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة {وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ  = 32 } أي اختيروا على أهل زمانهم ذلك ولكل زمان عالم. ([116])

قولـه تعالى: {أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ  = 154 } [سورة الأعراف 7/154]

26-11752 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ = 154 } قال: رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون: أي آخرون في الخلق سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظراً حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه - قال قتادة: وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم - قال: رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ويقاتلون فصول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ثم يؤجرون عليها وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً فأكلتها، وإن ردت عليه تركت تأكلها الطير والسباع، قال: وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم قال: رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت لـه حسنة فإن عملها كتبت لـه عشر أمثالها إلى سبعمائة رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها فإذا عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام  نبذ الألواح وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد! قال: فأعطي نبي الله موسى عليه السلام  ثنتين لم يعطهما نبي قال الله: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ  = 144 } [سورة الأعراف 7/144] قال: فرضي نبي الله. ثم أعطي الثانية: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ  = 159 } [سورة الأعراف 7/159] قال: فرضي نبي الله عليه السلام  كل الرضا.([117])


 الدراســــة:

يذكر الله تبارك وتعالى لبني إسرائيل ما منّ به على أسلافهم يوم أطاعوا أمره واتبعوا نبيه، وأن هذا مآلهم لو اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقد فضلهم بالتوحيد والطاعة على أهل زمانهم، وهو المراد بهذه الآيات كما صرح بهذا جمع من السلف، كمجاهد وأبي العالية و قتادة كما في الآثار السابقة.

وليس في هذه الآيات حجة لمن أراد تنـزيلها على اليهود في كل الأزمان لما يلي:

1- روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: ((ألا إنكم وفيتم سبعين أمة" قال يعقوب في حديثه: "أنتم آخرها". وقال الحسن: "أنتم خيرها وأكرمها على الله)) .([118])

قال الطبري رحمه الله : "فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم  أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأن معنى قوله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} وقوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ما بينا من تأويله.

 وقد قال الطبري في أول الآيات: "ويعني بقوله {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أني فضلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم؛ إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء، والنعم عند الآباء نعماً عند الأبناء؛ لكون الأبناء من الآباء، وأخرج جل ذكره قوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} مخرج العموم وهو يريد به خصوصاً؛ لأن المعنى وأني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه." ([119])

2- ولقولـه تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِوَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران 3/110] ، فقولـه {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم} يعلن أنهم غيرمقصودين بالتفضيل المطلق، بل هي دعوة لهم للتفضيل بدخولهم لهذا الدين، وهكذا يدور التفضيل مع التوحيد، فيوم أن كانوا موحدين وغيرهم مشرك فضلوا، ولماّّ جاءهم الحق وتركوه صاروا المغضوب عليهم.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم  هذه المسألة فقال: ((إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط، فعملت اليهود على قيراط قيراط، ثم عملت النصارى على قيراط قيراط، ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء.)) ([120])

 منطلق اليهود في دعواهم:

ينطلق اليهود في نظرتهم لغيرهم من الأمم - وخاصة المسلمين - من خلال أمرين هما:

1 - الادعاء بالاصطفاء والاختيار والتفضيل لهم من الله - تبارك وتعالى - وتبعاً لذلك فهم يقولون بالأمر الثاني.

2 - أحقيتهم في أرض فلسطين باعتبارها الأرض التي وُعد بها آباؤهم من قبل (إبراهيم - إسحاق - يعقوب عليهم السلام ).

            ولكي تتضح صورة موقف العهد القديم من الأمم الأخرى كان لابد من مناقشة هذين الأمرين:

 أولاً: الإدعاء بالاصطفاء والتفضيل :

            ينظر اليهود إلى أنفسهم باعتبارهم مختارون ومفضلون على الناس جميعا،ً وأن هذا التفضيل جاء بناءً على اختيار واصطفاء من الله - تبارك وتعالى - ورد ذلك في نصوص العهد القديم كثيراً، ومن أمثلته ماجاء في سفر الخروج : "والآن إن امتثلتم أوامري وحفظتم عهدي، فإنكم تكونون لي خاصة من جميع الشعوب، لأن جميع الأرض لي، وأنتم تكونون لي مملكة أحبار وشعباً مقدساً"([121]).

            وأيضاً ماورد في سفر التثنية : "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وإياك اصطفى الرب إلهك أن تكون لـه أمة خاصة من جميع الأمم التي على وجه الأرض." ([122])

            وجاء فيه أيضاً: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك وقد اصطفاك الرب لتكون لـه شعباً خاصاً على جميع الشعوب التي على وجه الأرض." ([123])

 الرد علي هذا الإدعاء :

            أثبتت نصوص التوراة - كما مرَّ سابقاً - أفضلية بني إسرائيل على غيرهم وعند مناقشة هذا الأمر فإنه لابد من ورود بعض التساؤلات مثل:

·       هل حقاً فُضِّل بني إسرائيل على غيرهم؟

·       وإذا كان الأمر كذلك فمتى كان هذا التفضيل؟ وهل يصح أن يُطلق أمره بدون ضوابط؟ وماهي هذه الضوابط ؟

·       ثم هل التزم بها اليهود لتصح مقالتهم بأنهم شعب الله المختار؟

الحقيقة أن نصوص القرآن الكريم أثبتت أن بني إسرائيل فضلوا على غيرهم من الناس، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم يقول - تعالى - في سورة البقرة: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة 2/47] وفي سورة البقرة أيضاً جاء قولـه -تعالى- {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة 2/122] وفي سورة الأعراف أيضاً: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف 7/140] وفي سورة الجاثية: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَن} [سورة الجاثية 45/16] .

ففي الآيات السابقة أثبت القرآن الكريم مسألة تفضيل بني إسرائيل على العالمين، بل إن الله تعالى أنعم عليهم بأن جعل منهم أنبياء وملوكاً، وآتاهم مالم يؤت أحداً من العالمين، يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [سورة المائدة 5/20] ([124]).

إذن قضية التفضيل صحيحة ومسلم بها بنص القرآن الكريم، لكن متى كان بنو إسرائيل يتميزون عن غيرهم؟ الواقع أن ذلك الأمر كان حين لم يكن على وجه الأرض مؤمن سواهم، فقد كانت الأرض -على وقتهم- تعج بالوثنية وعبادة غير الله -تعالى- خاصة في مصر التي كان يسكنها بنو إسرائيل قبل خروجهم منها على يد نبي الله الكريم موسى - عليه السلام -، فقد كانوا الفئة المؤمنة الموحدة بالله -تعالى-، وكانوا أيضاً الأمة المستضعفة التي تعاني من فرعون وظلمه - كما أخبر بذلك القرآن الكريم-، وتبعاً لإيمانهم والتزامهم بما شرع الله -تعالى- كان تفضيلهم، ومع هذا فإن إطلاق أمر الاصطفاء والاختيار بدون قيود أو شروط أمر لايصح؛ إذ أن لهذا الاختيار والتفضيل شروط لم يلتزم بها بنو إسرائيل، فالله -تبارك وتعالى- فضلهم بشرط الإيمان به -سبحانه وتعالى-، والالتزام بما شرعه لهم وأوصاهم به، فبتحقيق هذين الأمرين يكون لبني إسرائيل الفضل على غيرهم في ذلك الوقت، والذي عليه واقع بني إسرائيل بعد ذلك أنهم لم يلتزموا بما أمرهم به الله -تبارك وتعالى-، بل نقضوا ماعاهدوا الله عليه، وأول مانقضوا -الوصايا العشر- التي أوصاهم بها -سبحانه-، فقد ورد في التوراة: "لاتقتل لاتزن لاتسرق لاتشهد على قريبك شهادة زور لاتشته بيت قريبك لاتشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك." ([125]) وأيضاً: "لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد على صاحبك شهادة زور لا تشته زوجة صاحبك ولا تشته بيته ولا حقله ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لصاحبك." ([126])

            فالأساس الذي شرعه الله -تبارك وتعالى- من أن تفضيلهم لم يكن إلا بسبب إيمانهم وتقواهم، فمتى ماتركوا ذلك انتقض حقهم في التفضيل والاختيار، فالميزان في ذلك هو: الالتزام بالإيمان بالله -تعالى- وحده لاشريك لـه، والقيام بما شرع، وأداء ما أمر به. وهكذا كان تفضيل الله لهم لأنهم آمنوا حيناً ببعض الأنبياء، وعرفوا نور التوحيد في الوقت الذي كانت فيه معظم الشعوب مُعرضة عن عبادة الله، فلم يكن اختيار الله لهم بسبب العنصر أو العرق أو النوع أو اللون أو غير ذلك من أباطيلهم، وإنما كان تكليفاً لبني إسرائيل، واختياراً وابتلاءً أيشكرون أم يكفرون، ولهذا قرن القرآن الكريم بين آيات الاختيار والاختبار معاً فقال: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ  = 32  وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ  = 33 } [سورة الدخان 44/32-33] والبلاء هو الاختبار والله قد يختبر عباده بالنعم، كما يختبرهم بالنقم، ولكن اليهود سقطوا في امتحانهم، فلم يشكروا نعمة اختيار الله لهم، وإنما انحرفوا عن منهج الله، وحرفوا كتبه، وكذبوا رسله، وهنا غضب الله عليهم ولعنهم وعدد مساوئهم وكفرهم، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ  = 78  كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ  = 79 } [سورة المائدة 5/78-79] كما يناقشهم القرآن في دعواهم مناقشة منطقية فيقول: {قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ  = 6  وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ  = 7 } [سورة الجمعة 62/6-7] فاليهود يدّعون أن الله قد أفردهم بولايته وحبه واختياره، ولكن القرآن يصف كلامهم بأنه مجرد زعم باطل، ومع ذلك يطلب منهم أن يتمنوا الموت لكي يسارعوا إلى لقاء الله الذي يحبهم إن كانوا صادقين، بل يعقب في صراحة ووضوح بأن واحداً منهم لن يتمنى الموت لأنهم يعلمون أنهم كاذبون في دعواهم. ([127])

            إذن يتضح من ذلك أن مسألة التفضيل حقيقة - ولكن ليس على إطلاقها- إنما لها شروطها التي لم يلتزم بها بنو إسرائيل فمن الشروط: الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، فمن آمن بالله والتزم سواءٌ من بني إسرائيل أم من غيرهم فله الفضل على غيره، فأساس التفاضل إنما هو عبادة الله -تعالى-، فأكرم الناس أتقاهم كما أخبر عن ذلك القرآن الكريم، يقول -تبارك وتعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات 49/13] 

            وعلى هذا تكون أمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس، يقول تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [سورة آل عمران 3/110] وهي خيرية ليست على إطلاقها أيضاً وإنما باستيفاء شروطها، وهي: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران 3/110].

            يقول ابن كثير رحمه الله : " فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: ((بلغنا أن عمر بن الخطاب _ في حجة حجها رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها.)) ([128]).

            ثم إن نص التوراة يؤكد على هذه الشروط فقد جاء فيه: "والآن إن امتثلتم أوامري وحفظتم عهدي ..." ([129]). وهو مايدل حقيقة على أن التفضيل هو بسبب الامتثال لشرع الله -تعالى- وأوامره لا لشيء آخر.

            ووردت أيضاً نصوص أخرى تدل على هذا المعنى منها: "وإن نسيت الرب إلهك، واتبعت آلهة غريبة وعبدتها، وسجدت لها، فأنا شاهد عليكم اليوم بأنكم تهلكون هلاكاً كالأمم التي أبادها الرب من أمامكم، تهلكون لأجل أنكم لم تسمعوا لصوت الرب إلهكم"([130]). وأيضاً: "انظروا إني تالٍ عليكم اليوم بركة ولعنة: البركة إن سمعتم لوصايا الرب إلهكم، وزغتم عن الطريق التي أنا سانُّها لكم اليوم إلى اتباع آلهة غريبة لم تعرفوها" ([131]). فهذان النصان يدلان على أن امتثال الأوامر بعبادة الله وطاعته هو الركيزة الأساسية للتفضيل وأنه متى ما حاد هؤلاء عن ذلك انتقضت دعواهم بالتفضيل على العالمين فنصوصهم -من كتبهم- شاهدة عليهم.([132])

 المطلب الثاني:كثرة الانبياء فيهم

 الآثـــــــار:

قولـه تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  = 40 }.[سورة البقرة 2/40] 

27-672 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} قال: نعمه عامة، ولا نعمة أفضل من الإسلام والنعم بعد تبع لها. وقرأ قول الله {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 17 } [سورة الحجرات 49/17] ([133])

قولـه تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ  = 49 }.[سورة البقرة 2/49] 

28-747 - حدثنا به العباس بن الوليد الآملي وتميم بن المنتصر الواسطي قالا: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد قال: حدثنا القاسم بن أيوب قال: حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم خليله أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً، وائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذبحوه ففعلوا. فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأن الصغار يذبحون قال: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم فاقتلوا عاماً كل مولود ذكر فتقل أبناؤهم ودعوا عاماً. فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية أمه حتى إذا كان القابل حملت بموسى.‏ ([134])

قولـه تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  = 56 }.[سورة البقرة 2/56] 

29-804 - حدثني بذلك موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي : أي بعثناكم أنبياء. ([135])

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  = 56 }.[سورة البقرة 2/56] 

30-807 - حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط بن نصر عن السدي: لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضاً كما أمرهم به أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بنى إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعداً، فاختار موسى عليه السلام  من قومه سبعين رجلاً على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا. فلما أتوا ذلك المكان {قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} فإنك قد كلمته فأرناه. فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ  = 155 } [سورة الأعراف 7/155] فأوحى الله إلى موسى عليه السلام  إن هؤلاء السبعين ممن اتخذ العجل فذلك حين يقول موسى: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء... إنا هدنا إليك} وذلك قولـه: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ  = 55 } [سورة البقرة 2/55] ثم إن الله جل ثناؤه أحياهم فقاموا وعاشوا رجلاً رجلاً ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون، فقالوا: يا موسى أنت تدعو الله فلا تسأله شيئاً إلا أعطاك فادعه يجعلنا أنبياء! فدعا الله تعالى فجعلهم أنبياء فذلك قوله: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  = 56 }[سورة البقرة 2/56] ولكنه قدم حرفاً وأخر حرفاً.‏ ([136])

قولـه تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ  = 155 }.[سورة الأعراف 7/155]

31-11772 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا: ثنا يحيى بن يمان قال: ثنا سفيان قال: ثني أبو إسحاق عن عمارة بن عبد السلولي عن علي _ قال: انطلق موسى وهارون وشبر وشبير فانطلقوا إلى سفح جبل، فنام هارون على سرير فتوفاه الله. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفاه الله. قالوا: أنت قتلته حسدتنا على خلقه ولينه - أو كلمة نحوها - قال: فاختاروا من شئتم! قال: فاختاروا سبعين رجلاً. قال: فذلك قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} قال: فلما انتهوا إليه قالوا: يا هارون من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد ولكنني توفاني الله. قالوا: يا موسى لن نعصي بعد اليوم! قال: فأخذتهم الرجفة. قال: فجعل موسى يرجع يميناً وشمالاً وقال: يا {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ  = 155 } قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم.‏ ([137])

قولـه تعالى: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ  = 20 }.[سورة المائدة 5/20] 

32-9071 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ} قال: كنا نحدث أنهم أول من سخر لهم الخدم من بني آدم وملكوا. ([138])

قولـه تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ  = 78 } [سورة غافر 40/78]

33- 23456- حدثنا علي بن شعيب السمسار قال: ثنا معن بن عيسى قال: ثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار عن محمد بن المنكدر عن يزيد بن أبان عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم  بعد ثمانية آلاف من الأنبياء منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل.‏ ([139])


 الدراســــة:

وهذه منة أخرى من الله على بني إسرائيل أن جعل الأنبياء فيهم أرسلهم اليهم وبعثهم منهم وقد ذكّر موسي عليه السلام  بني إسرائيل بذلك يوم أن دعاهم لقتال الجبارين.

ونقل الطبري عن السدي أن المقصود هم السبعون الذين اختارهم موسى عليه السلام  لميقات الله ثم أخذتهم الصاعقة.

قال الطبري: "وتأويل الكلام على ما تأوله السدي: فأخذتكم الصاعقة ثم أحييناكم من بعد موتكم وأنتم تنظرون إلى إحيائنا إياكم من بعد موتكم، ثم بعثناكم أنبياء لعلكم تشكرون. وزعم السدي أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير والمؤخر الذي معناه التقديم.‏" ([140])

ومعلوم أنه لم يبعث في أمة مثل ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء، بل إن الله جعل الأنبياء هم الساسة كما قال صلى الله عليه وسلم : ((كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لانبي بعدي.)) ([141])

و أخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: ((كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة. نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وإبراهيم وإسماعيل وإسحق ومحمد عليهم السلام .)) ([142])

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قلت: ((يا رسول الله أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟)) قال: ((رجل قتل نبياً، أو رجل أمر بالمنكر و نهى عن المعروف.)) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم . {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} [سورة آل عمران 3/21] إلى قولـه {وما لهم من ناصرين} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة وسبعون رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله.)) ([143])

 وأما القول بأن السبعين صاروا أنبياء فلا دليل صحيح يعضده، إذ لم يرد من كان نبياً في زمن موسى عليه السلام  غير أخيه هارون عليه السلام  ومن بعده يوشع ابن نون عليهم السلام  والرواية في ذلك ضعيفة.

قال ابن كثير رحمه الله : "وقد أغرب الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين أنهم بعد إحيائهم قالوا: إنك لا تطلب من الله شيئاً إلا أعطاك فادعه أن يجعلنا أنبياء، فدعى بذلك فأجاب الله دعوته، وهذا غريب جداً إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون." ([144])

وسيرد مزيد من التفصيل في موقف اليهود من الأنبياء في الباب الثاني -بإذن الله-


 المطلب الثالث:جعلهم ملوكـــا:

 الآثـــــار:

قولـه تعالى:{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [سورة البقرة 2/49]

34--747 حدثنا به العباس بن الوليد الآملي وتميم بن المنتصر الواسطي قالا: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد قال: حدثنا القاسم بن أيوب قال: حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس _ قال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم خليله أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً وائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذبحوه ففعلوا. فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأن الصغار يذبحون قال: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم فاقتلوا عاماً كل مولود ذكر فتقل أبناؤهم ودعوا عاماً. فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية أمه حتى إذا كان القابل حملت بموسى. ([145])

قوله تعالى: {اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [سورة البقرة 2/40].

35-672 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} قال: نعمه عامة ولا نعمة أفضل من الإسلام والنعم بعد تبع لها. وقرأ قول الله {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم} [سورة الحجرات 49/17] الآية. وتذكير الله الذين ذكرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم  نظير تذكير موسى صلوات الله عليه أسلافهم على عهده الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم وذلك قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ} [سورة المائدة 5/20]‏ ([146])

قولـه تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ} [سورة البقرة 2/246] 

36-4392 - حدثنا به محمد بن حميد قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال: حدثني محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى عليه السلام  في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله. ثم خلف فيهم كالب بن يوقنا يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله تعالى. ثم خلف فيهم حزقيل بن بوزي وهو ابن العجوز. ثم إن الله قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله. فبعث الله إليهم إلياس بن يس بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبياً. وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة. وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال لـه أخاب، وكان يسمع منه ويصدقه، فكان إلياس يقيم له أمره. وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنماً يعبدونه من دون الله، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله وجعلوا لا يسمعون منه شيئاً، إلا ما كان من ذلك الملك، والملوك متفرقة بالشام، كل ملك له ناحية منها يأكلها. فقال ذلك الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ويراه على هدى من بين أصحابه يوماً : يا إلياس والله ما أرى ما تدعو إليه الناس إلا باطلاً! والله ما أرى فلاناً وفلاناً - يعدد ملوكاً من ملوك بني إسرائيل - قد عبدوا الأوثان من دون الله إلا على مثل ما نحن عليه، يأكلون ويشربون ويتنعمون مالكين ما ينقص من دنياهم، وما نرى لنا عليهم من فضل. ([147])

قولـه تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} [سورة المائدة 5/20]

37-9071 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} قال: كنا نحدث أنهم أول من سخر لهم الخدم من بني آدم وملكوا. ([148])

38-9073 - حدثنا الزبير بن بكار، قال: ثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، قال: سمعت زيد بن أسلم، يقول: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} فلا أعلم إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "من كان له بيت وخادم فهو ملك." ([149])

39-9074 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، أنه تلا هذه الآية: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} فقال: وهل الملك إلا مركب وخادم ودار. ([150])

40-9075 - حدثنا سفيان بن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، قال: أراه عن الحكم: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} قال: كانت بنو إسرائيل إذا كان للرجل منهم بيت وامرأة وخادم، عد ملكاً. ([151])

41-9076 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} قال: البيت والخادم. ([152])

42-9077 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} قال: جعل لكم أزواجاً وخدماً وبيوتاً. ([153])


 الدراســــة:

من المنن العظيمة التي يذكر الله بها بني إسرائيل جعلهم ملوكاً واختلف في المراد بذلك وذكر الطبري- رحمه الله  - ثلاثة أقوال:

1- قيل: وجعلكم ملوكاً سخر لكم من غيركم خدماً يخدمونكم.

2- وقيل: إنما قال ذلك لهم موسى عليه السلام  لأنه لم يكن في ذلك الزمان أحد سواهم يخدمه أحد من بني آدم.

3- وقال آخرون: إنما عنى بقوله: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} أنهم يملكون أنفسهم وأهليهم وأموالهم، بعد الذل والعبودية لفرعون وقومه، وملكهم الدور والمساكن بعد التيه، وأخدمهم الخدم والعبيد بعد أن كانو هم الخدم والعبيد في مصر، فالمرء يشعر بأنه ملك لأنه سيد في نفسه، سيد في تصرفه، وعلى العكس من ذلك الذليل الخاضع الذي لا تصرف لـه في نفسه، ولا يتمتع بحقه الطبيعي في التصرف، فهو عبد مملوك، وشتان بين العبد المملوك والسيد المالك.

"وقد استشكل بعض الناس على الآية: بأنه لم يعرف أن بني اسرائيل على عهد موسى عليه السلام  كان فيهم ملوك وإن وجد فيهم ملوك بعد ذلك، وهذا الاستشكال مبني على فهم أن المراد بالملوك أصحاب السلطة والصولجان، وهو فهم لا يساعد عليه نص الآية، ولا ما جاء في السنة تفسيراً لها. فنص الآية {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} ، ولو كان المراد ملوك السلطان والصولجان لجاء النص: (وجعل فيكم أو منكم ملوكاً)، لأنه لم تجر العادة بأن يكون أفراد الشعوب جميعاً ملوكاً بهذا المعنى، ويؤازر ذلك أن الآية فرّقت في التعبير بين جعل الأنبياء وجعل الملوك فقالت إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} ولا سر لهذا إلا إرادة معنى في جعلهم ملوكاً يصلح أن يقع فيه الفعل على ضمير المخاطبين، وهذا المعنى هو ما ذكرناه من أنهم صاروا أحراراً متصرفين سادة لأنفسهم." ([154])


 المطلب الرابع:نجاتهم من عدوهم وما صاحبها

 الآثـــار

‏قولـه تعالى:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ  = 50 } [سورة البقرة 2/50] 

43-763 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي في قولـه: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} قال: لما خرج موسى عليه السلام  ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون فقال: لا تتبعوهم حتى يصيح الديك. قال: فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا، فدعا بشاة فذبحت ثم قال: لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط. فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط. ثم سار فلما أتى موسى عليه السلام  البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون: أين أمرك ربك يا موسى؟ قال: أمامك! يشير إلى البحر. فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر ([155]) فذهب به ثم رجع فقال: أين أمرك ربك يا موسى؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت! ففعل ذلك ثلاث مرات ثم أوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [سورة الشعراء 26/63] يقول: مثل جبل. قال: ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فلذلك قال: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} قال معمر: قال قتادة: كان مع موسى ستمائة ألف وأتبعه فرعون على ألف ألف ومائة ألف حصان. ([156])

قولـه تعالى :{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى  = 77 } [سورة طـه 20/77] 

44-18273 - حدثني علي قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قولـه: {لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} يقول: {لا تَخَافُ} من آل فرعون {دَرَكاً وَلا تَخْشَى} من البحر غرقاً. ([157])

45-18274 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة {لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} يقول: لا تخاف أن يدركك فرعون من بعدك ولا تخشى الغرق أمامك. ([158])

قولـه تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ  = 52 } [سورة الشعراء 26/52]

46-20222- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا ابن علية عن سعيد الجريري عن أبي السليل عن قيس بن عباد قال: وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بني إسرائيل قال: فحدثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ست مئة ألف قال: وكان مقدمة فرعون سبعة مئة ألف، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة وفي يده حربة وهو خلفهم في الدهم. فلما انتهى موسى عليه السلام  ببني إسرائيل إلى البحر قالت بنو إسرائيل. يا موسى أين ما وعدتنا؟! هذا البحر بين أيدينا وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا! فقال موسى للبحر: انفلق أبا خالد قال: لا لن أنفلق لك يا موسى أنا أقدم منك خلقاً؛ قال: فنودي أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق البحر وكانوا اثني عسر سبطاً. قال الجريري. فأحسبه قال: إنه كان لكل سبط طريق قال: فلما انتهى أول جنود فرعون إلى البحر هابت الخيل اللهب؛ قال: ومثل لحصان منها فرس وديق، فوجد ريحها فاشتد فاتبعه الخيل؛ قال: فلما تتام آخر جنود فرعون في البحر وخرج آخر بني إسرائيل أمر البحر فانصفق عليهم فقالت بنو إسرائيل: ما مات فرعون وما كان ليموت أبداً فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام  قال: فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمر يتراآه بنو إسرائيل. ([159])

قولـه تعالى : {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [سورة الصافات 37/115]

47-22675- حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن السدي في قوله: {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} قال: من الغرق. ([160])

48-22676- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} أي من آل فرعون. وقوله : {وَنَصَرْنَاهُمْ} يقول: ونصرنا موسى وهارون عليهما السلام  وقومهما على فرعون وآله بتغريقناهم {فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} لهم. ([161])

قولـه تعالى : {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [سورة البقرة 2/50] 

49-759 - حدثني موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد قال: حدثنا أسباط بن نصر عن السدي: لما أتى موسى عليه السلام  البحر كناه أبا خالد وضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، فدخلت بنو إسرائيل وكان في البحر اثنا عشر طريقاً في كل طريق سبط ([162])

قولـه تعالى : } وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [سورة البقرة 2/50]

50-764 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: أوحى الله جل وعز إلى موسى عليه السلام  أن أسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون. قال: فسرى موسى ببنـي إسرائيـل لـيلاً، فأتبعهم فرعون فـي ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى فـي ستـمائة ألف، فلـما عاينهم فرعون قال : {إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ  = 54  وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ  = 55  وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ  = 56 } [سورة الشعراء 26/54-56] ، فسرى موسى ببنـي إسرائيـل حتـى هجموا علـى البحر، فـالتفتوا، فإذا هم برَهْج([163]) دوابّ فرعون، فقالوا : يا موسى ، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا! هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا([164]) بـمن معه. قال {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف 7/129]، قال : فأوحى الله جل ثناؤه إلـى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، وأوحى إلـى البحر: أن اسمع لـموسى وأطع إذا ضربك . قال : فبـات البحر له أفكل([165]) - يعنـي له رعدة - لا يدرى من أيّ جوانبه يضربه . قال : فقال يوشع لـموسى : بـماذا أمرت؟ قال : أمرت أن أضرب البحر. قال: فـاضربه. قال: فضرب موسى البحر بعصاه، فـانفلق، فكان فـيه اثنا عشر طريقاً، كل طريق كالطود العظيـم، فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فـيه. فلـما أخذوا فـي الطريق، قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لـموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا! فإنهم علـى طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتـى نراهم.

51-قال سفـيان ، قال عمار الدهنـي([166]) : قال موسى عليه السلام : اللهمّ أعنـي علـى أخلاقهم السيئة. قال: فأوحى الله إلـيه: أن قل بعصاك هكذا، وأومأ بـيده يديرها علـى البحر. قال موسى بعصاه علـى الـحيطان هكذا ، فصار فـيها كُوًى ؛ ينظر بعضهم إلـى بعض.

52-قال سفـيان : قال أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس رضي الله عنهما : فساروا حتـى خرجوا من البحر، فلـما جاز آخر قوم موسى عليه السلام ، هجم فرعون علـى البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون علـى فرس أدهم ذَنُوب حصان([167]). فلـما هجم علـى البحر هاب الـحصان أن يقتـحم فـي البحر، فتـمثل له جبريـل علـى فرس أنثى وديق . فلـما رآها الـحصان تقحّم خـلفها . وقـيـل لـموسى : اترك البحر رَهْوا- قال : طرقاً علـى حاله - قال: ودخـل فرعون وقومه فـي البحر، فلـما دخـل آخر قوم فرعون وجاز آخر قوم موسى أطبق البحر علـى فرعون وقومه فأغرقوا.([168])


 الدراســــة:

يذكر الله تبارك وتعالى ليهود المدينة منته على أسلافهم يوم كانوا مستعبدين عند فرعون وقومه، وكيف أنجاهم منهم وأقر أعينهم بهلاك عدوهم أمامهم، وكيف خلصهم يوم كانوا يسومونهم سوء العذاب يذبحون الذكور ويستبقون الإناث.

قال القرطبي ([169]) {يَسُومُونَكُمْ} قيل معناه:

1- يذيقونكم ويلزمونكم إياه، وقال أبو عبيدة: يولونكم يقال: سامه خطة خسف، إذا أولاه إياها، ومنه قول عمرو بن كلثوم:

أبينا أن نقر الخسف فينا

إذا ما الملك سام الناس خسفاً

2- وقيل يديمون تعذيبكم، فقد جعل فرعون بني إسرائيل خداماً وصناعاً ومن لم يستخدمه ضرب عليه الجزية. ثم أبدلهم الله بالمعجزات على ضعفهم وفقرهم، ففلق لهم البحر معجزة باقية يتلوها الناس إلى يوم القيامة، وأغرق عدوهم الجبار الذي دعاهم إلى عبادته أغرقه وقومه أمامهم.

وفي هذه المعاني من الإشارات ما يلي:

1- نجاة أسلافهم من الهلاك والعذاب من فرعون وقومه نجاة لهم، فهم الخلف الذين ورثوا الكتاب، والدين من بعدهم فليشكروا الله على ذلك وليتبعوا نبيه.

2- تذكير اليهود بما كان عليه سلفهم من الذل والضعف، وعدوهم من الجبروت والعظمة، إلا أن الحق كان معهم والباطل مع خصمهم، ومع ذلك كانت الغلبة والظهور لصاحب الحق مع فقره وضعفه، فلا يغتروا بقوتهم وضعف محمد صلى الله عليه وسلم  وأصحابه فليس لهم إلا متابعته والإيمان بما جاء به.([170])

 قال الحافظ ابن كثير في تفسيره معلقاً على عدد الذين خرجوا مع فرعون: "فأما ما ذكره غير واحد من الإسرائيليات من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس، منها مائة ألف على خيل دهم ، وقال كعب الأحبار: فيهم ثمانمائة ألف حصان أدهم - ففي ذلك نظر . والظاهر أنه من مجازفات بني إسرائيل. والله سبحانه وتعالى أعلم. والذي أخبر به هو النافع، ولم يعين عدتهم إذ لا فائدة تحته، إلا أنهم خرجوا بأجمعهم" ([171])

وفي نجاتهم من عدوهم ,مع قلة عددتهم, وضعفهم, وتشردهم, وكثرة عدوهم وقوته:آية صدق يقيس بها اليهود بين ظهراني الرسول صلى الله عليه وسلم  يوم قدم عليهم المدية , فوجب إيمانهم به. لأن الله سينصره وصحبة ,كما نصر موسى عليه السلام  وقومه, فكان عليهم الاستفادة مما حصل لأسلافهم ولا يجحدوا نعمة الله عليهم.

كما أن فيه تسلية وعبرة وعظة للمسلمين جميعاً، وألا يكونوا في حياتهم مثل بني إسرائيل, بل يلتفوا طائعين منقادين مستسلمين لما يأمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاصة في حالة ضعفهم وقلتهم كما قال تعالى مذكراً صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  بفضله عليهم فقال: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  = 26 } [سورة الأنفال 8/26]

فالواجب الصبر والشكر وسؤال الله النصر.

 المطلب الخامس:بعثهم بعد الموت

 الآثار:

قولـه تعالى:{ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  = 56 } [سورة البقرة 2/56] 

53-806- حدثنا به محمد بن حميد قال: ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال: لما رجع موسى إلى قومه ورأى ما هم فيه من عبادة العجل وقال لأخيه وللسامري ما قال وحرق العجل وذراه في اليم؛ اختار موسى عليه السلام  منهم سبعين رجلاً الخير فالخير وقال: انطلقوا إلى الله عز وجل  فتوبوا إليه مما صنعتم، وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم! فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم. فقال له السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا للقاء الله: يا موسى اطلب لنا إلى ربك لنسمع كلام ربنا! فقال: أفعل. فلما دنا موسى عليه السلام  من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى عليه السلام  فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى عليه السلام  إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونه الحجاب. ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل. فلما فرغ من أمره وانكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة صوابها{فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55)} [سورة البقرة 2/55]وهي الصاعقة فماتوا جميعاً. وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول: {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} [سورة الأعراف 7/155] قد سفهوا أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما تفعل السفهاء منا؟ أي أن هذا لهم هلاك اخترت منهم سبعين رجلاً الخير فالخير أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد فما الذي يصدقوني به أو يأمنوني عليه بعد هذا؟ {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [سورة الأعراف 7/156] فلم يزل موسىناشد ربه عز وجل  ويطلب إليه حتى رد إليهم أرواحهم فطلب إليه التوبة لبني إسرائيل يل من عبادة العجل فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم.‏ ([172])

54-808 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: قال لهم موسى عليه السلام  لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة فوجدهم يعبدون العجل، فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا فتاب الله عليهم، فقال: إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمره الذي أمركم، به ونهيه الذي نهاكم عنه. فقالوا: ومن يأخذ بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا فيقول: هذا كتابي فخذوه! فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى فيقول: هذا كتابي فخذوه؟ وقرأ قول الله تعالى: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة 2/55] قال: فجاءت غضبة من الله عز وجل فجاءتهم صاعقة بعد التوبة فصعقتهم فماتوا أجمعون. قال: ثم أحياهم الله من بعد موتهم وقرأ قول الله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة 2/56] فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله! فقالوا لا فقال: أي شيء أصابكم؟ قالوا: أصابنا أنا متنا ثم حيينا. قال: خذوا كتاب الله! قالوا لا. فبعث الله تعالى ملائكة فنتقت الجبل فوقهم.‏ ([173])

55-809 أ- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قولـه: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ  = 55  ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  = 56 } [سورة البقرة 2/55-56] قال: أخذتهم الصاعقة ثم بعثهم الله تعالى ليكملوا بقية آجالهم. ([174])

56-809ب-حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق قال: ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس في قولـه: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} قال: هم السبعون الذين أختارهم موسى عليه السلام  فساروا معه. قال: فسمعوا كلاماً فقالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} قال: فسمعوا صوتا فصعقوا. يقول: ماتوا. فذلك قوله: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} فبعثوا من بعد موتهم؛ لأن موتهم ذاك كان عقوبة لهم فبعثوا لبقية آجالهم. ([175])

57-796 - وكما حدثنا به القاسم بن الحسن قال: ثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما : {حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} قال: علانية. ([176])

58-800 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} [سورة النساء 4/153] قال: ماتوا. ([177])


 الدراســــة:

من نعم الله على بني إسرائيل أن جعلهم يرون بأعينهم الموت ثم يحييهم بعد ذلك، وهي آية عجيبة، ومنة عظيمة، وإن كان ظاهرها العقوبة ولكنها لم تدم عليهم، وذلك حين اختار موسى عليه السلام  سبعين رجلاً من قومه ليتوبوا الى الله من اتخاذهم العجل، وجعل هارون خليفته على الباقين، وكان الموعد جبل الطور، ([178]) وكان هؤلاء السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام  هم أصلح القوم، فلما جاؤا لميقات الله، وكلم الله نبيه وكليمه عليه السلام  وهم يسمعون وأبت نفوسهم المشبعة بالعناد إلا أن يروا الله جهرة كما قال تعالى : {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [سورة البقرة 2/55] فهلكوا جميعاً، فقام موسى عليه السلام  يعتذر إلى ربه، ويدعوه فاستجاب له ربه قال تعالى : {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [سورة لأعراف 7/155]

وقد وردت أقوال كثيرة في السبب الذي من أجله طلبوا الرؤية، غالبها من الروايات الإسرائيلية. قال الطبري رحمه الله : "فهذا ما روي في السبب الذي من أجله قالوا لموسى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قولـه في سبب قيلهم ذلك لموسى تقوم به حجة فتسلم لهم. وجائز أن يكون ذلك بعض ما قالوه، فإذا كان لا خبر بذلك تقوم به حجة فالصواب من القول فيه أن يقال: إن الله جل ثناؤه قد أخبر عن قوم موسى أنهم قالوا له: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} كما أخبر عنهم أنهم قالوه. وإنما أخبر الله عز وجل  بذلك عنهم الذين خوطبوا بهذه الآيات توبيخاً لهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم  وقد قامت حجته على من احتج به عليه، ولا حاجة لمن انتهت إليه إلى معرفة السبب الداعي لهم إلى قيل ذلك. وقد قال الذين أخبرنا عنهم الأقوال التي ذكرناها وجائز أن يكون بعضها حقاً كما قال." ([179])

وكما قال قتادة وغيره إنما هي عقوبة، وردوا لاستيفاء آجالهم وأرزاقهم ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة. ([180])

والمخاطب هنا هم يهود المدينة واليهود عامة إلى قيام الساعة، ففي تعداد النعم موعظة للجميع، وعبرة لهم، حتى لا يطلبوا من محمد صلى الله عليه وسلم  مثل ما طلب أسلافهم من موسىعليه السلام ، وتذكيراً لسلفهم من اليهود.


 المطلب السادس:تمكينهم من الأرض المقدسة

 الآثــــار:

قولـه تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَـزِيدُ الْمُحْسِنِينَ  = 58 } [سورة البقرة 2/58] 

59-837 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله: {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}قال: بيت المقدس.‏ ([181])

60-838 - حدثني موسى بن هارون قال: حدثني عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} أما القرية فقرية بيت المقدس.‏ ([182])

61-840 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألته يعني ابن زيد عن قوله: {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا} قال: هي أريحا وهي قرية من بيت المقدس.‏ ([183])


 الدراســــة:

قضى الله على بني إسرائيل بعدم دخول الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الصحراء وهو ما عرف( بالتيه) وسيأتي الحديث عنه، قال تعالى : {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [سورة المائدة 5/26] وفي نهاية هذه المدة الطويلة، قال تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَـزَيِدُ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف 7/161]

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم  : واذكر أيضاً يا محمد من خطإ فعل هؤلاء القوم، وخلافهم على ربهم، وعصيانهم نبيهم موسى عليه السلام ، وتبديلهم القول الذي أمروا أن يقولوه حين قال الله لهم: {اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} وهي قرية بيت المقدس، {وَكُلُوا مِنْهَا} يقول: من ثمارها وحبوبها ونباتها {حَيْثُ شِئْتُمْ} منها يقول: أنى شئتم منها {وَقُولُوا حِطَّةٌ} يقول: وقولوا: هذه الفعلة حطة تحط ذنوبنا {نَغْفِرْ لَكُمْ} يتغمد لكم ربكم ذنوبكم التي سلفت منكم فيعفو لكم عنها فلا يؤاخذكم بها. {سَنَـزَيِدُ الْمُحْسِنِينَ} منكم وهم المطيعون لله على ما وعدتكم من غفران الخطايا.

ثم قال: فذكرهم بذلك جل ذكره اختلاف آبائهم، وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم، مع كثرة معاينتهم من آيات الله جل وعز وعبره ما تثلج بأقلها الصدور، وتطمئن بالتصديق معها النفوس؛ وذلك مع تتابع الحجج عليهم، وسبوغ النعم من الله لديهم. وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلهاً غير الله، ومرة يعبدون العجل من دون الله، ومرة يقولون لا نصدقك حتى نرى الله جهرة، وأخرى يقولون لـه إذا دُعوا إلى القتال: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [سورة المائدة 5/24] ومرة يقال لهم: {قُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} [سورة الأعراف 7/161] فيقولون: حنطة في شعيرة ويدخلون الباب من قبل أستاههم، مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم عليه السلام  التي يكثر إحصاؤها. فأعلم ربنا تبارك وتعالى ذكره الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم ، وجحودهم نبوته، وتركهم الإقرار به وبما جاء به مع علمهم به ومعرفتهم بحقيقة أمره، كأسلافهم وآبائهم الذين فصل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى وتوثبهم على نبيهم موسى صلوات الله وسلامه عليه تارة بعد أخرى مع عظيم بلاء الله جل وعز عندهم وسبوغ آلائه عليهم.‏

وبسط ذلك كالتالي:

لما طلب موسى عليه السلام  من بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم، جبنوا عن دخولها، ورفضوا وتعللوا بالقوم الجبارين القاطنين لها،وقالوا أنهم ولن يدخلوها حتى يخرج منها الجبارون، وكان فيهم رجلان ممن يخاف الله، فبينوا لهم أنسب الطرق لدخولها، وما زادهم ذلك غير العناد، بل طلب بنوا إسرائيل من موسى أن يذهب هو وربه فيقاتلا، ومن النعم العظيمة التي يذكّر الله بها اليهود عامة، ما من الله به على أسلافهم، وذلك يوم أن أذن لهم بالخلاص من التيه الذي دام أربعين عاماً، وهي التي حرم الله عليهم فيها الدخول الى الأرض المقدسة، دلهم إلى ما يوجب رجمته والخلاص من عناء التيه والضياع، فأمرهم بالدخول (سجداً) وأن يقولوا (حطة)

قال تعالى : {وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ}.[سورة الأعراف 7/161] 

وقد وعدهم الله بالرزق الرغيد والواسع إن هم أطاعوا أمره.

واختلف في هذه القرية ماهي؟

1- فقيل: بيت المقدس وهو المروي عن السدي والربيع بن أنس وقتادة وأبي مسلم الأصفهاني وغير واحد.([184])

2- وقيل: أريحا ويحكى عن ابن عباس رضي الله عنهما  وعبد الرحمن بن زيد.([185])

3- وقيل : مصر كما حكاه الرازي في تفسيره.

ورجح ابن كثير رحمه الله  أنها بيت المقدس، وقال عن أريحا :هذا بعيد لأنها ليست على طريقهم، وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحاء.

والصحيح الأول أنها بيت المقدس، وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام ، وفتحها الله عليهم عشية جمعة، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلاً حتى أمكن الفتح، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب -باب البلد- ( سجداً ) أي شكراً لله تعالى على ما أنعم عليهم من الفتح والنصر، ورد عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال.

واختلف ي المراد بالسجود في قوله تعالى: {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} على أقوال:

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما  أنه كان يقول في قولـه تعالى: ((أي ركعاً)) وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قولـه {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} قال: ((ركعاً من باب صغير)) ورواه الحاكم ([186]) من حديث سفيان به ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان وهو الثوري به وزاد فدخلوا من قبل أستاههم،

2- وقال الحسن البصري: ((أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم)) واستبعده الرازي.

3-  وحكي عن بعضهم أن المراد ههنا بالسجود: الخضوع لتعذر حمله على حقيقته،

ثم اختلف في المراد بالباب:

1- فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ((كان الباب قبل القبلة)

2- وفي رواية أخرى عنه _ أنه قال: ((هو باب الحطة من باب إيلياء بيت المقدس)) وهو قول مجاهد والسدي وقتادة والضحاك.

 3- وحكى الرازي عن بعضهم أنه عني بالباب جهة من جهات القبلة.

أما طريقة  دخولهم فقال ابن عباس رضي الله عنهما  ((فدخلوا على شق)) وعن عبد الله بن مسعود _ ((قيل لهم أدخلوا الباب سجداً فدخلوا مقنعي رؤسهم أي رافعي رؤسهم خلاف ما أمروا)

أما قوله تعالى {وقولوا حطة}

1- فعن ابن عباس رضي الله عنهما  {وقولوا حطة} قال: ((مغفرة أستغفروا)) وروي عن عطاء والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه

2- وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما  {وقولوا حطة} قال: ((قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم)

3- وقال عكرمة ((قولوا: لا إله إلا الله)

4- وقال الأوزاعي ((كتب ابن عباس رضي الله عنهما  إلى رجل قد سماه فسأله عن قولـه تعالى {وقولوا حطة} فكتب إليه أن أقر بالذنب)

5- وقال الحسن وقتادة: ((أي احطط عنا خطايانا))

وقولـه تعالى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [سورة البقرة 2/59] روى البخاري عن أبي هريرة _ عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ((قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً، وقولوا: حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدلوا وقالوا: حبة في شعرة.)) ([187])

 وروى عبد الرزاق عن أبي هريرة _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قال الله لبني إسرائيل:  ادخلوا الباب سجداً، وقولوا: حطة نغفر لكم خطاياكم، فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم، فقالوا: حبة في شعرة.)) وهذا حديث صحيح رواه البخاري ([188]) عن إسحاق بن نصر ومسلم ([189]) عن محمد بن رافع والترمذي ([190]) عن عبد بن حميد كلهم عن عبد الرزاق به وقال الترمذي حسن صحيح.

وقال محمد بن إسحاق كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة _ وعمن لا أتهم عن ابن عباس رضي الله عنهما  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعيرة)) وقال أبو داود ([191]) حدثنا أحمد بن صالح، وحدثنا سليمان بن داود، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري _، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ((قال الله لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم)) ثم قال أبو داود ([192]).

وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا أحمد بن محمد بن المنذر القزاز حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري _ قال: ((سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى إذا كان من آخر الليل أجزنا في ثنية يقال لها ذات الحنظل)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [سورة البقرة  2/58] )

وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء في قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ} [سورة البقرة  2/142] قال: ((اليهود قيل لهم {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} قال: ركعاً {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} أي مغفرة فدخلوا على أستاههم وجعلوا يقولون حنطة حمراء فيها شعيرة، فذلك قول الله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [سورة البقرة  2/59]

وقال الثوري عن السدي عن أبي سعد الأزدي عن أبي الكنود عن ابن مسعود _: (({وَقُولُواْ حِطَّةٌ} فقالوا: حنطة حبة حمراء فيها شعيرة، فأنـزل الله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}

قال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود _ أنه قال: ((إنهم قالوا هطاً سمعاناً أزبة مزبا فهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء فذلك قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}

وقال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قولـه تعالى: {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} قال: ((ركعاً من باب صغير فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة فذلك قولـه تعالى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} وهكذا روي عن عطاء ومجاهد وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن رافع.

وحاصل ماذكره المفسرون ومادل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأمروا أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على أستاههم، من قبل أستاههم، رافعي رؤسهم، وأمروا أن يقولوا حطة أي احطط عنا ذنوبنا وخطايانا، فاستهزأوا فقالوا حنطة في شعيرة! وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة، ولهذا أنـزل الله بهم بأسه، وعذابه بفسقهم، وهو خروجهم عن طاعته ولهذا قال {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ  = 59 } [سورة البقرة 2/59] وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : ((كل شيء في كتاب الله من الرجس يعني به العذاب)) وهكذا روي عن مجاهد وأبي مالك والسدي والحسن وقتادة أنه العذاب وقال أبو العالية: ((الرجز الغضب)) وقال الشعبي ((الرجز إما الطاعون، وإما البرد)) وقال سعيد بن جبير: ((الطاعون)) وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد يعني ابن أبي وقاص عن سعد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم  قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الطاعون رجز أو عذاب عذب به من كان قبلكم)) وهكذا رواه النسائي ([193]) من حديث سفيان الثوري به وأصل الحديث في الصحيحين ([194]) من حديث حبيب بن أبي ثابت: ((إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها)) الحديث قال ابن جرير أخبرني يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس عن الزهري قال أخبرني عامر بن سعد بن للأبي وقاص عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم)) وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين ([195]) من حديث الزهري ومن حديث مالك عن محمد بن المنكدر وسالم بن أبي النضر عن عامر بن سعد بنحوه.


 المطلب السابع:مضاعفة أجر من آمن منهم

 الآثــــار:

قولـه تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة 2/62]

62-929 - حدثني المثنى قال: ثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}  فأنـزل الله تعالى بعد هذا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}. [سورة آل عمران 3/85] ([196])

قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  = 28 } [سورة الحديد 57/28]

63-26086- حدثني محمد بن سعد. قال: ثني أبي، ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب.([197])

قولـه تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  = 51 } [سورة القصص 28/51]

64-20953 - حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حيان، قال: ثنا حماد، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عطية القرظي قال: نـزلت هذه الآية {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} حتى بلغ {إنا كنا من قبله مسلمين} في عشرة أنا أحدهم، فكأن ابن عباس أراد بقوله: يعني محمداً: لعلهم يتذكرون عهد الله في محمد إليهم، فيقرون بنبوته ويصدقونه. ([198])

65-20956 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} [سورة القصص 28/52] قال: كنا نحدث أنها نـزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق، يأخذون بها، وينتهون إليها، حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم  ، فآمنوا به، وصدقوا به، فأعطاهم الله أجرهم مرتين، بصبرهم على الكتاب الأول، واتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم  ، وصبرهم على ذلك، وذكر أن منهم سلمان، وعبد الله بن سلام. ([199])


 الدراســــة:

وعد الله -تبارك وتعالى - من آمن من اليهود أو النصارى بمضاعفة أجره إن هو أمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم  ويدل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطؤها فأدبها فأحسن أدبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران.)) ([200])

وروى الإمام أحمد بسنده إلى ابن أبي أمامة قال: ((إني لتحت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم  يوم الفتح فقال قولاً حسناً جميلاً.)) وقال فيما قال : ((من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين، وله ما لنا وعليه ما علينا.)) ([201])

ويؤيد ذلك ما ورد في سبب نـزول قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [سورة القصص 28/54] فقد ورد نـزولها في طائفة آمنوا من اليهود كعبد الله بن سلام _ كما مر في الأثر.

وهنا إشكال وهو هل لابد لليهودي أن يؤمن بعيسى عليه السلام  أولاً, ثم محمد حتى يضاعف أجره؟

الظاهر من النصوص السابقة عدم التحديد ويؤيد ذلك ما رواه علي بن رفاعة القرظي قال: خرج عشرة من أهل الكتاب - منهم أبي رفاعة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فآمنوا به فأوذوا فنـزلت {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} [سورة القصص 28/52] الآيات. ([202]) فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم  وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الحديث.

 قال الطيبي: فيحتمل إجراء الحديث على عمومه إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم  سبباً لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة.

ويمكن أن يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة: إنه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام ؛ لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام  إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فبهذا يرتفع الإشكال إن شاء الله تعالى. ([203])

وكما ثبت هذا الأجر لمؤمني أهل الكتاب, فأمة محمد موعودة بالخيرية دائماً فمن آمن بالله ورسوله فقد وعده الله بكفلين ([204]) من رحمته. كما روى ابن ابي حاتم بسنده: عن مقاتل بن حيان قال: ((لما نـزلت: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [سورة القصص 28/54] فخر مؤمنوا أهل الكتاب على الصحابة رضي الله عنهم  فأنـزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [سورة الحديد 57/28] فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب.)) ([205])


 المبحث الثالث: الآثار الواردة في عقاب الله لهم:

 المطلب الأول : عقاب الله لهم في الدنيا:

وفيه ثمان مسائل:

 المسألة الأولى: غضب الله عليهم

 الآثــــار:

قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ  = 7 } [سورة الفاتحة 1/7]

66-166 - وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عمار قال : حدثنا أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} يعني اليهود الذين غضب الله عليهم. ([206])

قولـه تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} سورة البقرة 2/79].

67-1151 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال: ثنا إبراهيم بن عبد السلام قال: ثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي عن عثمان بن عفان _ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} "الويل: جبل في النار". وهو الذي أنـزل في اليهود؛ لأنهم حرفوا التوراة وزادوا فيها ما يحبون ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم  من التوراة؛ فلذلك غضب الله عليهم فرفع بعض التوراة فقال: {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}([207])

68-1280 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {فَبَاءُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [سورة البقرة 2/90] غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وبعيسى، وغضب عليهم بكفرهم بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم . ([208])

69-1281-حدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فَبَاءُواْ بِغَضَبٍ} اليهود بما كان من تبديلهم التوراة قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، {عَلَى غَضَبٍ} جحودهم النبي صلى الله عليه وسلم  وكفرهم بما جاء به. ([209])

70-1282 - حدثنا المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {فَبَاءُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} يقول: غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى عليه السلام ، ثم غضبه عليهم بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم  وبالقرآن. ([210])

71-1283 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {فَبَاءُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} أما الغضب الأول: فهو حين غضب الله عليهم في العجل، وأما الغضب الثاني: فغضب عليهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم . ([211])

72-1284 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج وعطاء وعبيد بن عمير قولـه: {فَبَاءُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} قال: غضب الله عليهم فيما كانوا فيه من قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم  من تبديلهم وكفرهم، ثم غضب عليهم في محمد صلى الله عليه وسلم  إذ خرج فكفروا به. ([212])

قولـه تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنـزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَـزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَـزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِين} [سورة البقرة 2/90]

73-1281- حدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ} اليهود بما كان من تبديلهم التوراة قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم  {عَلَى غَضَبٍ} جحودهم النبي صلى الله عليه وسلم  وكفرهم بما جاء به. ([213])

قولـه تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَـزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/97].

74-1330 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس عن بكير عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس رضي الله عنهما  أنه قال: حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سلوا عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعني على الإسلام". فقالوا: ذلك لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سلوني عما شئتم" فقالوا أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن! أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنـزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني". فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق فقال: "نشدتكم بالذي أنـزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً فطال سقمه منه، فنذر نذراً لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل؟" - قال أبو جعفر: فيما أرى: "وأحب الشراب إليه ألبانها" - فقالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنـزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبيه بإذن الله، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكراً بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟ "قالوا: اللهم نعم! قال: "اللهم اشهد". قال: "وأنشدكم بالذي أنـزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ "قالوا: اللهم نعم! قال: "اللهم اشهد." قالوا: أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة؟ فعندها نتابعك أو نفارقك. قال: "فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبياً فقط إلا وهو وليه". قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: "فما يمنعكم أن تصدقوه؟" قالوا: إنه عدونا. فأنـزل الله عز وجل : {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/97] إلى قولـه: {كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 2/101]. فعندها باؤوا بغضب على غضب.‏([214])

قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [سورة الممتحنة 60/13]

75-26178 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} [سورة المجادلة 58/14] إلى آخر الآية قال: هم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم.([215])

76-26178 أ- حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة {تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} قال: هم اليهود تولاهم المنافقون.‏ ([216])

قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [سورة آل عمران 3/67].

77-5697 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله - لا أراه إلا يحدثه عن أبيه -: أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالماً من اليهود فسأله عن دينه، وقال: إني لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم! فقال له اليهودي: إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً، وأنا لا أستطيع فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ قال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفاً قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يك يهودياً ولا نصرانياً وكان لا يعبد إلا الله. فخرج من عنده فلقي عالماً من النصارى فسأله عن دينه فقال: إني لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم! قال: إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. قال: لا أحتمل من لعنة الله شيئاً ولا من غضب الله شيئاً أبداً، وأنا لا أستطيع فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ فقال له نحواً مما قاله اليهودي: لا أعلمه إلا أن تكون حنيفاً. فخرج من عنده وقد رضي الذي أخبراه والذي اتفقا عليه من شأن إبراهيم، فلم يزل رافعاً يديه إلى الله وقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. ([217])


 الدراســــة:

أمة الغضب، هذا هو الوصف الذي ينطبق على اليهود. واستحقوا غضب الله في الدنيا والآخرة كونهم عرفوا الحق ولم يتبعوه، وليسوا مثل النصارى الذين عبدوا الله على غير علم، بل هم أشد انحرافاً وعناداً استحقوا به غضب الله.

وهو أول وصف لليهود يقابلك في كتاب الله, بل في فاتحته: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [سورة الفاتحة 1/7] وهذه العقوبة هي سبب العقوبات الدنيوية والأخروية لهم.

واليهود الذين لُعنوا كانوا يعرفون الحق قبل أن يأتي من يخبرهم عنه، فلعن الذين كفروا من بني إسرائيل وليس كل بني إسرائيل, فقط الذين لايتناهون عن المنكر مع معرفتهم بأنه منكر فهم مغضوب عليهم.

وكذلك هم مع محمد صلى الله عليه وسلم  يعرفونه كما يعرفون أبنائهم، وكانوا يتوعدون العرب به ولما جاء من غيرهم وعلى غير ما يخبرون به الأنصار جحدوا نبوته؛ لأنهم يكفرون بآيات الله, ولقتلهم الأنبياء بغير حق, وبما كانوا يعتدون, ولمثل هذا أمرنا ربنا تبارك وتعالى ان نستعيذ من طريق المغضوب عليهم والضالين في كل يوم سبعة عشر مرة في فاتحة الكتاب التي تتضمنها كل ركعة، وكان يكفي اليهود أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم  حتى يحط الله عنهم لعنته وغضبه، ولكن أبت نفوس أكثرهم إلا الضلال.

فعن عوف بن مالك الأشجعي _ قال: ((انطلق النبي صلى الله عليه وسلم  وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم، وكرهوا دخولنا عليهم) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر اليهود، أرونى اثنى عشر رجلاً يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عضب عليه، قال فأمسكوا وما أجابه منهم أحد، ثم رد علهيم فلم يجبه أحد، ثم ثلث فلم يجبه أحد، فقال أبيتم فوالله إنى لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفى آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه حتى دنا أن يخرج فإذا رجل من خلفنا يقول كما أنت يا محمد، قال: فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلمونى فيكم يا معشر اليهود، قالوا ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك، ولا من أبيك من قبلك، ولا من جدك قبل أبيك، قال فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا كذبت ثم ردوا عليه وقالوا له شراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  كذبتم لن يقبل قولكم، أما آنفاً فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذا آمن كذبتموه وقلتم ما قلتم فلن يقبل قولكم، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأنا وعبد الله بن سلام.)) ([218])

وقولـه تبارك وتعالى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [سورة الفاتحة 1/7] لا شك أنه يعني اليهود بالدرجة الأولى، وإن كان يصدق على كل ضال.

وقد استدل لذلك ابن جرير رحمه الله  بالقرآن بقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ  = 60 } [سورة المائدة 5/60]

وبالسنة بقولـه صلى الله عليه وسلم  لعدي بن حاتم _: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن المغضوب عليهم اليهود)).([219])

وقد تكرر غضب الله على اليهود، وذلك مع كل عصيان يظهرونه، كما قال تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنـزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَـزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَـزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ  = 90 } [سورة البقرة 2/90]

فهناك غضب أول، وهو على جرائمهم الأولى من عبادة العجل، والكفر بعيسى عليه السلام ، وارتكاب المعاصي وتضييع التوراة. وهناك غضب ثان على كفرهم وتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم  والقرآن.


 المسألة الثانية:اللعن

 الآثــــار:

قولـه تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ  = 78 } [سورة المائدة 5/78] 

78-9600 - حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قولـه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} قال: لعنوا بكل لسان؛ لعنوا على عهد موسى عليه السلام  في التوراة، ولعنوا على عهد داود عليه السلام  في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى عليه السلام  في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم  في القرآن.([220])

79-حدثني المثني قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام ، ولعنوا في الزبور على لسان داود عليه السلام . ([221])

80-حدثنا ابن وكيع قال: ثنا ابن فضيل عن أبيه عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} قال: خالطوهم بعد النهي في تجاراتهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، فهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام .‏([222])

81-9601 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا جرير عن حصين عن مجاهد: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} قال: لعنوا على لسان داود عليه السلام  فصاروا قردة، ولعنوا على لسان عيسى عليه السلام فصاروا خنازير.([223])


 الدراســــة:

لعن الله اليهود في كتابه العزيز في مواضع كثيرة، ولأسباب عديدة، بيّنَها الرب تبارك وتعالى، واللعنة يراد بها الإبعاد عن رحمة الله، ([224]) فأصل اللعن: الطرد والإبعاد عن الخير، ([225]) وهو الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره.([226])

ولعن الله اليهود في كتابه الكريم مراراً، وبين سبب اللعن، ولعنهم على لسان أنبيائه الكرام عليهم السلام ، بل إنهم لعنوا في جميع الكتب السماوية كما في الآثار السابقة.

فلماذا استحقوا اللعن؟

1- لعنوا بسبب كفرهم. قال تعالى:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } [سورة البقرة 2/88]

2- ولعنوا بسبب تفضيلهم الشرك وعبادة الأوثان على ما جاء به الرحمن.

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً  = 51  أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً [سورة النساء 4/51-52]

3- ولعنوا لوصفهم الله بالصفات الرديئة. قال تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  = 64 } [سورة المائدة 5/64]

4- ولعنوا لتحريفهم كلام الله ومعصيتهم مع معرفتهم للحق. قال تعالى: {مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}[سورة النساء 4/46]

5- ولعنوا على لسان أنبياء الله كداود وعيسى عليهما السلام  لمعصيتهم واعتدائهم وتركهم التناهي عن المنكر، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ  = 78 } [سورة المائدة 5/78]

وهو في حديث ابن مسعود _ قال :قال صلى الله عليه وسلم  ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل: كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} - إلى قوله - {فاسقون} ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً.)) ([227])

6- ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم  لأمور منه:

أ- اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد:كما روت عائشة رضي الله عنها  وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما  قالا: ((لما نـزل برسول الله صلى الله عليه وسلم  طفق يطرح خميصة لـه على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه،)) فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا.)) ([228])

ب- مخادعتهم في مسألة :تحريم الشحوم, وإذابتهم لها ثم بيعها على أنها سمن وليست شحم :فعن بن عباس رضي الله عنهما  قال :سمعت عمر _ يقول: ((قاتل الله فلاناً ألم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم )) قال: ((لعن الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها.)) ([229]) ([230])


 المسألة الثالثة: الصاعقة

 الآثار:

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة 2/54]

82-793 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: لما رجع موسى عليه السلام  إلى قومه وأحرق العجل وذراه في اليم؛ خرج إلى ربه بمن اختار من قومه فأخذتهم الصاعقة ثم بعثوا. سأل موسى عليه السلام  ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم. قال: فبلغني أنهم قالوا لموسى: نصبر لأمر الله، فأمر موسى عليه السلام  من لم يمكن عبد العجل أن يقتل من عبده، فجلسوا بالأفنية واصلت عليهم القوم السيوف فحملوا يقتلونهم، وبكى موسى عليه السلام  وبهش إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم، فتاب عليهم وعفا عنهم، وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف.‏ ([231])

83-801- حدثت عن عمار بن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} [سورة البقرة 2/55] قال: سمعوا صوتاً فصعقوا. يقول: فماتوا. ([232])

84-802- حدثني موسى بن هارون الهمداني قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} والصاعقة: نار. ([233])

85-803- حدثنا به ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: أخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فماتوا جميعاً. ([234])


 الدراســــة:

عاقب الله بني إسرائيل- حين طلبوا معاندين رؤية الله عياناً- بأن أنـزل عليهمم الصاعقة، وهولاء هم خيرة بني إسرائيل ولما نظر بعظهم إلى بعض وهم يضربون بالصواعق، هرعوا الى موسى عليه السلام  فطفق يدعوا ربه حتى عفى عنهم، كما قال تعالى{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ  = 55 } [سورة البقرة 2/55] وكما قال تعالى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ َ  = 155 }[سورة الأعراف 7/155]

قال الربيع بن أنس: ((كان موتهم عقوبة لهم فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم.)) ([235])

وفي هذه الآية كما قال ابن القيم رحمه الله : "استعطاف من موسى عليه السلام  لربه، وتوسل إليه بعفوه عنهم من قبل حين عبد قومه العجل ولم ينكروا عليهم، يقول موسى عليه السلام  إنهم قد تقدم منهم ما يقتضي هلاكهم، ومع هذا فوسعهم عفوك ومغفرتك ولم تهلكهم، فليسعهم اليوم ما وسعهم من قبل، وهذا كما يقول من واخذه سيده بجرم: لو شئت واخذتني من قبل هذا بما هو أعظم من هذا الجرم، ولكن وسعني عفوك أولاً فليسعني اليوم." ([236])

وأصل الصاعقة: كل أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه، حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب، وإلى ذهاب عقل وغمور فهم، أو فقد بعض آلات الجسم، صوتاً كان ذلك أو نارا أو زلزلة أو رجفاً. ([237]).‏

وكما في الآثار الواردة فقد فسرت الصاعقة بالموت، وفسرت بالنار، وفسرت بالصيحة والرجفة.

قال الطبري: "وتكون الصاعقة صوتاً أو ناراً أوزلزلة أو رجفاً." ([238])

واحتج على أن الصاعقة لا يلزم منها الموت بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ َ  = 143 } [سورة الأعراف 7/143] يعني مغشياً عليه. ومنه قول جرير بن عطية:

أصابته الصواعق فاستدارا

وهل كان الفرزدق غير قرد

فقد علم أن موسى عليه السلام لم يكن حين غشي عليه وصعق ميتاً؛ لأن الله جل وعز أخبر عنه أنه لما أفاق قال: {تُبْتُ إِلَيْكَ} [سورة الأعراف 7/143] ولا شبه جرير الفرزدق وهو حي بالقرد ميتاً ولكن معنى ذلك ما وصفنا ([239]).

 وأما سبب الصاعقة فهو طلبهم رؤية الله، وقد وردت الآثار باختلاف في السبب الذي من أجله طلبوا لقاء الله, ثم طلبوارؤية الله، أقربها: ذهابهم للقاء الله و التوبة من عبادة العجل، وقد وردت آثار آخرى تذكر أسباباً غير ما سبق كماورد عن علي _ قال: ((لما حضر أجل هارون عليه السلام  أوحى الله إلى موسى عليه السلام  أن انطلق أنت وهارون وابن هارون إلى غار في الجبل فإنا قابضوا روحه، فانطلق موسى وهارون وابن هارون فلما انتهوا إلى الغار دخلوا، فإذا سرير فاضطجع عليه موسى ثم قام عنه فقال: ما أحسن هذا المكان يا هارون فاضطجع هارون فقبض روحه، فرجع موسى وابن هارون إلى بني إسرائيل حزينين فقالوا لـه أين هارون؟ قال مات. قالوا: بل قتلته؛ كنت تعلم أنا نحبه. فقال لهم موسى: ويلكم أقتل أخي؟ وقد سألته الله وزيراً ولو أنى أردت قتله أكان ابنه يدعني؟ قالوا لـه: بل قتلته حسدتناه. قال: فاختاروا سبعين رجلاً، فانطلق بهم فمرض رجلان في الطريق فخط عليهما خطاً، فانطلق موسى وابن هارون وبنو إسرائيل حتى انتهوا إلى هارون عليه السلام  فقالوا: يا هارون من قتلك؟ قال لم يقتلني أحد ولكني مت. قالوا: ما تقضي يا موسى؟ ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء. قال: فأخذتهم الرجفة فصعقوا، وصعق الرجلان اللذان خلفوا، وقام موسى عليه السلام  يدعو: رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا، فأحياهم الله فرجعوا إلى قومهم أنبياء.)) ([240])

وما رواه الحاكم في مستدركه: عن محمد بن جعفر عن أبيه قال: ((كان علم الله وحكمته في ذرية إبراهيم عليه السلام ، فعند ذلك آتى الله يوسف بن يعقوب عليه السلام  ملك الأرض المقدسة، فملك اثنتين وسبعين سنة، وذلك قوله عز وجل : {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة يوسف 12/101] الآية فعند ذلك بعث الله موسى وهارون عليهما السلام  فأورثهما مشارق الأرض ومغاربها، وملكهما ملكاً ناعماً، فملك موسى عليه السلام  ومن معه من بني إسرائيل ثمان وثمانين سنة، ثم إن الله تعالى أراد أن يرد ذلك عليهم، فملكهم مشارق الأرض ومغاربها، وآتاهم ملكاً عظيماً، حتى سألوا أن ينظروا إلى ربهم، فقالوا أرنا الله جهرة، وذلك حين رأوا موسى عليه السلام  كلمه ربه، وسمعوا فطلبوا الرؤية، وكان موسى عليه السلام  انتقى خيارهم ليشهدوا لـه عند بني إسرائيل أن ربه قد كلمه، فقالوا لن نشهد لك حتى ترينا الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون.)) ([241])

قال الطبري: "ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قوله في سبب قيلهم ذلك لموسى تقوم به حجة فتسلم لهم. وجائز أن يكون ذلك بعض ما قالوه، فإذا كان لا خبر بذلك تقوم به حجة فالصواب من القول فيه أن يقال: إن الله جل ثناؤه قد أخبر عن قوم موسى أنهم قالوا لـه: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة 2/55] كما أخبر عنهم أنهم قالوه. وإنما أخبر الله عز وجل  بذلك عنهم الذين خوطبوا بهذه الآيات توبيخاً لهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قامت حجته على من احتج به عليه ولا حاجة لمن انتهت إليه إلى معرفة السبب الداعي لهم إلى قيل ذلك. وقد قال الذين أخبرنا عنهم الأقوال التي ذكرناها وجائز أن يكون بعضها حقاً كما قال." ([242])

بقي أن يقال أن مما يؤخذ من عذاب الله لليهود تنبيه لليهود والمسلمين أن يسألوا رسول الله أسئلة التعنت، وقد قال تعالى{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة البقرة 2/108] وقال تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [سورة المائدة 5/101] وإن كان هذا السؤال نوعاً آخر لكن المقصود أن سؤال الأنبياء حتى سؤال العلم منهم فيه أنواع كثيرة محرمة، وإن كانوا قد يعطون السائل فلا يدل ذلك على أن السؤال مشروع هذا في حياتهم فكيف بعد مماتهم؟ ولم ينقل أحد من أهل العلم أن أحداً من السلف سأل النبي صلى الله عليه وسلم  شيئاً بعد موته لا عند قبره ولا عند غير قبره، وكذلك قوم عيسى لما سألوا المائدة قبل رفع عيسى إلى السماء لم يكونوا محمودين في مسألهم، بل كان نـزولها ضرراً عليهم، وكذلك قوم موسى سألوا موسى أن يريهم الله جهرة فأخذتهم الصاعقة، وقوم صالح عليه السلام  سألوا صالحاً آية فكانت سبب هلاكهم، فالسؤال فتنة وشر للسائل وهو للمسؤول أجر وخير ومعجزة.)) ([243])


 المسألة الرابعة: التيه (وأبرز ما حصل فيه)

 الآثار:

 قولـه تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [سورة المائدة 5/26]

86-9126 - حدثني المثني قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال: لما قال لهم القوم ما قالوا ودعا موسى عليه السلام  عليهم، أوحى الله إلى موسى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ  = 26 } وهم يومئذ فيما ذكر ستمائة ألف مقاتل، فجعلهم فاسقين بما عصوا، فلبثوا أربعين سنة في فراسخ ستة، أو دون ذلك، يسيرون كل يوم جادين لكي يخرجوا منها، حتى يمسوا وينـزلوا فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا. وإنهم اشتكوا إلى موسى ما فعل بهم فأنـزل عليهم المن والسلوى، وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم، ينشأ الناشئ فتكون معه على هيئته. وسأل موسى عليه السلام  ربه أن يسقيهم، فأتى بحجر الطور، وهو حجر أبيض إذا ما نـزل القوم ضربه بعصاه، فيخرج منه اثنتا عشرة عيناً، لكل سبط منهم عين، قد علم كل أناس مشربهم. حتى إذا خلت أربعون سنة، وكانت عذاباً بما اعتدوا وعصوا، أوحى إلى موسى عليه السلام  أن مرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة، فإن الله قد كفاهم عدوهم، وقل لهم إذا أتوا المسجد أن يأتوا الباب ويسجدوا إذا دخلوا ويقولوا حطة. وإنما قولهم حطة أن يحط عنهم خطاياهم. فأبى عامة القوم، وعصوا وسجدوا على خدهم، وقالوا حنطة، فقال الله جل ثناؤه: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [سورة البقرة 2/59]... إلى: {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}‏ ([244])

87-9127 - حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا أبو هلال عن قتادة في قول الله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} قال: أبدا.ً ([245])

88-9129 - حدثنا المثني قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا هارون النحوي قال: ثني الزبير بن الخريت عن عكرمة في قوله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [سورة المائدة 5/26] قال: التحريم لا منتهى له. ([246])

89-9131 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال: ثنا إبراهيم بن بشار قال: ثنا سفيان قال: قال أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: لما دعا موسى عليه السلام  قال الله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} قال: فدخلوا التيه، فكل من دخل التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه. قال: فمات موسى عليه السلام  في التيه ومات هارون عليه السلام  قبله. قال: فلبثوا في تيههم أربعين سنة، فناهض يوشع بمن بقي معه مدينة الجبارين فافتتح يوشع المدينة. ([247])

90-9132 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال الله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} حرمت عليهم القرى، وكانوا لا يهبطون قرية، ولا يقدرون على ذلك، إنما يتبعون الأطواء أربعين سنة. وذكر لنا أن موسى صلى الله عليه وسلم  مات في الأربعين سنة، وأنه لم يدخل بيت المقدس منهم إلا أبناؤهم، والرجلان اللذان قالا ما قالا. ([248])

91-9133 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: ثني بعض أهل العلم بالكتاب الأول قال: لما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من معصيتهم نبيهم، وهمهم بكالب ويوشع إذ أمراهم بدخول مدينة الجبارين، وقالا لهم ما قالا، ظهرت عظمة الله بالغمام على نار فيه الرمز على كل بني إسرائيل، فقال جل ثناؤه لموسى عليه السلام : إلى متى يعصيني هذا الشعب، وإلى متى لا يصدقون بالآيات كلها التي وضعت بينهم؟ أضربهم بالموت فأهلكهم وأجعل لك شعباً أشد منهم. فقال موسى عليه السلام  يسمع أهل المصر الذين أخرجت هذا الشعب بقوتك من بينهم، ويقول ساكنو هذه البلاد الذين قد سمعوا أنك أنت الله في هذا الشعب، فلو أنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد لقالت الأمم الذين سمعوا باسمك: إنما قتل هذا الشعب من أجل لا يستطيع أن يدخلهم الأرض التي خلق لهم، فقتلهم في البرية، ولكن لترتفع أياديك ويعظم جزاؤك يا رب كما كنت تكلمت، وقلت لهم فإنه طويل صبرك، كثيرة نعمك، وأنت تغفر الذنوب فلا توبق، وإنك تحفظ الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء إلى ثلاثة أجيال وأربعة، فاغفر أي رب آثام هذا الشعب بكثرة نعمك، كما غفرت لهم منذ أخرجتهم من أرض مصر إلى الآن! فقال الله جل ثناؤه لموسى صلى الله عليه وسلم : قد غفرت لهم بكلمتك، ولكن قد أتى إني أنا الله وقد ملأت الأرض محمدتي كلها، ألا يرى القوم الذين قد رأوا محمدتي وآياتي التي فعلت في أرض مصر وفي القفار، سألوني عشر مرات ولم يطيعوني لا يرون الأرض التي خلقت لآبائهم ولا يراها من أغضبني؛ فأما عبدي كالب الذي كان روحه معي واتبع هواي فإني مدخله الأرض التي دخلها ويراها خلفه. وكان العماليق والكنعانيون جلوساً في الجبال ثم غدوا فارتحلوا في القفار في طريق يحرسون، وكلم الله عز وجل  موسى وهارون عليهما السلام  وقال لهما: إلى متى توسوس علي هذه الجماعة جماعة السوء؟ قد سمعت وسوسة بني إسرائيل. وقال: لأفعلن بكم كما قلت لكم ولتلقين جيفكم في هذه القفار وحسابكم من بني عشرين سنة فما فوق ذلك من أجل أنكم وسوستم علي فلا تدخلوا الأرض التي دفعت إليها، ولا ينـزل فيها أحد منكم غير كالب بن يوفنا ويوشع بن نون، وتكون أثقالكم كما كنتم الغنيمة. وأما بنوكم اليوم الذين لم يعلموا ما بين الخير والشر، فإنهم يدخلون الأرض، وإني بهم عارف لهم الأرض التي أردت لهم وتسقط جيفكم في هذه القفار، وتتيهون في هذه القفار على حساب الأيام التي جسستم الأرض أربعين يوماً، مكان كل يوم سنة، وتقتلون بخطاياكم أربعين سنة، وتعلمون أنكم وسوستم: قد أنى لي أنا الله فاعل بهذه الجماعة - جماعة بني إسرائيل - الذين وعدوا بأن يتيهوا في القفار فيها يموتون! فأما الرهط الذين كان موسى بعثهم يتجسسون الأرض، ثم حرشوا الجماعة فأفشوا فيهم خبر الشر فماتوا كلهم بغتة وعاش يوشع وكالب بن يوفنا من الرهط الذين انطلقوا يتحسسون الأرض. فلما قال موسى عليه السلام  هذا الكلام كله لبني إسرائيل، حزن الشعب حزناً شديداً، وغدوا فارتفعوا على رأس الجبل وقالوا: نرتقي الأرض التي قال جل ثناؤه من أجل أنا قد أخطأنا. فقال لهم موسى: لم تعتدون في كلام الله من أجل ذلك لا يصلح لكم عمل، ولا تصعدوا من أجل أن الله ليس معكم، فالآن تنكسرون من قدام أعدائكم من أجل العمالقة والكنعانيين أمامكم، فلا تقعوا في الحرب من أجل أنكم انقلبتم على الله فلم يكن الله معكم! فأخذوا يرقون في الجبل ولم يبرح التابوت الذي فيه مواثيق الله جل ذكره وموسى من المحلة؛ يعني من الحكمة حتى هبط العماليق والكنعانيون في ذلك الحائط فحرقوهم وطردوهم وقتلوهم. فتيههم الله عز ذكره في التيه أربعين سنة بالمعصية حتى هلك من كان استوجب المعصية من الله في ذلك. قال: فلما شب النواشئ من ذراريهم وهلك آباؤهم، وانقضت الأربعون سنة التي تتيهوا فيها، وسار بهم موسى ومعه يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، وكان فيما يزعمون على مريم ابنة عمران أخت موسى وهارون، وكان لهما صهراً؛ قدم يوشع بن نون إلى أريحاء في بني إسرائيل فدخلها بهم، وقتل الجبابرة الذين كانوا فيها، ثم دخلها موسى ببني إسرائيل فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم، ثم قبضه الله إليه لا يعلم قبره أحد من الخلائق. ([249])

 قصة البقرة

92-978 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال: كان في بني إسرائيل رجل عقيم أو عاقر قال: فقتله وليه ثم احتمله فألقاه في سبط غير سبطه. قال: فوقع بينهم فيه الشر حتى أخذوا السلاح. قال: فقال أولو النهي: أتقتتلون وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: فأتوا نبي الله فقال: اذبحوا بقرة! فقالوا: {قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ  = 67  قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ} [سورة البقرة 2/67-68] إلى قوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} قال: فضُرب فأخبرهم بقاتله. قال: ولم تؤخذ البقرة إلا بوزنها ذهبا. قال: ولو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم فلم يورث قاتل بعد ذلك. ([250])

93-979 - وحدثني المثنى قال: ثنا آدم قال: حدثني أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قول الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} قال: كان رجل من بني إسرائيل وكان غنياً، ولم يكن له ولد، وكان لـه قريب، وكان وارثه فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى عليه السلام  فقال لـه: إن قريبي قتل، وأتى إلي أمر عظيم، وإني لا أجد أحداً يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله. قال: فنادى موسى في الناس: أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا بينه لنا! فلم يكن عندهم علمه، فأقبل القاتل على موسى فقال: أنت نبي الله فاسأل لنا ربك أن يبين لنا! فسأل ربه فأوحى الله إليه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} فعجبوا وقالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ  = 67  قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ} يعني هرمة {وَلاَ بِكْرٌ} يعني ولا صغيرة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} أي نصف بين البكر والهرمة {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} أي صاف لونها {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} أي تعجب الناظرين. {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ  = 70  قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ} أي لم يذللها العمل {تُثِيرُ الأَرْضَ} يعني ليست بذلول فتثير الأرض {وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ} يقول ولا تعمل في الحرث {مُسَلَّمَةٌ} يعني مسلمة من العيوب {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} يقول لا بياض فيها. {قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ}. قال: ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: {وَإِنَّآ إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} لما هدوا إليها أبداً. فبلغنا أنهم لم يجدوا البقر التي نعتت لهم إلا عند عجوز عندها يتامى وهي القيمة عليهم، فلما علمت أنهم لا يزكوا لهم غيرها، أضعفت عليهم الثمن، فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها، فقال لهم موسى: إن الله قد كان خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها! ففعلوا واشتروها فذبحوها. فأمرهم موسى أن يأخذوا عظماً منها فيضربوا به القتيل ففعلوا فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتاً كما كان. فأخذوا قاتله وهو الذي كان أتى موسى فشكى إليه فقتله الله على سوء عمله. ([251])

 وفاة هارون

94-11772 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا: ثنا يحيى بن يمان قال: ثنا سفيان قال: ثني أبو إسحاق عن عمارة بن عبد السلولي عن علي _ قال: انطلق موسى وهارون عليهما السلام  وشبر وشبير فانطلقوا إلى سفح جبل فنام هارون على سرير فتوفاه الله. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا لـه: أين هارون؟ قال: توفاه الله. قالوا: أنت قتلته حسدتنا على خلقه ولينه - أو كلمة نحوها - قال: فاختاروا من شئتم! قال: فاختاروا سبعين رجلاً. قال: فذلك قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ  = 155 } [سورة الأعراف 7/155] قال: فلما انتهوا إليه قالوا: يا هارون من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد ولكنني توفاني الله. قالوا: يا موسى لن نعصي بعد اليوم! قال: فأخذتهم الرجفة. قال: فجعل موسى يرجع يميناً وشمالاً وقال: يا {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ  = 155 } [سورة الأعراف 7/155]قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم.‏ ([252])

 قصة قارون:

95-21047 - حدثنا بشر بن هلال الصواف قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال: ثنا علي بن زيد بن جدعان قال: خرج عبد الله بن الحارث من الدار ودخل المقصورة؛ فلما خرج منها جلس وتساند عليها وجلسنا إليه فذكر سليمان بن داود {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ  = 38 } [سورة النمل 27/38] ... إلى قوله {إِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [سورة النمل 27/40] ثم سكت عن ذكر سليمان فقال {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} [سورة القصص 28/76] وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكر الله في كتابه {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}  {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [سورة القصص 28/78] قال: وعادى موسى عليه السلام  وكان مؤذياً لـه وكان موسى يصفح عنه ويعفو للقرابة، حتى بنى داراً وجعل باب داره من ذهب، وضرب على جدرانه صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون، فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضحكونه، فلم تدعه شقوته والبلاء حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا، مشهورة بالسب، فأرسل إليها فجاءته فقال لها: هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك في نسائي على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى! قالت: بلى. فلما جلس قارون وجاء الملأ من بني إسرائيل، أرسل إليها فجاءت فقامت بين يديه فقلب الله قلبها وأحدث لها توبة فقالت في نفسها: لأن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأكذب عدو الله لـه. فقالت: إن قارون قال لي: هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأكذب عدو الله؛ فلما تكلمت بهذا الكلام سقط في يدي قارون، ونكس رأسه، وسكت الملأ، وعرف أنه قد وقع في هلكة، وشاع كلامها في الناس حتى بلغ موسى؛ فلما بلغ موسى اشتد غضبه فتوضأ من الماء وصلى وبكى وقال: يا رب عدوك لي مؤذ، أراد فضيحتي وشيني، يا رب سلطني عليه. فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك. فجاء موسى إلى قارون؛ فلما دخل عليه عرف الشر في وجه موسى لـه فقال: يا موسى ارحمني؛ قال: يا أرض خذيهم قال: فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين، وجعل يقول: يا موسى فأخذتهم إلى ركبهم وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني؛ قال: يا أرض خذيهم قال فاضطربت داره وساخت وخسف بقارون وأصحابه إلى سررهم، وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني؛ قال: يا أرض خذيهم فخسف به وبداره وأصحابه. قال: وقيل لموسى صلى الله عليه وسلم : يا موسى ما أفظك. أما وعزتي لو إياي نادى لأجبته. ([253])


 الدراســــة:

كتب الله على بني إسرائيل التيه في أرض سيناء ضاعوا فيها أربعين سنة لايستطيعون الخروج منها، وسبب التيه كما قص الله علينا: امتناع بني إسرائيل عن دخول الأرض المقدسة بعد أن قال لهم موسى عليه السلام  :{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين} [سورة المائدة 5/21]

وهذا العصيان موجب للعقوبة قال تعالى{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ  = 26 } [سورة المائدة 5/26]

 يقول تعالى لائماً بني إسرائيل على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من بلاد مصر فأمروا بدخول الارض المقدسة التي هي ميراث لهم من أبيهم إسرائيل، وقتال من فيها من العماليق الكفرة، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم. ([254])

وكما في الأثر عن الربيع: ((وكانت عذاباً بما اعتدوا وعصوا)) وكان عددهم كبيراً ومع ذلك احتجوا بقوة عدوهم، قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ  = 22 } [سورة المائدة 5/22] ([255])

ولما دعوا للقتال وليستعينوا بالله قالوا فحشاً من القول، قال تعالى:{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ  = 24 } [سورة المائدة 5/24] وهذه المقولة الشنيعة من بني إسرائيل هي التي ذكر بها المقداد بن الاسود -_- النبي صلى الله عليه وسلم  يوم بدر، قال : ((يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ولكن امض ونحن معك.)) ([256])

 المراد بالأرض المقدسة

ورد ت آثار مختلفة في المراد بالأرض المقدسة:

1- فقيل الطور.

2- وقيل الشام.

3- وقيل أريحا.

4- وقيل دمشق وفلسطين وبعض الأردن. وقيل غير ذلك.

ولم أقف على دليل صحيح في هذه المسألة، ولكن لن تخرج عن أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر للإجماع أن هذه المنطقة هي الأرض المقدسة. ([257])

وقال القرطبي في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ} [سورة البقرة 2/61] كان هذا القول منهم في التيه، حين ملوا المن والسلوى، وتذكروا عيشهم الأول بمصر، قال الحسن: ((كانوا نتانى، أهل كراث وأبصال وأعداس، فنـزعوا إلى عكرهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم، فقالوا لن نصبر على طعام واحد))، وكنوا عن المن والسلوى بطعام واحد وهما اثنان؛ لأنهم كانوا يأكلون أحدهما وصله فلذلك قالوا طعام واحد، وقيل: لتكرارهما في كل يوم غذاء، كما تقول لمن يداوم على الصوم والصلاة والقراءة هو على أمر واحد لملازمته لذلك، وقيل: المعنى لن نصبر على الغنى فلهذا فيكون جميعنا أغنياء، فلا يقدر بعضنا على الاستعانة ببعض، لاستغناء كل واحد منا بنفسه. ([258])

قولـه تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [سورة المائدة 5/26] استجاب الله دعاءه وعاقبهم في التيه أربعين سنة، وأصل التيه في اللغة: الحيرة، يقال: منه تاه يتيه تيها وتوهاً إذا تحير، وتيهته وتوهته بالياء والواو والياء أكثر، والأرض التيهاء التي لا يهتدى فيها، وأرض تيه وتيهاء، فكانوا يسيرون في فراسخ قليلة. قيل في قدر ستة فراسخ يومهم وليلتهم فيصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا، فكانوا سيارة لا قرار لهم، واختلف هل كان معهم موسى وهرون عليهما السلام ؟

1- فقيل: لا؛ لأن التيه عقوبة، وكان سنو التيه بعدد أيام العجل، فقوبلوا على كل يوم سنة، وقد قال موسى عليه السلام : فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين.

