الإلحاد : إعلان نجاح أم فشل؟
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
- الإلحاد إعلان نجاح أم فشل؟
- كلمة من القلب
- من خلق الكون؟
- من هو الخالق؟
- من خلق الخالق؟
- ما حقيقة وجوده؟
- ما هي أسمائه وصفاته؟
- التعريف بأفعاله
- كيف نشأ الكون؟
- ما الغاية من الخلق؟
- هل الخالق بحاجة إلى البشر؟
- تصحيح مفهوم التطور
- وجود الخالق
وعلاقته بالقوانين والنظريات العلمية
- لتجنب ذكر الخالق، تُعزى أنظمة مترابطة إلى الطبيعة العشوائية
- عدم الرغبة لإدراك مصدر قوانين الكون يؤخذ كذريعة لنفي وجود المصدر
- الإيمان بالخالق يتوافق مع دليل الوجوب
- الإيمان بوجود خالق يتوافق مع دليل القصد والغاية
- الإيمان بخالق حكيم يتوافق مع دليل التناسق والنظام
- تسخير الكون للإنسان من القدرة والحكمة الإلهية
- ملائمة الكون لنشأة الإنسان من العناية والرحمة الإلهية
- تخصيص الهيئة الأفضل لموجودات الكون من الحكمة والرحمة الإلهية
- الأزواج في المخلوقات دليل على وجود الخالق، وبطلان التطور
- الإيمان بالخالق يتوافق مع قانون السببية
- حقيقة فناء الكون يتوافق مع القانون الثاني للثرموديناميك الذي يحتم بالفناء
- الإيمان بالخالق يطابق مبدأ باركلي الذي يحتم بوجود عقل يشهد على الأشياء
- الإيمان بالخالق يكفل حقوق الإنسان
- الإيمان بالخالق ينفي افتراضية الحياة وكونها لعبة الكترونية
- عقل الإنسان ليس حاسوب آلي، وتميزه يكمن في إدراكه
- عقل الإنسان ليس حاسوب آلي يتوقف عن العمل بفشل مكوناته
- تشبيه عقل الإنسان بالحاسب الآلي حجة ضد الإلحاد
- تشبيه عقل الإنسان بالحاسب الآلي يؤكد البعث
- تشبيه عقل الإنسان بالحاسب الآلي يؤدي إلى إدراك الحقيقة
- دحض متناقضة القدرة المطلقة
- فرضية الأكوان المتعددة تستوجب وجود خالق
- مبدأ أوكام القائل بأولوية صحة أبسط التفسيرات، يتوافق مع الإيمان
- رهان باسكال واليقين بوجود الخالق
- تأملات
- معلومات
- مراجع
- كتب المؤلف
الإلحاد إعلان نجاح أم فشل؟
فاتن صبري
2021
كلمة من القلب
استغاثة النفس:
كان مما قرأت وأعجبني:
"في الوقت الذي اهتزت فيه نابولي لعروض الممثل كارلينيا karlinija، جاء رجل إلى طبيب مشهور في تلك المدينة للسؤال عن دواء للسوداوية المفرطة-الاكتئاب-، فنصحه الطبيب بالبحث عن تسلية والذهاب إلى عروض كارلينيا، فأجابه المريض: أنا كارلينيا"[1].
واستطرد الكاتب قائلاً:
"المؤمن إيمانًا عميقًا والملحد لا يزوران العيادات النفسية، فقط الباحثون والمشككون. المؤمنون يبحثون ويجدون، والملحدون لا يبحثون ولا يجدون، والنمط الثالث يبحثون ولم يجدوا بعد. بدون الله (الخالق) فإن الحياة تعود إلى ميكانيكا وتصبح لا-حياة. فإن قلت إني ذهبت إلى المترو مبكرًا وركبت المترو ثم وصلت الجامعة وحضرت محاضراتي وعدت قافلاً إلى المنزل، هذه العبارات لا تصلح أن تكون رواية أو قصة قصيرة لأنها تخلو من عنصري الخير والشر، ولا توجد رواية عبر التاريخ كله تخلو من عنصري الخير والشر لأنهما سر الوجود الإنساني وسر التكليف".
إن هذا التكليف الذي يتكلم عنه الكاتب يتمثل في الشعور الدفين داخل النفس البشرية الذي يقوده إلى فعل الصواب وتجنب الخطأ، وبالتالي حساب وعقاب.
رحلة البحث:
يزعم الكثير أن كل شيء لا معنى له جوهريًا، وبالتالي لدينا الحرية في إيجاد معنى لأنفسنا من أجل الحصول على حياة مُرضِية. إن إنكار الهدف من وجودنا هو في الواقع خداع للذات. وكأننا نقول لأنفسنا: "دعونا نفترض أو نتظاهر بأن لدينا هدفًا في هذه الحياة".
وكأن حالنا كحال الأطفال الذين يتظاهرون باللعب بأنهم أطباء وممرضين أو أمهات وآباء. إننا لن نحقق السعادة إلا إذا عرفنا هدفنا في الحياة.
لو وُضع إنسان ضد إرادته في قطار فخم، ووجد نفسه في الدرجة الأولى، تجربة فاخرة ومريحة، قمة في الرفاهية. هل سيكون سعيدًا في هذه الرحلة دون الحصول على أجوبة لأسئلة تدور في ذهنه مثل:
كيف ركبت القطار؟ ما الغرض من الرحلة؟ إلى أين تتجه؟ إذا بقيت هذه الأسئلة دون إجابة، كيف يمكنه أن يكون سعيدًا؟
حتى إذا بدأ في الاستمتاع بكل الكماليات التي تحت تصرفه، فلن يحقق أبدًا سعادة حقيقية وذات مغزى. فهل الوجبة الشهية في هذه الرحلة كافية لأن تُنسيه هذه الأسئلة؟ إن هذا النوع من السعادة سيكون مؤقتًا ومزيفًا، لا يتحقق إلا بتجاهل متعمد لإيجاد أجوبة لهذه الأسئلة المهمة، إنها كحالة من حالات النشوى الزائفة الناتجة عن السُكر التي تودي بصاحبها إلى الهلاك. وبالتالي فإن السعادة الحقيقية للإنسان لن تتحقق إلا إذا وجد الأجوبة على هذه الأسئلة الوجودية.
يقول المفكر الإنجليزي جون لوك:
"إذا كان كُل أمل الإنسان قاصرًا على هذا العالم وإذا كنا نستمتع بالحيـاة هنا في هذه الدنيـا فحسب فليس غريبًا ولا مجافيـًا للمنطق أن نبحث عن السعادة ولو على حساب الآباء والأبنـاء".
بين الوجود والعدم:
آمن الكثير من منكري وجود خالق للكون في وقتنا الحاضر أن الضوء خارج الزمن، ولم يقبل أن الخالق لا يخضع لقانون الزمان والمكان. بمعنى أن الخالق قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وأنه تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته.
آمن الكثير منهم أن الجزيئات المتصلة عندما تنفصل عن بعضها تظل تتواصل مع بعضها في نفس الوقت، ولم يقبل فكرة أن الخالق بعلمه مع عبيده أينما ذهبوا. وآمن بأن لديه عقل دون أن يراه، ورفض الإيمان بالخالق دون أن يراه أيضًا.
رفض الكثير منهم أيضًا الإيمان بالجنة والنار، وقبل بوجود عوالِم أخرى لم يراها. وأخبره العِلم المادي بأن يؤمن ويصدق بأشياء غير موجودة أصلا كالسراب، ويؤمن بهذا ويُسلِّم به، وعند الموت لن تنفع البشر الفيزياء ولا الكيمياء، حيث أنها وعدتهم بالعدم.
هذا هو الفرق بين المنكر لوجود الله وبين المؤمن بالله والمؤمن بكتاب الله، الملحد يعتبر المؤمن بوجود خالق للكون إنسانًا متخلفًا لأنه قد آمن بشيء لم يَرَه، مع أن المؤمن يؤمن بما يرفع من شأنه ويُعلي مقامه، والملحد الذي يقدس كتب الفيزياء والكيمياء يؤمن بالعدم الذي يُدني من شأنه.
وجود الخالق:
إن الإيمان بوجود خالق للكون يقوم على حقيقة أن الأشياء لا تظهر بدون سبب، ولا الصدفة ممكن أن تكون موجدة للكون، لأن الصدفة ليست سببًا رئيسيًا، وإنما هي نتيجة ثانوية تعتمد على توافر عوامل أخرى (وجود الزمان، المكان، المادة والطاقة) لكي يتكون من هذه العوامل شيئًا بالصدفة. فلا يمكن استخدام كلمة "صدفة" لتفسير أي شيء لأنها لا شيء على الإطلاق.
إدراك الحقيقة:
المشكلة في وضع إيماننا الكامل بالعلم المادي التجريبي هي أن هذا العلم أساس متغير. يتم إجراء اكتشافات جديدة كل يوم تنفي النظريات السابقة. لا يزال بعض ما نعتبره علمًا نظريًا. حتى لو افترضنا أن جميع العلوم مثبتة ودقيقة، فلا تزال لدينا مشكلة.
العلم التجريبي في الوقت الحاضر يعطي كل المجد للمكتشف ويتجاهل المنشئ. على سبيل المثال - لنفترض أن شخصًا ما دخل إلى غرفة واكتشف لوحة جميلة، رُسمت بدقة شديدة، وبترتيب وتماثل لوني لا يصدق، ثم يخرج ليخبر الناس عنها. الجميع معجب جدًا بالرجل الذي اكتشف اللوحة لدرجة أنهم نسوا طرح السؤال الأكثر أهمية: "من رسمها؟"
هذا ما يفعله البشر؛ إنهم يعجبون جدًا بالاكتشافات العلمية لقوانين الطبيعة والفضاء لدرجة أنهم ينسون إبداع الذي أنشأ قوانين الكون والطاقة والمادة وما إلى ذلك. كل ما يفعله العلماء هو اكتشاف القوانين. لم يبتدعوا هذه القوانين. لقد أبدعها الخالق.
لا يمكن للإنسان أن يدحض وجود الكاتب لمجرد معرفته بالكتاب، إنهم ليسوا بدائل. العِلم اكتشف قوانين الكون لكن لم يضعها، الخالق هو الذي وضعها.
من المؤمنين من لديه درجات عليا بالفيزياء والكيمياء، لكنه يدرِك أن هذه القوانين الكونية وراءها خالق عظيم، فالعِلم المادي الذي يؤمن به الماديون قد اكتشف القوانين التي خلقها الله، لكن العِلم لم يخلق هذه القوانين. فالعلماء لن يجدوا شيئًا يدرسونه بدون هذه القوانين التي أوجدها الله. في حين أن الإيمان ينفع المؤمن في الدنيا والآخرة.
إنه عند مجرد إصابة الإنسان بإنفلونزا حادة أو حمى شديدة قد لا يستطيع أن يصل لكوب الماء ليشرب، فكيف يستطيع الاستغناء عن علاقته بخالقه؟
يقول «وليم جيمس»: "إن أمواج المحيط المصطخبة المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق، ولا تُقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله خليق بألا تعكر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة، فالرجل المتدين حقًا عصيّ على القلق، محتفظ أبدًا باتزانه، مستعد دائمًا لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف".
لماذا الدين؟
يقول هانز شفارتز أستاذ علم اللاهوت:
" إن مع أهمية العِلم، إلا أنه يمكن أن يُستخدم للهدم تمامًا كما يمكن أن يستخدم في التعمير، وهنا يأتي الدور الأهم للإيمان، وأن التجربة العملية لا يمكن أن تأتي بكل الإجابات".
وقال:
"يحتاج الإيمان والمعرفة بَعضهما البعض، ويجب على العلماء أن يعترفوا بأنهم أحيانًا ما يستخدمون الإيمان ليتمكنوا من فهم العلاقات العميقة بين مظاهر الطبيعة التي يلاحظونها".
ويرى شفارتز أن العلماء لا يمتلكون الحقائق والإجابات كما يدَّعون، ويجد في التساؤلات التي يُواجهها العلماء يوميًا أكبر دليل على هذا الأمر، وخاصةً العلماء الذين يبحثون في أصل الحياة، فكلما توصلوا لاستنتاج، ناقضه اكتشاف جديد في اليوم التالي.
