العلاقة مع الآخر في كتابهم المقدس
التصنيفات
- العقيدة >> الملل والأديان >> النصرانية
المصادر
الوصف المفصل
العلاقة مع الآخر في كتابهم المقدس
بحث يتناول موقف اليهود والنصارى من غيرهم
من خلال كتابهم المقدس ومن خلال شواهد من التاريخ
مقارنة بشريعة الإسلام
القسم الثاني
أحكام الحرب وتطبيقاتها
د. محمد بن عبدالله بن صالح السحيم
أستاذ العقيدة المشارك في قسم الدراسات الإسلامية
كلية التربية، جامعة الملك سعود
عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة
والأديان والفرق والمذاهب
عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي شرع وقدر، وخلق ويسر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاح والفلاح يوم لقائه، وأشهد أن نبينا محمدا ﷺ رسول الله حقا ونبيه صدقا، شهادة يسعد بها من جاء بها يوم القيامة سعادة لا شقاء بعدها، وأصلي وأسلم على من بعثه ربه بالحنيفية السمحة، والشريعة التامة، والرسالة الخاتمة. أما بعد.
فمن سنن الله في هذا الكون سنة المدافعة، فيدفع الباطل بالحق، والضلال بالهدى قال عز شانه وتعالى سلطانه:} وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز[سورة الحج، 40. ومن أجل ذلك شرع الله للبشر من الشرائع ما يحفظ عليهم دينهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم وذرياتهم، فكانت شرائعه رحمة للعالمين،
ولأن الإنسان إذا استغنى طغى، وإذا ملك ظلم، وإذا عز استبد، إلا من رحم الله، ولا يقف ظلم واستبداد البشر عند حد، فينتقل من التطاول على البشر إلى التطاول على الله، ويفتري على الله وينسب إليه إفك البشر وظلمهم وافتراءهم، ويزعم أن الله هو الذي أمرهم بهذا الظلم والاستبداد والبغي، قال جل ثناؤه مخبرا عن هذا: } وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ[ سورة الأعراف،28، 29. ثم يتمادى الغي والكفر فيدون كل هذا الإفك في كتاب فيزعم أنه من عند الله، وأن الله أمر بهذا، قال سبحانه وتعالى: } فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ[ سورة البقرة،79. تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
ومن أجل ذلك وغيره يرسل الله الرسل بالشرائع ليستقيم الناس على جادة الهدى، وأن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن تكف يد المعتدي، وأن ينصف المظلوم، وأن يردع الباغي، وأن يكون الدين كله لله، قال عز شأنه وتعالى سلطانه: } وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ سورة الأنفال،39.
وفي هذا البحث نتناول كتابهم الذي يزعم اليهود والنصارى أنه وحي الله وأنه معصوم ومقدس، وهو مشتمل على كل ما يتعلق بحروبهم مع خصومهم وكيف يتعاملون معهم ويفعلون بهم، ويزعمون فوق ذلك أن هذا دين الله وأن الله أمرهم بهذا، وهم في هذا مشابهون للذين كفروا كما أخبرت عن ذلك آية سورة الأعراف المتقدمة، كما شابهوهم في باب الاعتقاد، قال لتعالى مخبرا عنهم: } وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [ سورة التوبة،30.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ولعمر الحق إنه لعظيم، بل زادوا عليه فتراهم يتطاولون على دين الإسلام وعلى نبي الإسلام ﷺ ويزعمون أن دينه انتشر بحد السيف وأنه نبي السيف... ثم سار في ركبهم طغام ممن ينتسبون إلى الإسلام يرددون ما قالوا، وقلدهم آخرون على جهل منهم بحقيقة دينهم وبحقيقة ما افتراه عدوهم.
ورغبة في كشف الباطل وتعريته، وهتك أستاره وكشف أسراره، وإرشادا للضال، وتنبيها للغافل، ودفاعا عن سنة سيد المرسلين وبيان منهج إمام الموحدين ﷺ، وطلبا لمرضاة ربي درست موقف اليهود والنصارى من مخالفيهم من خلال كتابهم المقدس ومن خلال شواهد من التاريخ لتحقيق هذه الغاية، وقد قسمت هذه الدراسة إلى قسمين:
القسم الأول يتناول التمييز العنصري الذي اشتمل عليه الكتاب المقدس عندهم، وقد جعلته في تمهيد ومبحثين ، أما التمهيد فتناولت فيه أسباب كتابة هذا البحث، وأما المبحث الأول فقد أوردت فيه مكانة كتابهم المقدس عند اليهود والنصارى، وموقف المسلم من هذا الكتاب، أما المبحث الثاني فتناولت فيه التمييز العنصري في كتابهم المقدس، وقد أوردت فيه مطالب عدة توضح هذا التمييز العنصري الذي اشتمل عليه الكتاب المقدس عندهم.
أما القسم الثاني وهو هذا البحث الذي بين أيدينا فقد قسمته إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة، وتناولت في المبحث الأول تشريعات الحرب التي جاء بها كتابهم المقدس، وفي المبحث الثاني استعرضت فيه التطبيقات الفعلية لهذه التشريعات في ماضيهم السحيق، واستصحبت صورا من تاريخهم الماضي والمعاصر لبيان أن هذه التشريعات لم تكن مدونات مهجورة منسية؛ بل هي عقيدة مقدسة عندهم، ومنهج متبع، وقارنت هذه التشريعات أو التطبيقات بشريعة الإسلام وبفعل الأماجد من قادة الأمة الإسلامية عبر التاريخ، وفي الخاتمة أوردت النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث.
وفي ختام هذه المقدمة أشكر الله الذي استعملنا في هذا الميدان الشريف، ووفقنا للذود عن منهج سيد المرسلين ﷺ ، ثم أشكر كل من أسهم معي في إخراج هذا البحث، واسأل الله أن يجعله صالحا خالصا، وأن يجعله حجة لنا لا علينا؛ إنه ولي ذلك وموليه والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
كتبه
د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
[email protected] ص ب 261032، الرياض 11342
المبحث الأول: أحكام الحرب في كتابهم المقدس
الحرب في تاريخ الأمم خيار صعب، وهي كره للنفوس، قال تعالى: )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ( سورة البقرة، 216. وقوله (وهو كره لكم) أي شديد عليكم ومشقة، وهو كذلك؛ فإنه إما أن يقتل أو يجرح، مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء.([1])
وهي آخر العلاج بين الأمم التي قد تعجز أن تصل إلى إحقاق الحق ورفع الظلم إلا من خلال الحرب التي تعيد الحق إلى نصابه، وتردع الباغي وتنصف المظلوم... وهي مع ذلك في كل الشرائع الإلهية والعلاقات الدولية تسير وفق قواعد عامة ومبادئ سامية، فلا يقتل جريح ولا أسير، ولا تحرق فيها الأوطان، ولا يمثل بجثث الأموات، ولا يقتل من لم يقاتل من امرأة أو شيخ أو طفل أو حيوان...
ولكن هل سارت شرائع كتابهم المقدس على هذه الأصول المعتبرة في الحروب؟ لا لم تسر عليها بل جاءت بشرائع دموية مرعبة للحياة وللأحياء، وسأسوق للقارئ بعض ما تضمنته كتبهم من شرائع تتعلق بالحرب سواء وردت على سبيل التشريع المتعلق بالحرب ابتداءً، أو كانت خبرا عن رعب وحرب ماضية. فمن ذلك:
الحكم الأول: أن يضرب جميع سكان المدينة الرجال والنساء والأطفال وحتى الحيوان بالسيف سواء المقاتل أو غيره، وتحرق المدينة كاملة بكل ما اشتملت عليه من متاع، جاء في سفر التثنية، بل سفر الحرب:(فضَرْبًا تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 16تَجْمَعُ كُلَّ أَمْتِعَتِهَا إِلَى وَسَطِ سَاحَتِهَا، وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ الْمَدِينَةَ وَكُلَّ أَمْتِعَتِهَا كَامِلَةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ، فَتَكُونُ تَلاُ إِلَى الأَبَدِ لاَ تُبْنَى بَعْدُ).تثنية13.
وهذا القتل لا يستبقي طفلا ولا امرأة ففي صموئيل:(3فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا). صموئيل الأول15 .
- ( 35وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحًا إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيْتَةٌ). ملوك الثاني 20.
وجاء في حزقيال – ولهذا السفْرِ مكانة عظيمة عند اليهود والنصارى([2] ) – الوعيد بالهلاك والانتقام من أمم كاملة؛ لأنها قد أساءت إلى اليهود، ولكن هذه النصوص لم تستثن صبيا أو شيخا أو حيوانا بل نصت على الإبادة التامة،« هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَدُومَ قَدْ عَمِلَ بِالانْتِقَامِ عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا وَأَسَاءَ إِسَاءَةً وَانْتَقَمَ مِنْهُ، 13لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى أَدُومَ، وَأَقْطَعُ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، وَأُصَيِّرُهَا خَرَابًا. مِنَ التَّيْمَنِ وَإِلَى دَدَانَ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ. 14وَأَجْعَلُ نَقْمَتِي فِي أَدُومَ بِيَدِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، فَيَفْعَلُونَ بِأَدُومَ كَغَضَبِي وَكَسَخَطِي، فَيَعْرِفُونَ نَقْمَتِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَدْ عَمِلُوا بِالانْتِقَامِ، وَانْتَقَمُوا نَقْمَةً بِالإِهَانَةِ إِلَى الْمَوْتِ لِلْخَرَابِ مِنْ عَدَاوَةٍ أَبَدِيَّةٍ، 16فَلِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَمُدُّ يَدِي عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَسْتَأْصِلُ الْكَرِيتِيِّينَ، وَأُهْلِكُ بَقِيَّةَ سَاحِلِ الْبَحْرِ. 17وَأُجْرِي عَلَيْهِمْ نَقْمَاتٍ عَظِيمَةً بِتَأْدِيبِ سَخَطٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، إِذْ أَجْعَلُ نَقْمَتِي عَلَيْهِمْ». حزقيال 25.
إن النصوص لا تكتفي بأن تشرّع الإبادة بل تربي على الاستعلاء على الآخرين وترسم إستراتيجية الإبادة كما وردت في سفر ميخا :(7وَتَكُونُ بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ فِي وَسَطِ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ كَالنَّدَى مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، كَالْوَابِلِ عَلَى الْعُشْبِ الَّذِي لاَ يَنْتَظِرُ إِنْسَانًا وَلاَ يَصْبِرُ لِبَنِي الْبَشَرِ. 8وَتَكُونُ بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ بَيْنَ الأُمَمِ فِي وَسَطِ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ كَالأَسَدِ بَيْنَ وُحُوشِ الْوَعْرِ، كَشِبْلِ الأَسَدِ بَيْنَ قُطْعَانِ الْغَنَمِ، الَّذِي إِذَا عَبَرَ يَدُوسُ وَيَفْتَرِسُ وَلَيْسَ مَنْ يُنْقِذُ. 9لِتَرْتَفِعْ يَدُكَ عَلَى مُبْغِضِيكَ وَيَنْقَرِضْ كُلُّ أَعْدَائِكَ). ميخا 5
ويُكملُ رسم الإستراتيجية سفر الخروج ويقدم جدولة الإبادة والهلاك، إنها إبادة متدرجة، ونفي شامل للأجناس المجاورة، وقد روعي التدرج لا رحمة بالشعوب التي حق عليها الهلاك؛ ولكن رحمة بالعنصر الذي شرعت الإبادة من أجله؛ لئلا يستوحش في الأرض؛ وتكثر عليه وحوش البرية، فقد جاء في هذا السفر:(28وَأُرْسِلُ أَمَامَكَ الزَّنَابِيرَ. فَتَطْرُدُ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ مِنْ أَمَامِكَ. 29لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلاَّ تَصِيرَ الأَرْضُ خَرِبَةً، فَتَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. 30قَلِيلاً قَلِيلاً أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ إِلَى أَنْ تُثْمِرَ وَتَمْلِكَ الأَرْضَ. 31وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ. فَإِنِّي أَدْفَعُ إِلَى أَيْدِيكُمْ سُكَّانَ الأَرْضِ، فَتَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ. 32لاَ تَقْطَعْ مَعَهُمْ وَلاَ مَعَ آلِهَتِهِمْ عَهْدًا). خروج 23. إن هذه الشعوب لا تستأصل لعصيانها ومخالفتها للشريعة؛ إنما تستأصل بسبب العنصر، إنه التطهير العرقي والتصفية الجسدية التي تقتضي طرد المخالف وامتلاك أرضه، وعدم قطع العهد معه.
وبعد أن تُستكْمل إستراتيجية الإبادة تأتي التشريعات المتضمنة لكيفية التعامل مع الشعوب المجاورة بعد تطهير المكان منها، ففي سفر التثنية«1مَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا، وَطَرَدَ شُعُوبًا كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: الْحِثِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ، 2وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ، وَضَرَبْتَهُمْ، فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لاَ تَقْطَعْ لَهُمْ عَهْدًا، وَلاَ تُشْفِقْ عَلَيْهِمْ، 3وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ. 4لأَنَّهُ يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى، فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعًا. 5وَلكِنْ هكَذَا تَفْعَلُونَ بِهِمْ: تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُقَطِّعُونَ سَوَارِيَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ تَمَاثِيلَهُمْ بِالنَّارِ. 6لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، 7لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. 8بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمَ لآبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْر9فَاعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ اللهُ، الإِلهُ الأَمِينُ، الْحَافِظُ الْعَهْدَ وَالإِحْسَانَ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ إِلَى أَلْفِ جِيل،10وَالْمُجَازِي الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُ بِوُجُوهِهِمْ لِيُهْلِكَهُمْ. لاَ يُمْهِلُ مَنْ يُبْغِضُهُ. بِوَجْهِهِ يُجَازِيهِ. 11فَاحْفَظِ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ الْيَوْمَ لِتَعْمَلَهَا) تثنية 7.
فها هي ذي سبعة شعوب كاملة تطرد من أوطانها، ويمنع الشعب المقدس كما زعموا - من أن يقطع معهم عهدا، أو يتزوج منهم أو يزوجهم، والعجيب أن هذا النص يشهد على أن هؤلاء القوم الذين طهرت الأرض من أهلها بسببهم ليس ذلك راجع لكثرتهم، أو لصلاحهم، وإنما من محبة الرب لهم فقط وبسبب القسم الذي قطعه مع آبائهم من قبل، والثابت في العقل والنقل أن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب ولا نسب إلا التقوى فمن جاء بها فاز ووجد النصر والتمكين الإلهي، ومن جاء بنسب شريف وعمل خبيث فقد أحاط به عمله، وأوبقته خطيئته.
قارن هذا مع نهي الرسول ﷺ عن قتل النساء والولدان،([3] ) وقارن هذا الفعل الشنيع مع التوجيه النبوي الكريم الذي يحفظ حق المخالف غير الحربي بقوله ﷺ:(من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) ([4]) فهنا عهد ومعاهد، وحقن لدم اليهودي أو النصراني، والإسلام مع ذلك يحكم بكفرهما، ويحفظ دمهما إذا كانا معاهدين أو مستأمنين.
الحكم الثاني: أن تستبقى أسرة من المدينة مقابل قيامها بالتجسس لصالح الغزاة، فحينئذ تحرق المدينة بعد إخراج الأسرة المتعاونة، أما الفضة والذهب والحديد والنحاس فلا ينالها الحريق؛ بل تجعل في خزانة رب الذهب. جاء في سفر يشوع:(22وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا الأَرْضَ: «ادْخُلاَ بَيْتَ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ الْمَرْأَةَ وَكُلَّ مَا لَهَا كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا». 23فَدَخَلَ الْغُلاَمَانِ الْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَا لَهَا، وَأَخْرَجَا كُلَّ عَشَائِرِهَا وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ. 24وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا، إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. 25وَاسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ الزَّانِيَةَ وَبَيْتَ أَبِيهَا وَكُلَّ مَا لَهَا، وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهَا خَبَّأَتِ الْمُرْسَلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا يَشُوعُ لِكَيْ يَتَجَسَّسَا أَرِيحَا). يشوع 6.
الحكم الثالث : ألا يبقى شارد ولا طريد. ففي الخبر الذي ساقه يشوع عن غزوه لبلدة عاي وماذا انتهى إليه أمرها قال: (وَضَرَبُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَارِدٌ وَلاَ مُنْفَلِتٌ).يشوع 8.
الحكم الرابع: قتل الملوك وتعليق جثثهم على أبواب المدينة إلى المساء ففي سفر يشوع تكملة رواية خبر يشوع مع بلدة عاي مما يتعلق بملك البلدة وهي قوله :(28وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا تَلاًّ أَبَدِيًّا خَرَابًا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 29وَمَلِكُ عَايٍ عَلَّقَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ إِلَى وَقْتِ الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَطَرَحُوهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ). يشوع 8. وفي الإصحاح العاشر منه: (26وَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ بَعْدَ ذلِكَ وَقَتَلَهُمْ وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْسِ خَشَبٍ، وَبَقُوا مُعَلَّقِينَ عَلَى الْخَشَبِ حَتَّى الْمَسَاءِ). يشوع10. وهذا يذكرنا بالمآل الذي انتهى إليه أمر حاكم العراق السابق صدام حسين.
الحكم الخامس: تحريق الحيوانات أو قتلها تبعا للسكان أو تركها واستبقاؤها غنيمة: (27لكِنِ الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ لأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَشُوعَ.) يشوع 8. ومثل هذا النص في يشوع 11. ومثله في التثنية،2و3.
وللخيل - التي عقد بنواصيها الخير إلى يوم القيامة - معاملة خاصة وهي عرقبة الخيل:(9فَفَعَلَ يَشُوعُ بِهِمْ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ. عَرْقَبَ خَيْلَهُمْ). يشوع 11.
ففي النص السابق كان الحكم يقضي بنهب البهائم مع سائر الغنائم، ولكننا نجد نصوصا أخرى تخبرنا أنهم لم يلتزموا هذا الحكم في كل الأحوال بل أحيانا يكون حكمها التحريم والقتل بحد السيف، فمن ذلك ماجاء في سفر القضاة (48وَرَجَعَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهَا، حَتَّى الْبَهَائِمَ، حَتَّى كُلَّ مَا وُجِدَ). قضاة 20.
وجاء في سفر يشوع الإصحاح السادس:( وَصَعِدَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. 21وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ). يشوع 6.
الحكم السادس: أن تكون الحرب بلا هدف فيقتل فيها الأبرار والأشرار ففي سفر حزقيال: (وَقُلْ لأَرْضِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكِ، وَأَسْتَلُّ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ فَأَقْطَعُ مِنْكِ الصِّدِّيقَ وَالشِّرِّيرَ. 4مِنْ حَيْثُ أَنِّي أَقْطَعُ مِنْكِ الصِّدِّيقَ وَالشِّرِّيرَ، فَلِذلِكَ يَخْرُجُ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشِّمَالِ. 5فَيَعْلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، سَلَلْتُ سَيْفِي مِنْ غِمْدِهِ. لاَ يَرْجعُ أَيْضًا).حزقيال21. فهي حرب كما ترى لا تستبقي صدّيقا ولا شريرا، تسل السيف على البشر عامة.
