فن التدبر في القرآن الكريم
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- فن
التدبير في القران الكريم
- 1. تأملت في أحوال أمة القرآن ؛ فوجدتُ أنهم في موقفهم من كتاب الله على أقسام ثلاثة :
- وقد قسمتها إلى ثلاث مستويات :
- المستوى الأول
- 1/فن التدبــر
- المقطع 1.03 المرحلة الأولى : لابد من اليقين التـَّام أنك مع القرآن حي وبدونه ميِّت ، مبصرٌ وبدونه أعمى ، مهتدي وبدونه ضال .
- المقطع 1.04 المرحلة الثانية : الأصل في خطاب القرآن أنه موجه إلى القلب .
- المقطع 1.05 المرحلة الثالثة : كيف نقرأ القرآن ؟
- المقطع 1.06 المرحلة الرابعة : بأي القرآن نبدأ ؟
- المقطع 1.07 المرحلة الخامسة : كيف نستفيد من كُتب التفسير ؟
- المقطع 1.08 والذي أراه لعموم المسلمين أن يجمعوا بين كتابين هما :
- المقطع 1.09 خـــاتمــــة ٌ
- المقطع 1.10 ختـامــاً ؛
فن التدبير في القران الكريم
لفضيلة الشيخ الدكتور
عصام بن صالح العويد
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا
وتَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه ،،، أما بعد :
يا أيها الإنسان : اسمع نداء رب الناس للناس :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) النساء
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (57) يونس
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} (108) يونس
في هذه الآيات الثلاث فقط تجيء هذه الأوصاف العِظام بأنه : هو البرهان ، هو النور ، هو الموعظة ، هو الشفاء ، هو الهدى ، هو الرحمة ، هو الحق .
فأين قلوب المؤمنين والمؤمنات عن كتاب ربهم ؟
لذا فهذه رسالة " فن التدبر " ، وهي الرسالة الأولى ضمن مشروع (تقريب فهم القرآن) ، كتبتها لعموم المسلمين ، لكل قارئ للقرآن يلتمس منه الحياة والهداية ، والعلم والنور ، والانشراح والسعادةَ ، والمفاز في الدنيا والآخرة ، وهي تمثل (المستوى الأول) لمن أراد أن يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، وقد توخيتُ فيها الوضوح ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
فأسأل الله أن يتقبلها بقبولٍ حسنٍ ، وأن يجعَلها ذُخْراً أفرحُ بها حين ألقاه .
1. تأملت في أحوال أمة القرآن ؛ فوجدتُ أنهم في موقفهم من كتاب الله على أقسام ثلاثة :
أ- قسم أعرض عن كتاب الله وهؤلاء خُصماء رسول الله e يوم القيامة {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) الفرقان ، وليس الحديث معهم في هذه الرسالة .
ب- قسم يتلو كتاب الله تعالى ؛ لكنه لم يستشعر عظمته ، ولم يُدرك حقيقته ، ولم يقف على سلطانه ، ولم يَدْرِ أين إعجازه ، ومن أجله كانت هذه الرسالة .
ت- قسم يُراجع كتب التفسير ، وله همة في فهم كتاب الله ، لكنه يشعر بأنه ما زال بعيداً عن التدبر الحق لهذا الكتاب العظيم ، وهذا كتبت له رسالة " المرَاحِـلُ الثـَّمَان لطَالِب فَهْم القُرْآن ".
وقد كنتُ وأنا أُقلبُ الفكر في هذا الأمر ؛ أعجب ــ كما عجب أسلافنا ــ من مقولٍ بليــغ لعربي جاهــلي صنديدٍ عنيـــد وهو يصف الـقرآن المجيـــد ، يقول : " والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه" .
فلمــــا قــرأتُ قــولَ بليـــغٍ أعجمي ! فرنسي !! فيلسوفٍ !!! ملحد !!!! وهو جوزيف آرنست رنان زال ــ والله ــ عجبي منهم ، وبقي عجبي منَّا ، واسمع لما يقول :
" تضم مكتبتي آلاف الكتب السياسية والاجتماعية والأدبية وغيرها والتي لم اقرأها أكثر من مرة واحدة ، وما أكثر الكتب التي للزينة فقط ، ولكن هناك كتاب واحد تؤنسني قراءته دائما هو كتاب المسلمين القرآن ، فكلما أحسست بالإجهاد وأردت أن تنفتح لي أبواب المعاني والكمالات ، طالعت القرآن حيث أنني لا أحس بالتعب أو الملل بمطالعته بكثرة ، لو أراد أحد أن يعتقد بكتاب نزل من السماء فإن ذلك الكتاب هو القرآن لا غير ، إذ أن الكتب الأخرى ليست لها خصائص القرآن" .
أليست هي بنفسها مقولة الوليد بن المغيرة ؟
فما الذي جعل الوليد وجوزيف ! يتفقان على أن القرآن (يعلو ولا يُعلى عليه) ؟
إنه قول الله {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4) الزخرف .
وما أجمل قول الشاطبي ــ رحمه الله ــ واصفا كتاب الله تعالى في ألفيته المشهورة :
وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ *** وَأَغْنى غَنَاءٍ وَاهِبًا مُتَفَضِّلاَ
وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ *** وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً
وَحَيْثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فيِ ظُلُمَاتِهِ *** مِنَ اْلقَبرِ يَلْقَاهُ سَناً مُتَهَلِّلاً
o أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان قال ابن مسعود : من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علمَ الأولين والآخرين .
قال شمر: تَثوِيرُ القرآن قراءته ومفاتشة العلـماء به فـي تفسيره ومعانـيه .
o والعجب أننا نؤمن جميعاً بأن هذا القرآن هو النور .. هو الروح .. هو الهدى .. هو الشفاء ... هو الفرقان ... جمع أنواع السلطان كلها .
ثم بعد هذا كرر النظر ، وأرجع البصر في حال أمة القرآن مع القرآن .
فماذا عساك أن ترى ؟
الأمر لا يحتاج إلى كثير بيان .
· وهذه نصوص أسئلة تتابعت أذكرها كما هي ، يقول أصحابها :
1) أنا أقرأ القرآن وأقرأ في كتب التفسير ولا أدرك هذا المعنى العظيم الذي تتحدثون عنه في آيات القرآن ؟
2) عندي يقين تام بأن القرآن معجز لكن لا أدري أين هذا الإعجاز ؟
3) لا أجد لذة عند قرآة القرآن .