والسؤال عن مصدر حياتنا والمغزى منها، والذي لا يمكن للعلم المادي الإجابة عليه، أعطى الدور للميتافيزيقا أو علم ما وراء الطبيعة للإجابة عليه، وكانت حادثة هيروشيما وغيرها من الكوارث التي حدثت بسبب الاختراعات العلمية، قد أفقدت العِلم براءته، وأطلق الفيلسوف كارل جاسبرز وغيره على العِلم المادي مسمَّى الخرافة.
ونستنتج من ذلك أنه إن سلمنا جدلاً أن العلم أجاب على السؤال: كيف نشأ الكون؟ فإنه من غير الممكن الإجابة على أسئلة أصل الحياة وهدفها والأخلاقيات مع استمرار المحافظة على التطور العِلمي، إلا من خلال التوفيق والتكامل بين العِلم والدين.
يستطيع الإنسان بالعِلم المادي أن يصنع صاروخًا، لكن لا يستطيع بهذا العِلم أن يحكم على جمال لوحة فنية مثلاً، ولا تقدير قيمة الأشياء، ولا يُعرفنا الخير والشر. بالعِلم المادي نعلم أن الرصاصة تقتل، ولا نعلم أنه من الخطأ أن نستخدمها لقتل الغير.
يقول ألبرت آينشتاين عالم الفيزياء الشهير:
" لا يمكن أن يكون العِلم مصدرًا للأخلاق، لا شك أن هناك أُسسًا أخلاقية للعِلم، لكننا لا نستطيع أن نتحدث عن أسس علمية للأخلاق، لقد فشلت وستفشل كل المحاولات لإخضاع الأخلاق لقوانين العِلم ومعادلاته".
ويقول إيمانويل كانط الفيلسوف الألماني الشهير:
"إن البرهان الأخلاقي لوجود الإله أقيم وفق ما تقتضيه العدالة، لأن الإنسان الخيِّر يجب أن يُكافأ، والإنسان الشرير يجب أن يعاقَب، وهذا لن يحدث إلا في ظل وجود مصدر أسمى يحاسِب كل إنسان على ما فعل، كما أن البرهان قائم على وفق ما تقتضيه إمكانية الجمع بين الفضيلة والسعادة، إذ لا يمكن الجمع بينهم إلا في ظل وجود ما هو فوق الطبيعة، وهو العالم بكل شيء والقادر على كل شيء، وهذا المصدر الأسمى والموجود ما فوق الطبيعة يُمثل الإله".
تحرر من العبودية:
إننا حتمًا، إذا لم نعبد الخالق، ينتهي بنا المطاف بعبادة "آلهة" أُخرى. فالقلب إما أن يتعلق بأمر من أمور الدنيا يسعى لتحقيقه ويجري ورائه للحصول عليه، أو يتعلق بخالقه وأصل وجوده، وبالتالي فإن رغباتنا وأهوائنا قد تستعبدنا دون أن نشعر. في حين أن ربط قلوبنا بالله عزّ وجل وبالآخرة، تُخرجنا مِن حلقة الاستعباد لغيره، ورب العالمين هو خالقنا وهو أحق من نلجأ إليه ونستعين به.
كثيرٌ من الناس ينجذبون إلى الشهرة والموضة. كما أن الإعلانات ووسائل التواصل الاجتماعي، تَشدّ اهتمام الناس بشَكل مُفرِط، ولها دَور كبير في بث مفاهيم قاصرة، تدعو للاهتمام بالجزيئات وتشتيت الأولويات، وهذا يُسهم في معاناتنا، ويجعلنا نعيش حياةً مضطربة وغير سعيدة.
كما أن بعض المعايير الاجتماعية وغيرها من الضغوط العائلية، التي قد تفرض علينا مراعاة تقاليد ومفاهيم موروثة، يبعدنا عن المطلوب منا في هذه الحياة وواجبنا تجاه خالقنا.
التزام ومسؤولية:
الإيمان بوجود خالق للكون التزام ومسؤولية، فالإيمان يجعل الضمير متيقظًا، ويحث المؤمن على محاسبة نفسه في كل صغيرة وكبيرة، المؤمن مسؤول عن نفسه وأسرته وجاره وحتى عن عابر السبيل، وهو يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله، ولا أظن أن هذه من صفات مدمني الأفيون التي يوصم بها المؤمنون اليوم.
أفيون الشعوب الحقيقي هو الإلحاد وليس الإيمان؛ لأن الإلحاد يدعو أتباعه للمادية، وتهميش علاقتهم مع خالقهم برفضهم للدين والتخلي عن المسؤوليات والواجبات، وحثهم على الاستمتاع باللحظة التي يعيشونها بغض النظر عن العواقب، فيفعلوا ما يحلو لهم حال الأمن من العقوبة الدنيوية، معتقدين بعدم وجود رقيب أو حسيب إلهي، ولا بعث أو حساب. أليس هذا وصف للمدمنين حقًا.
مكانة أسمى للنفس:
مما قرأت وأعجبني:
"إذا ارتكب إنسان جريمة يسعى محامي المتهم لإثبات عدم القصد، مع أن الجريمة وقعت بالمنظور المادي، والمجرم معترف، لكن يتدخل القانون لمعرفة القصد والنية ومعرفة حالة النفس أثناء ارتكاب الجريمة. وهنا نضع النفس في مركز أعلى من الواقعة المادية المجردة. فنحن في الحقيقة لا نحكم على ما حدث في العالم لكن نحكم على ما حدث داخل النفس. وهذا يعكس التناقض المبدئي بين الإنسان والعالم، فلابد أن يكون للأخلاق قيمة لا تقاس بالمعايير المادية المجردة ولا تخضع للقوانين الطبيعية. فالسلوك الأخلاقي والتضحية والمُثُل العليا والزهد والتبتل والإيثار هذه الأخلاق الأصيلة إما أنها لا معنى لها وإما أن لها معنى في وجود الله"[2].
يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون:
إن ما شاهدناه في أزمة كورونا من موتى لا يعرف عنهم أحد، ودور مسنِّين تعج بالجثث الهامدة والتي تبرأ منها كل من حولها، ومن يموت في الطريق لا يدري عنه أحد، ومن لديه المال ينتظر العلاج، وكيف أصبحوا يُضحُّون بالكبير من أجل الصغير، ويتسابق المرضى على أَسِرَّة المستشفيات، وكأن هذا الموقف يعرض مشهدًا شبيهًا بمشاهد يوم القيامة.
فأزمة الكورونا أسقطت من قلوب الناس كثيرًا من الرموز التي كانوا يعلقون عليها أوهامهم، وجعلت آلهتهم الزائفة التي يقدسونها من دون الله تتهاوى واحدًا تلو الآخر، فمن كان يعبد المال لم ينفعه ماله، ومن كان يظن أنه بالعلم المادي وحده يمكن أن ينجو لم ينفعه علمه، ومن كان يتوسل بالحجر والصنم لم يعد يقترب منهما خشية العدوى، وكثيرًا ما نسمع عن قساوسة دعوا أتباعهم إلى اللجوء إلى الله مباشرة وتجنب المجيء إليهم، وأصبحت شمس لا إله إلا الله تتلألأ في العالم.
لا شك أن الموقف يدفع بالإنسان دفعًا إلى الرجوع والإنابة لرب العالمين والاستعانة به، وتتجلى كلمات الحديث الشريف في أجمل معانيها:
إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ. رواه الترمذي.
ودائمًا في كتاباتي ما أذكر كلمات قد قالها لي عجوز إسباني، قال: نحن في الغرب لا نعبد الله ولا نعبد المسيح، نحن نعبد النساء والمال. ومع أنه قد قال ذلك مازحًا لكن عبارته تحمل كثيرًا من الحقيقة، وتحضرني عبارته الآن وقد قال الجميع في الغرب: اللهم نفسي.
فنحن لا نملك في هذه الحياة إلا أن نقبل دعوة الخالق للإيمان به والتسليم له وليس لدينا خيار آخر، فإما الوجود وإما العدم، لنكسب خيري الدُّنيا والأخرة، أو نرضى بالدنيا فتُهلِكنا، ويكون مصرينا الجحيم.
لقد أردت في هذا الملخص عرض أدلة على وجود خالق للكون من كلام الخالق ومن قوانين الكون التي وضعها الخالق، ومن موجودات الكون التي أبدعها الخالق. وعرض أقوال بعض العلماء المؤمنين بوجود الخالق، إضافة إلى أقوال المنكرين لوجود الخالق والتي تؤيد حقيقة وجوده سبحانه وتعالى.
ويُعنى هذا الكتاب أيضًا يإثبات أن فكرة إنكار الخالق هي التي خالفت العقل والفطرة والعلم الحديث، وليس الإيمان كما يعتقد البعض.
وإني لأسأل الله العلي القدير أن يتقبل مني هذا الكتاب ويجعله مصدر هداية ووصول إلى الحل الذي يبحث عنه من أنكر وجود الخالق، لأنه بإلحاده قد أعلن فشله في التوصل لهذا الحل.
من خلق الكون؟
إذا كان العالم مؤمنًا فسيقول الخالق بلا شك، ولكن العالم الملحد سيقول: أن مهندسًا خارقًا، أو بكتيريا ذكية، أو الصدفة، أو مجموعة من العلماء أو مخلوقات فضائية من كوكب آخر قاموا بتجربة ما أدت إلى نشأة الكون!
فيرد الله تعالى:
اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (الزمر:62)
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (الأنعام:101-102)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (ق:38)
من هو الخالق؟
اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة: 255)
من خلق الخالق؟
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الحديد: 3)
...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى: 11)
ما حقيقة وجوده؟
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (الذاريات: 23)
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.... (إبراهيم: 10)
ما هي أسمائه وصفاته؟
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) ( الحشر: 22-24)
التعريف بأفعاله
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (يس: 82)
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (الأنعام: 61)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (التكوير: 29)
له التدبير المطلق
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (السجدة: 5)
له الأمر المطلق
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (هود: 123)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ( آل عمران: 109)
له الغنى المطلق
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ( الحجر: 21)
...وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (المنافقون: 7)
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (الأنعام: 133)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (فاطر: 15)
...وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (آل عمران: 97)
له مفاتيح الغيب
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (الأنعام: 59)
له طلاقة القدرة
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(27) ( آل عمران: 26-27)
كيف نشأ الكون؟
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (البقرة:117)
مرحلة الفتق
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء:30)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فاطر:1)
الآيات القرآنية التالية تؤكد ما يلي:
● السماوات والأرض "الأكوان" كانت قطعة واحدة، واصفًا إياها بأنها كانت "رتقًا" التي تعني الشيء الملتحم معًا بقوة.
توسع الكون "السماء"
وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات:47)
موقع الأرض والأصل الدخاني للسماء
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (11) (فصلت)
هذه الآيات توضح ما يلي: اليوم 1 & 2: تكوين الأرض.
وفي يوم 3 و4: ظهور الجبال من أعلاها وارتفاعها، كما تقدير الأقوات لقاطني الأرض (أي خلق النباتات والحيوانات).
في الوقت الذي تحدث فيه القرآن منذ ما يزيد على 1400 سنة عن الأصل الدخاني للسماء، فإن غبار ما بين النجوم لم يكتشف إلا حينما صنع الألمان في العصر الحديث أجهزة كشف الغبار. أما عن الغبار بين النجوم، فقد اكتشف العلماء أن عالمنا هو عالم ترابي، والغبار الكوني الحالي ليس سوى جزء متبقٍ من دخان السماء.
ولقد أخبر العلم التجريبي أن مجرتنا تقع في النصف العلوي من الكون وتتحرك مع الميل الى أعلى، ونحن في اتجاه توسع الكون.
خلق الزمان والمكان
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (يونس:5)
يقول الله أيضًا:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة:164)
ما الغاية من الخلق؟
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56)
قال الله أيضَا:
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (الكهف:7)
هل الخالق بحاجة إلى البشر؟
... إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (العنكبوت:6)
تصحيح مفهوم التطور
لم يكن الإنسان شيئًا مذكورا
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (الإنسان: 1)
خلْق آدم كان بداية من طين
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (المؤمنون:12)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ (السجدة:7)
تكريم آدم أبو البشر
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (ص:75)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة : 34)
خلْق ذرية آدم
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (السجدة:8)
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون:14-13)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (الفرقان: 54)
تكريم ذرية آدم
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء: 70)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى:11)
منح آدم إرادة الاختيار
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (البقرة: 35)
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ… (الكهف:26)
تمييز آدم بالعلم
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة:31)
الخطأ من تبعات الاختيار
فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة:37)
قصة تمهيدية للاستخلاف في الأرض
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة:30)
وجود الخالق وعلاقته بالقوانين والنظريات العلمية
لتجنب ذكر الخالق، تُعزى أنظمة مترابطة إلى الطبيعة العشوائية
على الرغم من أنهم لم يعترفوا بذلك أبدًا، يشير العلماء من الملحدين إلى الخالق بأسماء أخرى (الطبيعة الأم، قوانين الكون، الانتخاب الطبيعي "نظرية داروين"، إلخ...)، في محاولات بائسة للهروب من مَنطق الدين والاعتقاد بوجود خالق.