الحكم السابع: أن الله يبيد الأمم والشعوب ويفنيهم من أمامهم، وإن لم يكونوا أبرارا، وإن كانوا كما عبر عنهم النص (شعب صلب الرقبة)، وإن كانت هذه الشعوب أكثر وأقوى؛ وما ذاك إلا لأن الرب معهم يدافع عنهم ويبيد عدوهم - كما زعموا - وهذا ليس لصلاحهم بل لفساد عدوهم، ومن أجل العهد الذي أعطاه الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وهذا الشاهد هو ما ورد في سفر التثنية: (اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، أَنْتَ الْيَوْمَ عَابِرٌ الأُرْدُنَّ لِكَيْ تَدْخُلَ وَتَمْتَلِكَ شُعُوبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ، وَمُدُنًا عَظِيمَةً وَمُحَصَّنَةً إِلَى السَّمَاءِ. 2قَوْمًا عِظَامًا وَطِوَالاً، بَنِي عَنَاقَ الَّذِينَ عَرَفْتَهُمْ وَسَمِعْتَ: مَنْ يَقِفُ فِي وَجْهِ بَنِي عَنَاقَ؟ 3فَاعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ الْعَابِرُ أَمَامَكَ نَارًا آكِلَةً. هُوَ يُبِيدُهُمْ وَيُذِلُّهُمْ أَمَامَكَ، فَتَطْرُدُهُمْ وَتُهْلِكُهُمْ سَرِيعًا كَمَا كَلَّمَكَ الرَّبُّ. 4لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ حِينَ يَنْفِيهِمِ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَمَامِكَ قَائِلاً: لأَجْلِ بِرِّي أَدْخَلَنِي الرَّبُّ لأَمْتَلِكَ هذِهِ الأَرْضَ. وَلأَجْلِ إِثْمِ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ يَطْرُدُهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِكَ. 5لَيْسَ لأَجْلِ بِرِّكَ وَعَدَالَةِ قَلْبِكَ تَدْخُلُ لِتَمْتَلِكَ أَرْضَهُمْ، بَلْ لأَجْلِ إِثْمِ أُولئِكَ الشُّعُوبِ يَطْرُدُهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَلِكَيْ يَفِيَ بِالْكَلاَمِ الَّذِي أَقْسَمَ الرَّبُّ عَلَيْهِ لآبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. 6فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لأَجْلِ بِرِّكَ يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ لِتَمْتَلِكَهَا، لأَنَّكَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ).تثنية 7.
ما أسهل الادعاء وأيسر الزعم، فلعمر الحق إن لم يكونوا صالحين فما الذي استبقاهم من العذاب؟! وإن كانوا (شعبا صلب الرقبة) كما وصفهم النص فما الذي يؤهلهم للولاية الإلهية؟ ألم يقل الله لخليله إبراهيم عليه السلام لما دعاه أن يكون العهد دائما في ذريته قال له ربه:) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ( سورة البقرة،124.
وادعت اليهود والنصارى أنهم أحق بإبراهيم عليه السلام فقال جل ثناؤه:) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( سورة آل عمران،67.
وادعت اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه فكذبهم وامتحنهم فقال جل ثناؤه: )وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ( سورة المائدة، 18.
الحكم الثامن: كيفية حصار المدن، إذا عزموا على حصار مدينة فيدعونها إلى الصلح؛ فإن أجابت وفتحت أبوابها، فيصبح السكان كلهم عبيدا لهم، أما إذا لم تسالم ودافعت عن نفسها ثم سقطت فيقتل جميع ذكروها بحد السيف، أما الأطفال والنساء والبهائم وكل ما في المدينة فيكونون غنيمة للغزاة، وهذا الحكم إذا كانت المدينة بعيدة عنهم، أما إذا كانت المدينة قريبة منهم فيختلف الحكم، ويكون حكمها حينئذ أن تحرم المدينة كاملة فلا يستبق فيها نسمة، وقد جاء النص بهذا الحكم وقد تضمن إبادة شعوب بأكملها تحقيقا لهذا الحكم، ففي سفر التثنية:(حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. 16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا، 17بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ). تثنية 20.
الحكم التاسع: المرأة الجميلة تقع في السبي، إذا وقعت امرأة جميلة في السبي، وأراد أحدهم أن يتخذها له زوجة، فعليها أن تحلق رأسها، وتقلم أظفارها، وتنزع عنها ثيابها، وتبكي أهلها شهرا، ثم يتخذها زوجة بعد ذلك. جاء في سفر التثنية:(إِذَا خَرَجْتَ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكَ وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ، وَسَبَيْتَ مِنْهُمْ سَبْيًا، 11وَرَأَيْتَ فِي السَّبْيِ امْرَأَةً جَمِيلَةَ الصُّورَةِ، وَالْتَصَقْتَ بِهَا وَاتَّخَذْتَهَا لَكَ زَوْجَةً، 12فَحِينَ تُدْخِلُهَا إِلَى بَيْتِكَ تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَهَا 13وَتَنْزِعُ ثِيَابَ سَبْيِهَا عَنْهَا، وَتَقْعُدُ فِي بَيْتِكَ وَتَبْكِي أَبَاهَا وَأُمَّهَا شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ بِهَا، فَتَكُونُ لَكَ زَوْجَةً). تثنية 21.
الحكم العاشر: معاقبة الأجيال بجريرة الآباء وعدم مسالمتهم أبد الدهر، وجرم الأبناء أن آباءهم لم يقدموا لبني إسرائيل الخبز والماء أثناء خروجهم من مصر: (لاَ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ، 4مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُلاَقُوكُمْ بِالْخُبْزِ وَالْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ، 6لاَ تَلْتَمِسْ سَلاَمَهُمْ وَلاَ خَيْرَهُمْ كُلَّ أَيَّامِكَ إِلَى الأَبَدِ). تثنية 23. وهذا المبدأ والعقيدة يؤكدان أنها شريعة عامة ففي سفر الخروج: (مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ). خروج 34.
وهذا يتعارض مع العدل الإلهي قال جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: )قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ( سورة الأنعام، 164. و في كتابهم المقدس ما يوافق القرآن ففي إرمياء: (يَقُولُ الرَّبُّ. 29فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: الآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا، وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ. 30بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ.) إرمياء 31. وفي حزقيال: (20اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ). حزقيال18.([5]) لكن لأن كتابهم كُتِبَ عبر مدد متطاولة فلا يدري التالي ما كتب الأول، ولم يطلع اللاحق على ما افتراه السابق.
الحكم الحادي عشر: الاستعداد للحرب ورفع السلم، ووضع السيف
تضمنت شرائع كتابهم المقدس المتعلقة بالحرب أمراً بالاستعداد للحرب ورفعا للسلم، ووضعا للسيف على الرقاب؛ فها هو المسيح كما ينسبون له – وهم يرون أن دينه دين سلام – يوصي أتباعه بالتزود للحرب وأن يبيع المرء منهم متاعه ويشتري سيفا :(35ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:«حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلاَ كِيسٍ وَلاَ مِزْوَدٍ وَلاَ أَحْذِيَةٍ، هَلْ أَعْوَزَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقَالُوا: «لاَ». 36فَقَالَ لَهُمْ:«لكِنِ الآنَ، مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا). لوقا 22. وافترى الكتبة على المسيح عليه السلام أنه دفع عن نفسه الظن به أنه إنما جاء ليلقي على الأرض سلاما وبين أن رسالته – كما يزعمون – إعلان حرب على البشر فيقول متى في إنجيله:(لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ).متى 10. ([6])
وهذا الاستعداد للحرب يصاحبه التبشير بالسيف العام للبشر، ورفع السلم جاء في إرمياء: (لأَنَّ سَيْفًا لِلرَّبِّ يَأْكُلُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. لَيْسَ سَلاَمٌ لأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ). إرمياء12. فمهما رجا مجاورهم السلام منهم فلا سلام فهذا خبر إشعياء: (22لاَ سَلاَمَ، قَالَ الرَّبُّ لِلأَشْرَارِ». إشعياء 48. فهذا وعد للأشرار بعدم السلام – لكن الخيرية وضدها في ميزان من ؟ - وإعلان للحرب مع المخالف وإن قطع معه عهدا، فما في كتابهم المقدس ينقض ما تمخضت عنه المؤتمرات؛ لأنه إذا أمر بعدم السلام فأي سلام يقطعه مع المخالف فهو يعتبره مخالفة دينية يجب التخلص منها.
وهنا تكون التوطئة لمنظر الدم والقتل، وتهيئة الرأي العام للمناظر البشعة المؤذية، بل هي التربية على الدم، إنها ثقافة الدم، فالدم تابع ومتبوع، يقول حزقيال في كتابه:(يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي أُهَيِّئُكَ لِلدَّمِ، وَالدَّمُ يَتْبَعُكَ. إِذْ لَمْ تَكْرَهِ الدَّمَ فَالدَّمُ يَتْبَعُكَ. 7فَأَجْعَلُ جَبَلَ سَعِيرَ خَرَابًا وَمُقْفِرًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْهُ الذَّاهِبَ وَالآئِبَ. 8وَأَمْلأُ جِبَالَهُ مِنْ قَتْلاَهُ. تِلاَلُكَ وَأَوْدِيَتُكَ وَجَمِيعُ أَنْهَارِكَ يَسْقُطُونَ فِيهَا قَتْلَى بِالسَّيْفِ. 9وَأُصَيِّرُكَ خِرَبًا أَبَدِيَّةً، وَمُدُنُكَ لَنْ تَعُودَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ). حزقيال 35. راجع تثنية 7/1 7/16.
إن هذه التربية لا تقف عند ممارسة القتل والتشفي بالدم بل تتمادى حتى يفرح المرء منهم برؤية النّقم، ويتوج هذا الفرح بالاغتسال بدم الخصم، جاء في سفر المزامير: (10يَفْرَحُ الصِّدِّيقُ إِذَا رَأَى النَّقْمَةَ. يَغْسِلُ خُطُواتِهِ بِدَمِ الشِّرِّيرِ). مزمور 58، فويل للبشرية من حملة هذا الاعتقاد، وويل للبشرية من المغتسلين بالدم وويل لحملة هذا الاعتقاد من النار.
بينما رسالة الرسول ﷺ تبشر بالسلام العام وتبشر بالجنة؛ ولذا لما قدم النبي الكريم ﷺ إلى المدينة، وكانت فيها طائفة من اليهود وفيهم أحبار وعلماء، ومنهم عبد الله بن سلام فقال: (لما قدم رسول الله ﷺ المدينة انجفل الناس إليه، وقيل قدم رسول الله ﷺ، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما تبينتُ وجه رسول الله ﷺ عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام؛ تدخلون الجنة بسلام ). ([7]) إنها رسالة تدعو إلى السلام، وبذل الندى للناس.
فهو ﷺ لا يكتفي أن يبشر بالسلام العام بل يبشر بجنة عرضها السموات والأرض يقول أبو هريرة إن النبي ﷺ أمره أن يبشر من يلقاه بالجنة قال ﷺ :( من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة) ([8]) وقال تعالى:)إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ( سورة فصلت،30. وما ذاك إلا لأن هذه الرسالة رسالة رحمة للبشرية قال تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( سورة الأنبياء، 107. فالله سبحانه وتعالى أرسله رحمة للخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم؛ ولذا قال إمام المفسرين ابن جرير بعد أن أورد الأقوال في هذه الآية: (وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي روي عن ابن عباس وهو أن الله أرسل نبيه محمداً ﷺ رحمة لجميع العالم مؤمنهم وكافرهم، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة، وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله).([9])
وبين النبي ﷺ أن من رحمة الله بخلقه أنه كتب على نفسه أن رحمته سبقت غضبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول:(إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق، إن رحمتي سبقت غضبي. فهو مكتوب عنده فوق العرش).([10])
بل أمر الله رسولهr أن يبشر المؤمنين الذين يقعون في الذنوب ويرغبون في الإنابة أن يقول لهم: سلام عليكم، إن الله كتب على نفسه الرحمة، وإن من رحمته أن الله يتوب على من تاب قال سبحانه: }وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ سورة الأنعام،54. قال ابن جرير رحمه الله بعد أن أورد الأقوال في تفسير هذه الآية:(فتأويل الكلام - إذ كان الأمر على ما وصفنا - وإذا جاءك يا محمد القوم الذين يصدقون بتنزيلنا وأدلتنا وحججنا فيقرون بذلك قولاً وعملاً، مسترشديك عن ذنوبهم التي سلفت منهم بيني وبينهم، هل لهم منها توبة؟ فلا تؤيسهم منها، وقل لهم سلام عليكم أمنة الله لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها، كتب ربكم على نفسه الرحمة، يقول قضى ربكم الرحمة بخلقه أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم).([11])
الحكم الثاني عشر: الضربات الاستباقية
رأينا في هذا العصر ضربات استباقية موجعة بحجة الخوف من الخصم، وتدميره قبل أن يقوم بالهجوم، بينما هي في حقيقتها تهدف إلى تحقيق أخبار توراتية، وأغراض اقتصادية وهيمنة عسكرية...إلخ فإذا هذه الضربات الاستباقية تشريع سابق وخبر ماض، وما على المتأخر إلا أن يسلك سلوك آبائه وأجداده، ويسير على شرعته ومنهاجه، جاء في إرمياء تخوف بني إسرائيل من بني عمون، وخوفهم أن يرثوا بلادهم في المستقبل؛ فقرروا أن يضربوهم لأجل ذلك: (هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَلَيْسَ لإِسْرَائِيلَ بَنُونَ، أَوْ لاَ وَارِثٌ لَهُ؟ لِمَاذَا يَرِثُ مَلِكُهُمْ جَادَ، وَشَعْبُهُ يَسْكُنُ فِي مُدُنِهِ؟ 2لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُسْمِعُ فِي رَبَّةِ بَنِي عَمُّونَ جَلَبَةَ حَرْبٍ، وَتَصِيرُ تَلاًّ خَرِبًا، وَتُحْرَقُ بَنَاتُهَا بِالنَّارِ، فَيَرِثُ إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ وَرِثُوهُ، يَقُولُ الرَّبُّ).إرمياء 49.
قارن هذا التوجس من المخالف ومباغتته بالتوجيه القرآني للرسول ﷺ وهو توجيه للبشرية من بعده يقول المولى عز شأنه وتعالى سلطانه: )وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ( سورة الأنفال،58. قال إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (يقول تعالى ذكره وإما تخافن يا محمد من عدو لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر، فانبذ إليهم على سواء، يقول فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم؛ حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها وتبرأ من الغدر، إن الله لا يحب الخائنين الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر به فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد).([12])
الحكم الثالث عشر: التلذذ بمآسي الآخرين والتشفي منهم، إذا طغى الهوى، وحرّف الوحي؛ أصبح أتباعه يتلذذون برؤية الجراح، ويسعدون برؤية الموتى، جاء في سفر إرمياء: (34وَلْوِلُوا أَيُّهَا الرُّعَاةُ وَاصْرُخُوا، وَتَمَرَّغُوا يَا رُؤَسَاءَ الْغَنَمِ، لأَنَّ أَيَّامَكُمْ قَدْ كَمَلَتْ لِلذَّبْحِ. وَأُبَدِّدُكُمْ فَتَسْقُطُونَ كَإِنَاءٍ شَهِيٍّ. 35وَيَبِيدُ الْمَنَاصُ عَنِ الرُّعَاةِ، وَالنَّجَاةُ عَنْ رُؤَسَاءِ الْغَنَمِ).إرمياء 25. فإذا الجثث والقتلى كطبق شهي، فلا إله إلا الذي قلب الفطر، وطمس القلوب.
بينما يسمو الدين الحق بالنفوس فترتقي إلى مراقي الرحمة والطهر والعفاف، فترأف حتى على الحيوان البهيم وتدركها الشفقة فتتحمل التعب من أجله، فيغفر الله لها، كما في هذا الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي ﷺ :(بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها([13] ) فسقته فغفر لها به).([14]) وهذا نبي الرحمة ﷺ تتناول رحمته الطير والحيوان فعن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله ﷺ في سفر ومررنا بشجرة فيها فرخا حمرة ([15]) فأخذناهما قال فجاءت الحمرة إلى رسول الله ﷺ وهي تصيح فقال النبي ﷺ:(من فجع هذه بفرخيها؟ قال فقلنا نحن. قال: فردوهما).([16]) وكان ﷺ يأمر أصحابه رضي الله عنهم بالرحمة بالحيوان وينكر عليهم إذا رأى تقصيراً منهم في ذلك فقد دخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبيَ ﷺ حنّ وذرفت عيناه فأتاه النبي ﷺ فمسح ذفراه فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله! فقال أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه).([17]) فهذا هو الدين الحق، دين الرحمة.
الحكم الرابع عشر: الفرح والإنشاد بهلاك المخالف، جاء في سفر المزامير قوله:(34فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. 35لِتُبَدِ الْخُطَاةُ مِنَ الأَرْضِ وَالأَشْرَارُ لاَ يَكُونُوا بَعْدُ).مزمور 104. وجاء في سفر أخبار الأيام الثاني عند ذكر خبر مقتلة اليهود لبني عمون وبني موآب أنهم فرحوا لأجل ذلك فرحا شديدا وغنوا بالأبواق والعيدان:(27ثُمَّ ارْتَدَّ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ وَيَهُوشَافَاطُ بِرَأْسِهِمْ لِيَرْجِعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ، لأَنَّ الرَّبَّ فَرَّحَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ. 28وَدَخَلُوا أُورُشَلِيمَ بِالرَّبَابِ وَالْعِيدَانِ وَالأَبْوَاقِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. 29وَكَانَتْ هَيْبَةُ اللهِ عَلَى كُلِّ مَمَالِكِ الأَرَاضِي حِينَ سَمِعُوا أَنَّ الرَّبَّ حَارَبَ أَعْدَاءَ إِسْرَائِيلَ). أخبار الأيام الثاني 20.
وفي سفر المزامير:(10يَفْرَحُ الصِّدِّيقُ إِذَا رَأَى النَّقْمَةَ). مزمور85. وفي سفر الأمثال: (وَعِنْدَ هَلاَكِ الأَشْرَارِ هُتَافٌ. 11بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ، وَبِفَمِ الأَشْرَارِ تُهْدَمُ). أمثال 11.
قارن هذا الفرح بالموقف الجاهلي موقف كفار قريش حينما خرجوا إلى بدر، فعن ابن عباس قال: لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره أرسل إلى قريش، أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا، فقال: أبو جهل ابن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا، وكان بدر موسما من مواسم العرب، يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثا، وننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا.([18]) فيجد الباحث أن منطق الجاهلية واحد وتربيتها واحدة، ومشاعرها وتصرفاتها واحدة، فرح وبطر وأشر، وغناء وشرب ورقص...