2- وقيل: كانا معهم لكن سهل الله الأمر عليهما، كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام ، أي أنهم ممنوعون من دخولها، كما يقال حرم الله وجهك على النار، وحرمت عليك دخول الدار، فهو تحريم منع لا تحريم شرع عن أكثر أهل التفسير كما قال الشاعر:

إني أمرؤ صرعي عليك حرام

جالت لتصرعني فقلت لها اقصري

أي أنا فارس فلا يمكنك صرعي وقال أبو علي: يجوز أن يكون تحريم تعبد.

فإن قيل: كيف يجوز على جماعة كثيرة من العقلاء أن يسيروا في فراسخ فلا يهتدوا للخروج منها؟ فالجواب: قال أبو علي: قد يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هم عليها إذا ناموا فيردهم.

قلت: الله قادر على حجب الطريق الصحيح دون ما ذكره من افتراض، كما حجب عنا رؤية قوم يأجوج ومأجوج.

 مما حصل في التيه:

 أولاً: وفاة هارون:

 ذكر وفاة هارون بن عمران عليه السلام  فإنه مات قبل موسى عليه السلام .

عن وهب بن منبه قال: ((نعى الله هارون لموسى عليهما السلام  حين أراد الله أن يقبضه، فلما نعاه لـه حزن، فلما قبض جزع جزعاً شديداً وبكى بكاء طويلاً، فلما عاد في ذلك أقبل الله تعالى عليه يعزيه ويعظه، فقال لـه: يا موسى ما كان ينبغي لك أن تحن إلى فقد شيء معي، ولا أن تستأنس بغيري، ولا أن تشد ركبك إلا بي، ولا أن يكون جزعك هذا الآن على هارون إلا لي، وكيف تستوحش إلى شيء من الأشياء وأنت تسمع كلامي، أم كيف تحن إلى فقد شيء من الدنيا بعد إذ اصطفيتك برسالاتي وبكلامي، وذكر مناجاة طويلة قال فأتى هارون وموسى بن سبع عشرة ومائة سنة، قبل أن ينقضي التيه بثلاث سنين، فأتى هارون وهو بن عشرين ومائة سنة بقي موسى بعده ثلاث سنين حتى تم له مائة وعشرون سنة، وبنو إسرائيل متفرقون عليه، يجتمعون عليه مرة، ويفترقون أخرى.))

عن عبد الله بن مسعود _ وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الله أوحى إلى موسى بن عمران عليه السلام  أني متوفى هارون فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون عليهما السلام  نحو ذلك الجبل، فإذا هم بشجرة مثلها ببيت مبني، وإذا هم فيه بسرير عليه فرش، وإذا فيه ريح طيب، فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه، وقال يا موسى إني لأحب أن أنام على هذا السرير، قال له موسى: فنم عليه. قال: إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي. قال لـه موسى: لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم. فقال: يا موسى بل نم معي، فإن جاء رب هذا البيت غضب علي وعليك جميعاً. فلما ناما أخذ هارون الموت فلما وجد حسه قال: يا موسى خدعتني، فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة، ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى عليه السلام  إلى بني إسرائيل وليس معه هارون، قالوا: إن موسى قتل هارون وحسده حب بني إسرائيل لـه، وكان هارون آلف عندهم وألين لهم من موسى عليهما السلام ، وكان في موسى بعض الغلظ عليهم، فلما بلغه ذلك، قال لهم: ويحكم إنه كان أخي، أفتروني أقتله، فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله فنـزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه))، هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ([259])

 ثانياً: قصة موسى والخضر

لقي نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم  - في فترة التيه - ([260]) الرجل الصالح الخضر وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء.)) ([261]) وقص الله ما دار بينهما في سورة الكهف, وتفصيلها كما في الصحيحين: عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما : ((إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر، فقال كذب عدو الله.)) حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فقال لـه: بلى لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي رب ومن لي به، - وربما قال سفيان أي رب وكيف لي به - قال تأخذ حوتاً فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم، - وربما قال فهو ثمه - وأخذ حوتاً فجعله في مكتل، ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون، حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً، فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق، فقال هكذا مثل الطاق، فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما، حتى إذا كان من الغد قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً، ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله. قال لـه فتاه: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} [سورة الكهف 18/63] فكان للحوت سرباً ولهما عجباً قال لـه موسى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} [سورة الكهف 18/64] رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلّم موسى فرد عليه، فقال وأنى بأرضك السلام؟! قال: أنا موسى، قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال: يا موسى، إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، قال: هل أتبعك؟ {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً  = 67  وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً  = 68 } [سورة الكهف 18/67-68] إلى قولـه {إِمْراً} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة كلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، قال لـه الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر، إذ أخذ الفأس فنـزع لوحاً، قال: فلم يفجأ موسى إلا وقد قلع لوحاً بالقدوم، فقال له موسى: ما صنعت قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً! {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً  = 72  قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً  = 73 } [سورة الكهف 18/72-73] فكانت الأولى من موسى نسياناً، فلما خرجا من البحر مروا بغلام يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده هكذا وأومأ سفيان بأطراف أصابعه كأنه يقطف شيئاً، فقال لـه موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً  = 74  قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً  = 75  قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً  = 76  فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} [سورة الكهف 18/74-77] مائلاً أومأ بيده هكذا - وأشار سفيان كأنه يمسح شيئاً إلى فوق - فلم أسمع سفيان يذكر مائلاً إلا مرة، قال: قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا، عمدت إلى حائطهم لو شئت لاتخذت عليه أجراً، {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} [سورة الكهف 18/78] قال النبي صلى الله عليه وسلم : وددنا أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما، قال سفيان: قال النبي صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى، لو كان صبر لقص علينا من أمرهما، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما  (أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً) وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين ثم قال لي سفيان: سمعته منه مرتين وحفظته منه، قيل لسفيان: حفظته قبل أن تسمعه من عمرو أو تحفظته من إنسان فقال ممن أتحفظه ورواه أحد عن عمرو غيري سمعته منه مرتين أو ثلاثاً وحفظته منه.)) ([262])

 ثالثاً: بقرة بني إسرائيل :

وفي التيه حصل ما قص الله من خبر القتيل الذي طلب بني إسرائيل من موسى عليه السلام  أن يخبرهم بقاتله وقد تقدم في الأثر السابق تفصيل القصة.

وفيها توبيخ من الله ليهود المدينة بسبب نقض آبائهم الميثاق الذي أخذه الله عليهم بطاعة أنبيائه، ويقول لهم اذكروا من نقضكم لميثاقي قصة آبائكم مع البقرة التي أمرهم موسى بذبحها.

قال ابن كثير: "أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل، وكثرة سؤالهم لرسولهم، ولهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد ولكنهم شددوا فشدد عليهم." ([263])

 رابعاً: قصة قارون

ذم الله تبارك وتعالى قارون في أكثر من آية فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ  = 23  إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ  = 24 } [سورة غافر 40/23-24] ، وقال تعالى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ  = 39  فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ  = 40 } [سورة العنكبوت 29/39-40]

 وألحق النبي صلى الله عليه وسلم  من ترك الصلاة بقارون، كما أخرج الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه ذكر الصلاة يوماً، فقال: ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً، ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن لـه برهان ولا نور ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف.)) ([264])

 وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر لقوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [سورة القصص 28/81] وهو الراجح للآتي:

1- لأن إرسال موسى كان للطغاة الثلاثة :فرعون وهامان وقارون.

2- ولأن الآية نصت على خسف داره والدور لم تكن في الصحراء،

وقد توقف ابن كثير وأورد الاحتمالين. ووجه الدار الى أنها عبارة عن المحلة التي تضرب فيها الخيام، والله أعلم بالصواب. ([265])

 خامساً: وفاة موسى عليه السلام

مكث موسى عليه السلام  ما شاء الله يربي أبناء الذين كتب عليهم التيه، ويعدهم لدخول الأرض المقدسة، ثم حان أجله، وكما في الحديث الصحيح أن الله يخير أنبيائه قبل موتهم، كما قالت عائشة رضي الله عنها : ((كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة)) قالت فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم  في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول: (({مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} [سورة النساء 4/69] قالت فظننته خير حينئذ.)) ([266])

وهكذا موسى عليه السلام  جاءه الملك يخيره وخبر ذلك ما قصه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

ففي الصحيحين عن أبي هريرة _ قال: ((أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام  فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه وقال ارجع فقل لـه: يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر)) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((فلو كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر.)) ([267])

وهذا هو الصحيح من موته عليه السلام  في التيه بدليل طلبه أن يدنيه من الأرض المقدسة. وفي المسند في سياق حديث الإسراء قال صلى الله عليه وسلم : ((لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر.)) ([268])

 وتحديد الكثيب الأحمر خارج الأرض المقدسة يكذب ادعاء وجود قبره داخل فلسطين، وأن بني إسرائيل نقلوا جثمانه معهم ودفنوه بين أريحا وبيت المقدس. ([269])

 سادساً : غير ذلك من الإسرائيليات فيما حصل في التيه

قال الإمام ابن كثير: "وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا آثارا فيها مجازفات كثيرة باطلة، يدل العقل والنقل على خلافها: من أنهم كانوا أشكالاً هائلة ضخاماً جداً، حتى إنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل الجبارين فجعل يأخذهم واحداً واحداً ويلفهم في أكمامه وحجزة سراويله وهم إثنا عشر رجلاً، فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبارين، فقال: ما هؤلاء ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه، وكل هذه هذيانات وخرافات لا حقيقة لها، وأن الملك بعث معهم عنباً كل عنبة تكفي الرجل، وشيئاً من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم، وهذا ليس بصحيح، وذكروا ههنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث ذراع هكذا ذكره البغوي ([270]) وغيره، وليس بصحيح كما قدمنا بيانه عند قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله خلق آدم عليه السلام  طوله ستون ذراعاً، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن ([271]) قالوا فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش موسى فجاء طائر فنقر تلك الصخرة فخرقها صارت طوقا في عنق عوج بن عنق، ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع، وبيده عصاه وطولها عشرة أذرع، فوصل إلى كعب قدمه فقتله، يروى هذا عن عوف البكالي ونقله ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما  وفي إسناده إليه نظر، ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات، وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل، فإن الأخبار الكذبة قد كثرت عندهم، ولا تميز لهم بين صحتها وباطلها، ثم لو كان هذا صحيحاً لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم، وقد ذمهم الله على نكولهم وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم ومخالفتهم رسولهم. ([272])


 المسألة الخامسة:التسليط عليهم و تشريدهم في الارض

 الآثار:

قولـه تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 }

96-11884 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: أمر ربك.  ([273])

97-11885 - حدثني المثني بن إبراهيم وعلي بن داود قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد صلى الله عليه وسلم  وأمته إلى يوم القيامة.  ([274])

98-11886 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } فهي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.  ([275])

99-حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس رضي الله عنهما : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: يهود، وما ضرب عليهم من الذلة والمسكنة.  ([276])

100-11887 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: فبعث الله عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.  ([277])

101-11888 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: بعث عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة. وقال عبد الكريم الجزري: يستحب أن تبعث الأنباط في الجزية.  ([278])

102-11889 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: العرب. {سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ  = 49 } قال: الخراج. وأول من وضع الخراج موسى عليه السلام ، فجبى الخراج سبع سنين.  ([279])

103-حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: العرب. {سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ  = 49 } قال: الخراج. قال: وأول من وضع الخراج موسى، فجبى الخراج سبع سنين.  ([280])

104-حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: هم أهل الكتاب، بعث الله عليهم العرب يجبونهم الخراج إلى يوم القيامة، فهو سوء العذاب، ولم يجب نبي الخراج قط إلا موسى عليه السلام  ثلاث عشرة سنة ثم أمسك، وإلا النبي صلى الله عليه وسلم .  ([281])

105-11890- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } قال: يبعث عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.  ([282])

106-11891- قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني عبد الكريم، عن ابن المسيب، قال: يستحب أن تبعث الأنباط في الجزية.  ([283])

107-11892 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  = 167 } يقول: إن ربك يبعث على بني إسرائيل العرب، فيسومونهم سوء العذاب: يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم.  ([284])

108-11893 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ليبعثن على يهود.  ([285])

قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً} [سورة الأعراف 7/168].

109-11894 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل عن يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً} قال: في كل أرض يدخلها قوم من اليهود.  ([286]) ‏

قوله تعالى: {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} [سورة الحشر 59/3]

110-26202- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء} خروج الناس من البلد إلى البلد.  ([287])

111-26204 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري قال: كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي.  ([288])

112-26205 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: ثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء} وكان لهم من الله نقمة {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أي بالسيف {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} مع ذلك. ([289])


 الدراســــة:

كتب الله على اليهود بسبب عصيانهم لأوامره -تبارك وتعالى- من يسومهم العذاب بأخذ الجزية منهم وتشتيتهم في الأرض كما قال ابن عباس رضي الله عنهما  وغيره من السلف.

قال ابن كثيررحمه الله : "ويقال أن موسى عليه السلام  ضرب الخراج سبع سنين، وقيل ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين، ثم صاروا إلى قهر النصارى، وإذلالهم إياهم، وأخذهم منهم الجزى والخراج، ثم جاء الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم  فكانوا تحت قهره وذمته يؤدون الخراج والجزية." ([290])

وقد أجاب القرطبي عن إشكال يفهم من السياق فقال: "فإن قيل: فقد مسخوا، فكيف تؤخذ منهم الجزية؟ فالجواب أنها تؤخذ من أبنائهم وأولادهم، وهم أذل قوم، وهم اليهود." ([291])

ثم كتب الله عليهم التقطيع في الأرض والشتات، فقطعهم إثنتي عشرة أسباطاً أمماً، فلن يكون لهم أمة واحدة مجتمعة مستقرة، ولا يعتد باتفاق مؤقت فإن الأصل التفرق، ففي أيام ملكهم الكبير أيام داود وسليمان عليهما السلام  ما لبثوا أن تفرقوا إلى مملكتين؛ مملكة (يهوذا) ومملكة إسرائيل ، ولم يقم لهم كيان متماسك الى أن قامت دولة إسرائيل المعاصرة -عجل الله زوالها- فهذا قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} [سورة الأعراف 7/160] 

وهناك التقطيع الثاني : وهو تفريقهم أمماً، فهم موزعون في شتى الأرض، فلا يخل منهم قطر، وتجدهم في كل أسقاع المعمورة. ([292])

وقد مر اليهود عبر التاريخ بأدوار كانت غاية بالسوم والاضطهاد، وهذا مصداق قولـه تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} وهي تتحدث عن تعقب هؤلاء اليهود على مر العصور، ولو لم تكن بهم صفات تخالف صفات الآدميين، وأنهم اصطبغوا بما لم يصطبغ به غيرهم من التعنت والصلف والكبرياء والخسة والغدر والخيانة لما خصهم الله ـ وهو أعلم بهم سبحانه ـ بكثير من آياته التي تكشف أعمالهم الخاطئة، وتصرفاتهم الهوجاء، وتبين زيفهم الذي يظهرهم على حقيقتهم، وما جبلوا عليه من فسق وفجور، ولقد مرت بهم حالات كانوا فيها هدفاً للاضطهاد والاحتقار، منبوذين أينما ثقفوا، فقد تحدث القرآن الكريم عن معاملة فرعون لهم، وكيف أنه كان يسوهم سوء العذاب، يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم يستعبدهم ويستذلهم يتسلط عليهم ويقهرهم، وسلط الله عليهم الملك (سرجون) ملك آشور فقضى على مملكة إسرائيل، وشتت شملهم وفرق جموعهم سنة 721ق.م ([293]).

ويذكر المؤرخون كيف غزا (بختنصر) بيت المقدس، وخربها واستحل أهلها، وقاد أكثرهم أسرى حوالي سنة 586ق.م، ثم غزاها ثانياً فقتل المقاتلة وسبى الذرية ([294])، في سنة 203ق.م. اضطهد حكام سوريا اليهود حين استحلوا بلادهم، وأثقلوهم بالضرائب وفتنوهم عن دينهم.

وقد استولى أحد الرومان (بومبيه) على مملكة يهوذا وجعلها أقليماً رومانياً ([295])، وفي سنة 70 للميلاد ثار اليهود على الرومان فاضطروا للاستيلاء على (أورشليم)، وأصدر الأمبراطور (تيتوس) أمراً بإحراق معبدهم، وذبح معظم أهلها، وبيع من بقي منهم، وفي سنة 135م قامت ثورة ضد الرومان وكانت قد أنشئت مدينة اليهود من جديد، مما جعل الأمبراطور الروماني (أديان) يأمر بهدم المدينة من أساسها، والقضاء على اليهود، وقد ذبح منهم 500.000 وتم بيع الباقين، وتشريدهم في أرجاء الأرض. ([296]).

أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم  بعض قبائلهم من المدينة المنورة، وقضى على أخرى بعد أن تبين له غدرهم وخيانتهم وتآمرهم مع أعداء المسلمين، وقاتلهم في خيبر حتى استحل بلادهم حين عرف أنهم يكيدون له ويجمعون له الجموع. وسيأتي مزيد تفصيل لذلك في الباب الثالث بإذن الله.

وأجلاهم عمر بن الخطاب _ من كافة جزيرة العرب متمثلاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم  : ((لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)). ([297])

(وقد لبثوا عدة قرون يسامون الخسف من قبل الأمم المسيحية الذين يرون أن مطاردتهم واضطهادهم إنما هو عنوان الصلاح والتقوى عندهم، فقد هاجمهوهم وامتهنوهم واحتقروهم حتى لم ينجهم منهم إلا الإسلام يتفيئون ظلاله في الأندلس، ولكنه حين قلص هذا الظل واستولى النصارى على الحكم لم يعد ذلك الملاذ لهم، فقرروا إخراج اليهود وتعقبوهم في كل مدن الأندلس، وقد بذلك رجال الكنيسة الكاثوليكية كل جهودهم في سبيل طرد العنصر اليهودي، فكان أن أرغم جميع اليهود الذين لم يعتنقوا المسيحية على مغادرة البلاد الأسبانية وإلا حكم عليهم بالإعدام، وقد وقع كثيرون منهم في يد القراصنة، فجردوهم من أموالهم واتخذوهم عبيداً أرقاء، وقد لجأ كثير منهم إلى البرتغال، ولكن القساوسة أثاروا الرأي العام عليهم، فتم إبعاد جميع البالغين منهم، أما الأولاد التي لا تتجاوز أعمارهم أربعة عشر عاماً فقد انتزعوا من أحضان أمهاتهم لكي يربوا، وينشؤوا على مبادئ الدين المسيحي) ([298])، ولم يقتصر طرد اليهود من أسبانيا والبرتغال بل طردوا وشردوا من جميع دول أوربا.

-        ففي انجلترا طر الملك (إدوارد) اليهود سنة 1290م.

-        وفي فرنسا طردهم الملك (فيليب) سنة 1306 وسمح لعدد ضئيل منهم بالعودة، ولكنهم طردوا بعد ذلك سنة 1394م.

-        ومن المجر طردوا سنة 1360م ولكنهم ما لبثوا أن عادوا حتى طردوا سنة 1582م.

-        وفي سنة 1370م طردوا من بلجيكا.

-        وفي تشيكوسلوفاكيا شردوا من براغ سنة 1380م وكثيرون منهم عادوا فاستوطنوها سنة 1562 وفي سنة 1744 طردتهم الإمبراطورة (ماريا تيريزا) ([299]).

-        وقد تم طردهم من النمسا على يد الملك (البريخت الخامس) سنة 1420م.

-        وفي سنة 1444م طردوا من أتوريخت في هولندا.

-        ومن إيطاليا طردوا من مملكة نابلي وسردينيا سنة 1540م.

-        ونفوا من بافاريا في ألمانيا سنة 1551م، ثم كثر اضطهادهم على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية، وأزهقت أرواح مئات الألوف منهم.

-        أما في روسيا فقد طردوا منها سنة 1510م ثم عادوا تدريجياً إليها متعرضين لأنواع شتى من الاضطهادات وأبرزها ما حصل في أوكرانيا عام 1919م. ([300]).

وسيستمر أمر الله فيهم حتى يذوقوا المهانة والقتل على يد المسلمين قال صلى الله عليه وسلم : ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.)) ([301])


 المسألة السادسة: المسخ قردة وخنازير

 الآثار:

قولـه تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ  = 65 }. [سورة البقرة 2/65]

113- 950- حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد قال: ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ  = 65 } يقول: ولقد عرفتم وهذا تحذير لهم من المعصية يقول: احذروا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت إذ عصوني {اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ  = 65 } يقول اجترؤوا في السبت. قال: لم يبعث الله نبيا إلا أمره بالجمعة وأخبره بفضلها وعظمها في السموات وعند الملائكة وأن الساعة تقوم فيها فمن اتبع الأنبياء فيما مضى كما اتبعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم  محمدا قبل الجمعة وسمع وأطاع وعرف فضلها وثبت عليها بما أمره الله تعالى به ونبيه صلى الله عليه وسلم  ومن لم يفعل ذلك كان بمنـزلة الذين ذكر الله في كتابه فقال: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ  = 65 }. وذلك أن اليهود قالت لموسى حين أمرهم بالجمعة وأخبرهم بفضلها: يا موسى كيف تأمرنا بالجمعة وتفضلها على الأيام كلها والسبت أفضل الأيام كلها؛ لأن الله خلق السموات والأرض والأقوات في ستة أيام وسبت لـه كل شيء مطيعاً يوم السبت وكان آخر الستة؟ قال: وكذلك قالت النصارى لعيسى ابن مريم حين أمرهم بالجمعة قالوا لـه: كيف تأمرنا بالجمعة وأفضل الأيام أفضلها وسيدها والأول أفضل والله واحد والواحد الأول أفضل؟ فأوحى الله إلى عيسى أن دعهم والأحد ولكن ليفعلوا فيه كذا وكذا مما أمرهم به. فلم يفعلوا فقص الله تعالى قصصهم في الكتاب بمعصيتهم. قال: وكذلك قال الله لموسى حين قالت له اليهود ما قالوا في أمر السبت: أن دعهم والسبت فلا يصيدوا فيه سمكاً ولا غيره ولا يعملون شيئاً كما قالوا. قال: فكان إذا كان السبت ظهرت الحيتان على الماء فهو قوله: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  = 163 } [سورة الأعراف 7/163] يقول: ظاهرة على الماء ذلك لمعصيتهم موسى. وإذا كان غير يوم السبت صارت صيداً كسائر الأيام فهو قوله: {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  = 163 }. ففعلت الحيتان ذلك ما شاء الله؛ فلما رأوها كذلك طمعوا في أخذها وخافوا العقوبة فتناول بعضهم منها فلم تمتنع عليه وحذر العقوبة التي حذرهم موسى من الله تعالى. فلما رأوا أن العقوبة لا تحل بهم عادوا وأخبر بعضهم بعضاً بأنهم قد أخذوا السمك ولم يصبهم شيء، فكثروا في ذلك وظنوا أن ما قال لهم موسى كان باطلاً وهو قول الله جل ثناؤه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ  = 65 } يقول لهؤلاء الذين صادوا السمك فمسخهم الله قردة بمعصيتهم يقول: إذا لم يحيوا في الأرض إلا ثلاثة أيام ولم تأكل ولم تشرب ولم تنسل، وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة الأيام التي ذكر الله في كتابه، فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة وكذلك يفعل بمن شاء كما يشاء ويحوله كما يشاء.([302])

114-955 - حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} قال : لم يمسخوا، إنما هو مثل ضربه الله لهم مثل ما ضرب مثل الحمار يحمل أسفاراً . ([303])

115-956 - حدثنا بشار قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [سورة البقرة 2/65] قال: صاغرين. ([304])

116-957 - حدثني الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة: {خاسئين} قال: صاغرين.‏ ([305])

قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً} [سورة البقرة 2/66].

117-960 - حدثنا به أبو كريب قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عمارة قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {فَجَعَلْنَاهَا} فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة نكالاً. ([306])

قوله تعالى: {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [سورة البقرة 2/66].

118-969 - حدثني به موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط عن السدي: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} قال: أما ما بين يديها: فما سلف من عملهم {وما خلفها} فمن كان بعدهم من الأمم أن يعصوا فيصنع الله بهم مثل ذلك. ([307])

قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [سورة المائدة 5/60].

119-9532 حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن عمرو بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري قال: حدثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير كان أن امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل، وكان فيها ملك بني إسرائيل، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة إلا أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام، متمسكة به فجعلت تدعو إلى الله حتى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها قالت لهم: إنه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله، وأن تنادوا قومكم بذلك فاخرجوا فإني خارجة! فخرجت وخرج إليها ذلك الملك في الناس، فقتل أصحابها جميعاً وانفلتت من بينهم. قال: ودعت إلى الله حتى تجمع الناس إليها، حتى إذا رضيت منهم أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت معهم وأصيبوا جميعاً وانفلتت من بينهم. ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال استجابوا لها أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت فأصيبوا جميعاً وانفلتت من بينهم. فرجعت وقد أيست وهي تقول: سبحان الله لو كان لهذا الدين ولي وناصر لقد أظهره بعد! قال: فباتت محزونة وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير وقد مسخهم الله في ليلتهم تلك، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أن الله قد أعز دينه وأمر دينه! قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة. ‏([308])

120-9533 حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} قال: مسخت من يهود. ([309])

121-9601 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا جرير عن حصين عن مجاهد: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [سورة المائدة 5/78]قال: لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ولعنوا على لسان عيسى فصاروا خنازير.([310])

122-حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما  قولـه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ} بكل لسان؛ لعنوا على عهد موسى عليه السلام  في التوراة، وعلى عهد داود عليه السلام  في الزبور، وعلى عهد عيسى عليه السلام  في الإنجيل، ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم  في القرآن. ([311])

123-قال ابن جريج وقال آخرون: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ} على عهده فلعنوا بدعوته. قال: مر داود عليه السلام  على نفر منهم وهم في بيت فقال من في البيت؟ قالوا: خنازير قال: اللهم اجعلهم خنازير! فكانوا خنازير؛ ثم أصابتهم لعنته. ودعا عليهم عيسى عليه السلام  فقال: اللهم العن من افترى علي وعلى أمي واجعلهم قردة خاسئين. ([312])


 الدراســــة:

 مما أبتلى الله به بني إسرائيل يوم السبت، وما منعهم الله من صيد الحيتان فيه كما هو مفصل في ما سبق من الآثار.

وأمام هذه المعصية صار القوم ثلاثة أصناف:

1- صنف وقف عند حدود الله ونهى الآخرين عن المعصية.

2- وصنف أمسك عن المعصية ولكنه سكت عن العصاة.

3- وصنف وقع في المعصية وانتهك حدود الله.

ووقع خلاف بين السلف عن من وقع عليه الهلاك فيجزمون أن العاصين مسخوا ويختلفون في الذين أمسكوا وقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} [سورة الأعراف 7/164]

 وقد فصل ذلك ابن كثير ثم قال: "فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين وسكت عن الساكتين لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا"  ([313])

1- وقد مسخ الله العصاة وتحولوا الى قردة خاسئين لها أذناب تتعاوى بعدما كانوا رجالاً ونساءً، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما  وجمع من التابعين.

2- و ذهب مجاهد رحمه الله  الى أن المسخ معنوي كما رواه الطبري، وأنه مسخ لأرواحهم وقلوبهم، وهو مثل ضربه الله كمثل الحمار الذي ضربه يحمل أسفاراً.

قال القرطبي: ولم يقله غيره من المفسرين فيما أعلم. ([314])

وقد خالفه الطبري وبين مخالفته للإجماع، وعلل أن فهمه هذا  مخالف لظاهر القرآن، وليس بجيد فقال: "وهذا القول الذي قاله مجاهد قول مخالف لظاهر ما دل عليه كتاب الله، وذلك: أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، كما أخبر عنهم أنهم قالوا لنبيهم: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة النساء 4/153] وأن الله - تعالى ذكره- أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربهم، وأنهم عبدوا العجل فجعل توبتهم قتل أنفسهم، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة فقالوا لنبيهم: {اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [سورة المائدة 5/24] فابتلاهم بالتيه. فسواء قال قائل: هم لم يمسخهم قردة وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير،  وآخر قال: لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم من الخلاف على أنبيائهم والعقوبات والأنكال التي أحلها الله بهم. ومن أنكر شيئاً من ذلك وأقر بآخر منه سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك بما أقر به، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح. هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه، وكفى دليلاً على فساد قول إجماعها على تخطئته." ([315])

ومما يؤيد أن المسخ حقيقي ولا يستغرب قوله صلى الله عليه وسلم  في حديث أم حبيبة رضي الله عنها  وفيه: فقال رجل: ((يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم  ((إن الله عز وجل  لم يهلك قوماً أو يعذب قوماً فيجعل لهم نسلاً، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك.)) ([316])

وهذا الذي عاقبهم به الله ذكر أن أصحابه هم من أشر خلق الله :لعنهم وطردهم من رحمته ومسخهم كما قال تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ  = 60 } [سورة المائدة 5/60]

كل ذلك تحذيراً لبني إسرائيل المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولمن جاء بعدهم، وللمسلمين حتى يطيعوا أمر الله ولا يتعدوا حدوده، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً  = 47 } [سورة النساء 4/47] ([317])


 المسألة السابعة :تحريم بعض الطيبات

 الآثار:

قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [سورة النساء 4/160].

124-8517 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}... الآية عوقب القوم بظلم ظلموه وبغي بغوه حرمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم.‏ ([318])

قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [سورة الأنعام 6/146].

125-10962- حدثني المثنى وعلي بن داود قالا: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} وهو البعير والنعامة. ([319])

126-- حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} قال: البعير والنعامة ونحو ذلك من الدواب.‏ ([320])

127-10963 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا يحيى بن آدم عن شريك عن عطاء عن سعيد: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} قال: هو ليس الذي بمنفرج الأصابع. ([321])

128-10969 - حدثني الحرث قال: ثنا عبد العزيز قال: ثنا شيخ عن مجاهد في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} قل: النعامة والبعير شقا شقا قال: قلت: "ما شقا شقا؟" قال كل ما لم تفرج قوائمه لم يأكله اليهود البعير والنعامة؛ والدجاج والعصافير تأكلها اليهود لأنها قد فرجت. ([322])

129-10970 - حدثني به يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} الإبل فقط. ([323])

قوله تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [سورة الأنعام 6/146].

130-10974 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} قال: إنما حرم عليهم الثروب والكليتين. هكذا هو في كتابي عن يونس وأنا أحسب أنه الكلى.([324])

قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [سورة النحل 16/118].

131-16580 - حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية عن أبى رجاء عن الحسن في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} قال: في سورة الأنعام.‏ ([325])


  الدراســــة:

ومما عاقب الله به بني إسرائيل بسبب ظلمهم وبغيهم: أن حرم عليهم طيبات كانت حلالاً لهم، وهو ما عناه الله بقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} يعني في سورة الأنعام وهو قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [سورة الأنعام 6/147]

 والمعنى: وحرمنا على اليهود كل ذي ظفر، وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والأنعام والأوز والبط.

قال مجاهد: ((كل ما لم تفرج قوائمه لم يأكله اليهود البعير والنعامة؛ والدجاج والعصافير تأكلها اليهود لأنها قد فرجت.))

ثم حرم الله عليهم شحوم البقر والغنم, واستثنى من ذلك:{مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} ، والحوايا جمع، واحدها حاوياء وحاوية وحويه: وهي ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي المباعر، وتسمى المرابض، وفيها الأمعاء. ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو ما حملت الحوايا. ([326])

ثم بين - سبحانه وتعالى - أن هذا التحريم كان نتيجة لطغيانهم. فقال تعالي: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [سورة الأنعام 6/146] أي: هذا الذي حرمناه علي الذين هادوا من الأنعام والطير. ومن البقر والغنم. وهذا التضييق الذي حكمنا به عليهم. إنما ألزمناهم به. بسبب بغيهم وظلمهم. وتعديهم حدود الله - تعالي.

قال قتادة: ((إنما حرم الله ذلك عليهم عقوبة ببغيهم فشدد عليهم بذلك وما هو بخبيث.)) ([327])

{وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} أي وإنا لعادلون فيما جازيناهم به قال الطبري: وإنا لصادقون فيما أخبرناك به يا محمد من تحريمنا ذلك عليهم لا كما زعموا من أن إسرائيل هو الذي حرمه على نفسه. ([328])

ومع أن الشحوم جميعها باستثناء ما أحله الله لهم منها محرمة عليهم. فإنهم تحايلوا علي شرع الله. وأخذوا يذيبونها ويستعملونها ويتبايعونها بينهم ويأكلون ثمنها. ولقد لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم  بسبب هذا التحليل.

من ذلك ما رواه عن ابن عباس - رضي الله عنهما  - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان قاعداً خلف المقام، فرفع بصره إلي السماء. وقال: ((لعن الله اليهود - ثلاثاً - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا ثمنها، وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه.)). ([329])

وعن جابر بن عبدالله. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول عام الفتح: ((إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.)) فقيل: ((يارسول الله: أرأيت شحوم الميتة فإنها يدهن بها الجلود. وتطلي بها السفن. ويستصبح بها الناس.)) فقال: ((لا. هو حرام.)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  عند ذلك. ((قاتل الله اليهود. إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها - أي: أذابوها - ثم باعوها وأكلوا ثمنها)) ([330])

ثم حذرهم الله من الكفر والطغيان. فقال الله: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الأنعام 6/147] أي: فإن كذبك - يامحمد - هؤلاء اليهود. وأمثالهم من المشركين. فيما أخبرناك عنه. من أنا حرمنا علي هؤلاء اليهود بعض الطيبات. عقوبة لهم. فقل لهم: إن الله - تعالي - ذو رحمة واسعة حقاً. ورحمته وسعت كل شيء. ومن مظاهر رحمته: أنه لا يعاجل من كفر به بالعقوبة. ولا من عصاه بالنقمة. ولكن ذلك لا يقتضي أن يرد بأسه. أو يمنع عقابه عن القوم المصرين علي إجرامهم. المستمرين علي اقتراف المنكرات. وارتكاب السيئات. ([331])

وقد ذكر الله تبارك وتعالى السبب الذي من أجله حرمت هذه الطيبات فقال: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً  = 160  وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً  = 161 } [سورة النساء 4/160-161]

ففي الآية تعليل للعقوبات التي حلت بهم. فقد بينت هذه الآية الكريمة أن الله تعالي عاقب اليهود. بتحريم طيبات أحلت لهم. بسبب ظلم عظيم ارتكبوه. وجرائم خطيرة صدرت عنهم. وقد تكفلت الآيات السابقة واللاحقة بتفصيل هذا الظلم. الذي من أجله عاقبهم الله - عز وجل  - في الدنيا والآخرة.

ومن ضروب هذا الظلم الذي ذكره الله - تعالي - في الآيات السابقة: نقضهم لمواثيقهم. وكفرهم بآيات الله. وقتلهم الأنبياء بغير حق. وقولهم علي مريم بهتاناً عظيماً. وتفاخرهم بقتل عيسى عليه السلام  في زعمهم. أما تلك العقوبات التي عاقبهم الله بها من أجل تلك الجرائم. والموبقات فبعضها دنيوي. أشار إليها القرآن الكريم بقوله: {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} وبعضها أخروي وهو ما سنشير اليه في الفصل القادم.


 المسألة الثامنة:الرجز

 الآثار:

قولـه تعالى: {فَأَنـزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  = 59 }

132-870 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أنا عبد الرزاق قال: أنا معمر عن قتادة في قوله: {رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  = 59 } قال: عذاباً. ([332])

133-871 - حدثني المثنى قال: حدثنا آدم العسقلاني قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله: {فَأَنـزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ} قال: الرجز: الغضب. ([333])

134-872 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قالا: قال ابن زيد: لما قيل لبني إسرائيل: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَـزِيدُ الْمُحْسِنِينَ  = 58 } {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ  = 162 } بعث الله جل وعز عليهم الطاعون فلم يبق منهم أحدا. وقرأ: {فَأَنـزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  = 59 } قال: وبقي الأبناء ففيهم الفضل والعبادة التي توصف في بني إسرائيل والخير وهلك الأباء كلهم أهلكهم الطاعون. ([334])

135-873 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: الرجز: العذاب وكل شيء في القرآن رجز فهو عذاب. ([335])

136-874 - حدثت عن المنجاب قال: حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله: {رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  = 59 } قال: كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب. ([336])


 الدراســــة:

مما عاقب الله به بني إسرائيل (الرجز) يوم أن أمروا أن يدخلوا القرية وأن يقولوا حطة :{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنـزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  = 59 } [سورة البقرة 2/59]

واختلف في تفسير الرجز فقيل:

1- العذاب مطلقاً وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما  قال: ((كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني العذاب.))، وهو قول جماعة من السلف كالحسن وقتادة. ([337])

2- وقيل الغضب كما هو المروي عن أبي العالية.

3- وقيل هو الطاعون وهو الذي رجحه الطبري، وله شاهد في الصحيحين: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه  رضي الله عنهما  أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد _: ((ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الطاعون.)) فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الطاعون رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه.)) ([338])

وسواء أكان الطاعون أم غيره فإن الرجز يطلق على العذاب الذي نزل بهم.

قال الطبري: "وقد دللنا على أن تأويل (الرجز) العذاب. وعذاب الله جل ثناؤه أصناف مختلفة، وقد أخبر الله جل ثناؤه أنه أنـزل على الذين وصفنا أمرهم الرجز من السماء، وجائز أن يكون ذلك طاعوناً، وجائز أن يكون غيره، ولا دلالة في ظاهر القرآن ولا في أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم  ثابت أي أصناف ذلك كان". ([339])


 المطلب الثاني: عقاب الله لهم في الآخرة. وفيه مسألتان:

 المسألة الأولى: لا ينظر الله إليهم

 الآثار:

قولـه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة آل عمران 3/77].

137-5753 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال: نـزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب. ([340])

 المسألة الثانية:عذاب النار والخلود فيها

قولـه تعالى: {لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [سورة البقرة 2/79].

138-1151 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال: ثنا إبراهيم بن عبد السلام قال: ثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي عن عثمان بن عفان _ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  : {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} "الويل: جبل في النار". وهو الذي أنـزل في اليهود لأنهم حرفوا التوراة وزادوا فيها ما يحبون، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم  من التوراة؛ فلذلك غضب الله عليهم فرفع بعض التوراة فقال: {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.‏ ([341])

قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} [سورة البقرة 2/80].

139-1155 - حدثنا به أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} قال ذلك أعداء الله اليهود قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم الأيام التي أصبنا فيها العجل أربعين يوماً فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والقسم.‏ ([342])

140-1159 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} الآية. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوباً: "إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم." وكان ابن عباس رضي الله عنهما  يقول: إن الجحيم سقر وفيه شجرة الزقوم فزعم أعداء الله أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياماً معدودة. وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل فلا عذاب وتذهب جهنم وتهلك؛ فذلك قوله: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} يعنون بذلك الأجل. فقال ابن عباس: لما اقتحموا من باب جهنم ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة قال لهم خزان سقر: زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياماً معدودة فقد خلا العدد وأنتم في الأبد! فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون.‏ ([343])

141-1161 - حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق قال: ثنا حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقالوا: لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا فيها قوم آخرون! يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم  وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  بيده على رؤوسهم: ((بل أنتم فيها خالدون لا يخلفكم فيها أحد)) فأنـزل الله جل ثناؤه: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}. ([344])

142-1164 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كانت يهود يقولون: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً من أيام الآخرة، وإنها سبعة أيام. فأنـزل الله في ذلك من قولهم: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} ([345]).

143-1163 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال لهم: ((أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنـزلها الله على موسى يوم طور سيناء، من أهل النار الذين أنـزلهم الله في التوراة؟)) قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة، فمكث في النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ((كذبتم والله! لا نخلفكم فيها أبداً)). فنـزل القرآن تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وتكذيباً لهم: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْداً} إلى قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ([346])

قولـه تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء} [سورة البقرة 2/171].

144-2037 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنـزل الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنـزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [سورة البقرة 2/174] إلى قوله: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [سورة البقرة 2/174-175] ([347])

قولـه تعالى: {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} [سورة الحشر 59/3].

145-26207 - حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء} أهل النضير حاصرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم  حتى بلغ منهم كل مبلغ فأعطوا نبي الله صلى الله عليه وسلم  ما أراد، ثم ذكر نحوه وزاد فيه: فهذا الجلاء. ([348])

قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [سورة الممتحنة 60/13].

146-26375 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر قال: قال الكلبي: قد يئسوا من الآخرة يعني اليهود والنصارى يقول: قد يئسوا من ثواب الآخرة وكرامتها كما يئس الكفار الذي قد ماتوا فهم في القبور من الجنة حين رأوا مقعدهم من النار. ([349])‏

147-26375 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر قال: قال الكلبي: قد يئسوا من الآخرة يعني اليهود والنصارى يقول: قد يئسوا من ثواب الآخرة وكرامتها كما يئس الكفار الذي قد ماتوا فهم في القبور من الجنة حين رأوا مقعدهم من النار.‏ ([350])

قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} [سورة الأعراف 7/156]

148-11804 - حدثني عبد الكريم قال: ثنا إبراهيم بن بشار قال: قال سفيان قال أبو بكر الهذلي: فلما نـزلت: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} قال إبليس: أنا من الشيء. فنـزعها الله من إبليس قال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} فقال اليهود: نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا. فنـزعها الله من اليهود فقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} [سورة الأعراف 7/157].. الآيات كلها. قال: فنـزعها الله من إبليس ومن اليهود وجعلها لهذه الأمة. ([351])


 الدراسة:

توعد الله اليهود بالعذاب في الآخرة، بعد أن أن قالوا أنهم أببناء الله وأحباؤه، ولن يلبثوا في النار الا أياماً معدودة، كما ذكر الله ذلك في كتابه الكريم فقدم لهم عقوبة الدنيا كما مرّ معنا وأعد لهم تبارك وتعالى عقوبة الآخرة، وأول ما يرد عليهم في ذلك تعذيبهم في القبور كما قال صلى الله عليه وسلم  لما خرج وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال صلى الله عليه وسلم : ((يهود تعذب في قبورها.)) ([352])

 ثم إن الله سيعاقبهم بالعطش يوم القيامة قبل أن يكبهم في النار كما في حديث أبي سعيد الخدري _ :أن أناساً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم  قالوا: ((يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة، ضوء ليس فيها سحاب. قالوا: لا، قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ضوء ليس فيها سحاب. قالوا: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما تضارون في رؤية الله عز وجل  يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: تتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار. حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله، بر أو فاجر، وغبرات ([353])أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا، فيشار: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار، كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار. ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ما تبغون؟ فكذلك مثل الأول. حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله، من بر أو فاجر، أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها، فيقال: ماذا تنتظرون، تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم لم نصاحبهم، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: لا نشرك بالله شيئاً. مرتين أو ثلاثاً.)) ([354])

وأما دخولهم النار وخلودهم فيها فكانوا يزعمون أنهم لن يدخلوها إلاّ تحلة القسم، وبعدد محدود قدّروه بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل، وربما قالوا سبعة أيام لأن الدنبا عندهم سبعة آلاف عام، سيدخلون بكل ألف عام يوماً واحداً، أو أربعين يوماً كما قلنا بعدد الأيام التي عبدوا بها العجل وغير ذلك مما يتخرصونه. ([355])

 ولكن النبي صلى الله عليه وسلم  أكذب ظنهم، وبشرهم بالنار، فعن أبي هريرة _ قال: ((لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم  شاة فيها سم.)) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود. فجمعوا لـه، فقال: إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه. فقالوا: نعم، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : (من أبوكم). قالوا: فلان، فقال: (كذبتم، بل أبوكم فلان). قالوا: صدقت، قال: (فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه). فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: (من أهل النار؟). قالوا: نكون فيها يسيراً، ثم تخلفونا فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبداً). ثم قال: (هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه). فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: (هل جعلتم في هذه الشاة سماً). قالوا: نعم، قال: (ما حملكم على ذلك). قالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح، وإن كنت نبياً لم يضرك.)) ([356])

وقولـه تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [سورة هود 11/17].

 وقولـه: {وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} [سورة الرعد 13/36] أي يكفر ببعضه وهم اليهود والنصارى. فيفسره قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم يموت قبل أن يؤمن بي إلا دخل النار))

 وكان ابن عباس رضي الله عنهما  يقول في هذا الحديث ((فجعلت أقول أين تصديقها في كتاب الله، وقلما سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا وجدت تصديقه في القرآن حتى وجدت هذه الآية {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [سورة هود 11/17] قال الأحزاب الملل كلها.))

ولما قالوا أن الجنة لهم هم والنصارى قال الله لهم : {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة البقرة 2/94] 

 قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ((إن اليهود لو تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار.)) الحديث ([357])

 وقال صلى الله عليه وسلم : ((والذي نفسي محمد بيده, لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار.)) ([358])

هذا ما أبطله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم  من مزاعم يهود، وهذا هو مقتضى العدل الإلهي: أن من آمن يأمن، ومن كفر وأعرض وتمنى على الله الأماني خاب وخسر، كما قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوآً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً  = 123 وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً  = 124 } [سورة النساء 4/124]

 و قال الله في حق اليهود: {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ = 181 } [سورة آل عمران 3/181]


 حديث الفتون الطويل وفيه جامع لاحوال بني إسرائيل: ([359])

قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً} [سورة مريم 19/53]

149-18192 - حدثني العباس بن الوليد الآملي قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أصبغ بن زيد الجهني قال: أخبرنا القاسم بن أيوب قال: ثني سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما  عن قول الله لموسى عليه السلام : {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى  = 40 } فسألته على الفتون ما هي؟ فقال لي: استأنف النهار يا بن جبير فإن لها حديثاً طويلاً قال: فلما أصبحت غدوت على ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني قال: فقال ابن عباس رضي الله عنهما : تذاكر فرعون وجلساؤه ما وعد الله إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً فقال بعضهم: إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك وما يشكون، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب؛ فلما هلك قالوا: ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم فقال فرعون: فكيف ترون؟ قال: فأتمروا بينهم وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذبحوه؛ فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأن الصغار يذبحون؛ قالوا: يوشك أن تفنوا بني إسرائيل فتصيرون إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم فاقتلوا عاماً كل مولود ذكر فيقل أبناؤهم ودعوا عاماً لا تقتلوا منهم أحداً، فتشب الصغار مكان من يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم فتخافون مكاثرتهم إياكم، ولن يقلوا بمن تقتلون فأجمعوا أمرهم على ذلك. فحملت أم موسى بهارون في العام المقبل الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، حتى إذا كان العام المقبل حملت بموسى فوقع في قلبها الهم والحزن وذلك من الفتون، يا ابن جبير مما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به فأوحى الله إليها {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ  = 7 } [سورة القصص 28/7] وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت ثم تلقيه في اليم؛ فلما ولدته فعلت ما أمرت به حتى إذا توارى عنها ابنها، أتاها إبليس فقالت في نفسها: ما صنعت بابني لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابه، فانطلق به الماء حتى أوفى به عند فرضة مستقى جواري آل فرعون، فرأينه فأخذنه فهممن أن يفتحن الباب فقال بعضهن لبعض: إن في هذا مالا وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة فرعون بما وجدنا فيه، فحملنه كهيئته لم يحركن منه شيئاً، حتى دفعنه إليها؛ فلما فتحته رأت فيه الغلام فألقي عليه منها محبة لم يلق مثلها منها على أحد من الناس، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ  = 10 } [سورة القصص 28/10] من كل شيء إلا من ذكر موسى. فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم. يريدون أن يذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير؛ فقالت للذباحين: انصرفوا عني فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، فآتي فرعون فأستوهبه إياه فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم وإن أمر بذبحه لم ألمكم. فلما أتت به فرعون قالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ  = 9 } قال فرعون: يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه. فقال: والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون لـه قرة عين كما أقرت به لهداه الله به كما هدى به امرأته، ولكن الله حرمه ذلك. فأرسلت إلى من حولها من كل أنثى لها لبن لتختار له ظئراً فجعل كلما أخذته امرأة منهم لترضعه لم يقبل ثديها، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، فحزنها ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق مجمع الناس ترجو أن تصيب له ظئراً يأخذ منها فلم يقبل من أحد. وأصبحت أم موسى فقالت لأخته: قصيه واطلبيه هل تسمعين لـه ذكراً، أحي ابني أو قد أكلته دواب البحر وحيتانه؟ ونسيت الذي كان الله وعدها، فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون، فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤورات: أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فأخذوها وقالوا: وما يدريك ما نصحهم له؟ هل يعرفونه؟ حتى شكوا في ذلك وذلك من الفتون يا ابن جبير؛ فقالت: نصحهم لـه وشفقتهم عليه رغبتهم في ظؤورة الملك، ورجاء منفعته فتركوها؛ فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر فجاءت؛ فلما وضعته في حجرها نـزا إلى ثديها حتى امتلأ جنباه، فانطلق البشراء إلى امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا لابنك ظئراً، فأرسلت إليها فأتيت بها وبه؛ فلما رأت ما يصنع بها قالت: امكثي عندي حتى ترضعي ابني هذا فإني لم أحب حبه شيئاً قط؛ قال: فقالت: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيراً فعلت، وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي! وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها فتعاسرت على امرأة فرعون وأيقنت أن الله تبارك وتعالى منجز وعده، فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها فأنبته الله نباتاً حسناً، وحفظه لما قضى فيه، فلم يزل بنو إسرائيل وهم مجتمعون في ناحية المدينة، يمتنعون به من الظلم والسخرة التي كانت فيهم. فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى: أزيريني ابني. فوعدتها يوماً تزيرها إياه فيه فقالت لخواصها وظؤورتها وقهارمتها: لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني بهدية وكرامة ليرى ذلك، وأنا باعثة أمينة تحصي كل ما يصنع كل إنسان منكم؛ فلم تزل الهدية والكرامة والتحف تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون. فلما دخل عليها نحلته وأكرمته وفرحت به وأعجبها ما رأت من حسن أثرها عليه، وقالت: انطلقن به إلى فرعون فلينحله وليكرمه. فلما دخلوا به عليه جعلته في حجره فتناول موسى لحية فرعون حتى مدها، فقال عدو من أعداء الله: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم أنه سيصرعك ويعلوك فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه! وذلك من الفتون يا ابن جبير، بعد كل بلاء ابتلي به وأريد به. فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت: ما بدا لك في هذا الصبي الذي قد وهبته لي؟ قال: ألا ترين يزعم أنه سيصرعني ويعلوني، فقالت: اجعل بيني وبينك أمراً تعرف فيه الحق، ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل؛ وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين فاعلم أن أحداً لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل، فقرب ذلك إليه فتناول الجمرتين فنـزعوهما منه مخافة أن تحرقا يده، فقالت المرأة: ألا ترى؟ فصرفه الله عنه بعد ما قد هم به وكان الله بالغاً فيه أمره. فلما بلغ أشده وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من يني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل امتناع. فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة إذ هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى واشتد غضبه لأنه تناوله وهو يعلم منـزلة موسى من بني إسرائيل، وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلا أنما ذلك من قبل الرضاعة غير أم موسى، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره؛ فوكز موسى الفرعوني فقتله وليس يراهما أحد إلا الله والإسرائيلي، فقال موسى حين قتل الرجل: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ  = 15 } [سورة القصص 28/15] ثم قال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  = 16 } [سورة القصص 28/16] {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ  = 18 } [سورة القصص 28/18] فأتى فرعون فقيل لـه: إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلاً من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم في ذلك، فقال: ابغوني قاتله ومن شهد عليه لأنه لا يستقيم أن يقضي بغير بينة ولا ثبت فطلبوا له ذلك؛ فبينما هم يطوفون لا يجدون ثبتاً إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس وكره الذي رأى فغضب موسى فمد يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني قال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ } فنظر الإسرائيلي موسى بعد ما قال فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني فخاف أن يكون بعد ما قال له {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ } أن يكون إياه أراد ولم يكن أراده وإنما أراد الفرعوني فخاف الإسرائيلي فحاجز الفرعوني فقال: {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ } [سورة القصص 28/19] وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا؛ فانطلق الفرعوني إلى قومه فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس؟ فأرسل فرعون الذباحين فسلك موسى الطريق الأعظم فطلبوه وهم لا يخافون أن يفوتهم. وجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة فاختصر طريقاً قريباً حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر وذلك من الفتون يا ابن جبير, فخرج موسى متوجهاً نحو مدين لم يلق بلاء قبل ذلك وليس لـه علم إلا حسن ظنه بربه تعالى، فإنه قال {عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ  = 22  وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [سورة القصص 28/22-23] يعني بذلك حابستين عنهما فقال لهما ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس فقالتا ليس لنا قوة نـزاحم القوم، وإنما ننتظر فضول حياضهم، فسقى لهما فجعل يغترف في الدلو ماء كثيراً حتى كان أول الرعاء بغنمها إلى أبيهما، وانصرف موسى عليه السلام  فاستظل بشجرة وقال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  = 24 } [سورة القصص 28/24] والحاصل واستنكر أبوهما سرعة صدورهما حفلاً بطاناً فقال إن لكما اليوم لشأنا فأخبرتاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه، فأتت موسى فدعته فلما كلمه قال {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص 28/25] ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ولسنا في مملكته، فقالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، فاحتملته الغيرة على أن قال لها ما يدريك ما قوته وما أمانته، قالت: أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا، لم أر رجلاً قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما الأمانة فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصت لـه، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك، ثم قال لي امشي خلفي وانعتي لي الطريق فلم يفعل هذا الأمر إلا وهو أمين، فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت فقال لـه: هل لك {أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ  = 27 } [سورة القصص 28/27] ففعل فكانت على نبي الله موسى ثماني سنين واجبة، وكانت سنتان عدة منه فقضى الله عنه عدته فأتمها عشراً، قال سعيد فلقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم قال هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا وأنا يومئذ لا أدري. فلقيت ابن عباس رضي الله عنهما  فذكرت ذلك له فقال: أما علمت أن ثمانياً كانت على نبي الله واجبة لم يكن نبي الله صلى الله عليه وسلم  لينقص منها شيئاً ويعلم أن الله كان قاضياً عن موسى عدته التي وعده فإنه قضىعشر سنين. فلقيت النصراني فأخبرته ذلك، فقال الذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك، قلت: أجل وأولى فلما سار موسى بأهله كان من أمر الناس والعصا ويده ما قص الله عليك في القرآن فشكا إلى الله سبحانه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقده لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له رداء ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه، فآتاه الله سؤله وحل عقدة من لسانه، وأوحى الله إلى هارون وأمره أن يلقاه فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون عليه السلام  فانطلقا جميعاً إلى فرعون، فأقاما على بابه حيناً لا يؤذن لهما ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا إنا رسولا ربك. قال: فمن ربكما؟ فأخبراه بالذي قص الله عليك في القرآن قال: فما تريدان وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت قال: أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل فأبى عليه وقال ائت بآية إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء سوء يعني برص ثم ردها فعادت إلى لونها الأول فاستشار الملأ حوله فيما رأى فقالوا له هذان ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش فأبوا على موسى ان يعطوه شيئا مما طلب وقالوا له اجمع لهما السحرة فإنهم بأرضك كثير حتى يغلب سحرك سحرهما فأرسل في المدائن فحشر له كل ساحر متعالم فلما أتوا فرعون قالوا بم يعمل هذا الساحر قالوا يعمل بالحيات قالوا فلا والله ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل وما أجرنا إن نحن غلبنا قال لهم أنتم أقاربي وخاصتي وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم فتواعدوا يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى قال سعيد فحدثني بن عباس أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة هو يوم عاشوراء فلما أجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض انطلقوا فلنحضر هذا الأمر لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين يعنون موسى وهارون استهزاء بهمافقالوا يا موسى لقدرتهم بسحرهم إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال بل ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة فأوحى الله إليه أن ألق عصاك فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيما فاغرة فاها فجعلت العصا تلبس بالحبال حتى صارت جرزا على الثعبان تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته فلما عرف السحرة ذلك قالوا لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا ولكنه أمر من الله آمنا بالله وبما جاء به موسى ونتوب إلى الله مما كنا عليه فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأتباعه وظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وأمرأة فرعون بارزة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه وأنما كان حزنها وهمها لموسى فلما طال مكث موسى فرعون الكاذبة كلما جاءه بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا مضت أخلف موعده وقال هل يستطيع ربك أن هذا فأرسل الله عز وجل على قومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات كل ذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكفها عنه ويوافقه على أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا كف ذلك عنه أخلف موعده ونكث عهده حتى أمر موسى بالخروج بقومه فخرج بهم ليلا فلما أصبح فرعون فرأى أنهم قد مضوا أرسل في المدائن حاشرين فتبعه بجنود عظيمة كثيرة وأوحى الله تعالى إلى البحر إذا ضربك عبدي موسى بعصاه فانفرق اثنتي عشرة فرقة حتى يجاوز موسى ومن معه ثم التق على من بقي بعد من فرعون وأشياعه فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصا فانتهى إلى البحر وله قصيف مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا لله فلما تراءى الجمعان تقاربا قال قوم موسى إنا لمدركون افعل ما التابعين به ربك فإنه لم يكذب ولم تكذب قال وعدني ربي إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة حتى أجاوزه ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى فانفرق البحر كما أمره ربه وكما وعد موسى فلما أن جاز موسى وأصحابه كلهم البحر ودخل فرعون وأصحابه التقىعليهم البحر كما أمر فلما جاوز موسى البحر قال أصحابه إنا نخاف ألا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه فدعا ربه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا هلاكه ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم ومضى فأنـزلهم موسى منـزلا وقال لهم أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم فإني ذاهب إلى ربي وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها فلما أتى ربه أراد أن يكلمه في ثلاثين يوما وقد صامهن ليلهن ونهارهن وكره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه فقال له ربه حين أتاه لم أفطرت وهو أعلم بالذي كان قال يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح قال أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب من ريح المسك ارجع فصم عشرا ثم ائتني ففعل موسى عليه السلام  ما أمره به فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل ساءهم ذلك وكان هارون قد خطبهم وقال إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عواري وودائع ولكم فيهم مثل ذلك وأنا أرى أن تحتسبوا مالكم عندهم ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا همام ولسنا برادين إليهم شيئا من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا فحفر حفيرا وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع أو حلية أن يقذفوه في ذلك الحفير ثم أوقد عليه النار فأخرجه فقال لا يكون لنا ولا لهم وكان السامري من قوم يعبدون البقر جيران لبني إسرائيل ولم يكن من بني إسرائيل فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا فقضي له أن رأى أثرا فأخذ منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون عليه السلام  يا سامري ألا تلقي ما في يدك وهو قابض عليه لا يراه أحد طوال ذلك فقال هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر فلا ألقيها بشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيت أن يكون ما أريد فألقاها ودعا له هارون فقال أريد أن تكون عجلا فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد فصار عجلا أجوف ليس فيه روح له خوار قال بن عباس لا والله ما كان قط إنما كانت الريح تدخل من دبره وتخرج من فيه فكان ذلك الصوت من ذلكفتفرق بنو إسرائيل فرقا فقالت فرقة يا سامري ما هذا وأنت أعلم به قال هذا ربكم ولكن موسى أضل الطريق فقالت فرقة لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأينا وإن لم يكن ربنا فأنا نتبع قول موسى وقالت فرقة هذا عمل الشيطان وليس بربنا ولن نؤمن به ولا نصدق وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل وأعلنوا التكذيب به فقال لهم هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن هكذا قالوا فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوما ثم أخلفنا هذه أربعون قد مضت فقال سفهاؤهم أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه فلما كلم الله موسى عليه السلام  وقال له ما قال أخبره بما لقي قومه من بعده فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال لهم ما سمعتم في القرآن وأخذ برأس أخيه يجره إليه وألقى الألواح من الغضب ثم إنه عذر أخاه بعذره له فانصرف إلى السامري فقال له ما حملك على ما صنعت قال قبضت قبضت من أثر الرسول وفطنت إليها وعميت عليكم فقذفتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ولو كان إلها لم نخلص إلى ذلك منه فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون فقالوا لجماعتهم يا موسى سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها ما عملنا فاختار موسى قومه سبعين رجلا لذلك لا يألوا الخير خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في العجل فانطلق بهم يسأل لهم التوبة فرجفت بهم الأرض واستحيا نبي الله صلى الله عليه وسلم  من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا وفيهم من كان الله يتحقق منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمان به فلذلك رجفت بهم الأرض فقال رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فقال يا رب سألتك التوبة لقومي فقلت إن رحمتي كتبتها قومي فليتك أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحومة فقال له إن توبتهم أنيقتل كل رجل منهم كل من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف لا يبالي من قتل في ذلك الموطن ويأتي أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أمروا وغفر الله للقاتل والمقتول ثم سار بهم موسى صلى الله عليه وسلم  متوجها نحو الأرض المقدسة وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب فأمرهم بالذي أمر به أن يبلغهم من الوظائف فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقروا بها فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصطفون ينظرون إلى الجبل والكتاب بأيديهم وهو من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر وذكر من ثمارهم أمرا عجيبا من عظمها فقالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين لا طاقة لنا بهم ولا ندخلها ما داموا فيها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون قيل ليزيد هكذا قرأه قال نعم من الجبارين: آمنا بموسى وخرجا إليه فقالوا نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون من ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ويقول أناس إنهما من قوم موسى فقال الذين يخافون بنو إسرائيل قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون فأغضبوا موسى عليه السلام  فدعا عليهم وسماهم فاسقين ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذ فاستجاب الله تعالى لـه وسماهم كما سماهم موسى فاسقين فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار ثم ظلل عليهم الغمام في التيه وأنـزل عليهم المن والسلوى وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ وجعل بين أظهرهم حجرا مربعا وأمر موسى فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية ثلاثة أعين وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها فلا يرتحلون من منقلة إلا وجدوا ذلك الحجر بالمكان الذي كان فيه بالأمس.

رفع ابن عباس رضي الله عنهما  هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم  وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس رضي الله عنهما  حدث هذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل فقال كيف يفشي عليه ولم يكن علم به ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك فغضب بن عباس فأخذ بيد معاوية فانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري فقال له يا أبا إسحاق هل تذكر يوماً حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون الإسرائيلي أفشى عليه أم الفرعوني قال أنما أفشى عليه الفرعوني ما سمع من الإسرائيلي شهد على ذلك وحضره.([360])


 الفصل الثاني: الآثار الواردة في أبرز صفات اليهود

وفيه ستتة مباحث:

 المبحث الأول: الآثار الواردة في قسوة قلوبهم :

 الآثار:

قولـه تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة البقرة 2/7]

150-255 حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  = 7 } والغشاوة على أبصارهم . ([361])

151-256 -حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: حدثنا ابن جريج قال: الختم على القلب والسمع، والغشاوة على البصر، قال الله تعالى ذكره: {فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ  = 24 } وقال: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ  = 23 } [سورة الجاثية 45/23] ([362])

152-257 -حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  = 7 } أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك، حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك. ([363])

153-258 -حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  = 7 } يقول فلا يعقلون، ولا يسمعون ويقول: وجعل على أبصارهم غشاوة، يقول: على أعينهم فلا يبصرون. ([364])

قولـه تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  = 74 } [سورة البقرة 2/74]

154-1088 -حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: لما ضرب المقتول ببعضها - يعني ببعض البقرة - جلس حيا، فقيل له: من قتلك؟ فقال: بنو أخي قتلوني. ثم قبض، فقال بنو أخيه حين قبض: والله ما قتلناه. فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه، فقال الله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} يعني بني أخي الشيخ، {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  = 74 } ([365])

155-1089 -حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} يقول: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، وبعد ما أراهم من أمر القتيل ما أراهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة. ([366])

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}

156-1092حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} ثم عذر الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم، فقال: {وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}. ([367])

قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ}

157-1238 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير بن سلمان، قال: ثنا عمرو بن قيس الملائي، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي البختري، عن حذيفة قال: القلوب أربعة. ثم ذكرها، فقال فيما ذكر: وقلب أغلف: معصوب عليه، فذلك قلب الكافر. ([368])

158-1239- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } أي في أكنة. ([369])

159-حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ،: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } فهي القلوب المطبوع عليها. ([370])

160-1240 - حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } عليها غشاوة. ([371])

161-1241 -حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا شريك عن الأعمش قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } قال: هي في غلف. ([372])

162-1242 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } أي لا تفقه. ([373])

163-1243- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } قال: هو كقوله: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ  = 5 }. ([374])

164-1244- حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أي لا تفقه. ([375])

165-1245- حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } قال: يقولون: عليها غلاف وهو الغطاء. ([376])

166-1246- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } قال: يقول قلبي في غلاف، فلا يخلص إليه مما تقول. وقرأ: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ}[سورة فصلت 41/5] ([377])

167-1247- حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } قال: أوعية للذكر.

168-حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا فضيل، عن عطية في قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ  = 88 } قال: أوعية للعلم. ([378])

169-1248 - حدثت عن المنجاب، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ}. قال: مملوءة علما لا تحتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم  ولا غيره. ([379])


 الدراســــة:

من أبرز الصفات التي وصف الله بها اليهود: قسوة قلوبهم، وبعدها عن قبول الحق، وهذا الوصف القرآني جاء في عدة آيات منها:

{وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً  = 13 } [سورة المائدة 5/13] وقسوة القلب غلظته يقال: قسا القلب يقسو قساء، والقسوة: الصلابة في كل شيء، وحجر قاس: صلب، وأرض قاسية: لا تنبت شيئاً، وتأويل قست في اللغة: غلظت ويبست وعست، فتأويل القسوة في القلب: ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه، وقسا قلبه قسوة وقساوة وقساء بالفتح والمد وهو: غلظ القلب وشدته. ([380])

وفي (قاسية) قراءة أخرى هي (قسية) ([381]) ومعنى "قسية" غير معنى القسوة؛ وإنما القسية في هذا الموضع: القلوب التي لم يخلص إيمانها بالله، ولكن يخالط إيمانها كفر كالدراهم القسية، وهي التي يخالط فضتها غش من نحاس أو رصاص وغير ذلك، كما قال أبو زبيد الطائي:

صاح القسيات في أيدي الصياريف

لها صواهل في صم السلام كما

يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان على الصخور، وهي السلام.

 قال الطبري رحمه الله  : "وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ: (وجعلنا قلوبهم قسية) على فعيلة، لأنها أبلغ في ذم القوم من قاسية."

وقد بين الله -تبارك وتعالى - أن قسوة قلوبهم هي أشد من قساوة أنواع من الحجارة كما في قصة القتيل في سورة البقرة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  = 74 } [سورة البقرة 2/74]

قال ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى توبيخاً لبني إسرائيل وتقريعاً لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى وإحيائه الموتى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} كله فهي كالحجارة التي لا تلين أبداً، ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم فقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَـزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ  = 16 } [سورة الحديد 57/16] ([382])

والقسوة في قلوبهم صفة لازمة لهم كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  = 41 } [سورة المائدة 5/41] قال القرطبي: أي لم يرد الله أن يطهر قلوبهم من الطبع عليها والختم، كما طهر قلوب المؤمنين ثواباً له.([383]) فهي عقوبة لازمة لهم؛ إذ لما قست قلوبهم كان الجزاء أن طبع الله عليها وختم وكل ذلك بأسباب كثيرة من ذنوبهم وإعراضهم.

 قال الشنقيطي رحمه الله : ".. هذا الطبع والختم على القلوب، وكذلك الأغلال في الأعناق والسد من بين أيديهم ومن خلفهم: أن جميع تلك الموانع المانعة من الإيمان ووصول الخير إلى القلوب: أن الله إنما جعلها عليهم بسبب مسارعتهم لتكذيب الرسل، والتمادي على الكفر، فعاقبهم الله على ذلك بطمس البصائر، والختم على القلوب والطبع عليها، والغشاوة على الأبصار لأن من شؤم السيئات أن الله جل وعلا يعاقب صاحبها عليها بتماديه على الشر، والحيلولة بينه وبين الخير، جزاه الله بذلك على كفره جزاء وفاقا" ([384])

ووصف الله لقلوبهم أنها أشد من الحجارة قسوة بينه الله من سيرتهم مع الحجارة فيما قص سبحانه وتعالى: فأورد للمخاطب منهم مقارنة بين قلوبهم القاسية وما نكرته من الحق وبين الحجارة التي شاهدوها في مسيرتهم وذلك في قوله: {وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ} وقد شاهدوا هذا عندما استسقوا موسى عليه السلام  فأمره الله فضرب الحجر فتشقق وخرج منه اثنتا عشرة عيناً, {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وهو ما شاهدوه عندما رجف جبل الطور ورفعه الله فوق رؤوسهم، ومن قبله ما أخبرهم موسى عليه السلام  من دك الجبل وهبوطه لما تجلى الله لـه، وعلى هذا يخلص إلى أن الحجارة ألين من قلوبهم.

هذا وصف الله لقلوب اليهود, أما هم فلهم وصف آخر لقلوبهم على عادتهم في تحريف الكلم وصرفه حسياً ومعنوياً عن مراده، فقالوا عن قلوبهم إنها (غلف)، قال تعالى{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [سورة البقرة 2/88]

قال الطبري رحمه الله : "اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأه بعضهم (وقالوا قلوبنا غلْف) مخففة اللام ساكنة، وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار، وقرأه بعضهم وقالوا (قلوبنا غلُف) مثقلة اللام مضمومة، فأما الذين قرءوها بسكون اللام وتخفيفها فإنهم تأولوها أنهم قالوا قلوبنا في أكنة وأغطية وغلف، والغلف على قراءة هؤلاء جمع أغلف وهو الذي في غلاف وغطاء، كما يقال للرجل الذي لم يختتن أغلف والمرأة غلفاء. ([385])

ولكن اليهود يقولون: غلف أي أوعية للعلم وهي في حصن أن يصلها شىء فلا يخلص إليه مما تقول. وهي أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا فكذبوا الأنبياء بهذا القول، وهذا من قسوة قلوبهم وضلالهم عن الطريق.

ويكفي في ذلك رد الله عليهم في ختمه وطبعه على قلوبهم كقوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [سورة النساء 4/155]

قال الشنقيطي رحمه الله : "وذلك الختم والأكنة على القلوب جزاء من الله تعالى لهم على مبادرتهم إلى الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ومشيئتهم، كما دلت عليه آيات كثيرة كقولـه : {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [سورة النساء 4/155] وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [سورة الصف 61/5] وقوله:  {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [سورة البقرة 2/10] وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [سورة التوبة 9/125] وقولـه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [سورة الأنعام 6/110] إلى غير ذلك من الآيات. ([386])

ويلاحظ وصف الله لقلوبهم بالختم مرة وبالطبع مرة فهل بينهما فرق؟

قال القرطبي رحمه الله : "الختم يكون محسوساً كما بينا ومعنىً كما في هذه الآية: فالختم على القلوب عدم الوعي عن الحق سبحانه مفهوم مخاطباته، والفكر في آياته، وعلى السمع عدم فهمهم للقرآن إذا تلى عليهم، أو دعوا إلى وحدانيته، وعلى الأبصار عدم هدايتها للنظر في مخلوقاته، وعجائب مصنوعاته." ([387])

 و فصل الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان _ أنواع القلوب فقال: ((القلوب أربعة: قلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق كمثل قرحة يمدها القيح والدم، فأي المادتين غلبت صاحبتها أهلكته.)) ([388]) وهذه قلوب اليهود مغلفة عن قبول الحق وأشد من الحجر قسوة.


 المبحث الثاني: الآثار الواردة  في اتباعهم الهوى

  الآثار:

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ  = 77 } [سورة المائدة 5/77]

170-9598 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} قال: يهود. ([389])

171-9599 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً} فهم أولئك الذين ضلوا وأضلوا أتباعهم. {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} عن عدل السبيل. ([390])

قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ = 44 } [سورة البقرة  2/44]

172-702- حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة، وتتركون أنفسكم: أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي. ([391])

173-703- حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} يقول: أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة {وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} ([392])

174-705 -وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قولـه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون، فعيرهم الله. ([393])

175-707 -حدثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء، أمروه بالحق، فقال الله لهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ  = 44 } ([394])

قوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [سورة البقرة 2/44]

176-710 -حدثنا به محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {أَفَلا تَعْقِلُونَ} يقول: أفلا تفهمون فنهاهم عن هذا الخلق القبيح. ([395])

قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [سورة البقرة 2/61]

177-900 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} يقول: أتستبدلون الذي هو شر بالذي هو خير منه. ([396])

178-901 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: {الَّذِي هُوَ أَدْنَى} قال: أردأ. ([397])

قولـه تعالى: {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة البقرة  2/85]

179-1212- حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} إلى أهل الشرك حتى تسفكوا دماءهم معهم، وتخرجوهم من ديارهم معهم. فقال: أنبهم الله على ذلك من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم؛ فكانوا فريقين طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج والنضير وقريظة حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، بظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون منها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا بعثاً، ولا قيامة، ولا كتاباً، ولا حراماً، ولا حلالاً؛ فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقاً لما في التوراة وأخذاً به بعضهم من بعض: يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويُطِلّونَ ما أصابوا من الدماء وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى ذكره حين أنبهم بذلك: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ} أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه؛ وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من ذلك، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض من عرض الدنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نـزلت هذه القصة. ([398])

180-1219- حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، قال: قال أبو جعفر: كان قتادة يقول في قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}فكان إخراجهم كفراً وفداؤهم إيماناً. ([399])

181-1221 - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، قال: ثنا الربيع بن أنس، قال: أخبرني أبو العالية: أن عبد الله بن سلام _ مر على رأس الجالوت ([400]) بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب، ولا يفادي من وقع عليه العرب، فقال له عبد الله بن سلام: أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن.([401])

182-1222- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ} قال: كفرهم القتل والإخراج، وإيمانهم الفداء. قال ابن جريج: يقول: إذا كانوا عندكم تقتلونهم وتخرجونهم من ديارهم. وأما إذا أسروا تفدونهم؟ وبلغني أن عمر بن الخطاب _ قال في قصة بني إسرائيل: إن بني إسرائيل قد مضوا وإنكم أنتم تعنون بهذا الحديث. ([402])

قوله: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [سورة النساء 4/46] 

183-7665 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد، في قوله: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ  = 93 } [سورة البقرة 2/93] قال: قالت اليهود: سمعنا ما تقول، ولا نطيعك. ([403])

قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ  = 175  وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأعراف 7/176]

184-11944 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فَانسَلَخَ مِنْهَا} قال: بلعام بن باعرا، من بني إسرائيل. ([404])

185-11955 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كان في بني إسرائيل بلعام بن باعر أوتي كتابا. ([405])

186-11964 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: انطلق رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم، فأتى الجبارين فقال: لا ترهبوا من بني إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم ! فخرج يوشع يقاتل الجبارين في الناس. وخرج بلعم مع الجبارين على أتانه وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل، فكلما أراد أن يدعو على بني إسرائيل دعا على الجبارين، فقال الجبارون: إنك إنما تدعو علينا ! فيقول: إنما أردت بني إسرائيل. فلما بلغ باب المدينة أخذ ملك بذنب الأتان، فأمسكها فجعل يحركها فلا تتحرك، فلما أكثر ضربها تكلمت فقالت: أنت تنكحني بالليل وتركبني بالنهار؟ ويلي منك ! ولو أني أطقت الخرج لخرجت، ولكن هذا الملك يحبسني. وفي بلعم يقول الله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}.. الآية. ([406])

187-11971 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كان في بني إسرائيل بلعام بن باعر أوتي كتابا، فأخلد إلى شهوات الأرض ولذتها وأموالها، لم ينتفع بما جاء به. ([407])

188-11979 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد، عن سالم أبي النضر: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأعراف 7/176] يعني: بني إسرائيل، إذ قد جئتهم بخبر ما كان فيهم مما يخفون عليك، لعلهم يتفكرون، فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر عما مضى فيهم إلا نبي يأتيه خبر السماء. ([408])

قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  = 51 } [سورة القصص 28/51]

189-20953 - حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حيان، قال: ثنا حماد، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عطية القرظي قال: نزلت هذه الآية {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [سورة القصص 28/51] حتى بلغ {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [سورة القصص 28/53] في عشرة أنا أحدهم. ([409])


 الدراســــة:

من أبرز صفات اليهود التي جرت عليهم بسببها غضب الله ومقته :اتباعهم لأهوائهم؛ والهوى: كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد، فالهوى ميل النفس إلى الشهوة، ثم يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية كما قال الشعبي: ((إنما سميت الأهواء لأنها تهوي بصاحبها في النار.)) ([410])

وقد ذم الله اليهود لاتباعهم لأهوائهم، حيث قادهم ذلك إلى تبديل شرع الله والكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من الوحي؛ وسبب ذلك اتباعهم لأهوائهم، قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ  = 87 } [سورة البقرة 2/87]. وقال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [سورة المائدة 5/70]

 قال الطبري: "يقول الله جل ثناؤه لهم: يا معشر يهود بني إسرائيل، لقد آتينا موسى عليه السلام  التوراة، وتابعنا من بعده بالرسل إليكم، وآتينا عيسى ابن مريم البينات والحجج إذ بعثناه إليكم، وقويناه بروح القدس. وأنتم كلما جاءكم رسول من رسلي بغير الذي تهواه نفوسكم استكبرتم عليهم تجبراً وبغياً استكبار إمامكم إبليس؛ فكذبتم بعضاً منهم، وقتلتم بعضاً، فهذا فعلكم أبداً برسلي. ([411])

 واتباع الهوى: مما ذمه الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم , إذ أن من اتبع هواه, فهو مخالف لأمر الله ونهيه,بل وصف الله بعض متبعي اهوائهم عبادا لها كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ  = 23 } [سورة الجاثية 45/23] وقوله:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [سورة الفرقان 25/43]

ويترتب على من من اتبع هواه، وترك اتباع أمر الله ونهيه، وآثر هوى نفسه على طاعة ربه، فأمره إلى هلاك كما قال تعالى لنبيه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [سورة الكهف 18/28]

ووصف الله اليهود باتباع الهوى ثم حذر رسوله صلى الله عليه وسلم  منهم و أن السبب في عدم استجابتهم لـه هو اتباعهم لهواهم: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص 28/50] أي آراء قلوبهم وما يستحسنونه ويحببه لهم الشيطان، وإنه لا حجة لهم {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [سورة القصص 28/50] أي لا أحد أضل منه {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة 5/51]. ([412])

 وحذر الله النصارى من مشابهة اليهود في اتباع الهوى فقال:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ  = 77 } [سورة المائدة 5/77]

قال الطبري: "قل يا محمد لهؤلاء الغالية من النصارى في المسيح: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} يعني بالكتاب: الإنجيل، {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} يقول: لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح، فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل، فتقولوا فيه: هو الله، أو هو ابنه؛ ولكن قولوا: هو عبد الله كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ} ويقول: ولا تتبعوا أيضاً في المسيح أهواء اليهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبيل الهدى في القول فيه، فتقولون فيه كما قالوا: هو لغير رشدة." ([413])

 وتبهتوا أمه كما يبهتونها بالفرية، وهي صديقة. {وَأَضَلُّواْ كَثِيراً} يقول تعالى ذكره: وأضل هؤلاء اليهود كثيراً من الناس، فحادوا بهم عن طريق الحق وحملوهم على الكفر بالله والتكذيب بالمسيح. {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} يقول: وضل هؤلاء اليهود عن قصد الطريق، وركبوا غير محجة الحق وإنما يعني تعالى ذكره بذلك كفرهم بالله وتكذيبهم رسله عيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم ، وذهابهم عن الإيمان وبعدهم منه. وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم الله به. ([414])

وقد ضرب الله مثلاً لما في اليهود من ضلال في اتباعهم أهوائهم حتى لمن نسب إلى الصلاح منهم,كما أخبرنا -جل وعلا-عن رجل من بني اسرائيل ممن اتبع هواه في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ  = 175  وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأعراف 7/176]

واختلفت الروايات في تعيين اسم الرجل الذي آتاه الله الآيات وبعض الآثار تنص على أنه من بني إسرائيل وورد غير ذلك. وليس عندنا دليل من الكتاب أو السنة صريح يمكن الاعتماد عليه، ليكون حجة. وغالب الظن أن هذا التعيين متلقى من الإسرائيليات.

 قال الطبري معقباً على ما جاء في سبب النزول: "والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن يتلو على قومه خبر رجل كان آتاه حججه وأدلته، وهي ( الآيات ) ...وجائز أن يكون الذي كان الله آتاه ذلك ( بلعم ) - وجائز أن يكون ( أمية ) ... ولا خبر بأي الرجلين المعني، يوجب الحجة، ولا في العقل دلالة على أي ذلك المعني به من أي. فالصواب أن يقال فيه ما قال الله، ونقر بظاهر التنزيل على ما جاء به الوحي من الله." ([415])

 وخطأ ابن كثير من قال إن بلعم قد أوتي النبوة فانسلخ منها. قال رحمه الله : "وأغرب، بل أبعد، بل أخطأ من قال: كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها، حكاه ابن جرير عن بعضهم ولا يصح." ([416])

وفيما ورد من وصف القوم الذين كذبوا واتبعوا أهوائهم من بني إسرائيل، وما حصل منهم, هو للعبرة والعظة لليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمسلمين من في كل زمان ومكان.

قال الطبري رحمه الله : "يقول تعالى ذكره: هذا المثل الذي ضربته لهذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، مثل، القوم الذين كذبوا بحججنا وأعلامنا وأدلتنا، فسلكوا في ذلك سبيل هذا المنسلخ من آياتنا الذي آتيناها إياه في تركه العمل بما آتيناه من ذلك.

وأما قولـه: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} [سورة الأعراف 7/176] فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاقصص يا محمد هذا القصص، الذي قصصته عليك من نبإ الذي آتيناه آياتنا، وأخبار الأمم التي أخبرتك أخبارهم في هذه السورة وقصصت عليك نبأهم ونبأ أشباههم، وما حل بهم من عقوبتنا ونزل بهم، حين كذبوا رسلنا من نقمتنا على قومك من قريش ومن قبلك من يهود بني إسرائيل، ليتفكروا في ذلك فيعتبروا وينيبوا إلى طاعتنا، لئلا يحل بهم مثل الذي حل بمن قبلهم من النقم والمثلات، ويتدبره اليهود من بني إسرائيل فيعلموا حقيقة أمرك وصحة نبوتك، إذ كان نبأ الذي آتيناه آياتنا من خفي علومهم ومكنون أخبارهم لا يعلمه إلا أحبارهم ومن قرأ الكتب ودرسها منهم، وفي علمك بذلك وأنت أمي لا تكتب ولا تقرأ ولا تدرس الكتب ولم تجالس أهل العلم الحجة البينة لك عليهم بأنك لله رسول، وأنك لم تعلم ما علمت من ذلك، وحالك الحال التي أنت بها إلا بوحي من السماء. ([417])

واتباع الهوى هو ما كان يريده اليهود زمن الرسول صلى الله عليه وسلم  منه, ومن أمته ولذلك تتابع تحذير الله من كيدهم فقال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍٍ  = 120 } [سورة البقرة 2/120]

قال الطبري رحمه الله  : "يعني جل ثناؤه بقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ} يا محمد هوى هؤلاء اليهود والنصارى، فيما يرضيهم عنك من تهود وتنصر، فصرت من ذلك إلى إرضائهم، ووافقت فيه محبتهم من بعد الذي جاءك من العلم بضلالتهم وكفرهم بربهم، ومن بعد الذي اقتصصت عليك من نبئهم في هذه السورة، {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ}. يعني بذلك: ليس لك يا محمد من ولي يلي أمرك، وقيم يقوم به، ولا نصير ينصرك من الله، فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته، ويمنعك من ذلك أن أحل بك ذلك ربك. ([418])

والخطاب في التحذير من متابعة اليهود والنصارى معهم ,هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ولأمته من بعده كما ذكره المفسرون.