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ (النجم:23)
كان مما قرأت وأعجبني:
أن الداروينية الجديدة تعتمد على حدوث التغيرات في صفات الكائنات الحية عن طريق الطفرات.
والطفرات ما هي إلا (تخريب) في المادة الوراثية!
فعلينا أن نصدق أن الأخطاء المتتالية هي التي أنتجت الإبداع الذي نراه في الكائنات!
وهذا كمن يقول إن طفلاً ظل يلعب في نظام الكمبيوتر لسنوات، وهذه الضغطات العشوائية على لوحة المفاتيح أنتجت نظام أفضل بطريق الصدفة والعشوائية.
إن وصف العشوائية الذي يُطلق على مبدأ ونظرية التطور الكبير يعني أننا:
- لا نعرف ماذا يقف وراء التطور
- لا نعرف آليات ظواهر التطور
- لا نعرف النمط الذي يتبعه
- لا نستطيع التنبؤ بظواهره
وبالرغم من كل تلك "اللامعرفيات"، فالبعض يعتقد بأن التطور الكبير نظرية علمية سليمة! فالتطور الكبير بالنسبة للمؤمنين به هو نظام "صندوق أسود".
فالتطور معلوم والكيف مجهول، والإيمان به بالنسبة لأتباعه واجب، والسؤال عنه بدعة علمية بلا جدال ولا نقاش.
عدم الرغبة لإدراك مصدر قوانين الكون يؤخذ كذريعة لنفي وجود المصدر
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (يونس:39)
يقولون: أنتم المُؤمنون تتبَنَّون مبدأ "إله الفَجوات" أي كلما وجــدتم ثغرة في العِلم، نســبتم إلى الإلــه القيام بها.
نقول لهم: عدم الرغبة أو القدرة لإدراك مصدر قوانين الكون كذريعة لنفي وجود المصدر، هو في الواقع أكبر فجوة في الإدراك والمنطق، "إلحاد الفجوات".
الإيمان بالخالق يتوافق مع دليل الوجوب
لم يدَّعِ أحد أنه الخالق إلا صاحب الأمر والخلق وحده، هو من كشف عن هذه الحقيقة، عندما أرسل رسله إلى البشرية. عند العثور على حقيبة في مكان عام، ولم يأتِ أحد ليدَّعي أنه صاحب الحقيبة باستثناء شخص واحد، قام بتقديم مواصفات الحقيبة ومحتوياتها، تصبح الحقيبة من حقه إلى أن يظهر مدعي بعكس ذلك، وهذا حسب قوانين البشر.
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ (سبأ:22)
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (الأنبياء:22)
الإيمان بوجود خالق يتوافق مع دليل القصد والغاية
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (الذاريات: 56: 57)
الإيمان بخالق حكيم يتوافق مع دليل التناسق والنظام
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (الملك:3)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (القمر:49)
إن وجود كوارث وأمراض في الكون لا ينفي وجود الإتقان، فلو لم نجد اتقان للكون أصلاً لما أدركنا وجود أشياء غير متقنة. إن الادعاء بوجود عيب في التصميم ما هو إلا قصور في إدراك الحكمة من الأشياء، فالمؤمن بوجود خالق للكون يؤمن بأنه لا يقع بالكون شيء بلا غاية، إذاً، الحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب ومن ثم الجزاء، ووجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل، وعبادته والتوجه إليه مباشرة بالدعاء والطلب، والصبر عند البلاء والشكر في الرخاء.
تسخير الكون للإنسان من القدرة والحكمة الإلهية
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (النحل:5)
ملائمة الكون لنشأة الإنسان من العناية والرحمة الإلهية
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (إبراهيم:32)
تخصيص الهيئة الأفضل لموجودات الكون من الحكمة والرحمة الإلهية
أفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (٦٩) لو نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (الواقعة:68)
أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (الفرقان:45)
الأزواج في المخلوقات دليل على وجود الخالق، وبطلان التطور
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (يس:36)
يمكن العثور على الخلق الذاتي في الكائنات أحادية الخلية، لكن افتراضًا بوجود الخلية الأولى، وبالتالي فهو أسلوب تكاثر، ولو سلمنا جدلاً بأن المخلوق ذاتي التكاثر يمكن أن يتطور، فهذا لا ينطبق على الأزواج، لأن تركيبة الكائن الحي وخلقه من أجل التزاوج يقتضي الدراية بما يريد أن يتطور إليه كل زوج منها بدقة كاملة من اختلاف في تركيبة الأجهزة ووظائفها وأماكنها، وتفاصيل كثيرة.
الإيمان بالخالق يتوافق مع قانون السببية
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (الطور:35)
فرضية عدم وجود خالق للكون تتنافى مع كثير من القوانين الطبيعية التي نراها من حولنا، فمثال بسيط، كأن نقول إن أهرامات مِصر وجدت من لا شي كافي أن يدحض هذا الاحتمال.
الخلق الذاتي هو استحالة منطقية وعملية، والذي يعني أن شيئًا ما كان موجودًا وليس موجودًا في نفس الوقت، والقول إن الإنسان خلق نفسه يعني أنه كان موجودًا قبل أن يكون موجودًا، وهذا مستحيلاً.
حقيقة فناء الكون يتوافق مع القانون الثاني للثرموديناميك الذي يحتم بالفناء
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (الرحمن:26)
يقول هذا القانون أن الكون يتجه الآن نحو الموت الحراري عندما تتساوى حرارة جميع الأجرام، فالكون كما يقول العلماء يتجه نحو التبسيط والتفكيك ومن ثم الفناء للكون وما يحتويه، بينما يقول الإلحـاد أن الكون يتجه نحو التعقيد والتطور. لذا يعتبر العلماء أن هذا القانون يهدم نظرية داروين.
الإيمان بالخالق يطابق مبدأ باركلي الذي يحتم بوجود عقل يشهد على الأشياء
أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت53)
ينص هذا المبدأ على أننا نحن البشر لا نعلم عن العالم الخارجي إلا ما في أذهاننا من مدركات حسية، والعقل يحتم وجود عقل كلي يستوعب جميع الأشياء ويكون شهيدًا عليها، (بمعنى وجود قوة خارجية مختلفة عن البشر).
الإيمان بالخالق يكفل حقوق الإنسان
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13)
الإيمان بالخالق ينفي افتراضية الحياة وكونها لعبة الكترونية
...وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) (الأنبياء)
القول بأن حياة الإنسان عبارة عن لعبة الكترونية تحاكي الواقع استحالة منطقية، فلكي يتمكن الحاسوب المنفذ لعمليات حسابية من محاكاة الواقع، فإنه بحاجة قدرات بنيوية كافية لتوليد الظواهر التي نعيشها في بيئة المحاكاة التي بناها (بيئتنا). لكن اكتُشف أن تخزين المعلومات اللازمة لمحاكاة سلوكيات معينة لبضع مئاتٍ من الإلكترونات فقط، يتطلب عددًا من الذرات أكثر من موجودات الكون! فلا يمكننا تشكيل ومحاكاة فيزياء الكمّ ومبادئها المعقدة بأي تكنولوجيا متقدمة نعرفها حتى على أكبر حاسوب يمكن أن نتخيله.
عقل الإنسان ليس حاسوب آلي، وتميزه يكمن في إدراكه
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج:46)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (المؤمنون:78)
عقل الإنسان ليس حاسوب آلي يتوقف عن العمل بفشل مكوناته
يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (الروم:7)
بقول الملحد الشهير ستيفن هوكينز بأن نهاية الحياة مرتبطة بتلف العقل، كالحاسب الآلي الذي يتوقف عن العمل عندما تفشل مكوناته، كذريعة لنفي يوم البعث.
فنقول له: هل يجعل العقل السليم قلب جسد ميت ينبض ورئته تتنفس؟ بالطبع لا، فهذا ميت زُرع في ميت ولا قيمة له من دون الروح التي خرجت منه، ولهذا فنحن نبحث عن جسد حي به الروح، به قلبٌ ينبض ورئة تتنفس. و حتى لو لم يعترف الملحد بالروح التي يبحث عن أثرها دون اعتراف بوجودها أو بفضل خالقها، فيكفي أن تجارب العلماء العاملين في مجال نقل الدماغ أو الرأس تعترف بذلك.
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (المؤمنون:115)
تشبيه عقل الإنسان بالحاسب الآلي حجة ضد الإلحاد
إن الحاسب الآلي صنعه إنسان ذو عقل محدود للغاية ولم يأت صدفة، فهذا الإنسان صانع الكمبيوتر وهو الأكثر تعقيدًا لم يأت إلى الدنيا صدفة أيضًا، ولابد له من صانع، وإذا كان الحاسب الآلي عند الملحد لا يجد من يُعيده إلى الحياة فذلك لضعف قدرات صانعه، ولو تدبر في خلق نفسه وخلق الكون من حوله بما فيه من بديع الصُنع، لأيقن قوة خالقه ولأيقن بقدرته على إعادته من بعد فناءه.
قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (إبراهيم:19)
تشبيه عقل الإنسان بالحاسب الآلي يؤكد البعث
إذا كان صانع الكمبيوتر يُعيد صناعة بلايين الأجهزة من الكمبيوتر بطُرق هي أيسر عليه من أول مرة صنع فيها الجهاز الأول بل ويصنع ما هو أفضل منه، ولله المثل الأعلى، فكيف بمن بدأ خلق الإنسان وخلق الكون كله بهذه القدرات الهائلة أن يعجز عن إعادة الإنسان أو الكون بذاته أو يخلق ما هو أفضل منه.
قال تعالى:
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الروم:27)
تشبيه عقل الإنسان بالحاسب الآلي يؤدي إلى إدراك الحقيقة
لو أحسن الملحد المقارنة بين الحاسب الآلي والإنسان، لأدرك أن الحاسب الآلي بمكوناته المادية لا قيمة له بدون طاقة، وبرنامج تشغيل يربطه بما حوله من مُدخلات علمية. وكذلك الإنسان لابد له من طاقة تحركه و تبعث فيه الحياة، و تجعله قادرًا على التعرف على ذاته وعلى ما حوله، و تجعله يختلف عن الحجر و الشجر و سائر الحيوان اختلافًا شاسعًا في الإدراك و القدرات، فإذا غابت عنه تلك الطاقة غاب الإدراك، و هذا ما نشاهده في الجنين في بطن أمه في الشهور الأولى من الحمل حيث يكون كتلة لحم لا إدراك فيها، و ما نشاهده في الإنسان بعد الموت حيث يصير كتلة لحم لا إدراك فيها، و ما بينهما نجده مفعم بالحياة و الإدراك، و العقل يُحتم أن الحي يزيد عن الميت بشيء ما يهبه الحياة و الإدراك، كما أن الحاسب الآلي الذي يعمل يزيد عن الذي لا يعمل بالطاقة المحركة، هذا الشيء أسماه الملحد الوعي، و أسماه الله الروح.
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء:85)
دحض متناقضة القدرة المطلقة
يقولون: هل يَستطيع الخالق خلق صخرة كبيرة لا يستطيع حملها؟
يرد الله تعالى:
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (القصص:68)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) (الحج)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (الزمر:67)
فالسؤال الذي يكرره الملحدون عن إمكانية الخالق أن يخلق صخرة أعظم منه فاسد، فهو كمن يسأل عن امكانية رسم دائرة مثلثة الشكل. الخالق الإله الواحد الأحد جلَّ جلاله، لا يَفعل ما لا يليق بجلاله، وتعالى الله عن ذلك عُلوًا كبيرًا.
ولله المثل الأعلى: إن أي قسيس أو إنسان لديه منزلة دينية رفيعة لا يَخرج الى الشارع العام عاري الجسد، على الرَّغم مِن استطاعته فعل ذلك، لكنَّه لا يمكن أن يخرج للملأ بهذه الصورة. لأن هذا التصرف لا يليق بمكانته الدينية.
