×
30 خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدين: ذكر المؤلف في هذه الرسالة ثلاثين خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدين بذكر النماذج المشرقة من أحوال السلف الصالح في تربية أبنائهم على ذلك.

 ثلاثون خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدين

سالم صالح أحمد بن ماضي

 المقدَّمـة

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له .. وأشهد ألاَّ إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد:

فإنَّ المتأمِّل والناظر في تاريخ أمتنا المجيد وسِيَر أعلامها الأفذاذ يرى حقيقةً تلوح في الأفُق الفسيح من أنَّ عزَّة هذه الأمَّة ورفعتها وقيادتها للأمم لم تكن إلاَّ عن طريق واحد، وهو منهج هذا الدين في تدبير جميع شئون الحياة؛ فنحن أمَّةٌ أعزَّنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزَّة بغيره أذلَّنا الله.

نعم .. لقد تحقَّق ذلك الذلُّ لأمَّة الإسلام حينما ضلَّت طريقها، فها هي دماء المسلمين أرخص ما تكون!.. وما دماء المسلمين في الشيشان وبورما وكشمير والبوسنة والهرسك وفلسطين والعراق والفلبين إلاَّ دليلاً واضحًا على هواننا بين الأمم..

اللهم إليك نشكو ضعف قوَّتنا، وقلَّة حيلتنا، وهواننا على الأمم، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربُّنا، إلى من تكلنا؟.. إلى بعيد يتجهَّمنا؟. أم إلى عدوٍّ ملكته أمرنا؟.. إن لم يكن بك غضبٌ علينا فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا .. نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينـزل بنا غضبك، أو يحلُّ علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك.

أحبَّتي:

ولن يصلح حال هذه الأمة، وتكون رائدة الأمم إلاَّ بما صلح به أوَّلها، ولتبدأ أولى خطوات ذلك التصحيح من أولى لَبِنات المجتمع، وهي «الأسرة».

ثلاثون خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدِّين

وحيث إنَّ الأبناء هم زهرة هذه الأمَّة وأملها القادم وكنـزها المدَّخر وقوَّتها الكامنة، لذا فقد كان واجبًا علينا أن نحرص على استغلال تلك الطاقات والمدخرات وتسخيرها في سبيل خدمة هذا الدين وحبّه والعمل له.

فلا ينبغي أن نُهمِل جيل الأبناء ونستهين به، وننظر إليه وكأنه لا رسالة له، فهذا من الخطأ الجسيم الذي يرتكبه كثيرٌ من الآباء والأمَّهات والمربِّين .. وما هذه الأفكار والخواطر إلا تصحيح لذلك الفهم والتصور الخاطئ.

لذا حرصت على أن تكون تلك الأفكار والخواطر عبارة عن خطوات عملية، يسهل فهمها واستيعابها، وتتماشى مع خصائص الأبناء، وحسب مداركهم العقلية والنفسية، وتوجيهًا في خدمة هذا الدين وحبِه.

أخيرًا..

آمل من الله عزَّ وجل أن يُلهمني فيها الصواب والحقّ، وأن يُجنِّبني الخطأ والزلل، إنه سميعٌ مجيب الدعوات.

سالم صالح أحمد بن ماضي


 الخطوة «1» صلاح الأم والأب

أولى تلك الخطوات وأهمها وعمادها، هو «صلاح الوالدين»؛ فبصلاحهما يصلح الأبناء، وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوَّده أبوه..

وقد بدأت بالأمِّ قبل الأب؛ لأنَّ العبء الأكبر في تربية الأبناء يقع على عاتق الأم من خلال طول مكثها معهم، وانشغال الأب في طلب الرزق، وحتى ينشأ الأبناء على حبِّ هذا الدين والعمل له، لا بدَّ لتلك الزهرة من تربة صالحة نافعة، وكما قال شوقي:

الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إذَّا أَعْدَدتَّهَا  

أَعْدَدتَ شَعْبًا طَيِّبَ الأعْرَاقِ

فهي المدرسة الأولى التي يتخرَّج فيها العلماء والدعاة والمجاهدون الأبطال .. لذا لَمَّا كان للأم الصالحة (الزوجة) أهمية كبرى في بناء المجتمع وتخريج الأفذاذ؛ فقد حثَّ ورغَّب فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «تُنكح المرأة لأربع: لِمالها، ولِحَسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»([1]).

نعم..

فتربت يداك يا من حرصت على الزوجة الصالحة العالمة فأنجبت لنا العلماء.

وتربت يداك يا من حرصت على الزوجة المجاهدة فأخرجت لنا الأبطال.

وتربت يداك يا من حرصت عل الزوجة الدَّاعية فأنجبت لنا الدعاة.

وتربت يداك يا من حرصت على الزوجة العابدة فأنجبت لنا العُبَّاد.

وتربت يداك.

لذا على الأمَّهات دورٌ كبيرٌ وعظيمٌ في بناء شخصية الأبناء وتربيتهم على العمل لهذا الدين، وكذا الآباء فلهم دورٌ كبيرٌ لا يقلّ أهميةً عنهنّ.

وهنا تنبيه لابد منه:

على الوالدين أن يراعوا بعض القضايا المهمة، والتي تؤثِّر تأثيرًا كبيرًا في شخصية الأبناء، ألا وهي تعامل الوالدين فيما بينهم، فهي دروس يومية يشاهدها الأبناء أمام أعينهم، فينبغي عليهم ما يلي:

1- أن يكون تقدير كلٍّ من الأب والأم لبعضهما تقديرًا عظيمًا، خاصة أمام أعين الأبناء.

2- ألاَّ يُظهِرا خلافاتهما أمام الأبناء.

3- اتِّباع الهدي النبوي في حقوق المعاشرة، والتزام كلٍّ من الأب والأم بحقوق الآخر.

* * *

 مثال عملي على أهمية صلاح الأب والأم في بناء شخصية الأبناء:

تُبادر الأمُّ دائمًا فور سماعها المؤذِّن يؤذن للصلاة بترك كلِّ ما في يديها وتطلب من الأبناء ذلك، وتُخبِرهم أنَّ الله سيُحبُّنا متى ما حرصنا على أداء الصلاة في وقتها، فتهرع للصلاة فتتوضَّأ وتصلِّي.

عند هذا سينشأ الأبناء منذ نعومة أظفارهم على أداء الصلاة في وقتها .. لماذا؟ لأنهم تعلَّموا منذ الصغر أنَّ من أدَّى الصلاة في وقتها فإنَّ الله سيُحِبه، وهي معانٍ يسهل على الأبناء إدراكها.

* * *


 قصص في أهمية الوالدين في بناء شخصية الأبناء:

لقد حفظ لنا التاريخ الإسلامي المجيد قصصًا ونماذج لتأثُّر الأبناء بشخصيات آبائهم وأمهاتهم .. ومن ذلك ما يلي:

 شَجَاعَـة أَب

وتحكي تأثُّر عبد الله بن الزبير بشجاعة أبيه وأمه رضي الله عنهما واكتسابه لها:

روى الليث عن أبي الأسود عن عروة قال:

أسلم الزبير، ابن ثمان سنين، ونفحت من الشيطان أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام، ابن اثنتي عشرة سنة، بيده السيف، فمن رآه عجب وقال: «الغلام معه السيف»، حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما لك يا زبير؟»  فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك([2]).

* * *


 شَجَاعَـة أُم

وتحكي شجاعة أسماء بنت أبي بكر أمّ عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم:  

قال الإمام الذهبي:

حدَّثنا أبو المحياة بن يعلى التيمي عن أبيه قال: دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث وهو مصلوب، فجاءت أمه عجوز طويلة عمياء، فقالت للحجَّاج: أمَا آن للراكب أن ينـزل؟ فقال: المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقًا، كان صوَّامًا قوَّامًا برًّا . قال: انصرفي يا عجوز، فقد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «في ثقيف كذاب ومبير...»([3]).