وقارن هذا ولا سواء بموقف النبوة وتربية الوحي؛ تجد البون شاسعا والموقف مختلفا؛ إنه موقف الخشوع لله، ومعرفة أيامه وسننه في الأيام والدول، هذا رسول الله ﷺ كما أخبر عنه أنس t يدخل مكة يوم الفتح خاشعا خاضعا متواضعا، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ ( دخل مكة وذقنه على رحْله متخشعا).([19])
ولما وقف عمر، وعبدالله بن عباس، وعبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنهم على ما غنمه المسلمون من الفرس، فلما رأوه كشطوا الأنطاع عن الأموال، فرأى عمر t منظرا لم ير مثله، رأى الذهب فيه والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلألأ، فبكى عمر بن الخطاب، فقال له أحدهما: والله ما هو بيوم بكاء. فقال: إني والله ما ذهبت حيث ذهبت، ولكنه والله ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم. ثم أقبل على القبلة، ورفع يديه إلى السماء، وقال:(اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا) فإني أسمعك تقول: )سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ(. ([20])
ولله در أبي الدرداء يوم بكى حينما فتح المسلمون قبرص، وذلك حينما رآه جبير بن مطعم جالسا وحده يبكي! فقال: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره).([21])
المسلم إذا انتصر عرف أن الناصر الحق هو الله، وأن لله سننا ونواميس في هذا الكون لا تتبدل ولا تتغير قال تعالى: ) إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ( سورة آل عمران،160. فلا يفرح إن انتصر فرحا يبلغ به الطغيان والبغي، ولا يأسى إن غُلب لأنه يعلم أن ذلك كله بقضائه وقدره. هذه تشريعات الحرب في كتابهم المقدس، كيف تبدأ؟ وكيف تنتهي؟ وما الموقف من المخالف بعدها؟ وما موقف المنتصر إثرها؟ وهذه أخبار من التاريخ وسنرى في المبحث التالي إن شاء الله أخبارا من الواقع تؤكد أن التشريع لا يزال مطبقا، والعهد لا يزال قائما، وهي تشريعات لا تحتمل التعليق فالخَبَر يغني عن الخبر.
وهذه تشريعات الوحي بشأن هذا الأمر الذي لا بد منه ما دام الصراع قائما بين الخير والشر، ومن ذلك:
أولا: أن تشريع الحرب في الإسلام إنما هو لإحقاق الحق الإلهي وليست لتحقيق سيادة عنصر على آخر أو شعب على غيره، بل ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( سورة البقرة،39.
ثانيا: أنها تمنع الفتنة وتقضي عليها كما في الآية السابقة.
ثالثا: أنها شرعت ليكون الدين لله وتكون الدينونة والطاعة له سبحانه وتعالى، فليست ليكون الحق لقيصر، وإنما ليكون العباد كلهم عبادا لله وليسوا عبادا للعباد، كما كتب النبي ﷺ إلى أسقف نجران:(من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران; أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم آذنتكم بحرب، والسلام).([22]) فهي مشروعة ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
رابعا: أنها شرعت لتعم البشرية الرحمة، وتتفيأ ظلال الإيمان قال تعالى: ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( سورة الأنبياء،107؛ فكل الرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا رحمةً للخلق، وإنقاذا للخلق من سطوة الخلق، قال سبحانه وتعالى عن نبينا محمد ﷺ:) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( الأعراف،203. وقال عن موسى عليه السلام: ) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ( الأعراف،154. وقال عن صالح عليه السلام: )قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ( هود63. وقال عن المسيح عليه السلام:)قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا( سورة مريم،21.
خامسا: أنها يجب أن تتدثر بالعدل وتحتكم إليه، مهما جار المخالف أو بغى، فكما أن الظلم محرم قطعا، فالعدل واجب شرعا، قال تعالى: )وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ( سورة المائدة،2. فالعدو هنا كافر، وقد صدّ النبي ﷺ ومن معه عن المسجد الحرام لئلا يطوفوا به ويعبدوا ربهم فيه، ومع ذلك جاء التوجيه الإلهي بالأمر بالعدل، والتنبيه لئلا يدفع البغض إلى طلب الانتقام ومجاوزة العدل.
سادسا: أنها تحترم الإنسانية المسالمة فلا يُقتل من لم يقاتل من مدنيين أو عباد أو أطفال أو شيوخ أو نساء، ولا يمثل بالجثث، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل أسير فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله ﷺ إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم). ([23])
سابعا: أنها مسبوقة بدعوة إلى الإسلام، فإن لم يقبلوا دعوا إلى الجزية، فإن لم يقبلوا دعوا إلى الحرب علانية وليست مخادعة ولا مباغتة. فالهدف منها كما سبق تعبيد الخلق للخالق.
ثامنا: أنها ليست انتصارا لذات شخص مهما سمت مكانته، وعظمت منزلته، وليتأمل القارئ هذا التوجيه القرآني للرسول الكريم ﷺ بعد معركة أحد وقد أصيب فيها بجروح، وقتل فيها عمه وسبعون من خيرة أصحابه، ففي الصحيح عن ثابت عن أنس أن رسول الله ﷺ كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في رأسه فجعل يسلت الدم عنه ويقول كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله عز وجل:) ليس لك من الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ( سورة آل عمران،128.([24]) بل هي انتصار للحق الذي جاء به وأمر أن يبلغه، وتلا هذه الآية:) وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( سورة آل عمران129. فتضمنت إثبات الملك التام له سبحانه، وأنه هو الغفور، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، فورد فيها ذكر المغفرة مرتين، فالحمد لله على شرعه وأمره.
تاسعا: أنها لا تستهدف جمع المال من المخالف والاستيلاء على خيرات بلاده، ونقلها إلى بلاد المقاتل فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن قال: إنك تقدم على قوم أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس).([25]) فهي تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، ولا يقصد منها أن يكون المال دولة في يد المقاتل أو في يد من أرسله، وحينما فتح المسلمون العالم الإسلامي سابقا عم الخير أرجاء المعمورة، وفتحت في أرجائها المدارس والمستشفيات وغيرها من مظاهر عمارة الأرض، وحينما احتل الغرب النصراني العالم الإسلامي في القرن الماضي وأقام في بعض بلاده قرابة مئة سنة؛ خرج منها وهي تعاني صور التخلف كأشد ما يكون التخلف.
عاشرا: أنها لم تكن لتحقيق سيادة قبيلة على أخرى، ولم تكن لتستأصل أمة لذات عرقها، ولم تشرع ليقاتل قومٌ من أجل إرغامهم على قبول الإسلام؛ فلا إكراه في الدين، بل تشرع إذا وقفوا في وجه انتشاره والحيلولة بين البشر وبين الخضوع لرب العالمين.
فالله سبحانه وتعالى أرسل الرسل ليخضع البشر لله رب العالمين، ووقف الطواغيت من البشر في وجه المرسلين، ليستديموا إخضاع البشر لسلطانهم.
حادي عشر: أنها تنتهي إلى غاية سامية، وهي إعلان الوحدانية، وتستهدف القضاء على فتنة عارمة، وهي الشرك والكفر، فإذا تحققت الغاية، وانتفت الحاجة فإن الله بعباده خبير بصير: )وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( سورة البقرة،39.
ثاني عشر: أن تشريع الحرب في الإسلام تشريع إلهي جاء لحكم عظيمة تجل عن الحصر، بينما تشريعات الحرب في كتابهم المقدس تشريع بشري يراعي مصالح القوم الذين شرعوه.
وبعد أن انتهى البحث من عرض التشريع لإبادة المخالف وإقصائه وقتله وحرقه ونهب مدنه وسلب أمواله وسبي نسائه وما يتعلق بذلك فقد يظن القارئ أن هذا تشريع عفا عليه الزمن، أو أنه تشريع لم يأخذ نصيبه من التطبيق، وما شابه ذلك مما يمكن أن تدفع به هذه النصوص؛ لذا كان لزاما أن يتجه البحث وجهة ترصد التطبيق الفعلي لهذه الشرائع، وتخبرنا عن خبرهم مع المخالفين في السابق وفي الحاضر المشاهد وهو ما سيتناوله البحث في المبحث التالي.
المبحث الثاني: التطبيق الفعلي لأحكام الحرب
مضى البحث في المبحث السابق يتناول التشريع، وفي هذا المبحث يجد القارئ التطبيقَ الفعلي لهذه التشريعات، وهي وإن كانت صورا تشمئز منها النفوس وتتصدع منها الأكباد، إلا أن المنهجية العلمية تفرض على الباحث أن يورد الشواهد مهما كانت فظاعتها، ويقص الخبر وإن كان موجعا، ويستنطق الأحداث؛ لأنها لا تحابي، ويستشهد بالتاريخ؛ لأنه لا يعرف المداهنة، وهذا أوان ذكر ما سبق الوعد به.
المطلب الأول: إبادة الخصوم
يجد القارئ في ثنايا كتابهم المقدس نصوصا كثيرة تخبرعن الإبادة وتبين صورها وتعم أنواع الجنس البشري لئلا تغادر صغيرا ولا كبيرا، ولا ترحم مسكينا أو ترأف على صغير، أو تشفق على امرأة مرضع أو حامل، وتطمح في أن تستأصل الطير في السماء والسمك في الماء، وفي النصوص الآتية ما يبين ذلك، فقد جاء في سفر يشوع أن الله أمر موسى أن يأخذ الجميع بالحرب ولا يرأف عليهم ويبيدهم إبادة تامة فيقول السفر:( لَمْ تَكُنْ مَدِينَةٌ صَالَحَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ الْحِوِّيِّينَ سُكَّانَ جِبْعُونَ، بَلْ أَخَذُوا الْجَمِيعَ بِالْحَرْبِ.20 أَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ يُشَدِّدَ قُلُوبَهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا إِسْرَائِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ فَيُحَرَّمُوا، فَلاَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ رَأْفَةٌ، بَلْ يُبَادُونَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.) يشوع 11. ولا شك أن هذا من الافتراء على الله، وكما سيأتي معنا بعد قليل صور من الافتراء على الله.
وفي سفر صفنيا ورد الخبر التالي المتضمن أن الله سينزع الكل عن وجه الأرض وسيهلك الإنسان والحيوان والطير في جو السماء والسمك في الماء فيقول:(2نَزْعًا أَنْزَعُ الْكُلَّ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ.3 أَنْزِعُ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. أَنْزِعُ طُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ الْبَحْرِ، وَالْمَعَاثِرَ مَعَ الأَشْرَارِ، وَأَقْطَعُ الإِنْسَانَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ).صفنيا1، فهذا وعيد لم يتحقق، وهو وعيد غير واقع عقلا، ولا جائز شرعا، ولكن الذين كفروا على ربهم يفترون؛ لأن الله يقول في محكم تنزيله:) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ ِعِبَادِهِ بَصِيرًا(سورة سبأ45.
وتتكرر صور الإبادة، وهي إبادة مرعبة لا تبقي أصلا ولا فرعا؛ ففي سفر زكريا ورد النص التالي: (الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعًا).زكريا 4. فهذا وعد بفناء مستقبلي للمخالف، وتهيئة نفسية لهم لإزهاق الأرواح، والاستهانة بالبشر والتذكير بأن هذه شريعة نبي فلا يتحرج الفاعل لاعتقاده أنه ينفذ أمر ربه، وهذا من الافتراء على أنبياء الله ورسله.
ومن تمام المكر تُضمن النصوص التوقيت المناسب لإبادة الخصوم وذلك عند تمام النعمة عليهم واستكمالهم متاعهم فحينئذ يكون هذا هو الوقت المناسب للإبادة، فقد تضمن المزمور 92 هذا التوقيت وهو قوله:(7إِذَا زَهَا الأَشْرَارُ كَالْعُشْبِ، وَأَزْهَرَ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ، فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى الدَّهْرِ. 8أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَال إِلَى الأَبَدِ. 9لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ). مز 92 إنها إبادة شاملة، وقضاء لا يرحم، فمن لا يخطئ ومن لا يأثم، ولكن النفوس الممتلئة حقدا ترسم ذلك. وفي مزمور 104 الرجاء التالي المتضمن زوال الخطاة من الأرض، وألا يكون لهم أثر. وهو قوله (34فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. 35لِتُبَدِ الْخُطَاةُ مِنَ الأَرْضِ وَالأَشْرَارُ لاَ يَكُونُوا بَعْدُ). مزمور 104.
وفي سفر الأمثال: (أَمَّا سِنُو الأَشْرَارِ فَتُقْصَرُ. 28مُنْتَظَرُ الصِّدِّيقِينَ مُفَرِّحٌ، أَمَّا رَجَاءُ الأَشْرَارِ فَيَبِيدُ. 29حِصْنٌ لِلاسْتِقَامَةِ طَرِيقُ الرَّبِّ، وَالْهَلاَكُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ. 30اَلصِّدِّيقُ لَنْ يُزَحْزَحَ أَبَدًا، وَالأَشْرَارُ لَنْ يَسْكُنُوا الأَرْضَ). أمثال 10.
وفي المزمور أيضا: (1قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ». 2يُرْسِلُ الرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ. 3شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ مِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ، لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ.4أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ». 5الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ يُحَطِّمُ فِي يَوْمِ رِجْزِهِ مُلُوكًا. 6يَدِينُ بَيْنَ الأُمَمِ. مَلأَ جُثَثًا أَرْضًا وَاسِعَةً. سَحَقَ رُؤُوسَهَا. 7مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ، لِذلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ). مزمور 110.
يا الله! يعجز القلم عن الاستمرار في نقل نصوص تشع حقدا، وتمتلئ غيظا، وتثمر غلا يُستأصل الأخضر واليابس والساكن والمتحرك، وما ذاك إلا لأنها كلها مصطلحات خاصة بإهلاك المخالف وإبادته وقِصَر عمره، وأنه لن يسكن الأرض، وأن هذا الرجز والعذاب سيصيب الأمم والملوك ويملأ الأرض جثثا، ويسحق رؤوسا.
والباحث وقد تناول هذا الباب فهو ملزم بمنهج بحث يوجب عليه أن يورد من النصوص ما تقوم به الحجة ويستقيم به الدليل؛ لذا بقي في جعبة الباحث من النصوص ما يعتذر إلى القارئ من إيراده ولو كان ثقيلا على السمع، ولكن كما بينا في صدر هذا البحث أن هذه النصوص دين تتدين به أمم، ويسير على هديها رؤساء دول، وتُتَّبَعَ في الحروب ويهتدى بها.
جاء في إشعياء (فِي سَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ. 14وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ طَرِيدٍ، وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا. يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. 15كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. 16وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ). إشعياء 13. حقا إنها مسيرة دماء، مسيرة لا ترحم طفلا، ولا ترعى حرمة امرأة ضعيفة.
هذا خبر أسلافهم يروونه ديانة متبعة، ووثيقة معتبرة، يمنحونه القداسة، ويدعون له العصمة، وهو شاهد عليهم بما جنت أيديهم، وهذا خبر عن خلفهم تحفل به كتبهم وتاريخهم، فيخبرنا المطران برتلومي دي لاس كازاس عن إبادة الإسبان الكاثوليك للهنود الحمر في قارة أمريكا يقول: (لقد غشي الإسبان هذه الخراف الوديعة غشيان الذئاب والنمور والأسود الوحشية التي لم تجد طعاما أياما وأياما، ومنذ أربعين سنة وهم يقطعون أوصالها ويقتلونها ويروّعونها، كل يوم فظاعة جديدة وغريبة مختلفة لم نسمع ولم نقرأ عن مثلها من قبل، ولسوف أتحدث عنها لاحقا، كانت هذه الفظائع شديدة لم تبق في الجزيرة الإسبانية اليوم سوى مئتي هندي من أصل ثلاثة ملايين... ثم قال في موطن آخر وجاب مركب إسباني وطاف على هذه الجزر ثلاثة أيام بحثا عمن لعله نجا من أهلها بعد (الحصاد) فلم يعثر على أحد غير أحد عشر ناجيا، وهناك أكثر من ثلاثين جزيرة مجاورة لـ(سان خوان) كلها أقفرت وأفني أهلها... أما على اليابسة فأنا على يقين من أن رجالنا الإسبان قد اجتاحوا ونهبوا أراضي كانت عامرة بأهلها الطيبين فصارت اليوم صحراء، لقد نهبوا أكثر من عشر ممالك أكبر من كل إسبانيا وأرغون والبرتغال مجتمعة وطوال هذه السنوات الأربعين أبيد أكثر من اثني عشر مليونا من الرجال والنساء والأطفال ظلما وعدوانا من جراء طغيان المسيحيين وأعمالهم الهمجية. هذا رقم مؤكد على الرغم من أنني أعتقد مطمئنا إلى اعتقادي أن عدد الضحايا يتجاوز خمسة عشر مليونا، وفي صفحة أخرى يذكر أنهم قتلوا أربعة ملايين، وفي مكان آخر من هذه الوثيقة يذكر أنهم قتلوا في مكان آخر من قارة أمريكا أحد عشر مليونا، كما يذكر أنهم أبادوا خمسة عشر مليونا). ([26])
ومع كل ذلك فهو يعتذر للقارئ بأنه يختصر ولم يذكر كل ما رأى حيث يقول:(وإنني أسكت عن الكثير، ولا أذكر إلا اليسير مما جرى بين 1518-1542م أي الوقت الذي أكتب فيها مذكراتي هذه، ويقول في صفحة أخرى: ولن يصدق أحد كل ما جرى من وحشية وجور في "يوكنان" وإنني لا أذكر إلا النزر اليسير من الحوادث)([27])؛ ولأنه يعلم أن هذه الفظائع يتعذر تصديقها فهو يقسم على ألا يقول إلا الحق، فيقول:(والواقع أن تفسير بعض هذه الأعمال الوحشية مستحيل مهما بذلتُ له من جهد وصرفتُ له من وقت، لكنني سوف أتحدث عن ذلك في المقاطع اللاحقة مقسما أنني لا أذكر إلا معشار معشار معشار ما جرى).([28])
وأورد الباحث منير العكش في كتابه (حق التضحية بالآخر، أمريكا والإبادة الجماعية) بعض الوثائق التي تثبت أن عدد الهنود الحمر حين غزا جماعات الأنجلو ساكسون الأوروبيون بلادهم كان عددهم 112مليونا، لم يبق منهم حسب إحصائيات أول القرن العشرين سوى ربع مليون.([29])
ويصف الابن غير الشرعي لأفنسو دلبو كيرك الأعمال الوحشية لأبيه في سواحل الخليج وبلاد الهند ويذكر أنه قتل أكثر من ستة آلاف مسلم في أيام قليلة، وفي صفحة أخرى من هذا الكتاب يذكر أنه قتل أكثر من ألفي مسلم كما قتل خلقا كثيرا من أهل المدينة مدينة (جوا)، كما يذكر في موطن آخر عن مملكة ملقى ودخلت قواتنا البرتغالية المدينة فسلبتها ونهبتها وقتلت من أهلها خلقا كثيرا.([30])
ولا يحق للباحث الذي يستشهد بحوادث من تاريخ مذابحهم مع خصومهم أن يترك فظائع الحربين العالميتين وهما حربان قادهما النصارى، وخاضهما النصارى، وفتك فيهما النصارى بخصومهم، فأذكر شاهدا من واقعة واحدة من كل حرب، وهذا كاف ليذكّر القارئ بأهوال تلك الحرب، ففي الحرب العالمية الأولى كانت خسائر المسلمين في العراق: 185000 قتيل، و25500 أسير،([31]) هذا في دولة واحدة فما خسائرهم فيها مجتمعة، أما شاهد الحرب العالمية الثانية فأوضحه فعل قوات الحلفاء باليابانيين عندما ألقيت القنبلتان النوويتان على مدينتين من مدن اليابان، وإذا أردت أن تعرف حجم الإبادة التي تعرضت لها مدينة هيروشيما حينما ألقيت عليها القنبلة فانظر في البرقية التي أرسلها ذلك الشقي الكولونيل بول تيبتس جيروم - بعدما رأى التدمير الهائل الذي حدث بعد إلقائها حيث يقول في برقيته :(رأيت المدينة ودمرتها)، أما عدد الذين قتلوا في هذه الحرب فهو 17مليونا من الجنود، و18مليونا من المدنيين. ([32])
ومن أخبار الدم والإبادة والإقصاء والتطهير وعدم الرحمة للصغير والضعيف والحيوان والطير... أستأذن القارئ في أن آخذه في رحلة عبر الزمن فقد فتح المسلمون ثلاثة أرباع المعمورة آنذاك من مكة إلى حدود الصين شرقا ومن مكة إلى سواحل المغرب العربي غربا، ونشروا فيها كلمة الله، وبشروا فيه بالإسلام، وفتحوا البلاد، وحكموا العباد... فما أبيدت تلك الشعوب، ولا انتهكت تلك الحرمات؛ بل أبناء هذه الشعوب هم الذين حملوا الرسالة فيما بعد، فمن كان يسكن الشام ومن كان يسكن مصر وما جاورها إلا النصارى ومع ذلك فكان أبناء هذه الديار من حملة الإسلام بل من خير حملته عبر التاريخ.