قال القرطبي رحمه الله : "وفي هذا الخطاب وجهان: أحدهما: أنه للرسول صلى الله عليه وسلم ، لتوجه الخطاب إليه. والثاني: أنه للرسول صلى الله عليه وسلم  والمراد به أمته، وعلى الأول يكون فيه تأديب لأمته، إذ منزلتهم دون منزلته. وسبب الآية أنهم كانوا يسألون المسالمة والهدية، ويعدون النبي صلى الله عليه وسلم  بالإسلام، فأعلمه الله أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، وأمره بجهادهم." ([419])

وقال السعدي رحمه الله : "فهذا فيه النهي العظيم عن اتباع أهواء اليهود والنصارى، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم  فإن أمته داخلة في ذلك؛ لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب." ([420])

وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم  أمر ربه وحذر أمته مما حذره ربه فقال صلى الله عليه وسلم  : ((ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه من الخيلاء.)) ([421])

ومن بعده صلى الله عليه وسلم  حذر أصحابه كذلك فعن علي _ قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل؛ أما اتباع الهوى فأنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.)) ([422])

ولأن اليهود هم اليهود في كل زمان لا تنفعهم الموعظة, فهذا مثال بعد زمن النبوة بقليل والكاشف له من أعلم الناس باليهود,كيف وقد كان من علمائهم أعني: عبد الله بن سلام _ وقصته مع كبير اليهود, حين مر عليه الكوفة قال_: ((شهدت فتح نهاوند فجاءني رأس الجالوت ([423]) فجعل يشتري من كان يهودياً، فمرت به جارية صبيحة مع رجل فقال لـه هل أتاكِ هذا؟ قال: فظننت أنه حين رأى صباحتها فقلت: لقد أثمت بمسألتك إياها بما في كتابك، قال: وما يدريك ما في كتابي؟ قلت: أنا أعلم بكتابك منك. سل عني فأخبرك، فلما أتى منزله دعا بدابة وسألني أن آتيه، فرجوت أن ينفعه الله بي ويهديه للإسلام فأتيته فذاكرته كتابه وأخبرته بصفة النبي صلى الله عليه وسلم  في كتابه، فقال: إني لأعرف ما تقول. قلت: فما يمنعك من الإسلام فإذا الرجل مستكبر راغب في منزلته فلم يسلم.)) ([424])


 المبحث الثالث: الآثار الواردة في تزكيتهم أنفسهم

 الآثار:

 المطلب الأول :قصر الجنة عليهم

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 94 } [سورة البقرة 2/94]

190-1300 - حدثني بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ} وذلك أنهم {قَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [سورة البقرة 2/111] وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [سورة المائدة 5/18] (المائدة: 18] فقيل لهم: {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة البقرة 2/94]. ([425])

191-1301 - حدثني المثنى قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال: قالت اليهود: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [سورة البقرة 2/111] وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [سورة المائدة 5/18] فقال الله: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة البقرة 2/94] فلم يفعلوا. ([426])

192-1302 - حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثني أبو جعفر عن الربيع قوله: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً} الآية وذلك بأنهم {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}.([427])

193-1303 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد قال: ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ} قال: قل يا محمد لهم - يعني اليهود - إن كانت لكم الدار الآخرة - يعني الخير - {عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً} يقول: خاصة لكم. ([428])

194-1304 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد قال: ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {مِّن دُونِ النَّاسِ} يقول: من دون محمد صلى الله عليه وسلم  وأصحابه الذين استهزأتم بهم وزعمتم أن الحق في أيديكم وأن الدار الآخرة لكم دونهم. ([429])

قولـه تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [سورة البقرة 2/111]

195-1492 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد عن قتادة: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} أماني يتمنونها على الله كاذبة. ([430])

196-1493 - حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق قال: ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} قال: أماني تمنوا على الله بغير الحق. ([431])

197-1496- حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} [سورة البقرة 2/111] قال: حجتكم. ([432])


  المطلب الثاني:قصر الهدى عليهم

قوله تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ} [سورة البقرة 2/135]

198-1726 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة جميعا عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك. فأنـزل الله عز وجل  فيهم: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . ([433])

 المطلب الثالث:زعمهم محبة الله لهم

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [سورة المائدة 5/18]

199-9060 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وشأس بن عدي فكلموه فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه! كقول النصارى فأنـزل الله جل وعز فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ... إلى آخر الآية. ([434])

200-9061 - حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} أما أبناء الله فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدا من ولدك أدخلهم النار فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل فأخرجهم. فذلك قوله: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} [سورة آل عمران 3/24] وأما النصارى فإن فريقا منهم قال للمسيح: ابن الله. ([435])

 المطلب الرابع :زعمهم النجاة من النار

قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} [سورة البقرة 2/80]

201-1155 - حدثنا به أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} قال ذلك أعداء الله اليهود قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم الأيام التي أصبنا فيها العجل أربعين يوما فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والقسم. ([436])

202-1156 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} قالوا: أياما معدودة بما أصبنا في العجل. ([437])

203-1157 - حدثنا موسى قال: ثنا عمرو قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} قال: قالت اليهود: إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقتنا نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل فلذلك أمرنا أن نختتن. قالوا: فلا يدعون منا في النار أحداً إلا أخرجوه. ([438])

204-1158- حدثني المثنى قال: ثنا آدم قال: ثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال: قالت اليهود: أن ربنا عتب علينا في أمرنا فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة ثم يخرجنا. فأكذبهم الله. حدثني المثنى قال: ثنا آدم قال: ثنا أبو جعفر عن قتادة قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل. ([439])

205-1159 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} الآية. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوباً "إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم". وكان ابن عباس رضي الله عنهما  يقول: إن الجحيم سقر وفيه شجرة الزقوم فزعم أعداء الله أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياما معدودة. وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل فلا عذاب وتذهب جهنم وتهلك؛ فذلك قوله: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} يعنون بذلك الأجل. فقال ابن عباس: لما اقتحموا من باب جهنم ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة قال لهم خزان سقر: زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة فقد خلا العدد وأنتم في الأبد! فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون. ([440])

206-1160- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} إلا أربعين ليلة. ([441])

207-5336 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتاده. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} قالوا: لن تمسنا النار إلا تحلة القسم التي نصبنا فيها العجل ثم ينقطع القسم والعذاب عنا. قال الله عز وجل: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. ([442])

قولـه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ  = 12 } [سورة آل عمران 3/12] 

208-5241 أبا كريب حدثنا قال: ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  قريشاً يوم بدر فقدم المدينة جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: "يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا" فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك إنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تأت مثلنا! فأنـزل الله عز وجل  في ذلك من قولهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ  = 12 } إلى قوله: {لأُوْلِي الأَبْصَارِ  = 13 } ([443])

209-5732 - حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم : {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  = 73 } يقول: مثل ما أوتيتم يا أمة محمد أو يحاجوكم عند ربكم تقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنـزل علينا المن والسلوى فإن الذي أعطيتكم أفضل فقولوا: {إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  = 73 }... الآية. ([444])

قولـه تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  = 188 } [سورة آل عمران 3/188]

210-6648 - حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط عن السدي قال: كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم  وفرحوا بذلك حين اجتمعوا عليه وكانوا يزكون أنفسهم فيقولون: نحن أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الزكاة ونحن على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم . فأنـزل الله فيهم{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا} من كتمان محمد صلى الله عليه وسلم : {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  = 188 } أحبوا أن تحمدهم العرب بما يزكون به أنفسهم وليسوا كذلك. ([445])

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة البقرة 2/95]

211-1304 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد قال: ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 94 } يقول: من دون محمد صلى الله عليه وسلم  وأصحابه الذين استهزأتم بهم وزعمتم أن الحق في أيديكم وأن الدار الآخرة لكم دونهم. ([446])

 المطلب الخامس: زعمهم براءتهم واولادهم من الذنوب:

قولـه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } [سورة النساء 4/49]

212-7697 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } وهم أعداء الله اليهود زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه فقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه وقالوا: لا ذنوب لنا.([447])

213-7698 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } قال: هم اليهود والنصارى قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ  = 18 } [المائدة: 18] وقالوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 111 } [سورة البقرة 2/111] ([448])

214-7699 - وحدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا أبو تميلة عن عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: قالت يهود: ليست لنا ذنوب إلا كذنوب أولادنا يوم يولدون فإن كانت لهم ذنوب فإن لنا ذنوبا فإنما نحن مثلهم قال الله تعالى ذكره: {انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً  = 50 } [سورة النساء 4/150] ([449])

215-7700 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } قال: قال أهل الكتاب. {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 111 } [سورة البقرة 2/111] وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ  = 18 } [سورة المائدة 5/18] وقالوا: نحن على الذي يحب الله. فقال تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } حين زعموا أنهم يدخلون الجنة وأنهم أبناء الله وأحباؤه وأهل طاعته. ([450])

216-7701 - حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} نـزلت في اليهود قالوا: إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا فلا تكون لهم ذنوب وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل. ([451])

217-7702 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } قال: يهود كانوا يقدمون صبيانهم في الصلاة فيؤمونهم يزعمون أنهم لا ذنوب لهم. فتلك التزكية.([452])

218-7703 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن سفيان عن حصين عن أبي مالك في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } قال: نـزلت في اليهود كانوا يقدمون صبيانهم يقولون: ليست لهم ذنوب. ([453])

219-7704 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن أبي مكين عن عكرمة في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } قال: كان أهل الكتاب يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث يصلون بهم يقولون ليس لهم ذنوب فأنـزل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 }... الآية. ([454])

220-7705 - حدثني محمدبن سعد قال: ثني أبي قال قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } وذلك أن اليهود قالوا: إن أبناءنا قد توفوا وهم لنا قربة عند الله وسيشفعون ويزكوننا. فقال الله لمحمد: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 }... إلى {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  = 49 } ([455])

قولـه تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ  = 16 }

221-23675- حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ  = 16 } قال: هم اليهود والنصارى قالوا: كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم. ([456])

قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ  = 169 } [سورة الأعراف 7/169]

222-11897 - حدثنا أحمد بن المقدام قال: ثنا فضيل بن عياض عن منصور عن سعيد بن جبير في قولـه: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} قال: يعملون الذنب ثم يستغفرون الله فإن عرض ذلك الذنب أخذوه. ([457])

223-11902 - حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن السدي قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}.. إلى قوله: {وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيا إلا ارتشى في الحكم. وإن خيارهم اجتمعوا فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا فجعل الرجل منهم إذا استقضي ارتشى فيقال له: ما شأنك ترتشي في الحكم؟ فيقول: سيغفر لي ! فيطعن عليه البقية الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع. فإذا مات أو نـزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي يقول: وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه. وأما عرض الأدنى فعرض الدنيا من المال([458]).


  الدراســــة:

لم يكتفي اليهود بمبارزة الله بالمعصية والكفر بل ذهب صلفهم وغرورهم إلى تزكيتهم لأنفسهم، وذلك كما فسره السلف لنا بعدة أمور منها:

1- قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.

2- وقالوا: لن يدخل الجنة الا من كان هودا أونصارى.

3- وقالوا: لن تمسنا النار الا أياماً معدودة.

4- وقالوا: إن الهدى مقصور عليهم وحدهم، وليس لغيرهم الا اتباعهم، حتى ولوكان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

5- وقالوا : إن ابناءنا لا ذنوب لهم فنقدمهم في الصلاة وسيشفعوا لنا.

وأظهر هذه المعاني فى معنى تزكيتهم أنفسهم أنهم لا ذنوب لهم، وهم أبناء الله وأحباؤه، وقد رد الله عليهم قولهم ذلك بعد سياق كل تزكية قالوها, فكان ذلك كافياً في الرد عليهم وتقريعهم من الله عز وجل :

فقال لمن زكى نفسه منهم: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء} [سورة النساء 4/49]

وقال لمن قال: نحن أبناء الله :{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ  = 18 } [سورة المائدة 5/18]

وقال لمن ادعى أنه لن يدخل الجنة معهم أحد:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 111 } [سورة البقرة 2/111]

وقال لمن قال إنه لن يدخل النار الا أياما يسيره:{قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ  = 80 } [سورة البقرة 2/80]

وساق ابن أبي حاتم بسنده الى ابن عباس رضي الله عنهما  في الرد على من قال أن أبناءه سيشفعون له قال ابن عباس رضي الله عنهما : ((كان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب وكذبوا قال الله: إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له وأنـزل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ} [سورة النساء 4/49].)) ([459])

وقد أثرت هذه العقيدة عن اليهود أعني تزكيتهم أنفسهم، وأنهم فوق البشر، حتى ترسخت في أجيالهم خاصة إذا جمع معها تفضيل الله لأسلافهم على عالمي زمانهم، فنتج عن هذا مقولة (شعب الله المختار) ([460]) وهي التي شجعتهم عبر العصور، خاصة المتأخر منها على العدوان، واستغلال الغير، والاستهانة في المعاصي، اتكالاً على هذا التفضيل، ولمز كل من يتعرض لهم من قريب أو بعيد وما تهمة (معادة السامية) المعاصرة عنا ببعيد.

 وتوراتهم المعاصرة هي معتمدهم في ذلك فقد جاء في سفر التثنية (14/2) "لأنك شعب مقدَّس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". والفكرة نفسها تتواتر في سفر اللاويين (20/24، 26): "أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب... وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكـم من الشعـوب لتكونوا لي".

وفكرة الاستعلاء والعنصرية اليهودية من أسوء أنواع العنصرية في العالم (فهي تتسم بسمات تخالف بها جميع العنصريات عند الأمم كتزييف التاريخ ومصادرة الفكر -اللاسامية- واستغلال الدين.)([461])


 المبحث الرابع: الآثار الواردة في نقضهم العهود والمواثيق

 الآثار:

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  = 77 } [سورة آل عمران 3/77]

224-5753- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: نـزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  = 77 } في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب. ([462])

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ  = 187 } [سورة آل عمران 3/187] 

225-6630- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أنه حدثه، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا تكتمونه} إلى قوله: {عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ  = 10 } يعني: فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار. ([463])

226-6631 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} كان أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، وقال: {اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ  = 158 } [سورة الأعراف 7/158] فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم  قال: {أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  = 40 } [سورة البقرة 2/40] عاهدهم على ذلك، فقال حين بعث محمداً: صدقوه، وتلقون الذي أحببتم عندي. ([464])

227-6639 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب البجلي، عن الشعبي في قولـه: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ  = 187 } قال: إنهم قد كانوا يقرؤونه إنما نبذوا العمل به. ([465])

228-6640-حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ  = 187 } قال: نبذوا الميثاق. ([466])

229-6641- حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ  = 187 } أخذوا طمعاً، وكتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم . ([467])

قولـه تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  = 63 } [سورة البقرة 2/63]

230-930 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: لما رجع موسى عليه السلام  من عند ربه بالألواح قال لقومه بني إسرائيل: إن هذه الألواح فيها كتاب الله، وأمره الذي أمركم به، ونهيه الذي نهاكم عنه، فقالوا: ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا فيقول: هذا كتابي فخذوه! فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى فيقول: هذا كتابي فخذوه؟ قال: فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة فصعقتهم، فماتوا أجمعون. قال: ثم أحياهم الله بعد موتهم، فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله! فقالوا: لا، قال: أي شيء أصابكم؟ قالوا: متنا ثم حيينا، قال: خذوا كتاب الله! قالوا: لا. فبعث ملائكته فنتقت الجبل فوقهم، فقيل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم، هذا الطور، قال: خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم! قال: فأخذوه بالميثاق. وقرأ قول الله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } حتى بلغ: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  = 74 } [البقرة: 83-85] قال: ولو كانوا أخذوه أول مرة لأخذوه بغير ميثاق. ([468])

قولـه تعالى: {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ  = 76 } [سورة البقرة 2/76]

231-1108-حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أي بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم. فأنـزل الله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ  = 76 } أي تقرون بأنه نبي، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي صلى الله عليه وسلم  الذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا؟ اجحدوه ولا تقروا لهم به. يقول الله: {أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون}. ([469])

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [سورة البقرة 2/83]

232-1192-حدثني به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} أي ميثاقكم {لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}. ([470])

233-1193-حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له وأن لا يعبدوا غيره. ([471])

234-1194 -حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قولـه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} قال: أخذنا ميثاقهم أن يخلصوا لله ولا يعبدوا غيره. ([472])

235-1195 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } قال: الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة. ([473])

قولـه تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } [سورة البقرة 2/83].

236-1196 - حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } أمرهم أيضا بعد هذا الخلق أن يقولوا للناس حسنا: أن يأمروا بلا إله إلا الله من لم يقلها ورغب عنها حتى يقولوها كما قالوها، فإن ذلك قربة من الله جل ثناؤه. ([474])

237-1197-حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } قال: قولوا للناس معروفاً. ([475])

238-1199- حدثت عن يزيد بن هارون، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول في قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } قال: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر. ([476])

239-1201- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا القاسم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن أبي جعفر وعطاء بن أبي رباح في قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } قال: للناس كلهم. ([477])

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  = 43 } [سورة البقرة 2/43].

240-1202- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن مسعود _، قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  = 43 } هذه، وإقامة الصلاة تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها. ([478])

241-1203- حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  = 43 } قال: إيتاء الزكاة ما كان الله فرض عليهم في أموالهم من الزكاة، وهي سنة كانت لهم غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ كانت زكاة أموالهم قربانا تهبط إليه نار فتحملها، فكان ذلك تقبله، ومن لم تفعل النار به ذلك كان غير متقبل. وكان الذي قرب من مكسب لا يحل من ظلم أو غشم، أو أخذ بغير ما أمر الله به وبينه له. ([479])

242-1204- حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  = 43 } يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص. ([480])

قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } [سورة البقرة 2/83].

243-1205- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما  ، قال: لما فرض الله جل وعز عليهم - يعني على هؤلاء الذين وصف الله أمرهم في كتابه من بني إسرائيل - هذا الذي ذكر أنه أخذ ميثاقهم به، أعرضوا عنه استثقالا وكراهية، وطلبوا ما خف عليهم إلا قليلا منهم، وهم الذين استثنى الله فقال: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ} يقول: أعرضتم عن طاعتي {إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} قال: القليل الذين اخترتهم لطاعتي، وسيحل عقابي بمن تولى وأعرض عنها؛ يقول: تركها استخفافا بها. ([481])

244-1206- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } أي تركتم ذلك كله. ([482])

قولـه تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } [سورة البقرة 2/84]

245-1207 - حدثنا بشر بن معاذ، قال ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } أي لا يقتل بعضكم بعضا، {وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } ونفسك يا ابن آدم أهل ملتك. ([483])

246-1208-حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } يقول: لا يقتل بعضكم بعضاً {وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } يقول: لا يخرج بعضكم بعضا من الديار. ([484])

247-حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن قتادة في قوله: {لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } يقول: لا يقتل بعضكم بعضا بغير حق {وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } فتسفك يا ابن آدم دماء أهل ملتك ودعوتك. ([485])

248-1209- حدثنا المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } يقول: أقررتم بهذا الميثاق. ([486])

249-1210-حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } أن هذا حق من ميثاقي عليكم. ([487])

250-1211- حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } يقول وأنتم شهود. ([488])

قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ  = 100 } [سورة البقرة 2/100]

251-1360-حدثنا أبو كريب، قال ثنا يونس بن بكير. قال: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: قال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه: والله ما عهد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم  - وما أخذ له علينا ميثاقا! فأنـزل الله جل ثناؤه: {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}. ([489])

252-1361 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ  = 100 } يقول: نقضه فريق منهم. ([490])

253-1362 -   حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: {نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ  = 100 } قال: لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدا. ([491])

قوله تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَلاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [سورة الأعراف 7/169]

254-11905 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما : {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَلاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} قال: فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها. ([492])

قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  = 171 } [سورة الأعراف 7/171]

255-11910- حدثني المثني، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  = 171 } فهو قوله: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمْ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً  = 154 } [النساء: 154] فقال: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  = 63 }، وإلا أرسلته عليكم . ([493])

قوله تعالى: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} [سورة الأحزاب 33/10]

256-21623- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير، وعمن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن غيرهم من علمائنا: أنه كان من حديث الخندق، أن نفراً من اليهود، منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، خرجوا حتى قدموا مكة على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله. فقال لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. قال: فهم الذين أنـزل الله فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً  = 51 } [النساء: 51] إلى قوله: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً  = 55 } [النساء: 55] فلما قالوا ذلك لقريش، سرهم ما قالوا، ونشطوا لما دعوهم له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فاجتمعوا لذلك، واتعدوا له. ثم خرج أولئك النفر من اليهود، حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا فيه، فأجابوهم فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومشعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان، فيمن تابعه من قومه من أشجع؛ فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الخندق، أقبلت قريش حتى نـزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد، حتى نـزلوا بذنب نقمي إلى جانب احد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء، فرفعوا في الآطام، وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظي، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم  على قومه، وعاهده على ذلك وعاقده، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب، أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حيي: يا كعب افتح لي، قال: ويحك يا حيي، إنك امرؤ مشئوم، إني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا؛ قال: ويحك افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن أغلقت دوني إلا تخوفت على جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: يا كعب جئتك يعز الدهر، وببحر طم، جئتك بقريش على قاداتها وساداتها، حتى أنـزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قاداتها وساداتها حتى أنـزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال له كعب بن أسد: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، فدعني ومحمدا وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء؛ فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاهم عهداً من الله وميثاقاً لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان عليه، فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  الخبر، وإلى المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس، أحد بني الأشهل، وهو يومئذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة بن ديلم أخي بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحرث بن الخزرج، وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف، فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟، فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم، فاجهروا به للناس. فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم  وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة: أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين"، وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظن المسلمون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط، وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله إن بيوتنا لعورة من العدو، وذلك عن ملإ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا، وإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم  بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار". ([494])

قولـه تعالى: {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} [سورة الأحزاب 33/26]

257-21688-حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، قال: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن الخندق راجعاً إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح، فما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم  -معتجراً بعمامة من إستبرق، على بغلة عليها رحاله، عليها قطيفة من ديباج- ؛ فقال: أقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: "نعم"، قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، ما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إلى بني قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  مناديا، فأذن في الناس: إن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم  علي بن أبي طالب _ برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب _ حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  منهم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالطريق، فقال: يا رسول الله لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث، قال: "لم؟ أظنك سمعت لي منهم أذى"، قال: نعم يا رسول الله. قال: "لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا". فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  من حصونهم قال: "يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنـزل بكم نقمته؟"قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولاً؛ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم  على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: "هل مر بكم أحد؟"فقالوا: يا رسول الله، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم"؛ فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قريظة؛ نـزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها: بئر أنا، فتلاحق به الناس، فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله. ([495])

قولـه تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ  = 114 } [سورة المائدة 5/114]

258-10132- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن إسحاق بن عبد الله: أن المائدة نـزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات، يأكلون منها ما شاؤوا. قال: فسرق بعضهم منها، وقال: لعلها لا تنـزل غدا! فرفعت. ([496])

259-10133- حدثنا المثني، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن سماك بن حرب، عن رجل من بني عجل قال: صليت إلى جنب عمار بن ياسر، فلما فرغ، قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال: فقلت لا. قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد، قال: فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا أو تخونوا أو ترفعوا، فإن فعلتم فإني أعذبكم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. قال: فما تم يومهم حتى خبئوا ورفعوا وخانوا، فعذبوا عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين. وإنكم معشر العرب كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم على لسان نبيكم أنكم ستظهرون على العرب، ونهاكم أن تكنـزوا الذهب والفضة، وايم الله لا يذهب الليل والنهار حتى تكنـزوهما ويعذبكم عذابا أليما!. ([497])

260-10135- حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار، قال: نـزلت المائدة، وعليها ثمر من ثمر الجنة، فأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا. قال: فخان القوم وخبئوا وادخروا، فحولهم الله قردة وخنازير.

261-10136- حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنها كانت مائدة ينـزل عليها الثمر من ثمار الجنة، وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد، بلاء ابتلاهم الله به، وكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أنبأهم به عيسى، فخان القوم فيه فخبئوا وادخروا لغد. ([498])


 الدراســــة:

يقول الله -تبارك وتعالى- معظماً أمر العهد: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً  = 34 } [سورة الإسراء 17/34] ، وأثنى على أهل الوفاء وعدهم هم أولوا الألباب فقال: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [سورة الرعد 13/20]

 قال قتادة رحمه الله : قال الله :{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [سورة الرعد 13/19] فبين من هم، فقال: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [سورة الرعد 13/20] فعليكم بوفاء العهد، ولا تنقضوا هذا الميثاق، فإن الله تعالى قد نهى وقدم فيه أشد التقدمة، فذكره في بضع وعشرين موضعاً، نصيحة لكم وتقدمة إليكم وحجة عليكم، وإنما يعظم الأمر بما عظمه الله به عند أهل الفهم والعقل، فعظموا ما عظم الله. ([499])

قال ابن منظور: "العَهْدُ كل ما عُوهِدَ اللَّهُ علـيه، وكلُّ ما بـين العبادِ من الـمواثِـيقِ، فهو عَهد والعهد: الوفاء. وفـي التنزيل: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ} [سورة الأعراف 7/102] ؛ أَي من وفاء؛ قال أَبو الهيثم: العهْدُ جمع العُهْدَةِ وهو الـميثاق والـيمين التـي تستوثقُ بها مـمن يعاهدُك." ([500])

وقال: "الـمَوْثِقُ و الـمِيثاقُ: العهد، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والـجمع الـمَواثِـيقُ علـى الأَصل، الـمُوَاثقة: الـمعاهدة؛ ومنه قوله تعالـى: {وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ} [سورة المائدة 5/7] و الـمِيثاقُ: العهد، مِفْعال من الوَثاقِ، وهو فـي الأَصل حبل أَو قَـيْد يُشدّ به الأَسير والدابة . وفي التهذيب: "الـمِيثاقُ من الـمُواثَقةِ والـمعاهدة؛ ومنه الـمَوْثِقُ . تقول: واثَقْتُه با لأَفْعَلنَّ كذا وكذا . ويقال: اسْتَوْثَقْت من فلان و تَوَثَّقْتُ من الأَمر إِذا أَخذت فـيه بالوَثاقةِ" ([501])

لقد قصّ لنا القرآن عشرات العهود والمواثيق التي نقضها اليهود وهدموها وخرجوا عليها ولم يرعوها، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  = 63  ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ  = 64 } [سورة البقرة 2/63-64] .

قال ابن كثير رحمه الله : "يقول تعالى مذكِّراً بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك لـه واتّباع رسله، وأخبر تعالى أنّه لمّا أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل فوق رؤوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه، ويأخذوه بقوة وجزم وامتثال، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنهم لما امتنعوا عن الطاعة رُفع عليهم الجبل ليسمعوا. وقال السُّدي فلمّا أبَوْا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم فنظروا إليه وقد غَشِيَهم فسقطوا سُجَّداً فسجدوا على شقٍّ ونظروا بالشقّ الآخر فرحمهم الله فكشفه عنهم، فقالوا والله ما سجدةٌ أحبّ إلى الله من سجدةٍ كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك ..... فأقروا بذلك أنّهم يأخذون ما أوتوا به بقوّة ..... قال أبو العالية والربيع {وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ} [سورة البقرة 2/63] يقول: اقرءوا ما في التوراة واعملوا به، وقوله تعالى {ثُمَّ توليتم من بعد ذلك ...} ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم تولّيتم عنه وانثنيتم ونقضتموه" ([502]) ويقول تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ = 83 وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ = 84  ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة البقرة 2/83-85]. فقد بيّن الله تعالى أنّه أخذ الميثاق على بني إسرائيل بأن لا يعبدوا إلاّ الله، وبأن يحسنوا للوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، وأن لا يسفكوا الدماء، وقد أقرُّوا بهذا الميثاق واعترفوا به وشهدوا على أنفسهم. وبعد هذا كُلّه نقضوا عهد الله وميثاقه الذي واثقهم به، فسفكوا الدّماء وقتل بعضهم بعضاً وأخرجوا بعضهم من ديارهم. وقد نـزلت هذه الآيات في معرض الإنكار على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالمدينة وما كانوا يعانونه من القِتال مع الأوس والخزرج.

يقول ابن كثير رحمه الله : "وذلك أنّ الأوس والخزرج، وهم الأنصار، كانوا في الجاهلية عُبّاد أصنامٍ وكانت بينهم حروب كثيرة، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل: بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريقٍ مع حلفائه فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرامٌ عليهم في دينهم ونصِّ كتابهم .... وذلك أنّ أهل الملّة الواحدة بمنـزلة النفس الواحدة... {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحّته وأنتم تشهدون به {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ...} فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حربٌ خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يُظاهر كلّ واحدٍ من الفريقين حُلفاءه على إخوانه، حتّى تَسَافكُوا دماءَهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم." ([503]).

وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ  = 12  فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  = 13 } [سورة المائدة 5/12-13].

وهكذا يقصّ علينا القرآن نقضهم المواثيق التي بينهم وبين الله. وإن كانوا قد نقضوا عهودهم مع الله فقد نقضوها مع أنبيائه ورُسُله. وحسبنا من ذلك أن نذكُر جُملةً من العهود والمواثيق التي أبرموها مع نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم  ثمّ نقضوها. 1-أحبار اليهود ينقضون العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"حضرت عصابةٌ من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقالوا يا أبا القاسم حدِّثنا عن خِلالٍ نسألك عنهنّ لا يعلمهنّ إلاً نبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سلوا عمّا شئتم ولكن اجعلوا لي ذمّة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن حدَّثْتُكم عن شيءٍ فعرفتموه لتتابعُنني على الإسلام. فقالوا: ذلك لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوا عمّا شئتُم. قالوا: أخبرنا عن أربع خلالٍ نسألك عنهُنّ، أخبرنا أيّ الطعام حَرَّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تُنـزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأةِ وماء الرّجل وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمّي في التوراة ومن وليّه من الملائكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنني؟، فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق، فقال: نشدتكم بالذي أنـزل التوراة على موسى، هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب مرض مرضاً شديداً فطال سقمه منه فنذر لله نذراً لئن عافاه الله من مرضه ليُحَرِّمَنّ أحبّ الطعام والشراب إليه. وكان أحبّ الطعام إليه لحوم الإبل وأحبّ الشراب إليه ألبانها، فقالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اشهد عليهم. وأنشدُكم بالله الذي لا إله إلاّ هو الذي أنـزل التوراة على موسى هل تعلمون أنّ ماء الرجل غليظٌ أبيض وأنّ ماء المرأة رقيق أصفر فأيُّهُما علا كان له الولد والشبه بإذن الله عزّ وجلّ، وإذا علا ماء الرّجل ماء المرأة كان الولد ذكراً بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله عز وجل ، قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد. وأنشدكم بالله الذي أنـزل التوراة على موسى هل تعلمون أنّ هذا النبي الأميَّ تنام عيناه ولا ينام قلبه). قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد. قالوا: أنت الآن فحدّثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك. قال: فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبياً قَطُّ إلا وهو وليّه. قالوا: فعندها نفارقك، ولو كان وليُّك سواه من الملائكة تابعناك وصدّقناك. قال: فما يمنعُكم أن تُصدِّقوه؟. قالوا: إنّه عدوّنا. فأنـزل الله عز وجل  {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  = 97 } [سورة البقرة 2/97] إلى قوله {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 2/102] فعندها باؤوا بغضبٍ على غضب)) ([504]).

2- قبائل اليهود نَبَذت العهود والمواثيق:

"لمّا قدمَ النبي صلى الله عليه وسلم  المدينة... وكتب بينهم وبينه كتاب أمنٍ، وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، فحاربته بنو قينقاع بعد ذلك بعد بدرٍ وقدشرقوا بوقعة بدر، وأظهروا البغي والحسد فسارت إليهم جنود الله يقدمهم عبد الله ورسوله ... وحاصرهم خمس عشرة ليلةً ـوهُم أوّل من حارب من اليهود وتحصّنوا في حصونهم، فحاصرهم أشدّ الحِصار، وقذف الله في قلوبهم الرُّعب، فنـزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم  في رقابهم وأموالهم، ونسائهم وذريتهم، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها. فخرجوا إلى أذْرِعات من أرض الشام. فقلّ أن لبثوا فيها حتّى هلك أكثرهم".([505])

ثمّ نَقَضَ العهد بنو النضير: قال البخاري: وكان ذلك بعد بدرٍ بستّة أشهر، قاله عروة. وسبَبُ ذلك أنّه صلى الله عليه وسلم  خرج إليهم في نفرٍ من أصحابه، وكلّمهم أن يعينوه في دية الكِلابِيَيْنِ الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم. اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك وخلا بعضهم ببعض، وسوّل لهم الشيطان الشقاء الذي كُتِبَ عليهم فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا أيّكم يأخذ هذه الرّحى ويصعَدُ فيلقيها على رأسه يشدخه بها؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوه فوالله ليُخبَرَنّ بما هممتم به، وإنّه لنقض العهد الذي بيننا وبينه، وجاء الوحي على الفور إليه من ربّه تبارك وتعالى بما هَمُّوا به فنهض مُسرِعاً وتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه... وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها وقد أجَّلتُكُم عشراً. فمن وجدت بعد ذلك بها ضربتُ عنقه، فأقاموا أيّاماً يتجهّزون. وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أُبي أن لا تخرجوا من دياركم فإنّ معي ألفين يدخلون معكم حِصنَكم فيموتون دونكم، وتنصركم قريظة وحُلفاؤكم من غطفان. فبعثوا إلى رسول الله إنّا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك.فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه ونهضوا إليهم. وعلي بن أبي طالبٍ _ يحمل اللواء، فلمّا انتهى إليهم، قاموا على حصونهم يرمون بالنّبل والحجارة. واعتزلتهم قريظة وخانهم ابن أُبي وحلفـاؤهـم من غطفان...فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وقطع نخلهم وحرّق، فأرسلوا إليه: نحن نخرج عن المدينة، فأنـزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم وأنّ لهم ما حملت الإبل إلاّ السلاح." ([506]).

"وأمّا قريظة فكانت أشدّ اليهود عداوةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأغلظهم كفراً ولذلك جرى عليهم ما لم يجر على إخوانهم، وذلك لمّا أغراهم حييّ بن أخطب بقوله جئتكم بقريشٍ على سادتها، وغطفان على قادتها، وأنتم أهل الشوكة والسلاح، فهلمَّ حتىّ نناجز محمداً ونفرغ منه... فأجابوه إلى ما دعاهم إليه، ونقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأظهروا سبّه، فبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  الخبر، فأرسل يستعلم الأمر، فوجدهم قد نقضوا العهد، فكبّر وقال: ((أبشروا يا معشر المسلمين)). فلمّا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى المدينة لم يكن إلاّ أن وضع سلاحه، فجاءه جبريل عليه السلام  فقال: أوضعت السلاح، والله إنّ الملائكة لم تضع أسلحتها فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائرٌ أمامك أزلزل بهم حصونهم وأقذف في قلوبهم الرُّعب، فسار جبريل في موكبه من الملائكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم  على أثره في موكبه من المهاجرين والأنصار، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم  الراية علي بن أبي طالب _ ... ونازل حصون بني قريظة وحصرهم خمساً وعشرين ليلة، ولمّا اشتدّ عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال، فأبوا عليه أن يجيبوه إلى واحدةٍ مِنهن. وانتهى أمرهم إلى سعد بن معاذ _ إذ اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم  قائلاً: ((ألا ترضون أن يحكم فيهم رجلٌ منكم، فذاك إلى سعد بن معاذ))، وجيء بسعد _ فكان حكمه أن تُقتَّل الرجال وتُسبى النساء وتُقسَّم الأموال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات))" ([507]).

"وكان هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم  إذا صالح قوماً فنقض بعضهم عهده وصلحه وأقرّهم الباقون ورضوا به، غزا الجميع وجعلهم كلهم ناقضين" ([508]).

وهذا ما أكَّدَه التاريخ قديماً وحديثاً فقد عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  في المدينة كما مَرّ معنا ونقضوا عهودهم في خسَّةٍ ونذالةٍ.وأمّا في العصر الحديث فالعالم كُلّه شاهدٌ على نقض العهود والوعود، بل إنّ اليهود يتخذون الوعود والمواثيق أسلوباً وسبيلاً للوصول إلى أغراضهم، فقد يعقدون المعاهدة حتى يلتقطوا أنفاسهم ويُعِدُّوا أنفسهم. فإذا تحقق لهم ما أرادوا ينكثون العهد والوعد كعادتهم.

ومما ينبغي أن نشير إليه، ونحن نستعرض شهادة القُرآن على اليهود، أنّ القرآن الكريم قد أكّد على ثبات هذه الصِّفة في اليهود قديماً وحديثاً، فالآيات القرآنية تربط بين اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم  وبين آبائهم وأجدادهم الأولين في مختلف أدوارهم ربطاً محكماً كأنّما هي تُقِرُّ أنّ ما عليه اليهود من أخلاقٍ وأحوالٍ وما وقفوه من مواقف إنّما هي مظهرٌ من أصول جِبِلَّةٍ خُلُقِيَّةٍ راسخةٍ يتوارثها الأبناء عن الآباء، بل هذا ما شهدت به التوراة والإنجيل.

 شهادة التوراة والإنجيل:

مع أنّ التوراة كتابهم المقدّس، وبرغم تحريفها وتعرُّضها للتزييف على أيديهم إلاّ أنهّا لم تخلُ من الإشارة إلى أخلاقهم الذميمة، سيما خلق الغدر والخيانة ونبذ العهود.

ففي سِفرِ التثنيةِ من الإصحاح 32 عدد 19 "إنّهم جيلٌ مُتقلّب أولادٌ لا أمانَة فيهم."

وإنّك لتعجب حينما تقرأ في سفر أشعيا الإصحاح 59 ما نصّه: "خيوطُهم لا تصير ثوباً، ولا يكتسون بأعمالهم، أعمالهم أعمالُ إثم،" وفعل الظُلم في أيديهم، أرجلهم إلى الشرِّ تجري وتسرع إلى سفك الدّم. أفكارُهُم أفكار إثم، في طرقهم اغتصاب وسحق، طريق السلام لم يعرفوه، وليس في مسالكهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبيلاً معوجّةً كُلّ من يسير فيها لا يعرف سلاماً"

أمّا الإنجيل فقد شهد عليهم بأنّهم سَفَكة دماء وأولاد أفاعي. ففي إنجيل متّى الإصحاح 23 العدد 25 "يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا، بالصالحات، وأنتم أشرار فإنّه من فضلة القلب يتكلم اللسان".

وفي إنجيل متّى أيضاً الإصحاح 23 فقرة 39 "يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها ..."

فالذي نخلص إليه مما سبق أنّ نقض العهود صفةٌ ملازمةٌ لليهود. في كلّ العهود.إذ إنّ اليهود سلسلةٌ وسلالةٌ واحدةٌ متشابهةٌ في حلقاتها مهما تباعدت الأزمنة وتنوَّعت البيئات. ولعلّ من إعجاز القرآن الكريم أنّ المرء يراهم في أخلاقهم اليوم صورةً طبق الأصل لما وصفهم به القرآن الكريم من صفاتٍ وأخلاق، ولم تزدهم الأيّام فيها إلاّ رسوخاً. يقول الدكتور عبد الستّار فتح الله: "وإنه لأمرٌ عجيب أن توجد أمّةٌ من البشر على هذا النمط وتمتد في سلسلة واحدةٍ عبر الأزمنة والأمكنة وتتأصّل في أجيالها جميعاً كلّ خلائق السوء إلى هذا الحدّ الرهيب، ويكاد العقل ينكر هذا للوهلة الأولى ولا يصدّق استمرار هذا السعار النفسي في الجيل بعد الجيل على امتداد أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ولكن هذا فعلاً هو الواقع، اليهود ودينهم بل هو دينهم الذي وضعوه لأنفسهم، وأُشرِبَته قلوبهم على تعاقب القرون والأجيال حتّى كأنّه صار سليقةً مُكتَسَبةً" ([509]).

اليهود نقضة عهود ومواثيق، وأول آية توافيك في الميثاق و نقضة هي في حق اليهود كقولـه تعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ  = 27 } [سورة البقرة 2/27]

قال الطبري: "وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: إن هذه الآيات نـزلت في كفار أحبار اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم  وما قرب منها من بقايا بني إسرائيل." ([510])

وقد فصل لنا الله -تبارك وتعالى- المواثيق والعهود التي نقضوها ولكن أظهر آية في بيان أن هذا الخلق متأصل في النفس اليهودية وأن فيه خاصية الاستمرار في أجيالهم ولكي يلتفت المسلمون ولا يغيب عنهم هذا التحذير طرفة عين قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنـزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ  = 100 } [سورة البقرة 2/100] 

وكان من أول الناقضين المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم  ما فعله مالك بن الصيف، ([511]) حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه: والله ما عهد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم  - وما أخذ له علينا ميثاقاً.

 والمواثيق التي نقضوها مع الله كثير نذكر منها أمثلة تدل على المقصود فمن ذلك:

ميثاق العمل بما في التوراة وأخذها بقوة وتبيق ما فيها كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  = 63 } [سورة البقرة 2/63] قال ابن كثير: "يقول تعالى مذكراً بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق؛ بالإيمان به وحده لا شريك لـه، واتباع رسله، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل فوق رءوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه ويأخذوه بقوة وحزم وامتثال، قال السدي: فلما أبو أن يسجدوا أمر الله الجبل يقع عليهم فنظروا اليه وقد غشيهم فسقطوا سجداً فسجدوا على شق ونظروا بالشق الآخر، فرحمهم الله فكشفه عنهم، فقالوا والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك. ([512])

ولكن التيجة هي التولي عن أمر الله قال تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ  = 64 } [سورة البقرة 2/64]

ميثاق الله عليهم بتوحيده والبر بالوالدين والإحسان الى الأقارب ومخاطبة الناس بالحسن من القول مع إقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [سورة البقرة 2/83]

والنيجة ممن تعودوا الانحراف عن ما أخذ عليهم {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  = 83 } [سورة البقرة 2/83] وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن يهود بني إسرائيل أنهم نكثوا عهده ونقضوا ميثاقه، بعدما أخذ الله ميثاقهم على الوفاء له بأن لا يعبدوا غيره، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات، ويصلوا الأرحام، ويتعطفوا على الأيتام، ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم، ويأمروا عباد الله بما أمرهم الله به ويحثوهم على طاعته، ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضها، ويؤتوا زكاة أموالهم. فخالفوا أمره في ذلك كله، وتولوا عنه معرضين، إلا من عصمه الله منهم فوفى لله بعهده. ([513])

ميثاق الله لهم مع بني جنسهم بعدم القتل والإخراج من الديار.

كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ  = 84 } [سورة البقرة 2/84]

وقد أجاب الطبري عن تساؤل مفترض وهو: "أو كان القوم يقتلون أنفسهم، ويخرجونها من ديارها، فنهوا عن ذلك؟ فأجاب: ليس الأمر في ذلك على ما ظننت، ولكنهم نهوا عن أن يقتل بعضهم بعضاً، فكان في قتل الرجل منهم الرجل قتل نفسه، إذ كانت ملتهما بمنـزلة رجل واحد." ([514]) وقال القرطبي: "وإنما كان الأمر أن الله تعالى قد أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقاً ألا يقتل بعضهم بعضاً، ولا ينفيه ولا يسترقه، ولا يدعه يسرق، إلى غير ذلك من الطاعات." ([515])

وماكان منهم الاّ إفساد الميثاق كما قال تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  = 85 } [سورة البقرة 2/85]

وهذا الميثاق وغيره عده المفسرون موجه لليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وحكاية عن أسلافهم كما صرح بذلك الطبري بقوله: "وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب عندي أن يكون قوله: {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} خبرا عن أسلافهم، وداخلا فيه المخاطبون منهم الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} خبرا عن أسلافهم وإن كان خطاباً للذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى أخذ ميثاق الذين كانوا على عهد رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم  من بني إسرائيل على سبيل ما قد بينه لنا في كتابه، فألزم جميع من بعدهم من ذريتهم من حكم التوراة مثل الذي ألزم منه من كان على عهد موسى منهم. ثم أنب الذين خاطبهم بهذه الآيات على نقضهم ونقض سلفهم ذلك الميثاق، وتكذيبهم ما وكدوا على أنفسهم له بالوفاء من العهود بقوله: {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} فإذ كان خارجاً على وجه الخطاب للذين كانوا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم  منهم، فإنه معني به كل من واثق بالميثاق منهم على عهد موسى ومن بعده، وكل من شهد منهم بتصديق ما في التوراة؛ لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بقوله: {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} وما أشبه ذلك من الآي بعضهم دون بعض؛ والآية محتملة أن يكون أريد بها جميعهم. فإذ كان ذلك كذلك فليس لأحد أن يدعي أنه أريد بها بعض منهم دون بعض. وكذلك حكم الآية التي بعدها، أعني قوله: {ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} الآية؛ لأنه قد ذكر لها أن أوائلهم قد كانوا يفعلون من ذلك ما كان يفعله أواخرهم الذين أدركوا عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " .([516])

وهو - والله أعلم - لجنس اليهود فهو يذكر كل يهودي بما أخذ عليه وعلى أسلافه فهو يتلى إلى يوم القيامة وفيه أيضا عضة وعبرة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم  حتى يعتبروا بمن قبلهم.

ميثاق السمع والطاعة لما يؤمرون به كما في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ  = 93 } [سورة البقرة 2/93]

وانظر كيف لم يأخذوا الميثاق الاّ تحت التهديد بالعذاب أن يكون الجبل العظيم من فوقهم، ومع ذلك سمعوا وعصوا وأشركوا بالعجل حتى تشربته قلوبهم، كما قال الطبري:وإذ أخذنا ميثاقكم أن خذوا ما آتيناكم بقوة، واعملوا بما سمعتم، وأطيعوا الله، ورفعنا فوقكم الطور من أجل ذلك.([517])

مواثيقهم الكثيرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم  لا خلاف بين أي فريق منهم فمرة قريضة ومرة بنو النضير نقضوا العهد فأعانوا مشركي مكة بالسلاح، ثم اعتذروا فقالوا: نسينا، فعاهدهم عليه السلام  ثانية فنقضوا يوم الخندق. وقد وصفهم الله (بشر الدواب) وأنهم كالرجل الواحد سلفهم وخلفهم كما قال الطبري: "يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا تستعظموا أمر الذين هموا ببسط أيديهم إليكم من هؤلاء اليهود بما هموا به لكم، ولا أمر الغدر الذي حاولوه وأرادوه بكم، فإن ذلك من أخلاق أوائلهم وأسلافهم، لا يعدون أن يكونوا على منهاج أولهم وطريق سلفهم. وهكذا كما سيأتي في الآثار الواردة عنهم في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ."

مواثيق أخرى ذكرها الله لبعض أفرادهم كاالنقباء الذين أرسلهم موسى ليتجسسوا على العماليق وقد بعث النقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطلاع على الجبارين والسبر لقوتهم ومنعتهم؛ فساروا ليختبروا حال من بها، ويعلموه بما اطلعوه عليه فيها حتى ينظر في الغزو إليهم؛ فأطلعوا من الجبارين على قوة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها؛ فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل، وأن يعلموا به موسى عليه السلام ، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم، ومن وثقوه على سرهم؛ ففشا الخبر حتى اعوج أمر بني إسرائيل فقالوا: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ  = 24 } [سورة المائدة 5/24]. ([518]) فلم يحافظوا على ما تواثقوا عليه

ونقول أخيراّ أن اليهود قد وعدوا وعداً حسناً مشروطاً لو أخذوا به لجاءهم موعود الله لهم وهو قوله تعالى:{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [سورة البقرة 2/40] 

ويستفاد من ذلك ما نبه اليه الرازي عند قوله: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ  = 12 } [سورة المائدة 5/12] قال: "اعلم أن في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوها:

1- الأول: أنه تعالى خاطب المؤمنين فيما تقدم فقال: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [سورة المائدة 5/7] ثم ذكر الآن أنه أخذ الميثاق من بني إسرائيل لكنهم نقضوه وتركوا الوفاء به، فلا تكونوا أيها المؤمنون مثل أولئك اليهود في هذا الخلق الذميم لئلا تصيروا مثلهم فيما نـزل بهم من اللعن والذلة والمسكنة.

2- والثاني: أنه لما ذكر قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} [سورة المائدة 5/11] وقد ذكرنا في بعض الروايات أن هذه الآية نـزلت في اليهود وأنهم أرادوا أيقاع الشر برسول الله صلى الله عليه وسلم  فلما ذكر الله تعالى ذلك أتبعه بذكر فضائحهم وبيان أنهم أبداً كانوا مواظبين على نقض العهود والمواثيق." ([519])


 المبحث الخامس ــ الآثار الواردة كذبهم وافترائهم

 الآثار:

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  = 75 } [سورة آل عمران 3/76]

262-5750- حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فيقول على الله الكذب، وهو يعلم، يعني الذي يقول منهم إذا قيل لـه: ما لك لا تؤدي أمانتك؟ ليس علينا حرج في أموال العرب، قد أحلها الله لنا ([520]).

قوله تعالى: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ  = 42 } [سورة البقرة 2/42]

263-690 -حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روح، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: لا تخلطوا الصدق بالكذب. ([521])

264-691- حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  = 42 } يقول: لا تخلطوا الحق بالباطل، وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد عليه الصلاة والسلام. ([522])

265-692 -وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  = 42 } اليهودية والنصرانية بالإسلام. ([523])

266-694 -حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  = 42 } يقول: ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون. ([524])

267-696- حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: كتموا بعثة محمد صلى الله عليه وسلم . ([525])

قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [سورة البقرة 2/71].

268-1068 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثتي أبي عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن القوم بعد أن أحيا الله الميت فأخبرهم بقاتله، أنكرت قتلته قتله، فقالوا: والله ما قتلناه، بعد أن رأوا الآية والحق. ([526])

قولـه تعالى: {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ = 75 } [سورة البقرة 2/75].

269-1097- حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد في قول الله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّه} فالذين يحرفونه والذين يكتمونه: هم العلماء منهم. ([527])

270-1098- حدثني موسى، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  = 75 } قال: هي التوراة حرفوها. ([528])

271-1099 -حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  = 75 } قال: التوراة التي أنـزلها عليهم يحرفونها، يجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالا، والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق، وإن جاء أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال لهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ  = 44 } [سورة البقرة 2/44] ([529])

272-1100 - حديث عن عمار بن الحسن، قال: أخبرنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قولـه: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  = 75 } فكانوا يسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. ([530])

273-1101 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الآية، قال: ليس قولـه: {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ} يسمعون التوراة، كلهم قد سمعها؛ ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم، فأخذتهم الصاعقة فيها.([531])

274-1102 -حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: بلغني عن بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى: يا موسى قد حيل بيننا وبين رؤية الله عز وجل ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك! فطلب ذلك موسى إلى ربه، فقال: نعم، فمرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا! ففعلوا، ثم خرج بهم حتى أتى الطور، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى عليه السلام ، فوقعوا سجودا، وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم، حتى عقلوا ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلما جاؤوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذي ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله عز وجل لهم. فهم الذين عنى الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم . ([532])

قولـه تعالى: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  = 77 } [سورة البقرة 2/77]

275-1117- حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  = 77 } يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم  وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم. {وَمَا يُعْلِنُونَ} يعني ما أعلنوا حين قالوا للمؤمنين آمنّا. ([533])

قوله تعالى: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [سورة البقرة 2/78].

276-1135- حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} إلا يكذبون. ([534])

قولـه تعالى: {لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ  = 79 } [سورة البقرة 2/79].

277-1145-حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} قال: كان ناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم يبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمناً قليلاً. ([535])

278-1146 -حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنـزله الله، فكتبوا كتاباً بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} قال: عرضاً من عرض الدنيا. ([536])

279-1147 -حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ} قال: هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله يحرفونه. ([537])

280-1148-حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن قتادة: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} الآية، وهم اليهود. ([538])

281-1149- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ} قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتاباً بأيديهم ليتآكلوا الناس، فقالوا: هذا من عند الله، وما هو من عند الله. ([539])

282-1150 - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قولـه: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ  = 79 } قال: عمدوا إلى ما أنـزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضاً من عرض الدنيا، فقال: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ  = 79 }.([540])

قولـه تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 2/80].

283-1166-حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْداً} أي موثقاً من الله بذلك أنه كما تقولون. ([541])

284-1169-حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط عن السدي، قال: لما قالت اليهود ما قالت، قال الله عز وجل : {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} وقال في مكان آخر: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. [سورة آل عمران 3/24] ثم أخبر الخبر فقال: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  = 81 } [سورة البقرة 2/81]. ([542])

قولـه تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [سورة البقرة 2/87].

285-1237 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال:حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ} اليهود من بني إسرائيل. ([543])

قوله تعالى: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ  = 95 } [سورة البقرة 2/95]

286-1306-حدثني محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد فيما يروي أبو جعفر، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً} الآية، أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} أي لعلمهم بما عندهم من العلم بك والكفر بذلك. ([544])

287-1307 -حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} يقول: يا محمد ولن يتمنوه أبدا لأنهم يعلمون أنهم كاذبون، ولو كانوا صادقين لتمنوه ورغبوا في التعجيل إلى كرامتي، فليس يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم. ([545])

288-1365- حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب} يقول: نقض فريق {مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي أن القوم كانوا يعلمون. ولكنهم أفسدوا علمهم وجحدوا وكفروا وكتموا. ([546])

قولـه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة البقرة 2/140].

289-1759-فحدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن بن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ} قال: في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام  ومن ذكر معهما إنهم كانوا يهوداً أو نصارى. فيقول الله: لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم. وقد علم أنهم كاذبون. ([547])

290-1760 -حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني إسحاق، عن أبي الأشهب، عن الحسن أنه تلا هذه الآية: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} إلى قوله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} قال الحسن: والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه برآء من اليهودية والنصرانية، كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام، فبم استحلوها؟ ([548])

291-1761 -حدثنا عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً}أهل الكتاب، كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل: أنهم لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، وكانت اليهودية والنصرانية بعد هؤلاء بزمان.

قولـه تعالى: {وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} [سورة النساء 4/46]

292-7676 - حدثت عن المنجاب، قال: ثنا بشر، قال: أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله: {لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ} قال: تحريفا بالكذب. ([549])

293-10655 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [سورة الأنعام 6/100] قال: كذبوا. ([550])

294-10656 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} كذبوا، سبحانه وتعالى عما يصفون عما يكذبون ! أما العرب فجعلوا له البنات ولهم ما يشتهون من الغلمان، وأما اليهود فجعلوا بينه وبين الجنة نسبا، ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون. ([551])

295-9322 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: {وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ} [سورة المائدة 5/41] كان بنو إسرائيل أنـزل الله عليهم: إذا زنى منكم أحد فارجموه. فلم يزالوا بذلك حتى زنى رجل من خيارهم؛ فلما اجتمعت بنو إسرائيل يرجمونه، قام الخيار والأشراف فمنعوه. ثم زنى رجل من الضعفاء، فاجتمعوا ليرجموه، فاجتمعت الضعفاء فقالوا: لا ترجموه حتى تأتوا بصاحبكم فترجمونهما جميعاً! فقالت بنو إسرائيل: إن هذا الأمر قد اشتد علينا، فتعالوا فلنصلحه! فتركوا الرجم، وجعلوا مكانه أربعين جلدة بحبل مقير ويحممونه ويحملونه على حمار ووجهه إلى ذنبه، ويسودون وجهه، ويطوفون به. فكانوا يفعلون ذلك حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم  وقدم المدينة، فزنت امرأة من أشراف اليهود، يقال لها بسرة، فبعث أبوها ناساً من أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: سلوه عن الزنا وما نـزل إليه فيه؛ فإنا نخاف أن يفضحنا ويخبرنا بما صنعنا، فإن أعطاكم الجلد فخذوه وإن أمركم بالرجم فاحذروه. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  فسألوه، فقال: ((الرجم)). فأنـزل الله عز وجل : {وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [سورة المائدة 5/41] حين حرفوا الرجم فجعلوه جلداً. ([552])

296-9323 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} [سورة المائدة 5/41] قال: لقوم آخرين لم يأتوك من أهل الكتاب، هؤلاء سماعون لأولئك القوم الآخرين الذين لم يأتوه، يقولون لهم الكذب: محمد كاذب، وليس هذا في التوراة، فلا تؤمنوا به. ([553])

297-9335 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [سورة المائدة 5/42] قال: كان هذا في حكام اليهود بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرشا. ([554])

قولـه تعالى: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  = 13 } [سورة المائدة 5/13]

298-9041 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ} قال: على خيانة وكذب وفجور. ([555])


 الدراسة:

من صفات اليهود التي اشتهروا بها قول الكذب, وسماع الكذب ونقله, كما حكى الله عنهم في كتابه, فقد كذبوا على الله وعلى أنبيائه, وكذب بعضهم من علمائهم على بعض؛ فقد كذبوا على الله:

- باختلاقهم أن له ولد بغير علم, كما قال مجاهد رحمه الله  فهم قد تخرصوا لله كذباً، فافتعلوا له بنين وبنات بغير علم منهم بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلاً بالله وبعظمته وأنه لا ينبعي لمن كان إلها أن يكون لـه بنون وبنات ولا صاحبة، ولا أن يشركه في خلقه شريك.

- وكذبوا على الله: بكتمان الحق والعلم، حتى وإن كان وحياً منزلاً من الله تعالى لهم، فإنهم لا يتورعون عن جحده وكتمانه مادام لا يخدم أغراضهم وغاياتهم الفاسدة، قال الله تعالى عنهم يعاتبهم على ذلك: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران 3/71]

- وكذبوا على الله : بتحريف كلامه وشرعه والكذب على الله بما يتفق مع أهوائهم وأغراضهم الفاسدة قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونََ  = 78 } [سورة آل عمران 3/78]

ومعنى هذه الآيات الفاضحة لهم : وإن من أهل الكتاب، وهم اليهود الذين كانوا حوالي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على عهده من بني إسرائيل, يحرفون{أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ} [سورة آل عمران 3/78] يعني: لتظنوا أن الذي يحرفونه بكلامهم من كتاب الله وتنزيله، يقول الله عز وجل: وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم، فحرفوه وأحدثوه من كتاب الله، ويزعمون أن ما لووا به ألسنتهم من التحريف والكذب والباطل فألحقوه في كتاب الله من عند الله، يقول: مما أنزله الله على أنبيائه، وما هو من عند الله، يقول: وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم، فأحدثوه مما أنزله الله إلى أحد من أنبيائه، ولكنه مما أحدثوه من قبل أنفسهم، افتراء على الله. يقول عز وجل : {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران 3/75] يعني بذلك: أنهم يتعمدون قيل الكذب على الله، والشهادة عليه بالباطل، والإلحاق بكتاب الله ما ليس منه طلبا للرياسة والخسيس من حطام الدنيا. ([556])

- وكذبوا على الله حين زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته فتقبلت منه أن تنزل نار من السماء تأكلها قال تعالى: {الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينََ  = 183 } [سورة آل عمران 3/183]

وهنا كذبتان كبيرتان:

1- الأولى: كذبهم في نسبتهم ما طلبوه الى الله افتراءاً عليه.

2- الثانية: أنهم كذبوا في ادعئهم تصديق النبي إذا أرسل، فقد جاءهم رسل حققوا لهم ما تمنوه ومع ذلك كذبوهم بل وقتلوهم ثم جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم  وكذبوه أيضاً.

"وإنما أعلم الله عباده بهذه الآية، أن الذين وصف صفتهم من اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  لن يقروا، وأن يكونوا في كذبهم على الله، وافترائهم على ربهم، وتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم  وهم يعلمونه صادقاً محقاً، وجحودهم نبوته، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه، مفروضة طاعته إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع الله عذرهم بالحجج التي أيدهم الله بها، والأدلة التي أبان صدقهم بها، افتراء على الله، واستخفافا بحقوقه."

وكذب من يعدون من صلاّحهم الذين اختارهم موسى عليه السلام  لميقات الله ,فقالوا لقومهم غير ما سمعوه من الوصايا, ودأب علماؤهم على الكذب وتغيير أحكام الله بحسب الرشوة التي يأخذونها من المتحاكمين لهم، بل أنهم كذبوا على المسلمين بعدم آداء الأمانة اليهم بحجة أن الله قد سمح لهم بهذا فقال تعالى عنهم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونََ  = 75 } [سورة آل عمران 3/75]

وإن كان سياق الآية فيه أمر طبيعي قد ينسحب على كل الناس: فمنهم الأمين ومنهم دون ذلك، ولكن هنا تنبيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم  وأمته, أن هؤلاء اليهود يرون عدم الوفاء للمسلمين أمراً من أمور دينهم التي أذن الله بها لهم كذباً على الله, "إنما أراد جل وعز بإخباره المؤمنين خبرهم على ما بينه في كتابه بهذه الآيات تحذيرهم أن يأتمنوهم على أموالهم، وتخويفهم الاغترار بهم، لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين" ([557])

وكان صلى الله عليه وسلم  يبين لأمته ما كانت اليهود تكذب به وتلبس على المسلمين، كما في حديث أبي سعيد الخدري ­_ قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم  ((إن اليهود تقول إن العزل هو الموؤودة الصغرى.)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كذبت يهود، كذبت يهود، لو أراد الله خلقها لم يستطع عزلها.)) ([558])

 وعن جابر بن عبد الله _ قال: ((كانت يهود يقولون من أتى امرأته وهي مجبية من دبرها في قبلها كان ولده أحول.)) فذكر ذلك لرسول الله فقال: ((كذبت يهود.)) ([559])

وقد صرح صلى الله عليه وسلم  بأنهم يكذبون وهم على الله أكذب كما في حديث عائشة رضي الله عنها  قالت: ((أن يهودية كانت تخدمها فلا تصنع عائشة إليها شيئاً من المعروف إلا قالت لها اليهودية وقاك الله عذاب القبر قالت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم  علي)) فقلت: ((يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة.)) قال: ((لا وعم ذاك؟)) قالت: هذه اليهودية لا نصنع إليها من المعروف شيئاً إلا قالت: وقاك الله عذاب القبر. قال: كذبت يهود وهم على الله عز وجل  أكذب لا عذاب دون يوم القيامة، قالت: ثم مكث بعد ذاك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملاً بثوبه، محمرة عيناه، وهو ينادى بأعلى صوته ((أيها الناس أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً وضحكتم قليلاً، أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق.)) ([560])

بل إن كذبهم على رسول الله استمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم  ولكن كان لهم عمر _ بالمرصاد فعن ابن عمر رضي الله عنهما  قال: ((لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما  قام عمر _ خطيباً)) فقال ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم.)) فلما أجمع عمر _ على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم  وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا فقال عمر _ أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  ((كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة.)) فقال كانت هذه هزيلة من أبي القاسم قال: ((كذبت يا عدو الله.)) فأجلاهم عمر _. ([561])

 وهكذا هم إلى اليوم أهل بهت وكذب لا ينبغي الثقة بهم طرفة عين.


 المبحث السادس: الآثار الواردة في حسدهم

 الآثار:

قولـه تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  = 109 } [سورة البقرة 2/109]

299-1479 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} هو كعب بن الأشرف. ([562])

300-1481 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: حدثني ابن إسحاق. وحدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم  وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنـزل الله فيهما: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم} الآية. ([563])

301-1483 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد عن قتادة: {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} من بعد ما تبين لهم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم  والإسلام دين الله. ([564])

302-1484- حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق قال: ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع عن أبي العالية: {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} يقول: تبين لهم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم  يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. ([565])

303-حدثت عن عمار قال: ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن  الربيع مثله؛ وزاد فيه: فكفروا به حسداً وبغياً إذ كان من غيرهم. ([566])

304-1486 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد قال: ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن  ابن عباس رضي الله عنهما : {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} يقول الله تعالى ذكره: من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئاً ولكن الحسد حملهم على الجحد. فعيرهم الله ولامهم ووبخهم أشد الملامة.

قولـه تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  = 73 } [سورة آل عمران 3/73] 

305-5731 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن  مجاهد في قوله: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  = 73 } : حسداً من يهود أن تكون النبوة في غيرهم وإرادة أن يتبعوا على دينهم.

306-5733 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن  قتادة قوله: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} يقول: لما أنـزل الله كتاباً مثل كتابكم وبعث نبياً مثل نبيكم حسدتموهم على ذلك؛ {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} ([567])

قولـه تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  = 99 } [سورة آل عمران 3/99] 

307-5945- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : ثني الثقة عن  زيد بن أسلم قال: مر شاس بن قيس وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله - من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه. فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً من اليهود وكان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحرث من الأوس وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعه وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا السلاح موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرة - فخرجوا إليها وتحاور الناس فانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: ((يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً)) فعرف القوم أنها نـزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً. ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس وما صنع فأنـزل الله في شاس بن قيس وما صنع {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ  = 98  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً} [سورة آل عمران 3/99]... الآية وأنـزل الله عز وجل  في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا مما أدخل عليهم شاس بن قيس من أمر الجاهلية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة آل عمران 3/105] ([568])

قولـه تعالى: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ} [سورة الحديد 57/29]

308-26104- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن  قتادة قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} الآية قال: لما نـزلت هذه الآية حسد أهل الكتاب المسلمين عليها فأنـزل الله عز وجل {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ} الآية قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم  كان يقول: ((إنما مثلنا ومثل أهل الكتابين قبلنا كمثل رجل استأجر أجراء يعملون إلى الليل على قيراط فلما انتصف النهار سئموا عمله وملوا فحاسبهم فأعطاهم على قدر ذلك ثم استأجر أجراء إلى الليل على قيراطين يعملون له بقية عمله فقيل له: ما شأن هؤلاء أقلهم عملاً وأكثرهم أجراً؟ قال: مالي أعطي من شئت فأرجوا أن نكون نحن أصحاب القيراطين)). ([569])

قولـه تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ  = 19 } [سورة الحـج 22/19]

309-18889 - حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قال: هم أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله، وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيكم وبما أنـزل الله من كتاب، فأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا. وكان ذلك خصومتهم في ربهم. ([570])

قوله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ  = 5 } [سورة الناس 114/5]

310-29676 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال  ابن زيد في قوله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ  = 5 } قال: يهود لم يمنعهم أن يؤمنوا به إلا حسدهم ([571])


 الدراســــة:

ومن صفات اليهود التي ظهرت بجلاء بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم : صفة الحسد المقيت للنبي صلى الله عليه وسلم  إذ لم يكن منهم ,كما كان حسدهم للمسلمين الذين هداهم الله ومنّ عليهم باتباع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  فقال الله تعالى عنهم:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَـزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  = 105 } [سورة البقرة 2/105]

يقول الطبري:وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله تبارك وتعالى نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين، والاستماع من قولهم وقبول شيء مما يأتونهم به، على وجه النصيحة لهم منهم؛ بإطلاعه جل ثناؤه إياهم على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون.([572])

وأما قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  = 109 } [سورة البقرة 2/109] فقد ورد أنه في آحاد بعض اليهود بعينهم كما في الآثار السابقة ولكن الإمام الطبري لا يراها خاصة في كعب أوغيره بل هي عامة لمن ظهرة أمارات الحسد عليهم في مواطن كثيرة فقال:وليس لقول القائل عنى بقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} كعب بن الأشرف معنى مفهوم؛ لأن كعب بن الأشرف واحد وقد أخبر الله جل ثناؤه أن كثيرا منهم يودون لو يردون المؤمنين كفاراً بعد إيمانهم. لأن الله جل ثناؤه قد وصفهم بصفة الجماعة فقال: {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً} فذلك دليل على أنه عنى الكثرة في العدد. ([573]) ونبه تعالى أن حسدهم هذا لم يؤمروا به في كتابهم كما قال الربيع بن أنس: أنه من قبل أنفسهم. فعلى أي شيء يحسدون المسلمين؟

نقول: يحسدوننا على نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعلى ديننا، وعلى يسر شريعتنا، وعلى كوننا آخر الأمم، والتي اختارها الله لتكون شاهدة على باقي الأمم، وعلى مضاعفة الله لأجرنا مع قلة عملنا، كما قال صلى الله عليه وسلم : ((إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود، فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين قالوا نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذاك فضلي أوتيه من شئت.)) ([574])

 بل و يحسدوننا على ثلاث يغفل عن فضلها بعض المسلمين ويتمناها اليهود كما بينها الرسول صلى الله عليه وسلم  في حديث عائشة رضي الله عنها  المشهور في قولهم السام عليكم وفيه: ((دخل اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقالوا السام عليك يا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وعليك، فقالت عائشة رضي الله عنها : فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وسلم  لذلك فسكت، ثم دخل آخر فقال السام عليك، فقال: عليك، فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وسلم  لذلك، ثم دخل الثالث فقال: السام عليك، فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير أتحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم  بما لم يحيه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش قالوا قولاً فرددنا عليهم، إن اليهود قوم حسد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين.))

 وفي رواية ((لا حسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين.)) ([575])

 وفي رواية ((إن اليهود قوم سئموا دينهم وهم قوم حسد، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث: رد السلام، وإقامة الصفوف، وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة آمين.)) ([576])

وفي آمين ورد أيضاً قولـه صلى الله عليه وسلم  ((ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين.)) ([577])

وبعد أن نبه عليه الصلاة والسلام أمته ما بلغه حسد اليهود لهم ناسب أن يحذرهم من الحسد، وأنه سبب ضياع الدين فيمن قبلهم، وما أداه حسد اليهود وغيرهم، وأنه منقلب عليهم بسوء فقال صلى الله عليه وسلم : ((دب إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم.)) ([578])

 وفي حديث أبي هريرة _ عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ((إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب.)) ([579])

وفي حديث أبي هريرة _ عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ((سيصيب أمتي داء الأمم، قالوا: يا نبي الله وما داء الأمم؟ قال: الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج.)) ([580])  وسيأتي مزيد من العرض لبعض هذه الصفات وغيرها في الفصول القادمة بإذن الله.


 الباب الثاني :  الآثار الواردة عن السلف في عقيدة اليهود في أصول الإيمان

 وفيه خمسة فصول

الفصل الأول : الآثار الواردة في موقفهم من الإيمان بالله.

الفصل الثاني: الآثار الواردة في موقفهم من الإيمان بالملائكة.

الفصل الثالث: الآثار الواردة في موقفهم من الإيمان بالكتب.

الفصل الرابع: الآثار الواردة في موقفهم من الإيمان بالأنبياء.

الفصل الخامس: الآثار الواردة في موقفهم من الإيمان باليوم الآخر والقدر.


 الفصل الأول : الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان بالله

 المبحث الأول: الآثار الواردة في إيمان بعضهم بالله

 الآثار:

قوله تعالى: {بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [سورة البقرة 2/88] 

311-1249- حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد عن  قتادة قوله: {بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} فلعمري لمن رجع من أهل الشرك أكثر ممن رجع من أهل الكتاب إنما آمن من أهل الكتاب رهط يسير. ([581])

312-1250 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة: {فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} قال: لا يؤمن منهم إلا قليل. ([582])

قولـه تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِِ  = 199 } [سورة آل عمران 3/199]

313-6682 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن  ابن جريج قال: نزلت - يعني هذه الآية - في عبد الله بن سلام ومن معه.([583])

314-6684 - حدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن  مجاهد : {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} من اليهود والنصارى وهم مسلمة أهل الكتاب. ([584])


 الدراسة:

أرسل الله -تبارك وتعالى- رسله لدعوة الخلق, لإفراده بالعبادة, والإيمان به, وملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الآخر, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً  = 136 } [سورة النساء 4/136]

ومعلوم كثرة ما أرسل إلى اليهود من الأنبياء, ومع ذلك فقد كثر فيهم الكفر والشرك وقتل الأنبياء، -حتى اشتهروا به- وتكذيب الكتب والرسل، وقلة الإيمان باليوم الآخر، كل ذلك فصله الله - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم.

ولأن الله يأمر بالعدل, فقد أنصف من آمن منهم واستثناه من الكفر، فلم يلعن إلاّ الذين كفروا من بني إسرائيل كما قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [سورة المائدة 5/78]

ويستثني القليل من المؤمنين منهم, فلا يدخلهم في عموم الذم, أو الوعيد, كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [سورة البقرة 2/83]

وقد أجمل ذلك ابن كثير عند قولـه تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ  = 159 } [سورة الأعراف 7/159] فقال: "يقول تعالى مخبراً عن بني إسرائيل إن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به كما قال تعالى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ  = 113 } [سورة آل 3/113] وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة آل عمران 3/199] وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ  = 52  وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ  = 53  أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [سورة القصص 28/52-54] الآية وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [سورة البقرة 2/121] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً  = 107  وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً  = 108  وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً  = 109 } [سورة الإسراء 17/107-109] " ([585])

وأخبر - تبارك وتعالى - أن علماءهم يعلمون أن القرآن منزل من عند الله كما قال تعالى:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ  = 114 } [سورة الأنعام 6/114] وقوله:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ  = 94 } [سورة يونس 10/94]

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما أخبرناك وأنزل إليك من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن تبعث رسولاً إلى خلقه، لأنهم يجدونك عندهم مكتوباً ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل؛ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك من أهل التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك منهم." ([586])

واحتج القرآن بأهل الكتاب على المعاندين من مشركي مكة كما قال تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً  = 107  وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً  = 108  وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً  = 109 } [سورة الإسراء 17/107-109]

قال الطبري: "وإن تكفروا به، فإن الذين أوتوا العلم بالله وآياته من قبل نزوله من مؤمني أهل الكتابين، إذا يتلى عليهم هذا القرآن يخرون- تعظيماً لـه وتكريماً، وعلماً منهم بأنه من عند الله- لأذقانهم سجداً بالأرض. ([587])

هكذا يستثي الله - تبارك وتعالى - المؤمنين منهم ويشيد بالصالحين منهم وكثير منهم كافرون وهم من سنتعرض لهم عند بيان موقفهم من أركان الإيمان، فالحكم هنا على الأعم الأغلب ونستثني من استثناهم الله - تبارك وتعالى - في قولـه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ  = 66 } [سورة المائدة 5/66]


 المبحث الثاني : الآثار الواردة في وصفهم الله بالنقائص

 وفيه أربعة مطالب :

 المطلب الأول : :نسبة الولد الى الله:

 الآثار:

 وفيه ثلاث مسائل:
 المسألة الأولى: قولهم العزير ابن الله

قوله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [سورة التوبة 9/30]

315-12913 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: سمعت  عبد الله بن عبيد بن عمير قوله: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} قال: قالها رجل واحد قالوا: إن اسمه فنحاص وقالوا: هو الذي قال: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [سورة آل عمران 3/181] ([588])

316-12914 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن  ابن عباس رضي الله عنهما  قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشأس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟ فأنزل في ذلك من قولهم: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}... إلى: {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} ([589])

317-12915 - حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيراً كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله أن يعملوا ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق. وكان التابوت فيهم؛ فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم وأرسل الله عليهم مرضا فاستطلقت بطونهم حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة ونسخت من صدورهم وفيهم عزير. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم وكان عزير قبل من علمائهم فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره من التوراة. فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله نزل نور من الله فدخل جوفه فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة وردها إلي! فعلق يعلمهم فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إن التابوت نزل بعد ذلك وبعد ذهابه منهم؛ فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم فوجدوه مثله فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله. ([590])

318-12916 - حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن  السدي: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} إنما قالت ذلك لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة وذهب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال. وكان عزير غلاما يتعبد في رؤوس الجبال لا ينزل إلا يوم عيد فجعل الغلام يبكي ويقول: رب تركت بني إسرائيل بغير عالم ! فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه. فنزل مرة إلى العيد؛ فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت لـه عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه ويا كاسياه ! فقال لها: ويحك من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرجل؟ قالت: الله. قال: فإن الله حي لم يمت. قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبرا فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غداً فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ثم اخرج فصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه! فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر فاغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين فجاءه الشيخ فقال: افتح فمك! ففتح فمه فألقى فيه شيئاً كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعاً كهيئة القوارير ثلاث مرار. فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال: يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا يا عزير ما كنت كذاباً. فعمد فربط على كل أصبع له قلماً وكتب بأصابعه كلها فكتب التوراة كلها. فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال وكانت في خواب ([591]) مدفونة فعارضوها بتوراة عزير فوجدوها مثلها فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه. ([592])

319-12917 - حدثني المثني قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} يقول: يشبهون. ([593])

320-12918 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن  قتادة قوله: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم. ([594])

321-12919 - حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} النصارى يضاهئون قول اليهود في عزيز. ([595])

322-12920 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا حجاج عن  ابن جريج: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} يقول: النصارى يضاهئون قول اليهود. ([596])

323-12921 - حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} يقول: قالوا مثل ما قال أهل الأوثان. ([597])

 المسألة الثانية: قولهم نحن ابناء الله:

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [سورة المائدة 5/18]

324-9060 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن  ابن عباس رضي الله عنهما  قال: أتى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وشأس بن عدي فكلموه فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه! كقول النصارى فأنزل الله جل وعز فيهم: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ([598])

325-9061 - حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن  السدي: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} أما أبناء الله فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدا من ولدك أدخلهم النار فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل فأخرجهم. فذلك قوله: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [سورة آل عمران 3/24] وأما النصارى فإن فريقاً منهم قال للمسيح: ابن الله. ([599])

326-9062 - حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: قوله: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [سورة البقرة 2/284] يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه. ([600])

قوله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ  = 30 } [سورة التوبة 9/31]

327-12913 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير قوله: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ  = 30 } قال: قالها رجل واحد قالوا: إن اسمه فنحاص وقالوا: هو الذي قال: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ  = 181 } [سورة آل عمران 3/181] ([601])

328-- حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: أتى رسول الله  صلى الله عليه وسلم   سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشأس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟ فأنزل في ذلك من قولهم: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ  = 30 } [سورة التوبة 9/31]... إلى: {أَنَّى يُؤْفَكُونَ  = 75 } [سورة المائدة 5/76] ([602])

329-12915 - حدثني محمدبن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ  = 30 } وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله أن يعملوا ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق. وكان التابوت فيهم؛ فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم وأرسل الله عليهم مرضاً فاستطلقت بطونهم حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة ونسخت من صدورهم وفيهم عزير. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم وكان عزير قبل من علمائهم فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره من التوراة. فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله نزل نور من الله فدخل جوفه فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة وردها إلي! فعلق يعلمهم فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إن التابوت نزل بعد ذلك وبعد ذهابه منهم؛ فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم فوجدوه مثله فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله. ([603])

330-12916 - حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ  = 30 } إنما قالت ذلك لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة وذهب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال. وكان عزير غلاماً يتعبد في رؤوس الجبال لا ينزل إلا يوم عيد، فجعل الغلام يبكي ويقول: رب تركت بني إسرائيل بغير عالم! فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه. فنزل مرة إلى العيد؛ فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه ويا كاسياه! فقال لها: ويحك من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرجل؟ قالت: الله. قال: فإن الله حي لم يمت. قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبراً فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غداً فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ثم أخرج فصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه! فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر فاغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين فجاءه الشيخ فقال: افتح فمك! ففتح فمه فألقى فيه شيئاً كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعا كهيئة القوارير ثلاث مرار. فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال: يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا يا عزير ما كنت كذاباً. فعمد فربط على كل أصبع له قلما وكتب بأصابعه كلها فكتب التوراة كلها. فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال وكانت في خواب مدفونة فعارضوها بتوراة عزير فوجدوها مثلها فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه. ([604])

 المسالة الثالثة: نسبة الجن والملائكة اليه

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ  = 158 } [سورة الصافات 37/159]

331-22765- حدثنا عمرو بن يحيى بن عمران بن عفرة قال: ثنا عمرو بن سعيد الأبح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ  = 158 } [سورة الصافات 37/159] قالت اليهود: إن الله تبارك وتعالى تزوج إلى الجن فخرج منهما الملائكة قال: سبحانه سبح نفسه. ([605])


 الدراسة:

لما استولى بختنصر على بني اسرائيل قتل رجالهم وسبى ذراريهم وأحرق أسفار التوراة حتى لم يبق فيهم من يحفظ التوراة، وزعموا أن الله ألهم عزيراً عليه السلام  حتى قرأه من صدره، ولم يكن أحد قرأه حفظاً لا قبله ولا بعده؛ ولهذا قالوا بأنه ابن الله وعبدوه كما في الآثار السابقة, فمدار الأمر على إخراج التوراة بعد اندراسها؛ فلذلك قالت بنو إسرائيل: لم يستطع موسى أن يأتينا بها إلا في كتاب وأتانا بها عزير من غير كتاب، فرماه طوائف منهم فقالوا هو ابن الله جل الله وعز وجل . ([606])

والعزير من ذرية هارون عليه السلام  ([607]) وفي سيرته روايات كثيرة يغلب عليها الوضع كما بين ذلك ابن كثير، ([608]) وفيها من الاسرائيليات الشيء الكثير والمشهور أنه الذي مرّ على القرية كما في سورة البقرة عند أكثر المفسرين، وذكر الطبري أنه إرميا، وقيل غير ذلك في الذي مر على القرية، ثم قال: "ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قبله البيان على اسم قائل ذلك، وجائز أن يكون ذلك عزيراً وجائز أن يكون إرميا، ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك. ([609])

قال بعض أهل العلم أن الذي يقول ذلك بعض اليهود وليس كلهم بل الصدوقية من اليهود ([610]) وباقي الطوائف تنكر هذا. قال ابن حجر: "ويمكن أن يجاب: بأن خصوص هذا الخطاب لمن كان متصفاً بذلك، ومن عداهم يكون جوابهم ذكر من كفروا به." ([611])

لكن الله ذكر ذلك عنهم باسمهم المعرف فنحن ننسبه إليهم كما نسبه الله إليهم, فليس كلهم قال: إن الله فقير، وليس كلهم عبد العجل وهكذا.

قال القرطبي: "قال النقاش: لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا، فإذا قالها واحد فيتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة، لأجل نباهة القائل فيهم. وأقوال النبهاء أبداً مشهورة في الناس يحتج بها. فمن ههنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها." ([612])

وقد مر في الآثار أن القائل غير واحد, فقيل: فنحاص وقيل سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشأس بن قيس ومالك بن الصيف.

وقد رد الله عليهم قولهم الشنيع فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة التوبة 9/30]

وقوله: {يُضَاهِؤُونَ}: يشبهون من سبقهم من الذين كفروا , وللعلماء فيهم ثلاثة أقوال:

1- الأول: قول عبدة الأوثان: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.

2- الثاني: قول الكفرة: الملائكة بنات الله.

3- الثالث: قول أسلافهم، فقلدوهم في الباطل واتبعوهم على الكفر، كما أخبر عنهم بقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [سورة الزخرف 43/23]. ([613])


 المطلب الثاني : نسبة الفقر والبخل والتعب الى الله

 الآثار

 المسألة الأولى: نسبة الفقر الى الله

قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ  = 181 } [سورة آل عمران 3/181]

332-6615 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: دخل أبو بكر الصديق _ بيت المدارس فوجد من يهود ناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال لـه فنحاص كان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر يقال له: أشيع. فقال أبو بكر _ لفنحاص: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم! فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل! قال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان غنياً عنا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين! فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال: يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأبي بكر: وما حملك على ما صنعت؟ "فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى فيما قال فنحاص رداً عليه وتصديقاً لأبي بكر: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [سورة آل عمران 3/182] وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: {لَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ  = 186 } [سورة آل عمران 3/186] ([614])

 المسألةالثانية : نسبة البخل الى الله :

قوله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}[سورة المائدة 5/64]

333-9550 حدثني المثني قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قالا: ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة ولكنهم يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.‏ ([615])

334-9551- حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قال: لقد يجهدنا الله يا بني إسرائيل حتى جعل الله يده إلى نحره. وكذبوا. ([616])

335-9552 حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة :{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قالوا: الله بخيل غير جواد قال الله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}. ([617])

336-9553 حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قالوا: إن الله وضع يده على صدره فلا يبسطها حتى يرد علينا ملكنا. ([618])

 المسألة الثالثة : نسبة التعب الى الله

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [سورة ق 50/38]

337-24764 - حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن أبي بكر ، قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم  ، فقالوا : يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة ؟ فقال : "خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء، وخلق السموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات، -يعني من يوم الجمعة- وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم، قالوا : صدقت إن أتممت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم  ما يريدون، فغضب، فأنزل الله {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ  = 38  فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [سورة طـه 20/38-39] . " ([619])

338-24769- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} الآية أكذب الله اليهود والنصارى وأهل القرى على الله؛ وذلك أنهم قالوا: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السابع وذلك عندهم يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة. ([620])

339-24767 - حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} يقول : وما مسنا من نصب. ([621])


 الدراسة:

وصف اليهود الله- تبارك وتعالى- بصفات تنم عن نفسية خبيثة, وافتروا عليه, وألحدوا في صفاته -جل وعلا- كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [سورة الأنعام 6/91]

فوصفوه بأنه فقير ومحتاج إليهم ثم أمعنوا بالكفر ووصفوه بالبخل ثم جردوه من صفات الكمال ووصفوه بالتعب والأعياء.

ولشناعة مقولتهم ,كان التصرف الفطري من أبي بكر الصديق _ ,هو التصرف الصحيح, مع الطاغوت ‌فنحاص اليهودي.

ولما أنكر أنه قال ذلك -كعادتهم بالمراوغة- أكذبه الله بالوحي فقال تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [سورة آل عمران  3/181]

ومرة أخرى: ينسب ما يقوله بعضهم إليهم جميعاً, وقد مرّ معنا ذلك في أكثر من موضع قال الطبري رحمه الله : "وقد ذكرت الآثار التي رويت، أن الذين عنوا بقوله: {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} بعض اليهود الذين كانوا على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن من أولئك أحد قتل نبياً من الأنبياء، لأنهم لم يدركوا نبياً من أنبياء الله فيقتلوه؟ قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه، وإنما قيل ذلك كذلك لأن الذين عنى الله تبارك وتعالى بهذه الآية كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء، وكانوا منهم، وعلى منهاجهم، من استحلال ذلك واستجازته. فأضاف جل ثناؤه فعل ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته إلى جميعهم، إذ كانوا أهل ملة واحدة، ونحلة واحدة، وبالرضا من جميعهم فعل ما فعل فاعل ذلك منهم على ما بينا من نظائره فيما مضى قبل." ([622])

ما الذي جعلهم يقولون هذه المقولة الشنيعة؟

قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزل قوله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [سورة البقرة 2/245] قالت اليهود يا محمد أفتقر ربك فسأل عباده القرض فأنزل الله {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} [سورة آل عمران 3/181] ([623])

وقد توعدهم الله جزاء هذه الفرية, فقال: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [سورة آل عمران 3/181]

ونبين هنا الفرق بين من فهم اليهود السقيم لطلب الله منهم الأنفاق في سبيله، وبين من فهم معنى الإقراض لله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  فعن عبد الله بن مسعود _، قال: لما نزلت {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} قال أبو الدحداح: ([624]) ((يا رسول الله إن الله يريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح. قال: أرنا يدك قال فناوله يده قال: قد أقرضت ربي حائطي- وحائطه فيه ستمائة نخلة- فجاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعيالها فنادى يا أم الدحداح قالت: لبيك قال اخرجي فقد أقرضته ربي.)) ([625])

وفي رواية: أنها قالت: ((ربح بيعك يا أبا الدحداح.)) ونقلت منه متاعها وصبيانها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح)) وفي لفظ ((رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة.)) ([626])

ثم زعموا -عليهم لعنة الله- أن يد الله مغلولة واصفين الله بالبخل!!

قال الطبري: "يعنون: أن خير الله ممسك، وعطاءه محبوس عن الاتساع عليهم، كما قال تعالى ذكره في تأديب نبيه صلى الله عليه وسلم : {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [سورة الإسراء 17/29] وإنما وصف تعالى ذكره اليد بذلك، والمعنى: العطاء، لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم. {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [سورة المائدة 5/64] يعني بذلك أنهم قالوا: إن الله يبخل علينا ويمنعنا فضله فلا يفضل، كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف." ([627])

 ولأن مرادهم من ذلك وصفه -تعالى- بالبخل كما قال ابن عباس رضي الله عنهما  قال: لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكن يقولون بخيل يعني أمسك ماعنده بخلاً تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. ([628]) ، ردّ الله عليهم مقولتهم بوصفه نفسه بالإنفاق وأن يداه مبسوطتان بذلك قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [سورة المائدة 5/64]

وما قدروا الله حق قدره, قال صلى الله عليه وسلم :  ((إن يمين الله ملأى, لا يغيضها نفقة, سحاء الليل والنهار, أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقص ما في يمينه, وعرشه على الماء, وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض.)) ([629])

وذهب السدي إلى أن مرادهم بذلك أن يده مغلولة حتى يرد علينا ملكنا كما رواه الطبري عنه.

وقال الحسن بن أبي الحسن: "قولهم {يد الله مغلولة} إنما يريدون عن عذابهم فهي على هذا في معنى قولهم {نحن أبناء الله وأحباؤه}" ([630])

لكن المشهور الذي وردت به النصوص ودل عليه سياق الآيات وصفهم الله بالبخل

ثم ذكر الله زعماً آخر من مزعامهم السيئة وقلة تقديرهم لعظمة الله فزعموا: أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ففرغ من الخلق يوم الجمعة، واستراح في اليوم السابع وهو يوم السبت وهم يسمونه يوم الراحة. ([631])

وإلى اليوم واليهود لا يعملون شيئاً من أعمالهم اليومية يوم السبت تأثراً بهذا الاعتقاد، ولهم في هذا تكلف عجيب حتى أنهم لا يستعملون المواصلات ولا يباشرون شيئاً مما يشغل ويستفاد منه إلا بواسطة على طريقة خداعهم يوم السبت. وقد أكذبهم الله بقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة الأحقاف 46/33] .

وبقوله:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ  = 38 } [سورة ق 50/38] .