4) هل يمكن أن يحكمنا القرآن في كل قضايانا حتى الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية والإعلامية وغير ذلك ؟
5) أخت داعية تسأل تقول : ندعو الناس إلى الأنفع لهم أو إلى ما يرغبون فيه ؟ هل نعلم الناس الإيمان أو العاطفة ؟
6) أخرى تقول : أليست دراستنا لعلم التوحيد أو الفقه أو الحديث هي المقصودة بتدبر القرآن ؟
7) الأمة اختلفت في فهم القرآن كثيراً أما تخشى علينا من هذا ؟
8) لماذا القرآن ؟ مشكلات الأمة أهم .. السياسة أهم .. الفقه أهم .. الدعوة أهم .. الجهاد أهم ... الاقتصاد أهم .
· والجواب عن هذه كلـِّها هو جوابٌ واحد :
وهو عدم الفهم الحق لهذا القرآن المنزل من لدن حكيم عليم {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (6) سورة النمل .
فلابد من هذا الفهم ــ بقدر طاقتك ــ وإلا والرحمن الذي أنزل القرآن لن تبلغ مُرادك في الصلاح والإصلاح في الدنيا ، ولا في الرفعة والدرجات في الآخرة .
وأدلة ذلك مبسوطة ستأتي فيما نستقبل ــ بإذن الله ــ ، ولكن أُنبِّه هنا أن الفهم الحق الذي لابد منه نوعان :
1) فهم ذهني معرفي ..
2) فهم قلبي إيماني ..
والفهم الثاني هو الغاية ، والأول إنما هو وسيلة .
قال الحسن البصري ــ رحمه الله ــ : العلم علمان :
1) علم في القلب فذاك العلم النافع .
2) وعلم على اللسان فتلك حجة الله على خلقه .
فتنبه إلى ذلك ــ يا أخا القرآن ــ فإنه سُورُ ما بين الفريقين .
فإن قلت : فكيف تحقيق ذلك ؟
فالجواب : بإتباع منهج الذين قال فيهم الله ﷻ :
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (29) الفتح.
وقال فيهم e كما في الصحيحين عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : (خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) .
فلا محيد ولا مناص من اتباع منهجهم في تعلُّمنا وتعلِيمنا للقرآن .
فإن قلتَ : وهل خالفناهم في طريق تَعَلُّمِنا أوتَعْلِيمنا القرآن ؟
فأقول : نعم ــ غفر الله لي ولك ــ قد فعلنا شيئاً من ذلك .
فقد كان السلف ــ رحمهم الله ــ من عظيم فقهم يتعلمون الإيمان قبل أن يتعلموا القرآن ، يتعلمون صغار العلم قبل كباره ، يمتثلون قبل أن يستكثروا .
فإن سألت : وكيف نسلك طريقهم ؟
فالجواب ــ يا أخا القرآن ــ : إنما رقمتُ هذه المراحل من أجل بيان ذلك ، فخذها لك غُنمها وعلى كاتبها غُرمها ولا حول لي ولا قوة إلا بالله .
وقد قسمتها إلى ثلاث مستويات :
§ المستوى الأول : فن التدبر .
§ المستوى الثاني : رسالة " أصول في التفسير" للعلامة ابن عثيمين رحمه الله .
§ المستوى الثالث : المرَاحِـلُ الثـَّمَان لطَالِب فَهْم القُرْآن .
ومراحل المستوى الأول على النحو التالي :
المرحلة الأولى : لابد من اليقين التـَّام أنك مع القرآن حي وبدونه ميِّت ، مبصرٌ وبدونه أعمى ، مهتدي وبدونه ضال .
المرحلة الثانية : الأصل في خطاب القرآن أنه موجه إلى القلب .
المرحلة الثالثة : كيف نقرأ القرآن ؟
المرحلة الرابعة : بأي القرآن نبدأ ؟
المرحلة الخامسة : كيف نستفيد من كُتب التفسير ؟
وهذا أوان الشروع في المقصود ، مستعيناً بمن أنزل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
المستوى الأول
1/فن التدبــر
وهذا الفن يمكن اكتسابه من مراحل خمسة :
المقطع 1.03 المرحلة الأولى : لابد من اليقين التـَّام أنك مع القرآن حي وبدونه ميِّت ، مبصرٌ وبدونه أعمى ، مهتدي وبدونه ضال .
كل قارئ للقرآن العظيم لابد له من هذا اليقين قبل قراءة آياته وسوره ، ولذا يقول الله I في سورة الكتب المنزَّلة ــ سورة طه ــ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)} وأعظم الذِّكر هو هذا الكتاب الخاتم .
فالقرآن هو الروح وبدونه أنت ميِّت {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} (52) الشورى
والقرآن هو النور وبدونه أنت أعمى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) النساء ، {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (19) سورة الرعد .
والقرآن هو الهدى وبدونه أنت ضال {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} (108) سورة يونس ، والحق هنا هو القرآن كما قاله ابن جرير وغيره ، وكل ما عداه من الحق المُبيَّن للناس فإنه تابع له .
ولذا كان وصف القرآن للمعرضين عنه في غاية الشِّدة من التَّنقُّص والذم ، وخذ مثلاً واحداً على ذلك :
يقول الله I : {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} (51) سورة المدثر
فهل تأملت ــ يا قارئ القرآن ــ بـِمَ وصف الله ﷻ المعرضين عن القرآن ؟
أرجو أن تأذن لي لأقرِّب لك الأمر قليلاً ، فأقول :
(الحُمُر) جمع حمار ، وهو معروف .
(مُّسْتَنفِرَة) هي الشديدة النِّفار ، وهي الهاربة ذُعراً وخوفاً .
(القَسْوَرَة) هو الأسد أو الرامي ونحوهما .
والمعنى أن المعرض عن القرآن كأنه ــ عند ربه الذي خلقه ــ حمار ، وليس هذا وفقط ، بل هو حمارٌ هائجٌ خائفٌ مذعور .
وصفٌ ــ والله ــ مخزي ، أجارني الله وإياك من ذلك .
ولعلك تتأمل هذه الأوصاف التي وصف بها هذا الكلام الصادر منه جلّ وعلا ، فقد وصف الله كتابه بأنه :
1) هو الحقّ {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ} (31) سورة فاطر
2) الهدى {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً} (52) الأعراف
3) العلم ]وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [ (120) سورة البقرة .