* * *

شَجَاعَـة الابن

وتحكي شجاعة الابن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:

وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال:

حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلَّما دخل قومٌ من باب حمل عليهم حتى يُخرجهم، فبينا هو على تلك الحال إذ وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه فصرعته وهو يتمثَّل:

أَسْمَاءُ يَا أَسْمَاءُ لاَ تَبْكِينِي  

لَمْ يَبْقَ إلاَّ حَسْبِي وَدِينِي

وَصَارِمٌ لاَثَتْ بِهِ يَمِينِي([4])

* * *

 خِشيَةُ أَب

قصة في خوف الأب «الفضيل بن عياض» رحمه الله، وخشيته من الله - عز وجل -:

عن محمد بن ناحية قال:

صلَّيتُ خلف الفضيل فقرأ «الحاقة» في الصبح، فلمَّا بلغ إلى قوله {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}  غلبة البكاء..([5]).

* * *

عن إسحاق بن إبراهيم الطبري قال: ما رأيت أحدًا أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل، كانت قراءته حزينة شهية بطيئة مترسِّلة، كأنه يخاطب إنسانًا، وكان إذا مرَّ بآية فيها ذكر الجنة يردِّد فيها([6]).

 وَخِشْيَةُ ابن

قصة الخوف وخشية الابن «علي بن الفضيل بن عياض» - رحمهما الله -:

عن أبي بكر بن عياش قال:

صلَّيت خلف فضيل بن عياض المغرب وابنه علي إلى جانبي فقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}

فلما قال: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} سقط على علي وجهه مغشيًّا عليه، وبقى فضيل عند الآية ([7]).

*  *  *

وقال أبو سليمان الداراني: كان علي بن الفضيل لا يستطيع أن يقرأ {الْقَارِعَةُ} ولا تُقرأ عليه([8]).

* * *

الابن وأبويه في تأثُّر حبيب بن زيد - الابن- بوالديه

تَضحِيَةُ أُم

عن أنس قال:

خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: إنه لا ينبغي أن أتزوَّج مشركًا!.. أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها نارًا لاحترقت؟

قال: فانصرف وفي قلبه ذلك، ثم أتاها وقال: الذي عرضت علي قد قبلتُ، فما كان لها مهرًا إلا الإسلام([9]).

*  *  *

وتضحية الأب

عن أنس قال:

لَمَّا كان يوم أُحُد انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - مجوِّبٌ به عليه بحجفةٍ له، وكان أبو طلحة رجلاً راميًا شديد القدّ، يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثًا، وكان الرجل يَمُرُّ معه الجعبة من النبل، فيقول: انثرها لأبي طلحة .. فأشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك([10]).

*  *  *

الابن شهيدًا

قال ابن كثير رحمه الله في «البداية والنهاية»:

قتله حبيب بن زيد، مسيلمة الكذاب، حين جعل يقول له: أتشهد أنَّ محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم، فيقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فجعل يُقطِّعه عضوًا عضوًا حتى مات في يديه وهو لا يزيد على ذلك([11]).

* * *


 الخطوة «2» اخْتِيَـار الاسْـم الحَسَـن

إنَّ للأسماء عاملاً مهمًّا في بناء شخصية المرء وسلوكه، بل وحتى المجتمعات، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قدم المدينة كان اسمها في السابق «يثرب» فأبدلها بـ«طابة» أو «المدينة»، وهي أسماء كلّها تدلُّ على الحُسن في معناها، وذلك لِما للاسم الحسن من دلالته النفسية في بداء حياة جديدة مصدرها الفأل الحسن .. لذا كان لزامًا على الوالدين اختيار الاسم المناسب حتى ينعكس إيجابًا على الأبناء.

*  *  *

مثال عملي وقصة في أهمية اختيار الاسم في بناء شخصية الأبناء:

ا- في الجانب الإيجابي للاسم الحسن:

عن عبد الرحمن بن عوف قال:

كان اسمي «عبد عمرو»، فلمَّا أسلمت سمَّاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عبد الرحمن» ([12]).

*  *  *

ورُوي أنَّ عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - باع أرضًا له، فقسَّم ريعها في فقراء بني زهرة وفي المهاجرين وأمَّهات المؤمنين .. وقال المسور: فأتيت عائشة بنصيبها، فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، قالت : أما أنِّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يحنو عليكنَّ بعدي إلا الصابرون»([13]).

فـ«عبد الرحمن» مأخوذ من «الرحمن» الذي يُشتق منه صفة الرحمة، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمس فيه صفة الرحمة والشفقة فسمَّاه «عبد الرحمن».

*  *  *

ب-الجانب المقابل للاسم غير الحسن:

عن ابن المسيب عن أبيه أنَّ أباه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : «ما أسمك؟» قال: حزن، قال : «أنت سهل» قال: لا أُغيِّر اسمًا سمَّانيه أبي.

قال ابن المسيب : فما زالت تلك الحُزونة فينا بعد([14]).

قال الداودي: يريد الصعوبة في أخلاقهم، إلاَّ أنَّ سعيدًا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله..

وقال غيره: ُيشير إلى الشدَّة التي بقيت في أخلاقهم([15]).

وهكذا متى أردنا صلاح أبنائنا فعلينا القيام بالخطوة الثانية، وهي اختيار الأسماء الحسنة لهم، لِما لها من تأثير في شخصية الأبناء كما رأينا في النموذجين السابقين.

* * *


 الخطوة «3» تعليمه أمور الشرع التي لا بدَّ منها

يجب أن يتعلَّم الأبناء منذ نعومة أظفارهم أمور الشرع التي لا بدَّ منها، كالصلاة والصيام ونحوها، وذلك حتى ينشئوا نشأةً صالحة، وكما قيل: التعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

مثال عملي:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مروا أولادكم للصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع» ([16]).

* * *


 الخطوة «4» انقش على ابنك العلم «التعلُّم في الصِّغَـر» 

يتميَّز الأبناء في مراحلهم الأولى بذاكرة حادة آلية؛ فعلينا أن نُوجِّههم لطلب العلم وتعليمهم أمور الشرع، ومن ذلك حفظ القرآن الكريم والسُنة النبوية المطهَّرة وترسيخ العقيدة الصحيحة.

فالأمَّة بحاجةٍ إلى العلماء الأقوياء والدعاة المتبصِّرين بنور الكتاب والسنة، ولا يتأتَّى ذلك إلا بطلب العلم منذ الصِّغر .. ولا تقل إنَّ هذا صعبٌ أو مستحيل.

قال ابن مفلح([17]):

والعلم في الصغر أثبت؛ فينبغي الاعتناء بصغار الطلبة، لاسيَّما الأذكياء المتيقِّظين الحريصين على أخذ العلم، فلا ينبغي أن يجعل – على ذلك – صغرهم أو فقرهم وضعفهم مانعًا من مراعاتهم والاعتناء بهم.

*  *  *

مثال عملي وقصص على أهمية طلب العلم منذ الصغر وأهميته في بناء الشخصية:

1- عن ابن عباس قال:

لَمَّا تُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لرجل من الأنصار: هلمّ نسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثير، فقال: وا عجبًا لك يا ابن عباس؛ أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترى؟!

فتركت ذلك، وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائلٌ فأتوسَّد ردائي على بابه، فتسفي الريح عليّ التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا بن عمِّ رسول الله؟ ألا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحقُّ أن آتيك فأسألك..

قال: فبقى الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس عليّ فقال: هذا الفتى أعقل مني([18]).

*  *  *

عن معمر قال:

سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعت في تلك السنين إلاَّ وكأنه مكتوب في صدري([19]).

قالت أم الدرداء:

اطلبوا العلم صغارًا تعملوا به كبارًا؛ فإنَّ لكلِّ حاصدٍ ما زرع([20]).

 الخطوة «5» القُـدوَة العَمَلِيَّـة

وهو أحد أهمِّ الخطوات وأكثرها نفعًا وغرسًا في نفوس أبنائنا، وذلك لِما يتميَّزون به من شدَّة  في التقليد في مراحلهم الأولى، فترى الطفل يُقلِّد أمه في صلاتها، فهو يركع عندما تركع وتسجد حين تسجد، إلى غير ذلك من صور التقليد التي نلحظها صباح مساء، فعلينا أن نُوجِّه ذلك التقليد ونستغلَّ تلك الفترة بما يُحيي في نفوسهم حبَّ العمل لهذا الدين، وذلك بما يلي:

1- نحكي له حكايات الصحابة والصالحين والعلماء.