 المبحث الرابع : الآثار الواردة في شركهم بالله :

 الآثار:

قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً  = 18 } [سورة الجن 72/19]

340-27229 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا} كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده. ([632])

 المسألة الأولى : عبادة العجل

قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [سورة الأعراف 7/139] 

341-11690 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} قال ابن جريج: على أصنام لهم قال: تماثيل بقر فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر فذلك كان أهل شأن العجل {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} ([633])

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُُ  = 54 } [سورة البقرة 2/54]

342-786 -حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا إبراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان بن عينة قال: قال أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال موسى عليه السلام  لقومه: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ  = 54 } [سورة البقرة 2/54] قال: أمر موسى عليه السلام  قومه عن أمر ربه عز وجل  أن يقتلوا أنفسهم قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل وأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً. فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة. ([634])

343-788 -حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى: {بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ} قال: كان موسى أمر قومه -عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده فتاب الله عليهم.([635])

344-789 -حدثني المثنى قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ} الآية. قال: فصاروا صفين فجعل يقتل بعضهم بعضاً فبلغ القتلى ما شاء الله ثم قيل لهم: قد تيب على القاتل والمقتول. ([636])

قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [سورة طـه 20/89] 

345-18317 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال الله: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} ذلك العجل الذي اتخذوه {قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً}. ([637])

346-1290 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن قتادة: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. ([638])

 المسألة الثانية : عبادة العزير:

قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [سورة الصافات 37/25]

347-22469- حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال: ثنا أبو الزعراء قال: كنا عند عبد الله فذكر قصة ثم قال: يتمثل الله للخلق فيلقاهم فليس أحد من الخلق كان يعبد من دون الله شيئاً إلا وهو مرفوع له يتبعه قال: فيلقى اليهود فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد عزيرا قال: فيقول: هل يسركم الماء؟ فيقولون: نعم فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب ثم قرأ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً  = 100 } [سورة الكهف 18/100] قال: ثم يلقى النصارى فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: المسيح فيقول: هل يسركم الماء؟ فيقولون: نعم فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب ثم كذلك لمن كان يعيد من دون الله شيئا ثم قرأ عبد الله {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ  = 24 } ([639])

 المسألة الثالثة : عبادة( بعل) وهم قوم الياس من بني بني إسراثيل :

348-22690- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال: إن الله قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها دون الله فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيا. وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة فكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال لـه: أحاب كان اسم امرأته: أربل وكان يسمع منه ويصدقه وكان إلياس يقيم له أمره وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله يقال له بعل. ([640])

قوله تعالى : {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ  = 124 } [سورة الصافات 37/125] 

349-22688- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ  = 125 } [سورة الصافات 37/126] قال: بعل: صنم كانوا يعبدون ,كانوا ببعلك, وهم وراء دمشق وكان بها البعل الذي كانوا يعبدون. ([641])

 المسألة الرابعة : عباد الأحبار والرهبان

قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ  = 31 } [سورة التوبة 9/31] 

350-12924- حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن سلمة عن الضحاك: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ} قال: قراءهم وعلماءهم. ([642])

351-12926- حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة أنه سئل عن قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} كانوا يعبدونهم؟ قال: لا كانوا إذا أحلوا لهم شيئا أستحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. ([643])

352-12927- قال: ثنا جرير وابن فضيل عن عطاء عن أبي البختري: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال: أنطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراما وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالا فأطاعوهم في ذلك فجعل الله طاعتهم عبادتهم ولو قالوا لهم اعبدونا لم يفعلوا. ([644])

353-12928- حدثنا ابن وكيع قال: ثنا ابن أبي عدي عن أشعث عن الحسن: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} قال: في الطاعة. ([645])

354-12929- حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : لم يأمروهم أن يسجدوا لهم ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم فسماهم الله بذلك أربابا. ([646])

355-12930- حدثنا ابن وكيع قال: ثنا ابن نمير عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} قال: قلت لأبي العالية: كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل؟ قال قالوا: ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنا انتهينا ! لقولهم: وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. ([647])

 المسألة الخامسة : التحاكم الى بالجبت والطاغوت

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [سورة النساء 4/60] 

356-7816- حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فكان المنافق يدعو إلى اليهود لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة، فأنزل الله فيه هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}... حتى بلغ: {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} ([648])

357-7817- حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} فذكر نحوه، وزاد فيه: فأنزل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} يعني المنافقين {وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} يعني اليهود {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} يقول: إلى الكاهن {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه أن يكفر بالكاهن. ([649])

358-7818- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرمي أن رجلاً من اليهود كان قد أسلم، فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في حق، فقال اليهودي له: انطلق إلى نبي الله! فعرف أنه سيقضي عليه. قال: فأبى، فانطلقا إلى رجل من الكهان، فتحاكما إليه. قال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} ([650])

359-7820- حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} قال: كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة قتلوا به منهم، فإذا قتل الرجل من بني قريظة قتلته النضير، أعطوا ديته ستين وسقا من تمر. فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير، قتل رجل من بني النضير رجلا من بني قريظة، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النضيري: يا رسول الله إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية، فنحن نعطيهم اليوم ذلك. فقالت قريظة: لا، ولكنا إخوانكم في النسب والدين، ودماؤنا مثل دمائكم، ولكنكم كنتم تغلبوننا في الجاهلية، فقد جاء الله بالإسلام فأنزل الله يعيرهم بما فعلوا. فقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة 5/54] فعيرهم، ثم ذكر قول النضيري: كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا وتقتل منهم ولا يقتلون، فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [سورة المائدة 5/50]. وأخذ النضيري فقتله بصاحبه. فتفاخرت النضير وقريظة، فقالت النضير: نحن أكرم منكم، وقالت قريظة: نحن أكرم منكم، ودخلوا المدينة إلى أبي برزة الكاهن الأسلمي، فقال المنافق من قريظة والنضير: انطلقوا إلى أبي برزة ينفر بيننا! وقال المسلمون من قريظة والنضير: لا، بل النبي صلى الله عليه وسلم  ينفر بيننا، فتعالوا إليه! فأبى المنافقون، وانطلقوا إلى أبي برزه فسألوه، فقال: أعظموا اللقمة! يقول: أعظموا الخطر. فقالوا: لك عشرة أوساق، قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف أن أنفر النضير فتقتلني قريظة، أو أنفر قريظة فتقتلني النضير فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق، وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} وهو أبو برزة، وقد أمروا أن يكفروا به، إلى قوله: {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} ([651])

360-8824 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} قال: تنازع رجل من المؤمنين ورجل من اليهود، فقال اليهودي: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف، وقال المؤمن: اذهب بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}... إلى قوله: {صُدُوداً}قال ابن جريج: يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، قال: القرآن، وما أنزل من قبلك، قال: التوراة. قال: يكون بين المسلم والمنافق الحق، فيدعوه المسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم   ليحاكمه إليه، فيأبى المنافق ويدعوه إلى الطاغوت. قال ابن جريج: قال مجاهد: الطاغوت: كعب بن الأشرف. ([652])


 الدراسة:

توحيد الله وإفراده بالعبادة هو ما بعث الله به موسى وبقية أنبياء بني إسرائيل إلى آخرهم عيسى عليهم السلام .

وقد بدأ بهم الكفر بالله والشرك به في أول عهدهم بمجاوزة البحر ونجاتهم من فرعون من الغرق كما قال تعالى:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ  = 138 } [سورة الأعراف 7/138] .

فكان أول استعدادهم للشرك تمثال بقرة شاهدوه فطلبوا من موسى عليه السلام  أن يجعل لهم مثله ولما أنكر عليهم وبين لهم خطر ما يطلبون لم تلبث قلوبهم المشربه بالشرك أن يتحينوا أول فرصة فكان ذلك يوم ذهب موسى صلى الله عليه وسلم  لموعده مع ربه فكانت المناسبة لهذه القلوب المريضة كما قال تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ  = 51 } [سورة البقرة 2/51] ولشناعة فعلهم هذا وتأثيره في من جاء بعدهم فقد ذكره الله في نحو سبع مواضع من القرآن لعظم ما اقترفوه في: سورة البقرة أربع مرات، وفي النساء والأعراف وطه. ([653])

وسبب عبادتهم للعجل ذكره الله بقوله: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى  = 84  قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ  = 85  فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي  = 86  قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ  = 87  فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ  = 88  أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً  = 89  وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي  = 90  قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى  = 91  قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا  = 92  أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي  = 93  قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي  = 94  قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ  = 95  قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي  = 96  قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً  = 97  إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً  = 98 } [سورة طـه 20/83-98]

ذهب موسى عليه السلام  إلى ميقات ربه فعمد رجل منهم يقال له (السامري) ([654]) فأخذ ما كان استعاره من الحلي فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة من التراب كان أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام  حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي، فراحوا يرقصون حوله ويفرحون، وقالوا :هذا إلهكم وإله موسى فنسي أي: فنسي موسى ربه عندنا وذهب يتطلبه وهو ههنا.

قال الله تعالى -مبيناً بطلان ما ذهبوا إليه وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً وشيطاناً رجيماً-: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} [سورة طـه 20/89]وقال {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} [سورة الأعراف 7/148]فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ,ولا يرد جواباً, ولا يملك ضراً, ولا نفعاً, ولا يهدي إلى رشد, اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم وعالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال, {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ} [سورة الأعراف 7/149] أي ندموا على ما صنعوا {وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الأعراف 7/149] ولما رجع موسى عليه السلام  إليهم, ورأى ما هم عليه من عبادة العجل, ومعه الألواح المتضمنة التوراة ألقاها مع عظمتها, ولكن الأمر جلل, كما قال صلى الله عليه وسلم : ((ليس الخبر كالمعاينة إن الله خبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح.)) ([655])

ثم أقبل عليهم فعنفهم, ووبخهم, في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه بما ليس بصحيح وقالوا: حملنا أوزاراً من زينة القوم التي خرجنا بها معنا من مصر, فهم تحرجوا من تملك حلى آل فرعون وهم أعدائهم, ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي لـه خوار, ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام : هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا! فقال: خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل فتركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم وقد كان هارون عليه السلام  نهاهم عن هذا بقوله: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ} [سورة طـه 20/90] أي إنما قدر الله أمر هذا العجل, وجعله يخور فتنة واختباراً لكم وأن ربكم الله قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى.

 وقد شهد الله لهارون عليه السلام  أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه, لأن اليهود يزعمون: أنّ هارون عليه السلام  هو السّامريّ الذي صنع العجل لبني إسرائيل، وأمرهم بعبادته، وهذا ليس غريباً عنهم في كذبهم على الأنبياء. ([656])

 ثم أقبل موسى على السامري الذي قال: رأيت جبرائيل وهو راكب فرساً فقبضت قبضة من أثر فرس جبريل, و لما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان ولهذا قال :فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال لـه موسى: فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ,وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحداً معاقبة له على مسه مالم يكن له مسه, هذا معاقبة له في الدنيا ثم توعده في الأخرى فقال: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} [سورة طـه 20/97] فعمد موسى عليه السلام  إلى هذا العجل, فحرقه بالنار وقيل بالمبارد ثم ذراه في البحر. ([657])

ومحبتهم للعجل وصفها الله بوصف معجز بقوله :أشربوا وهذا يعني: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه عن تمكن أمر العجل في قلوبهم. حتى غلب عليه وخالط قلبه. ([658])

قال البغوي: "أدخل في قلوبهم حب العجل وخالطها كإشراب اللون لشدة الملازمة، يقال: فلان أشرب اللون إذا اختلط بياضه بالحمرة." ([659])

وتوعد الله الذين لم يتوبوا من عبادة العجل بالغضب والذلة بالدنيا , والنار بالآخرة.

ووردت آثار كثيرة في كيفية تنفيذهم للتوبة وكانت: قتلهم أنفسهم لكي يتوب الله عليهم، ولم يبين سبحانه وتعالى كيفية ذلك القتل ، بل اكتفى بقوله {فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة 2/54] . كما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم  ما يفصل ذلك. ولكن ورد بعض التفصيلات لكيفية ذلك القتل في بعض الآثار، وذكر عدد القتلى من جراء القتل وغالب هذه التفصيلات منقولة عن كتب بني إسرائيل.

وفي سياق ما حصل من اليهود السابقين: خاطب الله اليهود في كل زمان (عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم، مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم، معرفهم بذلك أنهم من خلافهم محمداً صلى الله عليه وسلم  وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته، مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم، ومحذرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذبين بالرسل من المسخ واللعن وأنواع النقمات) ([660])

وأما عن عبادتهم للعزير ,فهو ما سيبعث عيه فئام منهم ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري _: ((أن أناساً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم  قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟)) قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ((نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها سحاب قالوا: لا قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس فيها سحاب قالوا: لا قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله بر أو فاجر وغبرات أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم :ما كنتم تعبدون قالوا :كنا نعبد عزيرا بن الله فيقال: لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح بن الله فيقال لهم :كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم: ماذا تبغون فكذلك مثل الأول حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها فيقال: ماذا تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا: فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد فيقول :أنا ربكم فيقولون: لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثاً.)) ([661])

وأما عبادتهم (لبعل) فإن إلياس عليه السلام  دعى قومه من بني إسرائيل إلى إفراد الله بالعبادة, وأنكر عليهم عبادتهم لغيره فقال :{أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ  = 125 } [سورة الصافات 37/125]

1- وبعل هنا : هو الرب في لغة أهل اليمن، تقول: من بعل هذا الثور: أي من ربه؟

2- وقيل: هو صنم كان لهم يسمى بعلاً.

3- وقيل امرأة كانوا يعبدونها.

قال السّيوطيّ : "وكلّ ما في القرآن من ذكر البعل فهو الزّوج إلاّ {أتدعون بعلاً} فهو الصّنم" ([662])

وقد ورد ت آثار طويلة في قصة إلياس مع قومه حاصلها, أنهم كذبوه وعبدوا بعلاً، وورد في بعض الآثار, أنهم هم أهل بعلبك ([663]) ومن هنا جاءت التسمية.

ومع دعوته لهم, إلا أنهم كذبوه, قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ  = 127 } [سورة الصافات 37/127] أي للعذاب يوم الحساب {إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي الموحدين منهم. ([664])

وأما عبادتهم للأحبارهم والرهبان, فهي كما قال صلى الله عليه وسلم  : ((بطاعتهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام.)) وكما قال الحسن: {أَرْبَاباً} في الطاعة.

و الأحبار: جمع حبر، وهو الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه بحسن البيان عنه. ومنه ثوب محبر أي جمع الزينة.

والرهبان جمع راهب مأخوذ من الرهبة، وهو الذي حمله خوف الله تعالى على أن يخلص له النية دون الناس، ويجعل زمانه له وعمله معه وأنسه به. ([665])

 وقال الضحاك: الأحبار :قراؤهم، ورهبانهم علماؤهم. ([666])

وقصة قدوم عدي بن حاتم الطائي _ ,برواياتها المتعددة تجلي كيف فسر صلى الله عليه وسلم  عبادتهم لهم، وكيف صاروا لهم أربابا، قال _: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  وفي عنقي صليب من ذهب)) فقال: ((يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك.)) قال: فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} قال: قلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم! فقال: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم.)) ([667])

وكما قال حذيفة _: ((كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه.))

وقال أيضاً _: ((أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً أحله الله لهم حرموه، فتلك كانت ربوبيتهم.)) وقال: ((لم يعبدوهم، ولكنهم أطاعوهم في المعاصي.))

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ((لم يأمروهم أن يسجدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية الله، فأطاعوهم، فسماهم الله بذلك أرباباً.))

وقال أبو البختري رحمه الله ([668]): ((انطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراماً، وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالاً، فأطاعوهم في ذلك، فجعل الله طاعتهم عبادتهم، ولو قالوا لهم اعبدونا لم يفعلوا.))

وسئل أبو العالية رحمه الله : ((كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل؟ قال: قالوا: ما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنا انتهينا لقولهم: وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه، فاستنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.)) ([669])

وهم إلى اليوم يطيعون علمائهم, حتى في نبذهم التوراة وما أمروا فيها, والاستعاضة عنها بالتلمود الذي عملتها أيديهم الآثمة.

ويتبع ما سبق تحاكمهم إلى طواغيت الأرض, وترك حكم الله, وهذا من الشرك الأكبر الذي أمروا أن يجتنبوه، وذلك يوم أن شاورت قريش بعض أحبارهم في المفاضلة بينهم وبين ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم  ففضلوا الكهنة والشياطين ممثلة بحيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وكل طاغوت: على ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم قالوا: إنكم أهدى من محمد سبيلاً، بل توجوا ذلك بسجودهم للأصنام كما في الأثر: ((أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش، فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم أن يغزوه، وقال: إنا معكم نقاتله، فقالوا: إنكم أهل كتاب، وهو صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما! ففعل، ولأن هذا منطبق عليهم كجنس.

قال الطبري رحمه الله  بعد أن ساق أسباب النزول للآية : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ} [سورة آل عمران 3/23]... إلى قوله: {وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [سورة النساء 4/52] .

"وأولى الأقوال بالصحة في ذلك قول من قال: إن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود، وجائز أن يكون كانت الجماعة الذين سماهم ابن عباس رضي الله عنهما  في الخبر الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعد أو يكون حيياً وآخر معه، إما كعباً وإما غيره." ([670])

ففضل علماء وكبار اليهود حكم الطاغوت وشرك الجاهليين على الإيمان والتوحيد الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم , قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [سورة النساء 4/51]

 ومعنى الآية:إن الله وصف الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا: إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وإن دين أهل التكذيب لله ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله، وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف، وأنه قائل ذلك. ([671])

ويمكن الجمع بينها كما قال الطبري: يصدقون بمعبودين من دون الله يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين؛ وذلك أن الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله، أو طاعة أو خضوع له، كائنا ما كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان.

وإذ كان ذلك كذلك وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جبوتاً وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشرك بالله، وكذلك حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين. ([672])

هذا ما وصف الله به اليهود , ولم يفرق بين أولهم وآخرهم ومن عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم  ومن سبقه, وأن سلسة الكفر والشك والشرك ماضية بينهم على قدر كبير فوصفهم وصف عام, ولو بان أن سبب النزول في مقولة الشرك أو عبادة غير الله على أي وجه فهي تنسب للجميع.


 الفصل الثاني : الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان بالملائكة :

 الآثار:

  المبحث الأول:الآثار الواردةفي الإيمان بهم مطلقا:

قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ  = 26 } [سورة الأنبياء 21/26]

361-18522 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} قال: قالت اليهود: إن الله تبارك وتعالى صاهر الجن فكانت منهم الملائكة. قال الله تبارك وتعالى تكذيبا لهم وردا عليهم: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} وإن الملائكة ليس كما قالوا إنما هم عباد أكرمهم الله بعبادته. ([673])

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [سورة الصافات 37/158]

362-22765- حدثنا عمرو بن يحيى بن عمران بن عفرة قال: ثنا عمرو بن سعيد الأبح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} قالت اليهود: إن الله تبارك وتعالى تزوج إلى الجن فخرج منهما الملائكة قال: سبحانه سبح نفسه. ([674])

قوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً  = 40 } [سورة الإسراء 17/40] ([675])

363-16846 - حدثنا محمد قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة {وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً} قال: قالت اليهود: الملائكة بنات الله . ([676])

 المبحث الثاني:الآثار الواردة في جبريل وميكال خاصة

قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ  = 96 } [سورة البقرة 2/96]

364-1328 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ} فهم الذين عادوا جبريل عليه السلام . ([677])

قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} [سورة هود 11/17]

365-13949 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا: ثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد قال: هو جبرئيل تلا التوراة والإنجيل والقرآن وهو الشاهد من الله. ([678])

366-13959 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن أبيه عن منصور عن إبراهيم في قوله: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} قال: من قبله جاء بالكتاب إلى موسى. ([679])

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/97]

367-1331 -حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين يعني المكي، عن شهر بن حوشب الأشعري: أن نفراً من اليهود جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقالوا: يا محمد أخبرنا عن أربع نسألك عنهن فإن فعلت اتبعناك وصدقناك وآمنا بك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقني)) قالوا: نعم. قال: ((فاسألوا عما بدا لكم-وفيه- قالوا: فأخبرنا عن الروح! قال: ((أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني؟)) قالوا: نعم ولكنه لنا عدو وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء فلولا ذلك اتبعناك. فأنزل الله فيهم: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [سورة البقرة 2/97] إلى قوله: {كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 2/101]. . ([680])

368-1332 -حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: حدثني القاسم بن أبي بزة: أن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم  من صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي فقال: ((جبريل)). قالوا: فإنه لنا عدو ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال. فنزل: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [سورة البقرة 2/97] الآية. ([681])

369-1333 -حدثني محمد بن المثنى قال: ثنا ربعي بن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزل عمر _ الروحاء فرأى رجالاً يبتدرون أحجاراً يصلون إليها فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  صلى ههنا. فكره ذلك وقال: إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم  أدركته الصلاة بواد فصلى ثم ارتحل فتركه. ثم أنشأ يحدثهم فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك! قلت: ولم ذلك؟ قالوا: إنك تغشانا وتأتينا. قال: قلت إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة ومن التوراة كيف تصدق الفرقان! قال: ومر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقالوا: يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به! قال: فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا. قال: فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظم عليكم فأجيبوه! قالوا: أنت عالمنا وسيدنا فأجبه أنت. قال: أما إذ أنشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله. قال: قلت: ويحكم! إذاً هلكتم. قالوا إنا لم نهلك. قال: قلت: كيف ذاك وأنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لدينا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة وإنه قرن به عدونا من الملائكة. قال: قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره قال: قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل ولا لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. قال: ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم  فلحقته وهو خارج من مخرفة لبني فلان فقال لي: ((يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن؟)) فقرأ على: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حتى قرأ الآيات. قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر. ([682])

370-1335 -حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} قال: قالت اليهود: إن جبريل هو عدونا لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب فجبريل عدونا. فقال الله جل ثناؤه: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ}. ([683])

371-1336 - حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} قال: كان لعمر بن الخطاب _ أرض بأعلى المدينة فكان يأتيها وكان ممره على طريق مدراس اليهود وكان كلما دخل عليهم سمع منهم. وإنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا: يا عمر ما في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  أحد أحب إلينا منك! إنهم يمرون بنا فيؤذوننا وتمر بنا فلا تؤذينا وإنا لنطمع فيك. فقال لهم عمر _: أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا: الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء. فقال لهم عمر _: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا صلى الله عليه وسلم  عندكم؟ فأسكتوا. فقال: تكلموا ما شأنكم؟ فوالله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني! فنظر بعضهم إلى بعض فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل لتخبرنه أو لأخبرنه! قالوا: نعم إنا نجده مكتوباً عندنا ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل وجبريل عدونا وهو صاحب كل عذاب أو قتال أو خسف ولو أنه كان وليه ميكائيل إذا لآمنا به فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث. فقال لهم عمر _: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أين مكان جبريل من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره. قال عمر _: فأشهدكم أن الذي هو عدو للذي عن يمينه عدو للذي هو عن يساره والذي هو عدو للذي هو عن يساره عدو للذي هو عن يمينه وأنه من كان عدوهما فانه عدو الله. ثم رجع عمر ليخبر النبي فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم  فقرأ عليه فقال عمر _: والذي بعثك بالحق لقد جئتك وما أريد إلا أن أخبرك. ([684])

372-1338 -حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى في قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة 2/98] قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم فإنه ينزل بالرحمة والغيث وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة وهو لنا عدو. قال: فنزلت هذه الآية: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ}. ([685])

373-1340 -حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد قال ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما  فى قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} قال: وذلك أن اليهود قالت حين سألت محمداً صلى الله عليه وسلم  عن أشياء كثيرة فأخبرهم بها على ما هي عندهم إلا جبريل فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة ولم يكن عندهم صاحب وحي - يعني تنزيل من الله على رسله - ولا صاحب رحمة - فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيما سألوه عنه أن جبريل صاحب وحي الله وصاحب نقمته. وصاحب رحمته. فقالوا: ليس بصاحب وحي ولا رحمة هو لنا عدو. فأنزل الله عز وجل إكذابا لهم: {قُلُ} يا محمد {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} يقول: فإن جبريل نزله. يقول: نزل القرآن بأمر الله يشد به فؤادك ويربط به على قلبك يعني بوحينا الذي نزل به جبريل عليك من عند الله وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك. ([686])

374-1357 -حدثت عن عن عمار قال: ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إن يهوديا لقي عمر فقال له إن جبريل الذي يذكره صاحبك هو عدو لنا. فقال له عمر: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة 2/98]قال: فنزلت على لسان عمر _. ([687])


 الدراسة:

بين الله تبارك وتعالى أن المعاصرين لدعوة موسى عليه السلام  من فرعون ومن معه يعرفون الملائكة ويقدرونهم بدليل سؤالهم لموسى أن يأتي بهم ليشهدوا معه على صدقه كما قال تعالى: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ  = 53 } [سورة الزخرف 43/53] و موسى عليه السلام  بعثه الله بما بعث به رسله, ومن ذلك الإيمان بالملائكة, ولكن اليهود وإيمانهم بالملائكة, ومحبتهم لهم - كما بينه القرآن- خاضع لأهوائهم, فهم ينتخبون في ذلك بأهوائهم, كما تقدم في صفاتهم وعقائدهم.

فالملائكة منهم العدو ومنهم الولي، ولكن قبل ذلك هناك بعض الروايات تنسب القول في بعض الآيات وإن لم يصرح باسمهم ولكن نص عليه بعض السلف كما مرّ في الآثار منهم من تكلم في أصل الملائكة فقالت اليهود: إن الله تبارك وتعالى تزوج إلى الجن فخرج منهما الملائكة وأن جنسهم إناث فهم بنات الله.

وهذا مجمل ما في الآيات التالية:

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ  = 26 } [سورة الأنبياء 21/26]

{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ  = 158 } [سورة الصافات 37/158]

{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً  = 40 } [سورة الإسراء 17/40]

وبينتها الآثار السابقة وهذا من شنيع قولهم كما مرً في نسبتهم الولد لله.

ولليهود مع جبريل عليه السلام  شأن آخر فهم يعتقدون عداوته ويناصبونه البغض ويصرحون بذلك، ومع تعدد الروايات في سبب عداوة اليهود لجبريل عليه السلام  إلا أن النتيجة واحدة وقد قال الطبري رحمه الله  عند قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  = 97  مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ  = 98 } [سورة البقرة 2/97-98] .

"أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً على أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدولهم، وأن ميكائيل ولي لهم. ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك." ثم أورد أكثر من أربعة عشر سبباً من أسباب النزول لهاتين الآيتين. ([688])

فمن الأسباب التي ذكرت:

1- أن عداوتهم لأنه ينزل عليهم بالعذاب، وهو قول الجمهور، ([689]) كما في المناظرة التي جرت بين اليهود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم  في أمر نبوته.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما  أنه قال: ((حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على الإسلام)). فقالوا: ذلك لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوني عما شئتم فقالوا أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن! أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني. فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق، فقال: نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه، فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل؟فقالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان لـه الولد والشبيه بإذن الله، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟. قالوا: اللهم نعم! قال: اللهم اشهد. قال: وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟. قالوا: اللهم نعم! قال: اللهم اشهد. قالوا: أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة؟ فعندها نتابعك أو نفارقك. قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا فقط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا. فأنزل الله عز وجل: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/97] إلى قوله: {كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 2/101]. فعندها باؤوا بغضب على غضب وفي رواية قالوا: نعم ولكنه لنا عدو وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء فلولا ذلك اتبعناك.)) ([690])

2- ومن الأسباب: أنهم يرون أن جبريل عليه السلام  حال بينهم وبين قتل بختنصر الذي خرب بيت المقدس, وسفك دماءهم, وسبى ذراريهم.

فقد حكى الثعلبي, والواحدي, عن ابن عباس رضي الله عنهما : ((أن سبب عداوة اليهود لجبريل عليه السلام : أن نبيهم أخبرهم, أن يختنصر سيخرب بيت المقدس, فبعثوا رجلاً ليقتله, فوجده شاباً ضعيفاً, فمنعه جبريل من قتله, وقال لـه: إن كان الله أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه, وإن كان غيره فعلى أي حق تقتله, فتركه فكبر يختنصر, وغزا بيت المقدس, فقتلهم, وخربه, فصاروا يكرهون جبريل لذلك.)) ([691])

3- ومن الأسباب: أنهم يرون أن جبريل عليه السلام  عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، كما في تفسير مقاتل: قالت اليهود إن جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا. ([692])

وأما الملك المحبوب عندهم فهو ميكال الذي ينزل بالرحمة والغيث كما مرّ في الآثار السابقة، ولذلك نصت الآية على ذكر جبريل وميكائيل رغم دخولهما ضمن الملائكة بالجملة، وذلك للرد على مزاعم اليهود في التفريق بينهما وتكذيب مزاعمهم حول معادة جبريل ومحبة ميكال.

والذي يفهم من سياق الآية أن اليهود كسبوا عداوة الله بعداوتهم للملائكة ولجبريل خاصة فليس لهم التفريق لأن الله وصف الملائكة جميعاً بوصف واحد فقال {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  = 50 } [سورة النحل 16/50] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  = 6 } [سورة التحريم 66/6] .

فليس لهم تصرف من عند أنفسهم, بل هم عباد مكرمون ,خاصة كبيرهم جبريل عليه السلام , فهو الروح القدس, ورسول الله إلى أنبيائه, وأفضلهم , وهو الذي بسبب عداوتهم له استحقوا غضب الله.

قال الطبري رحمه الله  عند تفسير الآيات السابقة: "قل يا محمد - لمعاشر اليهود من بني إسرائيل الذين زعموا أن جبريل لهم عدو من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبات لا صاحب وحي وتنزيل ورحمة فأبوا اتباعك وجحدوا نبوتك وأنكروا ما جئتهم به من آياتي ..... وإعلام منه أن من عادى جبريل فقد عاداه وعادى ميكائيل وعادى جميع ملائكته ورسله؛ لأن الذين سماهم الله في هذه الآية هم أولياء الله وأهل طاعته، ومن عادى لله وليا فقد عادى الله وبارزه بالمحاربة، ومن عادى الله فقد عادى جميع أهل طاعته وولايته؛ لأن العدو لله عدو لأوليائه، والعدو لأولياء الله عدو له. فكذلك قال لليهود الذين قالوا: إن جبريل عدونا من الملائكة، وميكائيل ولينا منهم: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة 2/98] من أجل أن عدو جبريل عدو كل ولي لله. فأخبرهم جل ثناؤه أن من كان عدوا لجبريل فهو لكل من ذكره من ملائكته ورسله وميكال عدو، وكذلك عدو بعض رسل الله عدو لله ولكل ولى." ([693])

ومن افترائهم المعهود : قولهم: ولكن صاحب صاحبنا ,ميكائيل كما قالوه لعمر_ وهذا هو الكذب المبين, لأن جبريل هو الروح الأمين بين الله وجميع رسله, وهو ولي جميع الأنبياء,كما قال صلى الله عليه وسلم : ((فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه.)) ([694])

وكذلك قول ورقة بن نوفل حين أخبرته خديجة رضي الله عنها  بما رآه النبي صلى الله عليه وسلم  يوم الغار فقال: ((هذا الناموس الذي نزل الله على موسى عليه السلام .)) ([695])

إن جبريل, وميكائيل عليهما السلام ,وجميع ملائكة الله, هم أولياء الله, ومن عادى لله ولياً فقد آذنه بالحرب وعدو أولياء الله عدو لله.

إذاً: اليهود الذين عادوا جبريل، قد عادوا الله وملائكته ورسله فهم بذلك كافرون والله عدو للكافرين.


 الفصل الثالث : الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان باالكتب

 المبحث الأول : الآثار الواردة في موقفهم من الإيمان بالكتب مطلقاً

 الآثار:

قولـه تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونََ  = 91 } [سورة الأنعام 6/91]

375-10544 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من اليهود يقال لـه مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم  فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم  : " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟" وكان حبرا سمينا فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء ! فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. ([696])

376-10545 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}قال: نزلت في مالك بن الصيف كان من قريظة من أحبار اليهود؛ {قل يا محمد من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس}.. الآية. : ([697])

377-1054 - حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال: قال فنحاص اليهودي: ما أنزل الله على محمد من شيء. ([698])

378-10547 - حدثنا هناد قال : ثنا يونس قال: ثنا أبو معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي قال: جاء ناس من يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم  وهو محتب فقالوا: يا أبا القاسم ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحا يحملها من عند الله ! فأنزل الله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنْ السَّمَاءِ} [سورة النساء 4/153].. الآية فجثا رجل من يهود فقال: ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئاً! فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال محمد بن كعب: ما علموا كيف الله {إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} فحل رسول الله صلى الله عليه وسلم  حبوته وجعل يقول: ((ولا على أحد)). ([699])

379-10548 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} هم اليهود والنصارى قوم آتاهم الله علما فلم يهتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به فذمهم الله في عملهم ذلك ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: إن من أكثر ما أنا مخاصم به غداً أن يقال: يا أبا الدرداء قد علمت فماذا عملت فيما علمت؟ ([700])

380-10549 - حدثني المثني قال : ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يعني: من بني إسرائيل. قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتابا؟ قال: "نعم" قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا. فأنزل الله: {ختم الله علىقُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة البقرة 2/8] يا محمد {مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} قال: الله أنزله. ([701])

381-10554- حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً}: اليهود. ([702])

382-10555- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: {قُلُ} يا محمد {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها} يعني يهود لما أظهروا من التوراة. {ويخفون كثيرا} مما أخفوا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم  وما أنزل عليه قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير: إنه سمع مجاهداً يقول : قال: هم يهود الذين يبدونها ويخفون كثيراً. ([703])


 الدراسة:

أنزل الله كتبه على رسله, هدى للناس ونور, كما وصف الله ما أنزله على أنبيائه من بني إسرائيل, فقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ  = 44 } [سورة المائدة 5/44]

ولكن بعضهم أنكر أن الله أنزل كتباً, إما عناداً وإما غير ذلك كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونََ  = 91 } [سورة الأنعام 6/91]

قالوا: لم ينزل الله على آدمي كتاباً ولا وحياً. و اختلف في سبب النزول :

1- فقيل: كان قائل ذلك رجلاً من اليهود اسمه:

أ-  مالك بن الصيف. حين جاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟)) وكان حبراً سميناً، فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء! فقال لـه أصحابه الذين معه: ويحك ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء.

وفي القصة أن مالك بن الصيف, لما سمعت اليهود منه تلك المقالة ,عتبوا عليه, وقالوا: أليس أن الله أنزل التوراة ,على موسى فلم قلت ما أنزل الله على بشر من شيء قال: فقال مالك بن الصيف: أغضبني محمد فقلت ذلك فقالوا لـه: وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق فنزعوه من الحبرية وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف. ([704])

ب- وقيل نزلت في فنحاص اليهودي: حين قال: ما أنزل الله على محمد من شيء.

2- وقيل في جماعة من اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم  آيات مثل آيات موسى عليه السلام . فقالوا: يا أبا القاسم، ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحاً يحملها من عند الله فجثا رجل من يهود، فقال: ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئاً! فحل رسول الله صلى الله عليه وسلم  حبوته، وجعل يقول: ((ولا على أحد)).

3- وقيل هم اليهود والنصارى، قوم آتاهم الله علماً فلم يهتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به، فذمهم الله في عملهم ذلك.

4- وقال ابن عباس رضي الله عنهما  وغيره: القائل مشركو قريش. وهو اختيار ابن جرير حيث قال: "وذلك أن ذلك في سياق الخبر عنهم أولاً، فأن يكون ذلك أيضاً خبراً عنهم أشبه من أن يكون خبراً عن اليهود، ولما يجر لهم ذكر يكون هذا به متصلاً، مع ما في الخبر عمن أخبر الله عنه في هذه الآية من إنكاره أن يكون الله أنزل على بشر شيئاً من الكتب؛ وليس ذلك مما تدين به اليهود، بل المعروف من دين اليهود الإقرار بصحف إبراهيم وموسى وزبور داود..، وكان الخبر من أول السورة ومبتدئها إلى هذا الموضع خبراً عن المشركين من عبدة الأوثان، وكان قوله: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [سورة الأنعام 6/91] موصولاً بذلك غير مفصول منه، لم يجز لنا أن ندعي أن ذلك مصروف عما هو به موصول إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل.

ويذهب رحمه الله  إلى ضعف الروايات القائلة أن سبب النزول في اليهود, ويرى أن الأمر التبس على بعضهم "فوجهوا تأويل ذلك إلى أنه لأهل التوراة، فقرؤوه على وجه الخطاب لهم: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ} [سورة الأنعام 6/91] فجعلوا ابتداء الآية خبراً عنهم، إذ كانت خاتمتها خطاباً لهم عندهم. وغير ذلك من التأويل والقراءة أشبه بالتنزيل، لما وصفت قبل من أن قوله: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} في سياق الخبر عن مشركي العرب وعبدة الأوثان، وهو به متصل، فالأولى أن يكون ذلك خبراً عنهم." ([705])

قال ابن كثير رحمه الله : "وهذا أصح ,لأن الآية مكية, واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء, وقريش والعرب كانوا ينكرون إرسال محمد صلى الله عليه وسلم  لأنه من البشر." ([706])

وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما  أنها في اليهود: قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يعني: من بني إسرائيل. قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: ((نعم)) قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً. ([707])

وحتى وإن كان الخطاب للمشركين، فإن قوله {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} على قراءة التاء المقصود بها اليهود ،فهي تخبرهم عن تلاعبهم بالتوراة, من إبداء بعضها وإخفاء بعضها.

وعلى القرآة الأخرى{يجعلونه} ([708]) فيه إخبار للمشركين عن فعل اليهود بالتوراة.

وسياق الآيات فيه التفات إلى اليهود وبيان لجريمتهم مع التوراة من التحريف والتبديل كما سيأتي تفصيله.


 المبحث الثاني: الآثار الواردة في موقفهم من التوراة

 الآثار:

 المطلب الأول : مم تتكون التوراةو كيف أخذوها ؟

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ} [سورة البقرة 2/56].

383-808 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: قال لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة فوجدهم يعبدون العجل فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا فتاب الله عليهم فقال: إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه. فقالوا: ومن يأخذ بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا فيقول: هذا كتابي فخذوه ! فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى فيقول: هذا كتابي فخذوه؟ وقرأ قول الله تعالى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة 2/55] قال: فجاءت غضبة من الله عز وجل فجاءتهم صاعقة بعد التوبة فصعقتهم فماتوا أجمعون. قال: ثم أحياهم الله من بعد موتهم وقرأ قول الله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة 2/56] فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله ! فقالوا لا فقال: أي شيء أصابكم؟ قالوا: أصابنا أنا متنا ثم حيينا. قال: خذوا كتاب الله ! قالوا لا. فبعث الله تعالى ملائكة فنتقت الجبل فوقهم . ([709])

قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  = 171 } [سورة الأعراف 7/172]

384-11912 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} أي بجد. {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} جبل نزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم فقال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم به! ([710])

385-11914 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن أبي بكر بن عبد الله قال: هذا كتاب الله أتقبلونه بما فيه فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم وما أمركم وما نهاكم. قالوا: انشر علينا ما فيها فإن كانت فرائضها يسيرة وحدودها خفيفة قبلناها! قال: اقبلوها بما فيها! قالوا: لا حتى نعلم ما فيها كيف حدودها وفرائضها. فراجعوا موسى مراراً فأوحى الله إلى الجبل فانقلع فارتفع في السماء حتى إذا كان بين رؤوسهم وبين السماء قال لهم موسى: ألا ترون ما يقول ربي؟ لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل! قال: فحدثني الحسن البصري قال: لما نظروا إلى الجبل خر كل رجل ساجداً على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً من أن يسقط عليه؛ فلذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر يقولون: هذه السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة. قال أبو بكر: فلما نشر الألواح فيها كتاب الله كتبه بيده لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز فليس اليوم يهودي على وجه الأرض صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونغض لها رأسه. ([711])

قولـه تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة الأعراف 7/171]

386-11909 - حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} فقال لهم موسى: خذوا ما آتيناكم بقوة! يقول: من العمل بالكتاب؛ وإلا خر عليكم الجبل فأهلككم! فقالوا: بل نأخذ ما آتانا الله بقوة! ثم نكثوا بعد ذلك. ([712])

قولـه تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأعراف 7/150]

387-11753 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز قال: ثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي عمارة، عن علي _ قال: كتب الله الألواح لموسى عليه السلام  وهو يسمع صريف الأقلام في الألواح. ([713])

388-11756 - حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ألقى موسى الألواح فتكسرت، فرفعت إلا سدسها. قال ابن جريج: وأخبرني أن الألواح من زبرجد وزمرد من الجنة. ([714])

389-11758 - حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي الجنيد ، عن جعفر بن أبي المغيرة، قال : سألت سعيد بن جبير عن الألواح من أي شيء كانت ؟ قال : كانت من ياقوتة كتابة الذهب كتبها الرحمن بيده ، فسمع أهل السموات صريف القلم وهو يكتبها. ([715])


 المطلب الثاني :الآثار الواردة في تحريفهم للتوراة

قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  = 75 } [سورة البقرة 2/76].

390-1097 -حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن ابن أبى نجيح عن مجاهد في قول الله: {أَفَتَطْمَعُونَ} فالذين يحرفونه والذين يكتمونه: هم العلماء منهم . ([716])

391-1098 -حدثني موسى قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ}قال: هي التوراة حرفوها. ([717])

392-1099 -حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} قال: التوراة التي أنزلها عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حراماً والحرام فيها حلالاً والحق فيها باطلاً والباطل فيها حقاً إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا لـه كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق، وإن جاء أحد يسألهم شيئاً ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق فقال لهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}. [سورة البقرة 2/44] ([718])

393-5764 -حدثنا محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} قال: يحرفونه. ([719])

394-5765 -حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} حتى بلغ: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}هم أعداء الله اليهود حرفوا كتاب الله وابتدعوا فيه وزعموا أنه من عند الله. ([720])

395-5767 -حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ}وهم اليهود كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله . ([721])

396-5768-حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} قال: فريق من أهل الكتاب يلوون ألسنتهم وذلك تحريفهم إياه عن موضعه. ([722])

397-7664 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} تبديل اليهود التوراة . ([723])


 المطلب الثالث : الزيادة والمتاجرة بالتوراة

 الآثار:

قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة البقرة 2/121]

398-1561- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قال: من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم  من يهود فأولئك هم الخاسرون. ([724])

قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ  = 79 } [سورة البقرة 2/80].

399-1145 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط عن السدي: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ} قال: كان ناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمنا قليلا. ([725])

400-1146 -حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله ولا كتاب أنزله الله فكتبوا كتاباً بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ  = 79 } قال: عرضاً من عرض الدنيا. ([726])

401-1147 -حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ} قال: هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله يحرفونه. ([727])

402-1148 -حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد عن قتادة: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ} وهم اليهود. ([728])

403-1149 -حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ}قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتاباً بأيديهم ليتآكلوا الناس فقالوا: هذا من عند الله وما هو من عند الله. ([729])

404-1150 -حدثني المثنى قال: ثنا آدم قال: ثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية قوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ} قال: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم  فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضاً من عرض الدنيا فقال: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} ([730])

405-10555 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة: {قُلُ} يا محمد {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها} يعني يهود لما أظهروا من التوراة. {ويخفون كثيراً} مما أخفوا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم  وما أنزل عليه.

406-قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير: إنه سمع مجاهداً يقول : "يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا" قال: هم يهود الذين يبدونها ويخفون كثيراً. ([731])


 الدراسة:

 المطلب الأول: مما تتكون التوراة وكيف أخذوها:

ذكر الله تبارك وتعالى كتبه التي أنزلها على خلقه, ورضياها لهم, وكان من أوائل الكتب التي فصل فيها تبارك وتعالى ـ شرائعه كتابه الذي أنزله على موسى وهو التوراة فقال: تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ} والآيات التي تتحدث عن التوراة تورد مدى ما فعله اليهود حيالها من إيمان وتحريف وتبديل وغير ذلك فما هي التوراة.

وردت الآثار عن السلف في تفسير آيات القرآن التي تحدثت عن اليهود وإيمانهم بكتب الله المنزلة فقد جحد كثيرٌ منهم أن الله أنزل كتباً كما جاء بعض اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم  يجادلونه في ذلك بل ردوا ما جاء عن موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام  ويروى ذلك أيضاً عن بعض كبارهم كما فعل مالك بن الصيف حيث قال: والله ما أنزل على بشر من شيء وحين راجعه اليهود في ذلك فقالوا: ويحك ولا موسى قال: والله ما أنزل الله على بشر فقال تعالى في ذلك: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى} [سورة الأنعام 6/91] الآية. وورد مثل ذلك في حق فنحاص اليهودي.

بل فسر الطبري رحمه الله  قولـه تعالى: {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [سورة القصص 28/48] قالت اليهود إنا بكل كتاب في الأرض من توراة وإنجيل وزبور وفرقان كافرون.

ورد في الآثار أن الله تبارك وتعالى كتب لموسى الألواح وهي التي فيها التوراة وكما قال تعالى: {فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} وأدنى الله موسى حتى سمع صريف الأقلام كما قال بعض السلف. ([732])

واختلف السلف في ماهية التوراة, ومن أي شيء هي, فقيل: من ياقوته, وقيل: زمرد أخضر, وقيل: غير ذلك.

قال الشوكاني رحمه الله  بعد قول سعيد بن المسيب رحمه الله  وغيره: "أقول رحم الله سعيداً, ما كان أغناه عن هذا الذى قاله من جهة نفسه, فمثله لا يقال بالرأي, ولا بالحدس, والذي يغلب به الظن, أن كثيراً من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور, فلهذا اختلف واضطربت, فهذا يقول من خشب, وهذا يقول من ياقوت, وهذا يقول من زمرد, وهذا يقول من زبرجد, وهذا يقول من برد, وهذا يقول من حجر" ([733])

وقال أبو شهبة رحمه الله : "فقد ذكر في الألواح: مما هي؟ وما عددها؟ أقوالاً كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين وعن كعب ووهب من أهل الكتاب الذين أسلموا، مما يشير إلى منبع هذه الروايات، وأنها من إسرائيليات بني إسرائيل، وفيها من المرويات ما يخالف المعقول والمنقول". ([734])

ولكن الثابت أن الله زادها شرفاً, بأن كتبها بيده سبحانه وتعالى, كما في الحديث قال: ((احتج آدم وموسى عليهما السلام  فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا, وأخرجتنا من الجنة, فقال آدم: أنت موسى, اصطفاك الله بكلامه, وخط لك التوراة بيده, تلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة!؟ فحج آدم موسى.)) ([735])

 ومما كتب الله فيها ما أمر به بنو إسرائيل وما نهوا عنه من الحلال والحرام بل من كل شيء موعظة وتفصيلاً ومما جاء فيها:

"لا تشرك بي شيئاً من أهل السماء, ولا من أهل الأرض, فإن كل ذلك خلقي ولا تحلف باسمي كاذباً, ووقرّ والديك." وفيها ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم .

وفي حديث صفوان بن عسال المرادي _ قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} فقال لا تقل لـه شيئاً فإنه لو سمعك لصارت لـه أربع أعين فسألاه فقال النبي: ((لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة أو قال لا تفروا من الزحف -شعبة الشاك - وأنتم يا معشر يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت.)) قال فقبلا يديه ورجليه وقالا :نشهد أنك نبي قال :فما يمنعكما أن تتبعاني قالا: إن داود عليه السلام   دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود.)) ([736])

 قال ابن كثير رحمه الله : "اشتبه على الراوي التسع الآيات بالعشر الكلمات وذلك أن الوصايا التي أوصاها الله إلى موسى وكلمه بها ليلة القدر بعد ما خرجوا من ديار مصر وشعب بني إسرائيل حول الطور حضور وهارون ومن معه وقوف على الطور أيضاً وحينئذ كلم الله موسى تكليماً آمراً له بهذه العشر كلمات وقد فسرت في هذا الحديث. ([737])

هذا ما ورد في الآثار التي رواها السلف عن التوراة.

وأما التوراة المعاصرة فقد فصل فيها العلماء وعلى ما تحتوي فهي تسمى اليوم العهد القديم مقابلاً للعهد الجديد وهو الإنجيل.

 العهد القديم:

هو التوراة الكتابية بمجموع أسفارها المقدسة لدى اليهود والنصارى، ومعنى العهد في هذه التسمية، وتسمية العهد الجديد ما يرادف معنى الميثاق، فالعهد القديم هو الميثاق الذي أخذه الله على الإسرائيليين أن يلتزموا به. ([738])

أما اصطلاح (العهد القديم) فما كان معروفاً قديماً، وإنما هو اصطلاح حديث خططت لـه اليهودية، واستجابت لـه البروتستنتية النصرانية ثم الكاثوليكية لتكون التوراة أماً للعقيدة النصرانية، فوضع النصارى التوراة وسموها بالعهد القديم إلى جوار الأناجيل وبقية أسفار دينهم وسموها بالعهد الجديد، وضموا الاثنين في غلاف واحد باسم (الكتاب المقدس) لتكون عقيدة اليهود في التوراة هي عقيدة النصارى كذلك، بما ضمن لليهود تعاطف النصارى معهم في كل ما تتبناه التوراة من عقائد، فيتبعون اليهود لأنهم يوصفون في التوراة بأنهم شعب الله المختار! ويعينونهم بكل طاقاتهم على تحقيق أحلامهم وادعاءاتهم، ومن تلك الأحلام تملك أرض الميعاد .... في حين أن التوراة لم يكن لها رصيد في الماضي لدى العالم النصراني، ولم تكن الكنيسة قبل أربعة قرون لتسمح بقراءة التوراة وتداولها بينهم. ([739]) وهو المصدر الأول للتشريع، وقد قسم من حيث المحتوى إلى:

1- الأسفار الناموسية: وعددها خمس وهي: التكوين ـ الخروج ـ اللاويين ـ العدد ـ التثنية.

ويدعي اليهود نسبتها إلى موسى عليه السلام وقد ورد بها الحديث عن بدء الخلق العام وخلق آدم عليه السلام  وتفرع بنيه منه حتى إبراهيم عليه السلام , ثم التناسل من إبراهيم, والإشارة إلى سكنى إسماعيل عليه السلام  أرض مكة (فازان) ,وإغفال الحديث عن سائر ولد إبراهيم, إلا إسحاق عليه السلام , ومن خرج من صلبه وهو ما ركز عليه كاتبوا سفر التكوين حتى وفاة عليه السلام يوسف عليه السلام .

 وأما أسفار الخروج- والعدد -واللاويين- والتثنية- فقد تحدثت عن الخروج من مصر إلى سيناء, وما كان من أمر القوم مع موسى وهارون عليهما السلام , والآداب التي كلفوا بها, فتخلوا عنها, فضلاً عن ذكرها لقتل موسى لهارون عليهما السلام  لأنه حقد عليه, كما أشارت إلى وفاة موسى عليه السلام  ودفنه وحزن بني إسرائيل عليه, وأنه لم يقم نبي في بني إسرائيل مثله بعده. مع نسبة هذا الكلام إلى موسى. وهذه الأسفار تسمى بالتوراة عند الإطلاق.

2- الأسفار التاريخية: وعددها اثنا عشر هي: يشوع - القضاة- راعوث -صموئيل الأول والثاني - الملوك الأول والثاني- أخبار الأيام الأول والثاني - عزارا - نحميا - أستير-

وهذا القسم يدل اسمه على محتواه حيث التركيز على تاريخ بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام  وهي خير معبر عن شرور القوم وآثامهم وفسادهم الخلقي فضلاً عن إلقائها الضوء على السلب والنهب والغصب كأمر مشروع عند اليهود.

3- الأسفار الشعرية: وعددها خمسة هي: أيوب- مزامير داود - أمثال سليمان - الجامعة - نشيد الإنشاد - وهي في جملتها ضرب من الحِكَم والأمثال والترانيم فضلاً عن سيرة أيوب عليه السلام  مع فساد خُلُقي عبر عنه في سفر نشيد الإنشاد بدعوى أنه أدب صوفي يهودي.

4- أسفار الأنبياء: وعددها سبعة عشر سفراً هي: أشعيا - أرميا - مراثي أرميا -حزقيال -دانيال - هوشع - يؤئيل - عاموس - عوبديان- يونان- ميخا -ناحوم - حبقوق -صفنيا -حجي- زكريا- ملاخى.

وبذلك تكون الأسفار في جملتها تسعة وثلاثين (39) سفراً تعورف عليها باسم (العهد القديم).

وقد بقيت أسفار عدة محل خلاف من حيث القبول والرد. ([740])

ويكفي المسلم أن القرآن قد أشار إلى أن تحريفاً قد وقع في هذا المصدر وأن اليد اليهودية قد امتدت إليه بالزيادة كما سيأتي.

والذي بقي من نسخ التوراة المتداولة الآن ثلاثة أنواع:

1- العبرانية: وهي معتبرة لدى اليهود, والبرتستنت.

2- اليونانية : معتبرة لدى النصارى جميعاً, حتى القرن الخامس عشر للميلاد, وكانوا يعتقدون بتحريف العبرانية, وهي لم تزل معتبرة عند الكنيسة اليونانية, وكنائس المشرق.

3- السامرية :وهي معتبرة لدى السامريين, وهي كالعبرانية, ولكنها سبعة أسفار, وتزيد عليها بالألفاظ والفقرات, ومن النصارى من يفضلها على العبرانية. ([741])

 ترجمة التوراة:

بدأت الترجمات العربية القديمة في أوائل القرن التاسع للميلاد، وأقدم ترجمة عربية للتوراة من العبرانية واليونانية والسريانية كانت في زمن هارون الرشيد رحمه الله .

ترجمها: أحمد بن عبد الله سلام الإنجيلي مولى هارون الرشيد، ([742]) وترجمة ‌يوحنا‌ أسقف إشبيليا في أسبانيا عام 724م ([743]) كما ترجمها أبو زيد حنين بن إسحاق النسطوري ـ يهودي ت 290هـ 873م من السبعينية اليونانية إلى العربية وهي أصح النسخ عند الأغلبية. وهنالك تراجم عربية غيرهم لم يصلنا من جميعها شيء.

أما أشهر الترجمات العربية الحديثة فهي ما يلي:

1- ترجمة فارس يوسف الشدياق (1804- 1882) في لندن بمعاونة الدكتور لي وهي دقيقة جداً طبعت عام 1857م. ولكنها بعد طبع الترجمة أعلن المؤلف إسلامه في تونس وسمى اسمه (أحمد أبو العباس) فمنعت من التداول وصودرت وهي أصح الترجمات.

2- الترجمة البروتستانتية الأمريكية: (1860-ـ 1864م) وقامت بها الإرساليات الأمريكية ـ بيروت.

3- ترجمة اليسوعية الكاثوليكية عام 1872 ـ 1880) في بيروت. أعيدت طباعتها في مجلد واحد سنة 1960م.

4- ترجمة الآباء الدومنيكان في الموصل عام (1878م).

5- ترجمة سميث وكرينلوس البستاني واليازجيك عام 1865م. ([744])

 التلمود:

ومن الكتب المعتبرة عند اليهود (التلمود) ، ويسمونه قديماً (المثناة) و (المشنا) وربما كان مقدماً عند أكثرهم على التوراة، ولعله المقصود ببعض الآثار :أنهم استحدثوا كتاباً من عندهم وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً, وقد وردت آثار بذكره منها:

1- عن أبي موسى _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً واتبعوه وتركوا التوراة.)) ([745])

2- وروي أن عمر بن الخطاب _ أراد أن يكتب السنن فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  في ذلك فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق يستخير الله فيها شهراً ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له, فقال: ((إني كنت أريد أن اكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً.)) ([746]) والفاروق _ يقصد المثناة.

3- كما روى ابن حزم بسنده إلى زيد بن أسلم قال: حدثه أن يهودية جاءت إلى عمر بن الخطاب _ فقالت: إن ابني هلك فزعمت اليهود أنه لا حق لي في ميراثه, فدعاهم عمر _, فقال: ((ألا تعطون هذه حقها فقالوا: لا نجد لها حقاً في كتابنا فقال: أفي التوراة قالوا: بل في المثناة قال: وما المثناة قالوا :كتاب كتبه أقوام علماء حكماء فسبهم عمر _ وقال: اذهبوا فأعطوها حقها.)) ([747])

4- وقال ابن زيد في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ} قال: ((هؤلاء اليهود كتبوا كتاباً ضادوا به كتاب الله، يقال له المثناة، المحق فيها مبطل في التوراة والمبطل فيها محق في التوراة.)) ([748])

والتلمود :هو المصدر الثاني من حيث المنزلة الدينية في الظاهر, والأول من حيث الالتزام والتطبيق، ومحتواه عبارة عن تعاليم وضعها الحاخامات عبر فترة زمنية لاقى اليهود فيها من الهوان ما لاقَوْا، وبخاصة بعد استذلالهم من قبل غيرهم، وتفرقهم إلى سائر البقاع، فلعبت البقية الباقية دورها في وضع تلك التعاليم لجمع شتات اليهود ثانية، ولإحياء نزعة العنصرية وادعاء الاصطفاء، فضلاً عن تفاصيل تتناول جوانب السياسة والاقتصاد والاجتماع والعقيدة والأخلاق. إفسادا للعقائد، وتحريفاً لكلام الله، كما قال ابن القيم رحمه الله : "فليهن أمة الغضب علم المشنا والتلمود وما فيهما من الكذب على الله وعلى كليمه موسى عليه السلام  وما يحدث لهم أحبارهم وعلماء السوء منهم كل وقت." ([749])

وقد قسم علماء اليهود التلمود إلى قسمين:

1- الأول: «المشناة» وهي كلمة تعني الأصل أو المتن أو الجوهر أو الصلب. ومحتواها عبارة عن جملة من التعاليم الشفوية التي كانت تنقل شفاهاً على ألسنة الساسة وقادة التوجيه، ثم بدا لهم التدوين في أواخر القرن الأول ومطلع القرن الثاني الميلادي.

2- الثاني: «الجمارة» وهي شروح للنصوص السابقة وقد نمت تلك الشروح في منطقتين. أولاهما: فلسطين وهي الأقدم والأقل حجماً، وثانيتهما: في بابل وهي تبلغ حداً كبيراً في الحجم. وقد كان للشروح أثرها في وجود تلمودين.

أ- الأول: تلمود فلسطين أو أورشليم، ب- الثاني: تلمود بابل وهو المراد عند الإطلاق.([750])

هذا ويدعي بعض اليهود أن «المشناة» قد أوحي بها إلى موسى عليه السلام  شفاهاً في طور سنياء محاولين ليّ بعض النصوص لإثبات ذلك, وأن أربعين من علماء اليهود قد تناقلوا تلك التعاليم عن موسى جيلاً بعد جيل، زمن وجود الهيكل، فلما هدم دونت تلك التعاليم لتكون وسيلة لجمع شتات اليهود. كما قال ابن النديم: "سألت رجلاً من أفاضلهم عن ذلك فقال: أنزل الله جل اسمه على موسى التوراة ... ولموسى كتاب يقال لـه: المشنا ومنه يسخرج اليهود علم الفقه والشرائع والأحكام وهو كتاب كبير." ([751])

وتشتمل المشناة على ستة مباحث تتعلق بـ -لوائح الزراعة - لوائح الأعياد- والصيام - قوانين الزواج والطلاق والنذور- وعلاقة اليهود بغيرهم- القوانين المدنية والجنائية- قوانين الصلاة - قوانين الطهارة والنجاسة- كما يلحق بها بعض الرسائل الأخرى. ([752])

وقد اعترى التلمود ما اعترى العهد القديم من زيادة ونقصان وتصحيف وتحريف وقبول وردّ.

قال ابن القيم عن التلمود: "ولم يكن المؤلفون له في عصر واحد وإنما ألفوه في جيل بعد جيل، فلما نظر متأخروهم إلى ذلك، وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه، وفي الزيادات المتأخرة ما ينقض كثيراً من أوله، علموا أنهم إن لم يقفلوا باب الزيادة وإلا أدى إلى الخلل الفاحش، فقطعوا الزيادة وحظروها على فقهائهم، وحرموا من يزيد عليه شيئاً فوقف الكتاب على ذلك المقدار." ([753])

وفي القرن الخامس عشر الميلادي أجرى اليهود بعض التعديلات فيه، وذلك بحذف بعض النصوص المتعلقة بلعن المسيح عليه السلام  وسبه وسب أتباعه؛ حتى لا يكون ذلك وسيلة لإيذاء نصارى الغرب لهم.

وقدسية التلمود آكد وأشد من قدسية التوراة، وأقوال الحاخامات أعلى قدراً من نصوص الوحي ـ كما يزعمون ـ ([754])


 المطلب الثاني: تحريف التــوراة والاتجار بها

لاشك أن اليهود هم أهل التحريف كما وصفهم الله في آيات كثيرة كما قال تعالى:

1- {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  = 75 } [سورة البقرة 2/75]

2- {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [سورة النساء 4/46]

3- {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [سورة المائدة 5/13]

4- {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمََ} [سورة المائدة 5/41]

والتحريف منطبق عليهم جميعاً، جيلا بعد جيل، قال الطبري رحمه الله : "يحرفون كلام ربهم الذي أنزله على نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم ، وهو التوراة، فيبدلونه ويكتبون بأيديهم غير الذي أنزله الله جل وعز على نبيهم، ويقولون لجهال الناس: هذا هو كلام الله الذي أنزله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ، والتوراة التي أوحاها إليه. وهذا من صفة القرون التي كانت بعد موسى من اليهود ممن أدرك بعضهم عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله عز ذكره أدخلهم في عداد الذين ابتدأ الخبر عنهم ممن أدرك موسى منهم، إذ كانوا من أبنائهم وعلى منهاجهم في الكذب على الله والفرية عليه ونقض المواثيق التي أخذها عليهم في التوراة." ([755])

وأسباب تحريفهم لكلام الله, وإحكامه, هي أهوائهم مرة, وحسدهم مرة, والمتاجرة بدينهم وبيعه رخيصاً لأتباعهم مراراً كثيرة.

فعن البراء بن عازب _ قال: ((مُر على النبي صلى الله عليه وسلم  بيهودي محمم ([756]) مجلود.)) ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم  رجلاً من علمائهم، فقال: ((أهكذا تجدون حد الزاني فيكم؟ قال: نعم. قال: فأنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني فيكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أحدثك، ولكن الرجم، ولكن كثر الزنا في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجتمع فنضع شيئا مكان الرجم فيكون على الشريف والوضيع، فوضعنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أنا أول من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأمر به فرجم، فأنزل الله: {لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [سورة آل عمران 3/176] الآية.)) ([757])

وللعلماء في معنى تحريف اليهود للتوراة أقوال:

1- القول الأول: هو أن التحريف والتبديل قد وقع في التأويل لا في النص المنزل. فمعنى تحريف الكلام عند من يقولون بهذا الرأي هو: أنهم -يتأوّلونه على غير تأويله-. أي : تحريفاً معنوياً, ومن القائلين بهذا القول الإمام البخاري رحمه الله  قال: "{يُحَرِّفُونَ} يزيلون, وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عز وجل  ولكنهم يحرفونه: يتأولونه على غير تأويله." ([758]) وهو اختيار ابن كثير رحمه الله . ([759])

2- القول الثاني: وهو أن التوراة قد غُيِّرت وبُدِّلت ,في اللفظ والمعنى، ولكن التغيير والتحريف أصاب جملاً قليلة وألفاظاً يسيرة. أما أكثر التوراة فهو باقٍ على ما أنزله الله على موسى الكليم عليه السلام . وممن قال بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  حيث قال: "أن ما وقع من التبديل قليل, والأكثر لم يبدل, والذي لم يبدل فيه ألفاظ صريحة تبين بها المقصود من غلط ما خالفها, ولها شواهد ونظائر متعددة يصدق بعضها بعضاً, بخلاف المبدل فإنه ألفاظ قليلة, وسائر نصوص الكتب يناقضها, وصار هذا بمنزلة كتب الحديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ." ([760]) وقال: "يعلم من هذا أن التوراة التي كانت موجودة بعد خراب بيت المقدس وبعد مجيء بختنصر وبعد مبعث المسيح عليه السلام  وبعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم  فيها حكم الله والتوراة التي كانت عند يهود المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن قيل أنه غير بعض ألفاظها بعد مبعثه فلا نشهد على كل نسخة في العالم بمثل ذلك فإن هذا غير معلوم لنا، وهو أيضاً متعذر بل يمكن تغيير كثير من النسخ وإشاعة ذلك عند الأتباع حتى لا يوجد عند كثير من الناس إلا ما غير بعد ذلك، ومع هذا فكثير من نسخ التوراة والإنجيل متفقة في الغالب إنما يختلف في اليسير من ألفاظها فتبديل ألفاظ اليسير من النسخ بعد مبعث الرسول ممكن لا يمكن أحداً أن يجزم بنفيه، ولا يقدر أحد من اليهود والنصارى أن يشهد بأن كل نسخة في العالم بالكتابين متفقة الألفاظ، إذ هذا لا سبيل لأحد إلى علمه، والاختلاف اليسير في ألفاظ هذه الكتب موجود في الكثير من النسخ كما قد تختلف نسخ بعض كتب الحديث، أو تبدل بعض ألفاظ بعض النسخ." ([761])

3- القول الثالث: أن التوراة التي جاء بها موسى عليه السلام  كلها أو أكثرها قد بُدِّل وغيِّر. والتوراة التي نزلت على موسى عليه السلام  لا تطابق بينها وبين التوراة الموجودة بين أيدي الناس اليوم في شيء, وأن أحبار اليهود أولوا كثيراً من آيات التوراة تأويلاً فاسداً وباطلاً. ولكنهم كذلك لم يقتصروا على تحريف التأويل؛ بل قاموا فعلاً بإضافة أشياء كثيرة لم ينزلها الله تعالى، ومن المستحيل أن يكون قد أنزلها مثل زعمهم - أن الله قام بمصارعة يعقوب عليه السلام  طوال الليل ومع هذا لم يستطع أن يتغلب على يعقوب.- ومثل زعمهم أن الله منع آدم عليه السلام  من الأكل من شجرة المعرفة حتى يبقى جاهلاً فلا يستطيع أن ينافس الرب في ملكوته - وأن هارون عليه السلام  هو الذي صنع لبني إسرائيل العجل- وهو الذي أمرهم بعبادته. إلى آخر الأمثلة الكثيرة كما ذكر ذلك ابن حزم ([762]) وإلى هذا القول ذهب الإمام ابن القيم الذي يقول: "وفي التوراة التي بأيديهم من التحريف والتبديل وما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء ما لا يشك فيه ذو بصيرة، والتوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام  بريئة." ([763]) ورجح هذا القول ابن حجر قال: "ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالإجماع." ([764])

وهذا هو الرأي الراجح - إن شاء الله - لوجاهة أدلته الكثيرة، وقد ذهب إليه مجموعة من علماء الإسلام الذين اطلعوا على التوراة ودرسوها دراسة فاحصة، وتتبعوا ما فيها مما لا يمكن أن ينسب ما فيه إلى الله عز وجل . ([765])

ومن أهم الأمور التي ثبت تحريفهم لها: تحريفهم للبشارات بنبينا صلى الله عليه وسلم  بتبديل صفته فيها أو بحذفها أو تأويلها وهو أكثر ما يهمنا هنا:

1- فعن ابن عباس رضي الله عنهما  في قول الله عز وجل : {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [سورة البقرة 2/79] قال: ((أحبار اليهود وجدوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم  مكتوباً في التوراة: أكحل أعين، ربعة جعد الشعر، حسن الوجه، فما وجدوه في التوراة محوه حسداً وبغياً، فأتاهم نفر من قريش من أهل مكة فقالوا تجدون في التوراة نبياً منا؟ قالوا: نعم، نجده طويلاً أزرق سبط الشعر، فأنكرت قريش وقالوا ليس هذا منا ... وقالوا: لا نجد نعته عندنا، وقالوا للسفلة: ليس هذا نعت النبي الذي يحرم كذا وكذا كما كتبوه وغيروا نعت هذا كذا كما وصف فلبسوا على الناس، وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم إياها السفلة لقيامهم على التوراة فخافوا أن تؤمن السفلة فتنقطع تلك المأكلة.)) ([766])

 وعن أبي صخر العقيلي _ قال : ((خرجت إلى المدينة فتلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما  يمشي فمر بيهودي ومعه سفر فيه التوراة يقرؤها على بن أخ لـه مريض بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا يهودي، نشدتك بالذي أنزل التوراة على موسى، وفلق البحر لبني إسرائيل، أتجد في توراتك نعتي وصفتي ومخرجي، فأومأ برأسه أن لا، فقال ابن أخيه: لكني أشهد بالذي أنزل التوراة على موسى، وفلق البحر لبني إسرائيل، أنه ليجد نعتك وزمانك وصفتك ومخرجك في كتابه، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم  أقيموا اليهودي عن صاحبكم وقبض الفتى فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم  وأجنه.)) ([767])

و سيأتي زيادة تفصيل في موقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم  بإذن الله


 المبحث الثالث: الاثار الواردة في موقفهم من الانجيل

 الآثار:

قولـه تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [سورة البقرة 2/113].

407-1504 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة بن الفضل قالا جميعا: ثنا ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله: {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} أي: كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به: أي يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم من الميثاق على لسان موسى بالتصديق بعيسى عليه السلام  وفي الإنجيل مما جاء به عيسى تصديق موسى وما جاء به من التوراة من عند الله؛ وكل يكفر بما في يد صاحبه . ([768])

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ} [سورة القصص 28/48].

408-20940 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} قالت ذلك أعداء الله اليهود للإنجيل والفرقان فمن قال {سَاحِرَانِ} فيقول: محمد وعيسى ابن مريم عليهما السلام . ([769])

409-20942 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح قال: ثنا عبيد عن الضحاك {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} يقول: بالإنجيل والقرآن. ([770])

قولـه تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  = 91 } [سورة البقرة 2/91]

410-1286- حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءَهُ} أي بما بعده، يعني بما بعد التوراة. ([771])


 الدراسة:

بعث الله نبيه عيسى عليه السلام  رسولاً مصدقاً للتوراة التي هي كتاب الله لبني إسرائيل، وأنزل معه الإنجيل فيه موعظة لهم، وتخفيف لبعض ما حرم عليهم كما قال تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ  = 46 } [سورة المائدة 5/46]

قال ابن كثير رحمه الله : "أي مؤمناً بها حاكماً بما فيها {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} أي هدى إلى الحق ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} أي متبعاً لها غير مخالف لما فيها إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه، كما قال تعالى إخباراً عن المسيح عليه السلام  أنه قال لبني إسرائيل: {وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [سورة آل عمران 3/50] ولهذا كان المشهور من قول العلماء أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة وقوله تعالى: {وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} أي وجعلنا الإنجيل هدى يهتدى به، وموعظة أي زاجراً عن ارتكاب المحارم والمآثم، للمتقين أي: لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه. ([772])

وقد أعلمهم الله أن إيمانهم بما بعد التوراة هو الصحيح؛ لأن المصدر واحد، والإيمان بالسابق يستلزم الايمان باللاحق.

قال الطبري رحمه الله : "وإنما قال جل ثناؤه: {مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ} لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا؛ ففي الإنجيل والقرآن من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم  والإيمان به وبما جاء به، مثل الذي من ذلك في توراة موسى عليه السلام ؛ فلذلك قال جل ثناؤه لليهود إذ خبرهم عما وراء كتابهم الذي أنزله على موسى صلوات الله عليه من الكتب التي أنزلها إلى أنبيائه: إنه الحق مصدقاً للكتاب الذي معهم، يعني أنه له موافق فيما اليهود به مكذبون."

قال: "وذلك خبر من الله أنهم من التكذيب بالتوراة على مثل الذي هم عليه من التكذيب بالإنجيل والفرقان، عناداً لله وخلافاً لأمره وبغياً على رسله صلوات الله عليهم." ([773])

ولم ترد آثار عن تحريف اليهود للإنجيل كما هو المشهور من فعل شاول اليهودي المتسمي ب(بولس الرسول) الذي أدخل في النصرانية ما ليس منها كما فصل ذلك ابن حزم ([774]) وغيره وينقل المفسرون هذه الرواية: أن أتباع عيسى عليه السلام  كانوا على الحق بعد رفع عيسى، حتى وقع حرب بينهم وبين اليهود، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولس قتل جمعاً من أصحاب عيسى عليه السلام ، ثم قال لليهود إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا والنار مصيرنا، ونحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار، وإني أحتال فأضلهم، فعقر فرسه وأظهر الندامة مما كان يصنع، ووضع على رأسه التراب، وقال: نوديت من السماء ليس لك توبة إلا أن تتنصر، وقد تبت فأدخله النصارى الكنيسة ومكث سنة لا يخرج، وتعلم الإنجيل فصدقوه وأحبوه، ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم رجلاً اسمه نسطور وعلمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة، وتوجه إلى الروم وعلمهم اللاهوت والناسوت، وقال: ما كان عيسى إنساناً ولا جسماً، ولكنه الله وعلم رجلاً آخر يقال له يعقوب ذلك ثم دعا رجلاً يقال له ملكا فقال له إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى، ثم دعا لهؤلاء الثلاثة وقال لكل واحد منهم أنت خليفتي فادع الناس إلى إنجيلك، ولقد رأيت عيسى في المنام ورضي عني، وإني غداً أذبح نفسي لمرضاة عيسى، ثم دخل المذبح فذبح نفسه، ثم دعا كل واحد من هؤلاء الثلاثة الناس إلى قوله ومذهبه فهذا هو السبب في وقوع هذا الكفر في طوائف النصارى. ([775])

قال شيخ الإسلام " ..كما حصل مقصود بولص بإفساد الملة النصرانية بالرسائل التى وضعها لهم." ([776])


 المبحث الرابع :الآثار الواردة في موقفهم من القرآن

 الآثار:

قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ  = 43 } [سورة الرعد 13/43] 

411-حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال: ثنا أبو داود الطيالسي قال: ثنا شعيب بن صفوان قال: ثنا عبد الملك بن عمير أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: قال عبد الله بن سلام: أنزل في: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}

412-15576 - حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} فالذين عندهم علم الكتاب: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. ([777])

قوله تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً  = 88 } [سورة الإسراء 17/89]

413-17114 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: ((أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  محمود بن سيحان وعمر بن أصان وبحري بن عمرو وعزيز بن أبي عزيز وسلام بن مشكم فقالوا: أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئتنا به حق من عند الله عز وجل فإنا لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاؤوا به" فقال عند ذلك وهم جميعا: فنحاص وعبد الله بن صوريا وكنانة بن أبي الحقيق وأشيع وكعب بن أسد وسموءل بن زيد وجبل بن عمرو: يا محمد ما يعلمك هذا إنس ولا جان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل" فقالوا: يا محمد إن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء ويقدر منه على ما أراد فأنزل علينا كتاباً تقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله عز وجل  فيهم وفيما قالوا: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [سورة الإسراء 17/88])) ([778])

قوله تعالى: {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [سورة آل عمران 3/119]

414-6090 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: ثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ} ((أي بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم.)) ([779])

قوله تعالى: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [سورة الحجر 15/89]. الآية:

415-16140 - حدثني عيسى بن عثمان الرملي قال: ثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله الله: {كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ  = 90  الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ  = 91 } [سورة الحجر 15/90-91] قال: هم اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض. ([780])

قوله تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينََ  = 68 } [سورة المائدة 5/68]

416-9588 - حدثني المثني قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} قال: الفرقان. يقول: فلا تحزن. ([781])

417-1561 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة البقرة 2/121] قال: من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم  من يهود فأولئك هم الخاسرون. ([782])

418-1562 - حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثني ابن أبي عدي، وعبد الأعلى، وحدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا ابن أبي عدي جميعا، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} يتبعونه حق اتباعه. ([783])


 الدراسة:

تقدم معنا أن من اليهود من يكفر بكل كتاب, ومن هذه الكتب القرآن الكريم ولكن من الإنصاف أن نذكر من آمن بالكتاب العزيز من اليهود ممن خضع لكلام الله، كما قال تعالى فيهم: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ  = 43 } [سورة الرعد 13/43]

وعلى اختلاف المفسرين في سبب نزول الآية إلا أنهم يجمعون أنها في من آمن من أهل الكتاب، حتى وإن لم يعين كما قال ابن كثير : "والصحيح في هذا أن {وَمَنْ عِندَهُ} اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم  ونعته في كتبهم المتقدمة من بشارات الأنبياء به، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ  = 156  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [سورة الأعراف 7/157] وقال تعالى {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} [سورة الشعراء 26/197] وأمثال ذلك مما فيه الإخبار عن علماء بني إسرائيل أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة. ([784])

لكن الغالبية العظمى من اليهود كفروا بالكتاب العزيز، كما قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ  = 89 } [سورة البقرة 2/89]

قال الطبري رحمه الله  : "ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف جل ثناؤه صفتهم، {كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ} يعني بالكتاب: القرآن الذي أنزله الله على محمد  صلى الله عليه وسلم ، {مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن." ([785])

ومن ثم أنكر اليهود انتظارهم لهذا الكتاب: فعن بن عباس رضي الله عنهما  قال: ((قال ابن صوريا الفطيوني لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله عز وجل : {وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ} [سورة البقرة 2/99] ([786])

بل أنكروا أن يكون حقاً فتوعدهم الله بالعقوبة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً  = 47 } [سورة النساء 4/47]

وكانت هذه الآية سبباً في إسلام كعب الأحبار رحمه الله ، فقد ساق الطبري بإسناده قال: "أسلم كعب في زمان عمر _ أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمر على المدينة، فخرج إليه عمر _، فقال: ((يا كعب أسلم! قال: ألستم تقرؤون في كتابكم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [سورة الجمعة 62/5] وأنا قد حملت التوراة. قال: فتركه ثم خرج حتى انتهى إلى حمص، قال: فسمع رجلاً من أهلها حزيناً، وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [سورة النساء 4/47] ... الآية، فقال كعب: ((يا رب أسلمت! مخافة أن تصيبه الآية، ثم رجع فأتى أهله باليمن، ثم جاء بهم مسلمين.)) ([787])

وكان منهم من يصف القرآن بعدم التناسق, ويفاخر أنه لا يشبه تناسق التوراة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم  ابن مشكم في عامة من يهود سماهم، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، وإن هذا الذي جئت به لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة، فأنزل علينا كتاباً نعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [سورة الإسراء 17/88] الآية ([788])

وخاطب الله على اليهود بشأن القرآن وكيف يؤمنون به في قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ = 121 } [سورة البقرة 2/121] ومعنى الآية: الذين آتيناهم الكتاب يا محمد من أهل التوراة الذين آمنوا بك وبما جئتهم به من الحق من عندي، يتبعون كتابي الذي أنزلته على رسولي موسى صلوات الله عليه، فيؤمنون به، ويقرون بما فيه من نعتك وصفتك، وأنك رسولي فرض عليهم طاعتي في الإيمان بك والتصديق بما جئتهم به من عندي، ويعملون بما أحللت لهم، ويجتنبون ما حرمت عليهم فيه، ولا يحرفونه عن واضعه ولا يبدلونه ولا يغيرونه كما أنزلته عليهم بتأويل ولا غيره. { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة 2/121] يتبعونه حق اتباعه. ([789])

ومن ثم ستقودهم الى الإيمان الحقيقي كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ} [سورة المائدة 5/66] قال ابن عباس رضي الله عنهما  وغيره هو القرآن {لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [سورة المائدة 5/66] أي لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء على ما هي عليه من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم  فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتما لا محالة. ([790])

وهنا تساؤل وهو كيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد  صلى الله عليه وسلم ، مع اختلاف هذه الكتب ونسخ بعضها بعضاً؟

والجواب: أنه وإن كانت في بعض أحكامها وشرائعها اختلاف، فهي متفقة في الأمر بالإيمان برسل الله والتصديق بما جاءت به من عند الله؛ فمعنى إقامتهم التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم  تصديقهم بما فيها، والعمل بما هي متفقة فيه، وكل واحد منها في الخبر الذي فرض العمل به. ([791])

ولكنهم لم يلتزموا بالإيمان بالقرآن ولا الانصياع إلى ما في كتبهم، فلم ينفعهم ذلك شيئاً كما قال صلى الله عليه وسلم  للبيد _ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم  شيئاً فقال: ((وذاك عند ذهاب العلم قال :قلنا يا رسول الله, وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا وأبناؤنا يقرؤنه أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال: ثكلتك أمك يا بن لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤن التوراة والإنجيل ولا ينتفعون بما فيهما من شيء؟)) ([792])


 الفصل الرابع : الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان بالأنبياء

 المبحث الأول : موقفهم من الأنبياء مطلقاً

 الآثار:

 المطلب الأول : القتل

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينََ  = 183 } [سورة آل 3/183]

419-6622 -حدثنا محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما  قولـه: {حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} كان الرجل يتصدق فإذا تقبل منه أنزلت عليه نار من السماء فأكلته. ([793])

420-6623 -حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قولـه: {بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} كان الرجل إذا تصدق بصدقة فتقبلت منه بعث الله نارا من السماء فنزلت على القربان فأكلته. ([794])

قولـه تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينََ  = 64 } [سورة المائدة 5/64]

421-9558-حدثني المثني قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً  = 4  فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً  = 5  ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً  = 6 } [سورة الإسراء 17/4-6] قال: كان الفساد الأول فبعث الله عليهم عدواً فاستباحوا الديار واستنكحوا النساء واستعبدوا الولدان وخربوا المسجد. فغبروا زماناً ثم بعث الله فيهم نبياً وعاد أمرهم إلى أحسن ما كان. ثم كان الفساد الثاني بقتلهم الأنبياء حتى قتلوا يحيى بن زكريا عليه السلام  فبعث الله عليهم بختنصر، قتل من قتل منهم وسبى من سبى وخرب المسجد فكان بختنصر للفساد الثاني. (باختصار) ([795])

قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً  = 4 } [سورة الإسراء 17/4] 

422-16648 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: كان إفسادهم الذي يفسدون في الأرض مرتين: قتل زكريا ويحيى بن زكريا عليهما السلام  سلط الله عليهم سابور ذا الأكتاف ملكاً من ملوك فارس من قتل زكريا وسلط عليهم بختنصر من قتل يحيى. ([796])

 المطلب الثاني:التكذيب

قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ  = 184 } [سورة آل 3/184] 

423-6624 -حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق قال: ثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} قال: يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم . ([797])

قولـه تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونََ} [سورة البقرة 2/87]

424-1237 - حدثني بذلك محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.{رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ} اليهود من بني إسرائيل. ([798])

قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}[سورة البقرة 2/285]

425-5096 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} كما صنع القوم يعني بني إسرائيل قالوا: فلان نبي وفلان ليس نبياً وفلان نؤمن به وفلان لا نؤمن به. ([799])

قولـه تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً  = 155 } [سورة النساء 4/155]

426-8480 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة: {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} لما ترك القوم أمر الله وقتلوا رسله وكفروا بآياته ونقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم. {طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} ولعنهم. ([800])


 الدراسة:

لليهود مع الأنبياء سيرة عجيبة, وصفها الله- تبارك وتعالى- بانقسامهم حيال الأنبياء إلى قسمين: أنبياء كذبوهم, وأنبياء قتلوهم, فبئس ما وصفوا به، كما قال تعالى : {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [سورة المائدة 5/70] ، و قال تعالى : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [سورة آل عمران 3/112] وآيات أخرى كثيرة.

ومع كونهم من أكثر الأمم أنبياء كما مرّ معنا في أن من نعم الله عليهم (كثرة الأنبياء) إلاّ أنهم استحقوا بكل سوء لقب (قتلة الأنبياء) كما قرنها الله بهم في آيات كثيرة، هو وصف لجميع اليهود على مرّ الأزمان, من قتل منهم ومن رضي, قال الطبري رحمه الله  عن اليهود الذين كانوا على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  "ولم يكن من أولئك أحد قتل نبياً من الأنبياء لأنهم لم يدركوا نبياً من أنبياء الله فيقتلوه، قيل إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه وإنما قيل ذلك كذلك لأن الذين عنى الله تبارك وتعالى بهذه الآية كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء، وكانوا منهم وعلى منهاجهم من استحلال ذلك واستجازته، فأضاف جل ثناؤه فعل ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته إلى جميعهم، إذ كانوا أهل ملة واحدة ونحلة واحدة، وبالرضا من جميعهم فعل ما فعل فاعل ذلك منهم." ([801])

ومعلوم أن من أعظم الناس جرماً من قتل نبياً كما قال صلى الله عليه وسلم : ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبياً.)) ([802]) ، وهذا ما فعله اليهود كما في الأثر عن ابن مسعود‌ _ قال: ((قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار ثم أقاموا سوق بقلهم من آخره.)) ([803]) ، ومن ذلك ما رواه أبو عبيدة بن الجراح _ قال: قلت يا رسول الله، ((أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟)) قال: ((رجل قتل نبياً، أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف.)). ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} [سورة آل عمران 3/21] إلى أن انتهى إلى: {وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [سورة آل عمران 3/22] ثم قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ((يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم، وهم الذين ذكر الله عز وجل )). ([804])

وفي الآيات التي ذكر فيها قتل اليهود للأنبياء, قرنت بقوله تعالى{بِغَيْرِ حَقٍّ} [سورة آل عمران 3/21] وبـ {بِغَيْرِ الْحَقِّ} [سورة البقرة 2/61] والحكمة -والله أعلم- مع أن قتل الأنبياء لن يكون بحق أبداً: أن هذا القول تعظيم للشنعة والذنب الذي أتوه ومعلوم أنه لا يقتل نبي بحق ولكن من حيث قد يتخيل متخيل لذلك وجهاً, فصرح قوله: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} عن شنعة الذنب ووضوحه ولم يجترم قط نبي ما يوجب قتله وإنما أتاح الله تعالى من أتاح منهم وسلط عليه كرامة لهم وزيادة في منازلهم كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين. ([805])

وممن ورد التصريح بقتلهم من الأنبياء: زكريا وابنه يحيى عليهما السلام  وقيل أشعياء.

وأما كيفية قتلهم فقد أورد الطبري رحمه الله  آثاراً طويلة ([806])حاصلها:

أن من قتلوه من الأنبياء في إفسادهم المذكور في سورة الإسراء قولان:

1- أحدهما: زكريا 2- والثاني: أشعيا.

أما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني: فهو يحيى بن زكريا عليه السلام .

والسبب في قتلهم زكريا عليه السلام  (بحسب الروايات المتداخلة) أنهم اتهموه بمريم وقالوا منه حملت، فهرب منهم فانفتحت لـه شجرة فدخل فيها وبقي من ردائه هدب، فجاءهم الشيطان فدلهم عليه فقطعوا الشجرة بالمنشار وهو فيها.

والسبب في قتلهم أشعيا فهو أنه قام فيهم برسالة من الله ينهاهم عن المعاصي، وقيل: هو الذي هرب منهم فدخل في الشجرة حتى قطعوه بالمنشار وأن زكريا عليه السلام  مات حتف أنفه.