فرضية الأكوان المتعددة تستوجب وجود خالق
إن الفرضية التي يتداولها الملحدون بخصوص وجود أكوان أخرى كذريعة لنفي وجود خالق للكون هي حجة عليهم، فلو سلمنا جدلاً بذلك فلا بد لهذه الأكوان من خالق.
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) (يس)
مبدأ أوكام القائل بأولوية صحة أبسط التفسيرات، يتوافق مع الإيمان
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم:30)
إنه يكفي لأن نقول بين الجماهير من أصحاب الديانات: الخالق إله واحد، لأجابوا بصوت واحد: نعم، نعم الخالق واحد. لكنهم قد يختلفون وقد يذبح بعضهم البعض على نقطة واحدة وهي: الصورة التي يتجسد بها الخالق. فمنهم من يقول: الخالق واحد، لكنه يتجسد في ثلاثة أقانيم أو له ولد، ومنهم من يقول: يأتي الخالق بصورة حيوان أو صنم، تعالى الخالق عن ذلك علوًا كبيرا.
فعلى سبيل المثال: لقد ذكر التقرير المرفوع إلى الحكومة البريطانية في الهند:
" أن النتيجة العامة التي انتهت إليها اللجنة من البحث هي أن كثرة الهنود الغالبة تعتقد عقيدة راسخة في كائن واحد أعلى".[3]
رهان باسكال واليقين بوجود الخالق
من ضمن النقاط التي يطرحها بعض الملحدين هي: إن كان عليهم الإيمان بإله واتباع دين وكتاب مقدس لهذا الدين، فأي إله وأي دين وأي كتاب عليهم أن يؤمنوا به.
إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (النحل:23)
إن الإيمان بالخالق يجب أن يكون بيقين كامل وليس قائمًا على احتمالات، وهو الخالق للكون وما يحتويه، الواحد الأحد الذي ليس له شريك في ملكه وليس له ولد. ولا يتجسد في صورة صنم أو بشر أو حيوان. الخالق الذي يلجأ إليه جميع البشر في الضراء شاؤوا أم أبوا، بقصد أم بغير قصد.
وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (البقرة:136)
يحث المروجون لنظرية رهان باسكال الشهيرة أتباعها على الإيمان بإله في جميع الأحوال.
رهان باسكال ينص على:
● إن آمنت بالله وكان الله موجودًا، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنة، وهذا ربح لامحدود.
● إن لم تؤمن بالله وكان الله موجودًا، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنم، وهذه خسارة لامحدودة.
● إن آمنت بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك، وهذه خسارة محدودة.
● إن لم تؤمن بالله وكان الله غير موجود، فلن تُعاقب لكنك ستكون قد عشت حياتك، وهذا ربح محدود.
فيقول الملحد إن أردت تطبيق هذه النظرية، فأي إله يجب عليّ أن أعبد: المسيح إله النصارى، أم كريشنا إله الهندوس، أم يوذا إله البوذيين أم إله المسلمين؟
فنقول له: عليك أن تؤمن وتعبد من يلجأ إليه الجميع في الضراء، خالق بوذا وكريشنا والمسيح وجميع البشر، الذي خلقك ويتوفاك عند الممات. إن فاقد الشيء لا يعطيه، فهل يعقل أن يساوى بين الملك وعامة الشعب في الطلب؟
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (يونس:104)
والملحد مؤمن شاء أم أبى، ولكنه يُظهر الكفر ويبطن الإيمان ظلمًا وعلوا.
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (النمل:14)
على سبيل المثال: عندما يدرك ركاب طائرة سقوطها الحتمي، فعلى اختلاف دياناتهم وطوائفهم يتوجهون إلى القوة التي في السماء لنجدتهم بما فيهم الملحدين، وفي هذه اللحظة يكونوا قد توحدوا على دين الاسلام، لكن عندما يتيقنوا من نجاتهم فإنهم يعودون إلى اتخاذ الوسطاء ليتفرقوا من جديد.
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (العنكبوت:65)
ويؤكد القرآن على أن التصريح بعدم الإيمان بخالق للكون ما هو إلا عنادًا واستكبارا.
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر:56)
فكما توجه الجميع نحو الخالق مباشرة في الضراء، فكان لا بد لهم التوجه إليه مباشرةً في السراء والضراء، وهذا هو الإله الذي يدعو دين الإسلام لعبادته، وللإيمان بخاتم رسله محمد عليه الصلاة والسلام، والإيمان بكتابه المقدس وهو القرآن الكريم.
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة:136)
كما أن العديد من الأنبياء والرُّسل الذين أرسلهم الخالق للأمم المختلفة، ذُكرت أسمائهم في القرآن الكريم (مثل المسيح، موسى، إبراهيم، نوح، داود، سليمان، إسماعيل، إسحاق ويوسف، إلخ....)، هناك آخرون لم يُذكروا. فليس من المستبعد كون أصل بعض الرموز الدينية المقدسة في الديانات الوضعية أنبياء قد عبدتهم أقوامهم وقدستهم على مر الزمن من دون الله. كما فعل قوم نبي الله نوح عندما قدسوا وعبدوا الصالحين منهم.
"وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ..." (النساء :164)
يقول علي عزت بيجوفيتش:
"كتب أرسطو ثلاثة كتب علمية، في الطبيعيات، في السماوات، في الأرض، هذه الكتب الثلاثة لا توجد فيها اليوم جملة واحدة صحيحة علميًا، الكتب الثلاثة من منظور علمي تساوي صفرًا من عشرة، بينمـا القرآن وكما يقول موريس بوكـاي في كتابه الشهير "القرآن والإنجيل والتوراة بمنظور العلم الحديث" : "الحقيقة أني لم أجد آية واحدة من القرآن الكريم تخالف حقيقة علمية واحدة، بل لقد سبق القرآن العلم الحديث في مناح كثيرة، وصحح كثيرًا من النظريات العلمية التي كانت سائدة في عصره ، على سبيل المثال فكرة أن المياه الجوفية تكونت عن طريق هوة عميقة في قاع القارات نقلت المياه الجوفية من المحيطات إلى أعماق الأرض، هل صادق القرآن هذه الخرافة العلمية التي كانت سائدة في ذاك العصر؟
أم قال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ... (الزمر: 21).
فمصدر الميـاه الجوفية هو الينابيع المتكونة من الأمطـار، وليس فجوة أرسطو التي في عمق القارة والتي كانت سائدة في ذلك الوقت".
تأملات
● إذا قلنا إن كل شيء له مصدر، وأن هذا المصدر له مصدر، وإذا استمر هذا التسلسل على الدوام فإنه من المنطق أن نصل إلى بداية أو نهاية. لا بد من أن نصل إلى مصدر ليس له مصدر، وهذا ما نسميه "السبب الأساسي"، وهو يختلف عن الحدث الأساسي، فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا أن الانفجار الكبير هو الحدث الأساسي، فإن الخالق هو المسبب الأساسي الذي سَبَّب هذا الحدث.
● إن القول بأن خالق الكون بحاجة إلى خالق، رغم أنه خالق، كأننا نقول: إن المِلح يحتاج إلى ملح كي يكون مالحًا رغم أنه مالح. والسؤال: "من خلق الله؟" يساوي السؤال: ما الذي سبق الشيء الذي لا شيء قبله؟ ويساوي السؤال: ما بداية الشيء الذي لا بداية له؟ ويساوي السؤال: " ما هي رائحة اللون الأصفر". فكما أن اللون الأصفر لا يقع تحت قائمة الأشياء التي تشم، ولله المثل الأعلى، فالخالق لا يقع تحت قائمة الأشياء المخلوقة.
● للكون خالق وهو واحد، والسؤال "من خلق الخالق" لا يصح. على سبيل المثال، نأخذ مثال الجندي والرصاصة الشهير، الجندي يريد أن يطلق النار، ولكن حتى يطلق النار، يجب على الجندي أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهذا الجندي حتى يعطي الإذن يجب أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهكذا إلى ما لا نهاية، السؤال: هل سيطلق الجندي النار؟ الجواب: لا؛ لأنه لن يصل إلى الجندي الذي سيعطيه الإذن بإطلاق النار، أما إذا انتهت السلسلة إلى شخص لا يوجد فوقه أحد ليعطيه الإذن بإطلاق النار، فستنطلق الرصاصة، وبدون هذا الشخص، ومهما كثُر عدد الأشخاص، لن تنطلق الرصاصة؛ فهم كالأصفار إذا وضعتها بجانب بعضها البعض، فمهما كثرت وبلغت حدًّا لا نهاية له، فستظل لا تساوي شيئًا، إلا أن يوضع قبلها رقم: 1 فأكثر.
● إن الشركة المصنِّعة لسلعة أو بضاعة كالتلفزيون أو الثلاجة مثلاً، تضع قوانين وضوابط لاستخدام الجهاز، وتقوم بكتابة هذه التعليمات في كتاب يشرح طريقة استخدام الجهاز وتُرفقه مع الجهاز. وعلى المستهلك اتباع هذه التعليمات والتقيد بها إذا ما أراد أن يستفيد من الجهاز على النحو المطلوب، في حين أن الشركة المصنِّعة لا تخضع لهذه القوانين. لله المثل الأعلى، فالله هو الذي خلق قانون السببية، ولا يمكن اعتباره خاضعًا للقانون الذي خلقه. مع أن له طلاقة القدرة وهو فعال لما يريد.
● لو دخل شخص غرفته ووجد زجاج النافذة مكسورًا، حينها سوف يسأل أهله عمن كسر زجاج النافذة، فيجيبوه: لقد كُسرت بالصدفة. الجواب هنا خطأ، لأنه لم يسأل كيف كسرت النافذة، ولكنه سأل من كسر النافذة. فالصدفة وصف للفعل وليست فاعل. فلا تصح الاجابة بكلمة صدفة على سؤال من أوجد الكون. وإذا افترضنا دخول شخص ما إلى غرفته ووجد زجاج النافذة مكسورًا، وسأل أهله من كسره، فأجابوه: كسره فلان صدفة. الجواب هنا مقبول ومعقول، لأن كسر الزجاج أمر عشوائي يمكن أن يحدث صدفة. ولكن لو دخل نفس الشخص غرفته في اليوم التالي ووجد زجاج النافذة قد أُصلح وعاد كما كان، وسأل أهله: من أصله، لأجابوه: أصلحها فلان صدفة، فالجواب هنا غير مقبول، بل مستحيلٌ عقلًا، لأن الفعل وهو إصلاح الزجاج، ليس فعلاً عشوائيًا. لذلك نقول: يستحيل عقلاً أن يكون الكون والمخلوقات قد خلقت صدفة، بل خلقت عن قصد. وبهذا تخرج الصدفة نهائيًا من مسألة خلق الكون.
● يُعتبر د. روبرت هوايت، من أكبر العاملين في مجال زراعة المخ أو الرأس منذ عام 1960، وفي تجربة فريدة استطاع أن يحصل على مخ قرد ويبقيه خارج الجسد حي وذلك بالتبريد مع استخدام آلات خاصة تعمل على وصول الدم إلى هذا المخ فيما يشبه القلب الصناعي وبهذا يمكن إبقاء المخ في حالة سليمة وجاهز للنقل إلى جسد شخص آخر. وهذه التجربة السابقة ترد على الملحد الذي يقول بأن الحياة تنتهي بتلف الدماغ، حيث مات القرد وبقي المخ سليم لم يتلف، فهل يستطيع كل علماء الأرض أن يعيدوا هذا المخ السليم إلى جسد القرد الذي مات لترجع إليه الحياة؟ بالطبع مُحال.
● من المعلوم أن إدراك الكمبيوتر للمُدخلات العلمية ناتج عن برمجة سابقة من الإنسان، فهل يمكن للإنسان أن يدرك ما حوله بدون برمجة سابقة. فما تنقله لنا الحواس الخمسة ليس إلا إشارات كهربائية تنتقل من الحواس إلى العقل عبر الأعصاب فيتم التعرف عليها في العقل، فكل ما نشعر به من هذا الكون ليس إلا إشارات كهربائية في داخل الدماغ، فما الذي جعل الدماغ يتعرف على كل ما تدركه الحواس ويُفرق بينها بدقة شديدة، فهذا كبير وهذا صغير، هذا أصفر وهذا أخضر، هذا صوت حسن وهذا سيء. فما هي الآلة التي تعمل بداخلنا لتُدرك المحسوسات بكافة اختلافاتها، ليس بعد الولادة فحسب بل وقبل الولادة أيضا، فالجنين في بطن أمه بعد نفخة الروح يشعر بنفسه فيضحك ويضع إصبعه في فمه ويحرك أعضائه، كما يشعر بغيره فيمكنه السمع والاستجابة للأصوات والتفريق بين فرحة الأم وحزنها، فمن علمه وبرمجة ليفعل كل ذلك.