4) البرهان {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (174) سورة النساء
5) المهيمن {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (48) سورة المائدة
6) البركة {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } (29) سورة ص
7) الموعظة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (57) سورة يونس
8) الشفاء {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (82) سورة الإسراء
9) التذكرة {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } (49) سورة المدثر
10) النور{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) النساء
11) الرحمة {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} (89) سورة النحل
12) الصِّدق {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (33) سورة الزمر
13) المصدِّق {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} (31) فاطر
14) العليّ {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4) سورة الزخرف
15) الكريم {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} (77) سورة الواقعة
16) العزيز {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (41) سورة فصلت
17) المجيد {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ} (21) سورة البروج
18) الفُرْقَانَ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } (1) الفرقان
19) فيه بصائر {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ } (20) سورة الجاثية
20) وأنه مُحكم {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4) سورة الزخرف
21) وأنه مُفصَّل {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3) سورة فصلت
22) وأنه عَجَب {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} الجن
23) وأنه بلاغ {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} (106) سورة الأنبياء
24) وأنه بشير ونذير {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} (4) فصلت
25) وأنه بيان وتبيان {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) آل عمران ، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} (89) سورة النحل .
أما تكفي هذه الأوصاف لندرك ما الذي نجنيه على أنفسنا بابتعادنا عن القرآن .
المقطع 1.04 المرحلة الثانية : الأصل في خطاب القرآن أنه موجه إلى القلب .
القلب أمره جلل وهو سرٌ من أسرار الله في الأرض كما قال القائل :
للقلب سرٌ ليس يعرف قدره *** إلا الذي أتاه للإنسان
ولذا في هذه الشريعة الخاتم جاء التعظيم لشأن هذه الجارحة كثيراً ، ولو لم يأت إلا ما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن رسول الله e قال : (ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا و هي القلب ) لكان هذا كافياً .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فالمقصود تقوى القلوب لله ، وهو عبادتها له وحده دون ما سواه بغاية العبودية له ، والعبودية فيها غاية المحبة وغاية الذل والإخلاص ، وهذه ملة إبراهيم الخليل ، وهذا كله مما يبين أن عبادة القلوب هي الأصل كما قال النبي e (إن فى الجسد مضغة ... ) الحديث "([1])
ورحم الله ابن القيم إذ يقول في نونيته :
قطع المسافة بالقلوب إليه([2]) لا *** بالسير فوق مقاعد الركبان
وما أشبعَ كلمات أحمد بن خضرويه حين قال : القلوب أوعية فإذا امتلأت من الحق ؛ أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح ، وإذا امتلأت من الباطل ؛ أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح .
وقد وُصفت قراءة الفضيل بن عياض ــ رحمه الله ــ فقيل : كانت قراءته للقرآن قراءةً حزينة شهية بطيئة مترسلة ، كأنه يخاطب إنساناً .
· ومما يُبيِّن أن القلب هو المخاطب بدءاً بالقرآن ؛ أمور منها :
أ- أنّ القرآن نزل أولاً على القلب :
يقول الله تعالى : {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ 193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ 194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ 195} الشعراء [193-195]
فقال : {عَلَى قَلْبِكَ} ولم يقل على سمعك أو بصرك أو ذهنك ونحو ذلك ، بل {عَلَى قَلْبِكَ} ، وهذا ظاهر الدلالة .
ويقول تعالى : {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} (97) سورة البقرة
فأول جارحة تخاطب بهذا القرآن هي القلب ، فإن أنصت القلب ؛ أنصتت تبعاً له بقية الجوارح ، وإن أعرض كانت كالرعية بلا راعي .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في التحفة العراقية بعد كلام له طويل عن أحوال القلب قال : " وهذا الذي ذكرنا مما يبين أن أصل الدين في الحقيقة هو الأمور الباطنة من العلوم والأعمال وأن الأعمال الظاهرة لا تنفع بدونها "([3]).
ولذا هُيئ قلب النبي e لتلقي القرآن قبل نزوله عليه فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ( أَنَّ رَسُولَ e : أَتَاهُ جِبْرِيلُ O وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ... ) رواه مسلم وللبخاري نحوه .
وقد وصف الصحابة حال قلوبهم أولَّ سماعهم للقرآن ، ففي الصحيحين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : سمعت النبي e يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)} سورة الطور ، كاد قلبي أن يطير .
· وجاء عن السلف مثل ذلك في أوّل سماعٍ بالقلب للقرآن :
o فعن يونس البلخي قال : كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف ، وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب والجنائب والبزاة ، فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يُركِّضُه إذا هو بصوت من فوقه يا إبراهيم ما هذا العبث {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (115) سورة المؤمنون ، اتق الله ، عليك بالزاد ليوم الفاقة فنزل عن دابته وأخذ في عمل الآخرة([4]).
o وقال الفضل بن موسى : كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها سمع رجلاً يتلو {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (16) الحديد ، فقال : يا رب قد آن ، فرجع ، فأواه الليل إلى خَرِبة ، فإذا فيها رفقة فقال بعضهم : نرتحل ، وقال قوم : حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا ، فتاب الفضيل وأمَّنهم ، وجاور بالحرم حتى مات([5]).
ب-كثرة تكرار لفظ القلب في القرآن ، بل أُسند إليه في الآيات ما لم يُسند إلى غيره من الجوارح .
لفظ القلب والفؤاد والصَّدر في القرآن تكرر كثيراً ، وأُسند إليه في تلك الآيات ما لم يُسند إلى غيره من الجوارح ، وقد وقفتُ ــ ولم استقصِ ــ على أربعين وصفاً أسنده القرآن إلى القلب ، وهي أوصاف جليلة الأثر جداً ، أسوقها من أجل أمر واحدٍ فقط ، وهو أن الوقوف عليها مجتمعة يوقظ الفؤاد لهذا الأمر الجلل ، أما الإحاطة بعلم هذه الأوصاف ودلالاتها ، فهو في فيما نستقبل إن شاء الله ، وأذكر معها شاهداً واحداً من القرآن ، فمن هذه الأوصاف :
1) وَصْفُ التقوى {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) الحـج
2) الخشوع {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (16) سورة الحديد
3) الهداية {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11) سورة التغابن
4) الرأفة والرحمة {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً} (27) الحديد
5) الألفة {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} (63) الأنفال
6) الانشراح {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} (22) سورة الزمر
7) السلامة {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (89) سورة الشعراء
8) الإنابة {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} (33) سورة ق
9) الطهارة {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} (41) سورة المائدة
10) الربط {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (11) سورة الأنفال
11) العقل {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } (46) سورة الحـج
12) الاطمئنان {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد .
13) الإخبات {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} (54) سورة الحـج
14) تزيين الإيمان {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} (7) الحجرات
15) إنزال السكينة {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ } (4) سورة الفتح
16) الكسب {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (225) البقرة
17) الرَّان {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين
18) الغفلة {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} (28) سورة الكهف
19) المرض {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً} (10) سورة البقرة
20) الختم {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} (7) سورة البقرة
21) الرُّعب {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} (151) سورة آل عمران
22) الزيغ {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (8) سورة آل عمران
23) العمى {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) الحـج
24) التَّقلب {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (110) سورة الأنعام
25) الاشمئزاز {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} (45) الزمر
26) القُفل {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد
27) ضعف الإيمان {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } (14) سورة الحجرات
28) الطَّبع {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (35) سورة غافر ،
29) الوَجَل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (2) سورة الأنفال
30) الرَّيب {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (45) سورة التوبة
31) القسوة {وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (43) الأنعام
32) الغيظ {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء} (15) سورة التوبة
33) اللهو {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} (3) الأنبياء
34) الكفر {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} (106) سورة النحل
35) النفاق {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} (77) سورة التوبة
36) الغِل {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } (47) الحجر
37) الكِبْر {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} (56) سورة غافر
38) الوسوسة {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} (5) سورة الناس
39) الحسرة {لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} (156) سورة آل عمران
40) عدم الفقه {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا...} (179) سورة الأعراف .
يا أخا القرآن : هذه أربعون وصفاً ، أربعةٌ منها تكفي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فكرِّر النظر فيها ــ ثانيةً وثالثة ــ ، وتفكَّر في هذه الارتباط الوثيق والميثاق الغليظ بين القرآن والقلب ، ثم تأمل في أثر ذلك على قلبك .
ج) أنَّ أعظم أثر ٍ للقرآن إنما هو في القلب :
فأعظم ما يحدثه الإقبال على القرآن هو حياة القلب وصلاحه ، وأعظم داءٍ يُصاب به المعرض عن القرآن هو موت القلب وقسوته ،ولذا قُصِرت الذكرى على من كان له قلب أو اجتهد في إحضار قلبه مع القرآن كما قال تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق .
وقد نبَّه I على عظم أثر الإعراض عن القرآن ، وأن ذلك يَحْرِمُ القلبَ من أنوار الوحي فقال تعالى : ] أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [ (24) سورة محمد .
وقال الإمام عبد الأعلى التميمي في قوله تعالى {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} (107) سورة الإسراء ، قال : إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن قد أوتي من العلم ما لا ينفعه لأن الله نعت أهل العلم فقال : {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} .
وعن ابن مسعود قال : إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره .
واشتهر عن السلف قولهم : إنما العلم الخشية .
وقال الحسن في قوله تعالى : {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ} (49) سورة العنكبوت .
قال : {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} هو القرآن ، {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} يعني المؤمنين .
قال ابن كثير : لأنه محفوظ في الصدور ميسر على الألسنة مهيمن على القلوب معجز لفظا ومعنى .([6])
وفي مرسل الحسن رضي الله عنه قال : العلم علمان :
1) علم في القلب فذاك العلم النافع .
2) وعلم على اللسان فتلك حجة الله على خلقه .
فليس العلم ولا الإيمان ــ عندهم ــ بكثرة القراءة بل بخشوع القلب وخشيته .
وفي صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : (التَّقْوَى هَاهُنَا) وَأشَارَ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّات .
· والنصوص في الباب كثيرة ، لكني أذكر بعض البيان العملي للرسول e ثم بعض أتباعه y :
ففي السنن عن عبد الله بن الشِّخير قال : (رأيت رسول الله e يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المِرجَل([7]) من البكاء) صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : إسناده قوي .
وثبت عند أحمد والنسائي والحاكم وصححاه وقال البوصيري : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ، وصححه ابن القيم من حديث أبي ذر t : أنه e قام بآية يرددها حتى الصباح وهي قوله ] إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (118) المائدة .
وفي الدر المنثور عند تفسير قوله تعالى {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء} (50) الأعراف . أن عبد الله بن عمر y شرب ماء باردا فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت آية في كتاب الله {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} (54) سورة سبأ ، فعرفت أن أهل النار لا يشتهون إلا الماء البارد وقد قال الله ﷻ {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ} ([8]).
وفي صِفة الصفوة : عن سعد بن زنبور قال : كنا على باب الفضيل بن عياض فاستأذنا عليه فلم يؤذن لنا ، فقيل لنا : إنه لا يخرج إليكم أو يسمع القرآن ، قال : وكان معنا رجل مؤذن ــ وكان صيتاً ــ فقلنا له : اقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ورفع بها صوته ، فأشرف علينا الفضيل ، وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع ، وأنشأ يقول :
بلغتُ الثمانينَ أو جِزتُها *** فماذا أُؤملُ أو أنتظر
أتى لي ثمانون من مولدي *** وبعد الثمانين ما يُنتظر
علتني السنونَ فأبلينني *** .............
قال : ثم خنقته العبرة وكان معنا علي بن خَشْرَم فأتمه لنا فقال :
علتنـــي السنــونَ فأبليننــــي *** فرَقَّتْ عظامي وكلَّ البصر([9])
د ) المقصود الأعظم من القرآن هو تدبر القلب له .
قال الإمام السيوطي في الإتقان : وتسن القراءة بالتدبر والتفهم فهو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب .
وقد أبان الله I عن الحكمة من تنزيل هذا الكتاب فقال ] كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ (29) ص ، واللام في قوله (لِّيَدَّبَّرُوا) هي لام العلة ، فهو لن يكون مباركاً مباركةً تامة إلا بالتدبر .
وقال تعالى ] أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [ (24) سورة محمد ، فإما التدبر أو الأقفال ــ وليس قفلاً واحداً ــ على القلب :
هما طريقان ما للمرء غيرهما *** فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
·ولذا ذم النبي e من قرأ بعض الآيات ولم يتفكر بقلبه .
فثبت عند ابن حبان في صحيحه وغيره عن عائشة t قالت : قال رسول e : لقد أنزلت على الليلة آية ؛ ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ} الآيات من آخر سورة آل عمران .
ولعلنا لا نحصي كم سمعنا وقرأنا هذه الآيات ، لكن لو تأملنا مليّاً قوله e (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) لتغير الحال ، والله المستعان .
وهذا ريحانة القُرَّاء من أصحاب رسول e ابنُ مسعود يقول عن القرآن : قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكون هم أحدكم آخر السورة .
وأختم بمحكم من القول للإمام محمد بن الحسين الآجري يقول فيه : والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إلي من كثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه ، فظاهر القرآن يدل على ذلك،والسنة، وأقوال أئمة المسلمين .
ولذا في مثل هذه المواطن استوقف النفس وحاسبها ، وانظر في حال السلف مع القرآن ، ثم في حالها هي مع القرآن ، قِسْ هذا إلى ذاك ، وقارن بين الحالين ، ثم اختر لنفسك ، وفقك الله لصلاح قلبك .