وأما السبب في قتلهم يحيى بن زكريا عليه السلام :

أن ملكهم أراد نكاح امرأة لا تحل له فنهاه عنها يحيى عليه السلام  .. فحنقت أمها على يحيى حين نهاه أن يتزوج ابنتها، وعمدت إلى ابنتها فزينتها وأرسلتها إلى الملك حين جلس على شرابه وأمرتها أن تسقيه وأن تعرض له فإن أرادها على نفسها أبت حتى يؤتى برأس يحيى بن زكريا عليه السلام  في طست، ففعلت ذلك فقال: ويحك سليني غير هذا، فقالت: ما أريد إلا هذا، فأمر فأتي برأسه والرأس يتكلم ويقول لا تحل لك لا تحل لك. ([807])

وأهم هذه النصوص الحديث المرفوع الذي رواه حذيفة _ قال عنه ابن كثير رحمه الله : "وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثاً أسنده عن حذيفة _ مرفوعاً مطولاً، وهو حديث موضوع لا محالة لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث، والعجب كل العجب كيف راج عليه مع جلالة قدره وإمامته، وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي رحمه الله  بأنه موضوع مكذوب وكتب ذلك على حاشية الكتاب، وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها؛ لأن منها ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحاً ونحن في غنية عنها ولله الحمد، وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم  إليهم، وقد أخبر الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقاً، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقاً من الأنبياء والعلماء ... وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها، ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه لجاز كتابته وروايته والله أعلم. ([808])


 المبحث الثاني: افتراؤهم على بعض الأنبياء

 المطلب الأول: افتراؤهم على إبراهيم وبنيه بنسبتهم لليهودية

 الآثار:

قولـه تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ  = 67 } [سورة آل عمران 3/67] 

427-5695- حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي قال: ثنا خالد بن عبد الله عن داود عن عامر قال: قالت اليهود: إبراهيم على ديننا وقالت النصارى: هو على ديننا فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً} ... الآية. فأكذبهم الله وأدحض حجتهم يعني اليهود الذين ادعوا أن إبراهيم مات يهودياً. ([809])

قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ  = 84 } [سورة الشعراء 26/85]

428-20258- حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن أبي بكر عن عكرمة قوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ  = 84 } قوله {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ  = 27 } [سورة العنكبوت 29/27]. قال: إن الله فضله بالخلة حين اتخذه خليلاً فسأل الله فقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ  = 84 } حتى لا تكذبني الأمم فأعطاه الله ذلك فإن اليهود آمنت بموسى وكفرت بعيسى وإن النصارى آمنت بعيسى وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم  وكلهم يتولى إبراهيم؛ قالت اليهود: هو خليل الله وهو منا فقطع الله ولايتهم منه بعد ما أقروا لـه بالنبوة وآمنوا به فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ  = 67 } [سورة آل عمران 3/67] ثم ألحق ولايته بكم فقال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ  = 68 } [سورة آل عمران 3/68] فهذا أجره الذي عجل له وهي الحسنة إذ يقول: {وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ  = 122 } [سورة النحل 16/122] وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه. ([810])

قولـه تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونََ  = 140 } [سورة البقرة 2/140]

429-1759 - فحدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/140] قال: في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما إنهم كانوا يهوداً أو نصارى. فيقول الله: لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم. وقد علم أنهم كاذبون. ([811])

430-1760 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني إسحاق عن أبي الأشهب عن الحسن أنه تلا هذه الآية: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} إلى قوله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ} قال الحسن: والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه برآء من اليهودية والنصرانية كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام فبم استحلوها؟. ([812])

431-5698 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن  قتادة، قوله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [سورة آل عمران 3/68] يقول: الذين اتبعوه على ملته وسنته ومنهاجه وفطرته، {وَهَذَا النَّبِيُّ} وهو نبي الله محمد. {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ} وهم المؤمنون الذين صدقوا نبي الله واتبعوه، كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  والذين معه من المؤمنين أولى الناس بإبراهيم. ([813])


 الدراسة:

طلب اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم  و أصحابه أن يكونوا هوداً حتى يهتدوا إلى الحق بزعمهم ولكن الله ألهم نبيه صلى الله عليه وسلم  حجة بالغة, فأمره الله أن يقول لهم: تعالوا نتبع ملة إبراهيم عليه السلام  التي تجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به فقال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة البقرة 2/135] ، فاليهود إذاً يزعمون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام  وأبناؤه كانوا هوداً أو على ملتهم، وهذا محال؛ لأن اليهودية حدثت بعدهم, حين بعث الله موسى عليه السلام  وقد أكذبهم الله بهذه الفرية بقوله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ} [سورة البقرة 2/140] يعني بما كانوا عليه من الأديان ثم جاء القول الفصل {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} ومن أصدق من الله قيلاً، ولكن هل كان اليهود يظنون أنهم على حق في نسبتهم إبراهيم عليه السلام  إلى اليهودية, أم هي عادتهم التي جبلوا عليها من الافتراء والكذب؟

وختام الآية يبين الجواب: قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/140]. فلا أظلم منهم، حين عرفوا الحق وكتموا شهادته.

ولكن هل لليهود شهادة عندنا؟ الجواب: "الشهادة التي عندهم من الله في أمرهم، ما أنزل الله إليهم في التوراة والإنجيل، وأمرهم فيها بالاستنان بسنتهم واتباع ملتهم، وأنهم كانوا حنفاء مسلمين. وهي الشهادة التي عندهم من الله التي كتموها حين دعاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم  إلى الإسلام، فقالوا لـه: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [سورة البقرة 2/111] وقالوا له ولأصحابه: {كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ} [سورة البقرة 2/135]. فأنزل الله فيهم هذه الآيات في تكذيبهم وكتمانهم الحق، وافترائهم على أنبياء الله الباطل والزور." ([814])

ولن يفيدهم أن يكون بينهم وبين من ذكروا من الأنبياء صلة النسب من غير متابعة لهم حتى يكونوا منقادين مثلهم لأوامر الله واتباع رسله.

وأما إبراهيم عليه السلام  فقد بين الله من أولى الناس به فقال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ  = 68 } [سورة آل عمران 3/68] وليس كما قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنا أولى الناس بدين إبراهيم منك ومن غيرك، فإنه كان يهودياً وما بك إلا الحسد؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية. ([815]) فكان أحق الناس بإبراهيم عليه السلام  ونصرته وولايته، الذين سلكوا طريقه ومنهاجه، فوحدوا الله مخلصين له الدين، وسنوا سننه، وشرعوا شرائعه وكانوا لله حنفاء مسلمين غير مشركين به. وهم محمد صلى الله عليه وسلم  والذين صدقوا محمداً، وبما جاءهم به من عند الله.

وعن ابن مسعود _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل  ثم قرأ {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [سورة آل عمران 3/68] ))  ([816])


 المطلب الثاني : افتراؤهم في تعيين الذبيح

 الآثار:

قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ  = 107 } [سورة الصافات 37/108]

432-22646- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: ثني محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز رحمه الله  وهو خليفة إذ كان معه بالشام فقال لـه عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه وإني لأراه كما هو؛ ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم فحسن إسلامه وكان يرى أنه من علماء يهود فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك فقال محمد بن كعب: وأنا عند عمر بن عبد العزيز فقال لـه عمر: أي ابني إبراهيم عليه السلام  أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم فالله أعلم أيهما كان كل قد كان طاهراً طيباً مطيعاً لربه. ([817])

433-22647- حدثني محمد بن عمار الرازي قال: ثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة قال: ثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي عن عبيد بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان عن أبيه قال: ثني عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال: كنا عند معاوية بن أبي سفيان _ فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال: على الخبير سقطتم: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  فجاءه رجل فقال: يا رسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين؛ فضحك عليه الصلاة والسلام؛ فقلنا لـه: يا أمير المؤمنين وما الذبيحان؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله لئن سهل عليه أمرها ليذبحن أحد ولده قال: فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا: افد ابنك بمئة من الإبل ففداه بمئة من الإبل وإسماعيل الثاني.  ([818])

قولـه تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [سورة يوسف 12/54].

434-14862 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا وكيع عن سفيان عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل: {قَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} قال: قال لـه الملك: إني أريد أن أخلصك لنفسي غير أني آنف أن تأكل معي! فقال يوسف: أنا أحق أن آنف أنا ابن إسحاق - أو أنا ابن إسماعيل أبو جعفر شك - وفي كتابي: ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله - ([819])

435-حدثنا أحمد بن إسحاق قال: ثنا أبو أحمد قال: ثنا سفيان عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: قال العزيز ليوسف: ما من شيء إلا وأنا أحب أن تشركني فيه إلا أني أحب أن لا تشركني في أهلي وأن لا يأكل معي عبدي! قال: أتأنف أن آكل معك؟ فأنا أحق أن آنف منك أنا ابن إبراهيم خليل الله وابن إسحاق الذبيح وابن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن.‏ ([820])

436-22623- حدثني الحسين بن يزيد بن إسحاق قال: ثنا ابن إدريس عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: الذي أمر بذبحه إبراهيم هو إسحاق.  ([821])  

437-22629- حدثنا أبو كريب قال: ثنا ابن يمان عن سفيان عن أبي سنان الشيباني عن ابن أبي الهذيل قال: الذبيح هو إسحاق.‏  ([822])

438-22635- حدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قالا: ثنا يحيى بن يمان عن إسرائيل عن ثور عن مجاهد عن  رضي الله عنهما ابن عمر رضي الله عنهما  قال: الذبيح: إسماعيل.‏  ([823])

439-22640- حدثنا أبو كريب قال: ثنا ابن يمان عن إسرائيل عن جابر عن الشعبي قال: الذبيح إسماعيل. ([824])

قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ  = 112 } [سورة الصافات 37/112].

440-22669- حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما : الذبيح إسحاق؛ قال: وقوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} قال بشر بنبوته. قال: وقوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً  = 53 } [سورة مريم 19/53] قال: كان هارون أكبر من موسى ولكن أراد وهب الله له نبوته.‏ ([825])


 الدراسة:

رزق الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السلام  ولدين على كبر في سنه إسماعيل عليه السلام  وإليه ينتسب العرب، وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وإسحاق عليه السلام  وإليه وإلى ابنه يعقوب عليه السلام  ينتسب اليهود، وقد قص الله في القرآن الكريم قصة أمر الله لإبراهيم الخليل عليه السلام  بذبح ابنه, ولم يذكر اسمه صريحاً في القرآن, واليهود يقولون أنه : إسحاق عليه السلام  كما تنص على ذلك التوراة التي بأيديهم، ويقولون أن الذبح قد حصل في الشام كما نقل عنهم، ([826]) وقد ذكر ياقوت الحموي عند الكلام على مدينة نابلس قال: "مدينة مشهورة بأرض فلسطين، وبها الجبل الذي تعتقد اليهود أن الذبح كان عليه، وعندهم أن الذبيح إسحاق عليه السلام ، ولليهود في هذا الجبل اعتقاد أعظم ما يكون."  ([827])

واختلف علماء المسلمين في تعيين الذّبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل عليهما السلام ؟

1- فمن قائلٍ بأنه إسحاق.

2- ومن ذاهبٍ إلى أنّه إسماعيل.

3- ومن متوقّفٍ في المسألة.

4- ومن مقتصرٍ على ذكر القولين بدون ترجيح.

وسأختصر الكلام في هذه المسألة مع الإحالة إلى أماكن الأدلة في مظانها لطولها وتعدد أوجه استدلالها، وآثار السلف رحمهم الله فيها القولان, الصحابة رضي الله عنهم , ومن بعدهم إلى يومنا وكل فريق له أدلته, وله رد على أدلة الفريق المقابل، وليس هناك دليل صحيح صريح في المسألة كما قال الطبري رحمه الله  في تاريخه: "واختلف السلف من علماء أمة نبينا في الذي أمر إبراهيم عليه السلام  بذبحه من ابنيه، فقال بعضهم: هو إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام ، وقال بعضهم هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كلا القولين لو كان فيهما صحيح لم نعده إلى غيره غير أن الدليل من القرآن على صحة الرواية التي رويت عنه أنه قال هو إسحاق أوضح وأبين منه على صحة الأخرى. ([828])

ولكن أثر عمر بن عبد العزيز المتقدم, فيه إشارة إلى ما تعودناه من اليهود, في التحريف, والكتمان, والحسد, بل فيه اعتراف بالتحريف وكما قال ابن تيمية رحمه الله : "وكلّ من قال: إنّه إسحاق، فإنّما أخذه عن اليهود أهل التّحريف والتّبديل كما أخبر اللّه تعالى عنهم" ([829])

وقال ابن كثير - بعد ذكره الآثار عن السّلف بأنّ الذّبيح إسحاق عليه السلام  - "وهذه الأقوال والله أعلم كلّها مأخوذة عن كعب الأحبار، فإنّه لما أسلم في الدّولة العمريّة جعل يحدِّث عمر _ عن كتبه قديماً، فربّما استمع له عمر _ فترخّص النّاسُ في استماع ما عنده، ونقلوا ما عنده عنه غثّها وسمينها، وليس لهذه الأمّة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد ممّا عنده."  ([830])

 وكان في تاريخه أكثر وضوحاً فقال: "وهذا هو الظاهر من القرآن، بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل لأنه ذكر قصة الذبيح ثم قال بعده {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} [سورة الصافات 37/112] ومن جعله حالاً فقد تكلف ومستنده أنه إسحق إنما هو إسرائيليات وكتابهم فيه تحريف ولا سيما ههنا قطعاً لا محيد عنه فإن عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره إسحق فلفظة إسحق ههنا مقحمة مكذوبة مفتراة؛ لأنه ليس هو الوحيد ولا البكر ذاك إسماعيل وإنما حملهم على هذا حسد العرب، فإن إسماعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وإسحق والد يعقوب وهو إسرائيل الذين ينتسبون إليه، فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم، فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت، ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وقد قال بأنه إسحق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم، وإنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لأجله ظاهر الكتاب العزيز، ولا يفهم هذا من القرآن بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه إسماعيل، وما أحسن ما استدل محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل وليس بإسحق من قوله {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} قال فكيف تقع البشارة بإسحق وأنه سيولد له يعقوب ثم يؤمر بذبح إسحق وهو صغير قبل أن يولد له، هذا لا يكون لأنه يناقض البشارة المتقدمة والله أعلم." ([831])

والقول بأنه إسحاق أو إسماعيل لا يترتب عليه حكم شرعي عبادي، وكثير من المفسرين يسوقون الخلاف ويتوقفون, كما في آخر أثر عمر بن عبد العزيز : "فالله أعلم أيهما كان، كل قد كان طاهراً طيباً مطيعاً لربه"

قال العلامة الآلوسي: "والتوقف عندي خير من هذا القول، والذي أميل أنا إليه أنه إسماعيل عليه السلام  بناء على أن ظاهر الآية يقتضيه، وأنه المروي عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضي خلاف ذلك، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوي الألباب." ([832])

وفي إجابة للجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية عن هذه المسألة: "لم يرد في ذلك نصٌّ صحيحٌ بتسميته أو تعيينه بوجه ما يقطع النّزاع، والخَطْب في ذلك سهلٌ، إذ المسألة في أمرٍ معرفته غيرُ ضروريّةٍ، ولا يترتّب على الجهل بها خطرٌ في العقيدة، ولا أثر لها في حياة النّاس العمليّة، فأيّ ابنيْ إبراهيم عليه السلام  كان الذّبيح، كان فيه وفي أبيه العبرة، وبهما تكون القدوة في الصّبر على البلاء، وإيثار طاعة اللّه تعالى .. ولايَشين ذلك مَن لم يَكُن الذّبيح، ولا ينقص مِن قدره، كما لم ينقص كثيراً من الأنبياء والمرسلين أنّهم لم يقعْ لهم مثل ذلك، فالمزيّة بعينها تدلّ على الفضيلة، لكنّها لا تدلّ على الأفضليّة، والصّواب أنّه إسماعيل لأنّه الأظهر من الآيات القرآنيّة، ولا سيّما الآيات من سورة الصّافّات التي سبق ذكرها، وباللّه التّوفيق."  ([833])


 المطلب الثالث: افتراؤهم على موسى عليه السلام  واذيته

 الآثار:

قوله: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً} [سورة الإسراء 17/3] 

441-21560- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً  = 2 } قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل.  ([834])

قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ  = 61 } [سورة الشعراء 26/61]

442-20237- حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: قلت لعبد الرحمن {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ  = 61 } قال: تشاءموا بموسى وقالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا.  ([835])

قولـه تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف 7/130]

443-11628 - حدثني موسى قال: ثنا عمرو قال: ثنا أسباط عن السدي : فلما تراءى الجمعان فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} وقالوا: {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا} [سورة الأعراف 7/129] كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا. {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ = 129 } اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ  = 61 }  ([836])

444-11629 - حدثني عبد الكريم قال: ثنا إبراهيم قال: ثنا سفيان قال: ثنا أبو سعد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: سار موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون فقالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا هذا البحر أمامنا وهذا فرعون بمن معه ! {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ = 129 } [سورة الأعراف 7/130]  ([837])

قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} [سورة الأعراف 7/150]

445-11744 - حدثني عمران بن بكار الكلاعي قال: ثنا عبد السلام بن محمد الحضرمي قال: ثني شريح بن يزيد قال: سمعت نصر بن علقمة يقول: قال أبو الدرداء _: قول الله: {غَضْبَانَ} قال: الأسف: منزلة وراء الغضب أشد من ذلك وتفسير ذلك في كتاب الله: ذهب إلى قومه غضبان وذهب أسفاً.  ([838])

446-11745 - حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو قال: ثنا أسباط عن السدي. {أَسِفاً قال: حزيناً. ([839])

قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [سورة الأحزاب 33/70]

447-21885- حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد قال: قال بنو إسرائيل: إن موسى آدر؛ وقالت طائفة: هو أبرص من شدة تستره وكان يأتي كل يوم عيناً فيغتسل ويضع ثيابه على صخرة عندها فعدت الصخرة بثيابه حتى انتهت إلى مجلس بني إسرائيل وجاء موسى يطلبها؛ فلما رأوه عريانا ليس به شيء مما قالوا لبس ثيابه ثم أقبل على الصخرة يضربها بعصاه فأثرت العصا في الصخرة. ([840])

448-21888- حدثني علي بن مسلم الطوسي قال: ثنا عباد قال: ثنا سفيان بن حبيب عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب _ في قول الله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [سورة الأحزاب 33/69] قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته وكان أشد حبا لنا منك وألين لنا منك فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات فبرأه الله من ذلك فانطلقوا به فدفنوه فلم يطلع على قبره أحد من خلق الله إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم. ([841])

قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ  = 81 } [سورة القصص 28/81] 

449-21046 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا جابر بن نوح قال: أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى فصالحه على كل ألف دينار دينارا وكل ألف شيء شيئا أو قال: وكل ألف شاة شاة "الطبري يشك" قال: ثم أتى بيته فحسبه فوجده كثيرا فجمع بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ من أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا وأن سيدنا فمرنا بما شئت فقال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فتجعلوا لها جعلا فتقذفه بنفسها فدعوها فجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها ثم أتى موسى فقال لموسى: إن بني إسرائيل قد اجتمعوا لتأمرهم ولتنهاهم فخرج إليهم وهم في براح من الأرض فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مئة ومن زنى وله امرأة جلدناه حتى يموت أو رجمناه حتى يموت والطبري يشك" فقال له قارون: إن كنت أنت ؟ قال: وإن كنت أنا ! قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة. قال: ادعوها فإن قالت فهو كما قالت ؛ فلما جاءت قال لها موسى: يا فلانة قالت: يا لبيك قال: أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟قالت: لا وكذبوا ولكن جعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي؛ فوثب فسجد وهو بينهم فأوحى الله إليه: مر الأرض بما شئت قال: يا أرض خذيهم! فأخذتهم إلى أقدامهم. ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم. ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم! إلى حقيهم ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم قال: فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى ويتضرعون إليه. قال: يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم فأوحى الله إليه: يا موسى يقول لك عبادي: يا موسى يا موسى فلا ترحمهم؟أما لو إياي دعوا لوجدوني قريباً مجيباً؛ قال: فذلك قول الله: {فخرج على وقمه في زينته} وكانت زينته أنه خرج على دواب شقر عليها سروج حمر عليهم ثياب مصبغة بالبهرمان. {قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون}... إلى قوله {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [سورة المؤمنون 23/117] يا محمد {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة القصص 28/83].([842])


 الدراسة:

لم يسلم نبي الله موسى عليه السلام - وهو أخص أنبياء اليهود والمبعوث بالتوراة - من أذية اليهود له, حتى وصفوا أن مبعثه إليهم, كان شؤماً عليهم, وأن الأذى لحقهم حتى بعد أن جاءهم فلم يفدهم مبعثه شيئاً من التخفيف, ففرعون سامهم العذاب قبل موسى عليه السلام  وبعده, فماذا اختلف؟

و اليهود المعاصرون لموسى عليه السلام  يصعب حصر أذيتهم لـه بعدد، مع كثرة معاينتهم من آيات الله عز وجل  وعبره والمعجزات الباهرة التي يسوقها الله لنبيه عليه السلام ، ومع ذلك: مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلهاً غير الله, ومرة يعبدون العجل من دون الله، ومرة يقولون: لا نصدقك حتى نرى الله جهرة, وأخرى يقولون لـه إذا دعوا إلى القتال: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون, ومرة يقال لهم: قولوا: حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطاياكم، فيقولون: حنطة في شعيرة, ويدخلون الباب من قبل أستاههم, مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم عليه السلام  التي يصعب إحصاؤها. ([843])

وذكر أذى اليهود لموسى عليه السلام  صراحة في القرآن في معرض تحذير هذه الأمة من مشابهة اليهود فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً  = 69 } [سورة الأحزاب 33/69] ، فكل ما سبق مما ذكرناه يصلح أن يكون مما آذى به اليهود نبيهم، ويورد بعض المفسرين نوعية معينة من الإيذاء:

1- فقيل: أنه إيذاؤه عليه السلام  بوصفه الجسماني حين زعموا أنه آدر ([844]) ، فعن أبي هريرة _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن موسى عليه السلام  كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيب في جلده، إما برص وإما أدرة وإما آفة، وإن الله عز وجل  أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى عليه السلام  فخلا يوماً وحده فخلع ثيابه على حجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر, ثوبي حجر, حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله عز وجل  وأبرأه مما يقولون, وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه فو الله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً قال: فذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} [سورة الأحزاب 33/69])) ([845])

2- وقيل: أن أذاهم إياه: اتهامهم إياه قتل هارون أخيه عليه السلام  كما في أثر ابن عباس رضي الله عنهما  الذي مر معنا. ([846]) وحسبك بهذه التهمة الجريئة, وإن كانت غير مستغربة منهم.

وبكل حال: "جائز أن يكون ذلك كان قيلهم إنه أبرص، وجائز أن يكون كان ادعاءهم عليه قتل أخيه هارون عليه السلام . وجائز أن يكون كل ذلك، لأنه قد ذكر كل ذلك أنهم قد آذوه به، ولا قول في ذلك أولى بالحق مما قال الله إنهم آذوا موسى، فبرأه الله مما قالوا." ([847])

قال ابن كثير رحمه الله : "يحتمل أن يكون الكل مراداً وأن يكون معه غيره والله أعلم."

3- ولعل ابن كثير يقصد: اتهامهم له بالزنا كما في أثر ابن عباس رضي الله عنهما  قال: ((لما أمر الله موسى عليه السلام  بالزكاة، قال: رموه بالزنا، فجزع من ذلك، فأرسلوا إلى امرأة كانت قد أعطوها حكمها، على أن ترميه بنفسها؛ فلما جاءت عظم عليها، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت. قالت: إذ قد استحلفتني، فإني أشهد أنك بريء، وأنك رسول الله.)) ([848])

وفي تحذير الله للمسلمين من التشبه ببني إسرائيل في أذيتهم نبيهم موسى. أن لا يؤذوا محمداً صلى الله عليه وسلم  بأي شيء, كيف وهو- فداه أبي وأمي- {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ  = 128 } [سورة التوبة 9/128] وكان نبينا صلى الله عليه وسلم  يذكر موسى عليه السلام  كثيراً ويثني على صبره ممن آذاه ويتمثل أمر الله له: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [سورة الأحقاف 46/35] وعن عبد الله بن مسعود _ قال: ((قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ذات يوم قسماً فقال رجل من الأنصار: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله قال فقلت: يا عدو الله أما لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم  بما قلت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم  فاحمر وجهه.)) ثم قال: ((رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر.)) ([849])

وفي رواية: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأصحابه: ((لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  مال فقسمه، قال: فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة. قال: فثبت حتى سمعت ما قالا ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقلت: يا رسول الله إنك قلت لنا لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم  وشق عليه ثم قال: دعنا منك لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر.)) ([850])


 المطلب الرابعة : أفتراؤهم على داود وسليمان عليهما السلام

 الآثار

 داود عليه السلام

قولـه تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ  = 78 } [سورة المائدة 5/78]

450-9601 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن حصين، عن مجاهد: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} قال: لعنوا على لسان داود عليه السلام  فصاروا قردة، ولعنوا على لسان عيسى عليه السلام  فصاروا خنازير. ([851])

قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [سورة ص 38/24].

451-22940- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أن داود حين دخل محرابه ذلك اليوم قال: لا يدخلن علي محرابي اليوم أحد حتى الليل ولا يشغلني شيء عما خلوت لـه حتى أمسي؛ ودخل محرابه ونشر زبوره يقرؤه وفي المحراب كوة تطلعه على تلك الجنينة فبينا هو جالس يقرأ زبور إذ أقبلت حمامة من ذهب حتى وقعت في الكوة فرفع رأسه فرآها فأعجبته ثم ذكر ما كان قال: لا يشغله شيء عما دخل لـه فنكس رأسه وأقبل على زبوره فتصوبت الحمامة للبلاء والاختبار من الكوة فوقعت بين يديه فتناولها بيده فاستأخرت غير بعيد فاتبعها فنهضت إلى الكوة فتناولها في الكوة فتصوبت إلى الجنينة فأتبعها بصره أين تقع فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة الله أعلم بها في الجمال والحسن والخلق؛ فيزعمون أنها لما رأته نقضت رأسها فوارت به جسدها منه واختطفت قلبه ورجع إلى زبوره ومجلسه وهي من شأنه لا يفارق قلبه ذكرها. وتمادى به البلاء حتى أغزى زوجها ثم أمر صاحب جيشه فيما يزعم أهل الكتاب أن يقدم زوجها للمهالك حتى أصابه بعض ما أراد به من الهلاك ولداود تسع وتسعون امرأة؛ فلما أصيب زوجها خطبها داود فنكحها فبعث الله إليه وهو في محرابه ملكين يختصمان إليه مثلا يضربه لـه ولصاحبه فلم يرع داود إلا بهما واقفين على رأسه في محرابه فقال: ما أدخلكما علي؟ قالا: لا تخف لم ندخل لبأس ولا لريبة {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [سورة ص 38/22] فجئناك لتقضي بيننا {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} أي احملنا على الحق ولا تخالف بنا إلى غيره؛ قال الملك الذي يتكلم عن أوريا بن حنانيا زوج المرأة: {إِنَّ هَذَا أَخِي} [سورة ص 38/23] أي على ديني {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} [سورة ص 38/23] أي احملني عليها ثم عزني في الخطاب: أي قهرني في الخطاب وكان أقوى مني هو وأعز فحاز نعجتي إلى نعاجه وتركني لا شيء لي؛ فغضب داود فنظر إلى خصمه الذي لم يتكلم فقال: لئن كان صدقني ما يقول لأضربن بين عينيك بالفأس! ثم ارعوى داود فعرف أنه هو الذي يراد بما صنع في امرأة أوريا فوقع ساجداً تائباً منيباً باكياً فسجد أربعين صباحاً صائماً لا يأكل فيها ولا يشرب حتى أنبت دمعه الخضر تحت وجهه وحتى أندب السجود في لحم وجهه فتاب الله عليه وقبل منه. ويزعمون أنه قال: أي رب هذا غفرت ما جنيت في شأن المرأة فكيف بدم القتيل المظلوم؟ قيل له: يا داود - فيما زعم أهل الكتاب - أما إن ربك لم يظلمه بدمه ولكنه سيسأله إياك فيعطيه فيضعه عنك؛ فلما فرج عن داود ما كان فيه رسم خطيئته في كفه اليمنى بطن راحته فما رفع إلى فيه طعاماً ولا شراباً قط إلا بكى إذا رآها وما قام خطيباً في الناس قط إلا نشر راحته فاستقبل بها الناس ليروا رسم خطيئته في يده.‏ ([852])

 سليمان عليهما السلام

قولـه تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ  = 101 } [سورة البقرة 2/101]

452-1364 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم  عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت؛ فذلك قوله الله: {كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}. ([853])

قولـه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [سورة البقرة 2/102] 

453-1370 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: حدثني ابن إسحاق قال: عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام  فكتبوا أصناف السحر: من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا وكذا. حتى إذا صنعوا أصناف السحر جعلوه في كتاب. ثم ختموا عليه بخاتم على نقش خاتم سليمان وكتبوا في عنوانه: "هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم". ثم دفنوه تحت كرسيه فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا فلما عثروا عليه قالوا: ما كان سليمان بن داود إلا بهذا. فأفشوا السحر في الناس وتعلموه وعلموه فليس في أحد أكثر منه في يهود. فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيما نزل عليه من الله سليمان بن داود وعده فيمن عده من المرسلين قال من كان بالمدينة من يهود: ألا تعجبون لمحمد صلى الله عليه وسلم  يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا! والله ما كان إلا ساحرا! فأنزل الله في ذلك من قولهم على محمد  صلى الله عليه وسلم . (باختصار) ([854])

454-1366 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} على عهد سليمان. قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، فيستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا. حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم، فأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة. فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب. فبعث سليمان في الناس، فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق، ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، وقال: "لا اسمع أحدا يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه". فلما مات سليمان، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف بعد ذلك خلف، تمثل الشيطان في صورة إنسان، ثم أتى نفرا من بني إسرائيل، فقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا؟ قالوا: نعم. قال: فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم فأراهم المكان. فقام ناحية، فقالوا له: فادن! قال: لا ولكني هاهنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني. فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر. ثم طار فذهب. وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب. فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم  خاصموه بها، فذلك حين يقول: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}. ([855])

455-1367 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} قالوا: إن اليهود سألوا محمدا صلى الله عليه وسلم  زمانا عن أمور من التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه فيخصهم. فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل إلينا منا. وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله جل وعز: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}. وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك، فدفنوه تحت مجلس سليمان، وكان سليمان لا يعلم الغيب، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر، وخدعوا به الناس وقالوا: هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه. فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم  بهذا الحديث. فرجعوا من عنده، وقد حزنوا وأدحض الله حجتهم. ([856])

456-1385 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن أبي بكر عن شهر بن حوشب قال: لما سلب سليمان ملكه كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان فكتبت: من أراد أن يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا ومن أراد أن يفعل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا. فكتبته وجعلت عنوانه: "هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم" ثم دفنته تحت كرسيه. فلما مات سليمان قام إبليس خطيبا فقال: يا أيها الناس إن سليمان لم يكن نبيا وإنما كان ساحرا فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته! ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه فقالوا: والله لقد كان سليمان ساحرا هذا سحره بهذا تعبدنا وبهذا قهرنا. فقال المؤمنون: بل كان نبيا مؤمنا. فلما بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم  جعل يذكر الأنبياء حتى ذكر داود وسليمان فقالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان مع الأنبياء وإنما كان ساحرا يركب الريح. فأنزل الله عذر سليمان: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} الآية. ([857])


 الدراسة

 داود عليه السلام :

نبي الله داود عليه السلام , من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وقد آتاه الله الملك والنبوة، وهو من سِبط يهوذا بن يعقوب، وقد ذكره الله في عدة آيات وقال: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [سورة الإسراء 17/55].

فبعد انقضاء المدّة التي أقامها بنو إسرائيل في التيه - وهي أربعون (40) سنة- وبعد وفاة هارون وموسى عليهما السلام ، تولى أمر بني إسرائيل نبي من أنبيائهم اسمه (يوشع بن نون عليه السلام )، فدخل بهم بلاد فلسطين، وقسم لهم الأرضين. وكان لهم تابوت يسمونه تابوت الميثاق أو "تابوت العهد"، فيه ألواح موسى عليه السلام  وعصاه ونحو ذلك ولما توفي يوشع بن نون، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ولذلك سمي الحكم في هذه المدّة: حكم القضاة.

وفي هذه المدة دبّ إلى بني إسرائيل التهاون الديني، فكثرت فيهم المعاصي، وفشا فيهم الفسق، إلى أن ضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلَّط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة لغزوات الأمم القريبة منهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من مواقعهم مع عدوهم، وكثيراً ما كان خصومهم يخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم.

وفي أواخر هذه المدّة سلب منهم "تابوت العهد"، في أحد حروبهم، وكان ممّن يدبر أمرهم في أواخر مدّة حكم القضاة نبي من أنبياء بني إسرائيل من سِبط لاوي اسمه: (صمويل)، يتصل نسبه بهارون عليه السلام .

 فطلب بنو إسرائيل من (صمويل) أن يجعل عليهم ملكاً يجتمعون عليه، ويقاتلون في سبيل الله بقيادته، وهو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [سورة البقرة 2/246].

فسأل شمويل ربه في ذلك، فأوحى الله إليه أن الله قد جعل عليهم ملكاً منهم اسمه (طالوت) من سبط بَنْيامين، وكانت قبيلة بنيامين في ذلك العهد قد أوشكت على الفناء في حرب أهلية وفتن داخلية قامت بين بني إسرائيل، فاستنكروا أن يكون طالوت ملكاً عليهم.

قال الله عز وجل : {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة 2/247]. فسألوا عن دليل رباني يدلهم على أن الله ملَّكه عليهم، فقال لهم نبيهم شمويل: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة البقرة 2/248]. وأعطاهم صمويل موعداً لمجيء التابوت تحمله الملائكة، فخرجوا لاستقباله فلما وجدوا التابوت قد جيء به حسب الموعد أذعنوا لملك طالوت، فكان أول ملك من ملوك بني إسرائيل.

 جمع طالوت صفوف بني إسرائيل، وهيأهم لمحاربة عدوهم، وخرج بهم، ثم اصطفى منهم بضعة عشر وثلاث مائة خلاصة للقتال، يقارب عددها عدد المسلمين في غزوة بدر.كما في حديث البراء _ قال: ((كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن.))

وهم الذين وصفهم الله لنا بقوله: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة 2/249].

وهؤلاء القلة هم الذين اصطفاهم طالوت للقتال ,وهي التي جاوزت النهر وواجه بها طالوت الأعداء. ثم لقي طالوت خصومه الوثنيين، وكان رئيسهم قوياً شجاعاً فرهبه بنو إسرائيل، وكان داود عليه السلام  فتى صغيراً في الجند فرأى داود جالوت وهو يطلب المبارزة معتداً بقوته وبأسه، والمقاتلون من بني إسرائيل قد رهبوه وخافوا من لقائه، وكان الملك قد وعد أن من يقتل هذا الرجل الجبار، يزوِّجه ابنته، ويجعل له الملك. فذهب داود إلى الملك طالوت وطلب منه الإِذن بمبارزة جالوت، فضنَّ به طالوت وحذره. وأقبل داود على جالوت و أخذ مقلاعه -وكان ماهراً به- وزوَّده بحجرٍ من أحجاره، ورمى به فثبت الحجر في جبهة جالوت الجبار فطرحه أرضاً، ثم أقبل إليه وأخذ سيفه وفصل به رأسه، وتمت الهزيمة لجنود جالوت بإذن الله!

قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة 2/251].

اتسعت مملكة بني إسرائيل على يد داود عليه السلام ، وآتاه الله مع الملك النبوة، وجعله رسولاً إلى بني إسرائيل يحكم بالتوراة، كما أنزل عليه (الزبور) وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب. ([858])

وقد أثنى عليه نبينا صلى الله عليه وسلم  وذكر فضل عبادته فقال: ((إن أحب الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.)) ([859])

وأهم ما ذكر الله في سيرة داود في القرآن الكريم:

إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل عليه الزبور، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، وعلمه مما يشاء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحق.

إثبات أنه قتل جالوت في المعركة التي قامت بين بني إسرائيل وعدوهم بقيادة طالوت.

إثبات أن الله أنعم عليه بنعم كثيرة منها:

أن الله آتاه الملك وشدّه له، وجعله خليفة في الأرض، وأعطاه قوةً في حكمه.

أن الله سخر الجبال والطير يسبحن معه في العشي والإِبكار.

"فقد آتاه الله صوتاً حسناً، وقدرة على الإِنشاد البديع، فهو يصدح بصوته بتسبيح الله وتحميده، ويتغنى فيه بكلام الله في الزبور في العشي والإِبكار، فترجّع الجبال معه التسبيح والتحميد، وتجتمع عليه الطير فترجع معه تسبيحاً .

أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى ولده سليمان عليه السلام  من بعده مثل ذلك.

أن الله ألان له الحديد، فهو يتصرف بَطيّه وتقطيعه ونسجه

أن الله علَّمه صناعة دروع الحرب المنسوجة من زرد الحديد.

عرض قصة الخصمين اللذين تسوّرا على داود عليه السلام ، ودخلا عليه المحراب في وقت عبادته الخاصة التي يخلو بها ولا يسمح لأحد أن يدخل عليه فيها، ففزع داود منهما، لأنهما لم يستأذنا بالدخول عليه، ولم يدخلا محرابه من بابه، فقالا له: {لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِط وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}.فأصغى لهما داود، فقال أحد الخصمين: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} - أي: ملكنيها- {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [سورة ص 38/23] أي: غلبني في المخاصمة بنفوذٍ أو بقوة,وسكت الآخر سكوت إقرار. فقال داود: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [سورة ص 38/24]. وانصرف المتسوران دون أن يعلِّقا بشيء على ما أفتى به داود. فرجع داود إلى نفسه، فعرف أن الله أرسل إليه هؤلاء القوم بهذا الاستفتاء ابتلاء، وذلك لينبهه على أمر ما كان يليق به أن يصدر منه بحسب مقامه،  {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} تائباً من ذنبه، خائفاً من ربه. هذا هو نبي الله داود الذي آته الله الملك والنبوة وآتاه الزبور فكيف ينظر إليه اليهود؟

في الآثار الكثيرة التي نقلها بعض الرواة عن أهل الكتاب قذفه عليه السلام  بالزنا والخيانة وارتكاب الموبقات ما يتنزه وصفه عن آحاد الناس فكيف بنبي الله، والروايات الكثيرة التي ساقها الإمام ابن جرير في قصة داوود عليه السلام  فيها أباطيل كثيرة، يردها الشّرع، ولايقبلها العقل، ثمّ لم يعقِّب عليها رحمه الله  بما يُفيد بطلانها!, وليته فعل مع أنها اشتملت على منكرات كثيرة، وتناقضاتٍ وخرافات غير مقبولة، هي مما أخذ عن أهل الكتاب. ([860])

فقولهم: إنّ داوود عليه السلام  اطّلع على امرأة وهي تغتسل فأعجبته، ثمّ قدّم زوجها في الحرب ليقتل، ثمّ تزوّجها ... كل ذلك مما يقدح بالأنبياء، وينفي عنهم العصمة، "وما كان لداود عليه السلام  ولا لأيّ نبيٍّ أن يسقط إلى هذا الحدّ في حمأة الشّهوة، فيزني بامرأة غيره، ويحتال على قتله إنّها لفريةٌ بلقاء مفضوحة" ([861])

وقد مدح اللّه جلّ وعلا داوود عليه السلام  في كتابه قبل ذكر هذه القصّة وبعدها بصفاتٍ عديدة وكلّها تنافي كونه عليه السلام  موصوفاً بهذا الفعل المنكر، والعمل القبيح، وتدلّ على براءة ساحته عن تلك الأكاذيب.

قال ابن كثير رحمه الله  عند تفسير هذه الآيات: "قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه." ([862])

وقال ابنُ حزم : "وهذا قولٌ صادقٌ صحيحٌ لا يدلّ على شيء ممّا قاله المستهزءون الكاذبون المتعلّقون بخرافاتٍ ولّدها اليهود، وإنّما كان ذلك الخصم قوماً من بني آدم بلا شكٍّ مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم، بغى أحدُهما على الآخر على نصِّ الآية، ومَن قال إنّهم كانوا ملائكةً معرّضين بأمر النّساء، فقد كذب على اللّه عز وجل ، وقوّله ما لم يقُلْ، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وكذّب اللّه عز وجل ، وأقرّ على نفسه الخبيثة أنّه كذّب الملائكة؛ لأنّ اللّه تعالى يقول :{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} فقال هو: لم يكونوا قطّ خصمين، ولا بغى بعضهم على بعض، ولا كان قطّ لأحدهما تسعٌ وتسعون نعجةً، ولا كان للآخر نعجة واحدة، ولا قال لـه: أكفلنيها، فاعجبوا لما يقحمون فيه أهل الباطل أنفسهم، ونعوذ باللّه من الخذلان، ثمّ كلّ ذلك بلا دليل، بل الدّعوى المجرّدة." ([863])

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله  : "وهذا الذّنب الذي صدر من داوود عليه السلام لم يذكرْه اللّه لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتّعرّض لـه من باب التّكلّف، وإنّما الفائدة ما قصّه اللّه علينا، من لطفه به، وتوبته، وإنابته، وأنّه ارتفع محلّه، فكان بعد التّوبة أحسن منه قبلها." ([864])

وأما داود عليه السلام  فالذي ورد عنه في حق بني إسرائيل في القرآن أنه لعنهم كما قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ  = 78 } [سورة المائدة 5/78] والسبب بين في كتاب الله "لعن الله الذين كفروا من اليهود بالله على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام ، ولعن والله آباؤهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام ، بما عصوا الله فخالفوا أمره وكانوا يعتدون، يقول: وكانوا يتجاوزون حدوده".([865])

وقد وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم  في حديث عبد الله بن مسعود _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} ثم قال :كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً.)) ([866]) أي لعنوا في الزبور والإنجيل؛ فإن الزبور لسان داود عليه السلام ، والإنجيل لسان عيسى عليه السلام  أي لعنهم الله في الكتابين. ([867])

وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله وأن معصيته خفيفة عليهم فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر ـ مع القدرة ـ موجباً للعقوبة لما فيه من المفاسد العظيمة. ([868])

 سليمان عليه السلام :

 وأما نبي الله سليمان عليه السلام  فهو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل بعد أبيه داود عليه السلام ، {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ = 30 } [سورة ص 38/30]. وقد انفردا من بين الرسل عليهم السلام  بأن الله آتاهما الملك والنبوة. وآتاه الله علماً، وفضله وأباه على عالمي زمانه، كما قال أبوه داود عليه السلام  من قبل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ  = 15 } [سورة النمل 27/15].

وكان داود عليه السلام  أوصى بالملك لولده سليمان عليه السلام ، وكان سليمان ممن آتاهم الله الحكمة والفطانة وحسن السياسة. واتسع ملك سليمان عليه السلام ، وحاز الشام، ثم امتد ملكه حتى كان له نفوذ على ملوك اليمن، وخضعت له ملكة سبأ، فآمنت به ودخلت في دينه وطاعته.

ومن النعم التبي خص الله به سليمان عليه السلام  ما يلي:

أن الله آتاه الملك ميراثاً من أبيه داود عليه السلام ، قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [سورة النمل 27/16].

أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى أباه داود مثل ذلك من قبله.

أن الله آتاه الحكمة والفهم والفقه على حداثة سنه، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [سورة الأنبياء 21/79]

أن الله سخَّر لسليمان عليه السلام الريح تجري بأمره حيث أراد، غُدُوُّها شهر ورواحها شهر، فإذا أرادها رخاء جرت بأمره رخاء حيث أصاب، وإذا أرادها عاصفةً جرت بأمره عاصفة إلى الأرض التي أراد فتسوق له السفن حسب إرادته، وتتجه بأمره إلى الأرض التي يوجهها إليها حسب المصالح التي يقدرها.

أن الله سخر لـه من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمر الله يذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب ([869]) وتماثيل، وجفان كالجواب، وقدور راسيات.

كما سخر لـه من الشياطين - وهم مَرَدَة الجن - من يغوصون لـه في البحار، لاستخراج ما يريد منها، ومن يبنون له المباني الضخمة، كما سلطه الله على آخرين من الشياطين إذ يكف شرهم عن الناس، وذلك بتقييدهم بالأغلال. قال الله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ  = 36  وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ  = 37  وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ  = 38 } [سورة ص 38/36-38].

أن الله سخر له الجنود من الجن والإِنس والطير، يجتمعون بأمره ويطيعونه. قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ  = 17 } [سورة النمل 27/17].

أن الله أسال لـه عين القِطر - وهو النحاس - فكان النحاس يتدفق له مذاباً من عين خاصةٍ كتدفق الماء.

ومن الأحداث التي جرت لسليمان عليه السلام ، قصته مع ملكة سبأ، كما في سورة النمل. والله أعلم ([870])

وحين يذكر اليهود سليمان عليه السلام , يذكره كثير منهم, على أنه ملك أو ساحر ([871]) ، كما في جرأة اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم  بقولهم (ألا تعجبون لمحمد يزعم أن سليمان بن داود كان نبياً! والله ما كان إلا ساحراً)

وذمهم الله باتباعهم السحر ثم نسبته إلى نبي الله سليمان عليه السلام , واختلف هل المذموم اليهود الذين كانوا على عهد سليمان عليه السلام , أم المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم ، والصواب أنه للجميع؛ "لأن المتبعة ما تلته الشياطين في عهد سليمان عليه السلام  وبعده إلى أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم  بالحق وأمر السحر لم يزل في اليهود.. وكل متبع ما تلته الشياطين على عهد سليمان من اليهود داخل في معنى الآية." ([872])

قال تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْْ} [سورة البقرة 2/102]

 فاليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلو الشياطين وتختلق من السحر على ملك سليمان حيث أخرجت الشياطين للناس السحر وزعموا أن سليمان عليه السلام  كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم، وهم كذبة في ذلك فلم يستعمله سليمان بل نزهه الله {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} أي بتعلم السحر فلم يتعلمه {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ} بذلك{يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم، وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق أنزل عليهما السحر امتحاناً وابتلاء من الله لعباده فيعلمانهم السحر، وما يعلمان من أحد حتى ينصحاه ويقولا: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْْ} أي لا تتعلم السحر فإنه كفر، فينهيانه عن السحر ويخبرانه عن مرتبته فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال، ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام  وتعليم الملكين امتحاناً مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة، فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين والسحر الذي يعلمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين، وكل يصبو إلى ما يناسبه. ([873])

وصرح في الآية بتسمية من يعلم الناس السحر في مدينة بابل: أنهما هاروت وماروت وليس غيرهما كما يزعم بعض اليهود، "لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل عليهما السلام  إلى سليمان بن داود عليه السلام . فأكذبها الله بذلك وأخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم  أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط، وبرأ سليمان عليه السلام  مما نحلوه من السحر، فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تعلم الناس ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان اسم أحدهما هاروت واسم الآخر ماروت؛ فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة على الناس ورداً عليهم." ([874])

ويلاحظ في الآية أنها نفت الكفر عن سليمان عليه السلام  وليس السحر؟ ولم يصفه أحد بالكفر صراحة.

والسبب - والله أعلم - أن الشياطين كانوا ينسبون السحر لسليمان عليه السلام  فيحسنونه للناس فيقبلون عليه,كما أنها تجعل بعضهم يكرهه لأجل ذلك ويعتبرونه ساحراً لا رسولاً, ولذلك نفى الله الكفر عن سليمان لأنه نتيجة السحر وهو ليس بساحر كما تفتري عليه اليهود.

وأما تفاصيل القصة المذكورة في من يعلم الناس السحر فقد قال ابن كثير رحمه الله : "وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال." ([875])

 ما ورد في فتنة سليمان

عرض القرآن الكريم لقصّة فتنة سليمان عليه السلام ، وإلقاء الجسد على كرسيه، وذلك في قولـه تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ  = 34 } [سورة ص 38/34 وعلى كثرة الآثار الواردة عن السلف في ماهية هذه الفتنة إلا أنه لم يثبت بخبرٍ صحيح الأمر الذي فتن الله به سليمان، ولا المراد من قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}. وقد ذكر المفسرون عدة وجوه يحتملها النص، ولكن لا سبيل إلى الجزم بواحد منها، وحكوا في ذلك قصصاً لا أصل لها! ([876])

وقد استأنس بعض المفسرين في شرح المراد من هذه الآية بما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((أن سليمان عليه السلام  قال: لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. قال  صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون.)) ([877])

فلعل المراد من فتنة سليمان عليه السلام  ابتلاؤه بما آتاه الله من ملك عظيم، ونساء كثيرات حرائر وإماء، وتمنيه أن يكون له من صلبه أولاد كثيرون يقاتلون في سبيل الله، ، ونسيانه تعليق ذلك على مشيئة الله تعالى، وذلك إذ أخذ على نفسه أن يطوف في ليلة واحدة على عدد كبير من نسائه، تأتي كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله، وتجاوز بذلك حدود بشريته، ونسي أن يفوض تحقيق الأمر إلى مشيئة الله تعالى، فجوزي على هذا بأن النساء اللواتي طاف عليهن لم يحملن منه إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. قالوا: فلعل هذا الشق هو المراد من قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ  = 34 } [سورة ص 38/34]، فلما رأى سليمان ذلك رجع إلى ربه وأناب، وقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ  = 35 } [سورة ص 38/35] ([878])

 تنبيه

وردت آثار كثيرة في ذكر جملة من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام  مثل (إلياس, شمويل, إرميا, أشعيا) وهناك اختلاف كبير في تسميتهم, وثبوت ما يرد في حقهم و هذا من الإسرائيليات,كما قال ابن كثير عقب نقله فقراتٍ من هذه الرّوايات عن بعض الأنبياء : "ففي هذا نظرٌ، وهو من الإسرائيليّات التي لا تصدّق ولا تكذّب، بل الظّاهر أنّ صِحّتَها بعيدةٌ. واللّه أعلم" ([879]) وقد أعرضت عن إيرادها, اكتفاءًَ بذكر أهم ما ورد عن أبرز أنبياء بني إسرائيل وكيف عاملهم قومهم ([880]) , والموضوع يطول لو استقصي وفيما ذكر - مع التقصير- دال على غيره والله أعلم.


 الفصل الخامس : الآثار الواردة في عقيدة اليهود في الإيمان باليوم الآخر.

 الآثار:

 المبحث الأول : وروده في شريعتهم:

قولـه تعالى: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى  = 73 } [سورة طـه 20/73] 

457-18269 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} خير منك ثواباً، وأبقى عذاباً. ([881])

458-18270 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب، ومحمد بن قيس في قول الله: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} قالا: خيراً منك إن أطيع، وأبقى منك عذاباً إن عصي. ([882])

459-18271 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [سورة طـه 20/75] قال: عدن. ([883])


 المبحث الثاني:زعمهم أن ذنوبهم مغفورة في الآخرة

قولـه تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ  = 169 } [سورة الأعراف 7/169]

460-11902 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}.. إلى قوله: {وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيا إلا ارتشى في الحكم. وإن خيارهم اجتمعوا فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا، فجعل الرجل منهم إذا استقضي ارتشى، فيقال له: ما شأنك ترتشي في الحكم؟ فيقول: سيغفر لي! فيطعن عليه البقية الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع. فإذا مات أو نزع، وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي، يقول: وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه. وأما عرض الأدنى، فعرض الدنيا من المال. ([884])

461-11903 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} يقول: يأخذون ما أصابوا، ويتركون ما شاؤوا من حلال أو حرام، ويقولون: سيغفر لنا. ([885])

462-11904 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى} قال: الكتاب الذي كتبوه، ويقولون: {سَيُغْفَرُ لَنَا} لا نشرك بالله شيئا. {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} يأتهم المحق برشوة، فيخرجوا له كتاب الله ثم يحكموا له بالرشوة. وكان الظالم إذا جاءهم برشوة أخرجوا له المثناة، وهو الكتاب الذي كتبوه، فحكموا له بما في المثناة بالرشوة، فهو فيها محق، وهو في التوراة ظالم، فقال الله: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} ([886])


 المبحث الثالث : إيمانهم بالموت والبعث

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [سورة الأعراف 7/187]

463-11999 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس  رضي الله عنهما ، قال: قال حمل بن أبي قشير وسمول بن زيد لرسول الله  صلى الله عليه وسلم : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول، فإنا نعلم متى هي ! فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي}.. إلى قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} ([887])

قولـه تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ  = 96 } [سورة البقرة 2/96] 

464-1318 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد فيما يروي أبو جعفر، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما ضيع مما عنده من العلم. ([888])

465-1322 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} حتى بلغ: {لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} يهود أحرص من هؤلاء على الحياة، وقد ود هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة. ([889])

466-1328 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ} فهم الذين عادوا جبريل عليه السلام . ([890])

قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ  = 13 }

467-26376- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}... الآية، قال: قد يئس هؤلاء الكفار من أن تكون لهم آخرة، كما يئس الكفار الذين ماتوا الذين في القبور من أن تكون لهم آخرة، لما عاينوا من أمر الآخرة، فكما يئس أولئك الكفار، كذلك يئس هؤلاء الكفار؛ قال: والقوم الذين غضب الله عليهم، يهودهم الذين يئسوا من أن تكون لهم آخرة، كما يئس الكفار قبلهم من أصحاب القبور، لأنهم قد علموا كتاب الله وأقاموا على الكفر به، وما صنعوا وقد علموا. ([891])

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 94 } [سورة البقرة 2/94]

468-1296-حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. ([892])

469-1308 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: {فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} وكانت اليهود أشد فرارا من الموت، ولم يكونوا ليتمنوه أبداً. ([893])


 المبحث الرابع : إيمانهم بالحساب

قولـه تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  = 75 } [سورة آل عمران 3/75]

470-5744 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} قال: يقال له: ما بالك لا تؤدي أمانتك؟ فيقول: ليس علينا حرج في أموال العرب، قد أحلها الله لنا. ([894])

471-5748 -حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صعصعة، قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إنا نغزو أهل الكتاب، فنصيب من ثمارهم؟ قال: وتقولون كما قال أهل الكتاب: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ([895])

472-5749 -حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق الهمداني، عن صعصعة: أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما  فقال: إنا نصيب في الغزو - أو العذق، الشك من الحسن - من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة، فقال ابن عباس: فتقولون ماذا؟ قال نقول: ليس علينا بذلك بأس. قال: هذا كما قال أهل الكتاب: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم. ([896])


 المبحث الخامس : إيمانهم بالجنة والنار

قوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموت والأرض} [سورة آل عمرن 3/133] 

473-6213 -حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا جعفر بن عون، أخبرنا الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر _، فقال: تقولون: جنة عرضها السموات والأرض أين تكون النار؟ فقال له عمر: أرأيت النهار إذا جاء، أين يكون الليل؟ أرأيت الليل إذا جاء، أين يكون النهار ؟ فقال: إنه لمثلها في التوراة، فقال له صاحبه: لم أخبرته؟ فقال له صاحبه: دعه إنه بكل موقن. ([897])

474-6214 -حدثني أحمد بن حازم، قال: أخبرنا أبو نعيم، قال: ثنا جعفر بن برقان، قال: ثنا يزيد بن الأصم أن رجلا من أهل الكتاب أتى ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال: تقولون جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال ابن عباس: أرأيت الليل إذا جاء، أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار، أين يكون الليل؟ ([898])

قولـه تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ  = 111 } [سورة البقرة 2/111] 

475-1493 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} قال: أماني تمنوا على الله بغير الحق. ([899])

476-1157 حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} [سورة البقرة 2/80] قال: قالت اليهود: إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة، حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقتنا، نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل، فلذلك أمرنا أن نختتن. قالوا: فلا يدعون منا في النار أحداً إلا أخرجوه. ([900])

477-1158-حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: قالت اليهود: أن ربنا عتب علينا في أمرنا، فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة، ثم يخرجنا. فأكذبهم الله. ([901])


 الدراسة:

الإيمان باليوم الآخر وما فيه أمر بُعث به جميع الرسل قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [سورة البقرة 2/177]

وقال عن السابقين لبعثة محمد {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ  = 62 } [سورة البقرة 2/62]

ودعوة موسى إلى بني إسرائيل لا تخرج عن هذا فالآيات التي فيما يقوله موسى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى  = 55 } [سورة طـه 20/55]

وما ذكره الله عنهم يدل على إيمانهم بالبعث, والجنة والنار, وأنهم لن يدخلوها إلا أربعين يوماً, وأن الجنة مقصورة عليهم, وأن أولادهم سيشفعون لهم, إلى غير ذلك مما تناولناه مفصلاً في فصول سابقة، ولكن المؤلفين في اليهود واليهودية، ومعتقداتهم, يذكرون عدم إيمانهم باليوم الآخِر, وخلو كتبهم المعتمدة منه سواء, التوراة المحرفة أو ما دونها "فقد خلت الكتب الإسرائيلية من ذكر البعث واليوم الآخر، فالأرض السفلى هي الهاوية التي تهوي بالأجسام بعد الموت، ولا نجاة منها لميت، وأن الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد." ([902])

وهذا مستغرب على أهل ديانة حكى الله عنهم كلامهم في البعث والجنة والنار وخاصة المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم  حين قال بعضهم: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً كما تقول، فإنا نعلم متى هي. وفي حديث ثوبان _ ، قال: سأل حبر من اليهود رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فقال: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال: ((هم في الظلمة دون الجسر.)) ([903]) وفي رواية أبي أيوب _ قال: ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم  حبر من اليهود، وقال: أرأيت إذ يقول الله في كتابه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ  = 48 } فأين الخلق عند ذلك؟)) قال: ((أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه.)) ([904]) وكما روي عن سلمة بن سلامة بن وقش _ قال: ((كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال فخرج علينا يوماً من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل قال سلمة:- وأنا يومئذ حدث علي بردة لي مضطجع فيها بفناء أهلي- فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار، قال فقال ذلك في أهل يثرب والقوم أصحاب أوثان لا يرون بعثاً كائناً عند الموت، فقالوا لـه ويحك أترى هذا كائناً يا فلان إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى جنة ونار، ويجزون فيها بأعمالهم، قال: نعم والذي يحلف به، قالوا يا فلان ويحك وما آية ذلك، قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده إلى مكة، قالوا ومتى نراه قال فنظر إلي وأنا أصغرهم سناً فقال إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تبارك وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر بغياً وحسداً فقلنا لـه :ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت، قال: بلى ولكنه ليس به.)) ([905])

و يقول العلامة صديق حسن خان رحمه الله  في معرض الكلام عن الإيمان باليوم الآخر عند أهل الكتاب قال: "كما يحكى ذلك عن كتب الله المنزلة على رسله وتحكيه أيضاً كتبهم المؤلفة من أحبارهم ورهبانهم فإنه لا خلاف بينهم في المعاد وفي النعيم المعد لأهل الجنة كما حكاه الكتاب العزيز وقد أوردنا ...كثيراً من نصوص التوارة والإنجيل والزبور وسائر كتب نبوات بني إسرائيل ولم يشذ منهم إلا اليهودي الزنديق موسى بن ميمون الأندلسي وقد تبرأ منه قدماء اليهود وأخرجوه من دينهم." ([906])

و في القرآن الكريم لا تكاد تخلو سورة من ذكر متعلّقاته أو التذكير بها، من بعث وحساب وجزاء، وما يليه من عقاب وثواب. وانعدام إيمانهم باليوم الآخر، أوجد لديهم الصفات السلبية، التي اتصفوا بها على مرّ العصور، مثل الحرص على الحياة، والجبن، والبخل، والسعي وراء الكسب المادي، وانعدام المبادئ والقيم والصفات البشرية المحمودة.

والذي توضحه النصوص: أنهم يعرفونه و يجحدونه فعدم عملهم له وظهور ذلك في تصرفاتهم من معصية لله وكتابه ورسوله : هو عدم الإيمان به، ومهما بذلوا وحرصوا على هذه الدنيا فنهايتهم كما قال الله عز وجل : {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة 2/96]


 الباب الثالث :الآثار الواردة عن السلف في موقف اليهود من النصرانية والإسلام

وفيه فصلان

الفصل الأول: الآثار الواردة في موقف اليهود من النصرانية.

الفصل الثاني: الآثار الواردة في موقف اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم  والمسلمين.


 الفصل الأول: الآثار الواردة في موقف اليهود من النصرانية

وفيه ثلاثة مباحث:

 المبحث الأول: موقفهم من مريم-عليها السلام-

 الآثار:

 مكانة مريم:

قولـه تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍٍ} [سورة آل عمران 3/37]

478-5432 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال الله عز وجل : {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} فانطلقت بها أمها في خرقها - يعني أم مريم - بمريم حين ولدتها إلى المحراب - وقال بعضهم: انطلقت حين بلغت إلى المحراب - وكان الذين يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان يجربونه اقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذ وكان بينهم، وكانت خالة مريم تحته. فلما أتوا بها اقترعوا عليها، وقال لهم زكريا: أنا أحقكم بها تحتي خالتها، فأبوا. فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقو أقلامهم التي يكتبون بها، أيهم يقوم قلمه فيكفلها. فجرت الأقلام وقام قلم زكريا على قرنته كأنه في طين، فأخذ الجارية؛ وذلك قول الله عز وجل : {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} فجعلها زكريا معه في بيته، وهو المحراب. ([907])

479-5449 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً} قال: كنا نحدث أنها كانت تؤتى بفاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء. ([908])

480-5456 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، قال: كفلها بعد هلاك أمها، فضمها إلى خالتها أم يحيى، حتى إذا بلغت، ادخلوها الكنيسة لنذر أمها الذي نذرت فيها، فجعلت تنبت وتزيد، قال ثم أصابت بني، إسرائيل، أزمة، وهي على ذلك من حالها حتى ضعف زكريا عن حملها، فخرج على بني إسرائيل، فقال، يا بني إسرائيل أتعلمون، والله لقد ضعفت عن حمل ابنة عمران! فقالوا: ونحن لقد جهدنا وأصابنا من هذه السنة ما أصابكم. فتدافعوها بينهم، وهم لا يرون لهم من حملها بداً. حتى تقارعوا بالأقلام، فخرج السهم بحملها على رجل من بني إسرائيل نجار يقال له جريج، قال: فعرفت مريم في وجهه شدة مؤنة ذلك عليه، فكانت تقول له: يا جريج أحسن بالله الظن، فإن الله سيرزقنا! فجعل جريج يرزق بمكانها، فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها، فإذا أدخله عليها وهي في الكنيسة أنماه الله وكثره، فيدخل عليها زكريا فيرى عندها فضلا من الرزق وليس بقدر ما يأتيها به جريج، فيقول: يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. ([909])

قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنْ السَّمَاءِ} [سورة النساء 4/153].

481-8524 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: أنزل الله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنْ السَّمَاءِ}... إلى قوله: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} فلما تلاها عليهم - يعني على اليهود - وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة، جحدوا كل ما أنزل الله، وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، ولا على موسى، ولا على عيسى، وما أنزل الله على نبي من شيء. (باختصار) ([910])

قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ  = 42 } [سورة آل عمران 3/42] 

482-5535 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريح: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} قال: ذلك للعالمين يومئذ.

483-5536 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: كانت مريم حبيساً في الكنيسة، ومعها في الكنيسة غلام اسمه يوسف، وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيراً حبيسا، فكانا في الكنيسة جميعاً، وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف، أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المفازة التي فيها الماء الذي يستعذبان منه، فيملآن قلتيهما، ثم يرجعان إلى الكنيسة، والملائكة في ذلك مقبلة على مريم: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} فإذا سمع ذلك زكريا، قال: إن لابنة عمران لشأناً. ([911])

 اتهامها بالزنا

قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً  = 22 } [سورة مريم 19/22]

484-17785 - حدثنا محمد بن سهل ، قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : لما اشتملت مريم على الحمل ، كان معها قرابة لها ، يقال له يوسف النجار ، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم ، فكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد ، في ذلك الزمان ، وكان لخدمته فضل عظيم ، فرغبا في ذلك ، فكانا يليان معالجته بأنفسهما ، تحبيره وكناسته وطهوره ، وكل عمل يعمل فيه ، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحد أشد اجتهاداً وعبادة منهما ، فكان أول من أنكر حمل مريم صاحبها يوسف؛ فلما رأى الذي بها استفظعه، وعظم عليه، وفظع به، فلم يدر على ماذا يضع أمرها، فإذا أراد يوسف أن يتهمها، ذكر صلاحها وبراءتها، وأنها لم تغب عنه ساعة قط؛ وإذا أراد أن يبرئها، رأى الذي ظهر عليها؛ فلما اشتد عليه ذلك كلمها، فكان أول كلامه إياها أن قال لها : إنه قد حدث في نفسي من أمرك أمر قد خشيته، وقد حرصت على أن أميته وأكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، فرأيت الكلام فيه أشفى لصدري، قالت: فقل قولاً جميلاً، قال: ما كنت لأقول لك إلا ذلك، فحدثيني، هل ينبت زرع بغير بذر؟ قالت: نعم، قال: فهل تنبت شجرة من غير غيث يصيبها ؟ قالت: نعم، قال: فهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت: نعم، ألم تعلم أن الله تبارك وتعالى أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، والبذر يومئذ إنما صار من الزرع الذي أنبته الله من غير بذر؛ أو لم تعلم أن الله بقدرته أنبت الشجر بغير غيث، وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة للشجر بعد ما خلق كل واحد منهما وحده، أم تقول: لن يقدر الله على أن ينبت الشجر حتى استعان عليه بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباته؟ قال يوسف لها: لا أقول هذا، ولكني أعلم أن الله تبارك وتعالى بقدرته على ما يشاء يقول لذلك كن فيكون، قالت مريم: أو لم تعلم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته من غير أنثى ولا ذكر؟ قال: بلى، فلما قالت له ذلك، وقع في نفسه أن الذي بها شيء من الله تبارك وتعالى، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها لذلك. (باختصار) ([912])

قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} [سورة مريم 19/27]

485-17842 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما ولدته ذهب الشيطان، فأخبر بني إسرائيل أن مريم قد ولدت، فأقبلوا يشتدون، فدعوها {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} ([913])

486-17846 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: لما رأوها ورأوه معها، قالوا: يا مريم {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} أي الفاحشة غير المقاربة. ([914])

487-17847 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [سورة مريم 19/28] قال: كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل يسمى هارون، فشبهوها به، فقالوا: يا شبيهة هارون في الصلاح. ([915])

488-17859 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أشارت لهم إلى عيسى غضبوا، وقالوا: لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبي أشد علينا من زناها {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [سورة مريم 19/29] ([916])

قوله تعالى : {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً  = 156 } [سورة النساء 4/156] 

489-8481 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} يعني أنهم رموها بالزنا. ([917])

490-8482 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي: قوله: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} حين قذفوها بالزنا. ([918])

491-8483 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يعلى بن عبيد، عن جويبر في قوله: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} قال: قالوا زنت. ([919])


 الدراسة:

ذكر الله فضل بيت طاهر طيب وهم: آل عمران بقوله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران 3/33] والمراد بعمران هذا: والد مريم عليها السلام، ثم بين أصل ميلاد مريم وكيف كان من أمرها وكيف حملت بولدها عيسى عليه السلام  بما قصه علينا في سورتي: آل عمران ومريم

وقد استجاب الله دعاء امرأة عمران كما في الحديث الصحيح: عن أبي هريرة _ قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم  يقول: ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها.)) ثم يقول أبو هريرة _ {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سورة آل عمران 3/36] ([920]) وفي رواية ((كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان بحضنيه الا ما كان من مريم وابنها ألم تروا إلى الصبي حين يسقط كيف يصرخ قالوا بلى يا رسول الله قال فذاك حين يلكزه الشيطان بحضنيه.)) ([921])

وقد فضل الله مريم وكرمها على نساء العالمين, بل جعلها الله من كمل النساء القليلات كما قال صلى الله عليه وسلم : ((خير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة.)) وفي رواية: ((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.)) ([922])

وقد منّ الله عليها أن جعلها صديقة بقوله تعالى: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [سورة المائدة 5/75] ([923]) ، ثم جعل لها الكرامة العظيمة حين انفردت بالحمل من غير زوج، ورزقها بنبي من أولى العزم من الرسل, ولكن حين أتت به قومها من بني اسرائيل تحمله اتهموها بقولهم: {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} فأنطق الله عبده ورسوله عيسى، وكان أول كلام تفوه به {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [سورة مريم 19/30] ، اعترف لربه تعالى بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله بل هو عبده ورسوله وابن أمته، ثم برأ أمه مما نسبه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: {آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} [سورة مريم 19/30] .

قال ابن كثير رحمه الله : "فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا كما قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً  = 156 } [سورة النساء 4/156] وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنا في زمن الحيض، فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة، واتخذ ولدها نبياً مرسلاً أحد أولي العزم الخمسة الكبار" ([924])

وكما هي عادة اليهود فقد وصل أذاهم إلى أم نبي الله عيسى عليه السلام  آخر أنبياء بني إسرائيل وسمى الله ماقالوه فيها: {بُهْتَاناً عَظِيماً} فيزعمون :أنها فجرت, وزنت, مع يوسف النجار الذي كان معها يتعبد في المحراب كما ورد في بعض الآثار. ([925])

والبهتان العظيم هو التعريض لها أي قولهم: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [سورة مريم 19/28] أي أنت بخلافهما وقد أتيت بهذا الولد وفقولهم: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} [سورة مريم 19/27] جوابه {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} [سورة النساء 4/156] ([926])

وقد أوضح الله براءتها مع بيان سبب حملها بعيسى عليه السلام  من غير زوج وذلك في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً  = 16  فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً  = 17  قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً  = 18  قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً  = 19  قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً  = 20  قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً  = 21  فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً  = 22  فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً  = 23 } [سورة مريم 19/16-23] إلى آخر الآيات

ومن الآيات التي بين الله فيها براءتها قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ  = 91 } [سورة الأنبياء 21/91]

وقولـه تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ  = 12 } [سورة التحريم 66/12] 

وقولـه تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ  = 59 } [سورة آل عمران 3/59] ([927])


 المبحث الثاني: موقفهم من عيسى صلى الله عليه وسلم عليه السلام  والنصارى :

 الآثار:

قولـه تعالى: {إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة آل عمران 3/45].

492-5557 - حدثني به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: {إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} أي هكذا كان أمره، لا ما يقولون فيه. ([928])

قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [سورة النساء 4/159].

493-8511 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا الحكم بن عطية، عن محمد بن سيرين: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: موت الرجل من أهل الكتاب. ([929])

494-حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس من يهودي ولا نصراني يموت حتى يؤمن بعيسى ابن مريم. فقال له رجل من أصحابه: كيف والرجل يغرق، أو يحترق، أو يسقط عليه الجدار، أو يأكله السبع؟ فقال: لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الإيمان بعيسى. ([930])

قوله تعالى: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [سورة آل عمران 3/49] 

495-5577 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي تحقق بها نبوتي وأني رسول منه إليكم. ([931])

قوله تعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ  = 49 } [سورة آل عمران 3/50]

496-5593 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء بن أبي رباح يعني قوله: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ}قال: الطعام والشيء يدخرونه في بيوتهم غيبا علمه الله إياه.([932])

قوله تعالى: {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [سورة آل عمران 3/50]  

497-5599- حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن عيسى كان على شريعة موسى عليه السلام ، وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس، فقال لبني إسرائيل: إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وأضع عنكم من الآصار. ([933])

498-5603- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} أي لما سبقني منها، {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ = 50 } أي أخبركم أنه كان حراما عليكم، فتركتموه، ثم أحله لكم تخفيفا عنكم، فتصيبون يسره وتخرجون من تباعته. ([934])

499-5604- حدثني محمد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ = 50 } قال: كان حرم عليهم أشياء، فجاءهم عيسى ليحل لهم الذي حرم عليهم، يبتغي بذلك شكرهم. ([935])

قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [سورة آل عمران 3/51]

500-5606 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ = 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} تبرياً من الذي يقولون فيه، يعني ما يقول فيه النصارى واحتجاجا لربه عليهم، فاعبدوه، و {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أي الذي هذا قد حملتكم عليه وجئتكم به.([936])

501-5611 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ} قال: كفروا وأرادوا قتله، فذلك حين استنصر قومه، قال: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران 3/52] ([937])

قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ  = 54 }[سورة آل عمران 3/54] 

502-5618 -حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثم إن عيسى سار بهم: يعني بالحواريين الذين كانوا يصطادون السمك، فآمنوا به واتبعوه إذ دعاهم حتى أتى بني إسرائيل ليلا فصاح فيهم، فذلك قوله: {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [سورة الصف 61/14] ([938])

503-5619 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثم إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت، فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة، فأخذها رجل منهم، وصعد بعيسى إلى السماء، فذلك قوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فلما خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أن عيسى قد صعد به إلى السماء، فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدة، ويرون صورة عيسى عليه السلام  فيهم فشكوا فيه، وعلى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى، وصلبوه، فذلك قول الله عز وجل : {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [سورة النساء 4/157] ([939])

قولـه تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونََ} [سورة آل عمران 3/55]

504-5624 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح أن كعب الأحبار، قال: ما كان الله عز وجل  ليميت عيسى ابن مريم، إنما بعثه الله داعياً ومبشراً يدعو إليه وحده، فلما رأى عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذبه، شكا ذلك إلى الله عز وجل ، فأوحى الله إليه: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} وليس من رفعته عندي ميتاً، وإني سأبعثك على الأعور الدجال، فتقتله، ثم تعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة، ثم أميتك ميتة الحي. ([940])

505-5635 - حدثني محمد بن سنان قال: ثنا أبو بكر الحنفي عن عباد عن الحسن في قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: طهره من اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه. ([941])

قولـه تعالى: {النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة الأعراف 7/159]

506-11842 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: قال مجاهد قوله: {الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} قال: عيسى ابن مريم عليه السلام . ([942])

507-23930- حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن قتادة {مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [سورة الزخرف 43/60] أحسبه قال: آية لبني إسرائيل. ([943])


 المبحث الثالث: موقفهم من النصارى :

 الآثار:

قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة 2/145]

508-2076 - حدثني موسى قال: ثنا عمرو قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سورة البقرة 2/177] يقول: هم اليهود والنصارى. يقول : هم في عداوة بعيدة. ([944])

قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا} [سورة آل عمران 3/55]

509-5641 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: الذين كفروا من بني إسرائيل. {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} قال: الذين آمنوا به من بني إسرائيل وغيرهم {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة قال: فليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهم فوق يهود في شرق ولا غرب هم في البلدان كلها مستذلون. ([945])

قوله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة التوبة 9/31]

510-12918- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {يُضَاهِئُونَ} ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم. ([946])

قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} [سورة البروج 85/4]

511-28550- حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} يزعمون أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالاً ونساء، فخدوا لهم أخدوداً، ثم أوقدوا فيها النيران، فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار. ([947])


 الدراسة

 موقف اليهود من عيسى عليه السلام  وأمه:

جاء عيسى عليه السلام  إلى الدنيا على خلاف ما جرت به عادة النساء غير أمه, حيث ولد بلا أب, كان هذا أمراً عجيباً. اتخذ اليهود مولده, الذي لم تستطع عقولهم القاصرة وقلوبهم المنكرة أن تستوعبه, مدعاة للطعن فيه, واعتقدوا أن المسيح عليه السلام  ولد من الفحشاء، وأن مريم أتت به بطريق بشري غير شرعي في الحيض.

 وهذا الأمر ليس غريباً على اليهود الذين تطاولوا على خالقهم، وقتلوا أنبياءهم، ورموهم بالعظائم, وقد تقدم تبرئة الله لأمه، ومعجزته في ولادته عليه السلام .

وقد أجرى الله تعالى على يده كثيراً من المعجزات، وذكر القرآن أمر رسالته ومعجزاته فقال: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)} [سورة آل عمران 3/49]

ولما رأى اليهود المعجزات واضحة مؤثرة، من إحياء الموتى, وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من المعجزات العظيمة، ورأوا إقبال الناس على الدعوة وإيمانهم، جحدوا رسالته، وأنكروا دعوته وحاولوا صد الناس عنه بتكذيبه مرة، وبتهديده مرة، مع أن الذي صرح به المسيح عليه السلام  أنه غير مبدل لما عندهم، بل يخفف عنهم الأغلال التي كانت عليهم، ومبشراً بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم  من بعده، ولكن اليهود ناصبوه العداء، ولعل الذي دفع اليهود إلى هذا الموقف من عداءٍ للمسيح عليه السلام  هو اتباع الهوى الذي لازمهم، فتعاليم المسيح القويمة عاكست اتجاههم، وخالفت هوى نفوسهم، ومعلوم عنهم أنهم كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوه أو قتلوه، ولما رأى اليهود أن كل هذه السبل التي سلكوها لم توقف مدَّ هذه الدعوة تآمروا على نهاية المسيح كعادتهم مع من قتلوا من الأنبياء. لما عجزوا عن مقاومة هذه الدعوة قرروا أن يضعوا حداً لها، فقد أجمعوا على قتله وصلبه.

قال ابن كثير رحمه الله : في قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} [سورة النساء 4/157] "أي رأوا شبهه فظنوه إياه ولهذا قال: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} يعني بذلك من ادعى أنه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من النصارى كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر ولهذا قال: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} أي وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين."

ثم قال رحمه الله : "فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه: إيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب شاب منهم فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب، فقال: أنت هو، وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو، وفتحت دوزنة من سقف البيت وأخذت عيسى عليه السلام  سنة من النوم فرفع إلى السماء وهو كذلك، كما قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [سورة آل عمران 3/55] فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه. وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فقد ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم. ([948])

واليهود يفتخرون بصلب المسيح (زعموا) وأنه دجال استحق القتل فقتل كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [سورة النساء 4/157]

وأما قولـه تعالى:{وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)} [سورة النساء 4/159]

فقد ورد في المقصود عدة أقوال: أصحها: أي قبل موت عيسى عليه السلام , ويوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال فتصير الملل كلها واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام  وهو قول: قتادة وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ورجحه الطبري وابن كثير وابن حجر. ([949])

 موقف اليهود من النصارى:

يصور القرآن الكريم نظرة كل فريق للآخر، وموقف كل قوم من الآخرين فيقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)} [سورة البقرة 2/113]

وسبب نزول الآية:حين قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم  فأتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت كل فرقة منهم للأخرى لستم على شيء، فنزلت الآية.

قال الرازي: "اختلفوا فيمن هم الذين عناهم الله تعالى أهم الذين كانوا من بعثة عيسى عليه السلام  أو في زمن محمد عليه السلام  والظاهر الحق أنه لا دليل في الظاهر عليه وإن كان الأولى أن يحمل على كل اليهود وكل النصارى بعد بعثة عيسى عليه السلام  ولا يجب لما نقل في سبب الآية أن يهودياً خاطب النصارى بذلك فأنزل الله هذه الآية أن لا يراد بالآية سواه إذا أمكن حمله على ظاهره، وقوله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ} يفيد العموم فما الوجه في حمله على التخصيص، ومعلوم من طريقة اليهود والنصارى أنهم منذ كانوا فهذا قول كل فريق منهما في الآخر. ([950])

وبعد رفع الله لنبيه عيسى عليه السلام  تسلط اليهود على محاربة المسيحية وأتباعها، وانتهزوا كل فرصة واتتهم لذبح النصارى وتعاونوا مع الرومان والفرس والبيزنطيين في ذلك.

ومما ورد في ذلك قصة أصحاب الأخدود التي قال تعالى فيها: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)} [سورة البروج 85/4-8]

روي أن "ذو نواس ([951]) بلغه أن بنجران قوماً من النصارى فسار إليهم بجنود، ثم دعاهم إلى اليهودية وتَرْك دين عيسى ابن مريم عليه السلام وخيرهم بين الدخول في اليهودية أو القتل، فاختاروا القتل على مفارقة دين عيسى عليه السلام , فاشتد غضبه فأمر بخد الأخدود لهم ثم ملأها بالنيران، وأخذ يقذف في نيران الأخدود، فقتل منهم بشراً كثيراً بلغوا قريباً من عشرين ألفاً". ([952]) وعلى قول أنهم المعنيون في الحديث الصحيح في قصة الغلام والراهب. ([953])

وهكذا تستمر العداوة بين اليهود والنصارى إلى يومنا هذا، وإن ظهر غير ذلك في بعض الأزمان ولكن العداوة بينهم أبدية، إلا أن تكون ضد الإسلام. ([954])


 الفصل الثاني: الآثار الواردة في موقف اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم  والمسلمين

 المبحث الأول: الآثار الواردة في موقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم

 المطلب الأول: الآثار الواردة في موقف اليهود قبل الهجرة

 تعاونهم مع قريش

 الآثار:

قولـه تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51)} [سورة النساء 4/51]

512-7735- حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير عن ليث عن مجاهد قال: الجبت كعب بن الأشرف والطاغوت: الشيطان كان في صورة إنسان. ([955])

513-7736 - حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا ابن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم. قالوا: ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية؟ قال: أنتم خير منه. قال: فأنزلت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [سورة الكوثر 108/3] وأنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ}إلى قوله: {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [سورة النساء 4/53] 

514-7740 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عمن قاله قال: أخبرني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع صلى الله عليه وسلم  والربيع بن أبي الحقيق صلى الله عليه وسلم  وأبو عامر ووحوح بن عامر وهوذة بن قيس؛ فأما وحوح وأبو عامر وهوذة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير. فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه! فأنزل الله فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ} ([956])

515-17230 - حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني شيخ من أهل مصر ، قدم منذ بضع وأربعين سنة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما  - فيما يروي أبو جعفر الطبري - قال : بعثت قريش النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهم : سلوهم عن محمد ، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا : إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول.... قال ابن إسحاق: فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  افتتح السورة فقال {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [سورة الكهف 18/1] يعني محمداً إنك رسولي في تحقيق ما سألوا عنه من نبوته {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قِيَماً} أي معتدلاً ، لا اختلاف فيه. (باختصار) ([957])


 الدراسة:

لا شك أن اليهود يعلمون بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما في الروايات الكثيرة، ففي ترجمة بحيرا الراهب عند ابن حجر قال: إن أبا طالب خرج في ركب تاجراً إلى الشام فخرج رسول صلى الله عليه وسلم  معه، فلما نزل الركب بصرى وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان إليه علم النصرانية فلما نزل الركب وكانوا كثيراً ما ينزلون فلا يكلمهم، فرأى بحيرا محمداً  صلى الله عليه وسلم  والغمامة تظله، فنزل إليهم وصنع لهم طعاماً وجمعهم عنده، فتخلف محمد صلى الله عليه وسلم  لصغره في رحالهم، فأمرهم أن يدعوه فأحضره بعضهم، فجعل بحيرا يلحظه لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء من جسده كان يجدها عنده من صفته، فلما فرغوا جعل يسأله عن أشياء من حاله وهو يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه فأقبل على عمه فقال: ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه من يهود فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده، ويقال إن نفراً من أهل الكتاب رأوا منه ما رأى بحيرا، فأرادوه فردهم عنه بحيرا، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم لا يستطيعون الوصول إليه، فلم يزل بهم حتى صدقوه ورجعوا، ورجع به أبو طالب إلى بلده بعد فراغه من تجارته بالشام. ([958])

وكذلك اليهود من أهل يثرب كانوا يتوعدون الأوس والخزرج بمقدمه صلى الله عليه وسلم  ومن أدلة ترائيهم له صلى الله عليه وسلم  ما قاله حسان بن ثابت _: ((والله إني لغلام يفعة ابن سبع أو ثمان سنين، أعقل ما سمعت، إذ سمعت يهودياً وهو على أطمة يثرب يصرخ يا معشر اليهود، فلما اجتمعوا قالوا: ويلك ما لك؟ فقال: قد طلع نجم الذي يبعث الليلة.)) ([959])

ومثل ذلك يحدث في مكة ويحاول اليهود اختباره صلى الله عليه وسلم  لتبين أمره أو إحراجه فقد روى ابن مسعود _ قال: ((مرّ يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو يحدث أصحابه، فقالت قريش: يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي، فقال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي، قال: فجاء حتى جلس ثم قال: يا محمد مم يخلق الإنسان؟)) قال: ((يا يهودي من كل يخلق، من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة، فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم. فقام اليهودي فقال: هكذا كان يقول من قبلك.)) ([960])

ومع ذلك لما بعث في مكة وبان أنه من العرب ولم يكن منهم، ناصبوه العداء، وتمثل ذلك في صور كثيرة تتبين من الروايات التي ذكرت معاونة اليهود مع قريش في إخراجه وتلبيس أمره على الناس، والشهادة بأن أمر قريش أهدى منه سبيلاً كما مرّ في الآثار السابقة، وخاصة اعتقادهم أنه سيصعب عليه إجابة الأسئلة، ولذلك استبشروا مع قريش لما فتر الوحي ولم يؤمنوا لما نزلت الإجابة.