● لا يمكن للطبيعة أن تكون الموجدة للكون، فالطبيعة تتكون من زمان ومكان وطاقة، فهي مفتقرة إلى من أوجد هذه العوامل، وجعلها بهذا التعقيد الشديد والفروق الكبيرة بين مكوناتها واختلاف طبائعها وألوانها، ثم كيف أدركت الطبيعة أن العقل الإنساني ينبغي أن ينتبه لكل هذا الكم الرهيب من تفاصيل الكون فزودته بآلة الإدراك التي تميز بين الأشياء مع أنها لا تعدو أن تكون مجرد إشارات كهربائية تنتقل من الحواس إلى الدماغ. إن الربط بين تعقيد الدنيا وتعقيد الإدراك لابد أنه أمر مبرمج بحسابات دقيقة وليس صدفة، ولو كان صدفة لمكنته الطبيعة من إدراك كل شيء فيها فلا يغيب عنه شيء، أو لحرمته الطبيعة من إدراك أي شيء، ولكن لأن آلة الإدراك مبرمجة فهي تعمل في إطار محدد، وهكذا كل كائن حي له برمجته الخاصة التي تمكنه من إدراك أشياء معينة وتغيب عنه أشياء أخري.
● تكريم آدم أبو البشر لم يكن فقط أنه خُلق مستقلاً من طين، بل أنه خُلق مباشرةً بيديّ رب العالمين، وطلبه تعالى من الملائكة السجود لآدم طاعة لله.
● لقد جعل الله نسل آدم بداية من ماء مَهين للدلالة على وحدة مصدر الخلق ووحدانية الخالق، وأنه ميَّز آدم عن سائر المخلوقات بخلقه مستقلاً تكريمًا للإنسان ولتحقيق حكمة رب العالمين في جعله خليفة في الأرض. وأن خلق آدم من غير أب ولا أم هو أيضًا للدلالة على طلاقة القدرة، وضرب مثلاً آخر في خلق عيسى عليه السلام (المسيح) من غير أب لتكون معجزة على طلاقة القدرة وآية للناس. وأن ما يحاول الملحدون إنكاره بنظرية التطور هو دليل ضدهم.
إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (آل عمران: 59)
● عندما يجد الإنسان نفسه غني جدًا وكريم للغاية، فإنه سوف يدعو الأصدقاء والأحباب إلى الطعام والشراب. صفاتنا هذه ما هي إلا جزء بسيط مما عند الله، فالله الخالق له صفات جلال وجمال، هو الرحمن الرحيم، المعطي الكريم، لقد خلقنا لعبادته، ليرحمنا ويسعدنا ويعطينا، إن أخلصنا له العبادة وأطعناه وامتثلنا أمره، وكل الصفات البشرية الجميلة مشتقة من صفاته. إنه خلقنا ومنحنا القدرة على الاختيار، فإما أن نختار طريق الطاعة والعبادة، وإما أن ننكر وجوده ونختار طريق التمرد والمعصية.
● لقد ميَّز الله الجن والأنس منفردين دون سائر المخلوقات بحرية الاختيار. وأن تميز الإنسان هو بتوجهه لرب العالمين مباشرة بدون قديس ولا قسيس، وإخلاص العبودية لله بمحض إرادة الإنسان، والاعتقاد الكامل أن الله ليس له شريك ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان ولا حيوان ولا صنم أو حجر. ويكون بذلك قد حقق حكمة الخالق بجعل الإنسان على رأس المخلوقات.
● الإرادة والقدرة على الاختيار في حد ذاتها نعمة، إذا تم استخدامها وتوجيهها بصورة سليمة وصحيحة، وتكون نقمة إذا تم استغلالها لمقاصد ومآرب فاسدة.
● كان بإمكان الخالق أن يجعلنا مكرهين على الطاعة والعبادة، لكن الإكراه لا يحقق الهدف المَرجو من خلق الإنسان.
● الدرس الذي علمه الله للبشرية عند قبوله توبة آدم بسبب أكله من الشجرة المحرَّمة هو بمثابة أول مغفرة لرب العالمين للبشرية، حيث أنه لا يوجد معنى للخطيئة الموروثة، فلا تزر وازرة وزر أخرى، فكل إنسان يتحمل ذنبه وحده؛ وهذا من رحمة رب العالمين بنا. وأن الإنسان يُولد نقيًّا بلا خطيئة، ويكون مسؤولاً عن أعماله ابتداءً من سن البلوغ.
● الإنسان لن يُحاسَب عن ذنب لم يقترفه، كما أنه لن ينال النجاة إلا بإيمانه وعمله الصالح، منح الله الحياة للإنسان وأعطاه الإرادة للامتحان والابتلاء، وهو مسؤول فقط عن تصرفاته. وأن الإنسان يملك حرية الاختيار فقط في حدود معرفته وإمكانياته. إن الحساب مرهون بوجود المسؤولية وإمكانية الاختيار، فالخالق لن يحاسِب المرء على شكله ووضعه الاجتماعي. والحرية المحفوفة بالصراع والكفاح أعظم درجة وتكريم للمرء من الإنسان السعيد مسلوب الإرادة. إن الحساب والثواب ليس لهما معنى بدون الإرادة. وليس من المنطقي أن يمنح الله القدير الناس حرية الاختيار ثم يتركهم دون حساب. الحساب يتبع المسؤولية، يوم القيامة هو استكمال لنظام وجودنا.
● تطور الإلحاد عند البشر بصور مختلفة، ولكنه ظهر بعد تحريف أصحاب الشرائع السماوية السابقة للمفهوم الحقيقي للإله، وتعقيد هذا المفهوم المحرف كان بوصف الخالق بأوصاف لا تليق بجلاله، كأن يتعب ويرتاح ولا يعرف الخ، والذي ينافي المفهوم البسيط الذي فطره الله في قلوب البشر. من الأسباب الأخرى التي دفعت الناس للإلحاد هي مطالب وأوامر رجال الدين والمؤسسات الدينية الغير مقبولة ولكسب فوائد دنيوية وسياسية.
● إن الهدف الأساسي للحياة هو ليس التمتع بإحساس عابر بالسعادة؛ بل هو تحقيق سلام داخلي عميق من خلال معرفة الله وعبادته. إن تحقيق الهدف الإلهي سيؤدي إلى النعيم الأبدي والسعادة الحقيقية. لذا، إذا كان هذا هو هدفنا الأساسي، فإن مواجهة أي مشاكل أو متاعب سوف تهون في سبيل بلوغ هذه الغاية.
● هذه الدنيا اختبار، والإنسان يخرج من الدنيا فقط بشهادة ناجح أو راسب. فمن الخطأ أن يحب الإنسان الدنيا، فهو كمن يقول إنه يحب الامتحان ومتعلق به ولا يريد الشهادة التي يخرج بها من هذا الامتحان.
● إن الرجوع إلى صانع الطائرة عند عدم فهمِنا لآلية عَمل محرك الطائرة لا يُعتبر فجوة في التفكير، بالرغم من أن صانع الطائرة لا وجود له في أي خطوة من آلية عمل المحرك، لكنه مسؤول عن وجود الآليــات التي نعرفها. إن الإله ليس إلهًا لسد ثغرات منشــأها الجهل، لكنه السبب الأول وراء كل الآليات التي يكتشفها العِلم.
● إن العِلم المادي يقول إن الكون قد نشأ من العدم، بينما يخبرنا العِلم نفسه، أن المادة لا تَفنى ولا تُستحدث من عدم، مما أوقع العلماء في حيرة، فبما أن المادة لا تُستحدث من عدم، فكيف نشأ الكون من عدم؟ الآن يأتي دور الدين لتفســير ما أقــرَّ العِلــم بعجزه عن تفسيره، وأخبرهم الدين أن المادة تفنى، ولها خالق عظيم قد خلقها من العدم.
● قوانين الكون ما هي إلا حقيقة من حقائق الكون، وليست تفسيرًا لسبب وجود الكون، وما يُكتشف من قوانين ليست نفيًا لوجود الصانع، بل هي بيانًا لخلق الله. فعلى سبيل المثال، من يُودِع في مؤسسة ادخار كل شهر مبلغًا من المال ويأتي في نهاية العام ليستلم المال الذي ادَّخره مع الأرباح من المؤسسة ليقول له المحاسب: إن قانون الضرب الذي استخدمناه في حساب المبلغ هو الذي أوجد لك النقود. هل هذا من المنطق في شيء؟ في الواقع بدون ما قام به الشخص من إيداع للنقود ســيظل رصيده صفرًا، و من ثم، فــإن ادعاء أن قوانيــن الطبيعة هي التي أوجــدت الكون مناقض للعقل والمنطق.
● النظريــات والقوانيــن تصف مســار الأمور بدقة لكنهــا لا توجد شيئًا من العدم. قوانين الحركة تستطيع أن تصف مســار كــرة السَّلة، لكن يد اللاعب هي التي تحرك الكرة، وهكذا فإن القوانين تحتاج إلى موجود تؤثر فيه قوة محددة، في مكانٍ ما وزمانٍ ما، وبدون هذه العناصر لا عمل لهذه القوانين، بل لن تكون موجودة أصلاً.
● إذا كان قوس قزح هو انعكاس الأشعة الشمسية على المطر، فمن الخطأ القول: إن منفعتنا في الاستمتاع بمنظر قوس قزح هي التي تدفعنا للاعتقاد بوجود خالق، ومن الخطأ الاعتقاد أنه باكتشاف العِلم للآلية التي أظهرت ألوان قوس قزح فقد نفى بالقطعية وجود الخالق. فعلى سبيل المثال: إذا سار شخص في الطريق وضاع منه هاتفه المحمول، ووجد كابينة هاتف عمومي وأراد الاستفادة منها والاتصال بزوجته، هل استفادته من وجود هذا الهاتف واكتشافه لآلية عمله دليل على عدم وجود صانع أصلاً لهذا الهاتف؟ أم أن الهاتف العمومي وجود حقيقي وله صانع؟ إن تحقيق المنفعة من الشيء لا ينفي وجود صانع للشيء بل يؤيده. في الواقع، إن استمتاع البشر بمنظر قوس قزح الجميل واكتشاف العِلم للآلية التي أظهرت القوس لا ينفي وجود خالق الشمس ومُنزل المطر.
● تناقض الإلحاد يكمن في أنه يتطلب الاعتقاد بأن الانفجار الكبير حسب فرضيتهم حدث دون تدخل قوة خارجية، وأن الكون قد تشكل بدون أي غرض. ووفقًا لقوانين الترابط المستمر، كانت هناك القدرة وبدقة على تكرار وإعادة إنتاج الأنماط مرارًا وتكرارًا بدون هدف. يُطلب منا أن نصدق أن الذكاء والتفكير المجرد والوعي يمكن أن ينشأ بطريقة ما من مصادر غبية وغير عقلانية بدون غرض؛ والتصديق بأن الحزمة الضخمة من المعلومات المشفرة ذات الصلاحيات التنفيذية المطلقة (DNA) كتبت نفسها بدون مبرمج، وبدون سبب، وهذه المسألة الميتة يمكن أن تظهر فجأة مرة أخرى بدون هدف.
● القانون الثاني للديناميكا الحرارية يقول إن الزمن يسير بطريقة خطية Linear وليس بطريقة دورية cyclic فيستحيل أن تنتقل الحرارة من جسم بارد إلى جسم أسخن. وبالتالي هذا القانون يدحض الفكرة الدورية للزمن والعوالم، وفلسفة تناسخ الأرواح التي ينادي بها الديانات الهندوسية والبوذية والصينية التقليدية، وهذه كبرى الديانات الوثنية التي تعتقد أن الخالق يتجسد في صورة صنم أو حجر الخ. وذلك بتأكيد هذا القانون على وجود بداية ونهاية للكون فيدحض بذلك فلسفة تناسخ الأرواح.