فيا أخا القرآن : إذا أردت أن تفتح صفحات هذا القرآن المجيد ؛ فقبل هذا تفقد قلبك هل فتحت صفحاته هو أيضاً ؟ أم على قلوب أقفالها ؟
وفقك الله لهداه .
المقطع 1.05 المرحلة الثالثة : كيف نقرأ القرآن ؟
من عظيم شأن القرآن عند الذي تكلّم به سبحانه ، أن كيفية القراءة لم تُترك لنا ، بل جاء القرآن بالكيفية التي تكون عليها قرآته ، ومن ذلك :
· قوله تعالى {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} (106) سورة الإسراء ، وهو أمر بالمكث وترك العجلة عند القراءة ، فعن مجاهد بن جبر ــ رحمه الله ـــ سُئل عن رجلين أحدهما قرأ البقرة وآل عمران والآخر قرأ البقرة ، وقيامهما واحد ، وركوعهما وسجودهما واحد ، وجلوسهما واحد ، أيهما أفضل ؟
قال : الذي قرأ البقرة وحدها أفضل ، ثم قرأ : {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} .
فهلاَّ استوقفت قلوبَنا أمثال هذه الفتاوى من هؤلاء الأئمة، وأيقظتها من غفلتها ؟
· وقال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا } (4) المزمل ، قال ابن عباس : يقرأ آيتين ثلاثة ثم يقطع ، لا يُهَذرِم . وقال مجاهد : تَرسَّلْ فيه ترسلاً .
· وقد امتثل النبي e هذا الأمر :
ففي صحيح البخاري عن أنس t أنه سئل عن قراءة رسول الله e ؟ فقال : كانت مدّا ، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد الله ، ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم .
وروى أبو داود و الترمذي وغيرهما عن أم سلمة أنها نعتت قراءة النبي e بأنها : قراءة مفسرة حرفاً حرفاً([10]) . قال الترمذي : حسن صحيح غريب .
وقال قتادة : بلغنا أن عامة قراءة النبي e كانت المدّ .
· ومن الأدلة على كيفية القراءة قوله تعالى في سورة القيامة : {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) } إلى قوله تعالى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} .
هذه الآيات سبب نزولها معروف لكنها جاءت في سياق الكلام عن القيامة ، فالسباق في يوم القيامة وأهواله وحال الإنسان فيه ، واللحاق في العاجلة والآخرة والموت والبعث ، فلأي شيء جاءت هذه الآيات الأربع في هذا السياق ؟
إنه النهي عن العجلة في القراءة وتحريك اللسان بها سريعاً ، خصوصاً في مثل هذه الآيات العظيمات عن مقدمات القيامة وأهوالها .
· وأما الآثار عن السلف :
ففي الصحيحين عن ابن مسعود : أن رجلاً قال له : إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة ، فقال : هَذَّاً كَهذِّ الشِّعر ، إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع .
وقال ابن أبي مليكة : سافرت مع ابن عباس t فكان يقوم نصف الليل فبقرأ القرآن حرفاً حرفاً ثم يبكي حتى تسمع له نشيجاً .
وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري قال ما رأيت أحدا أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل كانت قراءته حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا .
فيا أخا القرآن : هكذا ينبغي أن تكون كيفية قراءتنا لهذا القرآن العظيم حزينةً شهيةً بطيئةً مترسلةً ، وفقك الله لهداه .
المقطع 1.06 المرحلة الرابعة : بأي القرآن نبدأ ؟
هذه مسألة جليلة كبيرة القدر جداً ، قد خفي على كثير من أهل القرآن وجه الصواب فيها ، فوقعوا في خلاف منهج النبي e ومنهج أصحابه y .
ومنهج النبي e في تعليم أصحابه القرآن هو تعليم الإيمان أولاً قبل تعليم الأحكام ، وهي داخلة ضمن القاعدة المشهورة عند السلف في التعليم ( العالم الرباني : هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره) ، وقد جاء في تعليم الإيمان قبل الأحكام آثار مشهورة :
· فعن جندب بن عبد الله t قال : كنا مع النبي e ونحن فتيان حزاورة ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا ([11]).
· وعن عبد الله بن عمر y قال : تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً ، وأنتم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان .
· وعنه t قال : لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد e فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم اليوم القرآن ، ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدرى ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه ([12]) .
· وفي لفظ عنه t قال : إنا كنا صدور هذه الأمة وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله ﷺ وصالحيهم ما يقيم إلا سورة من القرآن أو شبه ذلك ، وكان القرآن ثقيلا عليهم ، ورزقوا علما به وعملا ، وإن آخر هذه الأمة يخف عليهم القرآن حتى يقرأه الصبي والعجمي لا يعلمون منه شيئاً ([13]).
· وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله e : إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة " متفق عليه
قال ابن تيمية : والأمانة هي الإيمان أنزلها في أصل قلوب الرجال([14]) .
· ويقرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كلام ماتعٍ له في بيان حقائق الدين ، ويستشهد لذلك بآياتٍ من كتاب الله ، منها :
1) قوله تعالى : {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} (17) سورة هود .
فالبينة من الله هي الإيمان ، والذي يتلوه هو شاهد القرآن .
2) وقوله تعالى : وفي آية النور {نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} (35) النــور.
النور الأول هو نور الإيمان والذي يأتي بعده هو نور القرآن .
يقول رحمه الله :
" فتبين أن قوله {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} (17) سورة هود ، يعنى هدى الإيمان ، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} أي من الله يعنى القرآن ، شاهد من الله يوافق الإيمان ويتبعه وقال : {وَيَتْلُوهُ} لأن الإيمان هو المقصود ، لأنه إنما يراد بإنزال القرآن الإيمان وزيادته .
قال : ولهذا كان الإيمان بدون قراءة القرآن ينفع صاحبه ويدخل به الجنة ، والقرآن بلا إيمان لا ينفع في الآخرة بل صاحبه منافق ، كما فى الصحيحين عن أبى موسى عن النبي e أنه قال : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ...) الحديث "([15]).
وقال رحمه الله : " وقال بعضهم فى قوله {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} قال : نور القرآن على نور الإيمان كما قال : {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} (52) سورة الشورى ، وقال السدي فى قوله {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه"([16]).
وقال : " ولهذا دخل في معنى قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه تعليم حروفه ومعانية جميعا بل تعلم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه وذلك هو الذي يزيد الإيمان كما قال جندب بن عبد الله وعبد الله بن عمر وغيرهما تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا وإنكم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان" ([17])
فإن سألت : ما الإيمان الذي نتعلمه اولاً قبل الأحكام ؟
فالجواب : هو أوائل ما علَّمه النبي e لأصحابه ، وهو أوائل ما نزل من القرآن .