 المطلب الثاني : الاثار الواردة في موقف اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم  بعد الهجرة

 المسألة الأولى: سوء الاستقبال

 الآثار:

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)} [سورة البقرة 2/89]

516-1254 - حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن أشياخ منهم قالوا: فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم - نزلت هذه القصة، يعني: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ} قالوا: كنا قد علوناهم دهراً في الجاهلية، ونحن أهل الشرك، وهم أهل الكتاب، فكانوا يقولون: إن نبياً الآن مبعثه قد أظل زمانه، يقتلكم قتل عاد وإرم! فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه كفروا به. يقول الله: {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ}. ([961])

517-1255-حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم  قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا! فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم  ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته. فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله جل ثناؤه في ذلك من قوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}. ([962])

518-1256 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ} يقول: يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم  على مشركي العرب - يعني بذلك أهل الكتاب - فلما بعث الله محمدا ً صلى الله عليه وسلم  ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه. ([963])

519-1257 - وحدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن علي الأزدي في قول الله: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ} قال: اليهود، كانوا يقولون: اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس؛ {يَسْتَفْتِحُونَ} يستنصرون به على الناس. ([964])

520-1265 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت ابن زيد عن قول الله عز وجل : {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} قال: كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون: أما والله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى وعيسى أحمد لكان لنا عليكم. وكانوا يظنون أنه منهم والعرب حولهم، وكانوا يستفتحون عليهم به ويستنصرون به {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} وحسدوه. وقرأ قول الله جل ثناؤه: {كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [سورة البقرة 2/109] قال: قد تبين لهم أنه رسول، فمن هنالك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبياً خارج. ([965])


 الدراسة:

كان اليهود في المدينة يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم  رسول الله، وخاتم الأنبياء، وأنه ما جاء إلا بالدين الحق لجميع الناس، ولكن هذه المعرفة لم تكن لتهديهم إلى الحق واتباعه، بل على عكس ذلك، كانوا أول من عاداه، وأضمر الشر له صلى الله عليه وسلم  وللإسلام والمسلمين، وهم الذين كان حديثهم في التبشير به كما روى عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سمعت أبي مالك بن سنان يقول: ((جئت بني عبد الأشهل يوماً لأتحدث فيهم ونحن يومئذ في هدنة من الحرب، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال لـه أحمد يخرج من الحرم، فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلي كالمستهزيء به: ما صفته؟ فقال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة، يلبس الشملة، ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذا البلد مهاجره، قال: فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع فأسمع رجلاً منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده كل يهود يثرب يقولون هذا، قال أبو مالك بن سنان: فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعاً فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: الزبير بن باطا قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلى لخروج نبي أو ظهوره، ولم يبق أحد إلا أحمد وهذا مهاجره، قال أبو سعيد: فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم  أخبره أبي هذا الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أسلم الزبير لأسلم ذووه من رؤساء اليهود، إنما هم له تبع.)) ([966])

والزبير هذا هو أعلمهم بقدومه صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول: "إني وجدت سفراً كان أبي يختمه علي، فيه ذكر أحمد نبي يخرج بأرض القرظ، صفته كذا وكذا، فتحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى الله عليه وسلم  لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم  قد خرج بمكة حتى عمد إلى ذلك السفر فمحاه، وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم  وقال ليس به." ([967])

 وفي السير: "لما قدم تبع المدينة ونزل بقناة فبعث إلى أحبار اليهود، فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية، ويرجع الأمر إلى دين العرب، قال فقال لـه سامول اليهودي -وهو يومئذ أعلمهم- : أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل مولده مكة، اسمه أحمد، وهذه دار هجرته، إن منزلك هذا الذي أنت به، يكون به من القتلى والجراح أمر كبير في أصحابه وفي عدوهم، قال تبع: ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعمون؟ قال يسير إليه قومه فيقتتلون ههنا، قال: فأين قبره؟ قال بهذا البلد، قال: فإذا قوتل لمن تكون الدبرة؟ قال: تكون عليه مرة ولـه مرة، وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه ويقتل به أصحابه مقتلة لم يقتلوا في موطن، ثم تكون العاقبة له ويظهر فلا ينازعه هذا الأمر أحد، قال وما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة، يركب البعير ويلبس الشملة، سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى أخاً أو ابن عم أو عماً، حتى يظهر أمره، قال تبع: ما إلى هذا البلد من سبيل، وما كان ليكون خرابها على يدي، فخرج تبع منصرفاُ إلى اليمن." ([968])

والنصوص في ذلك كثيرة جداً، كما في سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وغيرها، وهذا يدل على خبث طوية هؤلاء اليهود، وحسدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما وصل صلى الله عليه وسلم  إلى مهاجره كان اليهود على فرقتين:

1- من استجاب له وهم النادر.

2- ومن توعد بمعاداته والكفر بما جاء به.

روى ابن إسحاق بسنده عن أم المؤمنين صفية - رضي الله عنها  - أنها قالت: ((كنت أحبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله e المدينة ونزل قباء، في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حييُ ابن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب مُغّلِّسين قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت: فأتيا كالين كسلانين ساقطين، يمشيان الهوينى، قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم، قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت)) ([969])

ومثلهم: أبو ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادثه، ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم أطيعون فإن الله قد جاءكم بالذي تنتظرون فاتبعوه ولا تخالفوه، فانطلق أخوه حيي بن أخطب وهو يومئذ سيد اليهود، وهما من بني النضير فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وسمع منه ثم رجع إلى قومه وكان فيهم مطاعاً فقال: أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدواً أبداً، فقال لـه أخوه أبو ياسر: يا ابن أم أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعده لا تهلك، قال: لا والله لا أطيعك أبداً، واستحوذ عليه الشيطان واتبعه قومه على رأيه.)) ([970])

وهذه العداوة منبعها البغض للإسلام ورسوله، والحسد للمسلمين، فقد منعهم هذا الحسد من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم  واتباع دين الإسلام، محاولين أيضاً رد المسلمين عن الدخول فيه، يقول تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [سورة البقرة 2/109]

 قال ابن كثير رحمه الله : "كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً، إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم  وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل الله فيهما {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} ... الآية ([971])، وقد كانت مثل تلك المقدمات سبباً في إشعال نار العداوة بين المسلمين واليهود بعد ذلك، مما كان له الأثر المباشر في تحديد طبيعة العلاقة التي ظلت تحكم موقف اليهود من الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت، وهي العلاقة التي تميزت بالعداء منذ بدايتها، يتضح هذا في رد حيي بن أخطب، حينما سئل عما في نفسه تجاه النبي e فقال: (عداوته والله ما بقيت). ولم تقتصر عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وللإسلام فقط، بل تعدى ذلك إلى معاداة المسلمين، حتى ولو كان من أحبار اليهود ومن علمائهم، ويبرز هذا في موقفهم من عبد الله بن سلام الذي حدث عن إسلامه قائلاً: ((لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم  عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له، فكنت مُسراً لذلك صامتاً عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم  كبَّرتُ، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت، قال: فقلت لها: أي عمه، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بُعث بما بُعث به، قال: فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نُخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: فقلت لها: نعم، قال: فقالت: فذاك إذاً، قال: ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا.)) ([972])

 فماذا كان موقف اليهود منه بعدما علموا بإسلامه؟ روى البخاري بسنده عن أنس _ قال: ((سمع عبد الله بن سَلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهم إلا ..(ثم قال)... قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله: إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم  أي رجل عبد الله فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله ابن سلام، فقالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.)) ([973])


 المسألة الثانية: دعوته صلى الله عليه وسلم  لليهود ومعاهدته لهم:

قولـه تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157)} [سورة الأعراف 7/157]

521-11834 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد، قوله: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} قال: من اتبع محمدا ودينه من أهل الكتاب، وضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم. ([974])

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} [سورة الأحقاف 46/11]

522-24178- حدثني أبو شرحبيل الحمصي قال: ثنا أبو المغيرة قال: ثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم  وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ((يا معشر اليهود أروني اثنى عشر رجلا يشهدون إنه لا إله إلا هو وأن محمدا رسول الله يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه)) قال: فأسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم ثلث فلم يجبه أحد فانصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد قال: فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك قبل أبيك قال: فإني أشهد بالله أنه النبي صلى الله عليه وسلم  الذي تجدونه في التوراة والإنجيل قالوا كذبت ثم ردوا عليه قوله وقالوا له شرا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ((كذبتم لن نقبل قولكم أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم وأما إذ آمن كذبتموه وقلتم ما قلتم فلن نقبل قولكم)) قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأنا وعبد الله بن سلام فأنزل الله فيه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)} [سورة فصلت 41/53]... الآية. ([975])

قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)} [سورة الأعراف 7/47]

523-7689 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة جميعا، عن ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم  رؤساء من أحبار يهود، منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم: "يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا! فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق" فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد، وجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر. فأنزل الله فيهم: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها}... الآية ([976])


 الدراسة:

خص الله محمداً صلى الله عليه وسلم  وامته بفضل من عنده ووعد من يؤمن به من أهل الكتاب مضاعفة الأجر ولذلك اجتهد عليه السلام  في دعوتهم كما في آيات كثيرة منها:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)} [سورة المائدة 5/15]

وبين لهم فضل القرآن عليهم بقوله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)} [سورة النمل 27/76]

 قال الطبري إن هذا القرآن يقص عليكم الحق فيما اختلفتم فيه فاتبعوه، وأقروا لما فيه، فإنه يقص عليكم بالحق، ويهديكم إلى سبيل الرشاد. ([977])

ثم توعدهم بالعذاب ان هم كفروا به فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47)} [سورة النساء 4/47] قال ابن كثير معناه من قبل أن نطمس وجوها فطمسها هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم ويحتمل أن يكون المراد من قبل أن نطمس وجوهاً فلا نبقي لها سمعاً ولا بصراً ولا أنفاً ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار.

وقال العوفي عن ابن عباس في الآية وهي من قبل أي نطمس وجوها وطمسها أن تعمى فنردها على أدبارها يقول نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقري ونجعل لأحدهم عينين من قفاه وكذا قال قتادة وعطية العوفي وهذا أبلغفي العقوبة والنكال.

وهذا مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة يهرعون ويمشون القهقري على أدبارهم. ([978])

ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم  كتب وثيقة معاهدة اشتهرت بوثيقة المدينة فصل فيها سياسته مع اليهود مالهم وما عليهم و سنورد بعض بنودها باختصار:

 ذكر ابن إسحاق هذه الوثيقة فقال: "وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم  كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم: ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم  بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم، فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس ...... إلى أن قال ... ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولاينصر كافراً على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالى بعض دون الناس، وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولامتناصرين عليهم،... ثم يقول ... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وإثم، فإنه لايوتغ ([979]) إلا نفسه وأهل بيته، وإن ليهود بني النجار مثل ماليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ماليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ماليهود بني عوف، وإن ليهود بني جشم مثل ماليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ماليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ماليهود بني عوف، إلا من ظلم وإثم، فإنه لايوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشطيبه مثل ماليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم، وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنه لاينحجز على ثار جرح وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا، وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين ، ..... وإنه ماكان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل  وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الله على أتقى مافي هذه الصحيفة وأبره، ...... وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم، على مثل مالأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم، لايكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق مافي هذه الصحيفة وأبره، وإنه لايحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم أو أثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ([980])


 المطلب الثالث : الآثار الواردة في أسئلة اليهود التعنتية للرسول صلى الله عليه وسلم .

 الاثار:

 المسألة الأولى: طلبهم ان يكلمهم الله

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)} [سورة البقرة 2/118]

524-1545 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير. وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قالا جميعاً: ثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت رسولاً من عند الله كما تقول، فقل لله عز وجل فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله عز وجل  في ذلك من قوله: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية} الآية كلها. ([981])

 المسألة الثانية: طلبهم كتاباً خاصا بهم

قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)} [سورة البقرة 2/108]

525-1473 - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثني يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قالا: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك ! فأنزل الله في ذلك من قولهم: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} الآية ([982])

قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُبِيناً (153)} [سورة النساء 4/153]

526-8476 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء} وذلك أن اليهود والنصارى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: لن نتابعك على ما تدعونا إليه، حتى تأتينا بكتاب من عند الله إلى فلان أنك رسول الله، وإلى فلان بكتاب أنك رسول الله! قال الله جل ثناؤه: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} ([983])

 المسألة الثالثة: سؤاله عن الروح

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)} [سورة الإسراء 17/85]

527-17102 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم  في حرث بالمدينة، ومعه عسيب يتوكأ عليه، فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم: اسألوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، فقام متوكئا على عسيبه، فقمت خلفه، فظننت أنه يوحى إليه، فقال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فقال بعضهم لبعض: ألم نقل لكم لا تسألوه.

 المسألة الرابعة: سؤالهم عن الله

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [سورة الإخلاص 112/1]

528-29617 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن محمد، عن سعيد، قال: أتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق، فمن خلقه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم  حتى انتقع لونه؛ ثم ساورهم غضبا لربه، فجاءه جبريل عليه السلام  فسكنه، وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه. قال: يقول الله: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه، وكيف عضده، وكيف ذراعه، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم  أشد من غضبه الأول، وساورهم غضبا، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته، وأتاه بجواب ما سألوه عنه: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} ([984])


 الدراسة

كثيراً ماطلب اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم  أموراً يظنون أنه في عدم تحقيقها سيوقعونه عليه السلام  في الحرج، فهذا رافع بن حريملة أحد اليهود يقول: (يامحمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول، فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه) ، ويقصد من طلبه هذا التعنت وإحراج رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لايَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا ءَايَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}

            بل إنهم طلبوا منه صلى الله عليه وسلم  ن ينزل عليهم كتاباً من السماء، يأمرهم بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم  يما جاء به عن ربه، يقول الله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}.

قال لطبري عد أن أورد الأقوال في معنى {كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} قال: "أولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن أهل التوراة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن يسأل ربه أن ينزل عليهم كتابا من السماء آية، معجزة جميع الخلق عن أن يأتوا مثلها، شاهدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  بالصدق، آمرة لهم باتباعه. وجائز أن يكون الذي سألوه من ذلك كتابا مكتوبا ينزل عليهم من السماء إلى جماعتهم، وجائز أن يكون ذلك كتبا إلى أشخاص بأعينهم.

بل الذي هو أولى بظاهر التلاوة أن تكون مسألتهم إياه ذلك كانت مسألة لينزل الكتاب الواحد إلى جماعتهم لذكر الله تعالى في خبره عنهم الكتاب بلفظ الواحد، بقوله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} ولم يقل: (كتباً)". ([985])

وقد أكثر اليهود من الأسئلة والمجادلة والمحاورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  محاولين فتنة المسلمين، وزرع بذور الشك والريبة في قلوبهم، آملين أن لا يجيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يبينوا للمسلمين أنه قد عجز عن إجابتهم، وأنهم وحدهم الذين عندهم العلم والكتاب، وماأكثر الأسئلة التي سألوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، من ذلك ماجاء في الصحيح عن عبد الله بن مسعود _ قال: ((بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم  في حرث وهو متكىء على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح، فقال مارأيكم إليه وقال بعضهم لا يستقبلكم بشىء تكرهونه، فقالوا: سلوه عن الروح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم  فلم يرد عليهم شيئاً فعلمت أنه يوحى إليه فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً})) ([986])

            و عن ثوبان _ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يامحمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني، فقلت: ألا تقول رسول الله، فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : أينفعك شيء إن حدثتك، قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعود معه، فقال: سل، فقال اليهودي: أين يكون الناس {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [سورة إبراهيم 14/48] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : هم في الظلمة دون الجسر، فقال: فمن أولى الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون، قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: ينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا، فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله، قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف، فذهب.)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله به)) ([987])

             توضح مدى تعنت اليهود في قبول الحق، واختلاف الأسباب للتفلت من العهود والمواثيق، فقد أعطوا الرسول صلى الله عليه وسلم  العهد إن أجابهم ليصدقنه ويتابعنه، لكنهم لم يفعلوا، بالرغم من إعطائهم العهد والميثاق على ذلك، وقد أكثر اليهود من أسئلتهم للرسول صلى الله عليه وسلم  تعنتاً وصلفاً لابحثاً عن الحق لمتابعته، وهكذا تدرج اليهود في الأسئلة، حتى وصل بهم الحال إلى التطاول على ذات الله تعالى كما بيناه فيما سبق.


 المطلب الرابع : إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم  بالقول السيء

 الآثار:

 المسألة الأولى: قولهم:اسمع غير مسمع وراعنا

قوله تعالى: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاًً (46)} [سورة النساء 4/46]

529-7667 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاًً} قال: هذا قول أهل الكتاب يهود كهيئة ما يقول الإنسان: اسمع لا سمعت أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم  وشتماً له واستهزاء. ([988])

530-7668 - حدثت عن المنجاب قال: ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} قال: يقولون لك: واسمع لا سمعت. ([989])

531-7669 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} قال: غير مستمع. وغير مقبول ما تقول. ([990])

532-7670 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} قال: كما تقول: اسمع غير مسموع منك. ([991])

533-7671 - وحدثنا موسى بن هارون قال: ثنا عمرو قال: ثنا أسباط عن السدي قال: كان ناس منهم يقولون: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} كقولك: اسمع غير صاغ. ([992])

قولـه تعالى: {وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)} [سورة النساء 4/47]

534-7672 - حدثني الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: قال قتادة: كانت اليهود يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : راعنا سمعك! يستهزئون بذلك فكانت اليهود قبيحة فقال: راعنا سمعك ليا بألسنتهم؛ واللي: تحريكهم ألسنتهم بذلك {وَطَعْناً فِي الدِّينِ} ([993])

535-7673 - حدثني عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {رَاعِنَا} كان الرجل من المشركين يقول: أرعني سمعك! يلوي بذلك لسانه يعني: يحرف معناه. ([994])

536-7674 - حدثنا محمدبن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أييه عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَطَعْناً فِي الدِّينِ}فإنهم كانوا يستهزئون ويلوون ألسنتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم  ويطعنون في الدين. ([995])

537-1438 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} [سورة البقرة 2/104] قال: كان أناس من اليهود يقولوا أرعنا سمعك، حتى قالها أناس من المسلمين. فكره الله لهم ما قالت اليهود، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} كما قالت اليهود والنصارى. ([996])

 المسألة الثانية: قولهم: السام عليكم

قولـه تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سورة المجادلة 58/8]

538-26144 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها  قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم وفعل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا عائشة إن الله لا يحب الفحش) فقلت: يا رسول الله، ألست ترى ما يقولون؟ فقال: ((ألست ترينني أرد عليهم ما يقولون؟ أقول: عليكم)) وهذه الآية في ذلك نزلت {وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [سورة المجادلة 58/8].([997])

539-26145 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق {وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} قال: كانت اليهود يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقولون: السام عليكم. ([998])

 المسألة الثالثة: قولهم :عند تحويل القبلة

قولـه تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} [سورة البقرة 2/142] 

540-1773 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قالا جميعا: ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد قال: أخبرني سعيد بن جبير أو عكرمة - شك محمد عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم  المدينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ونافع بن أبي نافع - هكذا قال ابن حميد وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل الله فيهم: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ -إلى قوله- إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌٌ} ([999])

541-1786 - حدثنا به ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: ثنا ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: قال ذلك قوم من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم  فقالوا له: ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك؛ يريدون فتنته عن دينه. ([1000])

542-1787 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد عن سعيد عن قتادة قوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} قال: صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم  المدينة وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم  بعد قدومه المدينة مهاجراً نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام. فقال في ذلك قائلون من الناس: {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} لقد اشتاق الرجل إلى مولده. فقال الله عز وجل : {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة 2/143] ([1001])

543-1782 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال: ثنا الحسين بن واقد، عن عكرمة، وعن يزيد النحوي، عن عكرمة، والحسن البصري قالا: أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود، فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم  سبعة عشر شهراً، ليؤمنوا به ويتبعوه، ويدعوا بذلك الأميين من العرب، فقال الله عز وجل : {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة 2/115] ([1002])

قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة 2/144] 

544-1865 - حدثنا موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ} أنزل ذلك في اليهود. وقوله: {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} يعني هؤلاء الأحبار والعلماء من أهل الكتاب يعلمون أن التوجه نحو المسجد الحق الذي فرضه الله عز وجل  على إبراهيم وذريته وسائر عباده بعده. ([1003])

قولـه تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)} [سورة البقرة 2/150]

545-1899-حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد عن قتادة :يعني بذلك أهل الكتاب قالوا حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم  إلى الكعبة البيت الحرام: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. ([1004])


  الدراسة:

 إيذاؤهم الرسول صلى الله عليه وسلم  بالقول السيء

لم يكتف اليهود بسوء الاستقبال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل ذهبوا إلى ما ورثه لهم أسلافهم من أذية الأنبياء عليهم السلام  فكان أول أمرهم, الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم  بالهمز, وليّ اللسان, وبذاءة المنطق, والتلبيس بتحريف الألفاظ, لتوهم أنها سليمة وليست كذلك، مما يدل على نفوس مريضة, يكفيها ولو مجرد لفظ سيء -صريح أحياناً وغير صريح أحياناً أخرى - تتشفى به قلوبهم المشربة بالمخادعة والنفاق، وقبل ذلك الكفر بالله ورسوله.

ومن الألفاظ التي نبه الله نبيه صلى الله عليه وسلم  عنها قولهم: {اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} [سورة النساء 4/46] ويقصدون بها الزجر والسب والأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم  والمعنى:

1- اسمع منا غير مسمع، كقول القائل للرجل يسبه: اسمع لا أسمعك الله.

2- وقيل: أي سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه، أي لا يسمع كلامك وإن سمع لا يقبل منك.

وكلاهما قبيح في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان ظاهر الآية على القول الأول، واختاره ابن جرير وابن كثير. ([1005])

ومثلها كلمة (راعنا) ([1006]) والتي نهى الله المؤمنين من قولها لما فيها من سوء الأدب والجفاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص، فإذا أرادوا أن يقولوا اسمع لنا يقولون راعنا ويورون بالرعونة الحماقة، ومنها الراعن وهو الأحمق والأرعن عن مبالغة فيه، فنهى الله تعالى المؤمنين عن مشابهة الكفارة قولاً وفعلاً، وكما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنها سبة بلغة اليهود. ([1007]) وهو ما تنبه له سعد بن معاذ _ حين سمع ناساً من اليهود خاطبوا بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((لئن سمعتها من أحد منكم لأضربن عنقه.)) ([1008])

وقال الحسن: ((الراعن من القول السخري منه نهاهم الله أن يسخروا من قول محمد صلى الله عليه وسلم  وما يدعوهم إليه من الإسلام.))

وقال البخاري: "من الرعونة: إذا أرادوا أن يحمقوا إنساناً قالوا راعناً." ([1009])

وقال الزجاج: "قد قيل: في {راعنا} ثلاثة أقوال:

1- الأول: أرْعِنا سَمْعَكَ، وكانت اليهود تتسابَّ بينها بهذه الكلمة، وكانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم  في بيوتهم، فلما سمعوا هذه الكلمة اغتنموا أن يُظهروا سَبَّهُ بلفظ يسمعُهُ ولا يلحقهم في ظاهره شيء، فأظهر الله النبي صلى الله عليه وسلم  والمسلمين على ذلك، ونهى عن الكلمة.

2- الثاني: من المراعاة والمكافأة، فأُمروا أن يخاطبوه بالتعزير والتوقير، فقيل لهم : لا تقولوا {راعنا} أي كافئنا في المقال، كما يقول بعضكم لبعض، بل قولوا {انظرنا} أي أمهلنا. 3- الثالث : أن الكلمة {راعنا} كانت تجري مجْرى الهُزْء والسخرية، فنُهوا أن يلفِظوا بها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم . ([1010])

وقول اليهود على سبيل التورية لأنهم كانوا يخشون أن يشتموا النبي صلى الله عليه وسلم  مواجهة، فيحتالون على سبه وشتمه عن هذا الطريق الملتوي، الذي لا يسلكه إلاّ من كان مثلهم من السفهاء ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته. كي يفوتوا على اليهود غرضهم السيء، كما في الحديث عن ابن عمر _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من تشبه بقوم فهو منهم.)) ([1011])

وأما القول الذي حكي عن عطية أن قوله: {راعنا} كانت كلمة لليهود بمعنى السب والسخرية، فاستعملها المؤمنون أخذاً منهم ذلك عنهم؛ فنقده الطبري قائلاً: "فإن ذلك غير جائز في صفة المؤمنين أن يأخذوا من كلام أهل الشرك كلاماً لا يعرفون معناه ثم يستعملونه بينهم وفي خطاب نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولكنه جائز أن يكون ذلك مما روي عن قتادة أنها كانت كلمة صحيحة مفهومة من كلام العرب وافقت كلمة من كلام اليهود بغير اللسان العربي هي عند اليهود سب، وهي عند العرب: أرعني سمعك وفرغه لتفهم عني. فعلم الله جل ثناؤه معنى اليهود في قيلهم ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن معناها منهم خلاف معناها في كلام العرب، فنهى الله عز وجل  المؤمنين عن قيلها للنبي صلى الله عليه وسلم  لئلا يجترئ من كان معناه في ذلك غير معنى المؤمنين فيه أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم  به." ([1012])

وهذا الذي امتثله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده من توضيح الألفاظ وسياقها على مراد السامع وليس الحاكي، وأنه يجب العدول إلى اللفظ البين عن اللفظ الموهم، فقد روي عن عمر _ أنه كتب إلى أهل الكوفة ((إنه ذكر لي أن (مترس) بلسان الفارسية الأمنة فإن قلتموها لمن لا يفقه لسانكم فهو آمن.)) ([1013])

ونفذ وصية عمر _ الصحابي الجليل: أبو موسى الأشعري _ يوم فتح سوق الأهواز فسعى رجل من المشركين وسعى رجلان من المسلمين خلفه فبينما يسعى ويسعيان إذ قال أحدهما لـه (مترس) فقام الرجل فأخذاه فجاءا به وأبو موسى _ يضرب أعناق الأسارى حتى انتهى الأمر إلى الرجل فقال أحد الرجلين إن هذا قد جعل لـه الأمان فقال أبو موسى _: فقد جعل له الأمان قال: إنه كان يسعى ذاهباً في الأرض وقلت لـه مترس فقام، فقال أبو موسى _ وما مترس؟ قال: لا تخف قال: هذا أمان فخليا سبيله فخليا سبيل الرجل. ([1014])

ومن الألفاظ التي آذى بها اليهود - لعنهم الله - نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  قولهم (السام)، فعن أنس بن مالك: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم  بينما هو جالس مع أصحابه، إذ أتى عليهم يهودي، فسلم عليهم، فردوا عليه، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ((هل تدرون ما قال؟ )) قالوا: سلم يا رسول الله، قال: ((بل قال: سام عليكم، أي تسأمون دينكم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أقلت سام عليكم؟ )) قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا وعليك)): أي عليك ما قلت. ([1015]) ، لأن الله يستجيب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم  عليهم ودليل ذلك لما قالت عائشة رضي الله عنها : ((أو لم تسمع ما قالوا؟)) قال: ((أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في.)) ([1016])

وقولهم (السام) يعنون به الموت -كأنهم دعوا عليه بالموت- ومنه حديث عائشة رضي الله عنها  أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: ((إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام قلت وما السام قال الموت.)) ([1017])

وقيل(السآم) بالمد من السآمة وهو الملل أي تسأمون دينكم، ([1018]) كما في حديث أنس _

فاليهود يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم  بما لم يحيه به الله كما قال تعالى: {وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [سورة المجادلة 58/8] وحجتهم في ذلك أنهم يقولون في أنفسهم لو كان هذا نبياً لعذبنا الله بما نقول لـه في الباطن؛ لأن الله يعلم ما نسره فلو كان هذا نبياً حقا لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا فقال الله تعالى{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} أي جهنم كفايتهم في الدار الآخرة {يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ([1019]) وجهلوا أن الباري تعالى حليم لا يعاجل من سبه، فكيف من سب نبيه.

 وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ((لا أحد أصبر على الأذى من الله يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم ويرزقهم.)) ([1020]) فأنزل الله تعالى هذا كشفاً لسرائرهم، وفضحاً لبواطنهم، معجزة لرسول صلى الله عليه وسلم . ([1021])

 تحويل القبلة

حينما أمر الله - تبارك وتعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم  بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، قال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة 2/144]

 في الصحيح ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان يصلي معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم  قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت.)) ([1022])

وفي تحويل القبلة مخالفة لليهود الذين كان يعجبهم توجه المسلمين إلى بيت المقدس، لذا وجدوها فرصة سانحة، ومناسبة عظيمة فأكثروا من التساؤل حول هذا الأمر، وقد امتد أثرهم إلى المسلمين، وإلى غيرهم, أما المسلمون فقالوا: سمعنا وأطعنا وقالوا: آمنا به كل من عند ربنا، وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله، وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بقولهم: لو كان نبياً لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء، وأما المشركون فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا وما رجع إليها إلا أنه الحق، وأما المنافقون فقالوا: ما يدرى محمد أين يتوجه، إن كانت الأولى حقاً فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل، وكان الأمر كما أخبر الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142)} [سورة البقرة 2/142]. ([1023])

            وكانت كل هذه التساؤلات بإيحاء من اليهود الذين ذهبت طائفة منهم إلى المسلمين قائلين: (أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، إن كانت هدى فقد تحولتم عنها، وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها، ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة؟ فقال المسلمون: إن الهدى ما أمر الله تعالى به، وإن الضلالة ما نهى الله تعالى عنه، فقال اليهود للمسلمين: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا، وكان قد مات قبل تحول القبلة من المسلمين، أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانا من النقباء، ومات رجال آخرون، فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: يا رسول الله لقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم عليه السلام  فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يُصلُّون إلى بيت المقدس، فأنزل الله تعالى قوله في سورة البقرة: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة البقرة 2/143] ([1024]).

يقول ابن كثير رحمه الله  {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}: "أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك ماكان يضيع ثوابها عند الله" ([1025])، وهكذا زادت هذه الحادثة المؤمنين إيماناً وتصديقاً بالله تعالى ورسوله، وانقلب اليهود على أعقابهم خاسئين مدحورين. كل ذلك منهم حسداً, أن منّ الله على نبيه والمؤمنين كما في حديث عائشة رضي الله عنها  الطويل عند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((إنهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين.)) ([1026])


 المطلب الخامس: الإيذاء البدني للرسول صلى الله عليه وسلم  بالسحر والسم:

 الآثار:

قوله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [سورة البقرة 2/102]

546-1407 - حدثنا ابن وكيع، قال: اثنا ابن نمير، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم  يهودي من يهود بني زريق يقال لـه لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم   يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله. ([1027])

547-1408 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: كان عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب يحدثان: أن يهود بني زريق عقدوا عقد سحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوها في بئر حزم حتى كان رسول الله ينكر بصره ودله الله على ما صنعوا. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى بئر حزم التي فيها العقد فانتزعها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول:((سحرتني يهود بني زريق)). ([1028])


 الدراسة:

 إيذاؤه بالسحر:

لم يترك اليهود محاولة لأذية الرسول صلى الله عليه وسلم  إلاّ وسلكوها، ومن هذه المحاولات عقد السحر الذي يشتهرون به على يد رجل منهم يقال له لبيد بن الأعصم كما في الصحيحين: فعن عائشة رضي الله عنها  قالت: ((سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم  رجل من بني زريق يقال لـه لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: ((يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان ([1029]) فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، ([1030]) قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم  في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شراً فأمر بها فدفنت.)) ([1031])

ولكن الله نجاه منه وشفاه بفضله ومنه, ولم يؤثر فيه هذا السحر إلاّ على جسده فقط لا على ما يقوله ويبلغه عن ربه،  والذي يدل على أن الذي أصابه كان من جنس المرض قوله صلى الله عليه وسلم  في حديث آخر: ((أما أنا فقد شفاني الله.)) ويؤيد ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما  عند ابن سعد: ((مرض النبي صلى الله عليه وسلم  وأخذ عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان.)) ([1032])

واعترض بعض العلماء, على مسألة - سحر الرسول صلى الله عليه وسلم - لأنها تنافي العصمة عندهم. وليست كذلك, فإن الله سبحانه وتعالى يبتلي رسله عليهم السلام  بأنواع البلاء، فيزداد بذلك أجرهم، ويعظم ثوابهم، وهو- فداه أبي وأمي- واحد منهم (لم يعصم منه عليه الصلاة والسلام، بل أصابه شيء من ذلك، فقد جرح يوم أحد، وكسرت البيضة على رأسه، ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر، وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك، وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً، فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل، ومما كتبه الله عليه، ورفع الله به درجاته، وأعلى به مقامه، وضاعف به حسناته، ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ولا منعه من تبليغ الرسالة، ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم ، ومن الابتلاء الذي أوذي به الرسول صلى الله عليه وسلم  ما أصابه من السحر.) ([1033])

 إيذاؤه بالسم:

لم يورد الطبري رحمه الله  آثاراً في محاولة اليهود سم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وسنورد هذه المحاولة لارتباطها الوثيق بأذية اليهود لنبينا صلى الله عليه وسلم ، عن أبي هريرة _ أنه قال: ((لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم  شاة فيها سم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود فجمعوا لـه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم بل أبوكم فلان، فقالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبداً، ثم قال لهم: فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا نعم: فقال هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ فقالوا: نعم، فقال ما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كذاباً نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك.)) ([1034])

وفي رواية: ((أن امرأة يهودية دعت النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحاباً لـه على شاة مصلية، فلما قعدوا يأكلون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم  لقمة فوضعها ثم قال لهم: أمسكوا إن هذه الشاة مسمومة، فقال لليهودية: ويلك لأي شيء سممتني، قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبياً فإنه لا يضرك، وإن كان غير ذلك أن أريح الناس منك، وأكل منها بشر بن البراء _ فمات فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم .)) ([1035])

وفي رواية: ((كان جابر بن عبد الله _ يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم  الذراع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى اليهودية فدعاها فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: أخبرتني هذه في يدي للذراع، قالت: نعم، قال: فما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبياً فلن يضره، وإن لم يكن استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم  على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبني بياضة من الأنصار.)) ([1036])

والذي وضع لـه السم زينب بنت الحارث قال ابن إسحاق ((لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم  بعد فتح خيبر أهدت لـه زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية وكانت سألت أي عضو من الشاة أحب إليه؟ قيل: لها الذراع فأكثرت فيها من السم، فلما تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها، وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته فذكر القصة وأنه صفح عنها وأن بشر بن البراء مات منها.))

وإن كان الفاعل واحدة من اليهود إلاّ أن الفعل ينسب لهم جميعاً كما في رواية البخاري السابقة: ((هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟))

وكان أثر هذا السم على رسول الله صلى الله عليه وسلم  دائم, فكان يعاوده بين حين وآخر، بل في كل عام صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عمر _ قال: قالت أم سلمة رضي الله عنها : ((يا رسول الله لا يزال يصيبك كل عام وجع من الشاة المسمومة التي أكلت.)) قال: ((ما أصابني شيء منها إلا وهو مكتوب علي وآدم في طينته.)) ([1037]) وفي رواية: ((ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام، حتى كان هذا أوان قطع أبهري.)) ([1038])

ثم كانت بإذن الله سبباً في وفاته صلى الله عليه وسلم ، فقد زارته أم بشر الذي شاركه أكل الشاة المسمومة، قالت: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم  في وجعه الذي قبض فيه فقلت: بأبي أنت يا رسول الله ما تتهم بنفسك؟ فإني لا اتهم بابني, إلا الطعام الذي أكله معك بخيبر, - وكان ابنها بشر بن البراء بن معرور مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم  -)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((وأنا لا أتهم غيرها هذا أوان انقطاع أبهري.)) ([1039]) وهو ما صرح به لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، قالت عائشة رضي الله عنها : ((كان النبي صلى الله عليه وسلم  يقول في مرضه الذي مات فيه.)((يا عائشة رضي الله عنها  ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم.)) ([1040])

وقد عدها بعض الصحابة شهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى يكون نبياً شهيداً، قال عبد الله بن مسعود _: ((لأن أحلف تسعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف واحدة إنه لم يقتل، وذلك أن الله عز وجل  اتخذه نبياً واتخذه شهيداً.)) ([1041])

وهكذا هم اليهود كما هو وصف الله لهم مع الأنبياء: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)} [سورة البقرة 2/87]


 المطلب السادس: المواجهة القتالية بين الرسول صلى الله عليه وسلم  واليهود:

 الآثار:

 بنو قينقاع :

قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)} [سورة آل 3/12] 

548-5241 - أبا كريب حدثنا، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  قريشاً يوم بدر فقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: ((يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً) فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك إنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا! فأنزل الله عز وجل  في ذلك من قولهم: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} إلى قوله: {لأُوْلِي الأَبْصَارِ} ([1042])

قولـه تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186)} [سورة آل عمران 3/186]

549-6628 - حدثنا به القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً} قال: نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي بكر رضوان الله عليه، وفي فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم  أبا بكر الصديق _ إلى فنحاص يستمده، وكتب إليه بكتاب، وقال لأبي بكر: ((لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع.)) فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف، فأعطاه الكتاب، فلما قرأه قال: قد احتاج ربكم أن نمده ؟ فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع.)) فكف؛ ونزلت: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} [سورة آل عمران 3/180] ([1043])

550-6629 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً} قال: هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه في شعره، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار فيهم محمد بن مسلمة، ورجل يقال لـه أبو عبس. فأتوه وهو في مجلس قومه بالعوالي؛ فلما رآهم ذعر منهم، فأنكر شأنهم، وقالوا: جئناك لحاجة، قال: فليدن إلي بعضكم، فليحدثني بحاجته, فجاءه رجل منهم فقال: جئناك لنبيعك أدراعاً عندنا لنستنفق بها، فقال: والله لئن فعلتم لقد جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل, فواعدوه أن يأتوه عشاء حين هدأ عنهم الناس. فأتوه، فنادوه، فقالت امرأته: ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب, قال: إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه أشرف عليهم فكلمهم، فقال: أترهنوني أبناءكم؟ وأرادوا أن يبيعهم تمراً، قال: فقالوا إنا نستحيي أن تعير أبناؤنا فيقال هذا رهينة وسق، وهذا رهينة وسقين, فقال: أترهنوني نساءكم؟ قالوا: أنت أجمل الناس، ولا نأمنك، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك؟ ولكنا نرهنك سلاحنا، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم. فقال: ائتوني بسلاحكم، واحتملوا ما شئتم, قالوا: فانزل إلينا نأخذ عليك، وتأخذ علينا. فذهب ينزل، فتعلقت به امرأته وقالت: أرسل إلى أمثالهم من قومك يكونوا معك. قال: لو وجدني هؤلاء نائماً ما أيقظوني. قالت: فكلمهم من فوق البيت، فأبى عليها، فنزل إليهم يفوح ريحه، قالوا: ما هذه الريح يا فلان؟ قال: هذا عطر أم فلان, امرأته. فدنا إليه بعضهم يشم رائحته، ثم اعتنقه، ثم قال: اقتلوا عدو الله , فطعنه أبو عبس في خاصرته، وعلاه محمد بن مسلمة بالسيف، فقتلوه، ثم رجعوا. فأصبحت اليهود مذعورين، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: قتل سيدنا غيلة, فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم  صنيعه، وما كان يحض عليهم، ويحرض في قتالهم، ويؤذيهم، ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم صلحاً، فقال: فكان ذلك الكتاب مع علي رضوان الله عليه. ([1044])

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [سورة المائدة 5/51]

551-9479 حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية بن سعد، قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحرث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، إن لي موالي من يهود كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله! فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لعبد الله ابن أبي: ((يا أبا الحباب ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه.)) قال: قد قبلت. فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ([1045])

قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [سورة المائدة 5/55]

552-9518 حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: ثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج، فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم! ففيه نزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} لقول عبادة: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بني قينقاع وولايتهم. إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} ([1046])

قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)} [سورة الحشر 59/15]

553-26264 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قولـه {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني بني قينقاع. ([1047])


 الدراسة:

 غزوة بني قينقاع :

في فرحة المسلمين بانتصارهم في بدر ، جمع الرسول صلى الله عليه وسلم  يهود بني قينقاع في سوقهم ودعاهم وذكرهم ما حصل لقريش في بدر ولم يكن مضى عليها إلاّ شهر تقريباً ([1048]) فقال لهم صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً) فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك إنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا.))

لم يستح أولئك اليهود أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ذلك وقد نزل الوحي ينذر هؤلاء بسوء المنقلب : {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)} [سورة آل عمران 3/12

كان اليهود في المدينة يؤججون العداوة بين قبيلتي الأوس والخزرج، أهم قبائل المدينة، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم  بدعوة مباركة أيدها الأنصار الذين بايعوه في بيعتي العقبة الأولى والثانية  وكان أول عمل قام به صلى الله عليه وسلم  بعد دخوله المدينة هو المؤاخاة بين قبيلتي الأوس والخزرج ووضع حداً للصراع الذي كان بينهما، فهم حديثوا عهد بقتال فعاشت المدينة في سلم وأمان مطمئنين تحت راية الإسلام.

واليهود كانوا مجموعة من الطوائف أغناهم بنو قينقاع، لأنهم كانوا يشتغلون في صناعة الحلي والذهب والفضة، وكانت أماكنهم التي يعيشون فيها محصنة، وهم بطبيعة الحال لا يحملون خيراً في أنفسهم للمسلمين، بل يحقدون عليهم، وكان سبب الغزوة لما حدث لتلك المرأة المسلمة زوج أحد المسلمين الأنصار، التي كانت في السوق فقصدت أحد الصاغة اليهود لشراء حلي لها، وأثناء وجودها في محل ذلك الصائغ اليهودي، حاول بعضهم رفع حجابها، والحديث إليها، فتمنعت ونهرته، فقام صاحب المحل الصائغ اليهودي بربط طرف ثوبها وعقده إلى ظهرها، فلما وقفت ارتفع ثوبها وانكشفت. فأخذ اليهود يضحكون منها ويتندرون عليها فصاحت تستنجد من يعينها عليهم. فتقدم رجل مسلم رأى ما حدث لها، فهجم على اليهودي فقتله، ولما حاول منعهم عنها وإخراجها من بينهم تكاثر عليه اليهود وقتلوه، وثار المسلمون لمقتل صاحبهم ونقض اليهود حلفهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتظاهروا لقتال المسلمين، وكانوا أول يهود ينقضون عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ([1049])

ولما تنافر الفريقان، واستنفر كل منهم أصحابه وأعوانه، وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فغضب صلى الله عليه وسلم  أشد الغضب وقال: ((ما على هذا أقررناهم.)) ولما علم المسلمون بهذا الخبر هبوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم  لتأديب هؤلاء القوم، وإخراجهم من بلدة طيبة التي يسكنها أفضل خلق الله وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم  لقتال هؤلاء القوم الذين خانوا عهدهم معه، طاعة لأمر الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [سورة الأنفال 8/58] .

ولما أحسوا بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم  إليهم، احتموا في حصونهم المنيعة في انتظار مجيء المسلمين، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنذاراً بالخروج من حصونهم، وإلا قضي عليهم جميعاً، فجاء ردهم فيه من الفجور أكثر مما فيه من عدم التبصر بما سيحدث لهم من جراء ذلك، عند ذلك استعد الرسول وأعد جنده للقتال .. فحمل لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب ­_، وتم حصار الحصون وكرر الرسول صلى الله عليه وسلم  الإنذار مرة أخرى, فجعلوا يساومون الرسول صلى الله عليه وسلم  ويراوغون علهم يجدون فرصة للانقضاض على المسلمين، لكنهم في آخر الأمر اضطروا للاستسلام والنزول عند رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم .

وجاء عبد الله بن أبي بن سلول الذي يميل إليهم ويعتبرهم قومه وخاصته. جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم  قائلاً له : ((يا محمد أحسن الى موالي -أي أصحابي-)) . ولما أبطأ الرسول صلى الله عليه وسلم  عليه بالجواب أدخل يده في جيب درع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتمادى في طلبه، وأثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى أغضبه، وقال له: ((اتركني) ولكن عدو الله قال لـه : أتقتل أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع قد منعوني وحموني من الأحمر والأسود أي العجم والعرب … وتحصدهم في غداة واحدة.

فلما ضاق به الرسول صلى الله عليه وسلم  نهره قائلاً: ((هم لك … خذهم لا بارك الله فيهم …)) وتبرأ عبادة بن الصامت من عبد الله بن أبي بن سلول وكان هو أيضاً حليفهم وهذا دليل على إيمان عبادة _ وظهور نفاق ابن سلول وخرجوا من المدينة مذلولين بدون سلاح وعتاد، واستولى المسلمون على أموالهم وعتادهم وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم  أموالهم بين المسلمين أخماساً، وأخذ له الخمس، لينفقه على الفقراء والمحتاجين.

وهكذا خرجوا إلى بلاد الشام تاركين خلفهم الأرض الطيبة التي أرادوا أن يدنسوها بخيانتهم، ولم يكن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم  عبثاً فقد هلكوا جميعاً في بلاد الشام خلال فترة وجيزة. ([1050])

لقد أنزل الله القصاص العادل باليهود جزاء لهم على خيانتهم العهود، وخاب ظن المنافقين الذين انكشف أمرهم في قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} [سورة الأحزاب 33/12] بل وعدهم الكاذب وعهدهم المنقوض ووعد الله ورسوله هو الصادق.

 مقتل كعب بن الأشرف

بعد هلاك بني قينقاع قام كعب بن الأشرف ([1051]) بتحريض المشركين في مكة بتباكيه شعراً على قتلى بدر ثم رجع يؤذي المؤمنات بتشبيبه بهن شعراً ([1052]) ثم طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم  من صحابته من يكفي المسلمين شرّ كعب بن الأشرف الذي آذى الله ورسوله, فقام بالمهمة العظيمة محمد بن مسلمة _ ومعه بعض الصحابة رضي الله عنهم ، فاحتالوا عليه حتى مكنهم الله منه فقتلوه كما تقدم في سياق الأثر.


 بنوا النضير:

 الآثار:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51)} [سورة النساء 4/51]

554-7738 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  ويهـود بـني النضير ما كان حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين، فهموا به وبأصحابه، فأطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى المدينة، فهرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة، فعاهدهم على محمد، فقال له أبو سفيان: يا أبا سعد، إنكم قوم تقرؤون الكتاب، وتعلمون، ونحن قوم لا نعلم، فأخبرنا: ديننا خير أم دين محمد؟ قال كعب: اعرضوا علي دينكم! فقال أبو سفيان: نحن قوم ننحر الكوماء، ونسقي الحجيج الماء، ونقري الضيف، ونعمر بيت ربنا، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد آباؤنا، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه. قال: دينكم خير من دين محمد، فاثبتوا عليه! ألا ترون أن محمداً يزعم أنه بعث بالتواضع، وهو ينكح من النساء ما شاء؟ وما نعلم ملكاً أعظم من ملك النساء! فذلك حين يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} ([1053])

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11)} [سورة المائدة 5/11]

555-9017 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  المنذر بن عمرو الأنصاري أحد بني النجار وهو أحد النقباء ليلة العقبة، فبعثه في ثلاثين راكباً من المهاجرين والأنصار. فخرجوا، فلقوا عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على بئر معونة، وهي من مياه بني عامر، فاقتتلوا، فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم، فلم يرعهم إلا والطير تحوم في السماء، يسقط من بين خراطيمها علق الدم، فقال أحد النفر: قتل أصحابنا والرحمن! ثم تولى يشتد حتى لقي رجلاً، فاختلفا ضربتين، فلما خالطته الضربة، رفع رأسه إلى السماء ففتح عينيه، ثم قال: الله أكبر، الجنة ورب العالمين! فكان يدعى "اعنق ليموت". ورجع صاحباه، فلقيا رجلين من بني سليم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم  وبين قومهما موادعة، فانتسبا لهما إلى بني عامر، فقتلاهما. وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم  يطلبون الدية، فخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، حتى دخلوا إلى كعب بن الأشرف ويهود بني النضير، فاستعانهم في عقلهما. قال: فاجتمعت اليهود لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه، واعتلوا بصنيعة الطعام، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم  بالذي اجتمعت عليه يهود من الغدر، فخرج ثم دعا علياً، فقال: ((لا تبرح مقامك، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عني فقل وجه إلى المدينة فأدركوه.)) قال: فجعلوا يمرون على علي، فيأمرهم بالذي أمره حتى أتى عليه آخرهم، ثم تبعهم؛ فذلك قوله: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ} [سورة المائدة 5/13] ([1054])

قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [سورة البقرة 2/256]

556-4537 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن عامر، قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتاً ([1055]) لا يعيش لها ولد، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم. فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم، فقالوا: إنما جعلناهم على دينهم، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا، وإذ جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم! فنزلت: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فكان فصل ما بين من اختار اليهودية والإسلام، فمن لحق بهم اختار اليهودية، ومن أقام اختار الإسلام. ولفظ الحديث لحميد. ([1056])

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)} [سورة الحشر 59/2]

557-26188 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} قيل: الشام، وهم بنو النضير حي من اليهود، فأجلاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم  من المدينة إلى خيبر، مرجعه من أحد. ([1057])

558-حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري {مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} قال: هم بنو النضير قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم  حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة، والحلقة: السلاح، كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان الله عز وجل  قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك عذبهم في الدنيا بالقتل والسباء. ([1058])

559-26190 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عز وجل  به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم  وما عمل به فيهم، فقال: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} .. الآيات. ([1059])

560-26198 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: احتملوا من أموالهم، يعني بني النضير، ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، قال: فذلك قولـه: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وذلك هدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها. ([1060])

561-26201 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قولـه: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} يعني أهل النضير جعل المسلمون كلما هدموا من حصنهم جعلوا ينقضون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ثم يبنون ما خرب المسلمون. ([1061])

قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)} [سورة الحشر 59/3]

562-26204 - حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي. ([1062])

563-26205 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء} وكان لهم من الله نقمة {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أي بالسيف {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} مع ذلك. ([1063])

قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} [سورة الحشر 59/5]

564-26219- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا يزيد بن رومان، قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم  بهم يعني ببني النضير تحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بقطع النخل، والتحريق فيها، فنادوه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فأنزل الله عز وجل  {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}. ([1064])

قولـه تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} [سورة الحشر 59/6]

565-26228 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال: أمر الله عز وجل  نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها. قال: والإيجاف: أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها، فقال ناس: هلا قسمها، فأنزل الله عز وجل  عذره، فقال: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سورة الحشر 59/7] ثم قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}... الآية. ([1065])

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9)} [سورة الحشر 59/9]

566-26242- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث أن بني النضير خلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم  فكانت النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم  خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم  على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقراً، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . ([1066])


 الدراسة:

 بنو النضير:

بنو النضير قبيلة من قبائل اليهود في المدينة، عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم  على عدم الاعتداء وعدم نصر عدو له عليه الصلاة والسلام، يسكنون في ضاحية بأطراف المدينة بها خضرة ونخيل وماء تسمى (العوالي) وظل عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم  أربع سنوات كاملة قبل أن تحدث هذه الغزوة، و لما ضعفت شوكة اليهود بعد جلاء بني قينقاع عن المدينة النبوية، أخذ بنو النضير يتعاونون مع مشركي قريش بعد انتصار المسلمين في بدر، فعندما أراد أبو سفيان الثأر خرج في مئتي رجل، وأتى سلام بن مشكم وهو سيد بني النضير فاستقبله وسقاه خمراً وتعاون معه لإيذاء المسلمين. ثم هجم أبو سفيان على بعض البيوت وقتل رجلين من الأنصار ثم عاد إلى مكة المكرمة. ثم نقض بنو النضير العهد ثانية عندما رفضوا الاشتراك مع النبي صلى الله عليه وسلم  في يوم أحد بحجة أن القتال يدور يوم السبت وأن العهد بينهم ينص على المشاركة في الدفاع داخل المدينة وأحد خارجها، ثم توالت الأحداث بعد هزيمة أحد يوم السبت في النصف من شوال في السنة الثالثة من الهجرة، فاستهانت القبائل بأمرهم وأخذت تكيد لهم، فكانت حادثة الرجيع وهو ماء لقبيلة هذيل تعرض فيه ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للقتل والأسر ثم كانت مجزرة بئر معونة وهو بين أرض بني عامر وبني سليم في نجد، في صفر في السنة الرابعة، حيث استشهد محمد بن المنذر بن عمر ومعه أربعين من المسلمين على يد عامر بن الطفيل ومن ناصره من بني سليم، ولم ينج منهم سوى اثنان كعب بن زيد وعمرو بن أمية الضميري، الذي قتل رجلين من بني عامر أثناء عودته، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان قد ضمن لهما أمنهما. ([1067])

وكان بنو النضير حلفاء بني عامر، لذلك خرج النبي صلى الله عليه وسلم  معه عشرة من كبار الصحابة منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم  إلى مقربة من قباء لدفع دية الرجلين، فحاول بنو النضير قتل النبي صلى الله عليه وسلم  بأن يلقي عمرو بن جحاش صخرة عليه من على ظهر الجدار وهو جالس. لكن الله تعالى فضح مؤامرتهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم  بالعودة إلى المدينة. فخرج وكأنه يريد قضاء حاجة له، فلم يفطن له أحد، ثم تبعه أصحابه، ثم أنذر النبي صلى الله عليه وسلم  بني النضير بالجلاء عن حصونهم ومزارعهم خلال عشرة أيام فاستعد اليهود للرحيل، لكن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول, وعدهم بالمساعدة بألفين من العرب وحثهم على الصمود لأن إخوتهم من بني قريظة لن يخذلوهم وكذلك حلفاؤهم من غطفان. رفض بنو النضير الإنذار وأخذوا يستعدون للقتال فرمموا حصونهم، و أمدوها بالسلاح، وزودوها بمؤونة طعام تكفي أشهر طويلة.

حاصر النبي صلى الله عليه وسلم  يهود بني النضير في حصونهم لمدة عشرين يوماً وأخذ يقطع نخيلهم ويحرق بساتينهم، ومنع مساعدة المنافق عبد الله بن أبي بن سلول وحلفائهم من غطفان بعد أن رفض بنو قريظة نقض العهد معه.

فأيقن بنو النضير من سوء العاقبة، وتملكهم الخوف والرعب، وطلبوا منهم حقن دمائهم مقابل الاستسلام والجلاء، فأجابهم إلى طلبهم شرط أن يخرج كل ثلاثة منهم في بعير يحملون عليه ما شاءوا من دون السلاح، فخرجوا في ستمائة بعير فنزل بعضهم في خيبر بزعامة حيي بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع، ورحل البعض الآخر إلى أذرعات عند حدود بلاد الشام. وفي أمر بني النضير يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)} [سورة الحشر 59/2] .

 لقد خربوا بيوتهم بأيديهم، وذلك يتعلق بعقيدتهم فكل يهودي يعلق على نجاف داره صحيفة فيها وصية موسى لبني إسرائيل، ([1068]) لذلك حملوها معهم عند جلائهم، وقيل: أن ما حملوه معهم هو أخشاب بيوتهم وهي غالية الثمن في ذلك الوقت. وظن بنو النضير أن هذا الجلاء هو انتصار لهم، فخرجوا يرقصون في ابتهاج وسرور، وقد تزينت نساؤهم ويحملون الدفوف والمزامير. ([1069]) ولم يعلموا ما ينتظرهم من الهلكة، وقد غنم المسلمون من يهود بني النضير سلاحاً كثيراً، عدا الأراضي والبساتين التي قسمت على المهاجرين. وقيل: أن رجلين فقط من بني النضير أسلما فلم تمس أموالهما وهما: يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب. ([1070])


 بنو قريظة:

 الآثار:

قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76)} [سورة البقرة 2/76]

567-1113 - حدثنا القاسم، قال: حدثني الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله، {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم  يوم قريظة تحت حصونهم، فقال:((يا إخوان القردة ويا إخوان الخنازير ويا عبدة الطاغوت)) فقالوا: من أخبر هذا محمداً؟ ما خرج هذا إلا منكم {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم؛ قال ابن جريج، عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علياً فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم . ([1071])

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [سورة المائدة 5/51]

568-9483 حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاح، عن ابن جريج، عن عكرمة، قولـه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا لبابة بن عبد المنذر من الأوس، وهو من بني عمرو بن عوف، فبعثه إلى قريظة حين نقضت العهد، فلما أطاعوا له بالنزول أشار إلى حلقه الذبح الذبح. ([1072])

قوله تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} [سورة الأنفال 8/56]

569-12587 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ} قال: قريظة مالئوا على محمد يوم الخندق أعداءه. ([1073])

قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)} [سورة التوبة 9/102]

570-13329 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} قال أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال، أشار إلى حلقه: إن محمداً ذابحكم إن نزلتم على حكم الله. ([1074])

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)} [سورة الأحزاب 33/9]

571-21620- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، في قول الله: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة. ([1075])

قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10)} [سورة الأحزاب 33/10]

572-21624- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، قوله {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} فالذين جاؤوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاؤوهم من أسفل منهم: قريش وغطفان. ([1076])

573-21691- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة))، ثم استنزلوا، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالاً، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ست مئة أو سبع مئة، والمكثر منهم يقول: كانوا من الثمان مئة إلى التسع مئة، وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أرسالاً: يا كعب، ما ترى ما يصنع بنا؟ فقال كعب: أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وإنه من يذهب به منكم فما يرجع، هو والله القتل؛ فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وأتي بحيي بن أخطب عدو الله، وعليه حلة له فقاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة، لئلا يسلبها؛ مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل؛ ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب الله وقدره، وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه؛ فقال جبل بن جوال الثعلبي:

ولكنه من يخذل الله يخذل

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

وقلقل يبغي العز كل مقلقل

لجهد حتى أبلغ النفس عذرها

([1077])


 الدراسة:

 بنوا قريظة:

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صباح اليوم الذي فرغ فيه من غزوة الخندق ولم يكد يضع السلاح حتى أتاه جبريل عليه السلام  في صورة رجل يلبس عمامة يركب بغلة عليها سرج وقال له أو قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: ((نعم) قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، ما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إلى بني قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  منادياً، فأذن في الناس: إن من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب _ برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب _ حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  منهم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالطريق، فقال: يا رسول الله لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث، قال: ((لم؟ أظنك سمعت لي منهم أذى.) قال: نعم يا رسول الله. قال: ((لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً)). فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  من حصونهم قال: ((يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته.)) ([1078]) قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولاً، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم  على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: ((هل مر بكم أحد؟)) فقالوا: يا رسول الله، قد مر بنا ‌دحية بن خليفة الكلبي‌ على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم.))؛ فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قريظة؛ نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها: بئر أنا، فتلاحق به الناس، فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة.))، فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله صلى الله عليه وسلم . قال: وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وقد كان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه؛ فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم  غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً، فخذوا أيها، قالوا: وما هن؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل، وإنه الذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً، ولا نستبدل به غيره؛ قال: فإذا أبيتم هذه علي، فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين بالسيوف، ولم نترك وراءنا ثقلاً يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئاً نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم؛ قال: فإذا أبيتم هذه علي، فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا، فانزلوا لعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا؟ أما من قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً، قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا من حلفاء الأوس، نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؛ فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح، قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله لا يطأ بني قريظة أبداً ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم  خبره، وكان قد استبطأه، قال: ((أما إنه لو كان جاءني لاستغفرت له. أما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.)

ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وعليه محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة؛ فلما رآه قال: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى؛ وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم  وقال: لا أغدر بمحمد أبداً، فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله؛ فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب، فلا يدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا؛ فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم  شأنه، فقال: ((ذاك رجل نجاه الله بوفائه)). قال: وبعض الناس كان يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصبحت رمته ملقاة، ولا يدرى أين ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  تلك المقالة، فالله أعلم.

فلما أصبحوا، نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه، فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول، فوهبهم له؛ فلما كلمته الأوس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((فذاك إلى سعد بن معاذ))، وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: ((اجعلوه في خيمة رفيدة ([1079]) حتى أعوده من قريب.))؛ فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم  في بني قريظة، أتاه قومه فاحتملوه على حمار، وقد وطئوا لـه بوسادة من أدم، وكان رجلاً جسيماً، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولاك ذلك لتحسن فيهم؛ فلما أكثروا عليه قال: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ من كلمته التي سمع منه، فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  والمسلمين، قال: ((قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه فقالوا: ((يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولاك مواليك لتحكم فيهم) فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، إن الحكم فيهم كما حكمت، قال: نعم، قال: وعلى من ههنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  إجلالاً لـه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نعم) قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء. ([1080])

وليس لمعترض أن يعتبر ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم  حباً لسفك الدماء؛ لأن هذا حكم الله من فوق سبع سماوات أولاً وأخيراً، ثم إن هذا هو ما كان سيفعله اليهود لو قدرو عليه كما نص على ذلك كتابهم الذي يؤمنون به فقد ورد فيه: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها...و..لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك." ([1081])


 يهود خيبر:

 الآثار:

قولـه تعالى: {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (20)} [سورة الفتح 48/20]

574-24411- حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} عن بيوتهم، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر، وكانت خيبر في ذلك الوجه. ([1082])

قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [سورة البقرة 2/256]

575-4538 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت داود، عن عامر، بنحو معناه، إلا أنه قال: فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  بني النضير، فلحق بهم من كان يهودياً ولم يسلم منهم، وبقي من أسلم. ([1083])

قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)} [سورة آل 3/188]

576-6654 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أن أعداء الله اليهود يهود خيبر أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به، وأنهم متابعوه وهم متمسكون بضلالتهم، وأرادوا أن يحمدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم  بما لم يفعلوا، فأنزل الله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} ([1084])

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} [سورة المائدة 5/8]

577-9012 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} نزلت في يهود خيبر، أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جريج: قال عبد الله بن كثير: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى يهود يستعينهم في دية، فهموا أن يقتلوه. ([1085])

قولـه تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27)} [سورة الأحزاب 33/27]

578-21701- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان {وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا} قال: خيبر. ([1086])

قوله تعالى: {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (20)} [سورة الفتح 48/20]

579-24409- حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة، قوله : {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} وهي خيبر . ([1087])

 يهود فدك وتيماء ووادي القرى وأذرح

قوله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} [سورة المائدة 5/41]

580-9321 - حدثني المثني ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، قال : ثنا زكريا ومجالد ، عن الشعبي ، عن جابر في قوله : {وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} قال : يهود المدينة ؛ {لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} قال : يهود فدك يقولون ليهود المدينة : إن أوتيتم هذا فخذوه. ([1088])

قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [سورة الحشر 59/6]

581-26225 - حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري، في قوله {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} قال : صالح النبي صلى الله عليه وسلم  أهل فدك وقرى قد سماها لا أحفظها، وهو محاصر قوماً آخرين، فأرسلوا إليه بالصلح ، قال: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} يقول : بغير قتال. قال الزهري : فكانت بنو النضير للنبي صلى الله عليه وسلم  خالصة لم يفتحوها عنوة، بل على صلح، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم  بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئاً، إلا رجلين كانت بهما حاجة  ([1089])

قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} [سورة الحشر 59/6]

582-26228 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قولـه {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال: أمر الله عز وجل  نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها. قال: والإيجاف: أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها، فقال ناس: هلا قسمها، فأنزل الله عز وجل  عذره، فقال: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سورة الحشر 59/7] ثم قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}... الآية. ([1090])

583-164 - وحدثنا حميد بن مسعدة الشامي ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق: أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو محاصر وادي القرى فقال: من هؤلاء الذين تحاصر يا رسول الله؟ قال: ((هؤلاء المغضوب عليهم: اليهود.)) ([1091])

584-13538 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم  غزوة تبوك وهو يريد الروم ونصارى العرب بالشام، حتى إذا بلغ تبوك أقام بها بضع عشرة ليلة ولقيه بها وفد أذرح ووفد أيله، صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  على الجزية. (باختصار) ([1092])


 الدراسة:

 خيبر:

عندما ذهبت طائفة من يهود بني النضير إلى خيبر لم يطل بها المقام في سكون ودعة، بل أخذت تعد العدة وتجهز لفصل آخر من فصول الإيذاء للإسلام والمسلمين، وهذا هو دأب اليهود لاينتهون من مؤامرة حتى يبدأوا في حياكة أخرى، فكان من أسباب تحزب الأحزاب يوم الخندق, أن نفراً من اليهود، منهم: سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش مكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله، وكان يهود خيبر يسكنون على مسافة ليست بالبعيدة من المدينة إلى جهة الشام وكان أهلها ينعمون برواج مادي مكنهم من بناء بيوت حصينة لسكناهم، وأحاطوها بحصون بحسب تجمعاتهم, وفي السنة السابعة للهجرة بدؤوا يعدون العدَّة لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم  واتصلوا بغطفان لنصرتهم.

وحال صلح الحديبية بينهم وبين قريش من الاشتراك في حرب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كان لهجرة بني قينقاع إليهم وبعض بني النضير أثره في إيقاد نار الحقد على الرسول صلى الله عليه وسلم  محاولين القضاء عليه.

وعندما تيقن الرسول صلى الله عليه وسلم  بما كان من أمرهم خرج إليهم في نفس السنة في ألف وستمائة من الصحابة رضي الله عنهم . وقد فاجأهم وصوله, فضلاً عن إرسال بعض الصحابة إلى غطفان ليشغلوهم عن التوجه إلى خيبر, حتى كتب الله له الغلبة على اليهود بعد قتال مرير، وقد انتهت المعركة بنصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم  على يهود خيبر.

ثم استبقى الرسول صلى الله عليه وسلم  اليهود بأرض خيبر للمزارعة على أن يعطوا نصف الثمر للمسلمين. ليسوا شركاء ولكن عمالاً يطردهم متى شاء فقال لهم صلى الله عليه وسلم : ((إنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم.)) ([1093])

فعن ‌ابن عمر‌ _ أن صلى الله عليه وسلم : ((قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض وألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم  الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم، على أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكاً لحيي بن أخطب وقد كان قتل قبل خيبر كان احتمله معه يوم بني النضير حين أجليت النضير فيه حليهم، قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم  لسعيه أين مسك حيي بن أخطب، قال أذهبته الحروب والنفقات، فوجدوا المسك فقتل ابن الحقيق وسبي نساءهم وذراريهم وأراد أن يجليهم، فقالوا: يا محمد دعنا نعمل في هذه الأرض ولنا الشطر ما بدا لك ولكم الشطر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقاً من تمر وعشرين وسقاً من شعير, ([1094]) وكان من نتائج هذه الغزوة توقيع معاهدات صلح مع الرسول صلى الله عليه وسلم  وبين بقية اليهود مع دفع الجزية وذلك على النحو التالي:

أ ـ يهود فدك: ما أن علموا بنصر الله لنبيه على يهود خيبر حتى أرسلوا رسلهم يطلبون المصالحة على النصف من فدك، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم  ذلك منهم بنفس شروط خيبر.

ب ـ وادي القرى: (موضع قرب المدينة يسكنه اليهود) حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم  وهو في طريقه إلى المدينة أربعة أيام وقتل منهم أحد عشر رجلاً وفتح ديارهم بالقوة ثم قسمهم الرسول صلى الله عليه وسلم  كغنائم على أصحابه واستبقاهم لزراعة الأرض وعاملهم عليها.

جـ ـ يهود تيماء: وأذرح: صالحوا الرسول صلى الله عليه وسلم  على الجزية بعد علمهم بهزيمة يهود وادي القرى. ([1095])


 المبحث الثاني: الآثار الواردة في موقف اليهود من المسلمين:

 المطلب الأول: إثارة الفتنة بينهم:

 الآثار:

قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [سورة آل عمران 3/100]

585-5945- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال : ثني الثقة، عن زيد بن أسلم، قال: مر شاس بن قيس، وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  - من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه. فغاظه ما رأى من جماعتهم وألقتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابا من اليهود وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحرث من الأوس وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرة - فخرجوا إليها وتحاور الناس، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: "يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا" فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا. ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس وما صنع فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً} [سورة آل عمران 3/98-99] ... الآية وأنزل الله عز وجل  في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا مما أدخل عليهم شاس بن قيس من أمر الجاهلية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ([1096])

586-5950 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} قال: نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري، كان بينه وبين أناس من الأنصار كلام، فمشى بينهم يهودي من قينقاع، فحمل بعضهم على بعض حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيقاتلوا، فأنزل الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} يقول: إن حملتم السلاح فاقتتلتم كفرتم. ([1097])

587-5951 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج عن مجاهد في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} قال: كان جماع قبائل الأنصار بطنين الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حرب. ودماء وشنآن، حتى من الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم، وألف بينهم بالإسلام قال: فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان، ومعهما يهودي جالس، فلم يزل يذكرهما أيامهما والعداوة التي كانت بينهم، حتى استبا، ثم اقتتلا. قال: فنادى هذا قومه، وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح، وصف بعضهم لبعض. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم  شاهد يومئذ بالمدينة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم، حتى رجعوا ووضعوا السلاح، فأنزل الله عز وجل  القرآن في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} إلى قوله: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} ([1098])

 المطب الثاني: تشكيك المسلمين

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً} [سورة آل عمران 3/99]

588-5946- حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً} كانوا إذا سألهم أحد: هل تجدون محمداً؟ قالوا: لا! فصدوا عنه الناس، وبغوا محمداً عوجاً: هلاكاً. ([1099])

589-7533 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو، وحيي بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجـالا من الأنصار، وكانوا يخالطونهم، يتنصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله فيهم: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة النساء 4/37] أي من النبوة التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}... إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ بِهِم عَلِيماً}. ([1100])

قولـه تعالى: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة آل عمران 3/72]

590-5716-حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} كان أحبار قرى عربية اثني عشر حبرا، فقالوا لبعضهم: ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا نشهد أن محمدا حق صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم، فحدثونا أن محمدا كاذب، وأنكم لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم، لعلهم يشكون، يقولون: هؤلاء كانوا معنا أول النهار، فما بالهم؟ فأخبر الله عز وجل  رسوله صلى الله عليه وسلم  بذلك. ([1101])

591-5717-حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل  {آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ} يهود تقوله صلت مع محمد صلاة الصبح، وكفروا آخر النهار مكرا منهم، ليروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه. ([1102])

592-5718-حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قولـه: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ}... الآية. وذلك أن طائفة من اليهود قالوا: إذا لقيتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  أول النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلم منا، لعلهم ينقلبون عن دينهم، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم. ([1103])

593-5724 - حدثنا محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} : لعلهم ينقلبون عن دينهم. ([1104])


 الدراسة:

دخل الإسلام المدينة، وأصبح المسلمون أكثرية لا يستهان بها، ولم يبق بيت في المدينة لم يدخله نور الإسلام، في المقابل كانت هناك فئات لم تسلم، يشكل اليهود الغالبية العظمى منها، ولما كان هؤلاء اليهود لايضمرون للإسلام وأهله إلا الكره والبغض، فقد عملوا ماوسعهم الجهد على إيجاد بواعث للشقاق والخلاف بين الفئات المسلمة، وأصبح في المدينة نوعان من المسلمين:

1- فئة أسلمت عن حق، ودخل الإسلام قلبها، تستهون في سبيله الصعاب والعقبات.

2- وفئت أسلمت نفاقاً، كان لليهود دور كبير في إيجادها، وهواها تبع لهوى اليهود، تأتمر بأمرهم، وتنفذ خططهم،كما سيأتي.

أما الفئة التي أسلمت بحق، فقد سعى اليهود في تأليبهم على بعضهم لما رأوا من تماسكهم، وذلك متى ما وجدوا الفرصة مواتية، ولذا تتجلى طبيعة دور اليهود تجاه المسلمين، فقد كان الأوس والخزرج قبل ظهور الإسلام، وقبل أن يمنّ الله عليهم فيسلموا في فرقة وشتات وتناحر، وكان اليهود يغذون هذا الصراع الدائر بين القبيلتين، ويمدونه ما استطاعوا بعوامل إيقاد الحروب، ولما دخل الإسلام المدينة واجتمعت القلوب، وصفت الأنفس، وأصبح الأوس والخزرج تجمعهم كلمة واحدة، ويربطهم رباط الإسلام الذي صاروا بفضل الله ثم بفضله قوة واحدة متماسكة، بعد أن كانوا قبائل متناحرة، فغيظ اليهود لهذا لأنهم كانوا في قرارتهم يتمنون زوال هذا الدين، ويسعون لهدمه، ولما كان من الصعب عليهم مواجهة المسلمين وهم قوة متآلفة مترابطة، فإنه لم يكن أمامهم سوى خلخلة الجبهة الداخلية للمسلمين، وضرب هذه الوحدة وهذا التآلف، لذا سعوا ماوسعهم الجهد في تأليب المسلمين على بعض، والوقيعة بينهم، وتذكيرهم بما كانوا عليه قبل الإسلام، والتحريض على أخذ الثأر ليسهل عليهم اختراق الصفوف المسلمة، وهدم الإسلام من داخله وبأيدي أبنائه، ولكن الله حمى الإسلام والمسلمين من مكائد اليهود، وعاد المسلمون إلى رشدهم بعد أن بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم  أن هذا من دعوى الجاهلية، كما في قصة شاس المتقدمة في الأثر.

 ومثله تشكيك المسلمين في دينهم منخدعين بكون اليهود أهل كتاب وقد استغل اليهود ذلك استغلالاً دنيئاً كما مر في الأثر قال ابن كثير : "هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم إطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين." ([1105])

وقال القرطبي: "معناه أنهم جاؤوا محمداً صلى الله عليه وسلم  أول النهار ورجعوا من عنده فقالوا للسفلة: هو حق فاتبعوه، ثم قالوا: حتى ننظر في التوراة، ثم رجعوا في آخر النهار فقالوا: قد نظرنا في التوراة فليس هو به. يقولون إنه ليس بحق، وإنما أرادوا أن يلبسوا على السفلة وأن يشككوا فيه." ([1106])


 المطلب الثالث: من أسلم منهم:

 الآثار:

قولـه تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} [سورة الأحقاف 46/10]

594- 24171 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثنا أبو داود الطيالسي ، قال : ثنا شعيب بن صفوان ، قالا : ثنا عبد الملك بن عمير، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله : أنزل في {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . . . إلى قوله : {فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} ([1107])

595-24171- محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس  رضي الله عنهما  قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)} [سورة فصلت 41/52]... الآية قال: كان رجل من أهل الكتاب آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم  فقال: إنا نجده في التوراة وكان أفضل رجل منهم وأعلمهم بالكتاب فخاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: ((أترضون أن يحكم بيني وبينكم عبد الله بن سلام, أتؤمنون؟)) قالوا: نعم فأرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ((أتشهد أني رسول الله مكتوباً في التوراة والإنجيل)) قال: نعم فأعرضت اليهود، وأسلم عبد الله بن سلام فهو الذي قال الله جل ثناؤه عنه: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} يقول: فآمن عبد الله بن سلام. ([1108])

596-24174 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)}... الآية كنا نحدث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله وبرسوله وبالإسلام وكان من أحبار اليهود. ([1109])

597-24178- حدثني أبو شرحبيل الحمصي ، قال : ثنا أبو المغيرة ، قال : ثنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم  وأنا معه ، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ((يا معشر اليهود أروني اثنى عشر رجلاً يشهدون أنه لا إله إلا هو، وأن محمداً رسول الله، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه.)) ، قال : فأسكتوا فما أجابه منهم أحد، ثم ثلث فلم يجبه أحد، فانصرف وأنا معه، حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد، قال : فأقبل، فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود، قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله، ولا أفقه منك، ولا من أبيك، ولا من جدك قبل أبيك، قال : فإني أشهد بالله أنه النبي صلى الله عليه وسلم  الذي تجدونه في التوراة والإنجيل، قالوا: كذبت، ثم ردوا عليه قوله وقالوا لـه شراً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ((كذبتم لن نقبل قولكم، أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذ آمن كذبتموه وقلتم ما قلتم، فلن نقبل قولكم.)) ، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا، وعبد الله بن سلام، فأنزل الله فيه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ} . . . الآية . ([1110])

قوله تعالى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [سورة آل عمران 3/113]

598-6044 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه، قالت: أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله عز وجل  في ذلك من قولهم: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} ([1111])

599-6046 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حاج، قال: قال ابن جريج: {أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ} عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سلام أخوه، وسعية ومبشر، وأسيد وأسد ابنا كعب. ([1112])


 الدراسة:

 لم يسلم من اليهود الاّ عدد قليل من الرجال والنساء:

أ- فمن الرجال:

1- عبد الله بن سلام:

لم تقتصر عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم ، وللإسلام فقط، بل تعدى ذلك إلى معاداة المسلمين، حتى ولو كان من أحبار اليهود ومن علمائهم، ويبرز هذا في موقفهم من عبد الله بن سلام الذي حدث عن إسلامه قائلاً: ((لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم  عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له، فكنت مُسراً لذلك صامتاً عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم  كبَّرتُ، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران عليه السلام  قادماً مازدت، قال: فقلت لها: أي عمه، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بُعث بما بُعث به قال: فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نُخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: فقلت لها: نعم، قال: فقالت: فذاك إذاً، قال: ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا.)) ([1113])

ولكن اليهود كعادتهم في خبث الطوية وانقلاب المواقف لم يعجبهم إسلام حبر من أحبارهم, ذو علم كانوا يرجعون إليه وإلى والده، فعن أنس قال: ((سمع عبد الله بن سَلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهم إلا نبي: فما أول أشراط الساعة، وماأول طعام أهل الجنة، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه، قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً، قال: جبريل؟ قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، يارسول الله: إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أي رجل عبد الله فيكم؟)) قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: ((أرأيتم إن أسلم عبد الله ابن سلام؟) فقالوا: أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.)) ([1114])

وتتضح من خلال المقارنة بين موقف اليهود من عبد الله بن سلام قبل أن يسلم وبعد أن أسلم النظرة التي كانوا ينظرون بها إلى الدين وإلى من تبعه من المسلمين، فإسلام عبد الله كان سبباً في عداوتهم له بعد أن كان في نظرهم خيرهم وأعلمهم، فسرعان ما تحول الثناء والمدح إلى انتقاص وذم في لحظات، وهو ما يدل على أن هؤلاء إنما تحكمهم عقيدتهم المتأصلة في نفوسهم لا غير، بغض النظر عن صحتها أو فسادها، حيث لم يترددوا في إطلاق التهم على عبد الله بن سلام بسبب إسلامه، مما يبين موقف اليهود من الإسلام والمسلمين.

2-4 وممن أسلم: ثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد:

وكان من قصة سبب إسلام هؤلاء، ما رواه البيهقي بسنده عن شيخ من بني قريظة أنه قال: ((هل تدري عما كان إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد نفر من هدل لم يكونوا من بني قريظة ولا نضير كانوا فوق ذلك؟ فقلت: لا. قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له: (ابن الهيبان) فأقام عندنا والله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس خيراً منه، فقدم علينا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  بسنتين فكنا إذا قحطنا وقل علينا المطر نقول لـه يا ابن الهيبان اخرج فاستسق لنا، فيقول: لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة، فنقول: كم نقدم؟ فيقول: صاعاً من تمر، أو مدين من شعير، ثم يخرج إلى ظاهرة حرتنا ونحن معه، فيستسقي، فوالله ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة، فحضرته الوفاة فاجتمعنا إليه فقال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ فقلنا: أنت أعلم، فقال: إنه إنما أخرجني أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه هذه البلاد مهاجره، فاتبعه فلا تسبقن إليه إذا خرج، يا معشر يهود فإنه يسفك الدماء ويسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعكم ذلك منه، ثم مات فلما كانت تلك الليلة التي افتتحت فيها قريظة قال أولئك الفتية الثلاثة -وكانوا شباباً أحداثاً- يا معشر يهود هذا الذي كان ذكر لكم ابن الهيبان، قالوا: ما هو. قالوا: بلى والله إنه لهو، يا معشر اليهود إنه والله لهو بصفته، ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم، قال: وكانت أموالهم في الحصن مع المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم.)) ([1115])

5- ومنهم : زيد بن سعنة:

روى ابن حبان بسنده إلى عبد الله بن سلام _ قصة إسلامه فقال: ((إن الله تبارك وتعالى لما أراد هدى زيد بن سعية قال زيد: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم  حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فلبثت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فخرج يوماً من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب _ فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال: يا رسول الله أهل قرية بني فلان أسلموا ودخلوا في الإسلام وكنت أخبرهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً وقد أصابتهم سنة وقحوط من الغيث وأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعاً فإن رأيت أن ترسل إليهم ما يعينهم فعلت، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى رجل عن جانبه أراه عمر _ فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله، قال زيد بن سعية: فدنوت إليه فقلت له يا محمد هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا، قال: لا يا يهودي ولكن أبيعك تمراً معلوماً إلى أجل كذا وكذا ولا أسمي حائط بني فلان، قلت: نعم، فبايعني صلى الله عليه وسلم  فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطاها الرجل وقال اعجل عليهم وأغثهم، قال زيد بن سعية: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم  في نفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه ونظرت إليه بوجه غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب مطل، ولقد كان لي لمخالطتكم علم، قال: ونظرت إلى عمر بن الخطاب _ وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني بنظره وقال: أي عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ما أسمع وتفعل به ما أرى، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم  ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعاً من غيره مكان مارعته، فذهب بي عمر _ فقضاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت له: ما هذه الزيادة، قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن أزيدكها مكان ما رعتك، قلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا من أنت؟ قلت: زيد بن سعية قال: الحبر؟ قلت: نعم الحبر. قال: فما دعاك إلى أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ما قلت وتفعل به ما فعلت، قلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فقد خبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم  نبياً، وأشهدك أن شطر مالي وإني لأكثرها مالاً صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر _ أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم! فقلت: أو على بعضهم، فرجع عمر _ وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال زيد :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وآمن به.)) ([1116])

6- ومنهم : مخيريق:

كان يهودياً من بقايا بني قينقاع من بني ثعلبة, نازلاً في بني النضير فشهد أحد وقال لقومه: ((يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، فقال: لا سبت، فأخذ سيفه وعدته وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقاتل معه حتى قُتل)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مخيريق سابق يهود.)) وأوصى مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم  فهي عامة صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: وكانت أموال مخيريق في بني النضير. ([1117])

7- ومنهم: سعيد بن عامر ذُكر أنه أحد من أسلم من اليهود ونزل فيهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [سورة البقرة 2/121] ([1118])

8- ومنهم: عبد الرحمن بن سماك ذكره خليفة فيمن أسلم من اليهود فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم . ([1119])

ب- ومن النساء:

1- أم المؤمنين صفية رضي الله عنها : وهي من بني قريظة.

لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغموص حصن ابن أبي الحقيق أتي بصفية بنت حيي رضي الله عنها  ومعها ابنة عم لها، جاء بهما بلال فمر بهما على قتلى يهود، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكت وجهها وصاحت وحثت التراب على وجهها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اعزبوا هذه الشيطانة عني.)) وأمر بصفية فجعلت خلفه وغطى عليها ثوبه، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه، وقال لبلال: ((أنزعت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتين على قتلاهما!)) وفي رواية: فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: ((يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك)) ، قال: ادعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ((خذ جارية من السبي غيرها)) ، قال: فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم  وتزوجها، فقال له ثابت: يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال: نفسها أعتقها وتزوجها، حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم  عروساً.)) ([1120])

وفي رواية: ((لما قدمت صفية من خيبر أنزلت في بيت لحارثة بن النعمان فسمع نساء الأنصار فجئن ينظرن إلى جمالها، وجاءت عائشة رضي الله عنها  متنقبة فلما خرجت خرج النبي صلى الله عليه وسلم  على أثرها فقال: ((كيف رأيت يا عائشة؟)) قالت: رأيت يهودية، فقال: ((لا تقولي ذلك، فإنها أسلمت وحسن إسلامها.))

وكانت صفية رضي الله عنها  رأت قبل ذلك أن القمر وقع في حجرها، فذكرت ذلك لأمها فلطمت وجهها وقالت: إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب، فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم  فسألها عنه فأخبرته. ([1121])

 وفضائلها كثيرة منها: ما رواه بن سعد بسند حسن عن زيد بن أسلم قال اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم  في مرضه الذي توفى فيه، واجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي رضي الله عنها : ((إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزن أزواجه ببصرهن.)) فقال صلى الله عليه وسلم : ((مضمضن.)) فقلن: من أي شيء؟ فقال: ((من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة.)) وتوفيت صفية رضي الله عنها  سنة اثنتين وخمسين (52) هـ  في خلافة معاوية بن أبي سفيان _ وقبرت بالبقيع. ([1122])

2- وممن أسلم: ريحانة بنت شمعون بن زيد من بني النضير وكانت متزوجة رجلاً من بين قريظة يقال له الحكم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  سباها، فأبت إلا اليهودية، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم  في نفسه، فبينما هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال: هذا ثعلبة بن سعية  يبشرني بإسلام ريحانة، فبشره وعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله، بل تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها. ([1123])


 المبحث الثالث: الآثار الواردة في علاقة اليهود بالمنافقين :

 الآثار:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)} [سورة المجادلة 58/14]

600-26178- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} إلى آخر الآية قال: هم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم. ([1124])

601-26179 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله عز وجل  {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ} قال: هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود وقرأ قول الله: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [سورة الحشر 59/11] حتى بلغ {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} لئن كان ذلك لا يفعلون وقال: هؤلاء المنافقون قالوا: لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معا لنصرتنا وعزنا، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة، فقال الله عز وجل : {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)} [سورة المائدة 5/52] حتى بلغ: {فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13)} [سورة الحشر 59/13] وقرأ حتى بلغ: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)} [سورة الحشر 59/14] قال: لا يبرزون. ([1125])

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ} [سورة الحشر 59/2]

602-26195 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان أن رهطاً من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن خرجتم خرجنا معكم فتربصوا لذلك من نصرهم فلم يفعلوا وكانوا قد تحصنوا في الحصون من رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين نزل بهم. ([1126])

قوله تعالى: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} [سورة الحشر 59/11]

603-26257 - حدثني به محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} قال: عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة أو رافعة بن تابوت. وقال الحارث: رفاعة بن تابوت ولم يشك فيه وعبد الله بن نبتل وأوس بن قيظي. ([1127])

604-26258 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  قوله {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} يعني عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه ومن كان منهم على مثل أمرهم. ([1128])

قوله: {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)} [سورة الحشر 59/12] 

605-26259 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما  {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني: بني النضير. ([1129])

قوله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)} [سورة الحشر 59/15] 

606-26261 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} قال: المنافقون يخالف دينهم دين النضير. ([1130])

607-26262 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران عن سفيان عن ليث عن مجاهد {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً}] قال: هم المنافقون وأهل الكتاب. ([1131])

608-13046 - حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، كل قد حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض، وكل قد اجتمع حديثه في هذا الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد، وحين طاب الثمار وأحبت الظلال، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وأخبر أنه يريد غير الذي يصمد لـه، إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي صمد لـه ليتأهب الناس لذلك أهبته. فأم الناس بالجهاد، وأخبرهم أنه يريد الروم، فتجهز الناس على ما في أنفسهم من الكره لذلك الوجه لما فيه، مع ما عظموا من ذكر الروم وغزوهم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  جد في سفره، فأمر الناس بالجهاز والانكماش، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  ضرب عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي ابن سلول عسكره على ذي حدة أسفل منه نحو ذباب جبل بالجبانة أسفل من ثنية الوداع، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين؛ فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم  تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكان عبد الله بن أبي أخا بني عوف بن الخزرج، وعبد الله بن نبتل أخا بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع، وكانوا من عظماء المنافقين، وكانوا ممن يكيد للإسلام وأهله. قال : وفيهم أنزل الله: {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ} . الآية . ([1132])


 الدراسة:

 بداية عداوة المنافقين:

بدأ النفاق حين قويت شوكة الدين بانتصار رسول صلى الله عليه وسلم  العظيم، والمؤمنون في معركة بدر الكبرى، وكان رأس النفاق رجل من سادات أهل المدينة كان أهلها يستعدون لتنصيبه ملكاً عليهم قبل وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى مهاجره، كما في الصحيحين عن عروة بن الزبير قال أخبرني أسامة بن زيد _ أن النبي صلى الله عليه وسلم  ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج وذلك قبل وقعة بدر حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفيهم عبد الله بن أبي بن سلول وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم  ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقاً فلا تؤذنا في مجالسنا وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه، قال ابن رواحة: اغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم  يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال: ((أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي- قال: كذا وكذا)) ، قال: ((اعف عنه يا رسول الله واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت.)) فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم . ([1133])

 ظهور النفاق على يد اليهود وبعض صوره:

معلوم أن هناك فئة من أهل المدينة لم تسلم، وهذه الفئة حينما عاينت انتصار المسلمين في بدر هالها الأمر، وأدركت أن المسلمين أصبحوا قوة لا يستهان بها، وأنه من الخير لهم ألا يقفوا منها موقف المعادي، وأن يجاروا المسلمين، فأظهروا إسلامهم نفاقاًًًًً، وتبعهم على ذلك بعض اليهود زوراً وبهتاناً ممن أظهر إسلامه بلسانه وأخفى في قلبه الحقد والغيظ على الإسلام وأهله.