● إن الإسلام ليس توحيد الربوبية فقط (الإيمان بإله واحد)، بل وتوحيد الإله في العبادة (توحيد الألوهية بمعنى عبادته وحده). إن الإيمان بإله واحد موجود في ديانات كثيرة، وكان موجود في عقيدة كفار قريش (قوم النبي محمد) أيضًا؛ فعندما سُئلوا عن سبب عبادتهم للأصنام قالوا: لتقربنا إلى الله زُلفى، فهم لا يُنكرون وجود الله.
قال الخالق:
...وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ ... (الزمر:3)
وكان ذلك كله بسبب الجهل بالمفهوم الحقيقي للخالق، مما أدى إلى تشويش الأذهان وبالتالي اللجوء إلى الإلحاد، والتساؤل عن أسباب وجود الخالق وغيرها من الأسئلة المشككة بوجوده.
● الخالق خلق قانون السببية، فلا يخضع له، بمعنى أنه قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته. لذلك فهو لا يتغير، ولا يمر بنفس المراحل الزمنية التي نمر بها من خلال خضوعنا للوقت، ولا يتعب، ولا يحتاج إلى وضع نفسه في شكل مادي. فلا يمكننا رؤيته، لأننا محاصرون في الزمان والمكان. فعلى الشخص الذي يجلس في غرفة بلا نوافذ مثلاً، مغادرة الغرفة لرؤية ما في الخارج. ومع أن الخالق فعالٌ لما يريد وله طلاقة القدرة، فيجب أن نُسلّم أيضًا بأنه لا يفعل ما لا يليق بجلاله، تعالى عن ذلك علوًا كبيرا.
● إن كل ما في الكون يقع تحت هيمنة الخالق، فهو وحده يمتلك المعرفة الشاملة والعلم المطلق والقدرة والقوة لإخضاع كل شيء لإرادته. فالشمس والكواكب والمجرات تعمل بدقة متناهية منذ بدء الخليقة، وهذه الدقة والقدرة تنطبق نفسها على خلق البشر. فلو تأملنا الانسجام الموجود بين أجساد البشر وأرواحهم لتبين لنا أنه من غير الممكن جعل هذه الأرواح تسكن في أجساد الحيوانات ولا يمكنها التجول بين النباتات والحشرات (تناسخ الأرواح). ميز الله الإنسان بالعقل والمعرفة وجعله خليفة في الأرض وفضله وكرمه ورفع من شأنه على جميع الخلائق. ومن عدل الخالق وجود يوم القيامة والحساب والجنة والنار لأن كل الأعمال الصالحة والسيئة سوف تُقاس وتُوزن في هذا اليوم.
قال تعالى:
فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة: 7-8)
● إن بعض أتباع داروين الذين يعتبرون الانتقاء الطبيعي (عملية فيزيائية غير عقلانية) قوة إبداعية فريدة تحل جميع المشاكل التطورية الصعبة دون أي أساس تجريبي حقيقي، كانوا قد اكتشفوا فيما بعد، تعقيد التصميم في بُنية وَوظيفة الخلايا البكتيرية، فبدأوا باستخدام عبارات مثل البكتيريا "الذكية"، "الذكاء الميكروبي"، "صُنع القرار" و" البكتيريا لحل المشاكل". وبالتالي تحولت البكتيريا إلى إلهَهُم الجديد[4].
يقول ميشيل بيهي المؤلف وعالم الكيمياء الأمريكي الشهير:
" إنني مضطر للقبول بوجود الله كنتيجة لكل تلك الجهود المتراكمة لفحص الخلية. أي: لفحص الحياة على المستوى الجزيئي هي صرخة عالية واضحة حادة للتصميم".
● الحقيقة أن فكرة أن الإنسان أصله قرد أو تطور عن قرد لم تكن من أفكار دارون أبدًا، لكنه يقول: بأن الإنسان والقرد يعودان إلى أصل واحد مشترك ومجهول سمَّاه (الحلقة المفقودة) والتي حدث لها تطور خاص وتحولت إلى إنسان، ومع أننا كمسلمين نرفض كلام داروين تمامًا، لكنه في كل الأحوال لم يقل كما يظن البعض: إن القرد هو جد الإنسان. وقد ثبت أن دارون آمن بوجود إله، لكن فكرة أن يكون الإنسان من أصل حيوان جاءت من أتباع دارون في المستقبل عندما أضافوها لنظريته وهم أصلاً من الملحدين.
● إن نظرية داروين التي تقول: أننا جئنا إلى هذا الكون نتيجة طفرات عشوائية وليس من خالق عظيم، هي مجرد نظرية ولم تُثبت بعد، وقد ثبت أن داروين نفسه واضع هذه النظرية كان لديه شكوك عديدة، وقد كتب رسائل عديدة إلى زملائه يُعبر عن شكوكه وعن أسفه، وقال:" إنه من الصعب جدًا بل من المستحيل أن نتصور أن كونًا هائلاً ككوننا وبه مخلوق يتمتع بقدراتنا الإنسانية الهائلة قد نشأ في البداية بمحض الصدفة العمياء أو لأن الحاجة أم الاختراع. وعندما أبحث حولي عن السبب الأول وراء هذا الوجود أجدني مدفوعًا إلى القول بوجود عقل ذكي، ومن ثم فإني أؤمن بوجود الإله".
● إن نظرية التطور التي يراد بها إنكار وجود خالق، تنص على الأصل المشترك في نشأة جميع الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، وأنها تطورت عن أصل واحد وهو كائن وحيد الخلية، وأن تشكيل الخلية الأولى كان نتيجة تجمع للأحماض الأمينية في الماء والتي بدورها شكلت البنية الأولى لحمض النووي DNA والذي يحمل الصفات الوراثية للكائن الحي. وبتجمع هذه الأحماض الأمينية شُكلت البينة الأولى للخلية الحية. ونتيجة لعوامل بيئية وخارجية مختلفة أدت لتكاثر هذه الخلايا والتي شكلت النُطفة الأولى ومن ثم تطورت لعَلقة ومن ثم تطورت لمُضغة.
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النور:45)
● يُقدم العلم الأدلة المقنعة على مفهوم التطور عن أصل مشترك، وهو ما ذكره القرآن الكريم.
"وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ". (الأنبياء :30)
● الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات الحية ذَكية ومَفطورة على أن تتلاءم مع البيئة المحيطة بها، ويمكن أن تتطور في الحجم أو الشكل أو الطول، فمثلاً الخِراف في البلاد الباردة لها شكل معيّن وجلود تحميها من البرد، ويَزداد الصُوف أو ينقص حسب حرارة الجو، وبلاد أخرى خلاف ذلك، فالأشكال والأنواع تختلف باختلاف البيئة، وحتى البشر يختلفون بألوانهم وصفاتهم وألسنتهم وأشكالهم، حيث إنه لا يوجد إنسان يشبه الآخر، غير أنهم يبقوا بشرًا لا يتغيرون إلى نوع آخر من الحيوانات.
قال سبحانه وتعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (الروم:22)
● يقول العالم التطوري الشهير جول ديوانت في كتابه The Ascent of Nature in Darwin's Descent of Man" p. 295:
" كان داروين يؤمن إيمانا عميقًا بأن مرتبة المرأة أقل بكثير من مرتبة الرجل! خاصة عند الحديث عن الصراع من أجل البقاء. وكان يضع الـبُـله والمعاقين والمتخلفين والمرأة في خانة واحدة! وكان يرى أن حجم مخ المرأة وكمية العضلات بها بالقياس بتلك التي لدى الرجل لا تسمح لها أن تدخل في صراع من أجل البقاء مع الرجل، بل يرى فيها نوعًا من القصور البيولوجي الذي لا يمكن تداركه ".
وهذه في الواقع مفارقة (مادية) تكشف معتقدات أتباع نظرية التطور والملحدين وخصوصًا الطاعنين منهم في وضع (المرأة) في الإسلام، تلك المرأة التي جعلها الله تعالى صنو الرجل في الخلقة: فهي مخلوقة منه: يحن لها وتحن إليه.
قال الله تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم:21)
● ﺍﻧﻌﻘﺪ في ﻔﺮﻧﺴﺎ ﻋﺎﻡ 673 ﻣﺆﺗﻤﺮ أﻭﺭﻭﺑﻲ ﺣﻮﻝ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮأﺓ، ﻫﻞ ﻫﻲ إﻧﺴﺎﻥ أﻡ ﺣﻴﻮﺍﻥ، ﻓإﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ إﻧﺴﺎﻥ ﻓﻬﻞ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ أﻡ ﻻ؟ ﻭإﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ. ﻭﺑﻌﺪ ﻧﻘﺎﺷﺎﺕ ﺣﺜﻴﺜﺔ ﺗﻮﺻﻠﻮﺍ ﺑﺎلإﺟﻤﺎﻉ إلى أﻥ ﺍﻟﻤﺮأﺓ إﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮق! ويتضح تأثير هذا المؤتمر المباشر على واضع نظرية التطور وتأثيره على قناعات المؤمنين بها، وهو دليل أيضًا على فضل عقيدة الإسلام وشريعته على ما سواها من العقائد، وكذلك القوانين والمذاهب الوضعية البشرية التي تنتقص من آدمية المرأة وإنسانيتها وكرامتها، وتعدها سلعة ومتعة رخيصة وعارية كما في دلائل التاريخ والواقع أيضًا، وحسبنا هذا المؤتمر في الدلالة على هذا الإسفاف والانحطاط الفكري والأخلاقي.
● لقد استخدم الداروينيون الألمان النظرية الداروينية لتحطيم مبدأ قدسية الحياة البشرية. فبناءً على نظرية داروين والتي نصت على عدم أهلية أصحاب العاهات للحياة، اقترح أدولف هتلر أن زمن الحرب "كان أنسب الأوقات للتخلص من الداء العضال". فلم يرغب كثير من الألمان في تذكيرهم بالأفراد الذين لم يرتقوا إلى مفهومهم عن "الجنس السائد". وتم تصوير المعاقين بدنيًا وعقليًا على أنهم "عديمي الفائدة" للمجتمع، وتهديد لنقاء الجينات الآرية، وأخيرًا، فإنهم لا يستحقون الحياة. وفي بداية الحرب العالمية الثانية، تم استهداف الأفراد المعاقين عقليًا وبدنيًا للقتل فيما أسماه النازيون برنامج " T-4"، أو "القتل الرحيم". وقد تم بالفعل حرق جثث الضحايا في أفران كبيرة تسمى أفران الحرق.
● إن وجود المصائب والشر والألم كان السبب وراء إلحاد كثير من الفلاسفة الماديين المعاصرين، ومنهم الفيلسوف "أنتوني فلو"، وكان قد اعترف بوجود الإله قبل موته وكتب كتابًا أسماه "يوجد إله "، على الرغم من أنه كان زعيمًا للإلحاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وعندما أقر بوجود إله قال:
"إن وجود الشر والألم في حياة البشر لا ينفي وجود الإله، لكنه يدفعنا لإعادة النظر في الصفات الإلهية".
ويعتبر "أنتوني فلو" أن لهذه الكوارث الكثير من الإيجابيات، فهي تستفز قدرات الإنسان المادية فيبتكر ما يحقق له الأمان، كما تستفز أفضل سماته النفسية وتدفعه لمساعدة الناس. وقد كان لوجود الشر والألم الفضل في بناء الحضارات الإنسانية عبر التاريخ. وقال:
"إنه مهما تعددت أطروحات لتفسير هذه المعضلة فسيظل التفسير الديني هو الأكثر قبولاً والأكثر انسجامًا مع طبيعة الحياة".
● من إحدى صفات رب العالمين الحكمة، فهو لا يخلق شيئًا عبثًا بدون غاية أو هدف، فهو خلقنا ليرحمنا ويسعدنا ويعطينا، وكل الصفات البشرية الجميلة مشتقة من صفاته. وأن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل والتوجه إليه بالتوبة والاستعانة به مباشرة.
● تتحقق معرفة رب العالمين من خلال معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا والتي تنقسم إلى مجموعتين أساسيتين وهي: أسماء جمال: وهي كل صفة تختص بالرحمة، العفو واللطف، منها الرحمن، الرحيم، الرزاق، الوهاب، البر، الرؤوف...إلخ. أسماء جلال: وهي كل صفة تختص بالقوة والمقدرة والعظمة والهيبة، ومنها العزيز، الجبار، القهار، القابض، الخافض...إلخ.