المطلب الثاني: السحق
تتعدد صور القضاء على المخالف في كتابهم المقدس، فمن مصطلح الإبادة إلى مصطلح السحق، ويجد القارئ بعدها أنه أمام مصطلحات أكثر دموية وتعسفا وبغيا، فسيمر بنا بعد قليل القتل والحرق وإفناء الأرض كلها بسيف الطغيان والظلم... فليوطن القارئ نفسه على هذا الإيغال في هذه المصطلحات المصبوغة بالدم، الممزوجة بالهلاك، المشبعة بالفناء، التي تنبعث منها روائح حرق البشر وشيهم وأكلهم، وفي النص التالي يسوق لنا إرمياء السحق الذي واجهته شعوب ماضية وأُهْلكت عن بكرة أبيها بسبب ما فعلوه في صهيون؛ حيث يقول موضحا سبب السحق :(عَلَى كُلِّ شَرِّهِمِ الَّذِي فَعَلُوهُ فِي صِهْيَوْنَ، أَمَامَ عُيُونِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ) وهذا السحق لم يرحم صغيرا ولا كبيرا، ولم يبق حيوانا ولا زرعا، ولم يوقر ملكا ولم يرأف بفقير، وأترك القارئ مع النص ففيه أعظم دلالة على هذا البغي:(19لَيْسَ كَهذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ، لأَنَّهُ مُصَوِّرُ الْجَمِيعِ، وَقَضِيبُ مِيرَاثِهِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 20أَنْتَ لِي فَأْسٌ وَأَدَوَاتُ حَرْبٍ، فَأَسْحَقُ بِكَ الأُمَمَ، وَأُهْلِكُ بِكَ الْمَمَالِكَ، 21وَأُكَسِّرُ بِكَ الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْمَرْكَبَةَ وَرَاكِبَهَا، 22وَأَسْحَقُ بِكَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَأَسْحَقُ بِكَ الشَّيْخَ وَالْفَتَى، وَأَسْحَقُ بِكَ الْغُلاَمَ وَالْعَذْرَاءَ، 23وَأَسْحَقُ بِكَ الرَّاعِيَ وَقَطِيعَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْفَلاَّحَ وَفَدَّانَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْوُلاَةَ وَالْحُكَّامَ. 24وَأُكَافِئُ بَابِلَ وَكُلَّ سُكَّانِ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عَلَى كُلِّ شَرِّهِمِ الَّذِي فَعَلُوهُ فِي صِهْيَوْنَ، أَمَامَ عُيُونِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 25هأَنَذَا عَلَيْكَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُهْلِكُ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْمُهْلِكُ كُلَّ الأَرْضِ، فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأُدَحْرِجُكَ عَنِ الصُّخُورِ، وَأَجْعَلُكَ جَبَلاً مُحْرَقًا، 26فَلاَ يَأْخُذُونَ مِنْكَ حَجَرًا لِزَاوِيَةٍ، وَلاَ حَجَرًا لأُسُسٍ، بَلْ تَكُونُ خَرَابًا إِلَى الأَبَدِ، يَقُولُ الرَّبُّ.27«اِرْفَعُوا الرَّايَةَ فِي الأَرْضِ. اضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي الشُّعُوبِ. قَدِّسُوا عَلَيْهَا الأُمَمَ. نَادُوا عَلَيْهَا مَمَالِكَ أَرَارَاطَ وَمِنِّي وَأَشْكَنَازَ. أَقِيمُوا عَلَيْهَا قَائِدًا. أَصْعِدُوا الْخَيْلَ كَغَوْغَاءَ مُقْشَعِرَّةٍ. 28قَدِّسُوا عَلَيْهَا الشُّعُوبَ، مُلُوكَ مَادِي، وُلاَتَهَا وَكُلَّ حُكَّامِهَا وَكُلَّ أَرْضِ سُلْطَانِهَا، 29فَتَرْتَجِفَ الأَرْضُ وَتَتَوَجَّعَ، لأَنَّ أَفْكَارَ الرَّبِّ تَقُومُ عَلَى بَابِلَ، لِيَجْعَلَ أَرْضَ بَابِلَ خَرَابًا بِلاَ سَاكِنٍ.30كَفَّ جَبَابِرَةُ بَابِلَ عَنِ الْحَرْبِ، وَجَلَسُوا فِي الْحُصُونِ. نَضَبَتْ شَجَاعَتُهُمْ. صَارُوا نِسَاءً. حَرَقُوا مَسَاكِنَهَا. تَحَطَّمَتْ عَوَارِضُهَا. 31يَرْكُضُ عَدَّاءٌ لِلِقَاءِ عَدَّاءٍ، وَمُخْبِرٌ لِلِقَاءِ مُخْبِرٍ، لِيُخْبِرَ مَلِكَ بَابِلَ بِأَنَّ مَدِينَتَهُ قَدْ أُخِذَتْ عَنْ أقْصَى، 32وَأَنَّ الْمَعَابِرَ قَدْ أُمْسِكَتْ، وَالْقَصَبَ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ، وَرِجَالُ الْحَرْبِ اضْطَرَبَتْ. 33لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ بِنْتَ بَابِلَ كَبَيْدَرٍ وَقْتَ دَوْسِهِ. بَعْدَ قَلِيل يَأْتِي عَلَيْهَا وَقْتُ الْحَصَادِ». إرمياء 51.
في هذا النص وردت كلمة (السحق) تسع مرات ففيها سحق للأمم، وسحق للممالك، وسحق للمراكب، وسحق للرجل والمرأة، وسحق للشيخ والفتى، وسحق للغلام والعذراء، وسحق للراعي وقطيعه، وسحق للفلاح وأرضه، وسحق للولاة والحكام. فما الذي بقي على وجه الأرض لم ينله السحق والمحق؟! هذه مضامين نصوص دين الحب كما يزعمون، فلينتظر الناس الحصاد والدوس بعده كما قال إرمياء في آخر هذه البشارة؟!.
تسمو النفوس الطيبة لرحمة الخلق، وتتطلع إلى إنقاذ المحتاج، وهنا يصور لنا كتابهم المقدس تطلعا ولكنه من نوع آخر؛ إنه تطلع إلى إفناء المخالف وسحقه فلا يقوم أبدا، سحق للمخالف كما يُسحق الغبار في الطرقات، فقد تضمن سفر صموئيل الثاني هذه الأماني حيث يقول:(38أَلْحَقُ أَعْدَائِي فَأُهْلِكُهُمْ، وَلاَ أَرْجعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. 39أُفْنِيهِمْ وَأَسْحَقُهُمْ فَلاَ يَقُومُونَ، بَلْ يَسْقُطُونَ تَحْتَ رِجْلَيَّ.40«تُنَطِّقُنِي قُوَّةً لِلْقِتَالِ، وَتَصْرَعُ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ تَحْتِي. 41وَتُعْطِينِي أَقْفِيَةَ أَعْدَائِي وَمُبْغِضِيَّ فَأُفْنِيهِمْ. 42يَتَطَلَّعُونَ فَلَيْسَ مُخَلِّصٌ، إِلَى الرَّبِّ فَلاَ يَسْتَجِيبُهُمْ. 43فَأَسْحَقُهُمْ كَغُبَارِ الأَرْضِ. مِثْلَ طِينِ الأَسْوَاقِ أَدُقُّهُمْ وَأَدُوسُهُمْ). صموئيل2/22. وهذا النص وارد أيضا في سفر المزامير مزمور 18.
ولا يظن القارئ أن هذا السحق والفناء عقيدة عفا عليها الزمن، ونسيها التاريخ، بل هي عقيدة فاعلة مؤثرة في السياسة المعاصرة ومستعملة في لغة التخاطب بين بعض النصارى الذين يدينون بهذه العقيدة وبين المخالفين لهم، والخبر الآتي شاهد على ذلك: رفعت مواطنة أمريكية مسلمة دعوى قضائية أمام إحدى المحاكم الفيدرالية الأمريكية أكدت فيها أن حريتها الدينية تم انتهاكها على يد أحد المحققين عندما تم التحقيق معها في قضية تتعلق بركوبها المترو بتذكرة غير صالحة للاستخدام في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية.
وأكدت المواطنة الأمريكية التي تدعى جميلة أن المحقق أجبرها على نزع غطاء الرأس الذي كانت ترتديه واتهمها بأنها إرهابية واصفاً الإسلام بأنه "دين شرير". وأضاف محامي جميلة قائلاً "لقد تمادى المحقق في اعتدائه، حيث اتهمها بدعم الإرهابيين، وبأن المسلمين أشرار، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ذهبت إلى العراق بناءً على توجيهات الرب حتى تسحق الشر.([33]) وأعلم أن هذا تصرف شخصي لا يصرح به قانون الدولة، ولكنه نابع من عقيدة راسخة أنتجت هذا التصرف والانفعال المقيت، والعقيدة وإن كانت غير معتبرة عندهم بشكل معلن؛ فهي مؤثر فاعل في تصرفاتهم.
وقد لاحظ القارئ استخدام المحقق لكلمة (تسحق) ووصف الإسلام بأنه (شرير)، ووصف المسلمين أنهم (أشرار)، وكم من مرة ترَددتْ في هذا البحث هذه المفردات، وهذا شاهد على تأثير هذه العقيدة في مجريات الحياة؛ لذا لا غرو أن تعامل مع المسلمين وفق ما يكنه قلبه، وما تمليه عليه عقيدته.
المطلب الثالث: الإحراق وسياسة الأرض المحروقة
بين النار والإفساد سبب وثيق، وبين الشيطان وبين أتباعه اقتداء دقيق؛ فالشيطان خلق من النار، وإلى النار يصير، وأتباعه على أثره يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ومما ضمّنوه في شرائعهم التي يفترون أن يعاقَب الخصم بالنار حرقا لجسده ولممتلكاته وإحراقا لمدنه، وتحريقا لمزارعه وأشجاره، وسبق في المبحث الأول ذكر تشريع التحريق بالنار، وبين أيدينا نصوص تروي كيف أحرقت المدن والشعوب، فمن ذلك :
أولا : حرق البشر
توعد حزقيال بأن الرب سيبعث نارا لا تطفأ تأكل كل الوجوه فقال: (45وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 46«يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ التَّيْمَنِ، وَتَكَلَّمْ نَحْوَ الْجَنُوبِ، وَتَنَبَّأْ عَلَى وَعْرِ الْحَقْلِ فِي الْجَنُوبِ، 47وَقُلْ لِوَعْرِ الْجَنُوبِ: اسْمَعْ كَلاَمَ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُضْرِمُ فِيكَ نَارًا... لاَ يُطْفَأُ لَهِيبُهَا الْمُلْتَهِبُ، وَتُحْرَقُ بِهَا كُلُّ الْوُجُوهِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشِّمَالِ. 48فَيَرَى كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ أَضْرَمْتُهَا. لاَ تُطْفَأُ»). حزقيال 20.
وهذا شاهد آخر على الوعيد بالتحريق :(الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعًا). زكريا.4
وفي المزامير: (8تُصِيبُ يَدُكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ. يَمِينُكَ تُصِيبُ كُلَّ مُبْغِضِيكَ. 9تَجْعَلُهُمْ مِثْلَ تَنُّورِ نَارٍ فِي زَمَانِ حُضُورِكَ. الرَّبُّ بِسَخَطِهِ يَبْتَلِعُهُمْ وَتَأْكُلُهُمُ النَّارُ. 10تُبِيدُ ثَمَرَهُمْ مِنَ الأَرْضِ وَذُرِّيَّتَهُمْ مِنْ بَيْنِ بَنِي آدَمَ). مزمور 21.
حتى المستضعفات في كل أمة التي شبههن الرسول ﷺ بالقوارير ينالهن نصيبهن من التحريق، جاء في سفر إرمياء الأمر بتحريق بنات قوم بني عمون:(لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُسْمِعُ فِي رَبَّةِ بَنِي عَمُّونَ جَلَبَةَ حَرْبٍ، وَتَصِيرُ تَلاًّ خَرِبًا، وَتُحْرَقُ بَنَاتُهَا بِالنَّارِ، فَيَرِثُ إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ وَرِثُوهُ، يَقُولُ الرَّبُّ. 3وَلْوِلِي يَا حَشْبُونُ لأَنَّ عَايَ قَدْ خَرِبَتْ. اُصْرُخْنَ يَا بَنَاتِ رَبَّةَ). إرمياء 49. فاصرخن يا بنات ربّة فها هنا قوم يتعبدون بحرق البشر!. وقد يقول قائل هذا أمر قد مضى، وهم الآن لا يلتزمونها! وفي إيراد الشواهد الآتية بصيرة للقارئ ليحكم بنفسه وها هي ذي:
الشاهد الأول: ما ذكره المطران برتولومي دي لاس كازاس في الوثائق التي دونها عن إبادة الإسبان الكاثوليك لهنود القارة الأمريكية في بداية القرن السادس عشر الميلادي حيث يقول: (ومع طلوع الفجر كان الإسبان يدخلون على هؤلاء المساكين الأبرياء النيام فيحرقون منازلهم المصنوعة من القش، ويحرقون النساء والأطفال وهم أحياء، كما يحرقون الرجال قبل أن يستيقظوا... إلى أن يقول مخبرا عن مأساة أخرى: وكان القبطان لا يقدم لرجاله الطعام، ولكنه سمح لهم بأن يأكلوا الهنود الذين معهم أو الذين يلتقطونهم أثناء الغارات على المدن والقرى، هكذا صار معسكره أشبه بمسلخ يتراكم فيه لحم البشر، كان الرجال يقتلون الأطفال ويشوونهم، وكانوا يقتلون الإنسان من أجل لحم كفيه وقدميه، قائلين إنها أشهى لحم الإنسان)([34])؛ فلم يكتفوا بالحرق رغم بشاعته، بل تلذذوا بأكل البشر، وتفننوا في تذوقه.
وفي عام 1018م أقام روجر النورماندي وليمة كبيرة لجيشه من لحوم جثث المسلمين. وأثناء حصار الصليبيين لمدينة عكا مرض ريتشارد قلب الأسد وأصيب بحمى شديدة فلم يكن يقبل أي طعام يقدم له، وفي ذات يوم طلب أن يقدم له شواء لحم خنزير، وقام الطباخ بأخذ جثة شاب مسلم وهيأها للملك وقدمها له على أنها لحم خنزير؛ فلما أعجبته سأل الطباخ عن سرها فأخبره الخبر، وقدم له رأس الغلام، فانفجر الملك ضاحكا وصاح: ( عجبا هل لحوم العرب طيبة ولذيذة إلى هذا الحد؟! بحق موت الرب وصعوده لن تهدر حياتنا بعد اليوم جوعا ما دمنا قادرين على الهجوم على العرب، ونعوّض نقص المؤن لدينا، فقد نعمنا بمذاق لحومهم، وما علينا الآن إلا أن نشوي لحومهم أو نقليها أو...).([35])
وقال د. غوستاف لوبون عن أعمال الصليبيين في آسيا الوسطى: ( وكان من أحب ضروب اللهو إليهم قتل من يلاقون من الأطفال وتقطيعهم إربا إربا وشيّهم كما روت آن كومنين بنت قيصر الروم... وأمر بوهمند بتقطيع الجواسيس وطهيهم وإطعامهم للجنود الجائعين).([36])
الشاهد الثاني: حرق البرتغاليين المسلمين في الهند: ( وفي هذه المناسبة قيل إن نائب الملك الإسباني أفنسو دلبو كيرك قد ارتكب أعمالا وحشية مرعبة؛ ثأرا من أعدائه، فقد أمر بحشد المسلمين الذين أسرهم الهندوس في أحد المساجد وأشعل فيه النار بمن فيه، وكان فيه واحد ممن كانوا قد هربوا إلى معسكر العادل خان عند استيلاء البرتغاليين على (جوا) للمرة الأولى وتحول إلى الإسلام)([37]). تشابهت الاعتقادات فتشابهت الأعمال
ثانيا : حرق المدن
فمن ذلك ما جاء في سفر التثنية:(وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ الْمَدِينَةَ وَكُلَّ أَمْتِعَتِهَا كَامِلَةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ).تثنية 13.
وهذا يشوع يحرق بانتقائية بالغة فيحرق المدينة؛ لأنه لا حاجة له فيها، ويبقي الفضة والذهب والنحاس والحديد، جاء في سفر يشوع:( 24وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا، إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ). يشوع6.