2- نصطحبه في كلِّ ما هو حسن ليُقلِّده كالذهاب معه إلى المساجد.

3- إسماعه الشرائط الإسلامية المفيدة التي تناسب عمره.

4- أداء بعض العبادات أمام عينيه مثل الصلاة والصدقة.

*  *  *

قصَّة تدل على أهمية القدوة العلمية في بناء شخصية الأبناء:  

تقدَّم معنا في صلاح الأب والأم بعض النماذج على أهمية القدوة في بناء الشخصية، ولكن إليك هذا النموذج العملي الآخر:

1-عن كريب مولي ابن عباس أنَّ ابن عباس – رضي الله عنهما – أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي خالته قال:

فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنٍّ مُعلَّقة فتوضَّأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يُصلِّي.

قال ابن عباس:

فقمت، فصنعتُ مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلَّى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلَّى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلَّى الصبح ([21]).

*  *  *

2- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:

ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فاطمة..

وهذا هو الشاهد من الأثر مِمَّا يدلُّنا على أنَّ الأبناء من أشدِّ الناس تأثُّرًا بآبائهم وتقليدًا لهم([22]).

مثال عملي على أهمية القدوة العملية في بناء شخصية الأبناء:

الصَّدَقَـة:

فإذا رأيت مسكينًا، وكان ابنك معك فأعطِ ابنك ريالاً واحدًا، واطلب منه أن يتصدَّق به على ذلك المسكين، وفي حال قيامه بهذا العمل اشكره وأثنِ عليه كثيرًا أمام إخوانه، عندها سيغرس حبّ هذا العمل في نفسه، وعلى ذلك قس فينشأ جيل يحب الصدقة ومد يد العون للمحتاج الضعيف.

* * *


 الخطوة «6» دعه يلعب، ولكن أخي معاني الدين فيه

وبما أنَّ اللعب وكثرة الحركة أحد خصائص الأبناء، فقم بتوجيه ذلك اللعب بما يصبُّ في مصلحة العمل لهذا الدين.

فكثرة حركة الأبناء وعدم استقرارهم هذا ليس عيبًا أو خطأ أو سلوكًا غير مرغوب فيه، بل له فوائد عدَّة، ومن ذلك أنه يزيد من صحَّة الأبناء وذكائهم وخبرتهم بعد أن يكبروا.

أمَّا الأبناء الذين لا يتحرَّكون إمَّا بأنفسهم أو بإرغامٍ من آبائهم وأمَّهاتهم فبتعويدهم على هذا النمط من الحياة تجد أنَّ ذلك الابن أو تلك الفتاة غير أسوياء، وغالبًا ما سيُصاب بعد ذلك بالانطواء والكبت والخوف والخجل أو ضعف في الصحَّة نتيجة لذلك السلوك.

*  *  *

مثال عملي وقصة تدل على أهمية الألعاب في بناء شخصية الأبناء:

ومن أمثلة ذلك الفروسية والسباحة والرماية، كما ورد ذلك في الأثر، أو الألعاب التي تُنمِّي المدارك العقلية فهي وسيلة لاكتساب المهارات وتجميع الخبرات وتنمية الذكاء.

فعندما تُوجِّه لعب أبنائك مثلاً للألعاب التي تُربِّى فيهم الشجاعة بالنسبة للبنين - كالفروسية والسباحة والرماية - فهذه سيُفيد الأمة مستقبلاً بأن يكون أفرادها لديهم الشجاعة والإقدام في تحدِّي الخطوب: إذا دعونا نلعب مع أبنائنا كلٌّ بما يناسبه.

*  *  *

قصـة:

1- عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد بن أبيه: خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمامة بنت العاص على عاتقه فصلَّى، فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها ([23]).

قال ابن حجر: واستنبط منه بعضهم عظم قدر رحمه الولد، لأنه تعارض حينئذ المحافظة على المبالغة في الخشوع والمحافظة على مراعاة خاطر الولد فقدم الثاني ويحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - إنما فعل ذلك لبيان الجواز ([24]).

*  *  *

2- وقال أبو قتادة - رضي الله عنه -:

خرج علينا سول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى صلاتَي العشاء وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه ثم كبَّر للصلاة فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً أطلتها حتى ظنَّنا أنه قد حدث أمر أو أنه يُوحَى إليك!

قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته»([25]).

فهذا في أمور العبادة أشفق عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يقضوا حاجتهم من اللعب، فكيف إذا كان الوقت غير وقت عبادة!

* *


 الخطوة «7» شجِّع ابنك وحفِّزه دائمًا

يحب الأبناء في مراحلهم الأولى - بشكلٍ خاص - كلمات وعبارات المدح والثناء، ولها تأثير عجيب في نفوسهم وإقدامهم على معالي الأمور، وهكذا كان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تربية أصحابه على معاني الدين.

*  *  *

قصة تدلُّ على أهمية التشجيع والتحفيز في الإقدام على معالي الأمور:

1- خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس فحرَّض الناس على القتال، وقال: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة».

قال عمير بن الحمام أخو بني سلمة، وكان في يده تمرات يأكلهن: بخٍ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلاَّ أن يقتلني هؤلاء؟..

قال: ثم قذف التمرات من يده، وأخذ معه سيف فقاتل القوم حتى قُتل رحمه الله ورضي عنه([26]).

*  *  *

2- وقالت الخنساء لأبنائها الأربعة قبل معركة القادسية:

يا بَنِي، إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجنت حسبكم وما غيرت نسبكم، واعلموا أنَّ الدار الآخرة خيرٌ من الدار الفانية، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلَّكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وحللتم نارًا على أرواقها، فيمِّموا وطيسها وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة..

فلمَّا كشرت الحرب عن نابها تدافعوا عليها، وكانوا عند ظنِّ أمِّهم بهم حتى قُتِلوا واحدًا في إثر واحد..

ولَمَّا وافتها النعاة بِخَبَرِهم لم تزد على أن قالت:

«الحمد الله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته»([27]).

* * *


 الخطوة «8» التفكير الخيالي والتوجيه المناسب

يتميَّز الأبناء في مراحلهم الأولى بالتفكير غير الواقعي والتخيُّلات الكثيرة، لذا علينا ألاَّ نتهمهم بالكذب أو تحطيم خيالاتهم أو السخرية منهم، لِما في ذلك من نتائج سلبية على شخصياتهم، بل نقوم بتوجيه ذلك الخيال من خلال مجموعة من القصص الهادفة التي تُشبِع تلك الخاصية في نفوسهم، والمتوفِّرة في المكتبات الإسلامية، فتسري تلك الأخلاق بأسلوب غير مباشر ومُحبَّب في ذات الوقت لنفوسهم.

*  *  *

مثال عملي وقصة تدلُّ على أهمية التفكير الخيالي والتوجيه المناسب في بناء شخصية الأبناء:

عن عائشة رضي الله عنها أنَّها خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، وكانت في حجرة عليها عباءة، فدخل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهبَّت ريح كشفت عن بناتٍ لعائشة لعب فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قالت: بناتي، ورأى بين ظهرانيهنَّ فرسٌ له جناحان، قال: «فرس له جناحان؟» قالت: أو ما سمعت أنَّ لسليمان خيلاً لها أجنحة، فضحك صلَّى الله عليه وسلَّم حتى رأت نواجذه([28]).

قصة جميلة لأبنائنا في هذا الجانب:  

«الأرنب يغلب السبع»

قصة لمحمد عطية الإبراشي

تتحدَّث هذه القصة عن أسدٍ كان يعيش في غابة، وكان معتزًّا بقوَّته، يقتل كلَّ ما يُواجهه من حيوانات، يأكل منها ما يشاء، ثم يلقي بما تبقَّى منه، وكان يُسمَّى «ملك الغابة»، وقد اجتمعت الحيوانات وفكَّرت فيما يرتكبه السبع من أفعال وحشية، واتَّفقت أن تذهب إليه لتفاوضه في شأنها، فعرضت عليه أن تُرسِل إليه في كلِّ يومٍ حيوان من بينها تختاره لغذائه وهو مستريح في بيته، فوافق على أن يكون ذلك عادةً دائمة، وألاَّ تتأخَّر الحيوانات في إرسال الحيوان المختار، وهدَّد السبع بأنه سيقوم بافتراسها جميعًا إذا هي أخلَّت بهذا الشرط، فوافقت الحيوانات.