● يترتب على معرفتنا لصفات الله عز وجل القيام بعبادته على النحو الذي يليق بجلاله وتمجيده وتنزيهه عما لا يليق به، طمعًا في رحمته واتقاءً لغضبه وعقوبته. وتتمثل عبادته بالامتثال بالأوامر واجتناب النواهي والقيام بالإصلاح وتعمير الأرض. وبناءً على هذا يصبح مفهوم الحياة الدنيا عبارة عن امتحان واختبار للبشر، لكي يتمايزوا ويرفع الله درجات المتقين ويستحقوا بذلك خلافة الأرض ووراثة الجنة في الآخرة، في حين يلحق بالمفسدين الخزي في الدنيا ويكون مآلهم عذاب النار.
● الخالق وضع قوانين الطبيعة والسنن التي تحكمها وتصون نفسها عند ظهور فساد أو خلل بيئي وتحافظ على وجود هذا التوازن بهدف الإصلاح في الأرض واستمرار الحياة على نحو أفضل. وأن ما ينفع الناس والحياة هو الذي يمكث ويبقى في الأرض. وعندما يقع في الأرض من كوارث يتضرر منها البشر كالأمراض، البراكين، الزلازل والفيضانات، تتجلى أسماء الله وصفاته كالشافي والحفيظ مثلاً، في شفائه للمريض وحفظه للناجي، أو اسمه العدل في عقاب الظالم لغيره والعاصي، ويتجلى اسمه الحكيم في ابتلاء وامتحان غير العاصي والذي يُجازى عليه بالإحسان إن صبر وبالعذاب إن ضجر، وبذلك يتعرف الإنسان على عظمة ربه من خلال هذه الابتلاءات تمامًا كما يتعرف على جماله من خلال العطايا. فإن لم يعرف الإنسان إلا صفات الجمال الإلهي فكأنه لم يعرف الله عز وجل.
● الذي يقع من ابتلاءات هو مشيئة الله، والذي شاءه الله وقع، ومشيئة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، حيث أنه لا يوجد شر مطلق بالوجود، وأن الحياة الدنيا التي يعيشها الإنسان ليست إلا لحظة مقارنة بالحياة الأخرى الأبدية ومن ثم يهون كل ما عاناه في الدنيا بغمسة واحدة في نعيم الجنة.
● إذا قام شخص مثلاً وضرب شخص آخر حتى أفقده القدرة على الحركة، فقد اكتسب صفة الظلم، والظلم شر.
لكن وجود القوّة لدى من يأخذ عصا ويضرب بها شخص آخر ليس شرًا.
ووجود الإرادة التي أعطاها الله له ليس شرًا.
ووجود قدرته على تحريك يده ليس شرًا؟
ووجود صفة الضرب في العصا ليس شرًا؟
إن كل هذه الأمور الوجودية هي خير، ولا تكتسب صفة الشر إلا إذا أدت إلى الضرر بإساءة استخدامها، وهو الشلل كما في المثال السابق، وبناءً على هذا المثال فوجود العقرب والأفعى ليس شرًا بعينه إلا إذا تعرض له الإنسان فلدغه، فالله تعالى لا يُنسب إليه الشر في أفعاله التي هي خير محض، بل في مفعولاته، والتي نتجت عن الاستخدام الخاطئ لهذا الخير من قبل البشر. وقد يسمح الله تعالى بهذا الشر أن يقع لما يترتب على هذا الشر من خير محض كالإنابة والرجوع إلى الله، فيكون بمثابة شرب الدواء المر لأجل الشفاء.
● إن السؤال المتكرر عن اجبار الخالق للبشر على أن يعيشوا حياة لا يريدون أن يعيشونها هو سؤال لا أساس له. إذا أراد الله أن يأخذ رأي خلقه في الخلق فيجب أن يتحقق وجودهم بدايةً. فكيف يمكن أن يكون للبشر رأي وهم في العدم؟ المسألة هنا مسألة وجود وعدم. إن تعلق الإنسان بالحياة وخوفه عليها لهو أكبر دليل على رضاه عن هذه النعمة. إن نعمة الحياة هي امتحان للبشر ليميز الانسان الطيب الراضي عن ربه عن الانسان الخبيث الساخط عليه. فحكمة رب العالمين من الخلق اقتضت لاستخلاص هؤلاء الراضين عنه ليحوزوا على دار كرامته في الآخرة. وقد أكد الله سبحانه وتعالى على أنه بعد حمل الإنسان الأمانة قد حضّر جميع البشر قبل إيجادهم في الكون، وأشهدهم على وحدانيته –تبارك وتعالى.
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)
وأكبر دليل على ذلك اليوم الذي شهد فيه لله بالوحدانية هو أن الإنسان بما فيهم المؤمن وغير المؤمن عند تعرضه للخوف الشديد ترتفع عيناه إلى السماء دون أن يشعر لطلب النجدة.
وسبب عدم تذكر الإنسان هو أنه لو كان يتذكر أنه وقف أمام الله عز وجل وشهد أنه لا إلاه إلا هو، ثم وُجد هذا الإنسان في الأرض في زمان ومكان ما، لما كان هناك امتحان أصلاً، فجوهر الاختبار يتعلق بالإيمان، وجوهر الإيمان يتعلق بالإيمان بالغيب. فلو كان الغيب مشهودًا ومحسوسًا وحاضرًا في ذهن الجميع لما كان الغيب غيبًا؛ وبالتالي لم يكن هناك معنى للاختبار أصلاً، ولسقط مفهوم إرادة الاختيار من الأساس، فإذا كانت الذات الإلهية والحق المطلق والدار الآخرة معلومة علم اليقين لجميع البشر، فأين يكون الاختبار!
على سبيل المثال إذا افترضنا أن مجموعة من الطلاب دخلت قاعة الامتحان، وبدأ الامتحان، لم يُسمح لأحد من الطلاب أن ينظر إلى المرجع الذي ذاكر منه إلا بعد أن يفرغ من الامتحان، أما خلال الامتحان فلا يمكنه النظر إلى المرجع؛ لأن النظر إلى المرجع يلغي مفهوم الامتحان من الأساس.
يقول الفيلسوف الألماني الشهير ايمانويل كانط:
"إن عجزنا عن إدراك عالم ما وراء المحسوس ليس نقصًا، بل هو شرط ضروري لقيام الأخلاق، ولو كان الإنسان يطلع على المطلق مباشرة لما كان حرًا ومختارًا في أفعاله".
بالتالي لم يُسمح لنا أن نتذكر هذا المشهد الذي حدث في عالم الذر حتى يصبح للاختيار معنى. إضافةً أن ميثاق الذر ليس وحده حجة مستلزمة للعقاب على من لم تبلغه الحجة (الرسالة)، فالحجة التي تستلزم التكليف والجزاء لا تقوم على الإنسان إلا ببلوغه رسالات الأنبياء التي تدعوه ليؤمن بالله وحده لا شريك له، فإذا أطاع أثيب، وإذا عصى عوقب.
فالإيمان يقوم على الدليل. و ربما تزيد الدلائل فيزيد الإيمان واليقين، لكن لن يكون أبدًا الغيب مشهودًا بالحواس، وإلا لسقط مفهوم الإيمان ذاته.
● يمكننا مقارنة فترات الصحة والفترات التي يظهر فيها المرض على مدى متوسط العمر، أو مقارنة عقود من الازدهار والرخاء وما يقابلها من فترات الخراب والدمار، وكذلك قرون من هدوء الطبيعة والسكينة وما يقابلها من ثوران البراكين والزلازل. من أين يأتي الخير السائد بدايةً؟ إن عالمـًا قائمًا على الفوضى والمصادفة لا يمكن أن ينتج عالمـًا جيدًا. والإنسان لا يشعر بطعم الصحة إلا إذا جرب المرض، ولا يميز الجميل إلا إذا رأى القبيح.
● ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الإنتروبيا الكلية (درجة الاضطراب أو العشوائية) في نظام معزول بدون أي تأثير خارجي ستزداد دائمًا، وأن هذه العملية لا رجعة فيها. بمعنى آخر، الأشياء المنظمة ستنهار وتتلاشى دائمًا ما لم يجمعها شيء من الخارج. على هذا النحو، فإن القوى الديناميكية الحرارية العمياء لم تكن لتنتج أبدًا أي شيء جيد من تلقاء نفسها، أو أن تكون جيدة على نطاق واسع كما هي دون أن ينظم الخالق هذه الظواهر العشوائية التي تظهر في الأشياء الرائعة مثل الجمال والحكمة والفرح والحب، وهذا كله فقط بعد إثبات أن القاعدة هي الخير والشر هو الاستثناء.
● إن نظرتنا إلى الشر والألم تتوقف على نظرتنا إلى حقيقة الحياة الدنيا والغرض من الوجود الإنساني فيها والتي تختلف لدى المتدينين عنها لدى الماديين. إن المنظور المادي يعتبر أن الحياة الدنيا ليس وراءها غرض تحكمها غاية، وأن الإنسان إذا مات صار عدمًا، إذ ليس هناك بعث تتبعه حياة أخرى، فعلى الإنسان أن يحصل على أقصى ما يستطيع من متع، وبالتالي يصبح ما قد يشعر به من ألم وكل ما يحجبه عن هذه المتع شر لا جدال فيه، وانطلاقًا من هذا المنظور يصبح ما يتعرض له الإنسان من شرور وآلام أمورًا عشوائية تمر به خلال حياته في دنيا نشأت بأسلوب عشوائي أيضًا، ومن ثم يصبح القول بوجود إله كله رحمة ومحبة ينظم هذه الحياة هراء وعبث بالنسبة لهم، وهذا يعني أن كل ما يحجبهم عن هذه المتعة يُعتبر ألم بالنسبة لهم. تمامًا عندما يعتقد الطفل أن والديه شريرين عندما يمنعانه من تناول دواء جده.
● إن الإنسان يجب أن ينظر لذاته أولاً قبل أن يأخذه الغرور بعيدًا عن الحقيقة، فمهما تطورت العلوم والتكنولوجيا حوله، فالإنسان لا يستطيع أن يطور نفسه إلى خلق آخر قابل للخلود أو حتى أن يعيش مستقلاً بذاته ودون الحاجة للطعام، الشراب، الهواء أو حتى الاستغناء عن الذهاب للخلاء لقضاء حاجته. ويحاول الإنسان جاهدًا أن يبحث في هذا الفضاء الفسيح عن حياة توفر له الديمومة والسعادة، وهو يعلم يقينًا أنه يعجز أن يصل للقمر بدون ألبسة واقية أو يكون في داخل مركبة تخرجه عن نطاق الأرض، وكل ذلك خشية أن يدركه الموت.
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا (الإسراء)
● قال فيكتور فرانكل: " الناس اليوم لديهم كل وسائل العيش، ولكن لا معنى للعيش، مما يجعل الحياة سجنًا حيث يتدافع فيه القاطنون بين جدران الحياة والموت، مذعورين من كل لدغة، في حياة بدون معنى، كل ألم يُعتبر حدث عشوائي لا يمكن تفسيره - لا مفر منه - لا يمكن تصنيفه إلا من حيث الطاقة والمادة، ولا يمثل سوى الفوضى والاضطراب والمأساة".
● إن الادعاء بأن الملحد لا يؤذي الآخرين، ولا يمكن أن يدفع إنسانًا لفعل تصرفات سيئة كما يفعل بعض المتدينين باسم الدين إنما هو ادعاء لا أساس له. فالدين يدعو إلى الأخلاق الحميدة وتجنب الأفعال السيئة، وبالتالي فإن السلوك السيئ لبعض المسلمين يرجع إلى عاداتهم الثقافية أو جهلهم بدينهم وابتعادهم عن الدين الصحيح. ألم نسمع عن محاولات إقامة الشيوعية في العالم التي تسببت بمقتل الملايين من المسلمين والمسيحيين؟ يقول أحد الفلاسفة الشيوعيين:
"كنا نظن أنه يمكن أن نكون أفضل دون إله، وأن نحافظ على إنسانية الإنسان، كم كنا مخطئين، لقد حطمنا الإله والإنسان سويًا".