وفي الفقرات الآتية أخبار عن تحريق مدن بأكملها، وتصريح بأسماء المدن المحرقة، فهذه مدينة عاي تحرق ويعلق ملكها على خشبة إلى المساء، وتكون خرابا إلى الأبد، وهذه حاصور تؤخذ ويضرب ملكها بالسيف وتحرق، أما مدن بني مديان فلم تكن بأحسن حظا مما سبق فسبيت النساء والأطفال ونهبت الأموال وحرقت المدن، وهذه نصوص يشوع: (18فَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «مُدَّ الْمِزْرَاقَ الَّذِي بِيَدِكَ نَحْوَ عَايٍ لأَنِّي بِيَدِكَ أَدْفَعُهَا». فَمَدَّ يَشُوعُ الْمِزْرَاقَ الَّذِي بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ. 19فَقَامَ الْكَمِينُ بِسُرْعَةٍ مِنْ مَكَانِهِ وَرَكَضُوا عِنْدَمَا مَدَّ يَدَهُ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَأَخَذُوهَا، وَأَسْرَعُوا وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ. 20فَالْتَفَتَ رِجَالُ عَايٍ إِلَى وَرَائِهِمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا دُخَانُ.... 28وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا تَلاًّ أَبَدِيًّا خَرَابًا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 29وَمَلِكُ عَايٍ عَلَّقَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ إِلَى وَقْتِ الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَطَرَحُوهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ). يشوع 8.
(10ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ وَأَخَذَ حَاصُورَ وَضَرَبَ مَلِكَهَا بِالسَّيْفِ، لأَنَّ حَاصُورَ كَانَتْ قَبْلاً رَأْسَ جَمِيعِ تِلْكَ الْمَمَالِكِ. 11وَضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ، وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ، وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِالنَّارِ. 12فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولئِكَ الْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ. 13غَيْرَ أَنَّ الْمُدُنَ الْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ، مَا عَدَا حَاصُورَ وَحْدَهَا أَحْرَقَهَا يَشُوعُ. 14وَكُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ الْمُدُنِ وَالْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الرِّجَالُ فَضَرَبُوهُمْ جَمِيعًا بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى أَبَادُوهُمْ. لَمْ يُبْقُوا نَسَمَةً). يشوع 11.
وفي سفر العدد جاء خبر السبي والسلب والنهب وتحريق المدن:(9وَسَبَى بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ مِدْيَانَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَنَهَبُوا جَمِيعَ بَهَائِمِهِمْ، وَجَمِيعَ مَوَاشِيهِمْ وَكُلَّ أَمْلاَكِهِمْ. 10وَأَحْرَقُوا جَمِيعَ مُدُنِهِمْ) عدد 31.
وهذا خبر آخر حفل به سفر القضاة عن قتل للإنسان والحيوان وتحريق لجميع المدن:(48وَرَجَعَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهَا، حَتَّى الْبَهَائِمَ، حَتَّى كُلَّ مَا وُجِدَ. وَأَيْضًا جَمِيعُ الْمُدُنِ الَّتِي وُجِدَتْ أَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ). قضاة 20.
وفي السجل الكامل لأعمال نائب حاكم البرتغال أثناء حروبه المدمرة والمروعة في سواحل الخليج العربي جاء فيه:(أرسل أفنسو دلبوكيرك مئة رجل لإشعال النار في المدينة في الجانب الذي تهب من عنده نسائم البحر).([38]) إنها سنة متبعة، وشريعة قائمة.
ثالثا : حرق المركبات
ومما يفعلوه في مركبات خصومهم تحريقها فقد جاء في سفر يشوع أن الرب أمرهم بذلك: ( 6فَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «لاَ تَخَفْهُمْ، لأَنِّي غَدًا فِي مِثْلِ هذَا الْوَقْتِ أَدْفَعُهُمْ جَمِيعًا قَتْلَى أَمَامَ إِسْرَائِيلَ... وَتُحْرِقُ مَرْكَبَاتِهِمْ بِالنَّارِ».يشوع 11.
رابعا : حرق المزارع والكروم والأشجار
إن سياسة الإحراق شاملة لا تبقي غير الذهب والفضة أما أسباب الحياة ورزق الأحياء فهو مما وردت الشريعة بتحريقه، جاء في سفر القضاة الخبر التالي:(فَأَحْرَقَ الأَكْدَاسَ وَالزَّرْعَ وَكُرُومَ الزَّيْتُونِ. 6فَقَالَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ: «مَنْ فَعَلَ هذَا؟» فَقَالُوا: «شَمْشُونُ). قضاة 15.
وقد تنبأ حزقيال بأن الرب وعد ببعث نار لا تهدأ، نار محرقة للأخضر واليابس، نار لا تطفأ فيقول:( هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُضْرِمُ فِيكَ نَارًا فَتَأْكُلُ كُلَّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ فِيكَ وَكُلَّ شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ. لاَ يُطْفَأُ لَهِيبُهَا الْمُلْتَهِبُ). حزقيال 20
ولقد اعتدى هبار بن الأسود على ابنة الرسول ﷺ وهي حامل فأسقطت حملها، والنبي الكريم ﷺ هو رأس الدولة، ويملك جيشا يستطيع أن يؤدب المخالف ويستقصي قومه، كيف وقد اعتدى على فلذة كبده، فبعث الرسول ﷺ بعثا لنشر الرسالة فكان متجها إلى أرض هذا الباغي فقال كما أخبر أبو هريرة t أنه قال بعثنا رسول الله ﷺ في بعث فقال:( إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار. ثم قال رسول الله ﷺ حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما).([39]) فها هو ذا يأمر بإحراقه لفعله الشنيع ثم يتراجع ويذكر أنه لا يعذب بعذاب الله إلا الله.
إن المنع من التحريق بالنار في هذا الدين العظيم لا يقتصر على البشر بل يتجاوزه إلى ما دون ذلك؛ ولقد رأى النبي ﷺ قرية نمل قد حرقها أصحابه، فقال: (من حرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار). ([40])
المطلب الرابع: القتل
يسير بنا البحث من سحق إلى قتل، ومن إبادة إلى حرق، وحق لمن تصفح كتابهم المقدس أن يملأ جعبته بكل مصطلحات الفناء والدمار، وهانحن أولاء نستعرض الوعد بالقتل، في كتابهم المقدس، وهذا يوم من أيام اليهود مع الفرس يقتلون فيه خمسة وسبعين ألفا، ثم يدوّن هذا الإفساد في الأرض في كتاب ديني وينال حظه من القداسة والعصمة عندهم،([41]) (15ثُمَّ اجْتَمَعَ الْيَهُودُ الَّذِينَ فِي شُوشَنَ، فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ عَشَرَ أَيْضًا مِنْ شَهْرِ أَذَارَ، وَقَتَلُوا فِي شُوشَنَ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ. 16وَبَاقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي بُلْدَانِ الْمَلِكِ اجْتَمَعُوا وَوَقَفُوا لأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ وَاسْتَرَاحُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْ مُبْغِضِيهِمْ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَلْفًا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى النَّهْبِ. 17فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ أَذَارَ. وَاسْتَرَاحُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ عَشَرَ مِنْهُ وَجَعَلُوهُ يَوْمَ شُرْبٍ وَفَرَحٍ. 20وَكَتَبَ مُرْدَخَايُ هذِهِ الأُمُورَ وَأَرْسَلَ رَسَائِلَ إِلَى جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي كُلِّ بُلْدَانِ الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ الْقَرِيبِينَ وَالْبَعِيدِينَ، 21لِيُوجِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَيِّدُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ أَذَارَ، وَالْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ مِنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، 22حَسَبَ الأَيَّامِ الَّتِي اسْتَرَاحَ فِيهَا الْيَهُودُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَالشَّهْرِ الَّذِي تَحَوَّلَ عِنْدَهُمْ مِنْ حُزْنٍ إِلَى فَرَحٍ وَمِنْ نَوْحٍ إِلَى يَوْمٍ طَيِّبٍ، لِيَجْعَلُوهَا أَيَّامَ شُرْبٍ وَفَرَحٍ...27أَوْجَبَ الْيَهُودُ وَقَبِلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى نَسْلِهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ يَلْتَصِقُونَ بِهِمْ حَتَّى لاَ يَزُولَ، أَنْ يُعَيِّدُوا هذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَسَبَ كِتَابَتِهِمَا وَحَسَبَ أَوْقَاتِهِمَا كُلَّ سَنَةٍ، 28وَأَنْ يُذْكَرَ هذَانِ الْيَوْمَانِ وَيُحْفَظَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ وَعَشِيرَةٍ فَعَشِيرَةٍ وَبِلاَدٍ فَبِلاَدٍ وَمَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ. وَيَوْمَا الْفُورِ هذَانِ لاَ يَزُولاَنِ مِنْ وَسَطِ الْيَهُودِ، وَذِكْرُهُمَا لاَ يَفْنَى مِنْ نَسْلِهِمْ).أستير 9.
انظر كيف تتحول مواسم القتل المريع إلى أيام فرح وشرب، ثم يقدس القتل فتنقلب ذكراه أيام أعياد يجب أن تحفظ في الأجيال القادمة، وأن يبقى ذكرها في النسل لئلا ينسى! وتتحول القصة التي تروي هذا الحدث إلى كتاب ديني يتعبد به.
وهذا يوحنا يرى رؤيا بما ينتظر البشر في مستقبل أيامهم من قتل محيط، وفناء متواصل يقول يوحنا:(3وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الثَّانِيَ، سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّانِيَ قَائِلاً:«هَلُمَّ وَانْظُرْ!» 4فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ، وَلِلْجَالِسِ عَلَيْهِ أُعْطِيَ أَنْ يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأُعْطِيَ سَيْفًا عَظِيمًا.
7وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الرَّابِعَ، سَمِعْتُ صَوْتَ الْحَيَوَانِ الرَّابعِ قَائِلاً:«هَلُمَّ وَانْظُرْ!» 8فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَانًا عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ.
9وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، 10وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ:«حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟» 11فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَابًا بِيضًا، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَانًا يَسِيرًا أَيْضًا حَتَّى يَكْمَلَ الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضًا، الْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ). رؤيا يوحنا 6.
وفيها أيضا: (وَسَمِعْتُ مَلاَكًا طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ:«وَيْلٌ! وَيْلٌ! وَيْلٌ لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ!). رؤيا يوحنا8
فهذه بعض وعود هذه الرؤيا وبشاراتها التي ينتظرونها – لا حرمهم الله ما اشتملت عليه – ([42]) ومما اشتملت عليه:
1- أن ينزع السلام من الأرض.
2- أن يقتل البشر بعضهم بعضا.
3- الوعد بقتل ربع سكان الأرض بالسيف والجوع والوحوش والموت.
4- أن تموت أنفس في المذبح ويكون قتلهم من أجل كلمة الله.
وأخيرا بعد كل هذه الويلات ويل للساكنين في الأرض؟! فهل أبقت البشارة للأرض سكانا؟!
ومحتويات رؤيا يوحنا كلها في التوطئة للقضاء على البشر غير المؤمنين بهذه الخزعبلات، وهي تتضمن أحداثا متناقضة مملوءة بالفجوات والثغرات لأحداث آخر الزمن، وهم يرون أنها واقعة، وأن وقوعها قريب، خاصة أن بعض الأحداث التي تضمنتها الرؤيا قد وقعت كتجميع اليهود في فلسطين، وكإقامة دولة لهم...؛ ولذا فهذه الرؤيا مما تعتمد عليه الأصولية الإنجيلية المعاصرة في تفسيرها وتفاعلها مع الواقع المعاصر.
وتحفل كتب التاريخ والمدونات التي أرخت للحروب الصليبية في الشرق الإسلامي وكذا أعمال البرتغاليين في القارة الأمريكية ووحشية الإسبان في محاكم التفتيش وما تلاها من أعمال كل ذلك يؤكد أن هذا القتل منهج مطرد، وعمل متبع، يقول غوستاف لوبون: (ونرى في كل صفحة من الكتب التي ألّفها مؤرخو النصارى في ذلك الزمن براهين على توحش الصليبيين في مدينة مارات للدلالة على سياسة الصليبيين الحربية، وذلك بالإضافة إلى ما حدث حين الاستيلاء على القدس، قال المؤرخ الراهب التقي روبرت: "وكان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت لُيْروُوا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها([43])، وكانوا يذبحون الأولاد والشبان والشيوخ ويقطعونهم إربا إربا، وكانوا لا يستبقون إنسانا، وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة، فيا للعجب ويا للغرابة أن تذبح تلك الجماعة الكبيرة المسلحة بأمضى سلاح من غير أن تقاوم، وكان قومنا يقبضون على كل شيء يجدونه، فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية، فيا للشره وحب الذهب! وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث، فيا لتلك الشعوب العمي المعدة للقتل!... ثم أحضر بوهمند جميع الذين اعتقلهم في برج القصر، وأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم، وبِسَوْق فتيانهم وكهولهم إلى إنطاكية لكي يباعوا فيها".... إلى أن قال: وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون، ثم أورد قول كاهن مدينة لوبري ريموند داجيل: "حدث ما هو عجيب بين العرب! عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم، فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحُرق بعضهم في النار، فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا... وروى ذلك الكاهن الحليم خبر ذبح عشرة آلاف مسلم في مسجد عمر... ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء بذلك، فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من مسلمين ويهود وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحوا من ستين ألفا فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولدا ولا شيخا). ([44])
ولينظر القارئ كيف تتطابق أقوال المؤرخين في ذكر أحداث هذه المجازر البشعة فهذا ابن كثير في البداية يخبر عن ذلك بقوله: (ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان أخذ الفرنجة بيت المقدس وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل، وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألف قتيل من المسلمين).([45]) وقال ابن الأثير رحمه الله واصفا الفظائع التي ارتكبها الصليبيون: (وقتل الفرنج في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف).([46])
وقد سبق الحديث عن الحرب وأنها كره، وعن تشريع الإسلام في هذا وأنه يحرم قتل النساء والأطفال والشيوخ ومن لم يقاتل من الأعداء، وأن يقتصر القتل على من حمل السلاح، وخاض غمار الحرب، ورفع لواء العداوة.
وعندما تقرأ تاريخ دخول النصارى الإسبان إلى قارة أمريكا وكيف أبادوا أهلها؟ وتقرأ تاريخ الحروب الصليبية في المشرق الإسلامي وكيف عاثوا في الأرض فسادا؛ تجد الصورة متماثلة تماما ففي كلتا الحالتين تجد الجنود النصارى اتصفوا بما يلي:
1- الإسراف في القتل.
2- إحراق الناس أحياء في مساكنهم.
1- نهب الأموال.
2- أكل لحوم البشر سواء في الشام أو في أمريكا وسواء كانت هذه اللحوم مشوية أو مطبوخة والتلذذ بذلك.
3- الإنشاد بعد سفك الدم.
4- قتل الأطفال والشيوخ والنساء، وبقر بطون النساء الحوامل، وسوق الأحياء عبيدا يباعون في سوق النخاسة.
5- القتل بعد إعطاء الأمان والخيانة لهذه العهود التي قطعوها مع الذين استأسروا لهم.
6- عدم تقدير حفاوة المستقبلين بهم وقتلهم بعد ذلك.
7- القتل من غير حاجة حتى ولو ضمنوا النصر.
8- إرجاع ذلك إلى أنه من تعاليم الكنيسة، وأن ربهم هو الذي أمرهم بالسفك والقتل والنهب، والشكر لله الذي أغناهم بما نهبوا.
9- الاحتيال عليهم ليجتمعوا ثم يقتلوا في مكان واحد لئلا يتعب القاتل في المطاردة والتنقل خلف الضحية.
وبعد هذه المقارنة السريعة يستطيع الباحث أن يقول: إن جميع القتلى الذين قضوا في الفتوحات الإسلامية في كل عصورها من كلا الجانبين لا يصل بحال من الأحوال إلى عدد القتلى في الحرب الأمريكية على العراق.
ومن يتابع أخبار منظمة بلاك ووتر في العراق وتطلعها للعمل في السودان يعلم علم اليقين استهانتها بأرواح البشر، ويعلم أيضا دورها العسكري الديني وأنها شديدة الشبه بفرسان المعبد أو فرسان مالطة، وهي جماعة تأسست إبان الحروب الصليبية، وكان لها أكبر الأثر في مساعدة الغزاة الصليبيين، في الشام، ولما هزموا وطردوا من ديار المسلمين انتقلوا إلى مالطا، ولهم علاقة قوية بالفاتيكان، وتحاول أن تعيد منظمة بلاك ووتر القيام بأفعال فرسان مالطا.([47])
المطلب الخامس: الفناء
من معين كتابهم المقدس نغترف فناءً ورعبا ينتظر البشر، وتجد الوعيد بفناء يستأصل المريض، ويقطع النسل، ويمحو الذّكْر، وتتوالى فيه الأهوال، هذا حزقيال يبشر قومه بما ينتظرهم من الجوع والغم والفقر، الذي يبلغ بهم إلى الفناء، يقول حزقيال:(يَا ابْنَ آدَمَ، هأَنَذَا أُكَسِّرُ قِوَامَ الْخُبْزِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَأْكُلُونَ الْخُبْزَ بِالْوَزْنِ وَبِالْغَمِّ، وَيَشْرَبُونَ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ وَبِالْحَيْرَةِ، 17لِكَيْ يُعْوِزَهُمُ الْخُبْزُ وَالْمَاءُ، وَيَتَحَيَّرُوا الرَّجُلُ وَأَخُوهُ وَيَفْنَوْا بِإِثْمِهِمْ).حزقيال 4.([48])
وهذا إشعياء يبشر أشور بالويل والسخط ليصبح البشر مسحوقين كالطين في الأزقة، وينتهي أمرهم إلى الإبادة، وتنقرض في هذا اليوم أمم كثيرة، قال إشعياء: (وَيْلٌ لأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي، وَالْعَصَا فِي يَدِهِمْ هِيَ سَخَطِي. 6عَلَى أُمَّةٍ مُنَافِقَةٍ أُرْسِلُهُ، وَعَلَى شَعْبِ سَخَطِي أُوصِيهِ، لِيَغْتَنِمَ غَنِيمَةً وَيَنْهَبَ نَهْبًا، وَيَجْعَلَهُمْ مَدُوسِينَ كَطِينِ الأَزِقَّةِ. 7أَمَّا هُوَ فَلاَ يَفْتَكِرُ هكَذَا، وَلاَ يَحْسِبُ قَلْبُهُ هكَذَا. بَلْ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُبِيدَ وَيَقْرِضَ أُمَمًا لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ). إشعياء 10.