أصبحت الحيوانات تختار كلّ يومٍ من بينها حيوانًا من الحيوانات الشقية المريضة كبيرة السن التي لا أولاد لها ولا أمل لها عندها في الحياة لِتُرسله وقت الظهر إلى السبع فيذهب طائعا مختارًا، وقد استمرَّت هذه العادة مدَّة طويلة، حتى جاء الدور على أرنب صغير ضعيف ليكون طعامًا للسبع في ذلك اليوم، وبدأ الأرنب يُفكر في الطريقة المثلى التي بها يتسنَّى له إنقاذ نفسه وزملائه من الموت المحقَّق، وبعد تفكيرٍ طويلٍ وصل إلى الحلِّ النهائي، وكان هذا الحل عبارة عن حيلةٍ طريفة..

مشى الأرنب ببطء متعمدًا أن يتأخَّر عن الموعد المضروب لوصوله، وبدلاً من أن يصل في الظهر وصل بعد غروب الشمس، فوجد السبع متألِّمًا من شدَّة الجوع وطول الانتظار، فلمَّا رآه السبع قال له: لماذا تأخرت؟.. إنني سأعاقب كل الحيوانات على التأخير في إرسال ما اتفقنا عليه..

لكنَّ الأرنب الذكي اقترب من السبع ولم يتكلَّم، بل وقف خافضًا رأسه في انكسار .. دار السبع حول الأرنب متأملاً له ثم قال: إنك صغير الجسم قليل اللحم، لا تصلح لأن تكون غذاءً لي، لماذا لم ترسل الحيوانات غيرك ظُهرًا كما كانت تفعل من قبل؟

فأجاب الأرنب بأدبٍ وذوق: لقد تأخرت يا سيدي العزيز رغمًا عني، ولا ذنب للحيوانات الأخرى، فقد كان في الطريق سبع آخر ادَّعى أنه ملك الغابة وقال: لا يستطيع أحد أن ينازعني فيها، فهربت وجئت إليك وحدي متأخِّرًا.

سمع السبع ما قاله الأرنب فقال: تعال معي وأرني ذلك اللص الذي تعدَّى على ملكي لأقتله عقابًا له، قال الأرنب: أرجو أن تجيء ورائي يا سيدي لأُريك المكان الذي يعيش فيه..

اقتاد الأرنب الأسد إلى بئرٍ عميقة مملوءة بالماء في الغابة، حتى وصل إليها والسبع من ورائه، ثم قال الأرنب للسبع هنا المعتدي الظالم .. نظر السبع في ماء البئر والليلة مقمرة، فرأى صورة سبع كبيرة على سطح الماء، فزعق بصوت مرتفع مرَّتين، فسمع صدى صوته، فظنَّ السبع الجاهل أنَّ السبع الذي سيقاتل معه قويٌّ جدًّا فهجم عليه ورمى نفسه في البئر العميقة فغرق فيها ومات..

وبهذه الحيلة انتصر الأرنب الضعيف على السبع القوي، وفرح الأرنب كثيرًا وعاشت الحيوانات سعيدة آمنة في الغابة بعد أن غرق الملك الظالم([29]).

* * *


 الخطوة «9» التوجيه عند الخطأ مباشرة

يصعب على الأبناء في مراحلهم الأولى التمييز بين الصواب والخطأ، وذلك لقلَّة معرفتهم وعملهم بالأمور، وهذا يدعونا لتوجيههم عند الأخطاء وتحصينهم من بعض الشرور، من مثل: «الغزو الفكري» أو «الغزو الثقافي»، وعليهم إيجاد البديل المناسب بما يخدم الدين في ظلِّ هذه الحملة الشرسة من أعداء الدين في العالم كلِّه.

تنبيه: لابد أن تراعي بعض الأمور عند التوجيه حال الخطأ:  

1- أن يكون التوجيه مُتضمنًا للرحمة والشفقة على الابن المخطئ.

2- أن تنتقد الخطأ دون المساس بشخصية ابنك؛ وذلك حتى لا يكون لذلك نتائج عكسية.

3- أن تُثنِي عليه أولاً قبل توجيه اللوم عليه إذا كان مُميّزًا، فهو أدعى لقبول كلامك.

*  *  *

قصة ومثال على أهمية التوجيه المباشر عند الخطأ:

1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرةً من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كخ كخ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرت أنَّا لا نأكل الصدقة» ([30]).

*  *  *

2- قال أنس:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خُلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لِما أمرني به نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرجت حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قبض بقفاي من ورائي .. قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يا أُنَيس، أذهبت حيث أمرتك؟»، قال: قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله.

قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لِمَ فعلت كذا أو كذا، أو لشيء تركته : هلا فعلت كذا وكذا([31]).

*  *  *

3- عن عمر بن سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

«يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد([32]).

*  *  *

4- وكان لسعيد بن جبير ديك، كان يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة من الليلة حتى أصبح، فلم يصلِّ سعيد تلك الليلة، فشقَّ عليه فقال: ما له قطع الله صوته؟ فما سمع له صوت بعد، فقالت له أمُّه: يا بني، لا تدعُ على شيء بعدها([33]).

* * *


 الخطوة «10» الإجابة على جميع الأسئلة وتوجيه المناسب منها

مِمَّا يتميَّز به الأبناء في مراحلهم الأولى هي أسئلتهم الكثيرة والمملَّة، فعلى جميع الآباء والأمهات ألاَّ ينهروا أبناءهم في ذلك، لِما فيه من فوائد كثيرة منها:

1- تفتيح مدارك الأبناء العقلية.

2- قرب الأبناء من الوالدَين أكثر.

3- معرفة ميول الأبناء من خلال أسئلتهم*.

*  *  *

مثال عملي على أهمية الإجابة عن جميع الأسئلة وتوجيه المناسب منها في بناء شخصية الأبناء:

يسأل ابنك عن النار فتجيب وتقول:

النار خلقها الله، والله إذا أراد شيئًا يا بني يقول له كن فيكون، وتقوم بتوجيه هذا السؤال بأن تسأل ابنك وتقول: هل تعلم يا بني من يعصي الله أين يذهب؟

سيُجيب ابنك طبعًا بعدم المعرفة إلى أين يذهب؟.. فتخبره أنه يذهب إلى نارٍٍ أشدّ من هذه النار.

 الخطوة «11» حُبُّ التَّنَافُس

يتميَّز الأبناء في مراحلهم الأولى بحبِّ التنافس فيما بينهم، فعلينا أن نُوجِّه ذلك التنافس في معالي الأمور {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين : 26]

من مثل أمور الطاعات كالصلاة والصيام والسُنن، فنجعلها ميدانًا للتنافس.

*  *  *

مثال عملي وقصة تدل على أهمية التنافس في الطاعات في بناء شخصية الأبناء:

1- عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض غلمان الأنصار في كلّ عام فإذا ظنَّ أنَّ أحدهم قد بلغ أمضاه إلى الغزو .. قال: فعرضت عامًا من تلك الأعوام، فأتاه غلامٌ في الأنصار فأمضاه وردَّني، فقلت: يا رسول الله، لقد أمضيت غلامًا لو صارعته لصرعته، قال: «فَصارعْهُ»([34]).

*  *  *

2- عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال:

إني لفي الصف يوم بدر إذا التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا عمّ، أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي، وماذا تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، قال: فما سرَّني أنِّي بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه فشدَّا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء([35]).

*  *  *

3- أخرج ابن جرير في تاريخه من طريق سيف عن عبد الله ابن شبرمة عن شقيق قال: اقتحمنا القادسية صدر النهار فتراجعنا وقد أتى الصلاة، وقد أصيب المؤذِّن، فتشاح الناس في الأذان، أي أراد كلٌّ منهم أن يكون هو الغالب حتى كادوا أن يجتلدوا بالسيوف، فأقرع سعد - رضي الله عنه - بينهم، فخرج سهم رجل، فأذن([36]).