● معاملة الناس بعضهم بعضًا بخُلق حسن بهدف نفع الإنسانية وتعمير الأرض لا يُغني عن الإيمان بالخالق والالتزام بالأخلاق العالمية تحت مظلة الدين، لأن تعمير الأرض والخُلق الحسن ليسا الغاية للدين، لكنهما في الحقيقة وسيلة. فغاية الدين أن يُعرِّف الإنسان بربِّه، ثم بمصدره هو وطريقه ومصيره، ولا يتحقق حُسن النهاية والمصير إلا بالحصول على رضا رب العالمين من خلال عبادته مباشرة وطاعته، والسبيل إلى ذلك يكون بتعمير الأَرض والخُلق الحَسن.
· يقول علي عزت بيجوفيتش: "الأخلاق كظاهرة واقعية في الحياة الإنسانية، لا يمكن تفسيرها تفسيرًا عقليًا، ولعل في هذا الحجة الأولى والعملية للدين. فالسلوك الأخلاقي، إما أنه لا معنى له، وإما أن له معنى في وجود الله، وليس هناك اختيار ثالث. فإما أن نسقط الأخلاق باعتبارها كوْمة من التعصُّبات، أو أن نُدْخل في المعادلة قيمة يمكن أن نسميها الخلود، فإذا توافر شرط الحياة الخالدة، وأن هناك عالمًا آخر غير هذا العالم، وأن الله موجود، بذلك يكون سلوك الإنسان الأخلاقي له معنى وله مبرر".
● المساواة بين البشر عبارة عن خصوصية أخلاقية وليست حقيقة طبيعية أو مادية أو عقلية، فالناس من المنظور المادي أو الطبيعي أو العقلي بلا شك غير متساوين، وتأسيسًا على الإيمان بالخالق والدين فقط يستطيع الضعفاء المطالبة بالمساواة، فالقول إن البشر متساوون ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقًا لله.
● مما قرأت وأعجبني: إن الملحد عندما ينكر وجود الإله بسبب وجود الشر فهو يناقض نفسه. يقر الملحدون أنهم لا يؤمنون بوجود إله، بدعوى أنهم لا يؤمنون إلا بما هو مادي محسوس، بالتالي ينكرون العالم الغيبي، من ملائكة، وجن، ورسالات سماوية، وأنبياء ومعجزات، ويعترفون في المقابل بالمادة «الطبيعة». والطبيعة أو المادة (البيئة) بإقرارهم محايدة تمامًا؛ لا تخضع لحتمية الشر ولا لحتمية الخير، فضلاً أن تكون خاضعة للأخلاق أو مصدرًا لها. وإذا كان الإنسان ابن الطبيعة، وماديًا محضًا، وفاقد الشيء لا يعطيه، فلماذا لم يكن الإنسان محايدًا هو الآخر عن الخير والشر والأخلاق؟ كيف يفتخر الملحد بأخلاقه بينما الطبيعة باعترافه لا تعرف الأخلاق حسب زعمه؟ هذا يعني أن المفاهيم الأخلاقية التي يفتخر بها الملحد هي هبة من الخالق التي ينكر هو وجوده، وهذا ما نصطلح عليه بالفطرة، التي أودعها الله فينا لنكون جاهزين لاستقبال رسالاته التي يبلغنا إياها بواسطة أنبياء ورسل، وهذه هي الرسالة، أما العقل فبه نتصل بالعالمين:
● غيبي ــ لأن جزءًا مهمًا من العقل تجريدي - فنتعقَّل الرسالات السماوية.
● المادي: لنستطيع إعماره وفق ما تمليه الرسالة السماوية الخُلقية[5].
يقول الملحد البريطاني ريتشارد دوكنز في كتابه: "النهر الخارج من جنة عدن":
"إن الطبيعة ليست شريرة، لكنها للأسف غير مبالية، وهذا من أصعب الدروس التي ينبغي أن يستوعبها الإنسان، فمن الصعب علينا الإقرار بأن كل الأمور ليست خيرة أو شريرة، ليست رحيمة أو شرسة، إنها لا مبالية بكل آلام الإنسان، إذ ليس لدى الطبيعة أي هدف".
● الإلحاد دعوة للقضاء على العقل، وتجاهل المنطق والفطرة السليمة، والتمسك بالخيال العلمي، كل ذلك باسم العلم! بدون الله، وكونه، وقوانينه، والأفكار التي أعطانا إياها، لن يكون هناك شيء يمكن للعلماء دراسته أو يمكن للملحدين إنكاره.
● علاقة الإنسان بخالقه يجب أن تكون أفضل وأقوى من أي علاقة، فلذلك فالمسلم يجب أن يحرص على تطبيق تعاليم الإسلام، وهذه العلاقة هي العلاقة الحقيقية التي ستجلب له الخير كله واحترام الآخرين.
● كثيرًا من الناس يمرون بفترة يعتريها الشك والبحث والضياع، ولا يجدون السلام التام والراحة إلا بعد أن يجدوا طريقهم لرب العالمين. تمامًا كطفل ضائع يبحث عن والدته، وعندما يجدها يشعر بالسكينة ويكتشف أن هذا الأمان الذي كان يبحث عنه. فبالتالي فإن الإلحاد هو إعلان فشل صريح في التوصل إلى الحقيقة.
● إننا حين نقتني حيوانًا أليفًا فأقصى ما نرجوه منه هو الطاعة، وهذا لأننا اشتريناه فقط ولم نخلقه، ولله المثل الأعلى، فما بالنا بخالقنا وبارئنا، ألا يستحق منا الطاعة والعبادة والاستسلام، ونحن مستسلمون رغمًا عنا في هذه الرحلة الدنيوية في كثير من الأمور، قلبنا ينبض، جهازنا الهضمي يعمل، حواسنا تدرك على أكمل وجه، وما علينا إلا أن نُسلِّم لله بباقي أمورنا التي خُيِّرنا فيها لنصل سالمين إلى بر الأمان.
● القول بأن فكرة الإيمان ما هي إلا كقصص الأطفال المسلية أو رؤى المنام الجميلة التي تُسلي الإنسان عن همومه ولكن ليس أكثر لا أساس له. فالإيمان بوجود خالق عظيم قد خلقنا لهدف وينتظرنا بعد الموت نعيم أبدي هو حقيقة راسخة في قلوبنا، وهذه الحقيقة الجميلة أفضل من كابوس الإلحاد الذي يجعل الإنسان لا شيء، أتى من لا شيء، ويصير إلى لا شيء. هل يقبل الملحد رد ابنه عليه عندما يسأله ماذا يريد أن يصبح عندما يكبر ويقول له: لا شيء؟ إنه لن يقبل هذا الرد وسوف يعمل المستحيل لحث ابنه على العمل والدراسة والاجتهاد ليكون شخصًا ذا قيمة في المستقبل. فالحياة قصيرة، والموت يأتي فجأة، وكل ما نملك في هذه الحياة من مال وولد زائل، فإما أن نموت ونتركه خلفنا، أو قد نفقده في حياتنا قبل موتنا.
● الحياة ليست سوى فصل واحد من رواية تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية القصة بل بدايتها. الإنسان خُلق لهدف عظيم وسامي، والإنسان الكيس الفطن الذي يخطط للحياة بعد الموت.
● أن أي رقم مقارنة باللانهاية هو صفر. فحياتنا عبارة عن مجموعة أرقام، ينقص يوميًا من حياتنا رقم من هذه الأرقام، فحتى لو عشنا مائة أو مائتي سنة فمقارنة باللانهاية هو صفر، وان الموت آتٍ لا محالة في أي عمر، بمرض أو بدون مرض وساعة الموت محددة. فنحن نعيش في الصفر. إن الملحد لم يعرف الله حق المعرفة، لأنه لو عرفه حقًا لما رفض الإيمان به والتسليم له، فجهله بصفات الله تجعله يعامله وكأنه إنسان أمامه يقايضه بالمثل، ويشترط رؤية الخالق للإيمان به. فهل نفضل الصفر على اللانهاية.
● إنه ليس من المنطق أن نحكم على عمل درامي دون أن نتابعه للنهاية، ولا أن نرفض كتابًا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا، هذا الحكم يُعتبر ناقصًا.
والفرصة لا زالت موجودة ما دام الإنسان على قيد الحياة، وهي فرصة الإيمان بالخالق الواحد الأحد الذي ليس له شريك في ملكه ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان ولا حيوان ولا صنم أو حجر، وعبادة هذا الخالق مباشرة، واللجوء إليه بالطلب عند الحاجة والتوبة عند المعصية مباشرة دون قديس ولا قسيس ولا أي وسيط.
وهذا هو الدين الذي يُعرف بدين الإسلام.
إذًا، الحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب ومن ثم الجزاء كما ذكرنا سابقًا، ويعتبر الإسلام أن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل، وعبادته والتوجه إليه مباشرة.
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (آل عمران: 185)
إن اعتناق دين الإسلام سهل وبسيط. كل ما يجب فعله هو الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد بالرسالة والعمل بمقتضاها، وذلك من خلال قول جملة معروفة بشهادة الإيمان، وهي:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
وأشهد أن جميع رسل الله حق
وأشهد أن الجنة حق والنار حق.
معلومات
● يستخدم النصارى واليهود والمسلمون في الشرق الأوسط كلمة (الله) إشارة إلى الإله، وهي تعني الإله الواحد الحق، إله موسى والمسيح، وقد عرَّف الخالق عن نفسه في القرآن الكريم باسم "الله" وأسماء وصفات أخرى. لقد ذُكرت كلمة "الله" في النسخة القديمة للعهد القديم 89 مرة (سفر التكوين 2:4) وغيرها الكثير. وقد تكلم بعض العلماء اليوم عن استخدام كلمة (الله) كإشارة إلى الإله الواحد الأحد في النسخ القديمة لكتب الهندوسية باللغة السنسكريتية ("Allah" in Rigveda Book 2 Hymn I verse II).
● القرآن الكريم هو آخر الكتب التي اُرسلت من الخالق، حيث أن المسلمين يؤمنون بالنسخ الأصلية لكافة الكتب التي أُرسلت قبل القرآن (صحف إبراهيم، الزبور، التوراة والإنجيل...وغيرها). يعتقد المسلمون أن الرسالة الحقيقية لجميع الكتب كانت التوحيد الخالص (الإيمان بالله وعبادته وحده مباشرة، وليس من خلال قديس ولا قسيس، وليس له ولد، ولا يتجسد في صورة بشر أو حجر)، غير أن القرآن بخلاف الكتب السماوية السابقة لم يكن محتكرًا على فئة أو طائفة معينة دون أخرى، ولا يوجد منه نسخ مختلفة ولم يتم أي تغيير عليه بل هو نسخة واحدة لجميع المسلمين، و القرآن في متداول أيدي الجميع حيث يُتلى في الصلوات ويُرجع إليه في جميع الشؤون الحياتية، المسلمون في جميع أنحاء العالم يَتلون القرآن كما كان يُتلى في زمن النبي محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه، دون تغيير. والترجمات المتداولة للقرآن ما هي إلا ترجمة لمعاني القرآن فقط.
● استخدام الخالق لكلمة "نحن" في التعبير عن ذاته في كثير من آيات القرآن الكريم تُعبر عن القوة والعظمة في اللغة العربية، وكذلك في اللغة الإنجليزية تسمى "نحن الملكية" حيث يستخدم ضمير الجمع للإشارة لشخص في منصب كبير (كالملك، العاهل أو السلطان). غير أن القرآن كان دومًا يُشدّد على وحدانية الله فيما يتعلق بالعبودية.
مراجع
لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة. فاتن صبري
www.fatensabri.com
شفاء لما في الصدور. دكتور هيثم طلعت
وهم الإلحاد. دكتور عمرو شريف
مقال رد القرآن على الملحد ستيفن هوكينغ في نفي الروح والخالق. د. محمود عبد الله إبراهيم نجا
www.islamhouse.com
www.quranenc.com
كتب المؤلف
- الرسالة الحقيقية للمسيح عليه السلام في القرآن والإنجيل. 2017، صدر بالإنجليزية ومترجم إلى 15 لغة.
- المفهوم الحقيقي للإله. 2018، صدر بالإنجليزية ومترجم إلى 7 لغات.
- لماذا الإسلام؟ 2019، صدر بالإنجليزية ومترجم إلى13 لغات.
- عين على الحقيقة. 2020، صدر بالإنجليزية ومترجم إلى 4 لغات.
- لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة، 2021، صدر بالعربية ومترجم إلى الإنجليزية.
- هل القرآن كلام الله؟ 2021، صدر بالعربية.