وفي كتاب إشعياء من الفناء ما تقشعر له الجلود، ويستحي من الاعتراف بالانتساب إليه كل ذي لب وعقل سليم، (1اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا الأُمَمُ لِتَسْمَعُوا، وَأَيُّهَا الشُّعُوبُ اصْغَوْا. لِتَسْمَعِ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ نَتَائِجِهَا. 2لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ، وَحُمُوًّا عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ. قَدْ حَرَّمَهُمْ، دَفَعَهُمْ إِلَى الذَّبْحِ. 3فَقَتْلاَهُمْ تُطْرَحُ، وَجِيَفُهُمْ تَصْعَدُ نَتَانَتُهَا، وَتَسِيلُ الْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ. 4وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ السَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَانْتِثَارِ الْوَرَقِ مِنَ الْكَرْمَةِ وَالسُّقَاطِ مِنَ التِّينَةِ.5لأَنَّهُ قَدْ رَوِيَ فِي السَّمَاوَاتِ سَيْفِي. هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ، وَعَلَى شَعْبٍ حَرَّمْتُهُ لِلدَّيْنُونَةِ. 6لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ امْتَلأَ دَمًا،... 8لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ انْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ.9وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتًا، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتًا، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُشْتَعِلاً. 10لَيْلاً وَنَهَارًا لاَ تَنْطَفِئُ. إِلَى الأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ. إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ... وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ الْخَرَابِ وَمِطْمَارُ الْخَلاَءِ. 12أَشْرَافُهَا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدْعُونَهُ لِلْمُلْكِ، وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يَكُونُونَ عَدَمًا....
16فَتِّشُوا فِي سِفْرِ الرَّبِّ وَاقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هذِهِ لاَ تُفْقَدُ. لاَ يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ، لأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا. 17وَهُوَ قَدْ أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً، وَيَدُهُ قَسَمَتْهَا لَهَا بِالْخَيْطِ. إِلَى الأَبَدِ تَرِثُهَا. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ تَسْكُنُ فِيهَا). إشعياء 34.
هذا النص تضمن تهديدا عظيما وحمل ما يلي:
1- أن السخط واقع على كل الأمم.
2- أن جيوش الأمم قد حرّمت؛ وأنها تصير للفناء حتى تسيل الجبال بدمائهم.
3- أن الفناء يعم جنود السماء.
4- أن للرب سيفا قد امتلأ دما.
5- أن الأنهار تتحول زفتا، والتراب كبريتا، والأرض تكون زفتا مشتعلا.
6- أن هذا العذاب سرمدي لأنه إلى دور فدور، إلى أبد الآبدين.
وقد يتساءل المرء لماذا كل هذا؟! لماذا يقضى على جنود السماء؟ لماذا تتحول الأرض إلى زفت مشتعل، والأنهار تكون زفتا؟! أمن أجل دعوى صهيون!! وما هذه الدعوى؟ وما ذنب جنود السماء ؟!
وهذا نص آخر من إشعياء يذكر فيه فناء يعم الأرض فيقول:(22لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَعْبُكَ يَا إِسْرَائِيلُ كَرَمْلِ الْبَحْرِ تَرْجعُ بَقِيَّةٌ مِنْهُ. قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِالْعَدْلِ. 23لأَنَّ السَّيِّدَ رَبَّ الْجُنُودِ يَصْنَعُ فَنَاءً وَقَضَاءً فِي كُلِّ الأَرْضِ). إشعياء 10
وهنا يعم الفناء والقضاء كل الأرض، ولا شك أن هذه مغالطة شرعية وتاريخية، أما كونها شرعية فإن الله لا يهلك البشر كلهم بسبب ذنوبهم إلا عند قيام الساعة، وأما المغالطة التاريخية فإن هذه الحادثة لم تقع، كما أن بني إسرائيل لم يكونوا في يوم من الأيام من الكثرة بحيث يكونون كرمل البحر، بل هم ولله الحمد في كل عصر أقلية قليلة جدا، وفي هذا العصر الذي نالوا فيه شيئا من التمكين فهم لا يتجاوزون أربعة عشر مليونا في كل الأرض.
وفي سفر آخر تترادف مصطلحات العذاب والبوار والفناء، وترسم مستقبلا مظلما للمخالف، فطريقه مظلم، ومملوء بالعقبات، وتتوالى عليه الأهوال، ويقطع نسله، وينسى ذكره، ويتعجب من يأتي بعده من نهايته!؟ يقول أيوب في سفره كما زعموا:(نَعَمْ! نُورُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ، وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ. 6النُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ، وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ. 7تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ، وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ. 8لأَنَّ رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي الْمِصْلاَةِ فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ. 9يُمْسِكُ الْفَخُّ بِعَقِبِهِ، وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّرَكُ. 10مَطْمُورَةٌ فِي الأَرْضِ حِبَالَتُهُ، وَمِصْيَدَتُهُ فِي السَّبِيلِ. 11تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ، وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. 12تَكُونُ قُوَّتُهُ جَائِعَةً وَالْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ. 13يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ. يَأْكُلُ أَعْضَاءَهُ بِكْرُ الْمَوْتِ. 14يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ، عَنِ اعْتِمَادِهِ، وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ الأَهْوَالِ. 15يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ. يُذَرُّ عَلَى مَرْيضِهِ كِبْرِيتٌ. 16مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ، وَمِنْ فَوْقُ يُقْطَعُ فَرْعُهُ. 17ذِكْرُهُ يَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ اسْمَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَرِّ. 18يُدْفَعُ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ، وَمِنَ الْمَسْكُونَةِ يُطْرَدُ. 19لاَ نَسْلَ وَلاَ عَقِبَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ).أيوب 18.
ولا شك أن هذه صورة بشعة من الفناء المنتظر والخزي الأبدي للأغيار، وخيال لا يبلغه أي دموي إلا من تربى على كتابهم المقدس – أو سادي يتلذذ في إيذاء الآخرين، ويفرح ويسعد بعذابهم ومآلهم المحموم.
ومن تصفح شرائع الأنبياء التي أخبر الله عنها في كتابه لا يجد من تعاملهم مع قومهم مثل هذا التعامل البشع، والاستقصاء التام بل كانت رسالاتهم رحمة، ودعوتهم هداية، وتعاملهم معهم تعامل العدل والحق، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام بعد أن قذفه قومه في النار يخرج من بين أظهرهم؛ لئلا ينزل بهم العذاب كما أخبر الله عنه أنه قال:)فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ. فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم( سورة العنكبوت، 24- 26.
وإن كان في أخبارهم أخبار عذاب أنزله الله بالمخالفين، فقد كان العذاب يتنزل لمخالفتهم أمر الله ومعصيتهم لرسله، ولم تكن من أجل قوم معينين، أو من أجل نهب أموالهم واستباحة ديارهم، وسبي نسائهم.
المطلب السادس: قرض الآخرين
يتفنن كتاب كتابهم المقدس في توظيف المصطلحات المتنوعة التي تحقق لهذه الأنفس المريضة تطلعها في القضاء على الآخرين، وإبادتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وأوطانهم، والأعظم من ذلك أن ينسب هذا الإفك إلى الله فيكون من وصاياه وأوامره، وهنا وعد لهم من الله – كما يزعمون - أنه سيقرض الأمم من أمامهم، ويسلطهم عليهم، وهم لا يتسلطون عليهم،([49] ) ويباركه الله ويجعله يرث أوطانهم ويسكن مساكنهم، جاء في سفر التثنية:(5إِذَا سَمِعْتَ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْفَظَ وَتَعْمَلَ كُلَّ هذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ الْيَوْمَ، 6يُبَارِكُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ كَمَا قَالَ لَكَ. فَتُقْرِضُ أُمَمًا كَثِيرَةً وَأَنْتَ لاَ تَقْتَرِضُ، وَتَتَسَلَّطُ عَلَى أُمَمٍ كَثِيرَةٍ وَهُمْ عَلَيْكَ لاَ يَتَسَلَّطُونَ). تثنية 15.
وجاء فيه أيضا:(مَتَى قَرَضَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَمَامِكَ الأُمَمَ الَّذِينَ أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهِمْ لِتَرِثَهُمْ، وَوَرِثْتَهُمْ وَسَكَنْتَ أَرْضَهُمْ، 30فَاحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُصَادَ وَرَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا بَادُوا مِنْ أَمَامِكَ) تثنية 12.
وفيه أيضا(مَتَى قَرَضَ الرَّبُّ إِلهُكَ الأُمَمَ الَّذِينَ الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ أَرْضَهُمْ، وَوَرِثْتَهُمْ وَسَكَنْتَ مُدُنَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ، 2تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا. 3تُصْلِحُ الطَّرِيقَ وَتُثَلِّثُ تُخُومَ أَرْضِكَ) تثنية.19
فالنص الثاني دل على أخذ الحيطة والحذر من الأعداء، والنص الثالث أمر ببناء ثلاث مدن في وسط الأرض المنهوبة، ولا تتضح الحكمة من بناء ثلاث مدن في وسط الأرض وقد ورثوا مدن وبيوت مخالفيهم فما الحاجة لبناء بيوت ومدن؟!.
وعندما يقرأ القارئ النص التالي يتساءل هل من لوازم قرض الآخرين أن يأكل المنتصر أمم الآخرين ويقضم عظامهم؟! ومن الإمعان في الدموية في القضاء على الآخرين يوصف المنتصر بالأسد واللبؤة، ليشابهه في افتراس أعدائه، ومع هذا الإرهاب للمخالف إلا أن هذا العنصر المفسد في الأرض مبارك ومن يباركه فهو مبارك! ومن يلعنه فهو ملعون!، جاء في سفر العدد:(5مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ، مَسَاكِنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ! 6كَأَوْدِيَةٍ مُمْتَدَّةٍ. كَجَنَّاتٍ عَلَى نَهْرٍ، ... 8اَللهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِصْرَ. لَهُ مِثْلُ سُرْعَةِ الرِّئْمِ. يَأْكُلُ أُمَمًا، مُضَايِقِيهِ،([50]) وَيَقْضِمُ عِظَامَهُمْ وَيُحَطِّمُ سِهَامَهُ. 9جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلَبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ؟ مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ، وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ». العدد 24.
وهذا الأمل المشئوم بالقضاء على المخالف لم يتحقق لهم؛ فهم أجبن من أن يكونوا كالأسود، وهذا النص يتعلق بوعدٍ يلي خروجهم من مصر، ولكن القارئ الفطن يتذكر حقيقة هذا الخروج وما صاحبه من جبن وهلع وخور ونكوص عن الأوامر الإلهية كما في قوله تعالى عنهم حينما قيل لهم:)يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِين. قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ. قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين. قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ. قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ( سورة المائدة 21-26.
المطلب السابع: السيف
في كتاب ديانة يُزعم أنه كتاب هداية، فإذا السيف حاضر شاهر يبيد من أجل العنصر، وينتقم من أجل القوم، يبشر الخصوم بسيف لا يرحم، ودم لا يتوقف، جاء في سفر صموئيل رواية دموية ضحاياها الفلسطينيون حيث سفكت دماؤهم، ونهبت أموالهم:(هذِهِ أَسْمَاءُ الأَبْطَالِ الَّذِينَ لِدَاوُدَ: يُشَيْبَ بَشَّبَثُ التَّحْكَمُونِيُّ رَئِيسُ الثَّلاَثَةِ. هُوَ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَمَانِ مِئَةٍ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً.([51]) ....10أَمَّا هُوَ فَأَقَامَ وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ حَتَّى كَلَّتْ يَدُهُ، وَلَصِقَتْ يَدُهُ بِالسَّيْفِ، وَصَنَعَ الرَّبُّ خَلاَصًا عَظِيمًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَرَجَعَ الشَّعْبُ وَرَاءَهُ لِلنَّهْبِ فَقَطْ). صموئيل 23.
وهذا نص آخر يهيئ الرأي العام لقتل الآخرين وهلاكهم ويبشرهم بالزحف العظيم وهلاك الأمم: (نَادُوا بِصَوْتٍ عَال وَقُولُوا: اجْتَمِعُوا، فَلْنَدْخُلِ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ. 6اِرْفَعُوا الرَّايَةَ نَحْوَ صِهْيَوْنَ. اِحْتَمُوا. لاَ تَقِفُوا. لأَنِّي آتِي بِشَرّ مِنَ الشِّمَالِ، وَكَسْرٍ عَظِيمٍ. 7قَدْ صَعِدَ الأَسَدُ مِنْ غَابَتِهِ، وَزَحَفَ مُهْلِكُ الأُمَمِ. خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَجْعَلَ أَرْضَكِ خَرَابًا. تُخْرَبُ مُدُنُكِ فَلاَ سَاكِنَ). إرمياء 4.
ثم تكون الكارثة، وينزل السيف على رؤوسهم من قبل خصومهم، ويأتيهم الرجز الإلهي على افترائهم على الله، تأتيهم ريح لافحة تهلكهم، ولا يتحقق الوعد الذي انتظروه، وما ذاك إلا لأنهم يحلمون أحلام يقظة تروي ما في أنفسهم من التطلع لهلاك الآخرين، وينسبون ذلك الوعد إلى الله، ثم إذا لم يتحقق الحلم ظنوا أن الله يخادعهم، وهذه تكملة النص السابق:(10فَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، حَقًّا إِنَّكَ خِدَاعًا خَادَعْتَ هذَا الشَّعْبَ([52]) وَأُورُشَلِيمَ، قَائِلاً: يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَ السَّيْفُ النَّفْسَ».11فِي ذلِكَ الزَّمَانِ يُقَالُ لِهذَا الشَّعْبِ وَلأُورُشَلِيمَ: «رِيحٌ لاَفِحَةٌ مِنَ الْهَِضَابِ فِي الْبَرِّيَّةِ نَحْوَ بِنْتِ شَعْبِي، لاَ لِلتَّذْرِيَةِ وَلاَ لِلتَّنْقِيَةِ.12رِيحٌ أَشَدُّ تَأْتِي لِي مِنْ هذِهِ). إرمياء4.
ويروي الكاتب حزقيال في سفره خبر أكثر من عشر أمم أهلكت بالسيف وأبيدت عن آخرها، ولم أشأ أن أثقل على القارئ بنقل النص كاملا؛ لأن المشهد واحد والطريقة واحدة، وإنما يتغير اسم القوم أو اسم المكان، يقول حزقيال:(هُنَاكَ أَشُّورُ وَكُلُّ جَمَاعَتِهَا. قُبُورُهُ مِنْ حَوْلِهِ. كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ بِالسَّيْفِ.23اَلَّذِينَ جُعِلَتْ قُبُورُهُمْ فِي أَسَافِلِ الْجُبِّ، وَجَمَاعَتُهَا حَوْلَ قَبْرِهَا، كُلُّهُمْ قَتْلَى سَاقِطُونَ بِالسَّيْفِ، الَّذِينَ جَعَلُوا رُعْبًا فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ). حزقيال23.
وعند إرمياء من الوعد بالرعب ووضع السيف موضع السلم ما يشيب لهوله الولدان، يقول إرمياء: (لأَنَّ سَيْفًا لِلرَّبِّ يَأْكُلُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. لَيْسَ سَلاَمٌ لأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ. 13زَرَعُوا حِنْطَةً وَحَصَدُوا شَوْكًا. أَعْيَوْا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا، بَلْ خَزُوا مِنْ غَلاَّتِكُمْ، مِنْ حُمُوِّ غَضَبِ الرَّبِّ 14هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِي الأَشْرَارِ الَّذِينَ يَلْمِسُونَ الْمِيرَاثَ الَّذِي أَوْرَثْتُهُ لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ: «هأَنَذَا أَقْتَلِعُهُمْ عَنْ أَرْضِهِمْ). إرمياء 12.
وفي إرمياء أيضا: (بِهُتَافٍ كَالدَّائِسِينَ يَصْرُخُ ضِدَّ كُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ.31بَلَغَ الضَّجِيجُ إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ، لأَنَّ لِلرَّبِّ خُصُومَةً مَعَ الشُّعُوبِ. هُوَ يُحَاكِمُ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. يَدْفَعُ الأَشْرَارَ لِلسَّيْفِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 32هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُوَذَا الشَّرُّ يَخْرُجُ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، وَيَنْهَضُ نَوْءٌ عَظِيمٌ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 33وَتَكُونُ قَتْلَى الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ الأَرْضِ. لاَ يُنْدَبُونَ وَلاَ يُضَمُّونَ وَلاَ يُدْفَنُونَ. يَكُونُونَ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ). إرمياء 25.
سيف من أقصى الأرض إلى أقصاها، لا ينتظر أحد السلام من جميع جيران إسرائيل، الأشرار الذين يُقْتَلَعُون من الأرض. رحماك ربي من قوم هذه آمالهم وهذا ما تكنه نفوسهم لمخالفيهم.
وفي ختام الحديث عن الحرب في كتابهم المقدس أذكر بعض النصوص التي تضمنت إبادة أمم ومدن، وأذكر أسماء بعض المدن المحرمة والمدمرة على أهلها، وأسماء بعض الأقوام الذين روى هلاكهم كتابهم المقدس، مما وقفت عليه أثناء هذا البحث، فمن ذلك:
ماورد في سفر التثنية: (3فَدَفَعَ الرَّبُّ إِلهُنَا إِلَى أَيْدِينَا عُوجَ أَيْضًا مَلِكَ بَاشَانَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَارِدٌ. 4وَأَخَذْنَا كُلَّ مُدُنِهِ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ لَمْ نَأْخُذْهَا مِنْهُمْ. سِتُّونَ مَدِينَةً، كُلُّ كُورَةِ أَرْجُوبَ مَمْلَكَةُ عُوجٍ فِي بَاشَانَ. 5كُلُّ هذِهِ كَانَتْ مُدُنًا مُحَصَّنَةً بِأَسْوَارٍ شَامِخَةٍ، وَأَبْوَابٍ وَمَزَالِيجَ. سِوَى قُرَى الصَّحْرَاءِ الْكَثِيرَةِ جِدًّا. 6فَحَرَّمْنَاهَا كَمَا فَعَلْنَا بِسِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، مُحَرِّمِينَ كُلَّ مَدِينَةٍ: الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ).التثنية3.
وفي صموئيل الثاني: (13وَنَصَبَ دَاوُدُ تَذْكَارًا عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ ضَرْبِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ أَرَامَ فِي وَادِي الْمِلْحِ). صموئيل الثاني 8.
وفي سفر إشعياء: (36فَخَرَجَ مَلاَكُ الرَّبِّ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةً وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. فَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحًا إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيِّتَةٌ). إشعياء 38.
وفي أخبار الأيام الثاني: ( 8وَسَبَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ إِخْوَتِهِمْ مِئَتَيْ أَلْفٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ) أخبار الأيام الثاني 28.
وفي سفر أستير: (16وَبَاقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي بُلْدَانِ الْمَلِكِ اجْتَمَعُوا وَوَقَفُوا لأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ وَاسْتَرَاحُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْ مُبْغِضِيهِمْ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَلْفًا). أستير9.
وفي إرمياء: ( وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ اشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ، فَضَرَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرَامِيِّينَ مِئَةَ أَلْفِ رَاجِل فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. 30وَهَرَبَ الْبَاقُونَ إِلَى أَفِيقَ، إِلَى الْمَدِينَةِ، وَسَقَطَ السُّورُ عَلَى السَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل الْبَاقِينَ). إرمياء 28
وفي أخبار الأيام الأول: ( 22لأَنَّهُ سَقَطَ قَتْلَى كَثِيرُونَ). أخبار الأيام الأول 5.