* * *


 الخطوة «12» ليكن جوادًا مؤثرا إخوانه على نفسه

يتميَّز الأبناء في مراحلهم الأولى من حياتهم بحبِّ التملك، وهي غريزة فطرية في جميع بني البشر، لذا على الوالدين تهذيب تلك الغريزة، وذلك بغرس خصلة الأنصار التي امتدحهم الله بها فقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر : 9].

وهي «الإيثار»، فتُغرس في نفوسهم بطرق عملية وغير مباشرة من مثل حكايات وقصص تحثٌّ على الإيثار.

*  *  *

مثال عملي وقصة تدلُّ على أهمية تحلِّي الأبناء بـ«الإيثار» في بناء الشخصية:

1- لَمَّا قدم المهاجرون المدينة، آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن بن عوف: إنِّي أكثر الأنصار مالاً، فاقسم مالي قسمين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدَّتها فتزوجها..

قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أي سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقطٍ وسمن([37]).

أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

قالت الأنصار للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال: «لا»، فقال: «يكفوننا المئونة ويُشركوننا في الثمرة؟» قالوا: سمعنا وأطعنا([38]).

*  *  *

مثال عملي:

يمتلك ابنك مائة ريال في حصالة النقود الخاصة به، فتأخذه يومًا معك إلى إحدى الجمعيات الخيرية التي تقدِّم يد العون والمساعدة، فتتبرَّع أمام عينيه، وأثناء عودتكم من تلك الجمعية تحكي له معاناة الأطفال الذين هم في سنِّ ابنك، ثم تقترح له أن لو تبرَّع بشيءٍ يسيرٍ غدًا لهم، ستجده يُلبِّي ذلك دون تردُّد، وذلك لأنه رآك تطبق ذلك أمامه.

* * *


 الخطوة «13» اهتم بلباس ابنك

إنَّ اللباس له أهمية في تكوين شخصية الأبناء، فعلينا مراعاة ذلك وفق المعايير الشرعية الواضحة في ذلك دون إفراطٍ أو تفريط، لذا فقد اعتنى السلف الصالح بهذا الجانب ولم يغفلوه.

*  *  *

مثال عملي وقصة تدلُّ على أهمية اللباس في تكوين شخصية الأبناء.

1- قال مالك: قلت لأمِّي: أذهب فأكتب العلم؟

فقالت: تعال فالبس ثياب العلم .. فألبستني ثيابًا مشمرة ووضعت الطويلة على رأسي وعمَّمتني فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن .. وكانت تقول: اذهب إلى ربيع فتعلّم من أدبه قبل علمه([39]).

*  *  *

2- عن محمد بن عوف قال: كنت ألعب في الكنيسة بالكرة وأنا حدث، فدخلت الكرة فوقعت قرب المعافى بين عمران الحمصي، فدخلت لآخذها فقال: ابن من أنت؟ قلت: ابن عوف بن سفيان قال: أما إنَّ أباك كان من إخواننا، فكان مِمَّن يكتب الحديث والعلم والذي كان يشبهك أن تتبع ما كان عليه والدك..

فصرت إلى أمي، فأخبرتها فقالت: صدق، هو صديقٌ لأبيك، فألبستني ثوبًا وإزارًا ثم جئت إلى المعافى ومعي محبرة وورق([40]).

* * *


 الخطوة «14» عالج حدَّة انفعالات أبنائك

يتميَّز الأبناء في مراحلهم الأولى من حياتهم بالانفعال بدرجة واحدة للأمور الهامة والتافهة، ومن أهم تلك القضايا التي ينبغي التنبُّه لها ما يلي:

 1- الخوف:

من الأخطاء الشائعة لدى كثيرٍ من الآباء والأمَّهات تخويف أبنائهم بالظلام أو اللصوص، وهذا أمرٌ خاطئ؛ فلا ينبغي أن يُخوَّف بذلك؛ لأنَّ لذلك عواقب وخيمة، وسيترتَّب عليه الكثير من الأمراض النفسية والتبول اللاإرادي والكبت والانطواء، بل الواجب علينا أن يشعر أبناؤنا بالأمان معنا وأن نربط قضية الخوف بالله فقط.

*  *  *

 2- الغضب:

قد يغضب الأبناء من آبائهم وأمهاتهم، ومن مظاهر هذا الغضب الامتناع عن الأكل .. وبواعث الغضب قد تكون اللوم والنقد، ولا يُعتبر عقوقًا، لأنهم في مرحلة غير التمييز.

فمتى غضب ابنك أو ابنتك دعه قليلاً ولا تُجِبه، ومن أكبر الأخطاء أن يدعنا غضبه لأن نلبِّي جميع طلباته، فهذا خطأٌ أكبر، ولكن بعد أن يهدأ بيِّن له خطأه بأسلوبٍ مُبسَّط، وكذلك علينا أن نُربِّي أبناءنا أننا إذا غضبنا، فإننا نغضب في حقٍّ من حقوق الله، بتغيُّر ملامح وجهك إذا رأيت منكرا ولم تستطع تغييره لا بلسانك ولا بيدك.

*  *  *

مثال عملي وقصة على ذلك.  

1- بعث عبد العزيز بن مروان ابنه عمر إلى المدينة يتأدَّب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده وكان يُلزمه الصلوات، فأبطأ يومًا عن الصلاة فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري، فقال: بلغ من تسكين شعرك أن تُؤثِره على الصلاة؟!

وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبد العزيز رسولاً إليه، فما كلَّمه حتى حلق شعره([41]).

*  *  *

 3- الغيـرة:

وهي من الخصائص التي جُبلت عليها النفوس، فذاك ابن يقول: إنَّ أباه يحبُّ أخاه الأصغر أكثر .. ونحو ذلك من صور الغيرة.

فعلى الوالدين مراعاة هذا الجانب مراعاةً عظيمةً بإعطاء جميع الأبناء كلّ حقوقهم وعدم تمييز أحدٍ على أحد، حتى لا يتولَّد بين الإخوة الحقد والحسد.

 الخطوة «15» اجعل تربيته على الغيـرة للدِّين

ينبغي على الآباء والأمَّهات تربية الأبناء على الغيرة لهذا الدين، فهو منهج سلفي كان عليه سلف هذه الأمة.

 خطوات عملية تُحيي الغيرة للدِّين في نفوس أبنائنا:  

1- ذِكر قصص ونماذج لصغار الصحابة والتابعين في شدَّة غيرتهم لهذا الدين.

2- دعه يرَ ويشاهد ما يصنعه أعداء الملَّة والدِّين بمن هو في سنِّه من أطفال المسلمين، مثل ما يحدث الآن في فلسطين.

3- التشجيع والتحفيز.

*  *  *

 مثال علمي وقصة تدلُّ على أهمية غرس الغيرة للدين في نفوس أبنائنا:  

1- عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال:

عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال:

إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين حديثة أسنانهما من الأنصار، فتمنَّيت أن أكون بين أضلعٍ منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عمّ، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت وما حاجتك إليه يا بن أخي؟.. قال: إني خبرت أنه يسبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده، لو رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل([42]).

الشاهد من القصة: «إني خبرت أنه يسبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».

*  *  *

2- أطفال البحرين:

رُوي أنَّ غلمانًا من أهل البحرين خرجوا يلعبون بالصوالجة وأسقف البحرين قاعد، فوقعت الكرة على صدره فأخذها فجعلوا يطلبونها منه، فأبى، فقال غلامهم: سألتك بِمَن بعث محمدًا رسولاً إلا رددتها علينا، فأبي لعنه الله وسبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبلوا عليه بصواليجهم، فما زالوا يخبطونه حتى مات.

فرُفع ذلك إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فو الله ما فرح بفتحٍ ولا غنيمةٍ كفرحته بقتل الغلمان لذلك الأسقف، وقال: الآن عزَّ الإسلام، إنَّ أطفالاً صغارًا شُتِم نبيُّهم فغضبوا له وانتصروا([43]).

* * *


 الخطوة «16» المَيل لاكتسَاب المهَارَات

يتميَّز الأبناء في مراحلهم الأولى من حياتهم بالميل لاكتساب المهارات، فعلينا أن نستغلَّ ذلك القبول في تنمية بعض المهارات كمهارة الخطابة أو الكتابة، وغيرها من مهارات من شأنها أن تُفيد الأمَّة في مستقبلها، فلا يضير الوالدين لو خصَّصوا يومًا واحدًا في الأسبوع لإقامة برنامج يُغذِّي ويُشجِّع تلك المهارات، وعمل الجوائز عليها ليتجاوب الأبناء معها.