فالإيمان الذي تكرر ذكره والتأكيد عليه في ابتداء دعوة المصطفى e هو ثلاثة أقسام :
الأول : الإيمان بالله [ ربوبيةً وألوهيةً وأسماءً وصفات ] .
الثاني : الإيمان برسوله e .
الثالث : الإيمان بالبعث لليوم الآخر .
فإن قيل : وكيف نتعلم هذا الإيمان ؟
قيل : من طريقين :
الأول : بالتفكر في آيات الله المرئية ، وهذا له محلٌّ آخر غير هذه الرسالة .
الثاني : بالتفكر في أوائل ما نزل من الآيات المتلوة ، التي غرست الإيمان كالجبال في قلوب أصحاب رسول الله e .
وقد جمعهما الله ﷻ في أوّل ما نزَّل على نبيه e في قوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)} العلق .
فجمع له بين القراءة باسم الله ، وبين التذكير بنعم الرب على عباده .
فإن قلتَ : قد قرأنا أوائل ما نزل بل وحفظناه ولم نرَ أثر ذلك في إيماننا .
فالجواب ــ يا أخا القرآن ــ : أننا لم نأخذ القرآن كما أخذوه y .
فإن سألت : عن أخذهم للقرآن ؟
فأقول : اعلم ــ وفقك الله لهداه ــ
أن القرآن تنزيلُ رب العالمين ، وهو كتاب عظيمٌ {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} (67) سورة ص ، وثقيلٌ {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} (5) سورة المزمل ، بل بلغ الغاية في الإعجاز وشدة التأثير {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أي لكان هذا القرآن قاله قتادة والفراء وابن قتيبة وابن عطية وابن كثير والسَّعدي وغيرهم([18]).
وقد أدرك سلفنا الصالح هذه المسألة ، فهذا مالك يُسأل عن مسألة فقال : لا أدري ، فقيل له : إنها مسألة خفيفة سهلة، فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف، ألم تسمع قوله جل ثناؤه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا}
ولذا كانوا يأمرون بأن يُؤخذ القرآن كما نزل متدرجاً ، ويحذرون من ضده أشد التحذير ، لأمور منها :
1) لأن ذلك لا يُستطاع أبداً لعظم القرآن وثقله كما سبق .
2) ولأن أخذه كما نزل يُثبت الفؤاد {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} (32) سورة الفرقان .
3) ولأن أخذه متدرجاً يُوطِّن النفس على قبول ما يأتي بعد الآيات الأول من الشرائع والحلال والحرام ، كما أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين t قالت :
” إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع شرب الخمر ، ولو نزل أول شيء : لا تزنوا لقالوا : لا ندع الزنا ، وإنه أنزلت ] وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [ (46) القمر ، بمكة على رسول الله e وإني جارية ألعب ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده" .
وهذا الوصف منها t لبيان أثر المنهج الذي تنزّل به القرآن من أعظم ما يكون خطراً على من خالفه ولم يلتفت إليه ، فإن قولها t (ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع شرب الخمر ...) بيان لحال صحابة رسول الله ﷺ مع نهي الله ورسوله ، فالآمر هو الله والمبلغ رسول الله e والمأمور أصحاب رسول الله e ، ثم بعد هذا ــ لو أن منهج التدرج في تنزّل القرآن خُولف ــ يكون الرد (لا ندع شرب الخمر ، لا ندع الزنا) .
فما بالك بجواب غيرهم من بقية الأمة حين يُقال لهم أولاً (لا تشربوا الخمر ، لا تزنوا ، لا تفعلوا كذا وكذا ) ؛ الجواب نراه عياناً بياناً في موقف الأمة من أوامر ربها وأوامر رسولها e ، ولاشك أن هذا ليس هو السبب الأوحد ، لكنه سبب رئيس لابد من التفطن له .
فإن قائل قائل : فما المنهج الذي تعلّم وعلِّم أصحاب رسول الله e عليه القرآن ؟
فالجواب : هو البدء بالمفصل أولاً .
وهو الذي ذكرته عائشة t في الحديث السابق حين قالت : ( إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ) .
وحين قالت : (وإنه أنزلت ] بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[ (46) القمر ، بمكة على رسول الله e وإني جارية ألعب ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ) .
وهذا هو منهج الصحابة y :
ففي مصنف عبد الرزاق : أن عمر كان لا يأمر بنيه بتعليم القرآن ، ويقول : إن كان أحد منكم متعلماً فليتعلم من المفصل فإنه أيسر([19]).
وفي صحيح البخاري (باب تعليم الصبيان القرآن) : عن سعيد بن جبير قال : إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم ، قال : وقال بن عباس رضي الله عنهما : جمعت المحكم في عهد رسول الله e ، فقلت له : وما المحكم ؟ قال : المفصل .
وقال رضي الله عنهما: تُوفي رسول الله e وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم ([20]).
فابن عباس –رضي الله عنهما -حين بدأ في زمن رسول الله e بدأ بالمفصل (المحكم)
فالبدء بالمفصل له ميزات عدّة منها ما يلي :
1) أنه هو الذي يغرس الإيمان في القلب كأمثال الجبال .
وهذا هو الذي أشارت إليه عائشة -رضي الله عنها- في الحديث السابق حين قالت : ( لقد نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام) .
فسور المفصل هي التي تجعل القلب يثوب ويطمئن بالإيمان فإذا جاء الحلال والحرام بعد ذلك كان السمع والطاعة لرب العالمين ولرسوله الأمين e .
وبين أيدينا شاهد حيٌ لا يغيب وهم صحابة رسول الله e من السابقين الأولين حين زكّت نفوسهم هذه الآيات العظيمة من هذا الكتاب العظيم ، حتى أصبح الإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي .
وتأمل معي هذه السور التي هي من أوائل ما نزل من القرآن باتفاق أهل التفسير ، تأملها سورةً سورة ولا تعجل ــ شرح الله صدرك بكتابه ــ :
1) سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
2) سورة {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}
3) سورة {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}
4) سورة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}
5) سورة {وَالضُّحَى}
6) سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}
7) سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}
8) سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}
9) سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
10) سورة {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}
11) سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}
12) سورة {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}
13) سورة {الْقَارِعَةُ}
14) سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}
15) سورة {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} وغيرها ...