فمجموع عدد القتلى والسبايا في هذه النصوص: أكثر من خمسمائة ألف، هذا غير المجمل في قوله: سقط قتلى كثيرون. وقوله: حرم ستين مدينة، وقوله: حرم مدينة كذا ولم يذكر عدد سكانها... وغير ما لم أقف عليه. إن قتلى المسلمين عبر تاريخهم وفي فتوحاتهم الإسلامية لا يبلغ هذا العدد (500,000) قتيل، وأنا لم أقم بإحصاء أعداد قتلى أهل الكتاب لمخالفيهم مما تضمنه كتابهم المقدس، بل جمعت حاصل قتلى هذه النصوص فقط.
أما المدن التي ورد ذكر كتابهم المقدس تدميرها وإحراقها فهي:
عيلام، قبورة، أشور، أدوم، ماشك، نوبال، ذكر هذه سفر حزقيال، 32. عاي، حاصور، الجبل، كل الجنوب، كل أرض جوشن، السهل، العربة، جبل إسرائيل، سهلة، ذكر هذه سفر يشوع 11. باشان، جلعاد، سلخة، أدرعي، ستون مدينة لم تذكر أسماءها، وردت في سفر تثنية 3، مقيدة، أريحا، عجلون، دبير، حبرون، لبنة، بابيش، لخيش، أوردها يشوع 10، يرموت، حويلة، أوردها صموئيل1/15، أتاريم، ذكرها سفر العدد 21.
هذا عدا المدن التي لم يصرح باسمها وإنما ذكرت ضمن حدود منطقة كاملة أصيبت بالهلاك العام كما في النص التالي:(36ثُمَّ صَعِدَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ عَجْلُونَ إِلَى حَبْرُونَ وَحَارَبُوهَا، 3وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ مَعَ مَلِكِهَا وَكُلِّ مُدُنِهَا وَكُلِّ نَفْسٍ بِهَا). يشوع 10. 10 وكما جاء في سفر العدد: (وَأَحْرَقُوا جَمِيعَ مُدُنِهِمْ بِمَسَاكِنِهِمْ). عدد31. وكما في سفر التثنية:(10كُلَّ مُدُنِ السَّهْلِ وَكُلَّ جِلْعَادَ وَكُلَّ بَاشَانَ إِلَى سَلْخَةَ وَإِذْرَعِي مَدِينَتَيْ مَمْلَكَةِ عُوجٍ فِي بَاشَانَ). تثنية 3. أو التي ذكر عددها ولم تذكر أسماؤها كما ورد في سفر التثنية أنهم قضوا على أو ال ستين مدينة، تثنية 3.
أما الأقوام الذين قُتلوا وبارك قتلهم كتابهم المقدس فهم:
الفلسطينيون، صموئيل الثاني،23 الصيدونيون، أمراء الشمال، حزقيال 32، بني بنيامين، قضاة 20، ملك باشان وقومه، الأموريون، تثنية 3، سيحان وقومه، الرفائيون، الجرجاشيون، تثنية 7، الحيثيون، الكنعانيون، الفرزيون، الحويون، اليبوسيون، تثنية20، المديانيون، الآراميون، عدد31، العماليق، صموئيل1/15.
وبعد هذا التطواف في ثنايا كتابهم المقدس، والوقوف على أخبار إبادتهم للأقوام الآخرين، وتدمير مدنهم وديارهم، وسفك دمائهم ونهب ممتلكاتهم، نلقي نظرة سريعة على الواقع المعاصر خاصة في الحروب التي يشنها أو يشترك فيها من يؤمن بهذا الكتاب ويسترشد بهديه للنظر هل اللاحق يقتفي أثر السابق؟ أم أن المتأخر لا يلتزم بهذا التشريع ولا يسير على سننه، فأقول إن المتابع للحروب التي اشتعلت في هذا العصر واشترك فيها أو أشعلها المؤمنون بهذا الكتاب أو المنتسبين إليه يدرك بيقين أنهم لم يخرجوا عن النص في إهلاكهم للمخالف، ولم تتغير طريقتهم في التعامل معه، رغم طول الزمن وبُعد الشقة، فلا تزال تؤمن بهذا النص، وتمارس هذه الوحشية المقيتة في التعامل مع الخصم أو العرق المخالف، وما حوادث محاكم التفتيش ومجازر الهنود الحمر ومآسي البلقان والبوسنة والهرسك ومجازر صبرا وشاتيلا ومسلسل القتل العشوائي في فلسطين والعراق وغيرها إلا ليؤكد للقارئ عمق الإيمان بهذه النصوص الدموية، وأنها أعظم محفز لاستئصال المخالف.
وكم شقيت وسائل الإعلام في هذا العصر من رؤية الجنود النصارى سواء في البوسنة والهرسك أو في العراق وغيرها وهم يتقاذفون الرؤوس بأرجلهم كما يتقاذف الصبيان الكرة بينهم، وكم تناقلت هذه الوسائل الصور التي التقطها هؤلاء الجنود لضحاياهم وهم يتفننون في تعذيبهم وإذلالهم والسخرية بهم، ولكن:) وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ. مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء( سورة إبراهيم، 42، 43.
وفي كتاب الحروب الصليبية نصوص ووثائق يذكر الكاتب بعض ما حل بالقدس بعد دخول الصليبيين إليها فيقول:( إنه في معبد سليمان كان الرجال يخوضون في الدماء حتى ركبهم، والواقع أنه كان حكما عادلا ومحترما من الرب أن يمتلئ هذا المكان بدماء الكفار؛ لأن هذا المكان طالما عانى من دنسهم وامتلأت المدينة بالجثث والدماء... وتم الاستيلاء على المدينة وهي جديرة بكل أعمالنا السابقة والمصاعب التي واجهناها لترى إخلاص الحجاج في الضريح المقدس، كما كانوا سعداء تغمرهم البهجة وهم يغنون للرب أغنية جديدة؛ لأن قلوبهم كانت تصلي الشكر للرب، وهم ظافرون منتصرون،، وهو ما تعجز الكلمات عن تصويره).([53]) وذكر المطران برتلومي (أن القبطان الإسباني كان يغني عندما كان جنوده يذبحون الهنود وينشد).([54])
وقد أنتجت ووزعت الفرقة الجوية القتالية السابعة والسبعون الأمريكية كتاب أناشيد تصف فيه ما ستفعله الفرقة في الخليج وتنذر "هذا المتوحش القمئ" "خدن الأفاعي" – أي العرب - بأن يستعد للإبادة؛ فيما ينتهي أحد الأناشيد بخاتمة تقول: (الله يخلق أما نحن فنحرق الجثث)
"Allah create but we cremate" وهذا الكتاب يصفه كريستوفر هيتشنس بأنه خليط من السادية والفحش ومعظمه تشنيع وتشهير وشتائم بذيئة للعرب والمسلمين باعتبار أنهم أعراق منحطة (حشرات) و(جرذان) و(أفاع) وهي بذاءات مقتبسة بالتأكيد من كتاب حياة محمد لجورج بوش )([55]).
وبعد هذا التطواف في هذا الموضوع (الحرب) يجد القارئ أنه تعامل مع مصطلحات فظيعة مؤلمة تقشعر لهولها الأبدان، وتذوب من تصورها الأكباد كمصطلحات الفناء والإبادة والتحريم، وحرق المدن وقتل الأطفال والنساء والشيوخ...
وإن لم تستخدم كل هذه المصطلحات في لغة هذا العصر فهي مطبقة على أرض الواقع، فالحوادث المعاصرة كانت تحريما وتطهيرا وإفناءً عاما تباد القرى بأكملها وتقتل الجموع بسبب عرقها، وتهجر الأمم بسبب دينها فيقتل منها في غداة ثمانية آلاف، وتسفر حروب البلقان بين النصارى الأرثوذكس المؤمنين بهذا الكتاب، وبين المسلمين عن أكثر من مئة وعشرين ألف قتيل من المسلمين([56]). وتفصح التقارير عن ضحايا الحرب في العراق فإذا هي تبلغ أكثر من 655 ألف قتيل ([57])، وفي الأفغان قتل أكثر من 180ألف صريع ([58])، وخلفت هاتان الحربان أكثر من أربعة ملايين لاجئ خارج أوطانهم....إلخ، ولا تزال الحرب هناك دائرة يقودها مؤمن بهذا الكتاب، وقد(نشرت الصنداي تايمز، وبقية الصحف البريطانية أيضا اعتراف توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، بتدينه وتاثيره في حياته وقراراته وخشيته من التصريح بذلك وقت أن كان رئيسا للحكومة. وتنقل الصحف تلك الاعترافات من مقابلة مع بلير في برنامج وثائقي بثته إذاعة لندن البريطانية (بي بي سي). وتشير الإذاعة إلى أن بلير يقارن بين قبول الناس في أمريكا لتدين الحكام عكس بريطانيا. وذلك في إشارة إلى تدين الرئيس الأمريكي بوش الذي صرح من قبل أنه أوحي إليه بشأن غزو واحتلال العراق). ([59]) وفي الصنداي تلجراف كان العنوان الرئيسي للصفحة الأولى عن تدين بلير وكيف أنه أثر على قراراته في الحكم..([60] ) أما آخر وظائفه بعد انتهاء فترة رئاسته فقد انتهى به الحال إلى العمل مدرس دين في جامعة أمريكية.([61] )
ومن خلال رؤية متعمقة تدرك مرامي الخبر وأبعاد الحدث يصف أسقف كانتربري روان ويليامز([62]) أمريكا بأنها "أسوأ مستعمر". وتجعل صحيفة صنداي تايمز عنوانها الرئيس "الأسقف: أمريكا أسوأ مستعمر". وتقول إذاعة لندن: الخبر يلخص ما جاء على لسان أسقف كانتربري روان ويليامز في حواره مع مجلة "أمل" الإسلامية البريطانية. يقول الأسقف إن محاولة أمريكا التغيير عبر فورات العنف أدت إلى "أسوأ عالم".([63]) ويضيف إن الأزمة ليست بسبب أفعال أمريكا فحسب، بل نتيجة ضلال رؤيتها لمهمتها متهكما على خرافة "أمريكا المختارة"، بمعنى أن ما يجري في أمريكا هو عين ما يريده الرب للبشرية؛ لأنه يعلم أن هذه الحرب إنما تديرها عقول تؤمن بهذا الكتاب.
وبعد استعراض بعض ما اشتمل عليه كتابهم المقدس من الإبادة والهلاك العام والمحق والسحق والفناء... إلى آخر هذه المترادفات قد يقول قائل: إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد ورد فيهما شيء من إهلاك الأمم السابقة وإنزال العذاب عليهم، فأقول مستعينا بالله: إن ما ورد في القرآن والسنة النبوية حق على حقيقة ولكن الفرق بين هذا وذاك من أمور هي:
الأول: أن القرآن والسنة النبوية لم يدخلهما التحريف فهما كما أراد الله شاملان لكل ما أراد الله الإخبار عنه.
الثاني: أن القرآن والسنة ذكرا أن العقوبات الإلهية حلّت بالأقوام السابقين لمخالفتهم الأوامر الإلهية ومعاداة المرسلين، فلم تكن العقوبات تنزل بهم من أجل الجنس أو العنصر أو العرق أو القبيلة كما مر معنا فيما أخبر به كتابهم المقدس، كما لم تنزل بهم أيضا حماية لعنصر أو قبيلة كما في كتابهم المقدس، بل تنزل للمخالفة الإلهية.
الثالث: أن القرآن والسنة لم يذكرا استئصالا عاما يستهدف البشرية كلها في هذه الحياة الدنيا؛ والسبب في ذلك أن الرسالات السابقة كانت خاصة، فإذا نزل العذاب بسبب معاندتهم للرسول أو قتله؛ نزل بالأمة المخالفة وحدها، ولا يصيب جيرانها كما في خبر إبراهيم عليه السلام مع الملائكة المرسلين إلى قوم لوط. فنزل العذاب على قوم لوط ولم يشمل قوم إبراهيم عليه السلام.
الرابع: ذكر الله في محكم تنزيله أن من سننه في هذا الكون ألا يؤاخذ البشر عامة بذنوبهم في ساعة واحدة تستأصل شأفتهم؛ بل ذكر أنه يؤخرهم ليوم القيامة كما في قوله جل جلاله:)وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا( سورة فاطر،45.
الخامس: أن الله سبحانه وتعالى من حلمه وعظيم حكمته يملي للكافر ويمتعه في هذه الحياة الدنيا، بل حجب عنهم بعض متاعهم لئلا يغتر بهم المؤمنون، ولولا رحمته بأهل ولايته لزخرف للكافرين الحياة الدنيا أكثر من ذلك، قال سبحانه وتعالى :)وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ. وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ( سورة الزخرف،33-35. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: (يخبر تعالى بأن الدنيا لا تسوى عنده شيئا، وأنه لولا لطفه ورحمته بعباده، التي لا يقدم عليها شيئا، لوسَّع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما، ولجعل (لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ) أي: درجا من فضة (عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) على سطوحهم ولجعل لهم (زخرفا) أي لزخْرَف لهم دنياهم بأنواع الزخارف، وأعطاهم ما يشتهون، ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده، خوفا عليهم من التسارع في الكفر، وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا؛ ففي هذا دليل على أنه يمنع العباد بعض أمور الدنيا منعا عاما أو خاصا لمصالحهم، وأن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة، وأن كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا، منغصة، مكدرة، فانية، وأن الآخرة عند اللّه تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن نعيمها تام كامل من كل وجه). ([64])
السادس: تضمن القرآن والسنة أن هذا المتاع الذي يمتع به الكافر لا يغتر به المسلم، ولا ينبغي له قال تعالى: ) لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( سورة آل عمران،197،196.
السابع: أن هذا المتاع الذي يمتع به الكافر في الحياة الدنيا ليس خيرا له بل هو شر له، وتعجيل لطيباته قال تعالى: ) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ( سورة آل عمران،178.
ونتيجة لذلك فلا يقاس إخبار الله عن إهلاك الأمم الماضية الوارد في القرآن والسنة، بما اشتمل عليه كتابهم المقدس من إخبار إبادة وإهلاك وقتل...
وإتماما لبيان الفرق بين تشريعات الإسلام وتشريعات كتابهم، وبين أخبار القرآن الكريم وأخبار كنابهم، ولئلا يظن القارئ أن الباحث دفعته المحبة المجردة لدينه فنصره من دون برهان([65] ) ، فهذه شهادات كتبها نصارى عما انتهى إليه أمر الرسالة والرسول ﷺ، من تحقيق ما عجزت الكنيسة عن تحقيقه، ومن ترْك آثار عظيمة يشهد بها المخالف قبل الموافق وما انتهى إليه أمر الحملات النصرانية الصليبية من ترويع وهمجية وقتل، يقول د. غوستاف لوبون مخبرا عن الآثار السيئة للحملات الصليبية: (فأما الشرق }أي أهل الإسلام{ فكان يتمتع بحضارة زاهرة بفضل العرب، وأما الغرب فكان غارقا في بحر من الهمجية، وقد ظهر من بياننا الوجيز عن الحروب الصليبية أن الصليبيين كانوا وحوشا ضارية وأنهم كانوا ينهبون الأصدقاء والأعداء ويذبحونهم على السواء... ولم يكن عند أولئك البرابرة ما يفيد الشرق، ولم ينتفع الشرق منهم بشيء في الحقيقة، ولم يكن للحروب الصليبية عند أهل الشرق من النتائج سوى بذرها في قلوبهم الازدراء للغربيين على مر الأجيال، ولم ينشأ عن جهالة الصليبيين وغلظتهم وتوحشهم وسوء نيتهم غير حمل الشرقيين أسود الأفكار عن نصارى أوروبة وعن النصرانية، وغير إيجاد هوة عميقة لا يمكن سدها بين أمم الشرق وأمم الغرب... ونشأ عنها زيادة سلطة البابوات وزيادة سلطة رجال الدين... إلى أن قال: ومن أشأم نتائج الحروب الصليبية أن ساد عدم التسامح العالمَ عدة قرون، وأن صبغته بما لم تعرفه ديانة، خلا اليهودية([66]) بصبغة القسوة والجور... وقد بلغ عدم التسامح هذا مبلغا من الحميّا الشديدة في الحروب الصليبية ما لا يزال العالم يقاسي أثره إلى زماننا تقريبا، فلم يلبث رجال الدين الذين تعودوا سفك الدماء أن صاروا ينشرون المعتقد ويبيدون أصحاب البدع على الطريقة التي كانوا يبيدون بها الكافرين).([67])
ويقول المطران برتلومي الذي رافق الحملات الإسبانية الكاثوليكية على قارة أمريكا وشاهد ما فعلوه في الهنود الحمر: (وعلمت أن الإسبان دخلوا قرية فاستقبلهم أهلها بالترحاب، وأطعموهم وخصصوا لهم 600 هندي لخدمتهم وحمل أثقالهم؛ غير أن الإسبان لم يكادوا يرتاحون من وعثاء السفر – بدءوا بتقطيع الرؤوس، ولما رأوا بعض الهنود حذرا من ذبحهم بالجملة رجالا ونساءً وأطفالا وأحضر الطاغية - كما قيل لي – مئتي هندي وراح يتسلى بهم: منهم من جدع أنفه، ومنهم من قطع شفته، ومنهم من شق فكه، فكان يتسلى بتغيير ملامح الوجه... ثم أرسلهم جميعا إلى أهاليهم بلا شفاه أو بلا آذان ولا أنوف فعادوا يسيلون دما، هكذا عادوا ومعهم بشارة المسيح وبشرى مجيء المسيحيين القادمين لنشر الإيمان الكاثوليكي وتعميد الهنود، وليخمن القارئ مدى ما يكنه الهنود من حب للمسيحيين؟ وأي صورة يعرفونها عن ربهم وعن دينهم!؟).([68])
وهذا التمثيل بالبشر الأحياء هو عين ما فعله نائب حاكم البرتغال في الخليج العربي عندما أسر أسرى مسلمين كثيرين ولم تستطع السفن حملهم لبيعهم في بلاده عبيدا، فأطلق سراحهم بعد أن قطع أنوفهم وآذانهم. ([69])
وهذا شاهد آخر يصف وجها آخر من وجوه العلاقة مع المخالف وسمو الهدف وعظمة الأثر، وهو ول ديورانت يخبرنا عن أثر نبينا محمد ﷺ ورسالته على البشرية عموما فيقول: (وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أي مصلح آخر عبر التاريخ كله.