* * *


 الخطوة «17» إثراء النمو اللغوي السريع

يتمتَّع الأبناء في بداية حياتهم بسرعة اكتساب الألفاظ اللغوية التي يتحدَّث بها الوالدان، فعلى الوالدين أن يحرصا على أن يُثريا ابنهما في ذلك الجانب، سواء في المحادثات فيما بينهم أو من خلال حكايتهم للقصص الإسلامية الفصحى، والتي تزيد من المخزون اللغوي لديهم .. فما ضاعت اللغة العربية إلا حينما أغفلنا ذلك الجانب.

فمعرفة الأولاد باللغة العربية يساعدهم على فهم معاني الكتاب والسنة، لذا علينا أن نعني بهذه الخطوة عنايةً كبيرة.

* * *


 الخطوة «18» المخترع الصغير

يُحبَّب للأطفال في مراحلهم الأولى الميل لفكِّ الأشياء وتركيبها، وهي حال أشبه بحال المخترع في فكِّ الأشياء وتركيبها، وهو يدعونا لعدم الغضب عليهم إذا ما قاموا بتحطيم شيءٍ أو فكِّه، ذلك لأننا لم نُوجِد لهم البديل المناسب، فعلينا أن نُوجِّه تلك الخاصية في غرس بعض القضايا المهمة، من مثل التعلُّق ببيوت الله، إضافة إلى أنها تفتح مداركهم وعقولهم، وتجعلهم يعتمدون على أنفسهم من خلال فكِّ الأشياء وتركيبها بمفردهم.

*  *  *

 مثال عملي على أهمية ذلك في بناء شخصية الأبناء.  

نقوم بشراء لعبة على شكل مسجد، فيحاول الطفل القيام ببناء ذلك المسجد، فينغرس حبُّ بيوت الله في نفس ذلك الطفل؛ لأنَّ الأطفال مجبولون على حبِّ لعبهم، ويحدث ذلك بطريقة غير مباشرة .. ومثل ذلك ألعاب ترتيب الصور (البازل).

* * *


 الخطوة «19» الحب والتقبل والتقدير

الطفل بحاجةٍ إلى أن يكون مرغوبًا فيه مقبولاً من الوالدين ومُدرِّسيه، فيجب أن يشعر بأنه موضع سرورٍ وإعجابٍ وفخرٍ لأمِّه وأبيه وأسرته ومعلمه، فإذا تحدَّث أنصت الجميع لحديثه، وأعطوه أهمية كبرى، وذلك يُشعِره بالقبول والتقدير ومدى حب والديه له..

*  *  *

 مثال وقصة تدلُّ على أهمية الحبِّ والتقبُّل والتقدير:  

1- عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأخذه والحسن ويقول : «اللهم إني أحبُّهما فأحبّهما» أو كما قال([44]).

*  *  *

2- قال ابن جريج عن عطاء:

إنَّ الرجل ليحدِّثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد([45]).

هذا في الرجل .. فكيف بالطفل أو الابن؟.. فهو من باب أولى.

3- عن عائشة أم المؤمنين وهي تتحدث عن فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دخلت عليه – أي النبي - صلى الله عليه وسلم - - قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها، وكذلك هي تصنع به»([46]).

*  *  *

عن عائشة قالت: كنا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعنا عنده لم يغادر منهنَّ واحدة، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا رآها رحَّب بها قال: «مرحبًا بابنتي»، ثم أقعدها عن يمينه([47]).

* * *


 الخطوة «20» أُشعِره بالنَّجاح

لا بدَّ للآباء والأمَّهات أن يضعوا بين أيديهم هدفًا، وهو نجاح ابنهم في هذه الحياة وتحقيق الهدف الأسمى من وجوده، وهو تحقيق العبودية لله ربِّ العالمين وفق الكتاب والسنة، وهذا لا يعني أن يغفلوا نجاحه في الأمور الدنيوية ]رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ [البقرة : 201].

فالإسلام وسط بين مطالب الرُّوح والجسد؛ فلا رهبانية مطلقة ولا مادية بحتة، بل هو وسط في إشباع الغذاء الروحي والجسدي للإنسان، فالأبناء بحاجة إلى أن يشعروا بالنجاح حتى يواصلوا مسيرتهم..

وقد تكون هناك بعض العوائق في ذلك مثل القدرات والفروق الفردية بين ابن وآخر، فعلى الآباء والأمهات مراعاة ذلك وعدم تحميل الأبناء ما لا يطيقون.

لهذا لا ينبغي أبدًا أن نُكلِّفهم بأعمال صعبة فوق مستواهم تؤدِّي بهم إلى الإخفاق، فيشعرون بالعجز والخيبة والضعف، ويحجموا عن مواصلة نشاطهم ويتهيَّبوا منه.

* * *


 الخطوة «21» الانطـلاق

ينبغي على الآباء والأمَّهات إعطاء نوعٍ من الحرية لأبنائهم في حركتهم، هم بحاجة إلى المشي والجري والكلام والتسلُّق والحفر،. وهي غريزة طفولية في نفس كلِّ طفلٍ سويّ، أعني كثرة الحركة .. فمن الخطأ أن نُقيِّد هذه الغريزة، وهذا هام جدًا من الناحية الصحية لتحقيق نموِّ أعضاء الجسم وتنمية فكر الأبناء وتوقد ذكائهم.

* * *


 الخطوة «22» هيِّئ له الصُّحبة الصَّالحة

المرء بطبعه الغريزي اجتماعي يُحب الأنس، فهو بحاجة إلى من يأنس إليه ويتحدَّث معه ويشاركه همومه وأحزانه وأفراحه، والصحبة لها أهمية كبرى في تكوين شخصية أبنائنا، وقديما قيل: «قل لي من تصاحب أقل لك من أنت».

وقال الشاعر:

عَنِ المَرءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَن قَرِينِهِ  

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنَِ يَقْتَدِي  

فيتوجَّب على الآباء والأمَّهات غمس أبنائهم في بيئات صالحة حتى يتشرَّبوا الصلاح وينشئوا عليه، فالصديق له تأثيرٌ عجيبٌ في سلوك صديقه وتوجيهه، لذا من المهم أن يكون صديق ابننا ذا خلقٍ ودين، فلا تكفي معرفتنا بآبائهم أن نطمئنَّ أنه الصديق المناسب لابننا، كما يجب أن تكون تلك الصداقة مرتبطة برابط الشرع.

*  *  *

 مثال عملي وقصة تدلُّ على أهمية الصحبة الصالحة:  

1- عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمَّا أن يحذيك وإمَّا أن تبتاع منه وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك وإمَّا أن تجد ريحًا خبيثة»([48]).

2- آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء رضي الله عنهما، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها : ما شأنك؟

قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا..

فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كلْ فإني صائم، فقال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل، فأكل، فلمَّا كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم الليل فقال: نِم فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نِم، فلمَّا كان آخر الليل قال سلمان: قُم الآن..

قال: فصلَّيا، فقال له سلمان: إنَّ لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلّ ذي حقٍّ حقَّه .. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «صدق سلمان»([49]).

*  *  *

3-قال الشافعي رحمه الله: ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلَّة عقله، وأضيع من واخى من لا عقل له([50]).

4-قال الصعلوكي: إذا كان رضا الخلق معسورًا لا يُدرَك، كان رضا الله ميسورًا لا يترك، إنا نحتاج إلى إخوان العشرة لوقت العسرة([51]).

 الخطوة «23» اجعله يعتمد على نفسه

ينبغي على الآباء والأمَّهات أن يُعوِّدوا أبناءهم الاعتماد على أنفسهم في أمورهم الخاصة تحت إشرافٍ منهم، فمن الخطأ أن يقوم الأب أو الأم بتوفير كلِّ شيء للأبناء هم قادرون عليه بأنفسهم دون الحاجة للوالدين، مِمَّا يترتَّب عليه عدَّة أمور من أهمها:

1- الاتكالية على الوالدين في قضاء الحوائج.

2- يُحيِي في نفوسهم الكسل والدلال، فكلُّ ما يطلبونه يأتي إليهم دون عناء ولا تعب.

3- اصطدامه بالواقع، فليس كلُّ ما يريده سيأتي إليه دون أن يجدَّ في طلبه.

*  *  *

مثال عملي وقصة في أهمية الاعتماد على النفس في بناء شخصية الأبناء:

1- وكانت صفية أم الزبير بن العوام تضربه ضربًا شديدًا وهو يتيم، فقيل لها: قتلته، أهلكته، قالت:

إنَّمَا أَضْرِبُهُ لِكَي يَدُبَّ  

وَيَجُرَّ الجَيْشَ ذَا الجلَبِ([52])  

الشاهد من القصة:

إنَّ أمه صفية رضي الله عنها حرصت أن تُربِّى ابنها الزبير بن العوام على أن يعتمد على نفسه ويكون شجاعًا.

*  *  *

2- القصة التي ذكرناها آنفًا بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن عبادة والتي تقول:

لَمَّا قدم المهاجرون المدينة، آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن بن عوف: إنِّي أكثر الأنصار مالاً، فاقسم مالي قسمين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدَّتها فتزوجها..

قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أي سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقطٍ وسمن([53]).

الشاهد من القصة:

إنَّ عبد الرحمن بن عوف اعتمد على نفسه في جلب المال وطلب الرزق وحصل له ما أراد.

* * *


 الخطوة «24» لَيَكن الدَّاعية الصَّغيـر

أَحيِِ في نفسه الدعوة إلى الله - عز وجل -، فليكن ابننا هو الداعية الصغير الذي يشعُّ نورًا وضياء، ولِمَ لا؟.. فهناك الكثير من الصور في تاريخنا المشرق على أبناء صغار كان لهم دورٌ مشرقٌ في الدعوة إلى الله، وإليكم بعض تلك الصور المشرقة.

*  *  *

 مثال عملي ونماذج للداعية الصغير:  

1- لَمَّا قدم الأنصار المدينة بعدما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظهر الإسلام بها، وفي قومهم بقايا على دينهم من أهل الشرك منهم عمرو بن الجموح، وكان ابنه معاذ قد شهد العقبة وبايع رسول الله، وكان عمرو بن الجموح سيدًا من بني سلمة وشريفًا من أشرافهم، وكان قد اتَّخذ في داره صنمًا من خشب يقال له «مناة» كما كان الأشراف يصنعون، يتخذه إلهًا ويُطهِّره..!

فلمَّا أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح، في فتيان منهم مِمَّن أسلم وشهد العقبة؛ كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس – أي فضلاتهم – مُنكَّسًا على رأسه، فإذا أصبح عمرو وقال: ويلكم، من غدا على إلهنا في هذه الليلة؟

قال: ثم يغدو يلتمسه، حتى إذا وجده غسله وطهَّره وطيَّبه ثم قال: وأيم الله، أني أعلم من صنع بك هذا لأخزيته .. فإذا أمسى عمرو ونام عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك.

فلمَّا أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يومًا فغسله وطهَّره وطيَّبه، ثم جاء بسيفه فعلَّقه عليه ثم قال: إني والله ما أعلم من يفعل بك ما ترى، فإن كان فيك خيرٌ فامتنع، فهذا السيف معك.

فلمَّا أمسى ونام عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبًا ميتًا فقرنوه معه بحبل ثم ألقوه في بئرٍ من أبيار بني سلمة فيها عذر الناس، وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده مكانه الذي كان فيه، فخرج في طلبه حتى وجده في تلك البئر مُنكسًا مقرونًا بكلب ميت .. فلمَّا رآه وأبصر شأنه وكلَّمه من أسلم من قومه؛ أسلم وحسن إسلامه([54]).

* * *


 الخطوة «25» عرّفه بما يُخطِّط له أعداء الدين

من المهم أن يعرف أبناؤنا وبناتنا بما يُخطِّط له أعداء الدين فيما تُدركه عقولهم، وهذا له فوائد عدة فمنها:

1- معرفة الشرِّ لاتقائه والبعد عنه.

2- إحياء قضية الولاء في نفوسهم، بإعلامهم أنَّ دافع هؤلاء هو الحقد على الإسلام.

3- زيادة الغيرة للدين.

* * *


 الخطوة «26» اليأس طريق الفشل

على الآباء والأمَّهات ألاَّ يعرف اليأس إلى قلوبهم طريقًا، فبما أنهم حملوا تلكم الأمانة العظمية فعليهم بالصبر والسير قُدمًا في تربية الأبناء تربيةً إسلاميةً صحيحةً تقودهم للعمل لهذا الدين وتحقيق الغاية من وجودهم، وهي عبادة الله وحدة لا شريك له..

فالحياة يكتنفها الكثير من العقبات والمنغِّصات، والراحةُ الأبدية في دار الخلد، أمَّا الدنيا فهي دارُ عمل وبلاء، وما نحن إلاَّ عابرو سبيل ماضون إلى الدار الآخرة التي هي دار الحساب والجزاء، فعلام اليأس إذن؟!

*  *  *

 مثال عملي وقصص تدل على عدم اليأس:  

1- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم عليّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطلق عليهم الأخشبين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا»([55]).

* * *


 الخطوة «27» عَلَيك بالصَّـبر

قد ورد الصبر في القرآن أكثر من سبعين مرَّة، مِمَّا يدلُّ على أهميته وعظيم شأنه، فلن تُنال الأماني وتُحقَّق الطموحات دون الصبر على عناء التربية ومشاقها، فهو طريق طويل تعتريه المصاعب والمتاعب، فعلى الآباء والأمَّهات أن يضعوا في أعينهم أنَّ المهمة شاقة لا تقتصر على توفير الملبس والمأكل، بل تتعدَّى ذلك؛ فعليهم أن يتحلَّوا بالصبر ويكتسوا به ويجعلوه شعارهم في التربية؛ فهم مثابون في ذلك متى ما صاحبته نية صالحة.

*  *  *

 مثال عملي وقصة تدلُّ على أهمية الصبر:

قدم عروة بن الزبير ومعه ابنه محمد إلى الوليد بن عبد الملك، وكان محمد بن عروة من أحسن الناس وجهًا، فدخل يومًا على الوليد في ثياب وشي، وله غديرتان وهو يضرب بيده، فقال الوليد: هكذا تكون فتيان قريش، فعانه – أي أصابه بالعين – فخرج من عنده متوسِّنًا، فوقع في إسطبل الدواب، فلم تزل الدواب تطؤه بأرجلها حتى مات، ثم إنَّ الأكلة وقعت في رِجل عروة، فبعث إليه الوليد الأطباء فقالوا: إن لم تقطعها سرت إلى باقي الجسد فتهلك، فعزم على قطعها فنشروها بالمنشار، فلمَّا صار المنشار إلى القصبة وضع رأسه على الوسادة ساعة فغُشِي عليه، ثم أفاق والعرق يتحدَّر على وجهه وهو يُهلِّل ويُكبِّر، فأخذها وجعل يُقلِّبها في يده ثم قال: «أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يُرضي الله»، ثم أمر بها فغُسِّلت وطُيِّبت وكُفِّنت في قطيفة، ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين، فلمَّا قدم المدينة من عند الوليد تلقَّاه أهل بيته وأصدقاؤه يعزُّونه، فجعل يقول: ]لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا[  [الكهف] ولم يزد عليه.

وقال ابن القيم رحمه الله:

ولما أرادوا قطع رجله قالوا له: لو سقيناك شيئًا كي لا تشعر بالوجع، فقال: إنما ابتلاني ليرى صبري، أفأعارض أمره؟([56])

* * *


 الخطوة «28» الاستشارة

إنَّ الاستشارة لها أهمية كبرى في تربية الأبناء؛ فهي أهم خطوات التربية وأحد أعمدتها الرئيسة؛ وذلك لِما لَها من فوائد كبيرة وثمرات جليَّة يلحظها من عمل بها، فهي تُجنِّبنا كثيرًا من المشكلات التي نحن في غنًى عنها، لذا علينا أن نستشير أهل الاختصاص في المجال من أهل العلم مِمَّن نثق بدينه وعلمه.

عن الحسن رحمه الله قال: والله ما استشار قوم قط إلا هُدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثم تلا: ]وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ[ [الشوري : 38] ([57]).

*  *  *

 مثال عملي وقصة تدلُّ على أهمية الشورى:  

1- كانت الأنصار قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه، ثم عملوا عليه، فمدحهم الله وأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بذلك([58]).

*  *  *

2-استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر - رضي الله عنه - فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله، امضِ لِمَا أمرك وأراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: ]فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[ [المائدة : 24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحقِّ لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا ودعا له، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أشيروا عليّ أيها الناس»، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله، إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمَّتنا، نمنعك مِمَّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا - فلما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: «أجل» قال: فقد آمنا بك وصدقناك([59]).

* * *


 الخطوة «29» الاستخَـارة

هي هدي نبوي علَّمناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلِّها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: «إذا همَّ أحدكم بأمرٍ فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب .. اللهم إن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال في عاجل أمري وآجله – فاقدره لي، وإن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال في عاجل أمري وآجله – فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به، ويسمى حاجته» ([60]).

وما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين المؤمنين وتثبَّت في أمره؛ فقد قال سبحانه: ]وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ[ [آل عمران : 159].

 الخطوة «30» الدُّعَـاء ثُمَّ الدُّعَـاء

أيها الأب الفاضل .. وأيتها الأم الحنون عليكم بالدعاء ثم الدعاء، في أن يُوفِّقكم الله في تربية أبنائكم تربيةً صالحةً تقودهم لخدمة هذا الدين العظيم.

فالدعاء له أهمية عظيمة في صلاح الأبناء واستقامتهم، فكم دعوة وافقت ساعة إجابة فكانت سببًا لسعادة الأبناء في الدَّارين، وكم من دعوة أضلَّت طريق الأبناء وجعلتهم يسلكون طريق الغواية والضلال، فالله الله بالدعوة الصالحة .. ثم لا تنسوا أن تدعو الله في كلِّ خطوة مِمَّا سبق ذكره.

*  *  *

 مثال عملي وقصص تدل على أهمية الدعاء:

عن الإمام الذهبي قال الحاكم: حدثنا الحافظ أبو علي النيسابوري، عن شيوخه أن ابن المبارك نزل مرة برأس سكة عيسى، وكان الحسن بن عيسى يركب فيجتاز به وهو في المجلس، وكان من أحسن الشباب وجهًا، فسأل ابن المبارك عنه فقال: هو نصراني، فقال: «اللهم ارزقه الإسلام»، فاستجيب له ([61]).

2- عن الإمام الذهبي قال:

حدَّثنا أبو يحيي بن الرازي قال: سمعت علي بن سعيد الرازي قال: صرنا مع أحمد بن حنبل إلى باب المتوكل، فلما أدخلوه من باب الخاصة قال: «انصرفوا، عافاكم الله»، فما مرض منا أحد بعد ذلك اليوم([62]).

*  *  *

3- قال الواقدي: جهَّز معاوية عقبة بن نافع على عشرة الآلاف، فافتتح إفريقية، واختط قيروانها، وكان الموضع غيضة لا يُرام من السباع والأفاعي، فدعا عليها فلم يبقَ فيها شيء، وهربوا حتى أنَّ الوحوش لتحمل أولادها([63]).


 الخاتمـة

وفي ختام هذه الورقات «ثلاثون خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدين» القليلة في صفحاتها الكثيرة في معانيها، أسأله عزَّ وجل أن يكون كلُّ ما كتبته في ميزان حسناتنا يوم نلقاه، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن يُلهمنا فيها الصواب، فما كان منها من حقٍّ فهو من الله وحده، وما كان منها من خطأٍ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان، وأستغفر الله.

وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مُحبِّكم

سالم صالح بن ماضي



([1]) صحيح البخاري (5090)كتاب «النكاح» باب الأكفاء في الدين.

([2]) سير أعلام النبلاء ، (1/41-42) .

([3]) سير أعلام النبلاء ، (2/294).

([4]) سير أعلام النبلاء، (3/377).

([5]) سير أعلام النبلاء، (8/444).

([6]) سير أعلام النبلاء (8/427-428).

([7]) سير أعلام النبلاء (8/443-444).

([8]) سير أعلام النبلاء، (8/445).

([9]) سير أعلام النبلاء (2/306).

([10]) البخاري برق، (3811) والفتح، (7/506).

([11]) البداية والنهاية، (3/116).

([12]) سير أعلام النبلاء، (1/74).

([13])سير أعلام النبلاء ، (1/86) .

([14]) أخرجه البخاري كتاب الأدب باب اسم الحزن رقم الحديث (6190) الجزء العاشر.

([15]) فتح البارى، (10/703).

([16]) سنن أبي داود رقم الحديث (495) باب متى يؤمر الصبي بالصلاة.

([17]) الآداب الشرعية، (1/244).

([18])سير أعلام النبلاء، (3/343).

([19]) سير أعلام النبلاء (7/5-18).

([20]) سير أعلام النبلاء (12/615).

([21]) أخرجه البخاري كتاب التفسير باب (ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان) رقم الحديث (4572) –فتح الباري كتاب التفسير، (8/300)..

([22]) سير أعلام النبلاء ، (2/118-134).

([23]) أخرجه البخاري كتاب الأدب رقم الحديث (5996).

([24]) فتح الباري، (10/526).

([25]) سنن النسائي رقم الحديث (731).

([26]) البداية والنهاية (3/276).

([27]) صلاح الأمة ، سيد العفاني، (7/174).

([28]) سنن النسائي الكبرى (5/ 306).

([29]) في أدب الأطفال ، الدكتور محمد صالح الشنطي ص (278).

([30]) أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب رقم (60) ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (1491).

([31]) صحيح مسلم رقم الحديث (2309-2310) كتاب الفضائل باب كان رسول الله أحسن الناس خلقًا.

([32]) أخرجه البخاري كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين رقم الحديث (5376).

([33]) سير أعلام النبلاء (4/323).

* بالإضافة إلى عدم الفرصة للمعلومات الخاطئة أن تتسرَّب إليهم من خلال معارف السوء أو وسائل الإعلام أو غيرها.

([34]) مسند الروماني (2/ 78).

([35]) صحيح البخاري رقم الحديث (3988) كتاب المغازي.

([36]) حياة الصحابة ، (4/514).

([37]) البخاري برقم (3780) والفتح ، (7/486).

([38]) البخاري رقم (3782) بار إخاء النبي ﷺ‬ بين المهاجرين والأنصار- الفتح (7/486).

([39]) صلاح الأمة – سيد العفاني ، (7/70).

([40]) سير أعلام النبلاء (12/615).

([41]) سير أعلام النبلاء 5/116.

([42]) البداية والنهاية ، ابن كثير (3/288).

([43]) منهج التربية النبوية ، محمد نور ، (94) (بتصرف بسيط).

([44]) البخاري برقم (3747) كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ‬ باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.

([45]) سير أعلام النبلاء (5/78-88).

([46]) سير أعلام النبلاء (2/18-134).

([47]) سير أعلام النبلاء (2/18-134).

([48]) صحيح مسلم برقم (2628)باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة رفقاء السوء.

([49]) سير أعلام النبلاء (10/000).

([50]) سير أعلام النبلاء (17/208).

([51]) سير أعلام النبلاء (17/208).

([52]) سير أعلام النبلاء، (1/45).

([53]) البخاري برقم (3780) والفتح ، (7/486).

([54]) حياة الصحابة (1/214).

([55]) البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب إذا قال أحدكم : آمين برقم (3231).

([56]) صلاح الأمة (4/389-390).

([57]) الأدب المفرد ، البخاري.

([58]) الفائق في الأخلاق والتربية (1/259).

([59]) البداية والنهاية (3/261).

([60]) البخاري برقم (6382)، كتاب الدعوات ، باب الدعاء عند الاستخارة.

([61]) سير أعلام النبلاء (12/27-30).

([62]) سير أعلام النبلاء (11/177-358).

([63]) سير أعلام النبلاء (3/532-534).