وقد نجح سادة اليهود في جعل هؤلاء الذين لم يدخل الإسلام قلوبهم أدوات في أيديهم يستخدمونهم في تنفيذ مؤامراتهم ضد الإسلام وأهله، وقد كان المنافقون يشكلون جبهة داخلية مهمتها تقويض أركان الإسلام، وذلك باستغلال الأحداث التي تعرض للمسلمين، ومحاولة تضخيمها.

ويظهر القرآن الكريم مدى ارتباط المنافقين باليهود وذلك في حديثه عن المنافقين في سورة البقرة، يقول تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14)} [سورة البقرة 2/14] 

قال ‌ابن كثير‌ في معنى {شَيَاطِينِهِمْ} : "سادتهم وكبراؤهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين ... قال ابن عباس رضي الله عنهما : {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}: من يهود الذي يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ." ([1134])

فالآية السابقة إذاً توضح مدى الارتباط الكلي بين المنافقين واليهود، وتبين دور اليهود في تكوين فرق المنافقين، ولاشك أن النفاق أمر تعود عليه اليهود منذ القدم، فهم إذا ما غلبوا على أمرهم، وأصبحوا لايستطيعون المواجهة فحينئذ تبرز خصلة النفاق وسيلة تنقذهم مما هم فيه، وتساعدهم على تدبير المكائد والخطط.

إذاً لا عجب والأمر كذلك أن يستخدم اليهود النفاق مع المسلمين في ذلك الوقت فيُكَونوا الطائفة التي عرفت بالمنافقين والتي كان دورها كبيراً في كثير من الأحداث التي حصلت للمسلمين فيما بعد بتوجيه من اليهود الذين عجزوا عن الاختراق المباشر لصفوف المسلمين، فبدأوا يوجهون الأحداث عن بعد، عن طريق المنافقين الذين كان على رأسهم: عبدالله بن أبي بن سلول.

 يقول الميداني رحمه الله : "وبذلك استطاع اليهود أن يكونوا حزباً مستوراً من المنافقين من عرب يثرب مع بعض أفراد من يهود أسلموا نفاقاً، وصاروا يغذونهم بعوامل النفاق التي لهم فيها باع طويل وخبرات كثيرة مارسوها منذ آلاف السنين، في مختلف الأمم التي حكمتهم وأذلتهم، ويؤكد ذلك أيضاً أنه لما تم جلاء اليهود عن المدينة خفتت أصوات المنافقين، وتجمدت معظم حركاتهم، وصلح بال الرسول صلى الله عليه وسلم  والمؤمنين الصادقين من جهة سلامة الصف الداخلي من عوامل الفتنة ومسببات التخلخل." ([1135])

وهذا عرْض لبعض المواقف التي كان للمنافقين فيها دور كبير، ولليهود توجيه لا يخفى على أحد:

 1- أولاً: في غزوة بدر الكبرى :

نصر الله - تعالى - المسلمين في غزوة بدر على قلتهم، وغاظ هذا النصر اليهود والمنافقين، فبدأوا يروجون الإشاعات والأراجيف حول المعركة، وذلك قبل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة رضي الله عنهما  ليبشرا أهل المدينة بالنصر. فلما سمع اليهود والمنافقون بهذا قال أحدهم: (قتل صاحبكم ومن معه؟ وقال آخر لأبي لبابة : قد تفرق أصحابكم تفرقاً لا يجتمعون فيه أبداً، وقد قتل عليه أصحابه، قتل محمد وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ماذا يقول من الرعب.) ([1136]) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد أرسل زيداً على ناقته القصواء. لذا قالوا ما قالوه نشراً للفتنة، ومحاولة لزرع الشبهات في صفوف المسلمين، واستبعاداً لحصول النصر، وتهويناً من أمره في نفوس المسلمين، ولكن الله أظهر أمرهم، وفضح نيتهم، ورد كيدهم في نحورهم، ذاك أنه عندما سمع أسامة بن زيد بن حارثة هذه المقالة، سأل أباه عن الحقيقة، يقول أسامة: ((فجئت حتى خلوت بأبي فقلت أحق ما تقول؟ فقال: إي والله حق ما أقول، فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت: أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين، لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا قدم فليضربن عنقك، فقال: إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه.)) ([1137])

 أما كعب بن الأشرف، وهو من أشد اليهود عداء قال: (أحق هذا؟ أترون محمداً قتل هؤلاء الذين يُسمِّي هذان الرجلان؟ - يعني زيداً وعبد الله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمداً أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها.) ([1138]) ولم يكتف بهذا، بل إنه ذهب إلى قريش يندب قتلاها، ويحرض على أخذ الثأر،كما تقدم.

 2- ثانياً : في غزوة أحد :

وقعت غزوة أحد في السنة الثالثة في شهر شوال منها، وكان لليهود فيها عن طريق المنافقين دور لا يخفى، حيث رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش، ولم يقاتل في ذلك اليوم هو ومن تبعه من المنافقين واليهود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قبل ذلك قد استشار جملة من المسلمين في أن يخرج لمواجهة قريش خارج المدينة، أو أن ينتظرهم داخلها، فأشار عليه البعض ومنهم ابن أُبي بأن لا يخرج، بينما رأى آخرون الخروج وملاقاة قريش خارج حدود المدينة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ برأي ابن أبي، رجع ومعه ثلث جيش المسلمين.

 يروى ابن إسحاق هذه القصة قائلاً: "حتى إذا كانوا بالشَّوط بين المدينة وأحد، انخذل عنه عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا! أيها الناس فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب واتَّبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، أخو بني سلمة يقول: ((يا قوم أذكّركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. قال: فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فيسغني الله عنكم نبيه)) ([1139])

وقد كان صنيعة اليهود عبد الله بن أبي يظن -وهم من وراءه- أنه بفعله هذا سيضعف من موقف المسلمين في المعركة، أو يفقدهم ثقتهم بأنفسهم حينما يرون ثلث الجيش قد انخذل ورجع، لكن هذا الأمر لم يحصل، وقد كانت تلك مكيدة مدبرة بين اليهود وبين ابن أبي نفذها بتخطيطهم، وإن كانت تنسب إليه، إلا أن أصابع اليهود الخفية لعبت فيها دوراً لايُنكر، ثم كيف تابع اليهود ابن أبي، مع العلم أن غزوة أحد وقعت في السنة الثالثة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم  كان قد أجلى قبيلة بني قينقاع حلفاء ابن أبي قبل ذلك، فكيف انضم من بقي في المدينة من اليهود وهم بنو قريظة والنضير إلى ابن أبي مع أنهم لم يكونوا حلفاءه في يوم من الأيام!؟ ولكن حينما تتضح وحدة الهدف الذي يسعى إليه كل من ابن أبي المنافق واليهود بكافة قبائلهم وطوائفهم، يظهر سر اتحادهما معاً ضد المسلمين.

يقول الأستاذ إبراهيم سالم : "وعجيب أن ينضم بنو النضير وبنو قريظة إلى ابن أبي الخزرجي وكانوا من قبل أحلافاً للأوس ضد الخزرج، وهذا يدل دلالة واضحة على أنه كان هناك تنظيم دقيق أنشأه اليهود قضى بتجميع كل من أمكن وضمه لمعاداة المسلمين، ووضعــوا لـه خطـطاً، ونصـــبوا عليه ابن أبي زعيماً لما رأوا فيه شخصاً مريض القلب والنفس معجباً بنفسه، متفانياً ومتهالكاً في طلب السلطة." ([1140])

وعلى الرغم من كل ما فعله، فقد حاول أن يستعيد بعد ذلك مكانته وهيبته بين صفوف المسلمين، يقول ابن إسحاق: "فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان عبد الله بن أبي بن سلول له مقام يقومه كل جمعة لا يُنْكر، شرفاً لـه في نفسه وفي قومه، وكان فيهم شريفاً، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم  يوم الجمعة وهو يخطب الناس، قام فقال: أيها الناس، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه وعزروه، واسمعوا لـه وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع بالناس، قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس، أي عدو الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجراً ([1141]) أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: مالك؟ ويلك، قال: قمت أشدد أمره، فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني، كأنما قلت بجراً أن قمت أشدد أمره، قال: ويلك، ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي." ([1142])

ويتضح من خلال استعراض الأحداث التي قام بها اليهود، سواءً سعيهم في الوقيعة بين المسلمين بتذكيرهم بالماضي، وما كانوا عليه، أم في زرعهم لشجرة النفاق في المدينة، وتغذيتها، أن هؤلاء اليهود اتخذوا هذه الطرق لتساعدهم في التصدي للإسلام، حين أيقنوا عجزهم عن مواجهته علناً، فبذلوا الجهد في محاربته سراً، وعن طريق تفكيك وحدة المسلمين، وتقويض أركانه الداخلية، ومع ذلك كشفهم الله تعالى، وفضح خبيئتهم، فلم تعد تلك الأساليب تنطلي على المسلمين في ذلك الوقت، ولم يعد لها أثر من جهة تماسكهم وترابطهم.

قال الطبري في قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ} [سورة الحشر 59/12]

 يقول تعالى ذكره: لئن أخرج بنو النضير من ديارهم، فانجلوا عنها لا يخرج معهم المنافقون الذين وعدوهم الخروج من ديارهم، ولئن قاتلهم محمد صلى الله عليه وسلم  لا ينصرهم المنافقون الذين وعدوهم النصر، ولئن نصر المنافقون بني النضير ليولن الأدبار منهزمين عن محمد صلى الله عليه وسلم  وأصحابه هاربين منهم، قد خذلوهم. يقول: ثم لا ينصر الله بني النضير على محمد صلى الله عليه وسلم  وأصحابه بل يخذلهم. ([1143])

 روؤس المنافقون من أحبار اليهود:

فمن بني قينقاع:

1-5 سعد بن حنيف، وزيد بن اللُّصيت، ونعمان بن أوفى ابن عمرو، وعثمان بن أوفى،  وزيد بن اللصيت، الذي قاتل عمر بن الخطاب _ بسوق بني قينقاع، وهو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  وجاءه الخبر بما قال عدو الله في رحله، ودل الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم  على ناقته: ((إن قائلاً قال: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته؟ وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، فهي في هذا الشعب، قد حبستها شجرة بزمامها، فذهب رجال من المسلمين، فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما وصف.)) ([1144])

6-8 ورافع بن حريملة، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم  حين مات: ((قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين)) ، ورفاعة بن زيد بن التابوت، و هو الذي قال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين هبت عليه الريح، وهو قافل من غزوة بني المصطلق، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تخافوا، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار.)) فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد رفاعة بن زيد ابن التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح, وسلسلة بن برهام, وكنانة بن صُوريا.‏ ([1145])


 الخاتمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

فبعد هذه الجولة مع هذه الموسوعة العظيمة-(جامع البيان عن تأويل آي القرآن)للإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله -سنين عديدة مليئة بالمتعة والفائدة والعيش مع كتاب الله الكريم وأحاديث نبيه الكريم وآثار القرون المفضلة

وقد منّ الله علي فجمعت الآثار الواردة عن السلف الصالح عن اليهود بني إسرائيل في جميع أحوالهم التي قصها الله علينا في كتابه المجيد , وقد زاد ما جمعته عن ثلاثة آلاف أثر ك

اجتهدت في تبويبها وتنسيقها ومن ثم جمع المثيل إلى مثيله والمختصر إلى المطول ونبذ الإسرائيليات الكثيرة والتي لا تفارق آثار بني إسرائيل وهذا له حديث يطول

ثم حذفت المكرر وهو كثير والاكتفاء بالأثر الأشمل والأرفع مقدماً أثر الصحابي على من بعده وهكذا

وكان همي في البدايات التدقيق في جمع الآثار وتصنيفها ثم دراستها وكنت اكتفي بإيراد الأثر الواضح والتعليق عليه باختصار اكتفاء بوضوحه

وخلصت إلى أن كتاب الله العزيز فيه ما يربو على خمسمائة آية في اليهود وأحوالهم وهذا يدعو إلى تأمل ما ورد والاستفادة مما مر عليهم وأخذ العبر حتى لا يقع المسلم فيما وقعوا مع أنه كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم  إلا أن الملاحظ أن اسمه صلى الله عليه وسلم  لم يرد إلا أربع مرات مصرحاً باسمه بينما ذكر موسى عليه السلام  أكثر من مائة وأربع وثلاثين (134) مرة فتأمل.

وكان  كثيرا ما يحذر مما صنع اليهود وأن أمته ستحذو حذوهم و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } [سورة النساء 4/71]

وتبين لي من جمع ودراسة آثار اليهود مايلي:

أن الله خاطبهم في القرآن الكريم بعدة أسماء :فيناديهم ببني إسرائيل في معرض تذكيرهم بنعمه عليهم وخاصة أيام بعث لهم نبيه موسى عليه السلام  ثم لما عصوا ربهم بعد خروجهم من البحر ونجاتهم من عدوهم ثم دعا لهم موسى طالبا المغفرة وحثهم على التوبة صار وا ينادون باليهود لأنهم هادوا أي تابوا

أن نعم الله على اليهود كثيرة من أعظمها تفضيلهم على عالمي زمانهم وبينا أنهم غير مفضلين على أمة محمد خير أمة أخرجت للناس

ثم نعمة الله عليهم بكثرة الانبياء فيهم  فلم يرسل لأمة ما أرسل اليهم من الأنبياء

ومن ثم جعلهم ملوكا لانفسهم  بعد عبودية فرعون وبطشه وكان ذلك بعد نعمة نجاتهم من عدوهم وما صاحبها ثم النعم الكثيرة التي أنزلت لهم في التيه بعد بعثهم بعد الموت وقبول توبتهم ومن ثم  نعمة تمكينهم من الارض المقدسة وانتصارهم على عدوهم ثم نعمة الله عليهم بوعده مضاعفة أجر من آمن منهم

أن الله عاقبهم يوم لم يقدروا هذه النعم فعجل لهم من العقوبات الدنيوية

الصاعقة  التي غشيتهم ثم التيه  في الصحراء أربعين سنة ثم عوقب بعضهم بالمسخ و اللعن

و ضربت عليهم الذلة والمسكنة والقتل والسبي وطمس الوجوه والختم على القلبوب وعوقبوا بتحريم بعض الطيبات وشدد عليهم فيها

ووعدو في الآخرة بعذاب في القبر والعطش يوم القيامة ولحجب عن الرؤية ثم الخلود في النار التي هي مستقرهم

بين لنا الله الصفات التي تنطوي عليها شخصيات اليهود وتحدثت عن بعضها الذي يدل على غيرها وإذا هي جمع لأوصاف الخسة والسوء والخيانة و قسوة القلوب وتغليفها عن قبول الحق واتباع الهوى تزكيتهم أنفسهم وعنصريتهم على باقي الأمم  حتى قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه ثم اشتهارهم وتلذذهم بنقض العهود الدال علىكذبهم وافترائهم وحسدهم لغيرهم خاصة نبي الإسلام وأمته

وفي أصول الإيمان تبين لنا كفر اليهود بالله وأنهم أميل الناس الى الشرك حتى تشربته قلوبهم يوم العجل مع وصفهم لله بالنقائص من نسبة الولد اليه ورميه بالفقر والبخل والتعب تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً

أن اليهود لايوقرون ملائكة الله الكرام بل وقفوا من كبيرهم موقف العداء وهو الروح الأمين وادعوا محبة غيره من الملائكة فصاروا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض

أنزل الله التوراة على موسى وأمر اليهود بأن يحفظوها ويدرسون ما فيها ولكنهم عمدوا الى تحريفها ولي اللسان بها بل كتموا مافيها ثم جعلها بعض احبارهم بضاعة يتكسب بها ويقولون هذه من عند الله {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [سورة البقرة 2/79]

وكذلك فعلوا مع بقية كتب الله المنزلة من تكذيب بما جاء فيها أو أنكار أنها من عند الله كما قالوا في القرآن وغيره{ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} [سورة الأنعام 6/91]

تبن حال اليهود مع أنبياء الله الكرام وأن اليهود هم أكثر الأمم أنبياء لفساد طبعهم وعدم استقرار الإيمان في قلوبهم حتى بعث لهم الأنبياء الكثيرون فبي وقت واحد فهل نفعهم ذلك ؟ لا بل صار أثر صفاتهم لصوقاً بهم أنهم قتلة الأنبياء فهم من أشد الأمم أذية لأنبيائهم ففريقا كذبوا وفريقاً قتلوا تم ذلك حتى مع أخص أنبيائهم موسى عليه السلام  فقدآذوه في بدنه وسمعته ومعاشه فكيف بغيره؟

بناء على ادعاء اليهود للتميز وأنهم أبناء الله وأحباؤه فلم يؤثر عليهم الإيمان باليوم الآخر  فادعوا أن الله لن بعذبهم وأن اجنة ما خلقت الااّ لهم ولوكانوا سيعذبون فلن يعدوا أياما بعدد أيام عبادتهم للعجل وهذه أما نيهم الباطلة بل هم في النار خالدون

ومن أنبيائهم الذين لم يسلموا منهم عيسى عليه السلام  الذي بهتوه وأمه الصديقة ورموها بالزنا فأتت بعيسى بل تعدى الأمر لأذيته عليه السلام  وأتباعه تشريداً وتعذيباً ةقتلاً حتى أنتهى بهم الأمر لمحاولة قتله وهو ما يدعونه أنهم قتلوه صلبا{ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [سورة النساء 4/157]

وقف اليهود من نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم  النبي الذي يجدونه مكتوبا عندهم صفته ومخرجه ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم الاّأنه ليس منهم وقفوا موقف العداء  زكتم صغته والحسد والإيذاء بالقول والسخرية وتحزيب الناس ضده وسحره ومحاولات عديدة لقتله لم يفلحوا فيها فعمدوا الى سمه في طعامه مما أدى الى مرضه ووفاته بابي هو وأمي  صلى الله عليه وسلم  وصار بينه وبينهم حروب ناتجة عن نقضهم للعهود الدائم انتهت بحمد الله بقتل بعضهم وجلاء سائرهم

ولم يؤمن منهم الاّ قليل وهذا لم يسلم منهم أيضاً فرموهم بالكفر والكذب والجهل وهذا معدنهم فلا يستغرب منهم

دأب اليهود في حياته صلى الله عليه وسلم  على بث الفرقة بين المسلمين وإثارة النعرات الجاهلية بينهم وكادوا ينجحون لولا أن الله سلم

عرفنا أن النفاق ظهر من رحم اليهود وأنهم سبب أساس فيه خاصة بعد غزوة بدر فتعاونوا معهم على الإثم والعدوان ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم

والحمد لله أولاً وآخراً

 توصيات الباحث

اقترح توزيع موضوع اليهود على أكثر من رسالة علمبة وجمع الآثار من جميع الكتب التي تعتني بها , كموضوع صفات اليهود  , وعلاقتهم بالمسلمين في صدرالإسلام مثلاً

اتمنى من الجامعة إخراج مثل هذا المشروع الضخم أعني جمع ودراسة آثار الطبري بعد هذه المجموعة الطيبة من الرسائل التي نوقشت في الطبري

لابد من تصفية التفسير من الإسرائيليات الكثيرة ولو سجل دراسات بموضوعات تشترط الآثار الصحيحة لكان أولى

لابد من تفعيل نشر العلم الصحيح في علاقة المسلمين باليهود انطلاقاً من الكتاب والسنة خاصة في الشبكة العنكبوتيه لأهميتها في عالمنا المعاصر


 تراجم أبرز قائلي الآثار

ابن إسحاق، هو : محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر، المطلبي، مولاهم، قال علي بن المديني : صالح وسط، واختلف قول ابن معين فيه، فقال : صدوق، وقال : ليس بذاك، ضعيف، وقال : ثقة، وليس بحجة، وقال : سقيم ليس بالقوي، وقال العجلي : مدني، ثقة، وقال النسائي : ليس بالقوي، وقال ابن عدي : لا بأس به، وقال ابن حجر: صدوق، يدلس، ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة، مات سنة 159هـ ، ويقال بعدها. انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 7/321، وعلل ابن المديني ص/37، وضعفاء النسائي ص/513/91، وتهذيب التهذيب 9/34/51، والتقريب ص/825/5762.

ابن جُريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، فاضل، وكان يدلس، ويرسل، من السادسة، مات سنة 150هـ ، أو بعدها. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/491، تهذيب التهذيب 6/357/758، الـتقريب ص/624/4221.

ابن زيد: هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم القرشي المديني، مولى عمر بن الخطاب_، أخواه: أسامة، وعبد الله وكلهم يروي عن أبيه، وكل أبناء زيد بن أسلم ضعفاء في الحديث، مات سنة 82هـ . انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 17/114/3820، التاريخ الكبير 5/284/922.

أبو العالية، هو: رُفيع -بالتصغير- ابن مهران أبو العالية الرياحي بكسر الراء والتحتانية، ثقة كثير الإرسال من الثانية، مات سنة 90هـ . وقيل بعدها انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 7/112، أسد الغابة 2/291/1704 تهذيب التهذيب 3/246/539، تقريب التهذيب ص/328/1964.

ابو علي الازدي عن ابي ذر اسمه عبيد بن علي وهو مقبول من الثالثة وقيل فيه ابو الفيض والاول اصح  تقريب التهذيب  1/ 659

البختري بن ابي البختري بفتح الموحدة وسكون المعجمة وفتح المثناة وكسر الراء واسم ابيه المختار عبدي بصري صدوق من السادسة مات سنة ثمان  تقريب التهذيب 1 / 120

جابر بن عبد الله _: هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، صحابي بن صحابي، مات بالمدينة بعد السبعين، وكان أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم . انظر ترجمته في : الاستيعاب 1/292/290، الإصابة 1/546/1028.

جعفر بن ابي المغيرة الخزاعي القمي بضم القاف قيل اسم ابي المغيرة دينار صدوق يهم من الخامسة  تقريب التهذيب  1/ 141

جويبربن سعيد الأزديّ، أبو القاسم البلْخيّ، يقال: اسمه جابر، وجُوِيبر لقب، نزل الكوفة، راوي التّفسير، روى عن الضّحّاك بن مزاحم وأكثر عنه، ضعيفٌ جدّاً، مات بعد الأربعين ومائة. انظر: تهذيب الكمال 5/167) التّهذيب 2/123) التّقريب 1/136).

حذيفة بن اليمان : واسم اليمان: حُسَيْل ويقال: حٍسْل بن جابر بن ربيعة بن فروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس المعروف باليمان العبسي، حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين، أمين الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم  شهد الخندق وما بعدها، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم  الكثير، مات في أول خلافة علي _ سنة 36هـ . انظر ترجمته في: الاستيعاب 1/393/510، والإصابة 2/39/1652.

الحسن البصري: هو الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار الأنصاري مولاهم، ثقة، فقيه، فاضل، مشهور، وكان يرسل كثيراً، ويدلس، وهو رأس الطبقة الثالثة، مات سنة 110هـ . انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 7/156، تهذيب التهذيب 2/231/488، تقريب التهذيب ص/236/1237.

الربيع بن أنس: البكري أو الحنفي، البصري، ثم الخراساني، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي : ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً، وقال ابن حجر: صدوق لـه أوهام، ورمي بالتشيع، من الخامسة، مات سنة140هـ  أوقبلها. انظر ترجمته: في طبقات ابن سعد 7/369، والجرح والتعديل 3/454/2054، وثقات ابن حبان 8/491، وتهذيب التهذيب 3/207/461، والتقريب ص/318/1892.

السدي، هو : إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السُدّي، أبو محمد، الكوفي، من الرابعة، قال ابن عدي: مستقيم الحديث صدوق لا بأس به، وقال ابن حجر: صدوق يهم، ورمي بالتشيع، مات سنة 127هـ . انظر ترجمته في: الكامل لابن عدي 1/277، تهذيب التهذيب1/273/572، تقريب التهذيب ص/141/467.

سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران القرشي المخزومي أبو محمد المدني الإمام العلم الفقيه عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه ولد لسنتين وقيل لأربع مضين من خلافة عمر _ بالمدينة، كان رأس من بالمدينة في دهره المقدم عليهم في الفتوى وقال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيب وقال أبو حاتم: ليس في التابعين أنبل منه وهو أثبتهم في أبي هريرة_، وكان ممن برز في العلم والعمل وقال يحيى بن سعيد كان أحفظ الناس لأحكام عمر وأقضيته، مات سنة 93هـ  وقيل 94هـ  انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 4/217-219/88 ومعرفة الثقات 1/405/ 616 وطبقات الحفاظ 1/25/ 37.

سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، الوالبي مولاهم، الكوفي أبو محمد، الحافظ، المقرئ المفسر، من كبار التابعين، كان ذا عبادة ودين، ثقة ثبت فقيه، قتله الحجاج سنة 59هـ  ولم يكمل الخمسين . انظر ترجمته في: التاريخ الكبير 3/461/1533 ووفيات الأعيان 1/367/261 وطبقات ابن سعد 6/256، وتهذيب التهذيب 4/11/14.

سفيان الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الكوفي، ثقة، حافظ، فقيه، عابد، إمام، حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة 161هـ . أمير المؤمنين في الحديث ساد الناس بالورع والعلم قال قبيصة بن عقبة ما جلست مع سفيان مجلساً إلا ذكرت الموت، وما رأيت أحداً كان أكثر ذكراً للموت منه، ومناقبه وفضائله كثيرة جدا ً، إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلام الدين، مجمع على أمانته، بحيث يستغني عن تزكيته، مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد. وقال غيره: ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 97هـ  وفي ذلك خلاف، توفي بالبصرة سنة 161هـ  . انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 11/154-165/2407 طبقات ابن سعد 6/371، تهذيب التهذيب 4/99/199، التقريب ص/394/2458.

الشعبي هو: أبو عمرو، عامر بن شراحيل الشعبي الهمداني الحميري الكوفي ثقة مشهور، كان إماماً حافظاً فقيهاً متفنناً ثبتاً متقناً مولده في أثناء خلافة عمر _ قال ابن عنبسة: كان في الناس ثلاثة بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  ابن عباس رضي الله عنهما  في زمانه، والشعبي في زمانه والثوري في زمانه مات سنة 104هـ  وبلغ 82 سنة انظر ترجمته في: التاريخ الكبير 6/450/2961 وتذكرة الحفاظ للقيسراني 1/79/ 76، لسان الميزان 7/547/5844.

شهر بن حوشب الاشعري الشامي مولى اسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الارسال والاوهام من الثالثة مات سنة اثنتي عشرة تقريب التهذيب  1/ 269

الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم، أو أبو محمد الخرساني صدوق كثير الإرسال، ولم يسمع من ابن عباس، من الخامسة، مات بعد المائة. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/300، تهذيب الكمال 13/291/13/291/2928، تقريب التهذيب ص/459/2995.

طارق بن شهاب بن عبد شمس، البجلي، الأحمسي، أبو عبد الله الكوفي، قال أبو داود : رأي النبي صلى الله عليه وسلم  ولم يسمع منه، مات سنة 82هـ  أو 83هـ  . انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/4/5، تقريب التهذيب ص/461/3017.

عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري ويقال له عبد الله ثقة من الرابعة تقريب التهذيب  1 / 292

عبد الله ابن الهذيل  العَنَزيّ، أبو المغيرة الكوفيّ، روى عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه  وغيره، وعنه ضرار وآخرون، ثقةٌ، توفّي في خلافة خالد القسْريّ. انظر: التهذيب (6/58) والتقريب (1/543).  

عبد الله بن ابي الهذيل الكوفي ابو المغيرة ثقة من الثانية مات في ولاية خالد القسري على العراق  تقريب التهذيب  1/ 327

عبد الله بن سلام _ هو أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، ثم الأنصاري، حليف بني الخزرج، كان اسمه في الجاهلية الحُصين، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين أسلم عبد الله، وهو من المبشرين بالجنة . مات سنة 43هـ  . انظر ترجمته في: الجرح والتعديل 5/62/288، وأسد الغابة 3/265/2986، الإصابة 4/102/4743.

عبد الله بن هانئ ابو الزعراء الاكبر الكوفي وثقه العجلي من الثانية  تقريب التهذيب  1/ 327

عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي حليف بني عدي الكوفي ويقال له الفرسي بفتح الفاء والراء ثم مهملة نسبة الى فرس له سابق كان يقال له القبطي بكسر القاف وسكون الموحدة وربما قيل ذلك ايضا لعبد الملك ثقة فصيح عالم تغير حفظه وربما دلس من الرابعة مات سنة ست وثلاثين وله مائة وثلاث سنين  تقريب التهذيب 1 / 364

عبيد الله بن كعب بن مالك الانصاري ثقة من الثالثة تقريب التهذيب 1 /373

عبيد بن عمير بن قتادة الليثي ابو عاصم المكي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم  قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين وكان قاص اهل مكة مجمع على ثقته مات قبل بن عمر  تقريب التهذيب 1 / 377

عروة ابن الزّبير بن العوّام بن خويلد الأسديّ، أبو عبد اللّه المدنيّ، روى عنه أبو الأسود وغيره، ثقةٌ فقيهٌ مشهورٌ، ولد سنة 23هـ) وقوّاه الذّهبيّ، ويقال 29هـ) ومات سنة (94هـ) على الصّحيح. انظر: السّير 4/421) التّهذيب 7/180) التّقريب 2/19). 

عطاء بن أبي رباح -بفتح الراء والموحدة- واسم أبي رباح، أسلم القرشي مولاهم، المكي، ثقة فقيه، فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة 114هـ، على المشهور وقيل إنه تغير بآخرة . ولم يكثر ذلك منه. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 2/386، جامع التحصيل في أحكام المراسيل، للحافظ صلاح الدين أبي سعيد بن خليل بن كيكلدي العَلاَئي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب بيروت، ط الثانية 1407هـ . ص/237، تهذيب التهذيب 7/179/385، تقريب التهذيب ص/677/4623.

عطية العوفي، هو : عطية بن سعد بن جنادة، العوفي، قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به، وقال أحمد: هو ضعيف الحديث، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يكتب حديثه، وقال ابن حبان: ولا يحل كتابة حديثه إلا على وجه التعجب، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ كثيراً، وكان شيعياً مدلساً، من الثالثة، مات سنة 111هـ . انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/304، الجرح والتعديل 6/382/2125، المجروحين 2/176، ميزان الاعتدال 3/79/5667، تقريب التهذيب ص/680/4649.

عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس _ أصله بربري، ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر _، ولا تثبت عنه بدعة، مات سنة 104هـ . انظر ترجمته في: ثقات ابن حبان 5/229، تهذيب التهذيب7/263، تقريب التهذيب ص/687/4707.

علقمة بن وقاص الليثي المدني ثقة ثبت من الثانية اخطا من زعم ان له صحبة وقيل انه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم  مات في خلافة عبد الملك  تقريب التهذيب 1 / 397

علي بن زيد بن جدعان التّيميّ البصريّ، أبو الحسن، أصله حجازيّ، روى عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل (بَبّة) وغيره، وعنه جعفر بن سليمان الضّبعيّ وآخرون، ضعيف، ت سنة (131هـ) وقيل قبلها. انظر: التهذيب (7/247) والتقريب (1/694).  

عمار بن معاوية الدهني بضم اوله وسكون الهاء بعدها نون ابو معاوية البجلي الكوفي صدوق يتشيع من الخامسة مات سنة ثلاث وثلاثين

عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم، الجمحي مولاهم، ثقة، ثبت، من الرابعة، مات سنة 120هـ ، وقيل سنة 126هـ . انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/479، ثقات ابن حبان 5/167، تهذيب التهذيب 8/26/45، تقريب التهذيب ص/734/5059.

القاسم بن ابي بزة بفتح الموحدة وتشديد الزاي المكي مولى بني مخزوم القارىء ثقة من الخامسة مات سنة خمس عشرة وقيل قبلها  تقريب التهذيب  1/ 449

قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبوالخطاب، البصري، ثقة، ثبت، يقال وُلِد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشر ومائة. انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/315/637، وتقريب التهذيب ص/798/5553.

كعب الأحبار، هو كعب بن ماتع الحميري من آل ذي رعين أبو إسحاق كان قد قرأ الكتب وأسلم في خلافة عمر بن الخطاب _ مات سنة 34هـ  في خلافة عثمان _، روى عن عمر بن الخطاب _، روى عنه ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما  وسعيد بن المسيب انظر ترجمته في: الجرح والتعديل 7/161/906 ومشاهير علماء الأمصار 1/118/91.

مُجاهد بن جَبْر -بفتح الجيم وسكون الموحدة- أبوالحجاج المخزومي مولاهم المكي، ثقة، إمام في التفسير والعلم، من الثالثة، مات سنة 102هـ  أو 103هـ  أو 104هـ . انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/466، تهذيب التهذيب 10/38/68، تقريب التهذيب ص/921/6523.

محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني قال محمد بن سعد كان عالما وقال ابن إسحاق كان من فقهاء أهل المدينة وقرائهم وقال الدارقطني مدني ثقة وقال النسائي ثقة وذكره بن حبان في كتاب الثقات ذكره البخاري في الأوسط في فصل من مات بين عشر ومائة إلى عشرين ومائة وهو من رجال مسلم انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 24/579/5115، تهذيب التهذيب 9/81/124، الجرح والتعديل 7/221/1221، رجال مسلم، للأصبهاني أحمد بن علي بن منجويه أبي بكر، تحقيق: عبد الله الليثي، دار المعرفة بيروت، ط الأولى 1407هـ . 2/172.

محمد بن سيرين الأنصاري، أبوبكر ابن أبي عمرة، البصري، ثقة، ثبت، عابد، كبير القدر، كان لايرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة 110هـ . انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/190/338، تقريب التهذيب ص/853/5985.

محمد بن قيس المدني أبو إبراهيم ويقال أبو أيوب ويقال أبو عثمان مولى يعقوب القبطي ويقال مولى آل أبي سفيان بن حرب وهو قاص عمر بن عبد العزيز ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة قال وبها توفي وكان كثير الحديث عالما وقال يعقوب بن وأبو داود ثقة وذكره بن حبان في كتاب الثقات توفي أيام الوليد بن يزيد. انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/367/679، وتهذيب الكمال 26/323/ 5566.

محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب المطلبي يقال له رؤية وقد وثقه ابو داود وغيره  التهذيب (9/357) تقريب التهذيب 1/ 503

محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبوحمزة القُرَظي، نسبة إلى بني قريظة، المدني وقد كان نزل الكوفة مدة، ثقة عالم من الثالثة، ولد سنة 40هـ  على الصحيح، ووهم من قال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال البخاري: إن أباه كان ممن لم ينبت من سبي قريظة فترك، مات سنة 120هـ ، وقيل قبل ذلك. انظر ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري 1/216/679، تهذيب التهذيب 9/373/691، تقريب التهذيب ص/891/6297.

مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مر بن سلامان بن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وداعة الهمداني الوداعي الكوفي، أبو عائشة، العابد الفقيه الإمام القدوة العلم صلى خلف أبي بكر ولقي عمرا وعليا كان أحد أصحاب عبد الله بن مسعود _ الذين يقرئون ويفتون شلت يده يوم القادسية وثقه ابن سعد و العجلي وابن معين وقال عنه لا يسأل عن مثله. وقال علي بن المديني ما أقدم على مسروق أحدا من أصحاب عبد الله _. مات سنة 62هـ  وقيل 63هـ  وله 63 سنة انظر ترجمته: التاريخ الكبير 8/35/2065، وسير أعلام النبلاء 4/63-68/17 وتهذيب التهذيب 10/100/206.

وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار وهو الأسوار اليماني الصنعاني الذماري أبو عبد الله الأبناوي أخو همام بن منبه ومعقل بن منبه وغيلان بن منبه ذكره خليفة بن خياط في الطبقة الثانية من أهل اليمن وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة وقال أحمد بن حنبل كان من أبناء فارس قال العجلي تابعي ثقة وكان على قضاء صنعاء وقال أبو زرعة والنسائي ثقة وذكره بن حبان في كتاب الثقات ولد سنة 34هـ  في خلافة عثمان _ مات سنة 114هـ  بصنعاء وقيل إن الحجاج ضربه حتى مات. انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 31/140/ 6767، وتهذيب التهذيب 11/ 147/288.

يزيد بن رومان المدني ابو روح مولى ال الزبير ثقة من الخامسة مات سنة ثلاثين وروايته عن ابي هريرة مرسلة  اتلقريب 1/ 601

يزيد بن هارون بن زاذي ويقال بن زاذان بن ثابت السلمي أبو خالد الواسطي وكان جده زاذان مولى لأم عاصم امرأة عتبة بن فرقد فأعتقته قيل إن أصله من بخارى وكان متعبدا حسن الصلاة جدا وكان قد عمي أحد الأعلام الحفاظ المشاهير قال أبو طالب عن أحمد بن حنبل كان حافظا متقنا للحديث صحيح الحديث وثقه يحيى بن معين و العجلي وعلي بن المديني وقال في موضع آخر ما رأيت رجلاً قط أحفظ من يزيد بن هارون وقال أبو حاتم ثقة إمام صدوق لا يسأل عن مثله مات أول سنة 206هـ  انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 11/321/612، والكاشف 3/287/6473، وتهذيب الكمال 32/261/7061.




([1]) رواه الترمذي (2499).

([2]) اختصرت ترجمة الإمام الطبري هنا لكثرة الدراسات التي قدمت عنه وعن جهوده العلمية - في كتب ورسائل جامعية - واشتملت على ترجمة وافية له . ومن تلك الدراسات ، عدة رسائل علمية مثل:

1- القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير الطبري في تفسيره والرد عليه - رسالة الماجستير قدمها الشيخ/ محمد عارف عثمان الهرري عام 1403 - 1404 هـ . وقد طوّل في ترجمة الطبري حيث بلغت 84 صفحة من الرسالة .

2- استدراكات ابن كثير على ابن جرير في تفسيره - رسالة الدكتوراه ، قدمها الشيخ / أحمد عمر عبد الله الغاني ، عام 1405 هـ . واستغرقت الترجمة 40 صفحة .

3- استدراكات ابن عطية في المحرر الوجيز على الطبري في تفسيره - رسالة الدكتوراه ، قدمها الشيخ / شايع بن عبده بن شايع الأسمري ، عام 1417 هـ . وقد اختصر في الترجمة .

وهناك دراسات أخرى عنه ، منها :

4- الطبري - للدكتور أحمد محمد الحوفي ، بحث من سلسلة أعلام العرب ، رقم ( 13 ) . وقد قدم ترجمة مستفيضة للطبري .

5- الطبري ومنهجه في التفسير - للدكتور محمود بن الشريف ، وقد اعتمد كثيرا في الترجمة على ما سطره ياقوت الحموي في معجم الأدباء .

6- الإمام الطبري ، شيخ المفسرين ، وعمدة المؤرخين ، ومقدم الفقهاء المحدثين ، صاحب المذهب الجريري-للدكتور محمد الزحيلي ، بحث من سلسلة أعلام المسلمين رقم ( 33 ) . وهو بحث نفيس لرجوع المؤلف إلى مصادر غزيرة ، بلغت 90 مصدرا .

7- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - سيرته ، عقيدته ، ومؤلفاته - للشيخ علي بن عبد العزيز بن علي الشبل ، تكلم المؤلف عن سيرة الطبري بشيء من التفصيل . ، وطبع عام 1417 هـ . هذا بالإضافة إلى الترجمة المقدمة من قبل بعض الناشرين أو المحققين لكتب الطبري ، كترجمة الشيخ محمد محمود الحلبي - مدير شركة مكتبة ومطبعة مصطفى ألبابي الحلبي بمصر - في مقدمة التفسير ، وترجمة العلامة المحقق محمد أبو الفضل إبراهيم في مقدمة تاريخ الطبري .

أما ترجمته في كتب التراجم:

الأعلام ( 6/69 ) ، إنباه الرواة ( 3/89 ) ، الأنساب ( 4/46 ) ، البداية والنهاية ( 11/145 - 146)، تاريخ الأدب العربي ( 3/45 ) ، تاريخ التراث العربي ( 1/518 ) ، تاريخ بغداد ( 2/162 ) ، تاريخ دمشق ( 15/160 ) ، دول الإسلام ( 1/187 ) ، سير أعلام النبلاء ( 14/267 ) ، شذرات الذهب ( 2/260 ) ، طبقات الحفاظ ( ص 307 ) ، طبقات الشافعية الكبرى ( 3/120 ) ، طبقات المفسرين للداوودي ( 2/106 ) ، طبقات المفسرين للسيوطي ( ص 95 ) ، العبر في خبر من غبر (1/460) ، الفهرست ( ص 334 ) ، كشف الظنون ( 1/437 ) ، لسان الميزان ( 5/100 ) ، مرآة الجنان ( 2/261 ) ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ( 13/215 ) ، معجم الأدباء ( 18/40 - 94 ) ، معجم المؤلفين ( 9/147 ) ، ميزان الاعتدال ( 3/498 ) ، النجوم الزاهرة ( 3/205 ) ، هدية العارفين (2/26 ) ، الوافي بالوفيات ( 2/284 ) ، وفيات الأعيان ( 4/191 ) .

وتعتبر ترجمته عند ياقوت الحموي أقدم وأوسع ترجمة حيث بلغت 50 صفحة من الكتاب . واعتمد ياقوت كثيرا في الترجمة على كتاب في سيرة الطبري ، ألّفه عبد العزيز بن محمد الطبري ، وكتاب لأبي بكر بن كامل ، كما صرح بذلك في آخر الترجمة . انظر : معجم الأدباء (18/94 ) .

([3]) انظر وفيات الأعيان 3/332 – مطبعة السعادة

([4]) هو أبو محمد رؤبة بن العجاج ، والعجاج لقب واسمه أبو الشعثاء عبد الله بن رؤية البصري التميمي السعدي توفي سنة 145هـ انظر معجم الأدباء. 11/149-150.

([5]) انظر محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية "الدولة العباسية" تأليف الشيخ محمد الخضري بك ص 229

([6]) انظر معجم الأدباء 18/49.

([7]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 11/465/118.

([8]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء11/483/127.

([9]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء11/103/32.

([10]) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين أبي الحجاج بوسف المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة بيروت، ط الثانية 1403ç. 25/581/5385.

([11]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 11/394/86.

([12]) انظر: معجم الأدباء 18/52.

([13]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء11/503/137.

([14]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 12/144/52.

([15]) انظر ترجمته في: غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، دار الكتب العلمية بيروت، ط الثالثة 1402ç. 1/314.

([16]) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 9/86/1863.

([17]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 12/492/180.

([18]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 14/5/1.

([19]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 15/544/323.

([20]) الفهرست لابن النديم ص/328.

([21]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 15/272/121.

([22]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 16/119/86.

([23]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 16/154/111.

([24]) انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 16/544/398.

([25]) الفهرست لابن النديم ص/328.

([26]) تاريخ بغداد ( 2/163 ) .

([27]) تاريخ بغداد ج:2 ص:164 والكامل في التاريخ ج:7 ص:9

([28]) تاريخ بغداد ج:2 ص:164 وتاريخ مدينة دمشق ج:52 ص:200

([29]) تاريخ مدينة دمشق ج:52 ص:201 سير أعلام النبلاء ج:14 ص:275

([30]) سير أعلام النبلاء ج:14 ص:270

([31]) لسان الميزان ج:5 ص:100.

([32]) لسان الميزان ج:5 ص:100

([33]) انظر : معجم الأدباء ( 18/53 ) .

([34]) الإمام الطبري للزحيلي ( ص 162 ) .

([35]) الكامل في التاريخ ج:8 ص:15

([36]) سير أعلام النبلاء ( 14/267 ) .

([37]) لمزيد من التفصيل ، ينظر : معجم الأدباء ( 18/42 - 94 ) ، وتاريخ الأدب العربي ( 3/46 - 51 ) ، وطبقات الشافعية الكبرى ( 3/121 ) ، والطبري للحوفي ( ص 89 - 98 ) ، والإمام الطبري للدكتور محمد الزحيلي ( ص 50 - 53 ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري للشيخ علي بن عبد العزيز الشبل (ص 94 - 120 ) . ذكر الحوفي في كتابه 28 كتابا ، وزاد عليه الدكتور الزحيلي بكتاب واحد ، وهو"الرسالة في أصول الفقه " . وأما الشيخ علي الشبل فقد ذكر 37 كتابا ، ببيان مفصّل لكل كتاب ، من حيث اسمه، ومحتواه ، ونسخه ، وطبعاته . وقد أجاد وأفاد .

([38]) طبع عدة طبعات ، منها بتحقيق الأستاذين محمود وأحمد شاكر - رحمهما الله - ، وصل التحقيق إلى الآية: 27 من سورة إبراهيم . وبقية التفسير لم يتم تحقيقه .

([39]) طبع عدة طبعات ، أحسنها طبعة دار المعارف ، بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم .

([40]) طبع منه جزء باسم " المنتخب من كتاب ذيل المذيل " ، وألحق في آخر تاريخه ، بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم .

([41]) طبع منه جزء ، بتحقيق د . فردريك كيرن ، وهو مستشرق ألماني ، وطبع بمصر بمطبعة الموسوعات سنة 1320 هـ .

([42]) طبع ما وُجد منه بتحقيق الأستاذ محمود شاكر - ’ ، .

([43]) يوجد منه نسخة خطية بالأزهر .

([44]) طبع الجزء الأخير من الكتاب في الهند سنة 1321 هـ ، ثم طبع بمصر . كما طبعه معلقا على أجزاء منه الشيخ عبد الله بن حميد بمكة سنة 1391 هـ ، وحققها أخيرا بدر بن يوسف المعتوق . انظر : الطبري للحوفي (ص95 ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري للشيخ علي الشبل ( ص 109 - 110 ) .

([45]) طبع الكتاب بتحقيق الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل . ويرى المحقق أن تسمية الكتاب بـ " البصير في معالم الدين " ، تصحيف ظاهر .

([46]) تاريخ بغداد ( 2/166 ) ، وطبقات الشافعية الكبرى ( 3/126 ) .

([47]) هو ابن سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم ابن الأعرابي مؤرخ من علماء الحديث من أهل البصرة له كتاب الإخلاص .. انظر الأعلام 1/199 – ولد سنة 244 ت 340هـ.

([48]) هو محمد بن الحسن بن دريد الأزدي من أزد عمان من قحطان أبو بكر من أئمة اللغة والأدب صاحب المقصورة الدريدية ولد سنة 223 – 21هـ انظر الأعلام للزركلي 6/309.

([49]) سير أعلام النبلاء 14/282 و نوابغ الرواة في رابعة المئات ج:1 ص:8 وهو في رجال الشيعة للمطهر المقدسي وصف ابن جرير الرافضي بانه غير ابن جرير (العامي)؟

([50]) مقدمة التفسير.

([51]) الاتقان2 (/160).

([52]) مجموع الفتاوى (13/366 – 368).

([53]) تيسير الكريم الرحمن2/246

([54]) حسب ترقيم طبعة دار الكتب العلمية - الطبعة الأولى ، 1412 هـ - ، بلغ عدد الروايات في هذا التفسير بكامله 38397 رواية .

([55]) ينظر : جامع البيان ( 1/453 - 454 ) - حاشية .

([56]) انظر : جامع البيان ( 5/266 - 276 ) .

([57]) انظر : جامع البيان ( 15/21 - 44 ) .

([58]) ينظر : جامع البيان ( 1/347 - 348 ، 354 ) .

([59]) انظر : جامع البيان ( 1/520 - 521 ) .

([60]) سورة البقرة : 73

([61]) انظر : جامع البيان ( 2/231 ) .

([62]) مقدمة تاريخ الأمم والملوك للطبري:1 ص:13

([63]) التفسير والمفسرون ( 1/212 ) .

([64]) لسان الميزان 3/74

([65]) تفسير الطبري ( 1 / 248 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 153 ) إسناده ضعيف لضعف ابن حميد انظر: تهذيب الكمال 25/97 والتقريب 2/96.

([66]) تفسير الطبري ( 1 / 248 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 182 ) - فتح الباري (8/165) إسناده ضعيف.

([67]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 95 ) إسناده ضعيف.

([68]) تفسير الطبري ( 1 / 318 ) - تفسير الطبري ( 9 / 79 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 182 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 251 ) .

([69]) تفسير الطبري ( 1 / 318 ) - تفسير الطبري ( 9 / 79 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 182 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 251 )

([70]) تفسير الطبري ( 9 / 78 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1577 ) - صحيح البخاري ( 4 / 1695 )

([71]) تفسير الطبري ( 9 / 78 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1577 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 571 )

([72]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 95 ) إسناده ضعيف

([73]) تفسير الطبري (1/488) - تفسير ابن أبي حاتم (1/204) - تفسير الدر المنثور (1/260) إسناده ضعيف.

([74]) تفسير الطبري ( 3 / 302 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 669 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 234 )

([75]) تفسير الطبري ( 3 / 305 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 234 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([76]) تفسير الطبري ( 4 / 52 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/452-453) تفسير الدر المنثور ( 2 / 296 ) إسناده ضعيف.

([77]) تفسير الطبري ( 4 / 203 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 141 )

([78]) فسير الطبري ( 21 / 129 ) إسناده ضعيف.

([79]) تفسير الطبري ( 12 / 213 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 503 )

([80]) تفسير الطبري ( 1 / 248 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 182 ) - فتح الباري ( 8 / 165 ) إسناده ضعيف.

([81]) تفسير الطبري ( 12 / 214 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 7 / 2143 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 503 )

([82]) تفسير الطبري ( 21 / 3 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 3070 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 469 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 417 )

([83]) تهذيب الأسماء واللغات للنووي ج: 3 ص: 357

([84]) صحيح البخاري ج: 3 ص: 1434

([85]) رواه البخاري ج:1 ص:465 وله عدة روايات

([86]) لسان العرب ج: 3 ص: 439

([87]) تفسير ابن أبي حاتم الجزء: 5 الصفحة: 1577

([88]) تفسير الدر المنثور ج:1 ص:182.

([89]) تفسيرابن كثير، ج2/334.

([90]) القرطبي، 2/74.

([91]) صحيح البخاري ح 1319

([92]) ابن منظور، لسان العرب، ج15/155-156.

([93]) قاموس الكتاب المقدس، ص 1085.

([94]) الملل والنحل، ج1/250.

([95]) د.أحمد سوسه، مفصل العرب واليهود في التاريخ، الطبعة الخامسة، 1981م، دار الحرية للطباعة، ص 505. وفصل في التسمية د. رفقى زاهر، قصة الأديان، دراسة تاريخية مقارنة، الطبعة الأولى، 1400هـ/ 1980م، دار المطبوعات الدولية، ص 33 .و إسرائيل ولفنسون، تاريخ اللغات السامية،الطبعة الأولى،دارالقلم1980م،بيروت،ص 77.

([96]) الزبيدي، تاج العروس، تحقيق: إبراهيم الترزي 1393هـ-1972، 10/52.

([97]) تاريخ الطبري ج:1 ص:192 وقال في قصة يعقوب ﷺ‬ :.. فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار ولذلك سمي إسرائيل وهو سري الله.

([98]) المستدرك على الصحيحين ج:2 ص:405 وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

([99]) تفسير ابن أبي حاتم جزء : 1 صفحة : 243 ورواه عن ابي العالية وغيره.

([100]) رواه البخاري 3812 ومسلم 2483.

([101]) تفسير الطبري جزء : 19 صفحة : 113

([102]) صابر طعيمه، اليهود في موكب التاريخ، مكتبة القاهرة الحديثة، ص54.

([103]) سفر التكوين 23:20 وما بعدها

([104]) د. عبد الوهاب المسيري، ، موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 1975. وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونة لـه ايضا الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، 1984.

([105]) الملل والنحل، ج1/247.

([106]) تفسير الطبري ( 16 / 64 ) باختصار

([107]) معجم البلدان ج:3 ص:436

([108]) قاموس الكتاب المقدس، ص 558 .

([109]) انظر كتاب الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، للشيخين: ناصر القفاري وناصر العقل والموسوعة الميسرة في الأديان للندوة العالمية للشباب الاسلامي1/529.

([110]) تفسير الطبري ( 1 / 264 ) - تفسير الطبري ( 1 / 265 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 165 ) صححه في التفسير الصحيح (3/262)

([111]) تفسير الطبري ( 1 / 264 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 104 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 165 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 89 ) حسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([112]) تفسير الطبري ( 1 / 265 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([113]) تفسير الطبري ( 1 / 265 )

([114]) تفسير الطبري ( 6 / 170 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 47 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 124 )

([115]) تفسير الطبري ( 6 / 170 )

([116]) تفسير الطبري ( 25 / 127 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 144 ) حسنه في التفسير الصحيح (4/318)

([117]) تفسير الطبري ( 9 / 65 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([118]) رواه أحمد حديث رقم 20037 ج5/ص3 والبيهقي في سننه ج9/ص5 والدارمي ج2/ص404 وحسن إسناده شعيب الأرناؤط.

([119]) تفسير الطبري ج:1 ص:264-265

([120]) صحيح البخاري2/792

([121]) سفر الخروج 19 : 5 - 6 .

([122]) سفر تثنية 7 : 6 .

([123]) سفر تثتثنية 14 : 2 .

([124]) سورة المائدة، آية 20 .

([125]) سفر الخروج 20 : 13 - 17 .

([126]) تث 5 : 17 - 21.

([127]) انظر: العقيدة اليهودية، وخطرها على الإنسانية، 355-356 .

([128]) نفسير ابن كثير، 1/516 .

([129]) سفر الخروج 19 : 5 .

([130]) سفر التثنية 8 : 19-20 .

([131]) سفر التثنية 11 : 26-28.

([132]) لو أن باحثاً جمع آيات القرآن الكريم عن اليهود، واستخلص منها ما تدل عليه من مثالبهم ومساوئ أخلاقهم وأفعالهم، والتواء طبيعتهم، لجمع ـ أو كاد ـ جميع خصال السوء، واخلاق الرذيلة. فكيف يتبجحون مع هذا بأن القرآن يقصد امتيازهم على جميع من سواهم من الأمم، وكيف يستمسكون بما يفهمون من ظاهر آية أو آيتين وقد تحالفت آيات القرآن التي نزلت فيهم على غير ما فهموا؟ والخلاصة أن القرآن حسين قرر أنهم فضلوا على العالمين، وأنهم أوتوا مالم يؤت أحد من العالمين، انما ساق ذلك في معرض الامتنان عليهم بالنعم واثبات أنهم يجحدونها ويكفرون بها، فهو الزام منطقي بلومهم، حيث أو ثروا وأوتوا النعم فكفروا وتولوا واستغنى الله! ( محمود شلتوت-تفسير القرآن ص241)

([133]) تفسير الطبري ( 1 /249- 250 )

([134]) تفسير الطبري ( 1 / 272 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 569 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 149 ) صححه في التفسير الصحيح (1/166)

([135])  تفسير الطبري ج:1 ص:291

([136]) تفسير الطبري ( 1 / 292 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 95 )

([137]) تفسير الطبري ( 9 / 73 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 251 ) وقال: هذا أثر غريب جدا وعمارة لا أعرفه و ايده الذهبي في الميزان3/177

([138]) تفسير الدر المنثور ( 3 / 46 ) - تفسير الطبري ( 6 / 169 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([139]) تفسير الطبري ( 24 / 86 ) - المستدرك على الصحيحين ( 2 / 653 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 19 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 587 )

([140]) تفسير الطبري ( 1 / 291 )

([141]) صحيح البخاري الجزء: 3 الصفحة: 1273

([142]) تفسير الطبري ( 3 / 216 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 621 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 169 )0

([143]) تفسير الطبري ( 3 / 216 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 621 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 169)

([144]) تفسير ابن كثبر 1/240

([145]) تفسير الطبري ( 1 / 272 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 569 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 149 ) صححه في التفسير الصحيح (1/166)

([146]) تفسير الطبري ( 1 / 250 )

([147]) تفسير الطبري ( 2 /596 - 597 ) (باختصار)

([148]) تفسير الطبري ( 6 / 169 ) تفسير الدر المنثور ( 3 / 46 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([149]) تفسير الطبري ( 6 / 169 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 47 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 124 )

([150]) تفسير الطبري ( 6 / 169 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 47 )

([151]) تفسير الطبري ( 6 / 169 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 46 ) إسناده ضعيف.

([152]) تفسير الطبري ( 6 / 169 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 187 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 46 )

([153]) تفسير الطبري ( 6 / 169 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 47 )

([154]) تفسير القرآن محمود شلتوت ص 239 مجلة رسالة الإسلام عدد27

([155]) أي الماء الكثير . اللسان ( 5/29 )

([156]) تفسير الطبري ( 1 / 276 ) و أخرجه عبدالرزاق في تفسيره ( 1/45 -46 )

([157]) تفسير الطبري ( 16 / 191 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 590 )

([158]) تفسير الطبري ( 16 / 191 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([159]) تفسير الطبري ( 19 /75 - 76 ) مصنف ابن أبي شيبة ( 6 / 333 )

([160]) تفسير الطبري ( 23 / 67 , 90 ) حسنه في التفسير الصحيح (4/209)

([161]) تفسير الطبري ( 23 / 90 ) حسنه في التفسير الصحيح (4/209)

([162]) تفسير الطبري ( 1 / 275 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 294 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 337 )

([163]) الرهج : الغبار . النهاية ( 2/281 ) .

([164]) أي دنونا منه . انظر النهاية ( 2/283 ) .

([165]) أي الرعدة من برد أو خوف . النهاية ( 1/56 ) .

([166]) عمار بن معاوية الدهني ، أبو معاوية البجلي الكوفي ، صدوق يتشيع التقريب ( 4833 )

([167]) أي وافر شعر الذنب . النهاية ( 2/170 ) .

([168]) تفسير الطبري ( 1 /276 - 277 ) صححه في التفسير الصحيح (1/158)

([169]) تفسير القرطبي1/348ومابعدها

([170]) انظر: الطبري1/314وابن كثير1/234ومفاتيح الغيب للرازي3/74 (بتصرف)

([171]) تفسير ابن كثير( 6/153 )

([172]) تفسير الطبري ( 1 / 291 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 94 )

([173]) تفسير الطبري ( 1 / 292 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 95 )

([174]) تفسير الطبري ( 1 / 292 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 46 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 112 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([175]) تفسير الطبري ( 1 / 292 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 112 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 170 )

([176]) تفسير الطبري ( 1 / 289 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 111 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1103 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 170 )

([177]) تفسير الطبري ( 1 / 290 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 46 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 112 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 170 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([178]) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ج: 4 ص: 47 : طور بالضم ثم السكون وآخره راء والطور في كلام العرب الجبل وقال بعض أهل اللغة لا يسمى طورا حتى يكون ذا شجر ولا يقال للأجرد طور وقيل سمي طورا ببطور بن إسمعيل À أسقطت باؤه للاستثقال ويقال لجميع بلاد الشام الطور وقد تقدم لذلك شاهد في طرآن بوزن قرآن من هذا الكتاب وقال أهل السير سميت بطور بن اسمعيل بن إبراهيم À وكان يملكها فنسبت إليه وقد ذكر بعض العلماء أن الطور هذا الجبل المشرف على نابلس ولهذا يحجه السامرة وأما اليهود فلهم فيه اعتقاد عظيم ويزعمون أن إبراهيم أمر بذبح إسمعيل فيه وعندهم في التوراة أن الذبيح إسحاق À وبالقرب من مصر ثم موضع يسمى مدين جبل يسمى الطور ولا يخلو من الصالحين وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجرة العليق وعليه كان الخطاب الثاني لموسى À ثم خروجه من مصر ببني إسرائيل وبلسان النبط كل جبل يقال له طور فإذا كان عليه نبت وشجر قيل طور سيناء والطور جبل بعينه مطل على طبرية الأردن بينهما أربعة فراسخ على رأسه بيعة واسعة محكمة البناء موثقة الأرجاء

([179]) تفسير الطبري1/332

([180]) تفسيرابن أبي حاتم 1/112والقرطبي1/275 والبغوي1/97

([181]) تفسير الطبري ( 1 / 299 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 46 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 116 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 172 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([182]) تفسير الطبري ( 1 / 299 ) - فتح الباري ( 8 / 200 )

([183]) تفسير الطبري ( 1 / 299 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 172 )

([184]) قال ياقوت الحموي: أيلة بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام وقيل هي آخر الحجاز وأول الشام واشتقاقها قد ذكر في اشتقاق إيلياء بعده قال أبوزيد أيلة مدينة صغيرة عامرة بها زرع يسير وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير وبها في يد اليهود عهد لرسول الله ‘ وقال أبو المنذر سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم À وقال أبو عبيدة أيلة مدينة بين الفسطاط ومكة على شاطىء بحر القلزم تعد في بلاد الشام وقدم يوحنة بن روبة على النبي ‘ من أيلة وهو في تبوك فصالحه على الجزية وقرر على كل حالم بأرضه في السنة دينارا فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار واشترط عليهم قرى من مر بهم من المسلمين وكتب لهم كتابا أن يحفظوا ويمنعوا :معجم البلدان ج:1 ص:292

([185]) أريحا بالفتح ثم الكسر وياء ساكنة والحاء مهملة والقصر وقد رواه بعضهم بالخاء المعجمة لغة عبرانية وهي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسلك سميت فيما قيل بأريحا بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح À : معجم البلدان ج:1 ص:165

([186]) المستدرك 2/262

([187]) البخاري ح 4479

([188]) البخاري 3403

([189]) مسلم 3015

([190])سنن الترمذي 2956

([191]) سنن أبي داود 4006

([192]) سنن أبي داود 4007

([193]) سنن البيهقي 7523 م 2218

([194]) صحيح البخاري 5728 صحيح مسلم 2218

([195]) صحيح البخاري 3473 صحيح مسلم 2218

([196]) تفسير الطبري ( 1 / 323 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 104 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/441).

([197]) تفسير الطبري ( 27 / 245 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 67 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3341 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 318 ) اسناده مسلسل يالضعفاء ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6/503: أن هذا اسناد ضعيف، وذكر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري1/263: أن هذا إسناد مسلسل بالضعفاء، من أسرة واحدة .

([198]) تفسير الطبري ( 20 / 88 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 2988 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 422 ) - تفسير القرطبي ( 13 / 296 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 394 ) - المعجم الكبير ( 5 / 53 )

([199]) تفسير الطبري ( 20 / 89 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 2990 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([200]) متفق عليه وهذا لفظ البخاري 1/32 ومسلم1/464

([201]) مسند الاما م أحمد 5/259

([202]) رواه الطبراني في المعجم الكبير ( 5 / 53 ) وصححه ابن حجر في فتح الباري ج:1 ص:191

([203]) فتح الباري ج:1 ص:191

([204]) قال الطبري وأصل الكفل: الحظ، وأصله: ما يكتفل به الراكب، فيحسبه ويحفظه عن السقوط؛ يقول: يحصنكم هذا الكفل من العذاب، كما يحصن الكفل الراكب من السقوط وقال ابن منظور لكِفْل: الـحَظُّ والضِّعف من الأَجر والإِثم، وعم به بعضهم، ويقال له: كِفْلان من الأَجر. لسان العرب ج 11 ص 590

([205]) تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 2990 ) واستشهد به ابن كثير على انها في حق المؤمنين 4 / 318 )

([206]) تفسير الطبري ( 1 / 80 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 31 )

([207]) تفسير الطبري ( 1 / 379 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 201 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 118 )

([208]) تفسير الطبري ( 1 / 417 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 218 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 126 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([209]) تفسير الطبري (1/417) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 218 ) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (13/494).

([210]) تفسير الطبري ( 1 / 417 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 173 ) حسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([211]) تفسير الطبري ( 1 / 417 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 28 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 126 )

([212]) تفسير الطبري ( 1 / 417 )

([213]) تفسير الطبري (1/417) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 218 ) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (13/494).

([214]) تفسير الطبري ( 1 / 431 - 432) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 704 - 705) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 221- 222 )

([215]) تفسير الطبري ( 28 / 23 )تفسير عبد الرزاق ( 3 / 280 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 85 ) وحسنه في التفسير الصحيح (4/459)

([216]) تفسير الطبري ( 28 / 23 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 280 )

([217]) تفسير الطبري ( 3 / 307 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 237 )

([218]) مسند الأمام أحمد6/25 وابن حبان 16/120 والحاكم في المستدرك3/470

([219]) رواه أحمد في مسنده 4/378 والترمذي 2953 وابن حبان 7206 وصححه أحمد شاكر في تخريجه للطبري برقم 193.

([220]) تفسير الطبري ( 6 / 317 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1182 ) إسناده ضعيف

([221]) تفسير الطبري (6/317) - تفسير ابن أبي حاتم (4/1182) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/441).

([222]) تفسير الطبري ( 6 / 317 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 126 )

([223]) تفسير الطبري ( 6 / 317 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1182 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 126 )

([224]) قاله النووي في شرح مسلم16/148

([225]) مختار الصحاح مادة ل ع ن وفتح الباري 12/77

([226]) مفردات القرآن للراغب الأصفهاني 451

([227]) سنن أبي داود ج:4 ص:121 وسنن البيهقي الكبرى ج:10 ص:93 وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم 1822

([228]) صحيح البخاري ج:1 ص:168

([229]) صحيح البخاري ج:3 ص:1275

([230]) وللتفصيل ينظر كتاب لماذا لعن اليهود ؟ لأحمد الحاج عن دار ابن حزم1415

([231]) تفسير الطبري ( 1 / 287 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 94 ) إسناده ضعيف.

([232]) تفسير الطبري ( 1 / 290 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 94 ) إسناده ضعيف لجهالة شيخ المصنف.

([233]) تفسير الطبري ( 1 / 290 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1104 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 626 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 94 )

([234]) تفسير الطبري ( 1 / 290 ) إسناده ضعيف.

([235]) تفسير ابن كثير1/239

([236]) إغاثة اللهفان ج: 2 ص: 307

([237]) تفسير الطبري1/330

([238]) تفسبر الطبري 1/330

([239]) تفسبر الطبري 1/330

([240]) كنز العمال للمتقي الهندي رقم الحديث4381

([241]) مستدرك الحاكم 2/632رقم الحديث4106

([242]) تفسير الطبري1/332

([243]) الرد على البكري لابن تيمية ج: 1 ص: 205

([244]) تفسير الطبري ( 6 / 181 -182 )

([245]) تفسير الطبري ( 6 / 182 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 51 )

([246]) تفسير الطبري ( 6 / 182 )

([247]) تفسير الطبري ( 6 / 183 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 41 )

([248]) تفسير الطبري ( 6 / 183 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 52 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([249]) تفسير الطبري ( 6 /183 - 184 ) إسناده ضعيف.

([250]) تفسير الطبري ( 1 / 337 ) صححه في التفسير الصحيح (1/174)

([251]) تفسير عبد الرزاق1/48 وتفسير ابن ابي حاتم695 والبيهقي 6/220و ابن كثيير1/265 حسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([252]) تفسير الطبري ( 9 / 73 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 251 ) وقال: هذا أثر غريب جدا وعمارة لا أعرفه و ايده الذهبي في الميزان3/177

([253]) تفسير الطبري ( 20 / 118 ) حسن اسناده كما في قصص الانبياءص 494

([254]) تفسير ابن كثير2/5

([255]) وردت آثار في تعداد بني إسرائيل كستمائة الف وغيرها وهوعدد كبير لم يرد فيه توقيف وردّ مثل هذه المجازفات غير واحد من اهل العلم ونسبوها الى الإسرائيلبيات وممن توسع في ذلك ابن خلدون في مقدمته (مقدمة ابن خلدون ج:1 ص:10 )

([256]) رواه البخاري في المغازي والتفسير 3952و4609 والنسائي في التفسير160

([257]) انظر الأقوا ل والترجيح في تفسير الطبري 4/512,513 وتفسير المنار6/325

([258]) تفسير القرطبي 1/422

([259]) تفسير ابن كثير2/5

([260])كان موسى في التيه فلما فارقه الخضر رجع إلى قومه وهم في التيه وقيل كانت قبل خروجه من مصر والله أعلم قاله العيني في عمدة القاري ج:2 ص:196

([261]) وردت آثار في اسم الخضر فقيل العزير وقيل أرميا وقيل غير ذلك كما في تفسير الطبري (3 /28 )

([262]) أخرجه البخاري في صحيحه ج 3/ص 1246/ح 3220

و مسلم في صحيحه ج4/ص1850/ح2380، ج4/ص1852/ح2380، ج4/ص1854/ح2380.

([263]) تفسير ابن كثير 1/265-266 وقال بعد سياق الروايات الكثيرة في اسباب القصة:وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم فيها اختلاف ما والظاهر أنها ما خوذة من كتب بني إسرائيل وهي مما يجوز نقلها ولكن لا تصدق ولا تكذب فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا والله أعلم.

([264]) مسند الامام أحمد ج2/ص169/ح6576.أخرجه ابن حبان في صحيحه ج 4/ص 329/ح 1467

 و عبد بن حميد في مسنده ج1/ص139/ح353. و الدارمي في سننه ج2/ص391/ح2721.

 و الطبراني في معجمه الأوسط ج2/ص213/ح1767

([265]) ققص القرآن لابن كثير375

([266]) صحيح البخاري4171 وصحيح مسلم2444

([267]) صحيح البخاري 1274 ومسلم399

([268]) مسند أحمد ج3/ص148/ح12526.أخرجه النسائي في سننه ج3/ص215/ح1631، ج3/ص216/ح1632 والطبراني في معجمه الكبير ج11/ص111/ح11207. وللتفصيل قصص الأنبياء لابن كثير509

([269]) يدعى ذلك الإسرائيليون الصهاينة ويتابعهم بعض المسلمين انظر القصص القرآني د صلاح الخالدي3/341

([270]) معالم التنزيل2/253

([271]) البداية والنهاية ج: 1 ص: 144 وله هنا تعليق لطيف أنقله لفائدته في النقل عن أهل الكتاب قال ’: المقصود أن الله لم يبق من الكافرين ديارا فكيف يزعم بعض المفسرين ان عوج بن عنق ويقال ابن عناق كان موجودا من قبل نوح إلى زمان موسى ويقولون كان كافرا متمردا جبارا عنيدا ويقولون كان لغير رشدة بل ولدته أمه عنق بنت آدم من زنا وإنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس وإنه كان يقول لنوح وهو في السفينة ما هذه القصيعة التي لك ويستهزىء به ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاث مائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول أما المعقول فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ولا يهلك عوج بن عنق ويقال عناق وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا وكيف لا يرحم الله منهم أحدا ولا أم الصبي ولا الصبي ويترك هذا الدعى الجبار العنيد الفاجر الشديد الكافر الشيطان المريد على ما ذكروا وأما المنقول فقد قال الله تعالى ثم أغرقنا الآخرين وقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي ‘ أنه قال إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم أخره بذلك وهلم جر إلى يوم القيامة وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه فكيف يترك هذا ياهل عنه ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق الا اختلافا من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والله أعلم

([272]) البداية والنهاية لابن كثير ج: 1 ص: 278

([273]) تفسير الطبري ( 9 / 102 ) صححه في التفسير الصحيح (2/358)

([274]) تفسير الطبري ( 9 / 102 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 592 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/359)

([275]) تفسير الطبري ( 9 / 102 ) إسناده ضعيف

([276]) تفسير الطبري ( 9 / 102 )

([277]) تفسير الطبري ( 9 / 102 ) - مصنف عبد الرزاق ( 6 / 22 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([278]) تفسير الطبري ( 9 / 103 ) - تفسير عبد الرزاق ( 2 / 240 ) صححه في التفسير الصحيح (3/262)

([279]) تفسير الطبري ( 9 / 103 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1604 )

([280]) تفسير الطبري ( 9 / 103 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 260 ) إسناده ضعيف.

([281]) تفسير الطبري ( 9 / 103 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 592 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164).

([282]) تفسير الطبري ( 9 / 102 ) - مصنف عبد الرزاق ( 6 / 22 ) إسناده ضعيف.

([283]) تفسير الطبري ( 9 / 103 )

([284]) تفسير الطبري ( 9 / 103 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 260 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([285]) تفسير الطبري ( 9 / 103 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1604 )

([286]) تفسير الطبري ( 9 / 104 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1605 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 592 )

([287]) تفسير الطبري ( 28 / 31 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 98 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 334 ) حسنه في التفسير الصحيح (4/463)

([288]) تفسير الطبري ( 28 / 31 ) تفسير عبد الرزاق 3( / )282- تفسير ابن كثير ( 4 / 333 ) - المستدرك على الصحيحين ( 2 / 525 ) وله شواهد صحيحة انظر التفسير الصحيح (4/463)

([289]) تفسير الطبري ( 28 / 31 ) إسناده ضعيف.

([290]) تفسير ابن كثير 3/226

([291]) تفسير القرطبي 7/210

([292]) التفسير المنير للزحيلي 9/150 وتذكير النفس بحديث القدس للعفان3/117 بتصرف

([293]) مقارنة الأديان (اليهودية 85).

([294]) تفسير الطبري (1/538) و مقارنة الأديان (85)، اليهود في القرآن (88).

([295]) اليهود في القرآن (88).

([296]) مقارنة الأديان (90)، اليهود في القرآن (89).

([297]) رواه مالك في الموطأ2/892 والبيهقي في سننه6/115 وبنحوه في مسند احمد6/274

([298]) اليهود في القرآن (90) بتصرف.

([299]) اليهود في القرآن (90).

([300]) اليهود في القرآن (90 ـ 91).

([301]) رواه مسلم ج:4 ص:2239

([302]) تفسير الطبري ( 1 /329- 330 ) - تفسير ابن كثير ( 1 /106 - 107 )

([303]) تفسير الطبري ( 1 / 332 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 185 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 106 )

([304]) تفسير الطبري ( 1 / 333 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 133 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 107 )

([305]) تفسير الطبري ( 1 / 333 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 48 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 133 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 107 ) صححه في التفسير الصحيح (1/172)

([306]) تفسير الطبري ( 1 / 333 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 185 ) رواه ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي العالية انظر التفسير الصحيح (1/172)

([307]) تفسير الطبري ( 1 / 335 )

([308]) تفسير الطبري ( 6 / 293 ) إسناده ضعيف.

([309]) تفسير الطبري ( 6 / 293 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1165 )

([310]) تفسير الطبري ( 6 / 317 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1182 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 126 )

([311]) تفسير الطبري ( 6 / 317 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 126 )

([312]) تفسير الطبري ( 6 / 317 )

([313]) تفسير ابن كثير1/223-224

([314]) تفسير القرطبي1/300

([315]) تفسير الطبري1/373

([316]) صحيح مسلم 3663 وابن حبان 2969

([317]) يذكر بعض الكتاب أن من الأمور التي دعت اليهودي (دارون ) إلى القول بنظرية التطور وأن أصل الإنسان في بعض أطواره كان قرداً تكذيب القرآن، تقول الباحثة انعام قدوح: فلقد كانت اليهودية رائدة علم الطبيعيات الذي وضع أصوله (دارون) على أساس زعمه أن الإنسان أصله قرد؛ ولا يخفى أن الغاية من وراء هذا الزعم هي "تكذيب القرآن في بيان هذه العلة وهي أن الله مسخ عصاة اليهود في عهد نبيه موسى(ع) وجعلهم قردة خاسئين". انظر : أسباب ظهور العلمانية في العالم الاسلامي مقال للباحثة في موقع مجلة البلاغ في الشبكة العنكبوتية

([318]) تفسير الطبري ( 6 / 23 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([319]) تفسير الطبري ( 8 / 72 ) - صحيح البخا0ري معلقاً (4/ 1695) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 377 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/441). وحسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([320]) تفسير الطبري ( 8 / 73 ) إسناده ضعيف

([321]) تفسير الطبري ( 8 / 73 ) - تفسير الدر المنثور عن ابن عباس ( 3 / 377 )

([322]) تفسير الطبري ( 8 / 73 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 377 )

([323]) تفسير الطبري ( 8 / 73 )

([324]) تفسير الطبري ( 8 / 74 )

([325]) تفسير الطبري ( 14 / 189 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 175 )

([326]) تفسير الطبري8/76

([327]) تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1411 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 379 )

([328]) تفسير الطبري 4/3

([329]) صحيح مسلم ج:3 ص:1207 و صحيح ابن حبان ج:11 ص:312 واللفظ له

([330]) صحيح البخاري ج:2 ص:779 صحيح مسلم ج:3 ص:1207.

([331]) تفسير ابن كثير ج:2 ص:186 بتصرف

([332]) تفسير الطبري ( 1 / 305 ) تفسير عبد الرزاق ( 1 / 45 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 3058 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([333]) تفسير الطبري ( 1 / 305 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 120 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 100 ) حسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([334]) تفسير الطبري ( 1 / 305 )

([335]) تفسير الطبري ( 1 / 305 )

([336]) تفسير الطبري ( 1 / 306 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 120 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 174 ) إسناده ضعيف

([337]) تفسير الطبري1/305وتفسير الحسن البصري1/96 وابن قتيبة في غريب القرآن50

([338]) رواه البخاري 3/1281و مسلم 4/ص1737

([339]) تفسير الطبري (2/118 )

([340]) تفسير الطبري ( 3 / 321 )

([341]) تفسير الطبري ( 1 / 379 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 201 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 118 )

([342]) تفسير الطبري ( 1 / 381 )

([343]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 156 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 10 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 119 ) إسناده ضعيف

([344]) تفسير الطبري ( 1 / 382 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 156 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 119 )

([345]) تفسير الطبري ( 1 / 383 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 155 )

([346]) تفسير الطبري ( 1 / 382 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 207 )

([347]) تفسير الطبري ( 2 / 82 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 406 )

([348]) تفسير الطبري ( 28 / 32 ) إسناده ضعيف

([349]) تفسير الطبري ( 28 / 82 )

([350]) تفسير الطبري ( 28 / 82 )

([351]) تفسير الطبري ( 9 / 79 )

([352]) رواه البخاري 1375 ومسلم 229 والنسائي 4/102 وأحمد في المسند 5/417

([353]) الغُبَّرات البَقايا، واحدها غابِرٌ، ثم يجمع غُبَّرا، ثم غُبَّرات جمع الـجمع لسان العرب4/4 و النهاية لابن لأثير3/338

([354]) رواه البخاري 4581 ومسلم 1/134

([355]) وهنا نكتة ففي آية البقرة {معدودة} وفي آية آل عمران{أياماً معدودات} ولعل الاختلاف في اللفظ إشارة الى اختلافهم في العدد ففي البقرة إشارة الى السبعة وفي آل عمران إشارة الى الأربعين -ذكر ذلك الشيخ محمد المسند- وقال: ولم أر من أشار إلى ذلك أنظر( أساليب المجرمين في التصدي لدعوة المرسلين لمحمد المسند ص138)

([356]) رواه البخاري2998 وأحمد 2/451 وللتفصيل أنظر تفسير ابن كثير 1/278

([357]) رواه أحمد 1/248، عن ابن عباس وصحح أحمد شاكر أسناده كما في المسند 4/51

([358]) رواه مسلم 18134 وأحمد 2/371

([359]) تفسير الطبري ( 16 / 164 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 569 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 149 )

([360]) رواه ابن ابي حاتم في تفسيره 5/377 والطحاوي في مشكل الآثار(66) وأبو يعلى في مسنده (2618) وابن عدي في الكامل 1/400 وعلق ابن كثير على هذا بقوله:والأشبه -والله أعلم-أنه موقوف وكونه مرفوعاً فيه نظر وغالبه متلقى من الإسرائيليات وفيه شىء يسير مصرح برفعه في أثناء الكلام وفي بعض ما فيه نظر ونكارة والأغلب أنه من كلام كعب الأحبار وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك والله أعلم وعقب عليه ابن حجر في الفتح 6/427وقال كأنه لم يثبت عنده في ذلك من المرفوعات على شرطه وأصح ما ورد في جميع ذلك ماأخرجه النسائي وابو يعلى بإسناد حسن عن عباس في حديث الفتون الطويل وانظر تفسير ابن كثير5/377 (وقال أحمد شاكر هذا موقوف . وإسناده صحيح إلى ابن عباس . أما صحة المتن، فلا نستطيع أن نجزم بها، لعله مما كان يتحدث به الصحابة عن التاريخ القديم نقلا عن أهل الكتاب) انظر جامع البيان ( 2/42 ) - حاشية (3) .

([361]) تفسير الطبري ( 1 / 114 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 42 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 73 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 47 ) إسناده ضعيف

([362]) تفسير الطبري ( 1 / 114 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 46 )

([363]) تفسير الطبري ( 1 / 115 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 41 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 72 ) إسناده ضعيف.

([364]) تفسير الطبري ( 1 / 115 )- تفسير الدر المنثور (1 / 73 )- تفسير ابن كثير ( 1 / 47 )

([365]) تفسير الطبري ( 1 / 362 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 114 ) إسناده ضعيف

([366]) تفسير الطبري ( 1 / 362 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 197 ) و صححه في التفسير الصحيح (1/176)

([367]) تفسير الطبري ( 1 / 364 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 197 ) - تفسير القرطبي ( 1 / 464 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/176-177)

([368]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) إسناده ضعيف.

([369]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) - تفسير ابن أبي حاتم بنحوه ( 4 / 1275 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 260 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) إسناده ضعيف.

([370]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) إسناده ضعيف

([371]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 )

([372]) تفسير الطبري ( 1 / 407 )

([373]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 170 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/194)

([374]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 25 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/194)

([375]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 170 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1108 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) وحسنه في التفسير الصحيح (1/194)

([376]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 )

([377]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 )

([378]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1108 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 25 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 125 )

([379]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 ) إسناده ضعيف

([380]) لسان العرب - ابن منظور ج:15 ص:181

([381]) وهي قراءة حمزة والكسائي كما نبه عليها الطبري وانظر القراءات العشر المتواترة على هامش المصحف لعلوي بلفقيه ص109

([382]) تفسير ابن كثير ج:2 ص:60 التفسير الكبير - الرازي ج:11 ص:148

([383]) تفسير القرطبيتفسير القرطبي ج:6 ص:182

([384]) أضواء البيان - الشنقيطي ج:6 ص:289

([385]) تفسير الطبري 1/406

([386]) أضواء البيان - الشنقيطي ج:2 ص:176

([387]) تفسير القرطبي ج:1 ص:186

([388]) الدر المنثور ج:1 ص:214

([389]) تفسير الطبري ( 6 / 316 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1181 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 252 )

([390]) تفسير الطبري ( 6 / 316 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 204 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 124 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([391]) تفسير الطبري ( 1 / 258 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 101 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 86 ) إسناده ضعيف.

([392]) تفسير الطبري ( 1 / 258 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 156 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 86 )

([393]) تفسير الطبري ( 1 / 258 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 44 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 101 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 86 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/149)

([394]) تفسير الطبري ( 1 / 258 )

([395]) تفسير الطبري ( 1 / 259 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 156 )

([396]) تفسير الطبري ( 1 / 312 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 124 )و صححه في التفسير الصحيح (1/167)

([397]) تفسير الدر المنثور ( 1 / 177 ) - تفسير الطبري ( 1 / 313 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([398]) تفسير الطبري ( 1 / 397 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 164 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 211 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/189-190)

([399]) تفسير الطبري ( 1 / 399 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/190)

([400]) رأس الجالوت اسم يطلق على كبير اليهود وكان يدعى سابقا -القطنون-فتح الباري ج:10 ص:593 والإصابة في تمييز الصحابة ج:4 ص:766

([401]) تفسير الطبري (1/399) - تفسير الدر المنثور (1/212) مصنف ابن أبي شيبة (6/558) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([402]) تفسير الطبري ( 1 / 399 )

([403]) تفسير الطبري ( 5 / 118 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 965 ) - تفسير ابن كثير (1/508) إسناده ضعيف.

([404]) تفسير الطبري ( 9 / 120 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1618 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 610 )

([405]) تفسير الطبري ( 9 / 122 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([406]) تفسير الطبري ( 9 / 126 )

([407]) تفسير الطبري ( 9 / 122 )

([408]) تفسير الطبري ( 9 / 130 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1621 ) إسناده ضعيف.

([409]) تفسير الطبري ( 20 / 88 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 2988 ) تفسير الدر المنثور ( 6 / 422 ) - تفسير القرطبي ( 13 / 296 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 394 ) - المعجم الكبير ( 5 / 53 )

([410]) رواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة ج:1 ص:147

([411]) تفسير الطبري ج:1 ص:406

([412]) تفسير القرطبي ج:13 ص:295

([413]) قال ابن الأثير : يقال هذا ولَد رِشْدة إذا كان لِنِكاح صحيح كما يقال في ضِدّه وللَدُ زِنْية بالكسر فيهما وقال الأزهري في فَصْل بَغي كلامُ العرب المعروف فلان ابن زَنْية وابن رَشْدة وقيل قيل زِنْية ورِشْدة والفتحُ أفصحُ اللُّغتين :(النهاية 2/225 )

([414]) تفسير الطبري ج:6 ص:316

([415]) تفسير الطبري ( 13/259 - 260 ) بتصرف .

([416]) تفسير ابن كثير( 3/509 )

([417]) تفسير الطبري 9/130

([418]) تفسير الطبري1/518

([419]) تفسير القرطبي2 /94

([420]) تفسيرالسعدي 1/65

([421]) رواه الطبراني المعجم الأوسط 5 /328 وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم3045

([422]) رواه البيهقي شعب الإيمان ج:7 ص:369

([423]) رأس الجالوت اسم يطلق عل كبير اليهود وكان يدعى سابقا -القطنون-فتح الباري ج:10 ص:593 والإصابة في تمييز الصحابة ج:4 ص:766 .

([424]) مصنف ابن أبي شيبة ج:6 ص:558 و دلائل النبوة للاصبهاني ج:1 ص:99.

([425]) تفسير الطبري ( 1 / 425 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 177 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([426]) تفسير الطبري ( 1 / 425 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 177 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 220 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([427]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 177 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 128 )

([428]) تفسير الطبري ( 1 / 426 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 220 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 129 )

([429]) تفسير الطبري ( 1 / 426 )

([430]) تفسير الطبري ( 1 / 492 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([431]) تفسير الطبري ( 1 / 492 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 207 )

([432]) تفسير الطبري ( 1 / 493 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 157 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 263 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 155 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([433]) تفسير الطبري ( 1 / 564 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 241 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 337 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 187 ) إسناده ضعيف.