فتأمل مالذي تغرسه هذه السور في القلب لو قرأناها وفهمناها كما يريده الله منّا ؟
الأمر عظيم جليل ، فتدبر فيما نزلت ، وفقك الله لهداه .
o ومما ينبغي التنبيه عليه في مثل هذا الموطن أن حزب المفصل من كتاب الله جاء لتقرير ثلاث حقائق :
1) توحيد الله في ربوبيته وألوهيته .
2) إثبات البعث والدار الآخرة .
3) الأمر بمكارم الأخلاق .
وبيان هذا وذكر أدلته من الكتاب والسنة ثم من كلام أهل العلم ليس هذا محلّه ، وإنما أردت الإشارة إليه ، لعل قارئ المفصل يُفيد منه في حين تدبره لهذا الحزب من القرآن .
2) أنه أيسر في الفهم لأنه محكم ليس فيه متشابه إلا ما ندر .
وقد سبق قول عمر : إن كان أحد منكم متعلماً فليتعلم من المفصل فإنه أيسر .
وقول ابن عباس : جمعت المحكم في عهد رسول الله e ، فقيل له : وما المحكم ؟ قال : المفصل . فهو محكم ظاهر ، بخلاف غيره من القرآن ففيه متشابه .
وأخرج الدارمي وغيره عن ابن مسعود قال : إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن سورة البقرة ، وإن لكل شيء لباباً وإن لباب القرآن المفصل .
أفيُبتغى الوصول للسّنام قبل الُّلباب المُيسَّر ؟!
المقطع 1.07 المرحلة الخامسة : كيف نستفيد من كُتب التفسير ؟
كتب التفسير المناسبة لهذا المستوى كثيرة ، منها :
1) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير للمباركفوري .
2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة السَّعدي .
3) زبدة التفسير من تفسير فتح القدير لـ د. محمد بن سليمان الأشقر .
4) التفسير الوجيز لـ د. وهبة الزحيلي ، ومعه أسباب النزول ، وقواعد الترتيل .
5) أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري .
المقطع 1.08 والذي أراه لعموم المسلمين أن يجمعوا بين كتابين هما :
§ المصباح المنير . وهو تفسير مختصر يعتني بالآثار ويرتبها ، وهو يفيد في بيان معنى الكلمة عند السلف رضوان الله عليهم أجمعين .
فإن كان المصباح المنير فيه عُسُر ؛ فزبدة التفسير للأشقر فيه نفع كبير .
§ تيسير الكريم الرحمن للعلامة السَّعدي ، لأنه يعتني بالمعاني العامة ، وبمسائل الإيمان والتربية ونحو ذلك ، ويُصرِّح بالعقيدة الصحيحة ، وينبِّه على مخالفة المخالفين لها ، وغير ذلك مما يحتاجه عموم المسلمين .
فيقرأ أولاً في (المصباح) أو (زبدة التفسير) فيأخذ معاني الكلمات ، ثم في تفسير السعدي فيأخذ المعاني العامة .
فإن شق على أحدٍ أن يجمع بين كتابين فعليه بكتاب (أيسر التفاسير ) فإنه جمع بين بيان اللفظ والمعنى ، وإن كان دون ما تقدم في التحرير لكنه مفيد ، وقد نفع الله به في مشارق الأرض ومغاربها .
المقطع 1.09 خـــاتمــــة ٌ
تتعلق بالعناية بتدوين أخبار وقَصص الأئمة سلفاً وخلفاً مع القرآن ، ثم الاستشهاد بها في محلِّها من التفسير . [ وهذا مع عظيم فائدته إلا أنه من مُلح التفسير لا من متينه ]
أختم هذه المراحل بلطيفةٍ مؤثرة في المتلقي اعتنى بها أهل التفسير بالمأثور ، وهي ذكر ما يحضرهم من أخبار وقَصص العلماء والصالحين سلفاً وخلفاً المتعلقة بالآية المفسَّرة في محلِّها من التفسير ، لا على سبيل الاستقصاء وإنما متى خال له أن في ذلك فائدة،إما في إحقاق حقٍ أو ردع مُبطل ، وإما تأثراً وخشية أو إنابةً وتوبة أو تزكيةً وتربية أو تفقهاً واستنباطا ونحو ذلك كثير ، ثم يذكرها مع الآية التي وردت القصة فيها .
وهذا النوع من البيان العملي له أثر ه البالغ في زيادة الإيمان ، وفي التهذيب والتربية ، وفي الجدال والإقناع ونحو ذلك ، لذا أذكر بعضاً مما وقفتُ عليه في هذا المعنى :
1) البقرة :
· أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر t قال : تعلم عمر t البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزوراً . وذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن ابن عمر t مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها .
· وعن مجاهد ؛ أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران والآخر البقرة وحدها وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء ؟
فقال : الذي قرأ البقرة وحدها أفضل . ( هذا في بيان فضل التدبر على الإكثار من القراءة)
2) سورة النساء :
· ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن عمر بن عبد العزيز في قوله تعالى {.. فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } (140) سورة النساء
قال شيخ الإسلام : ورُفع إلى عمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر وكان فيهم جليس لهم صائم فقال : ابدءوا به فى الجلد ألم تسمع الله يقول (فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ) ([21]).
3) سورة الأعراف :
· ذكر السيوطي في الدر المنثور عند قوله تعالى {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء} (50) الأعراف . قال عقيل بن شهر الرياحي : شرب عبد الله بن عمر ماء بارداً فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت آية في كتاب الله {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} (54) سورة سبأ ، فعرفت أن أهل النار لا يشتهون إلا الماء البارد وقد قال الله ﷻ {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ} ([22]).
· ما ذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ}(80) سورة الأعراف
قال ابن كثير : قال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق : لولا أن الله ﷻ قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكراً يعلو ذكرا([23]) .
4) سورة يوسف :
· في قوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } (84) يوسف .
عن سعيد بن جبير قال : لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئا لم تعطه الأنبياء من قبلهم ــ يعني قوله تعالى {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (156) سورة البقرة ــ قال : ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} .
· ومن جميل ما يُذكر ؛ أن الشيخ محمد رشيد رضا قد تُوفى عند تفسيره -أواخر سورة يوسف -لقوله تعالى {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (101) يوسف .
5) سورة النحل :
· ما ذكره البغوي في تفسيره عند قوله تعالى { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(90) النحل
قال البغوي : وعن عكرمة : أن النبي e قرأ على الوليد بن المغيرة قول الله ﷻ : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ... } الآية ، فقال له : يا ابن أخي أعد ، فعاد عليه ، فقال : إن له والله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول البشر([24]).