إلى أن قال: وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم دينا سهلا واضحا قويا وصرحا خلقيا.واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة،([70]) وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة وأن يبقى إلى يوم الناس هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم). ([71])
وهذا شاهد ثان وهو جورج بوش الجد 1796-1859م أستاذ اللغة العبرية والآداب الشرقية في جامعة نيويورك الذي قد ملأ كتابه سبا وتجريحا للرسول ﷺ ولقومه وأتباعه، ومع ذلك أرغمته الحقيقة وأنطقه الله بالحق فقال: (لقد وضع "أي محمد ﷺ " أساس إمبراطورية([72]) استطاعت في ظرف ثمانين سنة فقط أن تبسط سلطانها على ممالك وبلاد أكثر وأوسع مما استطاعته روما في ثماني مئة سنة، وتزداد دهشتنا أكثر وأكثر إذا تركنا نجاحه السياسي وتحدثنا عن صعود دينه وانتشاره السريع واستمراره ورسوخه الدائم. والحقيقة أن ما حققه نبي الإسلام والإسلام لا يمكن تفسيره إلا بأن الله كان يخصهما برعاية خاصة؛ فالنجاح الذي حققه محمد ﷺ لا يتناسب مع إمكاناته، ولا يمكن تفسيره بحسابات بشرية معقولة. لا مناص إذن من القول إنه كان يعمل في ظل حماية الله ورعايته، لا تفسير غير هذا لتفسيرِ هذه الإنجازات ذات النتائج الباهرة).([73]) وهذه عودة إلى د. غوستاف لوبون وما ذكره عن آثار أهل الإسلام على أوروبا، وعن تأثر الصليبيين بأهل الشرق الإسلامي، وسأذكرها ملخصة رغبة في الإيجاز، وهو كالتالي:
- اتصال الغرب بالشرق مدة قرنيين من الزمان كان من أقوى العوامل على نمو الحضارة في أوروبا.
- تضعضع النظام الإقطاعي في بعض الدول الأوروبية.
- اقتباس الغربيين من الشرقيين النفائس الجميلة في مجال الملابس والأسلحة، رغم جلافة الصليبيين.
- التقدم في مجال الصناعات كالخشب والزجاج والمعادن والميناء، وهذه تتطلب معارف كثيرة كان يجهلها الصليبيون قبل الحرب.
- أثرت الفنون فيهم تأثيرا عظيما فتهذبت أذواقهم الغليظة ([74] ) ولم يلبث فن العمارة أن تحول في أوروبا تحولا عظيما.
وقال في ختام ذكْره لأثر المسلمين فيهم: (وإذا ما نظرنا إلى تقدم العلاقات التجارية العظيم باطّراد بين الغرب والشرق، وإلى ما نشأ عن تحاكّ الصليبيين والشرقيين من النمو في الفنون والصناعة؛ تجلى لنا أن الشرقيين هم الذين أخرجوا الغرب المتوحش وأعدوا النفوس إلى التقدم بفضل علوم العرب وآدابهم التي أخذت جامعاتُ أوروبة تعوّل عليها، فانبثق عصر النهضة منها ذات يوم).([75])
ويقول يفجيني بريما كوف رئيس وزراء روسيا الأسبق: (ويمكن القول أن تاريخ الإسلام كان أقل دموية ([76]) مثلا من تاريخ الكاثوليكية، فلم يعرف الإسلام إحراق ذوي الرأي الحر في المحارق، ولم يعرف محاكم التفتيش، لكن وجدت في سفر التاريخ الإسلامي صفحات دموية، بيد أن العنف كان ينبثق أساسا على أساس الاشتباكات العرقية، ونادرا كان يوجّه ضد المنتمين إلى الأديان الأخرى، ومنهم اليهود والمسيحيين الذين يرد ذكرهم في القرآن الكريم بأنهم (من أهل الكتاب)).([77])
وبعد الاستعراض لما اشتمل عليه كتابهم المقدس في مجال الحرب ومجالدة الأقوام، وبعد ذكر يسير لمطابقة تاريخ أهل الكتاب في هذا المضمار مع ما جاء في كتابهم المقدس يكون الباحث قد استكمل ما وعد به في مقدمة البحث، وهذا أوان الانتقال إلى خاتمته.
الخاتمة
الحمد لله ملء السموات وملء الأرض، وله الحكم في الأولى والأخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، فصلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد
فقد خلص الباحث من هذا البحث النتائج الآتية:
1- ما ورد في كتابهم وما حفلت به شواهد التاريخ من بغيهم وتطاولهم واعتدائهم على مخالفيهم موافق تماما لما أخبر الله عنهم في كتابه وفي سنة رسوله ﷺ .
2- ثبت أن شرائع الإسلام في هذا الجانب - على وجه الخصوص كما هي في بقية الجوانب – لا تساميها شريعة محرفة أو شريعة وضعية، فضلا عن أن يتطاول على الإسلام من يعتقد هذه العقائد المحرفة ثم يرمي الإسلام بما هو منه براء.
3- أن الشواهد التي تضمنها البحث تشهد – كما يشهد غيرها من آلاف الشواهد - على أن كتابهم المقدس كتاب محرف، صاغه البشر لتحقيق أغراض البشر.
4- أن كتابهم المقدس كتاب يؤسس للعنصرية ويشرع الإقصاء للمخالف، ويبيح سفك الدماء لمجرد المخالفة في الدين أو القوم أو العنصر.
5- أن شرائع كتابهم المقدس المتعلقة بالحرب شرائع لا يدانيها مثيل في قسوتها وفظاعتها بل لا تجيزها الكتب الإلهية ولا الأعراف البشرية.
6- أن من شرائع كتابهم المقدس جواز قتل الأطفال والنساء والطير والحيوان.
7- أن من شرائع كتابهم المقدس إحراق الأحياء والمدن والنبات والمدن، وهو ما يسمى اليوم سياسة الأرض المحروقة.
8- أن من شرائع كتابهم المقدس جواز الضربات الاستباقية ليتحقق فيها مباغتة الخصم قبل استعداده.
9- أن شواهد التاريخ تؤكد أن اليهود والنصارى ساروا في كثير من حروبهم على هدى هذا الكتاب المحرف.
10- أن الفظائع التي يجدها القارئ في كتابهم المقدس يجد مثلها في تاريخهم سواء بسواء.
11- تماثلت أعمال متقدميهم التي رواها كتابهم المقدس مع أعمال الإسبان في أمريكا الجنوبية ومع أعمال النصارى مع المسلمين.
12- وجد الباحث أنهم أكلوا لحوم البشر وتفننوا في طبخها وتقديمها.
13- أن كتابهم المقدس يعظمه اليهود والنصارى حسب ما أوضحته في ثنايا البحث، وأن أكثرهم يسيرون عليه في تعاملهم مع المخالف.
14- أن كثيرا من الدول الغربية المعاصرة تتأثر سياساتها بتعاليم كتابهم المقدس، وتبني كثيرا من علاقاتها على وعوده وبشاراته.
وغير ذلك مما حواه هذا البحث المتواضع من نتائج يجدها القارئ في ثناياه، ونسأل الله بمنه وكرمه وفضله أن يجعله خالصا لوجهه، موافقا لسنة نبيه ﷺ ، وأن يجعله من العلم النافع إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله أولا وآخرا، وأصلي وأسلم على خاتم رسله وأنبيائه.
([1] ( تفسير القرآن العظيم 1/253.
[2])) انظر كتاب وادي الرؤيا في تفسير رؤيا حزقيال أو إحياء عظام بني إسرائيل، هل يتحول اليهود للمسيحية كشرط لعودة المسيح؟ تأليف جورج بوش؛ الجد.
[3]) ) السنن الكبرى للبيهقي 9/79.
[4])) صحيح البخاري 3/1155.
([5] ( وهذا شاهد آخر على التناقض، فههنا نصوص تؤكد المسئولية الفردية، وأخرى تؤكد وراثة الخطيئة.
([6] ( وهذا يخالف ما أخبر الله به عن رسوله المسيح عليه السلام حيث قال :) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ ( سورة الحديد، 27. فرسالة المسيح عليه السلام رحمة وليست سيفا عاما.
([7] ( المسند5/451، سنن الترمذي4/652، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح،والمستدرك على الصحيحين3/14، وقال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والأحاديث المختارة 9/432.
([8] ( صحيح مسلم، ح31، 1/60.
([9]) جامع البيان 17/106.
([10]) صحيح البخاري، ح 7115، 6/2745.
([11]) جامع البيان 7/208.
([12] ( جامع البيان10/26.
[13]) ) الموق هو الخف، فارسي معرب. النهاية في غريب الأثر، 3/372.
([14] ( متفق عليه من حديث أبي هريرة، صحيح البخاري، ح 3280، 3/1279، وصحيح مسلم، ح 2245، 4/1761.
[15]) ) الفرخ ولد الطائر، وهو مثنى هنا، والحمرة طائر معروف، مختار الصحاح، مادة فرخ، والنهاية في غريب الأثر3/425.
([16]) المستدرك على الصحيحين 4/267، قال الحاكم:هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
([17]) سنن أبي داود 3/23، والمستدرك 2/109، والأحاديث المختارة 9/160.
([18] ( جامع البيان 10/16، وتفسير القرآن العظيم 2/315.
([19] ( المستدرك على الصحيحين 4/352.وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
([20] ( الأم 4/157، والآية 187 من سورة الأعراف.
([21] ( سنن سعيد بن منصور2/291، وحلية الأولياء 1/217،وصفة الصفوة1/638.
([22] ( السيرة النبوة لابن كثير، 4/101، وزاد المعاد3/459.
([23] ( صحيح مسلم، ح 1731، 3/1357.
([24] ( صحيح مسلم، ح 1791،3/1417
([25] ( صحيح البخاري، واللفظ له، ح 1389، 2/529، وصحيح مسلم، ح 19، 1/15.
([26] ) المسيحية والسيف، الصفحات التالية : 24، 25، 48، 54، 63.
([27]) المسيحية والسيف 47، 64.
([28]) المسيحية والسيف 48.
([29]) محمد مؤسس الدين الإسلامي 88، نقلا عن حق التضحية بالآخر أمريكا والإبادة الجماعية 11.
([30] ) السجل الكامل 3/ 68، 172، 255.
([31]) الحرب العالمية الأولى1/326.
([32]) الحرب العالمية الثانية 579- 586. وانظر مجلة الفيصل عدد رجب – رمضان ص 52.
([33] ( جريدة الوطن السعودية، العدد 2625، في 27/11/1428هـ، على الرابط، http://www.alwatan.com..
([34] ) المسيحية والسيف ص 40، 58. كما ذكر في موطن آخر ذكر أنهم كانوا قد أوثقوا الملوك بالقيود وعددهم مئة ثم أمر جنوده بإحراقهم وهم أحياء.
([35]) التعصب الصليبي 2/136-137. 138، نقلا عن ريتشارد قلب الأسد ترجمة إنجليزية.
([36]) حضارة العرب 324، 325.
([37] ) السجل الكامل 3/17.
([38] ) السجل الكامل لأعمال أفنسو دلبو كيرك 3/172. وانظر أيضا منه 1/178.
([39]) صحيح البخاري، ح 2853، 3/1098.
([40]) سنن أبي داود 4/367.
([41] ( سفر أستير له مكانة خاصة عند اليهود، وهو سفر المرأة اليهودية التي تزوجها ملك الفرس إبان سبي اليهود في فارس، ثم أعملت كيدها وأثرت على الملك ونفذت مع اليهود المقربين لها بأمر الملك المذبحة المذكورة.
([42] ( ينتظر النصارى وخاصة البروتستانت، وبالأخص الأصولية الإنجيلية المعاصرة - تأويلها بفارغ الصبر، انظر النبوة والسياسة 44-64.
([43]) يحسن بالقارئ أن يتذكر النص التالي وهو يقرأ هذه المآسي (وَيَقْضِمُ عِظَامَهُمْ وَيُحَطِّمُ سِهَامَهُ. 9جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلَبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ؟ مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ، وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ». العدد 24، وليلاحظ استخدام نفس المصطلحات فالكتاب وصفهم بالأسد واللبوة، والمؤرخ استخدم نفس اللفظ.
([44]) حضارة العرب 325- 327.
([45]) البداية والنهاية12/165. حوادث 492هـ.
([46]) الكامل في التاريخ 10/283 – 284.
[47])) انظر تقارير موسعة عن تاريخ بلاك ووتر على الروابط التالية: http://www.islamicnews.net/Document/ShowDoc/ .asp?DocID=95932&TypeID=9&TabIndex=2 وكالة الأخبار الإسلامية نبأ،http://www.almokhtsar.com/html/best/.
([48] ( ورد في هذا الإصحاح عبارات ساقطة تدل على التحريف، بل تدل على فساد الذائفة ويشهد القارئ شهادة لله أن هذا الهذيان ما تنزلت به الملائكة، وليس هو بوحي يوحى، قال حزقيال:(وَخُذْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ قَمْحًا وَشَعِيرًا وَفُولاً وَعَدَسًا وَدُخْنًا وَكَرْسَنَّةَ وَضَعْهَا فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، وَاصْنَعْهَا لِنَفْسِكَ خُبْزًا كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي تَتَّكِئُ فِيهَا عَلَى جَنْبِكَ. ثَلاَثَ مِئَةِ يَوْمٍ وَتِسْعِينَ يَوْمًا تَأْكُلُهُ. 10وَطَعَامُكَ الَّذِي تَأْكُلُهُ يَكُونُ بِالْوَزْنِ. كُلَّ يَوْمٍ عِشْرِينَ شَاقِلاً. مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ تَأْكُلُهُ. 11وَتَشْرَبُ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ، سُدْسَ الْهِينِ، مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ تَشْرَبُهُ. 12وَتَأْكُلُ كَعْكًا مِنَ الشَّعِيرِ. عَلَى الْخُرْءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ تَخْبِزُهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ». 13وَقَالَ الرَّبُّ: «هكَذَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ خُبْزَهُمُ النَّجِسَ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهِمْ». حزقيال 4. تعالى الله! إن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر.
[49])) وهذا مخالف لوعيد الله لهم بقوله:] وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا [ سورة الإسراء،3-7.
([50] ( لا حظ الخطأ اللغوي : النص إما أن يكون : يأكل أمم مضايقيه، أو تكون كلمة مضايقية كلمة مبتورة سقط قبلها أو بعدها ما به تتم الجملة. وهذا شاهد من آلاف الشواهد على تحريف هذه الكتب عندهم.
([51] ( وهذه الحادثة مما يعدها المحققون من الأدلة الدالة على تحريف هذا الكتاب فكيف يستطيع فارس مهما أوتي من قوة أن يقتل برمحه في ضربة واحد ثماني مئة رجل دفعة واحدة.
([52] ( وهذا دليل آخر على تحريف كتابهم الذي يزعمون أنه وحي من الله، هل يصح عقلا وشرعا أن يقول الله عن نفسه هذا الإفك، وهل يصدر هذا من مؤمن بالله العظيم. سبحانك هذا بهتان عظيم.
([53]) التعصب الصليبي، 2/135.
([54]) المسيحية والسيف50.
([55]) محمد مؤسس الدين الإسلامي ص a .
([56] ( انظر تقريرا متكاملا عن ذلك على الرابط http://ara.today.reuters.com/news/newsArticle.aspx?type وفي مجلة المجتمع الصادرة بتاريخ 19/7/1422هـ.
([57] ( رابط هذا التقرير : http://www.al-mannarah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid
([58] ( التقرير على الرابط التالي: http://www.islamonline.net
([59] ( وهذا الخبر على الرابط التالي: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/press/newsid، وانظر كتاب محمد مؤسس الدين الإسلامي ص a فقد أورد فيه إحصاءات عن عدد القتلى والجرحى .
[60])) انظر هذه الأخبار على الرابط http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/press/newsid .
[61])) جريدة الرياض الأحد غرة ربيع الأول 1429هـ -9 مارس 2008م - العدد 14503.
([62] ( وتذكر إذاعة لندن أنه أعلى سلطة كنسية في بريطانيا.
([63] ( وهذا الخبر على الرابط التالي: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/press/newsid
([64] ( تيسير الكريم الرحمن 765.
[65])) أعلم أن براهين القرآن أعظم البراهين، وحججه أبلغ الحجج، ولكن هناك من لا يقبل براهينه ولا يؤمن بحججه؛ كما قال الله عن أشباههم ممن سبق : ]وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ[ سورة الأنعام 111. لذا رأيت أن أعزز هذه الحجج بهذه النقول.
([66]) يلاحظ القارئ كيف ربط المؤلف ( غوستاف لوبون ) وهو كاتب نصراني غير متهم في هذا بين جور النصرانية واليهودية، ولا غرو أن تشابها فكلاهما من معدن واحد خرجا وهو كتابهم المقدس.
([67]) حضارة العرب 334- 335. وقارن ما ذكره غوستاف بما ذكرته هذه الصحيفة :( قالت صحيفة نيويورك تايمز أن مسحًا أجرته للسجلات العامة خلص إلى أن 121 على الأقل من قدامى المحاربين الأمريكيين في العراق وأفغانستان ارتكبوا جريمة قتل أو وجهت لهم اتهامات بارتكاب جريمة قتل بعد عودتهم إلى الوطن. وأضافت الصحيفة أن هذه الأعداد تشير إلى زيادة نسبتها 90 في المئة في جرائم القتل التي يتورط فيها عسكريون مازالوا في الخدمة أو أنهوا حديثا خدمة استمرت ست سنوات منذ غزو أفغانستان في عام 2001. ولم تقتف وزارتا الدفاع أو العدل أثر مثل هذه الجرائم التي تنظر فيها محاكم مدنية. وقال متحدث باسم الجيش إن هذا التقرير لا يقدم صورة كاملة. ووجدت الصحيفة التي قالت إن من المرجح أن بحثها لم يكشف النقاب إلا عن الحد الأدنى من مثل هذه القضايا أن ثلاثة أرباع قدامى المحاربين الذين وجهت لهم اتهامات كانوا في الخدمة العسكرية وقت وقوع جرائم القتل تلك والتي استخدمت أسلحة نارية في أكثر من نصفها. وهذا الخبر على الرابط : http://www.arabianbusiness.com/arabic/. .
([68]) المسيحية والسيف 84.
([69]) السجل الكامل 1/220.
([70]) لم تبلغ الغزوات التي شارك فيها الرسول ﷺ نصف هذا العدد.
([71]) قصة الحضارة13/47.
([72]) لا يقر المؤلف على تسمية الإسلام بالإمبراطورية، فالإسلام دين وحسب.
([73]) محمد ﷺ مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين ص 353.
[74])) هذه الألفاظ ( جلافة) ( أذواقهم الغليظة) هي عبارات المترجم.
([75]) حضارة العرب 335- 339.
([76]) يقصد أن التاريخ الإسلامي لم يخل من صراع دموي، إما بسبب الاختلاف العرقي أو الخلاف السياسي، ولكن هذا الصراع لم يكن الداعي إليه والمحرض عليه هو الإسلام، كما لم يكن موجها لأصحاب الديانات الأخرى لمجرد تدينهم بها.
([77]) العالم بعد 11 سبتمبر وغزو العراق، ص 45-46.