([434]) تفسير الطبري ( 6 / 164 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 120 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 36 )

([435]) تفسير الطبري ( 6 / 164 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 36 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([436]) تفسير الطبري ( 1 / 381 )

([437]) تفسير عبد الرزاق ( 1 / 51 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 156 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 119 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([438]) تفسير الطبري ( 1 / 381 )

([439]) تفسير الطبري ( 1 / 381 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([440]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 156 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 10 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 119 ) إسناده ضعيف

([441]) تفسير الطبري ( 1 / 381 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 156 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 207 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 119 ) إسناده ضعيف

([442]) تفسير الطبري ( 3 / 219 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([443]) تفسير الطبري ( 3 / 192 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 604 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 158 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 351 ) - سنن البيهقي الكبرى ( 9 / 183 )

([444]) تفسير الطبري ( 3 / 314 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 682 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 242 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([445]) تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 846 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 416 )

([446]) تفسير الطبري ( 1 / 426 )

([447]) تفسير الطبري ( 5 / 126 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([448]) تفسير الطبري ( 5 / 126 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 164 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 972 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 560 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 512 ) صححه في التفسير الصحيح (2/60)

([449]) تفسير الطبري ( 5 / 126 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 562 )

([450]) تفسير الطبري ( 5 / 127 )

([451]) تفسير الطبري ( 5 / 127 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 561 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([452]) تفسير الطبري ( 5 / 127 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 972 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 560 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 512 )

([453]) تفسير الطبري ( 5 / 127 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 560 )

([454]) تفسير الطبري ( 5 / 127 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 560 )

([455]) تفسير الطبري ( 5 / 127 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 560 ) إسناده ضعيف

([456]) تفسير الطبري ( 25 / 19 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 191 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 342 ) - تفسير القرطبي ( 16 / 14 )

([457]) تفسير الطبري ( 9 / 105 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 261 )

([458]) تفسير الطبري ( 9 / 106 ) تفسير الدر المنثور ( 3 / 594 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 261 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([459]) تفسير ابن أبي حاتم 3/ 972 وتفسير ابن كثير ج:1 ص:512

([460]) تقدم في فصل -تفضيلهم على العالمين - مناقشة بعض جوانب تزكيتهم لأنفسهم وينطلق اليهود المعاصرون في تعاملهم مع الأمم من منطلق أنهم (الشعب المختار ) فماذا يعني هذا المصطلح؟

يجيب الدكتور عبدالوهاب المسيري المسيري في موسوعة اليهود واليهودية بقوله: "مصطلح «الشعب المختار» ترجمة للعبارة العبرية «هاعم هنفحار»، ويوجد معنى الاختيار في عبارة أخرى مثل: «أتَّا بحرتانو»، والتي تعني «اخترتنا أنت»، و «عم سيجولاه»، أو «عم نيحلاه» أي «شعب الإرث» أي «الشعب الكنز». وإيمان بعض اليهود بأنهم شعب مختار مقولة أساسية في النسق الديني اليهودي، وتعبير آخر عن الطبقة الحلولية التي تشكلت داخل التركيب الجيولوجي اليهودي وتراكمت فيه. والثالوث الحلولي مُكوَّن من الإله والأرض والشعب، فيحل الإله في الأرض، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعباً مختاراً، ومقدَّساً وأزلياً (وهذه بعض سمات الإله). ولهذا السبب، يُشار إلى الشعب اليهودي بأنه «عم قادوش»، أي «الشعب المقدَّس» و«عم عولام» أي «الشعب الأزلي»، و«عم نيتسح»، أي «الشعب الأبدي"

([461]) العنصرية اليهودية 4/450 وللتوسع في العنصرية اليهودية ينظر في الدراسة المتميزة للدكتور أحمد الزغيبي وفقه الله بعنوان العنصرية اليهودية وآثارها في المجتمع الإسلامي والموقف منها -في أربعة مجلدات شافية في جميع جوانب الموضوع ودراسة الدكتور زياد عليان بعنوان الخطاب اليهودي بين الماضي والحاضر وعنه نقلت نصوص التوراة.

([462]) تفسير الطبري ( 3 / 321 )

([463]) تفسير الطبري ( 4 / 202 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 401 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/489)

([464]) تفسير الطبري ( 4 / 202 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 835 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 402 ) إسناده ضعيف

([465]) تفسير الطبري ( 4 / 204 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 837 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 403 ) وحسنه في التفسيرالصحيح (1/491)

([466]) تفسير الطبري ( 4 / 204 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 403 )

([467]) تفسير الطبري ( 1 / 253 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 408 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 84 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([468]) تفسير الطبري ( 1 / 292 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 95 )

([469]) تفسير الطبري ( 1 / 370 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 198 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 116 ) إسناده ضعيف.

([470]) تفسير الطبري ( 1 / 388 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 159 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 209 ) إسناده ضعيف.

([471]) تفسير الطبري ( 1 / 389 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 129 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 209 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366). وحسنه في التفسير الصحيح (1/186)

([472]) تفسير الطبري ( 1 / 389 )

([473]) تفسير الطبري ( 1 / 250 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 160 )

([474]) تفسير الطبري ( 1 / 392 )

([475]) تفسير الطبري ( 1 / 392 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 161 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) وحسنه في التفسير الصحيح (1/188)

([476]) تفسير الطبري ( 1 / 392 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 16 ) إسناده ضعيف.

([477]) تفسير الطبري ( 1 / 392 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 161 )

([478]) تفسير الطبري ( 1 / 392 )

([479]) تفسير الطبري ( 1 / 393 )

([480]) حسنه في التفسير الصحيح (1/188)

([481]) تفسير الطبري ( 1 / 393 )

([482]) تفسير الطبري ( 1 / 393 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 162 ) إسناده ضعيف.

([483]) تفسير الطبري ( 1 / 394 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/189)

([484]) تفسير الطبري ( 1 / 394 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 211 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) وحسنه في التفسير الصحيح (1/189)

([485]) حسنه في التفسير الصحيح (1/189)

([486]) تفسير الطبري ( 1 / 395 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 163 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 211 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) وحسنه في التفسير الصحيح (1/189)

([487]) تفسير الطبري ( 1 / 395 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 163 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 211 ) إسناده ضعيف.

([488]) تفسير الطبري ( 1 / 395 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 163 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 211 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) وحسنه في التفسير الصحيح (1/189)

([489]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 183 ) - تفسير الدر المنثور (1/ 232) وحسنه في التفسير الصحيح (1/204)

([490]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 184 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 232 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 135) وصححه في التفسير الصحيح (1/204)

([491]) تفسير الطبري ج:1ص:447 - تفسير الدر المنثور ( 1 / 232 )

([492]) تفسير الطبري ( 9 / 107 )

([493]) تفسير الطبري ( 9 / 109 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 595 ) وحسنه في التفسير الصحيح (2/360)

([494]) تفسير الطبري ( 21 / 129 ) إسناده ضعيف.

([495]) تفسير الطبري ( 21 / 151 ) إسناده ضعيف.

([496]) تفسير الطبري ( 7 / 133 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 236 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 118 )

([497]) تفسير الطبري ( 7 / 134 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 656 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 372 )

([498]) تفسير الطبري ( 7 / 134 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 237 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([499]) تفسير الطبري ( 13 / 139 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 636 ) - تفسير القرطبي ( 9 / 307 )

([500]) لسان العرب ج 3 ص 311

([501]) لسان العرب ج 10 ص 371

([502]) تفسير ابن كثير: 1/141،

([503]) المصدر السابق

([504]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 1/172-173، وقد نقله عن ابن جرير الطبري وعزاه إلى مسند الإمام أحمد، وقد ورد بعض المناظرات في صحيح الإمام مسلم وفيها السؤال عن ماء الرجل والمرأة والشبه، وفيها السؤال عن أول طعام أهل الجنة ونحو ذلك.

([505]) ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر الدمشقي، زاد المعاد في هدي خير العباد، 3: 126-127، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الثلاثون،1418 هـ.

([506]) المصدر السابق، 3: 127-128وأصل القصة في الصحيحين.

([507]) المصدر السابق، بتصرّف، 3: 129-134، والرواية في الصحيحين وآخرها ((لقد حكمت فيهم بحكم الله Œ))

([508]) المصدر السابق، ص: 136

([509]) صالح، د. سعد الدين السيد، العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية، ص: 28، دار التابعين، عين شمس، الطبعة الثانية

([510]) تفسير الطبري 1/219

([511]) من أحبار اليهود وهو الذي عناه النبي ﷺ‬ بقوله الحبر السمين جلى مع قومه بنو قينقاع في السنة الثانية للهجرة

([512]) تفسير ابن كثير1/256-257

([513]) تفسير الطبري1/437-438

([514]) تفسير الطبري1/438

([515]) تفسير القرطبي 1/000

([516]) تفسير الطبري1/440 وإن كان ابن كثير يميل الى أنه موجه للمعاصرين زمن النبي r1/282

([517]) تفسير الطبري1/466

([518]) كما في تفسير القرطبي 6/112بتصرف يسير

([519]) التفسير الكبير - الرازي ج:11 ص:145

([520]) تفسير الطبري ( 3 / 319 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 684 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 685 )

([521]) تفسير الطبري ( 1 / 254 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 155 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 85 )

([522]) تفسير الطبري ( 1 / 255 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 98 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 85 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) وحسنه في التفسير الصحيح (1/147)

([523]) تفسير الطبري ( 1 / 255 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 155 ) - تفسير القرطبي ( 1 / 342 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 85 ) ورواه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن قتادة انظر التفسير الصحيح (1/148)

([524]) تفسير الطبري ( 1 / 254 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 98 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 155 )

([525]) تفسير الطبري ( 1 / 255 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 98 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 155 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 85 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/148)

([526]) تفسير الطبري ( 1 / 356 ) إسناده ضعيف

([527]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 149 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 198 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 116 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/178)

([528]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 198 )

([529]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 116 )

([530]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 148 )

([531]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 148 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 116 ) إسناده ضعيف. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس بسند صحيح (1/178)

([532]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 116 ) إسناده ضعيف.

([533]) تفسير الطبري ( 1 / 373 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) و حسنه في التفسير الصحيح (1/179)

([534]) تفسير الطبري ( 1 / 377 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 152 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 201 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 118 ) و صححه في التفسير الصحيح (1/181)

([535]) تفسير الطبري ( 1 / 378 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 154 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 203 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 118 )

([536]) تفسير الطبري ( 1 / 379 )

([537]) تفسير الطبري ( 1 / 379 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/183)

([538]) تفسير الطبري ( 1 / 379 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 118 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/182)

([539]) تفسير الطبري ( 1 / 378 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 203 ) و صححه في التفسير الصحيح (1/182)

([540]) تفسير الطبري ( 1 / 379 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 155 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([541]) تفسير الطبري ( 1 / 383 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 157 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 208 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/184)

([542]) تفسير الطبري ( 1 / 384 )

([543]) تفسير الطبري ( 1 / 405 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 126 )

([544]) تفسير الطبري ( 1 / 426 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/199)

([545]) تفسير الطبري ( 1 / 427 )

([546]) تفسير الطبري ( 2 / 184 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 184 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 232 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 135 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/204)

([547]) تفسير الطبري ( 1 / 574 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 341 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/248)

([548]) تفسير الطبري ( 1 / 574 )

([549]) تفسير الطبري (5/119) - تفسير ابن أبي حاتم (3/967) - تفسير الدر المنثور (2/554) إسناده ضعيف.

([550]) تفسير الطبري ( 7 / 297 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1360 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 334 ) - تفسير القرطبي ( 7 / 53 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 161 )

([551]) تفسير الطبري ( 7 / 297 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 157 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([552]) تفسير الطبري ( 6 / 235 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 179 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([553]) تفسير الطبري ( 6 / 236 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1131 )

([554]) تفسير الطبري ( 6 / 239 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([555]) تفسير الطبري ( 6 / 156 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 186 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 42 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 116 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([556]) تفسير الطبري ج:3 ص:323

([557]) تفسير الطبري(3/319)

([558]) رواه الامام احمد المسند جزء : 2 صفحة : 329 وابوداود ج:2 ص:252 وأبي يعلى جزء : 10 صفحة والطبراني في المعجم الكبير جزء : 2 صفحة : 81 بالفاظ متقاربه

([559]) رواه النسائي ج:5 ص:313 85

([560]) رواه احمد ج:6 ص:81 وقال ابن كثير هذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه التفسير(4/80)

([561]) صحيح البخاري ج2/ص973

([562]) تفسير الطبري ( 1 / 487 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 204 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 261 )

([563]) تفسير الطبري ( 1 / 488 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 204 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 260 ) إسناده ضعيف.

([564]) تفسير الطبري ( 1 / 412 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([565]) تفسير الطبري ( 1 / 256 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 256 ) حسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([566]) تفسير الطبري ( 1 / 256 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 256 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 155 ) إسناده ضعيف.

([567]) تفسير الطبري (3/315 حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([568])تفسير الطبري ( 4/ 22) تفسير الدر المنثور ( 2/ 278) إسناده ضعيف.

([569]) تفسير الطبري ( 27 / 246 ) . حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([570]) تفسير الطبري ( 17 / 132 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 20 ) إسناده ضعيف

([571]) تفسير الطبري ( 30 / 354 )

([572]) تفسير الطبري 1/520 .

([573]) تفسير الطبري 1/534-535

([574]) رواه البخاري من ابي موس_ ج:2 ص:792.

([575]) رواه الإمام أحمد 6/134-135 وابن خزيمة في صحيحة574 والبيهقي 2/56 بالفاظ متقاربة وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 1997

([576]) رواه الطبراني المعجم الأوسط ج:5 ص: 147 وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ( 2 113 ) وإسناده حسن وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب 1/194

([577]) رواه ابن ماجة 1/279 رقم 857 وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم5613

([578]) رواه الترمذي 4 /664 واورده الالباني في صحصح الجامع رقم3361 وفي ارواء الغليل برقم777مع علة يسيرة

([579]) سنن أبي داود ج:4 ص:276 وهو في ضعيف الجامع للالباني رقم2197

([580]) رواه الحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم3658

([581]) تفسير الطبري ( 1 / 408 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([582]) تفسير عبد الرزاق ( 1 / 51 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 171 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 215 ). صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([583]) تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 846 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 416 ).

([584]) تفسير ابن أبي حاتم 3/846 - تفسير الدر المنثور (2/416) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (13/494).

([585]) تفسير ابن كثير 3/538-539.

([586]) تفسير الطبري ( 11 / 168 ).

([587]) تفسير الطبري ( 15 / 180 ).

([588]) تفسير الطبري ( 10 / 110 ) - تفسير الدر المنثور عن ابن جريج ( 4 / 171 ).

([589]) تفسير الطبري ( 10 / 110 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 171 ).

([590]) تفسير الطبري(10/112) تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1781 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 171 ). إسناده ضعيف

([591]) جمع خوبة ، وهي الأرض التي لم تمطر بين أرضين ممطورتين . اللسان ( 1/368 ).

([592]) تفسير الطبري(10/111) تفسير الدر المنثور ( 4 / 172 ). حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([593]) تفسير الطبري ( 10 / 112 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1783 ).

([594]) تفسير الطبري ( 10 / 112 ) - تفسير عبد الرزاق ( 2 / 271 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1783 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 173 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([595]) تفسير الطبري ( 10 / 112 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1782 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).

([596]) تفسير الطبري ( 10 / 113 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 173 ).

([597]) تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1783 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 173 ). إسناده ضعيف

([598]) تفسير الطبري ( 6 / 164 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 120 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 36 ) .

([599]) تفسير الطبري ( 6 / 164 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 36 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).

([600]) تفسير الطبري ( 6 / 166 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1129 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 45 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).

([601]) تفسير الطبري ( 10 / 110 ) تفسير الدر المنثور ( 4 / 171 ).

([602]) تفسير الطبري ( 10 / 110 )، تفسير الدر المنثور ( 4 / 171 ).

([603]) تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1781 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 171 ). إسناده ضعيف

([604]) تفسير الدر المنثور ( 4 / 172 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).

([605]) تفسير الطبري ( 23 / 108 ) تفسير القرطبي ( 15 / 134 ).

([606]) تاريخ مدينة دمشق ج40/ص328.

([607]) قاله ابن عساكر في تاريخ دمشق وساق نسبه اليه 40/317 .

([608]) قصص الأنبياء ص631 وما بعده.

([609]) تفسير الطبري3/29).

([610]) طائفة من اليهود نسبوا إلى رجل يقال له صدوق وهم يقولون من بين سائر اليهود إن العزير بن الله وكانوا بجهة اليمن انظر..الفصل في الملل لابن حزم ج1/ص82والجواب الصحيح لابن تيمية ج4/ص476.

([611]) فتح الباري ج11/ص449 .

([612]) تفسير القرطبي ج8/ص117.

([613]) تفسير القرطبي ج8/ص118.

([614]) تفسير الطبري ( 4 / 194 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 829 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 396 ) .

([615]) تفسير الطبري ( 6 / 300 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 113 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 76 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/441).

([616]) تفسير الطبري ( 6 / 300 ) .

([617]) تفسير الطبري ( 6 / 300 ) . حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([618]) تفسير الطبري ( 6 / 300 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1168 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).

([619]) تفسير الطبري ( 26 / 179 ) - تفسير عبد الرزاق ج:3 ص:210 تفسير الدر المنثور ( 7 / 316 ) المستدرك على الصحيحين ج2/ص592 تفسير ابن كثير 4/95 . إسناده ضعيف.

([620]) تفسير الطبري ( 26 / 179 ) تفسير ابن كثير ( 4 / 230 ) - فتح الباري ( 6 / 288 ) . حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([621]) تفسير الطبري ( 22 / 140 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3184 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 30 ) . إسناده ضعيف

([622]) تفسير الطبري ج4/ص196.

([623]) تفسير ابن كثير ج1/ص434.

([624]) قال ابن حجر: أبو الدحداح الأنصاري حليف لهم قال أبو عمر لم أقف على اسمه ولا نسبه أكثر من أنه من الأنصار حليف لهم وقال: عاش الى زمن معاوية: الإصابة في تمييز الصحابة ج7/ص119.

([625]) قال الهيثمي رواه أبو يعلى والطبراني ورجالهما ثقات ورجال أبي يعلى رجال الصحيح مجمع الزوائد 9/324.

([626]) تفسير ابن كثير ج4/ص308.

([627]) تفسير الطبري ج6/ص299.

([628]) تفسير ابن كثير ج2/ص76.

([629]) رواه البخاري 8/175.

([630]) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - الأندلسي ج2/ص215.

([631]) في سفر التكوين [فأكملت السموات والأرض وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح من جميع عمله لذي عمل وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله] -تكوين 2/3.

([632]) تفسير الدر المنثور ( 8 / 306 ) - تفسير القرطبي عن مجاهد ( 19 / 22 ) تفسير ابن كثير ( 4 / 432 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([633]) تفسير الطبري ( 9 / 45 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 533 ) - تفسير القرطبي ( 7 / 273 ).

([634]) تفسير الطبري ( 1 / 286 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 168 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 93 ).

([635]) تفسير الطبري ( 1 / 287 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 93 ).

([636]) تفسير الطبري ( 1 / 287 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([637]) تفسير الطبري ( 16 / 202 ) تفسير ابن كثير عن ابن عباس ( 3 / 163 ) - تفسير القرطبي عن ابن عباس أيضا ( 11 / 236 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([638]) تفسير الطبري ( 1 / 422 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 52 ) - تفسير ابن أبي حاتم (1/176) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 219 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 127 ) . صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([639])تفسير الطبري ( 23 / 48 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3367 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 260 ) المستدرك على الصحيحين ( 4 / 542 ) - مصنف ابن أبي شيبة ( 7 / 511 ).

([640]) تفسير الطبري ( 2 / 596 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 750 ) إسناده ضعيف.

([641]) تفسير الطبري ( 23 / 92 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3225 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 119 ).

([642]) تفسير الطبري ( 10 / 114 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1784 ).

([643]) تفسير الطبري ( 10 / 114 ) - تفسير عبد الرزاق ( 2 / 272 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 174 ) - تفسير القرطبي ( 8 / 120 ).

([644]) تفسير الطبري ( 10 / 115 )تفسير الدر المنثور ( 4 / 174 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1784 ).

([645]) تفسير القرطبي ( 4 / 105 ).

([646]) تفسير الطبري ( 10 / 115 ) - تفسير ابن كثير بمعناه ( 2 / 350 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).

([647]) تفسير الطبري ( 10 / 115 ) - تفسير ابن أبي حاتم (6/1784) .

([648]) تفسير الطبري ( 5 / 152 ) .

([649]) تفسير الطبري ( 5 / 153 ) .

([650]) تفسير الطبري ( 5 / 153 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 580 ) .

([651]) تفسير الطبري ( 5 / 154 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 991 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 581 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).

([652]) تفسير الطبري ( 5 / 154 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 991 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 582 ) - تفسير القرطبي ( 5 / 263 ) . صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([653]) أورد الطبري نحواً من خمسين أثراً في العجل والسامري اختصرت الكلام عليها مع إبعاد الاسرائيليات التي نبه عليها العلماء كابن كثير وغيره.

([654]) وردت آثار في تعريف السامري- اسمه ، وأصله ، وحبه عبادة البقر ... وغير ذلك . كله من الإسرائيليات لما فيها من المبالغات وعدم دقة المصدر اللهم الا كتب أهل الكتاب.

([655]) قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- المستدرك على الصحيحين ج2/ص351.

([656]) كما ورد في سفر الخروج، الأصحاح (32) انظر الفصل في الملل ج1/ص140 اليهودية لأحمد شلبي 182.

([657]) البداية والنهاية لابن كثير 1/286-288 بتصرف . انظر المحرر الوجيز لابن عطية ( 4/61 واليهودية لاحمد شلبي 180 ومابعدها.

([658]) تفسير القرطبي ج2/ص31.

([659]) تفسير البغوي ج1/ص95.

([660]) تفسير الطبري ج1/ص281.

([661]) رواه البخاري 4/1672.

([662]) الإتقان (1/417).

([663]) مدينة بالشّام وهي من مدن لبنان الآن وهي قديمة البناء ، فتحت بصلح في زمن عمر t سنة (14هـ) وكان لأهلها صنمٌ يدعى (بعْلاً) فسمِّيت به لعبادة أهلها له، واسم الموضع (بَك).امعجم البلدان 1/453)، بتصرف يسير.

([664]) تفسير ابن كثير ج4/ص21 وسيأتي مزيدا من التفصيل عند الكلام عن أنبيائم بإذن الله.

([665]) تفسير القرطبي ج8/ص119 لسان العرب - ابن منظور ج4/ص158.

([666]) تفسير ابن أبي حاتم ج6/ص1784.

([667]) رواه أحمد 4/378 والترمذي 2953.

([668]) سعيد بن فيروز ابو البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة بن ابي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الارسال من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين تقريب التهذيب 1 /240.

([669]) انظر للروايات المتعددة في تفسير الطبري 10/115.

 ([670]) تفسير الطبري 4 /138.

([671]) تفسير الطبري 5/133.

([672]) تفسير الطبري ج5/ص130تفسير ابن كثير ج1/ص513.

([673]) تفسير عبد الرزاق ( 3 / 23 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 624 ) - تفسير القرطبي ( 11 / 281 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([674]) تفسير الطبري (23/ 108) تفسير القرطبي (15/134)

([675]) تفسير القرطبي ( 15 / 134 ).

([676]) تفسير الدر المنثور ( 5 / 288 ). صححه في التفسير الصحيح (3/262)

([677]) تفسير الطبري ( 1 / 431 ). إسناده ضعيف

([678]) تفسير الطبري ( 12 / 16 ).

([679]) تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 2015 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 411 ).

([680]) تفسير الطبري ( 1 / 432 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 130 ) إسناده ضعيف.

([681]) تفسير ابن كثير ( 1 / 131 ).

([682]) تفسير الطبري ( 1 / 431 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 222 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 132 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 223 ).

([683]) تفسير الطبري ( 1 / 432 )تفسير عبد الرزاق ( 1 / 52 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 133 ). صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([684]) تفسير الطبري ( 1 / 4333 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 223 -224).

([685]) تفسير ابن كثير ( 1 / 133 ).

([686]) تفسير الطبري ( 1 /435 - 436 ).

([687]) تفسير الدر المنثور ( 1 / 224 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 133 ) إسناده ضعيف.

([688]) تفسير الطبري 1/476-486 وانظر تفاصيل الروايات وتخريجها في العجاب في بيان الأباب لابن حجر 1/289 وما بعدها.

([689]) حكاه ابن حجر في العجاب 1/298.

([690]) تفسير الطبري ( 1 / 431 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 704 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 221 ) وأحمد في المسند عن 1/274-278 والطبراني في الكبير والترمذي 3117 مختصراً وصححه شاكر في تعليقه على التفسير وصححه في التفسر الصحيح1/115.

([691]) فتح الباري 866 والواحدي في أسباب النزول 28 ثم ضعف هذه الرواية ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب1/297.

([692]) أسباب النزول للواحدي 28.

([693]) تفسير الطبري ( 1 / 435 ).

([694]) تفسير الطبري ج1/ص432 ورواه أحمد1/274والترمذي3117 وقال حسن صحيح وصححه شاكر برقم 1605 في حاشية التفسير.

([695]) رواه البخاري ج1/ص4.

([696]) تفسير الطبري ( 7 / 267 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1342 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 ) إسناده ضعيف.

([697]) تفسير الطبري ( 7 / 267 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 )

([698]) تفسير الطبري ( 7 / 267 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 )

([699]) - تفسير الطبري ( 7 / 267 ) تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 )

([700]) تفسير الطبري ( 7 / 268 ) تفسير الدر المنثور ( 3 / 315 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([701]) تفسير الطبري ( 7 / 268 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1341 )تفسير الدر المنثور ( 3 / 314 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/441).

([702]) تفسير الطبري (7/269) - تفسير ابن أبي حاتم (2/671) تفسير الدر المنثور (3/315) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (13/494).

([703]) تفسير الطبري (7/269) - تفسير القرطبي 7/37.

([704]) تفسير البغوي ج2/ص114

([705]) تفسير الطبري ج7/ص270

([706]) تفسير ابن كثير ج2/ص157

([707]) التفسير الصحيح 2/256

([708]) وهي قراءة ابن كثير وابو عمرو- انظر القرآءت العشر على هامش المصحف ص139

([709]) تفسير الطبري ( 1 / 292 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 95 )

([710]) تفسير الطبري ( 9 / 109 ) - تفسير القرطبي ( 7 / 313 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([711]) - تفسير الطبري ( 9 / 109 ) تفسير ابن كثير ( 2 /261 - 262 )

([712]) تفسير الطبري ( 9 / 108 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1611 ) إسناده ضعيف

([713]) تفسير الطبري ( 9 / 66 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 548 )

([714]) تفسير الطبري ( 9 / 66 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 548 )

([715]) تفسير الطبري ( 9 / 66 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1563) إسناده ضعيف.

([716]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 149 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 198 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 116 )

([717]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 198 )

([718]) تفسير الطبري ( 1 / 367 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 116 )

([719]) تفسير الطبري ( 3 / 323 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 689 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 249 )

([720]) تفسير الطبري ( 3 / 323 ) - تفسير ابن أبي حاتم عن الرببيع بن أنس ( 2 / 689 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([721]) تفسير الطبري ( 3 /323 - 324 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 689 ) - تفسير الدر المنثور (2/249) إسناده ضعيف

([722]) تفسير الطبري ( 3 / 324 )

([723]) تفسير الطبري ( 5 / 118 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 965 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 554 )

([724]) تفسير الطبري (1/518) تفسير ابن أبي حاتم (1/218)تفسير الدر المنثور(1/272 تفسير ابن كثير (1/165)

([725]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 154 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 203 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 118 )

([726]) تفسير الطبري ( 1 / 379 )

([727]) تفسير الطبري ( 1 / 379 )

([728]) تفسير الطبري ( 1 / 379 ) - تفسير ابن كثير عن ابن عباس ( 1 / 118 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([729]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 155 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([730]) تفسير الطبري ( 1 / 379 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 155 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([731]) تفسير الطبري ( 7 / 269 ) - تفسير القرطبي ( 7 / 37 )

([732]) الدر المنثور - السيوطي ج3/ص548

([733]) فتح القدير - الشوكاني ج2/ص246.

([734]) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير-ابو شهبة- ص 201 - 205 وفيه نقد لكثير من الروايات السابقة

([735]) صحيح مسلم ج:4 ص2042 سنن أبي داود ج4/ص226واللفظ له

([736]) وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير والحاكم والبيهقي من طرق عن شعبة به وقال الترمذي حسن صحيح قلت وفي رجاله من تكلم فيه

([737]) البداية والنهاية ج:6 ص:174

([738])رحمة الله الهندي، إظهار الحق (1/52)،.

([739]) عبد الوهاب زيتون ـ الأصولية في اليهودية، ص141.

([740]) انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (1/166ـ157)، والملل والنحل للشهرستاني (2/9ـ11)، وإظهار الحق، ص 95 ـ 100، ومقدمة ابن خلدون، ص207.

([741]) إظهار الحق، رحمة الله الهندي 1/217 ـ 218.

([742]) الفهرست لابن النديم، ص22 بتصرف يسير

([743]) تأثر اليهودية بالأديان الوثنية. د. فتحي محمد الزغبي.

([744]) تأثر اليهودية بالأديان الوثنية، د. فتحي محمد الزغبي، ص61 ـ 62.

([745]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط ج5/ص359 وقال الهيثمي رجاله ثقات (مجمع الزوائد ج1/ص150 )ورواه الدارمي عن ابي موسى موقوفاً ج1/ص135

([746]) مصنف عبد الرزاق ج11/ص257

([747]) المحلى ج9/ص307

([748]) تفسير ابن أبي حاتم ج5/ص1607

([749]) هداية الحيارى ج1/ص129

([750]) التلمود تاريخه وتعاليمه ـ ظفر الإسلام خان، ص11، 12، والكنز المرصود في قواعد التلمود، ص41، 42. والفكر الديني اليهودي وهو من أوسعها تفصيلاً د.حسن ظاظا

([751]) الفهرست باختصار ج1/ص34

([752]) التلمود تاريخه وتعاليمه، ص15 ـ 17.

([753]) هداية الحيارى ج1/132- 133

([754]) التلمود تاريخه وتعاليمه، ص29، والكنز المرصود، ص 44، 48.

([755]) تفسير الطبري ج6/ص 155

([756]) حَمَّمَهُ تَحميما سخم وجهه بالفحم . مختار الصحاح ج 1 ص 66

([757]) مسند الإمام أحمد ج4/ص286 واللفظ له و أصله في صحيح البخاري ج4/ص 1660

([758]) صحيح البخاري ج6/ص2745

([759]) تفسير ابن كثير ج1/ص116

([760]) الجواب الصحيح ج2/ص442

([761]) دقائق التفسير - ابن تيمية ج2/ص50

([762]) الفصل في الملل والنحل1/93 وما بعدها

([763]) هداية الحيارى ج1/ص107

([764]) فتح الباري فتح الباري ج13/ص525

([765])د. محمد شلبي شتيوي: التوراة دراسة وتحليل. (بتصرف). وممن فصل في ذلك: الإمام الغزالي الذي رد عليهم في كتابه (الرد الجميل) وعبد الملك الجويني إمام الحرمين المتوفى سنة والإمام ابن القيم كتابه (هداية الحيارى).. والإمام القرطبي صاحب التفسير المشهور في كتابه (الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام) والإمام علي بن محمد بن عبدالرحمن الباجي الشافعي . ولـه كتابان في الرد على عقائد اليهود والنصارى: الأول أسماه (الرد على اليهود والنصارى) والثاني: نقد للتوراة اليونانية وتعليق علىكل إصحاح تقريباً في جميع الأسفار الخمسة وقد أسماه (على التوراة). ورحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق)

([766]) تفسير ابن أبي حاتم ج1/ص154و دلائل النبوة للبيهقي ج1/ص157 وللتوسع تفسير الدر المنثور ج1/ص202

([767]) رواه الإمام أحمد ج5/ص411 ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج1/ص185 والهيثمي في مجمع الزوائد ج8/ص234 وقال ابن كثير:

حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس: تفسير ابن كثير ج2/ص252

([768]) تفسير الطبري (1/496) - تفسير ابن أبي حاتم (1/209) - تفسير ابن كثير (1/156) إسناده ضعيف.

([769]) تفسير الطبري ( 20 / 85 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 2985 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 421 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([770]) تفسير الدر المنثور بلفظ : بالتوراة والقرآن ( 6 / 421 ) - تفسير ابن أبي حاتم بلفظ : بالتوراة والقرآن ( 9 / 2986 ) إسناده ضعيف.

([771]) تفسير الطبري (1/419) - تفسير ابن أبي حاتم (1/174) حسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([772]) تفسير ابن كثير ج2/ص65

([773]) تفسير الطبري ج1/ص419

([774]) الفصل في الملل ج2/ص61

([775]) تفسير البغوي ج2/ص285 تفسير القرطبي ج6/ص25 التفسير الكبير - الرازي ج16/ص28

([776]) مجموع الفتاوى ج6/ص214

([777]) تفسير الدر المنثور ( 4 / 668 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 522 ) إسناده ضعيف

([778]) تفسير الدر المنثور ( 5 / 336 )

([779]) تفسير الدر المنثور ( 2 / 301 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 400 ) إسناده ضعيف.

([780]) تفسير الدر المنثور ( 5 / 98 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 559 ) - المستدرك على الصحيحين ( 2 / 387 )

([781]) تفسير ابن كثير عن مجاهد ( 2 / 81 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/441).

([782]) تفسير الطبري ( 1 / 518 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 218 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 272 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 165 )

([783]) تفسير الطبري 1/519، تفسير ابن أبي حاتم 1/218، تفسير الدر المنثور 1/272، تفسير القرطبي (2/95)

([784]) تفسير ابن كثير ج2/ص522

([785]) تفسير الطبري ج1/ص410

([786]) تفسير الطبري ج1/ص447

([787]) تفسير الطبري ج5/ص124 الدر المنثور ج2/ص555

([788]) تفسير الطبري ( 15 / 158 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 172 ) لباب النقول - السيوطي ج1/ص140

([789]) تفسير الطبري ( 1 / 519 ) باختصار

([790]) تفسير ابن كثير ج2/ص77

([791]) تفسير الطبري ج6/ص305 بتصرف يسير

([792]) رواه الإمام أحمد بن حنبل 4/160 ورواه ابن ماجة 4048

([793]) تفسير الطبري ( 4 / 197 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 831 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 398 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 435 ) إسناده ضعيف

([794]) تفسير الطبري ( 4 / 197 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 831 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 398 ) إسناده ضعيف.

([795]) تفسير الطبري ( 6 / 303 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/277)

([796]) تفسير الطبري ( 15 / 22 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 243 )

([797]) تفسير الطبري ( 4 / 198 ) - تفسير ابن أبي حاتم عن قتادة ( 3 / 832 ) - تفسير الدر المنثور أيضا عن قتادة ( 2 / 399 )

([798]) تفسير الطبري(1/405)

([799]) تفسير الطبري ( 3 / 153 )

([800]) تفسير الطبري ( 6 / 11 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1109 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([801]) : تفسير الطبري ج4/ص196

([802]) رواه الإمام أحمد ج1/ص407 و مصنف عبد الرزاق ج10/ص398 وقال المنذري في الترغيب والترهيب ج3/ص117 ورواته ثقات

([803]) تفسير ابن أبي حاتم ج3/ص736 و تفسير ابن كثير ج1/ص356 والديلمي الفردوس بمأثور الخطاب ج3/ص433 عن ابي ذر

([804]) تفسير ابن أبي حاتم ج2/ص621 تفسير ابن كثير ج1/ص356

([805]) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - الأندلسي ج1/ص156و فصل فيها القرطبي ج1/ص432

([806]) استغرقت اكثر من 15 صفحة تفسير الطبري ج15/ص 20 وما بعدها

([807]) تفسير الطبري ج15/ص 20 و زاد المسير - ابن الجوزي ج:5 ص:8

([808]) تفسير ابن كثير ج3/ص26 باختصار ونقد هذه الروايات ابوشهبه ’ في الاسرائيليات في التفسيرص234ومابعدها

([809]) تفسير الطبري ( 3 / 307 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 237 )

([810]) - تفسير الطبري ( 19 / 86 )

([811]) تفسير الطبري ( 1 / 574 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 341 )

([812]) - تفسير الطبري ( 1 / 574 )

([813]) تفسير الطبري ( 3 / 308 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 239 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([814]) تفسير الطبري (1/575)

([815]) تفسير القرطبي ج4/ص109

([816]) مسند الإمام أحمدج1/ص400 وسنن الترمذي ج5/ص223 والحاكم في المستدرك ج2/ص320وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه

([817]) تفسير الطبري ( 23 / 84 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 19 ) إسناده ضعيف.

([818]) - المستدرك على الصحيحين ( 2 / 604 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 19 )

([819]) تفسير الطبري ( 13 / 4 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 7 / 2159 )

([820]) - تفسير الطبري ( 13 / 4 )

([821]) تفسير الطبري ( 23 / 81 ) - تفسير الدر المنثور عن ابن مسعود مرفوعا ( 7 / 107 )

([822]) تفسير الطبري ( 23 / 82 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 18 )

([823]) تفسير الطبري ( 23 / 83 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3223 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 105 )

([824]) تفسير الطبري ( 23 / 84 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3223 ) - المستدرك على الصحيحين وصححه عن الشعبي عن ابن عباس ( 2 / 604 )

([825]) تفسير الطبري ( 23 / 89 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 20 )

([826]) سفر التكوين، الإصحاح 22 كاملاً

([827]) في معجم البلدان (5/248)

([828]) تاريخ الطبري ج:1 ص:158.و قال الألبانيّ’ : وقد جاءت أحاديث في أنّ إسحاق هو الذّبيح، ولكن كلّها ضعيفة:سلسلة الأحاديث الضّعيفة 1/337)

([829]) منهاج السّنّة 5/353

([830]) تفسير ابن كثير( 4/19)

([831]) البداية والنهاية1/158-159 و أطال في ذكر القائلين من الفريقين، وانظر الرأي الصحيح في من هو الذبيح عبد الحميد الفراهي.

([832]) روح المعاني - الألوسي ج23/ص 136 و انظر الشّوكانيّ في فتح القدير 4/407-408

([833]) فتاوى اللجنة الدائمة 4/290-291.

([834]) تفسير الطبري ( 21 / 112 ) - تفسير الدر المنثور مرفوعا إلى النبي ﷺ‬( 6 / 556 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([835]) تفسير الطبري ( 19 / 79 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 8 / 2770 )

([836]) - تفسير الطبري ( 9 / 28 )

([837]) - تفسير الطبري ( 9 / 28 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 301 )

([838]) تفسير الطبري ( 9 / 63 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 564 )

([839]) تفسير الطبري ( 9 / 63 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 588 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 163 )

([840]) - تفسير الطبري ( 22 / 51 )

([841]) تفسير الطبري (22/52) - تفسير ابن أبي حاتم (10/3157) - المستدرك على الصحيحين (2/633) إسناده ضعيف.

([842]) - تفسير الطبري ( 20 /116 - 117 )

([843]) للتفصيل انظر تفسير الطبري ج1/ص289

([844]) الأدرة- بالضم نفخة في الخصية يقال رجل آدر بين الأدر و المأدور الذي ينفتق صفاقه فيقع قصبه ولا ينفتق إلا من جانبه الأيسر وقيل هو الذي يصيبه فتق في إحدى وقيل الأدرة الخصية والخصية الأدراء العظيمة من غير فتق آدر بين الأدرة بفتح الهمزة والدال وهي التي تسميها الناس القيلة ومنه الحديث إن بني إسرائيل كانوا يقولون إن موسى آدر( لسان العرب ج4/ص15)

([845]) صحيح البخاري 3404

([846])قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه المستدرك على الصحيحين ج2/ص633 وضعفه ابن حجر وقال: وفي الإسناد ضعف ولو ثبت لم يكن فيه ما يمنع أن يكون في الفريقين معا لصدق أن كلا منهما آذى موسى فبرأه الله مما قالوا والله أعلم: فتح الباري ج6/ص438

([847]) تفسير الطبري ج1/ص290

([848]) تفسير الطبري ج20/ص116 وتفسير ابن أبي حاتم ج9/ص3006 عساكر في تاريخ دمشق (61/97-98).

كلهم في قصة خسف قارون وقال ابن كثير بعد هذا الخبر: وقد ذكر ههنا إسرائليات غريبة أضربنا عنها صفحا (تفسير ابن كثير ج3/ص402)

([849]) رواه البخاري 3405 ومسلم1062

([850]) رواه أحمد1395 ورواه أبو داود 1395 وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم6322

([851]) تفسير الطبري ( 6 / 317 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1182 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 126 )

([852]) تفسير الطبري ( 23 / 149 ) والمستدرك على الصحيحين عن السدي ( 2 / 641 ) إسناده ضعيف. وهذه رواية من روايات كثيرة هذا مجملها كلها من الإسرائيليات انظر الإسرائيليات في التفسير لابي شهبة ص264 -269

([853]) تفسير الطبري 1/135 تفسير الدر المنثور ( 1 / 233 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 41 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 135 )

([854]) تفسير الطبري ( 1 / 450 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 137 ) إسناده ضعيف.

([855]) نفسير الطبري(1/136) تفسير الدر المنثور ( 6 / 684 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 136 )

([856]) نفسير الطبري (1/136) تفسير الدر المنثور ( 1 / 234 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 136 ) إسناده ضعيف.

([857]) تفسير الطبري ( 1 / 450 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 137 )

([858]) ملخصا من تاريخ الطبري1/282 وما بعدها وتارييخ دمشق لابن عساكر17/80 وقصص النبياء لابن كثيرص567.

([859]) رواه مسلم ج2/ص816 عن عبد الله بن عمرو ù.

([860]) هذه القصّةُ متطابقةٌ تماماً في مضمونها مع ما ورد في التّوراة، سفر صمُوئيل الثّاني الإصحاح ( 11) إلاّ أنّها زادت إفكاً، فاتّهمت داوود À بالزِّنا بل جعلوا هذه المرأة هي أمّ سليمان À كما في الرّواية (22938) عند الطبري: وقال قتادة:( بلغنا انها أم سليمان) وهذا مذكور في سفر صمُوئِيل الثّاني، الاصحاح (12) وأيضاً في إنجيل متّى، الإصحاح الأوّل. -وانظر ابن حزم في الفصل (4/18-19)وأبو شهبة في الإسرائيليّات ص269. والقران والتوراة حسن باشا 325 - و قال القاسمي ’: ( وهذه القصة من اختلاق اليهود ونقولاتهم ، ولم يقل بها القرآن قط ، وإنما ذكرها التلمود ، كما يعلم من مراجعة مدراس يدكوت في الإصحاح الثالث والثلاثين ، وجاراه جهلة القصاص من المسلمين ، فأخذوها منه ) ـ محاسن التأويل ( 2/212 )

،ونقدها العلامة أحمد شاكر في تعليقه على الروايات التي ساقها الطبري في تفسيره : فقال: "وهذه الأخبار، في قصة هاروت وماروت، وقصة الزهرة، وأنها كانت امرأة فمسخت كوكباً، أخبار أعلها أهل العلم بالحديث." ثم ذكر ما قاله ابن كثير في تفسيره وتاريخه - البداية والنهاية - عن القصة، ووافقه على ذلك حيث يقول’:"وهذا هو الحق، وفيه القول الفصل والحمد لله." حاشية تفسير الطبري ط شاكر ( 2/434 ).

([861]) الإسرائيليّات للذّهبيّ ص31

([862]) تفسير ابن كثير ج4/ص32 وقال في تاريخه: وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف ههنا قصصا وأخبارا أكثرها اسرائيليات ومنها ما هو مكذوب لا محالة تركنا ايرادها في كتابنا قصدا اكتفاء واقتصارا على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم -البداية والنهاية2/12 وأورد النسفي في تفسيره: (اقال على _ من حدثكم بحديث داود À على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حد الفرية على الانبياء وروى أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز’ وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث وقال ان كانت القصة على ما فى كتاب الله فما ينبغى أن يلتمس خلافها وأعظم بأن يقال غير ذلك وان كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترا على نبيه فما ينبغى اظهارها عليه فقال عمر لسماعى هذا الكلام أحب الى مما طلعت عليه الشمس) تفسير النسفي ج4/ص36

([863]) في الفصل 4/18-19)

([864]) تفسير السعدي 6/416

([865]) تفسير الطبري ج6/ص319

([866]) رواه ابو داود ج4/ص121 و ابن ماجه ج2/ص 1327 و الترمذي ج5/ص252وقال حديث حسن غريب

([867]) تفسير القرطبي ج6/ص252

([868]) تفسير السعدي ج1/ص241

([869]) ذكرفي القرآن المحاريب ولم يذكر ما يسمى الهيكل, كما ينقل بعض المؤلفين المتأثرين بالتوراة والتلمود لقد ورد اسم المحراب في قصة النبي داود وكان يتعبد في هذا المحراب كما ورد المحراب مع زكريا ومع مريم مما يشير إلى وجود مكان للعبادة معروف للجميع لكن اللافت أنه لم يرد في القرآن ذكر لسليمان À وعلاقته بهذا المحراب أو أن له اهتماماً خاصاً به بل على العكس من ذلك نرى القرآن يذكر أن الجن تبني لسليمان À محاريب متعددة وليس محراباً واحداً مميزاً ومحدداً ولتكون هذه المحاريب أمكنة يُتعبد بها لله فما أورده القرآن الكريم في قوله تعالى: (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات). "سورة سبأ، 12 ـ 13" ينفي تماماً ما أوردته التوراة من بناء ما يسمى هيكل سليمان: انظرالقرآن والتوراة حسن الباشا324-344بتصرف- وقد ثبت أن سليمان À هو الذي أكمل بناء المسجد الأقصى كما رواه النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا((أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالاً ثلاثاً))الحديث ..و صححه ابن حجر في فتح الباري ج6/ص408

 من الطريف أن التوراة تذكر أن (الملك سليمان) -وليس النبي- صرف في بنائه سبع سنين وقام بالعمل فيه ثلاثون ألف رجل و80 ألفا كانوا يقطعون الحجارة و70 ألفا يحملونها ،وعلى رؤوس هؤلاء كان يوجد 3300 وكيل، أي أن مجموع من شارك في البناء بلغ نحو 184 ألف شخص على مدى سبع سنوات لكي يبنوا هيكلاً طوله 60 ذراعاً وعرضه عشرون وارتفاعه ثلاثون بحسب وصف التوراة، أي أن أبعاده 31 ضرب 5 ،10 ضرب 15متر هذا يساوي 325 متراً مربعاً فقط وهذه مساحة لا تحتاج لكل هذا الطاقم الكبير ولكنه التحريف السامج، وما زال اليهود منذ احتلالهم للأرض المباركة ينقبون عن "هيكل الرب" وهو قدس الأقداس لدى اليهود قاطبة، وحتى الآن لم يكتشف اليهود أي أثر لهذا الهيكل الأسطوري. ولن يكتشفوه لأنه لا حقيقة لـه، ثم ينفذوا أقذر خططهم والتي يعملون عليها بجد وهي هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانه- ولمعرفة من انساق وراءفرية الهيكل من المؤلفين في الدراسات اليهودية انظركتاب (خطر التوراة على الكتاب المحدثين) د فضل العماري فقد أفاد وأجاد

([870]) ملخصا من تاريخ الطبري1/287 وما بعدها وتارييخ دمشق لابن عساكر22/220 والبداية والنهاية لابن كير 2/18.

([871]) كما في بعض نصوص التوراة انظر القران والتوراة حسن الباش 1/340 قال ابن تيمية: فإن كثيرا من اليهود والنصارى يطعنون فيه منهم من يقول كان ساحرا وأنه سحر الجن بسحره ومنهم من يقول سقط عن درجة النبوة فيجعلونه حكيما لا نبيا (الجواب الصحيح ج3/ص38)7قال ابن كثير:(وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان À.) تفسير ابن كثير ( 7/60 )

([872]) تفسير الطبري ج1/ص 448 باختصار

([873]) تفسير السعدي ج1/ص61 بتصرف

([874]) تفسير الطبري ج1/ص455

([875]) تفسير ابن كثير ج1/ص142

([876]) قال ابن كثير عن رواية ابن عباس ( إسناده إلى ابن عباس قوي ، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس - إن صح عنه - من أهل الكتاب .. وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب . والله أعلم بالصواب ) اهـ تفسير ابن كثير ( 7/60 ) . ويدل عليه ما أورده السيوطي في تفسيره قال السيوطي :أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس ù (قال أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي حتى سألت عنهن كعب الأحبار ... وسألته عن قولـه {وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب} قال الشيطان أخذ خاتم سليمان À الذي فيه ملكه فقذف به في البحر فوقع في بطن سمكة فانطلق سليمان يطوف إذ تصدق عليه بتلك السمكة فاشتواها فأكلها فإذا فيها خاتمه فرجع إليه ملكه -الدر المنثور - السيوطي ج7/ص180وتفسير عبد الرزاق ج3/ص165

([877]) رواه البخاري في ستة مواضع باختلاف يسير رقم3424 ومسلم 1654 قال الشنقيطي’ -بعد استشهاده بالحديث-:( فتنة سليمان كانت بسبب تركه قوله إن شاء الله وأنه لم يلد من تلك النساء إلا واحدة نصف إنسان وأن ذلك الجسد الذي هو نصف إنسان هو الذي ألقي على كرسيه بعد موته) -أضواء البيان - (3/254)

([878]) الروايات الكثيرة التي أوردها الطبري ’ مكتفياً باسنادها من غير تعليق على ما احتوته من نكارة متنها

 كما لم يثبت أغلبها سنداً، وما صحّ منها لايخرجها عن كونها من الإسرائليّات وكلُّ هذه الرِّوايات مأخوذةٌ عن أهل الكتاب كما قرّر ذلك الحافظُ ابنُ كثيرٍ ’ في تفسيره (4/40) حيث قال :((وقد رُوِيت هذه القصّة مطوّلة عن جماعة من السّلف è...وكلّها متلَقَّاةٌ من قصص أهل الكتاب))اهـ. وانظر: تاريخه 2/340-341). :وقال ابن حزم( وهذه كلُّها خرافات موضوعة مكذوبة لم يصحّ إسنادها قط) الفصل( 4/20) وتوسع في ردها ابوشهبةفي الاسرائيليات ص270

([879]) البداية والنهاية تاريخه( 2/274)

([880]) وأما ما يوردونه في التوراة في حق الأنبياء من الأمور الشنيعة (من زنا وسكر وقتل وكذب وخداع)كالتي ذكرنا بعضها عند الكلام على تحريفهم للتوراة فيكفي في ردها انها تنادي على نفسها بالتحريف والكذب وعدم توقير انبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم للتوسع انظر بذل المجهود في افحام اليهود الذي كان من كبار احبارهم ثم اسلم

([881]) تفسير ابن كثير ( 3 / 160 ) إسناده ضعيف.

([882]) تفسير الدر المنثور ( 5 / 587 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 160 )

([883]) - تفسير الطبري ( 16 / 190 )

([884]) تفسير الدر المنثور ( 3 / 594 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 261 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([885]) تفسير الطبري ( 9 / 107 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 593 ) إسناده ضعيف

([886]) تفسير الطبري ( 9 / 107 ) - تفسير القرطبي ( 7 / 312 )

([887]) تفسير الطبري ( 9 / 137 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 619 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 562 )

([888]) تفسير الطبري ( 9 / 108 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 179 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 221 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 130 ) إسناده ضعيف.

([889]) تفسير الطبري ( 9 / 108 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 130 )

([890]) تفسير الطبري (1/431) إسناده ضعيف

([891]) - تفسير الطبري ( 28 / 82 ) مصنف ابن أبي شيبة عن عكرمة بمعناه ( 7 / 216 )

([892]) تفسير الطبري ( 1 / 424 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 177 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 220 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 128 ) صححه في التفسير الصحيح (1/199)

([893]) - تفسير ابن كثير بمعناه عن الحسن ( 1 / 128 )

([894]) تفسير الطبري ( 3 / 318 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 244 )

([895]) - تفسير الطبري ( 3 / 319 ) مصنف ابن أبي شيبة عن مجاهد نحوه ( 6 / 504 )

([896])تفسير الطبري ( 3 / 319 ) تفسير عبد الرزاق ( 1 / 124 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 244 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 375 )

([897]) - تفسير الطبري ( 4 / 92 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 315 )

([898]) - تفسير الطبري ( 4 / 92 ) تفسير الدر المنثور ( 2 / 315 )

([899]) تفسير الطبري ( 1 / 492 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 207 ) الدر المنثور عن أبي العالية ( 1 / 263 )

([900]) تفسير الطبري (1/381)

([901]) تفسير الطبري ( 1 / 381 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([902]) اليهود واليهودية -على عبد الواحدوافي1/46 واليهودية لأحمد شلبي 199

([903]) رواه مسلم ضمن حديث طويل ( 1 / 252 )

([904]) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 58 ) وقال أخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وقال ابن حجر (رجاله موثقون) فتح الباري ج11/ص375

([905]) رواه الإمام أحمد 3/467 رواه الحاكم في المستدرك (3/471)وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

([906]) موسى بن ميمون الرئيس أبو عمران القرطبي اليهودي الطبيب المفتن في العلوم كان رئيسا على اليهود بمصر وكان أوحد أهل زمانه في الطب وكان السلطان صلاح الدين يستطبه وكذلك ولده الأفضل (فوات الوفيات للكتبي ج:2 ص:537 ولكن الذي نقل عنه غير ذلك في ما سماه اصول الايمان قوله:(انا أؤمن ايمانا كاملا بأن الخالق تبارك اسمه ,يجزي الحافظين لوصاياه , ويعاقب المخالفين لها ..وأؤمن بقيامة الموتى,في الوقت الذي تنبعث فيه إرادة الخالق)الفكر الديني اليهودي د.حسن ظاظا ص134-135. ولعله من مخادعة اليهود وتبديلهم حسب الأهواء ولذلك قال صديق خان ’: (وقد وقع لهذا الملعون من تحريف كثير من التوراة ما يدل على إلحاده وزندقته وقد رددت ما حرفه وأوضحته بأتم إيضاح وأما يهودعصرنا فصاروا يعظمونه وذلك لجهلهم بحقيقة الحال وقد ذكرت لجماعة من أحبارهم بعض تحريفاته فلعنوه وتبرأوا منه) أبجد العلوم:1/ 19-20

([907]) تفسير الطبري ( 3 / 243 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 639 )

([908]) تفسير ابن أبي حاتم عن عكرمة ( 2 / 640 ) - تفسير الدر المنثور عن مجاهد ( 2 / 186 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([909]) تفسير الطبري ( 3 / 246 ) - تاريخ مدينة دمشق ( 70 / 81 ) إسناده ضعيف.

([910]) تفسير الطبري ( 6 / 28 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 586 )

([911]) تفسير الطبري ( 3 / 264 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 195 ) إسناده ضعيف.

([912]) - تفسير الطبري ( 16 / 64 )

([913]) المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس ( 2 / 648 ) - تفسير الدر المنثور عن ابن عباس ( 5 / 495 )

([914]) تفسير الطبري ( 16 / 77 ) إسناده ضعيف.

([915]) تفسير ابن كثير ( 3 / 119 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 /7 - 8 )

([916]) تفسير ابن كثير ( 3 / 120 )

([917]) تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1109 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 727 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 574 )

([918]) تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1109 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([919]) تفسير الطبري ( 6 / 12 )

([920]) صحيح البخاري ج3/ص1265 واللفظ له ورواه مسلم ج4/ص1838

([921]) رواه أحمد ج2/ص368

([922]) صحيح البخاري ج3/ص1265 وج3/ص1252

([923])والصديقة: الفعيلة من الصدق، وكذلك قولهم فلان صديق: فعيل من الصدق، ومنه قوله تعالى ذكره: {والصديقين والشهداء} وقد قيل: إن أبا بكر الصديق _ إنما قيل له ذلك لصدقه، وقد قيل: إنما سمي صديقا لتصديقه النبي ‘ في مسيره في ليلة واحدة إلى بيت المقدس من مكة وعوده إليها. تفسير الطبري 6/ص314.

([924]) البداية والنهاية ج:2 ص:68

([925]) تاريخ الطبري (1/594-595) وهكذا عند اليهود في التلمود يسمونه «ابن النجار» وتارة يقولون: «أم الرجل المعين» يقصدونه وهكذا يصف اليهود نبيهم أنه ابن غير شرعي حملته أمه وهي خائض انظر الكنز المرصود للشرقاوي (بتصرف)ص252 ـ.

([926]) أضواء البيان - الشنقيطي ج5/ص436 بتصرف يسير

([927]) أعرضت عن روايات كثيرة من لأسرائيليات في قصة مريم وولادتها مقتصرا على أهم ما ورد وهو بهتان اليهود لها والرد عليهم.

([928]) تتفسير الطبري (3/270) إسناده ضعيف.

([929])تفسير الطبري ( 6 / 21 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1114 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 578

([930]) تفسير الطبري ( 6 / 21 ) تفسير القرطبي ( 6 / 11 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 577 ) فتح الباري ( 6 / 492 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([931]) تفسير الطبري ( 3 / 275 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 654 ) إسناده ضعيف.

([932]) تفسير الطبري ( 3 / 279 ) - تفسير ابن أبي حاتم عن مجاهد ( 2 / 656 )

([933]) -([933]) تفسير الطبري ( 3 / 281 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 222 ) تفسير ابن كثير ( 4 / 168 )

([934]) تفسير الطبري ( 3 / 282 ) مصنف عبد الرزاق ( 5 / 23 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 521 ) إسناده ضعيف.

([935]) تفسير الطبري ( 3/ 282) تفسير ابن أبي حاتم ( 2/ 657) المستدرك على الصحيحين ( 4/ 129 )

([936]) - تفسير الطبري ( 25 / 93 ) إسناده ضعيف.

([937]) تفسير الطبري ( 3 / 286 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 659 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([938]) تفسير الطبري ( 3 / 288 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 363 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([939]) تفسير الطبري ( 3 / 289 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 224 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([940]) تفسير الطبري ( 3 / 290 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 225 )

([941]) تفسير الطبري ( 3 / 292 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 662 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 226 )

([942]) - تفسير الطبري ( 9 / 87 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([943]) تفسير الطبري ( 25 / 89 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 82 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 198 )

([944]) تفسير الطبري ( 2 / 93 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 287 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 410 )

([945]) تفسير الطبري ( 3 / 293 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 227 )

([946]) تفسير الطبري 10/112 - تفسير عبد الرزاق 2/271 - تفسير ابن أبي حاتم 6/1783- تفسير الدر المنثور 4/173. حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([947])تفسير الطبري 30/133 إسناده ضعيف.

([948]) انظر تفسير ابن كثير (1/574وما بعدها بتصرف يسير

([949]) تفسير الطبري ج6/ص22 تفسير ابن كثير ج1/ص577 فتح الباري ج6/ص492

([950]) التفسير الكبير - الرازي ج4/ص8

([951]) مللك من ملوك التتابعة ويسمى بيوسف ذي وهو تبع الذي غزا المدينة وكسى الكعبة واستصحب معه حبرين من يهود المدينة فكان تهود من تهود من أهل اليمن على يديهم تسلط على النصارى ثم هزمه النجاشي ومات غريقا انظرتفسير ابن كثير ج4/ص496

([952]) السيرة النبوية لابن هشام 1/153

([953]) ساقها بطولها وعنون لها الإمام مسلم (باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام) صحيح مسلم ج4/ص2299 ووردة في أصحاب الأخدود أقوال كثيرة اقتصرنا هنا على الرواية التي تذكر تسلط اليهود على النصارى

([954]) للتوسع ينظر للدراسة المطولة التي أعدها د. احمد زايد بعنوان :حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى واثرها على العالم الإسلامي

تنبيه:لم أطل في موضوع الآثار الواردة في علاقة اليهود بعيسى ‘ والنصارى لوجود رسالة دكتوراة في هذا لمشروع بعنوان :الآثار الواردة في النصارى في تفسير الطبري.

([955]) تفسير الطبري ( 5 / 131 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 495 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 22 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 513 ) إسناده ضعيف.

([956]) تفسير الطبري ( 5 / 135 ) - تفسير القرطبي ( 14 / 129 ) إسناده ضعيف.

([957]) تفسير الطبري ( 15 / 191 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 357 )

([958]) الاصابة لابن حجر1/475وقال اسناده ثقات

([959]) المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:554 وسيرة ابن هشام 1/99

([960]) رواه احمد في المسند 6/199

([961]) تفسير الطبري ( 1 / 410 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 125 ) إسناده ضعيف.

([962]) تفسير الطبري ( 1 / 411 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 172 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 217 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 125 ) إسناده ضعيف.

([963]) تفسير الطبري ( 1 / 411 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 217 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 125 ) إسناده ضعيف

([964]) - تفسير الطبري ( 1 / 411 )

([965]) تفسير الطبري ( 1 / 411 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 216 )

([966]) الطبقات الكبرى ج:1 ص:159 صفة الصفوة ج:1 ص:88

([967])الطبقات الكبرى لابن سعد ج1/ص159

([968]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج1/ص159

([969])ابن هشام، 1/519. البداية والنهاية لابن كثير ج:3 ص:212

([970]) البداية والنهاية لابن كثير ج:3 ص:212

([971]) ابن كثير، 1/153.

([972]) ابن هشام، 1/516-517. البداية والنهاية ج:3 ص:211

([973])صحيح البخاري ج3/ص1211.

([974]) تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1584 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 582 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([975]) تفسير الطبري ( 26 / 11 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 437 ) - المستدرك على الصحيحين ( 3 / 469 ) صححه في التفسير الصحيح (4/331).

([976]) تفسير الطبري ( 5 / 124 ) ( 7 / 266 ) ( 10 / 111 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 968 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 555 ) - تفسير القرطبي ( 5 / 244 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 123 ) إسناده ضعيف.

([977]) تفسير الطبري 10/12

([978]) تفسير ابن كثير 1/108 بتصرف وهو اختيار الطبري (تفسير الطبري ج5/ص121)

([979]) يوتغ : يهلك . النهاية في غريب الأثر ج5/ص148

([980]) ابن هشام، 1/501-502 البداية والنهاية ج:3 ص:225وما بعدها، والوثائق السياسية لمحمد حميد الله. ص57 وما بعدها وقد افردها الدكتور فارس الجميل بدراسة خاصة بعنوان الرسول ‘ ويهود المدينة من اصدارات مؤسسة الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

([981]) تفسير الطبري ( 1 / 512 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 215 ) إسناده ضعيف.

([982]) تفسير الطبري ( 1 / 483 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 202 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 260 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 153 ) إسناده ضعيف.

([983]) تفسير الطبري ( 6 / 8 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 726 )

([984]) تفسير الطبري ( 24 / 28 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 671 )  إسناده ضعيف.

([985]) تفسير الطبري ج6/ص8

([986])صحيح البخاري ج1/ص58

([987])رواه مسلم 3/217.

([988]) - تفسير الطبري ( 5 / 118 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 508 )

([989]) تفسير الطبري ( 5 / 118 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 965 ) تفسير الدر المنثور ( 2 / 554 ) - تفسير القرطبي ( 5 / 243 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 508 ) إسناده ضعيف.

([990]) تفسير الطبري ( 5 / 119 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 966 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 554 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 508 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([991]) تفسير الطبري ( 5 / 119 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 163 ) صححه في التفسير الصحيح (2/60)

([992]) تفسير الطبري ( 5 / 119 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 966 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 554 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 150 )

([993]) تفسير الطبري ( 5 / 119 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 163 ) صححه في التفسير الصحيح (1/164)

([994]) - تفسير الطبري ( 5 / 119 )

([995]) تفسير الطبري ( 5 / 119 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 967 ) إسناده ضعيف

([996]) تفسير الطبري ( 1 / 469 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 197 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 150 )

([997]) تفسير الطبري ( 28 / 14 ) إسناده ضعيف. تفسير عبد الرزاق ( 3 / 279 ) - تفسير القرطبي ( 17 / 292 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 324 ) - صحيح البخاري ( 5 / 2350 ) - صحيح مسلم ( 4 / 1707 )

([998]) تفسير الطبري ( 28 / 14 ) - تفسير القرطبي ( 17 / 293 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 324 ) ومسروق هو الراوي عن عائشة في الصحيحين

([999]) تفسير الطبري ( 2 / 3 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 344 ) إسناده ضعيف.

([1000]) تفسير الطبري ( 2 / 3 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 248 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 344 ) إسناده ضعيف.

([1001]) تفسير الطبري ( 2 / 5 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 347 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1002]) تفسير الطبري ( 2 / 4 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 343 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 158 ) إسناده ضعيف.

([1003]) تفسير الطبري ( 2 / 23 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 355 )

([1004]) تفسير الطبري ( 2 / 31 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 62 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 258 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 359 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1005]) تفسير الطبري ج1/ص471 تفسير ابن كثير ج1/ص150

([1006]) الأَرْعَنُ: الأَهْوَجُ فـي منطقه الـمُسْتَرْخي . و الرُّعُونة: الـحُمْقُ والاسْتِرْخاء (لسان العرب 13/182)

([1007]) الدر المنثور - السيوطي ج1/ص252

([1008]) فتح الباري ج8/ص163

([1009]) صحيح البخاري ج4/ص1625

([1010]) (لسان العرب 13/182)

([1011]) رواه أبو داود ج4/ص44 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 2831

([1012]) تفسير الطبري ج1/ص472

([1013]) مصنف ابن أبي شيبة ج6/ص511 وأصله في صحيح البخاري 3/ 1157ولفظه( إذا قال مترس فقد آمنه إن الله يعلم الألسنة كلها). قال ابن حجر:ومترس كلمة فارسية معناها لا تخف وهي بفتح الميم وتشديد المثناة واسكان الراء بعدها مهملة وقد تخفف التاء وبه جزم بعض من لقيناه من العجم (فتح الباري ج6/ص275 )

([1014]) مصنف ابن أبي شيبة ج6/ص511

([1015]) سنن الترمذي ج1/ص407 وقال: هذا حديث حسن صحيح قال ابن كثير وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح (تفسير ابن كثير ج4/ص324) .وانظر مجمع الزوائد ج8/ص41

([1016]) صحيح البخاري ج5/ص2243

([1017]) صحيح البخاري ج5/ص2153

([1018]) عمدة القاري ج22/ص113و لسان العرب ج12/ص280

([1019]) تفسير ابن كثير ج4/ص324 بتصرف يسير

([1020]) رواه البخاري ج6/ص2687 و مسلم ج4/ص2160

([1021]) انظر تفسير القرطبي ج17/ص292

([1022]) صحيح البخاري ج4/ص1631.

([1023]) تفسير ابن كثير، 1/249 وانظر فتح الباري 8/ 216

([1024]) تفسير الطبري ج2/ص ورواه الترمذي ج5/ص208وقال: حديث حسن صحيح ورواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك على الصحيحين ج2/ص295)

([1025]) تفسير ابن كثير، 1/252.

([1026]) مسند الإمام أحمد ج6/ص134 وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم515

([1027]) تفسير الطبري ( 1 / 460 ) - تفسير القرطبي ( 20 / 253 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 575 ) - صحيح ابن حبان ( 14 / 545 ) - سنن ابن ماجه ( 2 / 1173 )

([1028]) تفسير الطبري ( 1 / 460 ) الطبقات الكبرى ج2/ص198

([1029]) في طبقات ابن سعد أنهما جبريل وميكائيل2/196 ومصنف ابن أبي شيبة ج5/ص40

([1030]) في رواية اخرى يعني مسحورا (صحيح البخاري ج5/ص2252) قال ابن حجر: "يقال طب الرجل بالضم إذا سحر يقال كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا كما قالوا للديغ سليم" (فتح الباري ج10/ص228)

([1031]) رواه البخاري ج5/ص2174 و مسلم ج4/ص1719، و قصة طلب اليهود سحر النبي ‘ :عن عمر بن الحكم قال لما رجع رسول الله ‘ من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم جاءت رؤساء يهود الذين بقوا بالمدينة ممن يظهر الإسلام وهو منافق إلى لبيد بن الأعصم اليهودي وكان حليفا في بني زريق وكان ساحرا قد علمت ذلك يهود أنه أعلمهم بالسحر وبالسموم فقالوا له يا أبا الأعصم أنت أسحر منا وقد سحرنا محمدا فسحره منا الرجال والنساء فلم نصنع شيئا وأنت ترى أثره فينا وخلافه ديننا ومن قتل منا وأجلى ونحن نجعل لك على ذلك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه فجعلوا له ثلاثة دنانير على أن يسحر رسول الله ‘ فعمد إلى مشط وما يمشط من الرأس من الشعر فعقد فيه عقدا وتفل فيه تفلا وجعله في جب طلعة ذكر ثم انتهى به حتى جعله تحت أرعوفة البئر فوجد رسول الله ‘ أمرا أنكره حتى يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله وأنكر بصره حتى دله الله عليه فدعا جبير بن إياس الزرقي وقد شهد بدرا فدله على موضع في بئر ذروان تحت أرعوفة البئر فخرج جبير حتى استخرجه ثم أرسل إلى لبيد بن الأعصم فقال ما حملك على ما صنعت فقد دلني الله على سحرك وأخبرني ما صنعت قال حب الدنانير يا أبا القاسم) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج2/ص 197وانظر (فتح الباري ج10/ص226 ). وفي رواية للبيهقي:

فلما أصبح رسول الله ‘ غدا ومعه أصحابه إلى البئر فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحب الراعوفة فإذا فيها مشط رسول الله ‘ ومن مشاطة رأسه وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله ‘ وإذا فيها أبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فأتاه جبريل بالمعوذتين فقال يا محمد قل أعوذ برب الفلق وحل عقدة من شر ما خلق وحل عقده حتى فرغ منها وحل العقد كلها وجعل لا ينزع إبرة إلا يجد لها ألما ثم يجد بعد ذلك راحة فقيل يا رسول الله لو قتلت اليهودي فقال قد عافاني الله وما وراءه من عذاب الله أشد فأخرجه ) الدلائل7/94 والدر المنثور ج8/ص687

([1032]) الطبقات الكبرى ج2/ص198 وفتح الباري 10 : 227

([1033]) هناك بعض العلماء أنكروا هذا الحديث ، وردوه رداً منكراً. فمن هؤلاء العلماء ( الجصاص ) في كتابه أحكام القرآن : ( 1 : 49 ) حيث قال : (ومثل هذه الاخبار من وضع الملحدين تلعباً بالحشو الطغام . . . .) ومنهم الشيخ جمال الدين القاسمي في حيث قال : ( ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه ، وإن كان مخرجاً في الصحاح ، وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من القدح والنقد سنداً أو معنى كما يعرفه الراسخون . . .)) (محاسن التأويل) وغيرهم، قال المازري:( وقد انكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب انه يحط من منصب النبوة و يشكك فيه و هذا الذى ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لان الدلائل القطعية قد قامت على صدقه و صحته و عصمته فيما يتعلق بالتبليغ و يجويز ما قام الدليل بخلافه باطل و اما ما يتعلق بامور الدنيا التى لم يبعث بسببها و لا كان مفضلا من اجلها و هو مما يعرض للبشر فغير بعيد ان يخيل اليه من امور الدنيا ما لا حقيقة له- نقله النووي في شرح صحيح مسلم ج14/ص174 وابن حجرفي فتح الباري ج10/ص226) وقد أجاب العلماء عن هذه الشبهة بالآتي :

1- أولاً : من المعلوم أن الرسول ‘ بشر ، فيجوز أن يصيبه ما يصيب البشر من الأوجاع والأمراض وتعدي الخلق عليه وظلمهم إياه كسائر البشر إلي أمثال ذلك مما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ، ولا كانت الرسالة من أجلها فإنه عليه ‘لم يعصم من هذه الامور ، وقد كان ‘ يصيبه ما يصيب الرسل من أنواع البلاء وغير ذلك، فغير بعيد أن يصاب بمرض أو اعتداء أحد عليه بسحر ونحوه يخيل إليه بسببه في أمور الدنيا ما لا حقيقة لـه، كأن يخيل إليه أنه وطىء زوجاته وهو لم يطأهن، وحدث أنه جاء للرسول ‘ أحد الصحابة يعوده قائلاً لـه : إنك توعك يا رسول الله فقال :((إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم.)) إلا أن الإصابة أو المرض أو السحر لا يتجاوز ذلك إلي تلقي الوحي عن الله سبحانه وتعالى ولا إلي البلاغ عن ربه إلي الناس لقيام الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الامة على عصمته ‘ في تلقي الوحي وإبلاغه وسائر ما يتعلق بشؤون الدين. والذي وقع للرسول ‘ من السحر هو نوع من المرض الذي يتعلق بالصفات والعوارض البشرية والذي لا علاقة لـه بالوحي وبالرسالة التي كلف بإبلاغها ، لذلك يظن البعض أن ما أصاب الرسول ‘ من السحر هو نقصاً وعيباً وليس الأمر كما يظنون لأن ما وقع لـه هو من جنس ما كان يعتريه من الأعراض البشرية كأنواع الأمراض والآلام ونحو ذلك، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر كما قال الله سبحانه وتعالى : {قالت رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده} وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه وشريعته كما حصل لموسى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [سورة طـه 20/66] وجاء في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند ابن سعد ان أخت لبيد بن الاعصم قالت : ((إن يكن نبياً فسيخبر، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله.)) فوقع الشق الاول . فتح الباري ج10/ص227

2- ثانياً : أما دعواهم أن السحر من عمل الشيطان والشيطان لا سلطان له على عباد الله لأن الله يقول : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [سورة الحجر 15/42] أي في الاغواء ولا شك أن اصابة الشيطان للأنبياء في أبدنهم لا ينفيه القرآن كما قال الله عن أيوب À :{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [سورة ص 38/41] وقوله عن موسى À:{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى} [سورة طـه 20/67] فهذا التخيل الذي وقع لموسى يطابق التخيل الذي وقع للرسول ‘، إلا ان تأثير السحر كما قررنا لا يمكن أن يصل إلي حد الاخلال في تلقي الوحي والعمل به وتبليغه للناس ، لأن النصوص قد دلت على عصمة الرسل في ذلك .

([1034]) رواه الإمام أحمد 2/451 والبخاري 5777 والنسائي 11355

([1035]) رواه الحاكم في المستدرك ج3/ص242 وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

([1036]) رواه ابو داود ج4/ص173

([1037]) سنن ابن ماجه ج2/ص1174 وضعفه الألباني في السلسة الضعيفه رقم 4422

([1038]) رواه ابو نعيم وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم5629

([1039]) رواه ابو داود ج4/ص175 و الحاكم وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه المستدرك على الصحيحين ج3/ص242

([1040]) صحيح البخاري ج4/ص1611.

([1041]) رواه الإمام أحمد ج1/ص381 والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك على الصحيحين ج3/ص60) وقال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد ج9/ص34

([1042]) تفسير الطبري ( 20 / 11 ) تفسير ابن أبي حاتم ج:2 ص:604 الدر المنثور ج:2 ص:158 سنن أبي داود ج:3 ص:154

([1043]) تفسير الطبري ( 4 / 200 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 396 ) - فتح الباري ( 8 / 231 )

([1044]) تفسير الطبري ( 4 / 201 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 142 ) - سنن البيهقي الكبرى ( 9 / 183 ) - المعجم الكبير ( 19 / 77 )

([1045]) تفسير الطبري ( 6 / 275 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 70 ) - تاريخ مدينة دمشق ( 26 / 192 )

([1046]) تفسير الطبري ( 6 / 288 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 98 ) - تاريخ مدينة دمشق ( 26 / 192 )

([1047]) تفسير الطبري ( 28 / 48 )الدر المنثور ج:8 ص:92 الأحاديث المختارة ج:10 ص:352 بنحوه إسناده ضعيف.

([1048]) الطبقات الكبرى لابن سعد2/28

([1049]) البداية والنهاية لابن كثير4/3-4 قال ابن حجر:

وكان الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام قسم وادعهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير وقينقاع وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة كقريش وقسم تاركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره كطوائف من العرب فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة وبالعكس كبني بكر ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا وهم المنافقون فكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم في شوال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات( فتح الباري ج7/ص330)

([1050]) انظر زاد المعاد 3/127وسيرة ابن هشام2/47والطبقات الكبرى2/28

([1051]) كان عربيا من بني نبهان وهم بطن من طئ وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج إلى مكة فنزل على بن وداعة السهمي والد المطلب فهجاه حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية فطردته فرجع كعب إلى المدينة وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اللهم اكفني بن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار)) وأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر فلما أبى كعب أن ينزع عن أذاه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه وذكر بن سعد أن قتله كان في ربيع الأول من السنة الثالثة-الطبقات الكبرى ج2/ص32 فتح الباري ج7/ص337

([1052]) اورد الطبري شيئاً منه يدل على مجونه تاريخ الطبري2/488

([1053]) تفسير الطبري ( 5 / 134 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 563 ) المعجم الكبير ج:11 ص:251 مجمع الزوائد ج:7 ص:5 حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([1054]) تفسير الطبري ( 6 / 145 ) تفسير الدر المنثور ( 3 / 37 )

([1055]) مقلاتا أي قليلة الولد فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده وكانت العرب تزعم أن المقلات إذ1 وطئت رجلا كربما قتل غدرا عاش ولدها ( النهاية في غريب الأثر ج4/ص98)(لسان العرب ج5/ص203)

([1056]) تفسير الطبري ( 3 / 14 ) سنن أبي داود ج:3 ص:58 صححه في التفسير الصحيح (3/61)

([1057]) تفسير الطبري ( 28 / 28 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 92 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1058]) تفسير الطبري ( 28 / 28 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 282 ) - المستدرك على الصحيحين ( 2 / 525 ) - فتح الباري ( 7 / 330 )

([1059]) الدر المنثور ج:8 ص:92 تفسير ابن كثير ج:4 ص:331 وفتح الباري ج:7 ص:332 إسناده ضعيف.

([1060]) تفسير الطبري ( 28 / 30 ) الدر المنثور ج:8 ص:115 تفسير ابن كثير ج:4ص:3 إسناده ضعيف.

([1061]) - تفسير الطبري ( 28 / 30 ) إسناده ضعيف.

([1062]) تفسير الطبري ( 28 / 31 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 333 ) - المستدرك على الصحيحين ( 2 / 525 )

([1063]) تفسير الطبري ( 28 / 3) الدر المنثور ج:8 ص:91 تفسير ابن كثير ج:4 ص:332 سنن البيهقي الكبرى ج:9 ص:232 فتح الباري ج:7 ص:331 إسناده ضعيف.

([1064]) تفسير الطبري ( 28 / 32 ) وبمعناه في - تفسير الدر المنثور ( 8 / 91 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 334 ) - فتح الباري ( 7 / 331 ) إسناده ضعيف.

([1065]) تفسير الطبري ( 28 / 36 ) تفسير الدر المنثور ( 8 / 99 ) إسناده ضعيف

وصحيح البخاري ( 4 / 1852 ) بنحوه سنن البيهقي الكبرى ( 7 / 58 ) السنن الكبرى ( 6 / 484 )

([1066]) تفسير الطبري ( 28 / 41 ) تفسير ابن كثير ج:4 ص:333و الطبقات الكبرى ج:2 ص:58 إسناده ضعيف.

([1067]) صحيح البخاري ج4/ص 1502والطبقات الكبرى ج2/ص54ومجمع الزوائد ج6/ص125 وفتح الباري ج7/ص331

([1068]) تاريخ الطبري ج:2 ص:85 البداية والنهاية ج:4 ص:75

([1069]) تاريخ الطبري ج:2 ص:85

([1070]) البداية والنهاية ج:4 ص:76 فتح الباري ج7/ص331 الإصابة في تمييز الصحابة ج2/ص406

([1071]) تفسير الطبري ( 1 / 371 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 199 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 117 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([1072]) تفسير الطبري ( 6 / 276 )الدر المنثور ج:4 ص:49 بلفظ قريب تفسير ابن كثير ج:2 ص:69

والتمهيد لابن عبد البر ج:20 ص:85

([1073]) تفسير الطبري ( 10 / 25 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1719 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 81 )

([1074]) تفسير الطبري ( 11 / 12 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1872 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 49 ) - تفسير القرطبي ( 14 / 140 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 386 )

([1075]) تفسير الطبري ( 21 / 128 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 573 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 471 ) إسناده ضعيف.

([1076]) تفسير الطبري ( 21 / 131 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 575 ) - تفسير القرطبي ( 14 / 129 ) - فتح الباري ( 7 / 400 ) إسناده ضعيف.

([1077])تفسير الطبري 21/153 إسناده ضعيف.

([1078]) تفسير الطبري ج1/ص371 الدر المنثور ج1/ص199

([1079]) رفيدة بالفاء مصغرة يقال هى صاحبة الخيمة التي كانت في المسجد تداوي فيها الجرحى صحابية( بخ) وتسمى كعيبة انظر تقريب التهذيب ج:1 ص:747

([1080]) روايات غزوة بني قريظة كثيرة وساقها الطبري رحمه الهه( 6 / 231 ) بعدة اسانيد وقد رواها غيره كما في - - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1873 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 593 ) - تفسير القرطبي ( 5 / 35 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 69 ) - صحيح البخاري ( 3 / 1107 ) - صحيح مسلم ( 3 / 1388 ) - سنن البيهقي الكبرى ( 6 / 57 ) - صحيح ابن حبان ( 15 / 496 ) - مصنف عبد الرزاق ( 5 / 371 ) - مصنف ابن أبي شيبة ( 7 / 379 ) - مسند الإمام أحمد ( 3 / 71 ) - تاريخ مدينة دمشق ( 1 / 182 )

([1081]) سفر التثنية الاصحاح 20 فقرةمن10الى14 بواسطة العنصرية اليهودية د احمد الزغيبي 2/459

([1082]) تفسير الطبري ( 2 / 187 ) تفسير عبد الرزاق ( 3 / 227 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 525 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1083]) تفسير الطبري ( 3 / 14 )

([1084]) تفسير الطبري ( 4 / 208 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 144 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 840 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1085]) - تفسير الطبري ( 6 / 141 ) الدر المنثور ج:3 ص:35

([1086]) تفسير الطبري (21/ 155) إسناده ضعيف.

([1087]) تفسير الطبري ( 26 / 89 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 525 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 192 ) - سنن البيهقي الكبرى ( 6 / 334 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1088]) تفسير الطبري ( 6 / 235 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1131 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 78 )

([1089]) تفسير الطبري ( 28 / 35 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 283 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 99 ) - سنن البيهقي الكبرى ( 6 / 296 ) - سنن أبي داود ( 3 / 143 )

([1090]) تفسير الطبري ( 28 / 36 ) تفسير الدر المنثور ( 8 / 99 ) إسناده ضعيف

وصحيح البخاري ( 4 / 1852 ) بنحوه سنن البيهقي الكبرى ( 7 / 58 ) السنن الكبرى ( 6 / 484 )

([1091]) تفسير الطبري ( 1 / 80 )

([1092]) تفسير الطبري ( 11 / 58 ) - سنن البيهقي ( 9 / 185 )

([1093]) السيرة النبوية لابن هشام 3/342 ـ 346،و سنن البيهقي الكبرى ج6/ص114

([1094]) سنن أبي داود ج:3 ص:157

([1095]) ومثال على ما كان يصالحهم رسول الله ‘ عليه ((هذا كتابه الى أهل أذرح و فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله ومحمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزيز إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه)) للتفصيل في معارك الرسول ‘مع اطوائف اليهود انظر: الطبقات الكبرى ج1/ص290سنن أبي داود ج3/ص143 سنن البيهقي الكبرى ج6/ص317 تاريخ مدينة دمشق ج2/ص32وابن هشام 3/368. فتح الباري ج6/ص203

([1096]) تفسير الطبري ( 4 / 23 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 278 ) إسناده ضعيف.

([1097]) تفسير الطبري ( 4 / 24 ) - تفسير القرطبي ( 5 / 250 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([1098]) تفسير الطبري ( 4 / 25 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 128 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 719 )

([1099]) تفسير الطبري ( 4 / 24 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 717 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([1100]) تفسير الطبري ( 5 / 86 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 538 ) إسناده ضعيف.

([1101]) تفسير الطبري ( 5 / 86 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 538 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)

([1102]) تفسير الطبري ( 3 / 312 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 374 )

([1103]) تفسير الطبري 3/312- تفسير ابن أبي حاتم 2/680- تفسير الدر المنثور 2/241- تفسير ابن كثير 1/374 إسناده ضعيف

([1104]) تفسير الطبري ( 3 / 312 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 680 ) إسناده ضعيف

([1105]) تفسير ابن كثير ج1/ص374

([1106]) تفسير القرطبي ج4/ص111

([1107]) - تفسير الطبري ( 26 / 10 ) ([1107]) تفسير الدر المنثور ( 7 / 438 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 439 ) - تفسير القرطبي ( 9 / 336

([1108]) تفسير الطبري ( 26 / 10 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 423 ) إسناده ضعيف

([1109]) تفسير الطبري ( 26 / 10 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1110]) تفسير الطبري ( 26 / 11 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 437 ) - المستدرك على الصحيحين ( 3 / 469 ) صححه في التفسير الصحيح (4/331)

([1111]) تفسير الطبري ( 4 / 52 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 737 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 296 ) - تفسير القرطبي ( 4 / 175 ) إسناده ضعيف.

([1112]) تفسير الطبري ( 4 / 53 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 296 )

([1113])سيرة ابن هشام، 1/516-517.و فتح الباري ج7/ص252 الإصابة في تمييز الصحابة ج7/ص598

([1114])       رواه البخاري ج3/ص1211

([1115]) سنن البيهقي الكبرى ج9/ص114 و الطبقات الكبرى ج1/ص160و الإصابة في تمييز الصحابة ج1/ص52

([1116]) صحيح ابن حبان ج1/ص517 قال ابن حجر حديث حسن مشهور تهذيب التهذيب ج3/ص31 المستدرك على الصحيحين ج2/ص37والإصابة في تمييز الصحابة ج2/ص606

([1117]) تاريخ الطبري ج:2 ص: البداية والنهاية ج:4 ص:36 فتح الباري ج6/ص203 ورد عند ابن سعد ما يشعر بعدم اسلامه فقال: وجد مخيريق مقتولا به جراح فدفن ناحية من مقابر المسلمين ولم يصل عليه ولم يسمع رسول الله ‘ يومئذ ولا بعده يترحم عليه ولم يزده على أن قال مخيريق خير يهود الطبقات الكبرى ج:1 ص:502 ولن ابن حجر ترجم له في الصحابة وهو المشهور (الإصابة في تمييز الصحابة ج:6 ص:57) وهو ما رجحه النووي شرح صحيح مسلم ج12/ص82

([1118]) الإصابة في تمييز الصحابة ج3/ص111

([1119]) الإصابة في تمييز الصحابة ج4/ص310

([1120]) صحيح البخاري ج1/ص 145

([1121]) الإصابة في تمييز الصحابة ج7/ص739 -740

([1122]) الطبقات الكبرى ج2/ص313سير أعلام النبلاء ج2/ص235 الإصابة في تمييز الصحابة ج7/ص741

([1123]) تاريخ مدينة دمشق ج3/ص239 البداية والنهاية ج:4 ص:126 الإصابة في تمييز الصحابة ج7/ص658 الطبقات الكبرى ج8/ص131 وقال ابن حجر أعتقها فلحقت بأهلها واحتجبت وهي عند أهلها وهذه فائدة جليلة( الإصابة 7/659)

([1124]) - تفسير الطبري ( 28 / 23 ) تفسير عبد الرزاق ( 3 / 280 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 85 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([1125]) - تفسير الطبري ( 28 / 23 )

([1126]) تفسير الطبري ( 28 / 29 ) - تفسير القرطبي ( 18 / 7 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 332 ) - الطبقات الكبرى ( 2 / 29 ) إسناده ضعيف.

([1127]) تفسير الطبري ( 28 / 46 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 115 ) - تفسير القرطبي ( 18 / 34 )

([1128]) تفسير الطبري ( 28 / 46 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 115 ) إسناده ضعيف.

([1129]) تفسير الطبري ( 3 / 14 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 977 ) إسناده ضعيف.

([1130]) تفسير الطبري ( 28 / 48 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3347 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 115 )

([1131]) تفسير الطبري ( 28 / 48 ) إسناده ضعيف.

([1132]) تفسير الطبري ( 10 / 147 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 214 ) إسناده ضعيف.

([1133]) أخرجه البخاري 5/ 2307و مسلم 3/1424

([1134])       تفسير ابن كثير، 1/72.

([1135])مكايد يهودية عبر التاريخ، عبد الرحمن الميداني ص94؛ وانظر كتاب: النفاق والمنافقون في عهد رسول الله ‘، تأليف: إبراهيم على سالم، دار الشعب، القاهرة، وذلك في سبب نشوء النفاق في المدينة، من ص 75 إلى 87 .

([1136]) البداية والنهاية ج:3 ص:304

([1137]) البداية والنهاية ج:3 ص:304

([1138]) سيرة ابن هشام، 2/51.

([1139]) سيرةابن هشام، 2/64.

([1140]) النفاق والمنافقون، إبراهيم على سالم، ص 128.

([1141]) قولاً كاذباً. لسان العرب ج3/ص202

([1142]) سيرة ابن هشام، 2/105.و تفسير ابن كثير ج4/ص370

([1143]) تفسير الطبري ج1/ص401

([1144]) تاريخ الطبري ج:2 ص:184 البداية والنهاية ج:3 ص:240 فتح الباري ج13/ص364

([1145]) مسند أبي يعلى ج4/ص201 تاريخ مدينة دمشق ج13/ص311 لم أفصل في علاقة اليهود بالمنافقين لوجود رسالة عن آثار السلف عن المنافقين في الطبري.