6) سورة المؤمنون :
· عن يونس البلخي قال : كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف ، وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب ، فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يُركِّضُه إذا هو بصوت من فوقه يا إبراهيم ما هذا العبث {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (115) المؤمنون ، اتق الله ، عليك بالزاد ليوم الفاقة ، فنزل عن دابته وأخذ في عمل الآخرة([25]).
· في الطبقات لابن سعد (7/164) وغيره عن الحسن البصري قال : إن الحجاج من عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بسيوفكم ، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإنه تعالى يقول {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}(76) المؤمنون.
7) سورة العنكبوت :
· قال ميمون بن مهران : ما أتى قوم في ناديهم المنكر إلا حق هلاكهم([26]). يشير إلى قوله I : {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ (29) ــ إلى قوله تعالى ــ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(34)} سورة العنكبوت ، مع الحديث المتفق على صحته (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) .
8) سورة يس :
في البداية والنهاية لابن كثير : أن ميمون بن مهران قرأ قوله تعالى {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} (59) يــس ، فبكى طويلاً ثم قال : ما سمع الخلائق بنعت قط أشدَّ منه .
9) سورة الزمر :
· كان الضحاك إذا تلا قوله تعالى {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (16) سورة الزمر ، رددها إلى السَّحر .
10) سورة الجاثية :
· أخرج ابن المبارك وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي الضحى قال : قرأ تميم الداري رضي الله عنه سورة الجاثية فلما أتى على هذه {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (21) سورة الجاثية ، فلم يزل يكررها ويبكي حتى أصبح وهو عند المقام ([27]).
11) سورة الطور :
· ذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (7) الطور : أن عمر t خرج يعس المدينة ذات ليلة فمر بدار رجل من المسلمين فوافقه قائما يصلي فوقف يستمع قراءته فقرأ {وَالطُّورِ} حتى بلغ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِن دَافِعٍ (8)} قال : قسم ورب الكعبة حق . فنزل عن حماره وأستند إلى حائط فمكث ملياً ثم رجع إلى منزله فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه رضي الله عنه .
· وعن الحسن أن عمر t قرأ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِن دَافِعٍ (8)} فربا لها ربوة عيد منها عشرين يوماً ([28]).
· وعن عبادة بن حمزة قال دخلت على أسماء t وهي تقرأ {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (27) سورة الطور ،فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو فطال علي ذلك ، فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها .
· وفي تاريخ بغداد : قال زائدة : صليت مع أبي حنيفة في مسجده عشاء الآخرة وخرج الناس ولم يعلم أني في المسجد وأردت أن أسأله عن مسألة من حيث لا يراني أحد قال فقام فقرأ وقد افتتح الصلاة حتى بلغ إلى هذه الآية {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (27) الطور ، فأقمت في المسجد أنتظر فراغه فلم يزل يرددها حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر ([29]).
· وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي e يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)}، كاد قلبي أن يطير .
12) سورة القمر :
· قال القاسم بن معين : قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } (46) سورة القمر، يرددها ويبكي ويتضرع([30]).
· ومما ذكره ابن كثير عن وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية قال : ... وأخبر الحاضرين أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه قرأ هو والشيخ منذ دخل القلعة ثمانين ختمة ، وشرعا في الحادية والثمانين فانتهينا فيها إلى آخر اقتربت الساعة عند قوله تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (55) سورة القمر .
13) سورة الحديد :
· قال الفضل بن موسى : كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها سمع رجلاً يتلو {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (16) الحديد ، فقال : يا رب قد آن ، فرجع ، فأواه الليل إلى خَرِبة ، فإذا فيها رفقة فقال بعضهم : نرتحل ، وقال قوم : حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا ، فتاب الفضيل وأمَّنهم ، وجاور بالحرم حتى مات([31]).
14) سورة المزمل :
· سُئل مالك عن مسألة فقال : لا أدري، فقيل له : إنها مسألة خفيفة سهلة، فغضب وقال : ليس في العلم شيء خفيف، ألم تسمع قوله الله {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} .
15) سورة الزلزلة :
· قال محمد بن كعب الإمام الرباني : لأن أقرأ {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} ، و{الْقَارِعَةُ} ، أرددهما وأتفكر أحب إلي من أن أهُذّ القرآن .
· وحين نزلت إذا زلزلت الأرض زلزالها وأبو بكر الصديق قاعد فبكى حين أنزلت فقيل له ما يبكيك يا أبا بكر ؟ قال : يبكيني هذه السورة ([32])
· وعن إبراهيم التيمي قال : أدركت سبعين من أصحاب ابن مسعود أصغرهم الحارث بن سويد فسمعته يقرأ : {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} حتى بلغ إلى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} ، قال : إن هذا إحصاء شديد .
· وقال يزيد بن الكميت : قرأ بنا علي بن الحسين المؤذن في عشاء الآخرة {إِذَا زُلْزِلَتِ} وأبوحنيفة خلفه فلما قضى الصلاة وخرج الناس نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يفكر ويتنفس ، فقلت : أقوم لا يشتغل قلبه بي ، فجئت وقد طلع الفجر وهو قائم قد أخذ بلحية نفسه وهو يقول : يا من يجزئ بمثقال ذرة خير خيرا ويا من يجزئ بمثقال ذرة شر شرا أجر النعمان عبدك من النار وما يقرب منها من السوء وأدخله في سعة رحمتك .
قال : فأذنت فإذا القنديل يزهر وهو قائم ، فلما دخلت ، قال : تريد أن تأخذ القنديل ، قلت : قد أذنت لصلاة الغداة ، قال اكتم على ما رأيت .([33])
16) سورة التكاثر :
· قال رجل لابن المبارك : قرأت البارحة القرآن في ركعة ، فقال : لكني اعرف رجلا لم يزل البارحة يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إلى الصبح ما قدر أن يجاوزها ، يعني نفسه([34]).
المقطع 1.10 ختـامــاً ؛
أسأل الله أن يرزقنا جميعاًً الفقه في دينه ، وأن يعلمنا تأويل كتابه .
اللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا .
اللهم اجعل لنا من كتابك العظيم في قلوبنا نورا وفي أسماعنا نورا وفي أبصارنا نورا وفي ألسنتنا نورا واجعل لنا منه نورا يا نور السموات والأرض ..
اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نُسِّينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا .
هذا ما تيسرت كتابته على عُجالة من الأمر([35]) ، فأسأل الله العفو الغفور أن يتقبلها بقبول حسن ، وأن يجعلها ذُخْراً أفرح بها حين ألقاه ، وبهذا تنتهي رسالة " فن التدبـر " ، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وزوجاته ، وعلى التابعين ، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين .