×
آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه: موقف السنة والشيعة من عقائدهم، وفضائلهم، وفقههم، وفقهَائهم، أصول فِقه الشِّيعَة وَفقهِهم. هذا البحث لخصَهُ ورَتَّبَهُ الشيخ محمد بن عَبد الرحمن بن محمد بن قاسِم - رحمه الله - من كتاب منهاج السنة النبوية للإمام ابن تيمية - رحمه الله -.

آل رسول الله ﷺ‬ وأولياؤه

موقف أهل السنة والشيعة

من عقائدهم، وفضائلهم، وفقههم، وفقهَائهم

أصول فِقه الشِّيعَة وَفقهِهم

بَحث لخصَهُ ورَتَّبَهُ

محمد بن عَبد الرحمن بن محمد بن قاسِم

من

منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية

قدس الله روحه


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله الذي بعث النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما شهد هو سبحانه وتعالى أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي ختم به أنبياءه، وهدى به أولياءه وبعثه بقوله في القرآن الكريم: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{ صلى الله (عليه) أفضل صلاة وأكمل تسليم([1]).

أما بعد:

فهذا بحث جمعت أصوله من (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية) لشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية -رحمه الله- يتعلق ببيان موقف أهل السنة والشيعة من عقائد آل رسول الله ﷺ‬ وأوليائه وفضائلهم وفقههم وفقهائهم وأصول فقه الشيعة وفقههم.

وقد قمت بهذا العمل رغبة في تبصير الناس بحقائق عقائدهم،ودلالة لهم على الطريق الأسلم الذي ينجو سالكه، ورغبة في أن يجد شباب الشيعة فيه ما يدلهم على الحق ويكشف لهم الباطل. وحاملي على ذلك كله النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله ﷺ‬.

وعملي في هذا البحث يتمثل في الآتي:

1- ترتيب مسائله.

2- أبرزت المسائل بعنوانات توضحها.

3- وضعت أرقام الآيات وسورها.

4- خرجت ما فيه من الأحاديث، واعتمدت طبعة المكتبة الإسلامية- استانبول- تركيا بالنسبة إلى الصحيحين.

5- أحلت على المراجع التي نقلت منها.

6- اعتمدت على طبعتين من منهاج السنة النبوية: طبعة مكتبة الرياض الحديثة في الجزئين الأول والثاني، وطبعة المطبعة الأميرية ببولاق مصر عام 1322هـ وراجعت في بعض ما أشكل منها على طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم.

محمد بن عبدالرحمن بن قاسم

1407هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

آل محمد صلى الله عليه وسلم

الصحيح أن آل محمد هم أهل بيته. وهذا هو المنقول عن الشافعي وأحمد وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم.

جميع بني هاشم داخلون في هذا كالعباس وولده والحارث بن عبدالمطلب وكبنات النبي ﷺ‬.

وكذا بنو المطلب في أحد القولين.

والصحيح أن أزواجه من آله فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ‬ أنه علمهم الصلاة عليه: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته»([2]) ولأن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته وامرأة لوط من آله وأهل بيته بدلالة القرآن([3]) فكيف لا يكون أزواج محمد من آله وأهل بيته؛ ولأن هذه الآيات:

}يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا{([4]) فالخطاب كله لأزواج النبي ﷺ‬ ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد؛ لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بهذا الخطاب ليس مختصًا بأزواجه بل هو متناول لأهل البيت كلهم، وعلي وفاطمة والحسن والحسين أخص من غيرهم بذلك، ولذلك خصهم النبي ﷺ‬ بالدعاء لهم.

والعترة هم بنو هاشم كلهم، وسيد العتر هو رسول الله ﷺ‬([5]).


أولياء محمد ﷺ‬

أقاربه ﷺ‬ فيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر، فإن كان فاضل منهم كعلي رضي الله عنه وجعفر والحسن والحسين ففضلهم بما فيهم من الإيمان والتقوى، فهم أولياؤه بهذا الاعتبار لا بمجرد النسب.

وأولياؤه أعظم درجة من آله، وإن صلي على آله تبعًا لم يقتض ذلك أن يكونوا أفضل من أوليائه الذين لم يصل عليهم؛ فإن الأنبياء والمرسلين هم من أوليائه وهم أفضل من أهل بيته وإن لم يدخلوا في الصلاة معه تبعًا.

فالمفضول قد يختص بأمر ولا يلزم أن يكون أفضل من الفاضل.

ودليل ذلك أن أزواجه هم ممن يصلى عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين([6]). وقد ثبت باتفاق الناس كلهم أن الأنبياء أفضل منهن كلهن.

وأما الأتقياء من أمته فهم أولياؤه كما ثبت في الصحيحين: «إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء وإنما وليِي الله وصالح المؤمنين»([7]).

فبين أن أولياءه صالح المؤمنين، وكذلك في حديث آخر: «إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا»([8]) وقد قال تعالى:

} وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ {([9] وفي الصحيح عنه أنه قال: «وددت أني رأيت إخواني قالوا: أولسنا إخوانك؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني»([10]).

وإذا كان كذلك فأولياؤه المتقون بينه وبينهم قرابة الدين والإيمان والتقوى، وهذه القرابة الدينية أعظم من القرابة الطبيعية، والقرب بين القلوب والأرواح أعظم من القرب بين الأبدان([11]).

عقائد الصحابة والقرابة وموقف أهل السنة والشيعة منها عقائد الصحابة y

الصحابة رضوان الله عليهم لم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام: لا في التوحيد، ولا في القدر، ولا في الإمامة، ولا في مسائل الأحكام- لم يختلفوا في شيء من ذلك بالاختصام بالأقوال فضلاً عن الاقتتال بالسيف؛ بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين.

مثبتين للقدر كما أخبر الله به ورسوله. مثبتين للأمر والنهي والوعيد والوعد، مثبتين لحكمة الله في خلقه، وأمره، مثبتين لقدرة العبد واستطاعته ولفعله مع إثباتهم للقدر.

ثم لم يكن في زمنهم من يحتج للمعاصي بالقدر، ويجعل القدر حجة لمن عصى أو كفر، ولا من يكذب بعلم الله وإحسانه ومَنِّه على أهل الإيمان والطاعة وأنه هو الذي أنعم عليهم بالإيمان والطاعة وخصهم بهذه النعمة دون أهل الكفر والمعصية.

ولا من ينكر افتقار العبد إلى الله في كل طرفة عين، وأنه لا حول ولا قوة إلا به في كل دق وجل.

ولا من يقول إنه يجوز أن يأمر بالكفر والشرك وينهى عن عبادته وحده، ويجوز أن يدخل إبليس وفرعون الجنة، ويدخل الأنبياء النار، وأمثال ذلك.

فلم يكن فيهم من يقول بقول القدرية النافية، ولا القدرية الجبرية الجهمية.

ولا كان فيهم من يقول بتخليد أحد من أهل القبلة في النار، ولا من يكذب بشفاعة النبي ﷺ‬، في أهل الكبائر.

ولا من يقول إيمان الفساق كإيمان الأنبياء.

بل ثبت عنهم بالنقول الصحيحة القول بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان بشفاعة النبي، وأن إيمان الناس يتفاضل، وأن الإيمان يزيد وينقص.

ولا كان في الصحابة من يقول: إن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا أئمة، ولا كانت خلافتهم([12]) صحيحة، ولا من يقول: إن خلافتهم ثابتة بالنص، ولا من يقول: إن بعد مقتل عثمان كان غير علي أفضل منه ولا أحق منه بالإمامة.

فهذه القواعد التي اختلف فيها من بعد الصحابة لم يختلفوا فيها بالقول ولا بالخصومات فضلاً عن السيف. ولا قاتل أحد منهم على قاعدة في الإمامة. فقبل علي لم يكن قتال في الإمامة ولا في الولاية.

فمن استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين له أنه لم يكن قط طائفة أعظم اتفاقًا على الهدى والرشد وأبعد عن الفتنة والتفرق والاختلاف من أصحاب رسول الله ﷺ‬ الذين هم خير الخلق بشهادة الله لهم بذلك إذ يقول:

} كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {([13]).

كما لم يكن في الأمم أعظم اجتماعًا على الهدى وأبعد عن التفرق والاختلاف من هذه الأمة؛ لأنهم أكمل اعتصامًا بحبل الله الذي هو كتابه المنزل وما جاء به نبيه المرسل.

وكل من كان أقرب إلى الاعتصام بحبل الله وهو اتباع الكتاب والسنة كان أولى بالهدى والاجتماع والرشد والصلاح، وأبعد عن الضلال والافتراق والفتنة([14]).


عقائد أئمة أهل البيت رضي الله عنهم

وأئمة أهل البيت كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومن بعدهم كلهم متفقون على ما اتفق عليه سائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان من إثبات الصفات والقدر. والكتب المشتملة على المنقولات الصحيحة مملوءة بذلك.

وليس في أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من ينكر الرؤية ولا من يقول بخلق القرآن، ولا ينكر القدر، ولا يقول بالنص على عليّ، ولا بعصمة الأئمة الاثني عشر، ولا يسب أبا بكر وعمر.

والمنقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة وكانت مما يعتمد عليه أهل السنة([15]).

وشيوخ الرافضة معترفون بأن هذا الاعتقاد في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة ولا عن أئمة أهل البيت، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه، كما يقول ذلك المعتزلة.

وإنما يزعم الرافضة أنهم تلقوا عن الأئمة الشرائع([16]).

التوحيد - أقسامه الثلاثة

التوحيد ثلاثة أقسام:

توحيد الربوبية: وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء. وهذا هو التوحيد الذي كان يقر به المشركون الذين قال الله فيهم: } وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ {([17]).

وقال تعالى: } قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ {([18]).

وإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله، ولا يصير الرجل بمجرده مسلمًا فضلاً عن أن يكون وليًا لله أو من سادات الأولياء إن لم يقترن به إقراره بأن لا إله إلا الله فلا يستحق العبادة إلا هو وأن محمدًا رسول الله.

الثاني توحيد الأسماء والصفات: وهو يتضمن إثبات نعوت الكمال لله بإثبات أسمائه الحسنى وما تتضمنه من صفاته.

الثالث توحيد الألوهية: المتضمن توحيد الربوبية بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا فيكون الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله، ولا يدعو إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، ويكون الله أحب إلى العبد من كل شيء.

كما خلق الجن والإنس لعبادته، وبذلك أرسل رسله، وأنزل كتبه، كما بين القرآن هذا التوحيد في غير موضع، وهو قطب رحى القرآن الذي يدور عليه القرآن.

فالقسمان الأولان براءة من التعطيل. والثالث براءة من الشرك.

وأصل الشرك إما تعطيل مثل تعطيل فرعون موسى والذي حاج إبراهيم في ربه والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم.

وإما الإشراك وهو كثير في الأمم أكثر من التعطيل، وأهله خصوم الأنبياء، وفي خصوم إبراهم ومحمد ﷺ‬ معطلة ومشركة، لكن التعطيل المحض للذات قليل. وأما الكثير فهو تعطيل صفات الكمال وهو مستلزم لتعطيل الذات([19]).


مذهب السلف في توحيد الأسماء والصفات وفي القرآن، والرؤية([20])

مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل- يثبتون لله ما أثبته من الصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، يثبتون له صفات الكمال، وينفون عنه ضروب الأمثال، ينزهونه عن النقص والتعطيل، وعن التشبيه والتمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ { رد على الممثلة } وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {([21]) رد على المعطلة. ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المذموم.

وفي القرآن

وأئمة الدين كلهم متفقون على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة من أن الله كلم موسى تكليمًا، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما تواترت به الأحاديث عن النبي ﷺ‬([22]) وأن لله علمًا وقدرة ونحو ذلك ونصوص الأئمة في ذلك مشهورة متواترة، حتى إن أبا القاسم الطبري الحافظ لما ذكر في كتابه في «شرح أصول السنة»([23]) مقالات السلف والأئمة في الأصول ذكر من قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقال: فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفسًا أو أكثر من التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة على اختلاف الأعصار ومُضِيِّ السنين والأعوام وفيهم من نحو مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم([24]).

وروى بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجهين أنهم قالوا لله يوم صفين: حكمت رجلين: فقال: ما حكمت مخلوقًا، ما حكمت إلا القرآن([25]).

وعن عكرمة قال: كان ابن عباس في جنازة فلما وضع الميت في لحده قال رجل: اللهم رب القرآن اغفر له. فوثب إليه ابن عباس فقال: مه ؟! القرآن منه([26]).

وعن جعفر الصادق وهو مشهور عنه أنهم سألوه عن القرآن أخالق هو، أو مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله ...([27]).

وكفَّر الشافعي حفصًا الفرد لما قال: القرآن مخلوق([28]).

وقال سليمان بن داود الهاشمي: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.

وفي الرؤية

وكان السلف يسمون كل من نفى الصفات وقال إن القرآن مخلوق وأن الله لا يُرى في الآخرة جهميًا؛ فإن جهمًا أول من ظهرت عنه بدعة نفي الأسماء والصفات وبالغ في ذلك.

ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد- فصار من قال: إن لله علمًا أو قدرة أو أنه يُرى في الآخرة وأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق يقولون إنه مشبه ليس بموحد([29]).


الشيعة مخالفون لإجماع أهل البيت مع مخالفتهم لإجماع الصحابة في عامة أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة

لا نسلم أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت لا الاثنى عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة: توحيدهم، وعدلهم، وإمامتهم.

فإن الثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت من إثبات الصفات لله وإثبات القدر وإثبات خلافة الخلفاء الثلاثة وإثبات فضيلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغير ذلك من المسائل كلها يناقض مذهب الرافضة. والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم([30]) بحيث إن معرفة المنقول في هذا الباب عن أئمة أهل اليبت يوجب علمًا ضروريًا بأن الرافضة مخالفون لهم لا موافقون.

لا ريب أن الإمامية متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية مع مخالفة إجماع الصحابة؛ فإنه لم يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول الله ﷺ‬ وأبي بكر وعثمان وعلي y من يقول بإمامة اثني عشر ولا بعصمة أحد بعد النبي ﷺ‬ ولا يكفر الخلفاء الثلاثة، بل ولا من يطعن في إمامتهم؛ بل ولا من ينكر الصفات ولا من يكذب بالقدر([31]).

توحيد الإمامية أصول الدين عند الإمامية أربعة:التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة([32]) اختلاف الشيعة الإمامية في توحيدهم

قدماء الإمامية غلوا في التشبيه والتجسيم؛ فإن التشبيه والتجسيم المخالف للعقل والنقل لا يعرف في أحد من طوائف الأمة أكثر منه في طوائف الشيعة. وهذه كتب المقالات كلها تخبر عن أئمة الشيعة المتقدمين من المقالات المخالفة للعقل والنقل في التشبيه والتجسيم بما لا يعرف نظيره عن أحد من سائر الطوائف.

ومتأخروهم غلوا في النفي والتعطيل وأدخلوا في التوحيد نفي الصفات، والقول بأن القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة، وزعموا أن ذلك تنزيه.

وما ذكروه من التنزيه إنما هو تعطيل وتنقيص لله.

بيان ذلك أن قول الجهمية نفاة الصفات يتضمن وصف الله بسلب صفات الكمال التي يشابه فيها الجمادات والمعدومات.

فإذا قالوا: إنه لا يقوم به حياة ولا علم ولا قدرة ولا كلام ولا مشيئة ولا حب ولا بغض ولا رضا ولا سخط ولا يرى ولا يفعل بنفسه فعلاً ولا يقدر أن يتصرف بنفسه كانوا قد شبهوه بالجمادات المنقوصات، وسلبوه صفات الكمال؛ فكان هذا تنقيصًا وتعطيلاً لا تنزيهًا.

وإنما التنزيه أن ينزه عن النقائص المنافية لصفات الكمال- فينزه عن الموت والسِّنَة والنوم والعجز والجهل والحاجة كما نزَّه نفسه في كتابه؛ فيجمع له بين إثبات صفات الكمال ونفي النقائص المنافية للكمال، وينزه في صفات الكمال أن يكون له فيها مثل من الأمثال([33]).

متى حدث هذا الغلو وهذا التعطيل فيهم؟

كان متكلمو الشيعة كهشام بن الحكم وهشام الجواليقي ويونس بن عبدالرحمن القمي مولى آل يقطين وزرارة بن أعين وأبى مالك الحضرمي وعلي بن ميثم وطوائف كثيرين هم أئمة الإمامية قبل المفيد والطوسي والموسوي والحلي ... يزيدون في إثبات الصفات على مذهب أهل السنة بما يقوله أهل السنة والجماعة، فلا يمنعون بأن القرآن غير مخلوق؛ وأن الله يُرى في الآخرة وغير ذلك من مقالات أهل السنة والحديث حتى يبتدعون في الغلو في الإثبات والتجسيم والتنقيص والتمثيل ما هو معروف من مقالاتهم التي ذكرها الناس ويحكى عنهم فيه شناعات ...

ولكن في أواخر المائة الثالثة دخل مَنْ دخل مِن الشيعة في أقوال المعتزلة كابن النوبختي صاحب كتاب «الآراء والديانات» وأمثاله.

وجاء بعد هؤلاء المفيد بن النعمان وأتباعه كالموسوي الملقب بالمرتضى والطوسي.

ولهذا نجد المصنفين في المقالات- كالأشعري- لا يذكرون عن أحد من الشيعة أنه وافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم إلا عن بعض متأخريهم؛ وربما يذكرون عن قدمائهم إثبات التجسيم وإثبات القدر وغيره.

وأول من عرف في الإسلام أنه قال: إن الله جسم له طول وعرض وعمق هو هشام بن الحكم وهشام بن سالم كما تقدم ذكره([34]).

وقد كان ابن الراوندي وأمثاله من المعروفين بالزندقة والإلحاد صنفوا لهم كتبًا أيضًا عن أصولهم.

فإن كان هذا هو الحق فقدماؤهم كلهم ضُلاَّل، وإن كان ضلالاً فمتأخروهم هم الضلال([35]).


متأخرو الرافضة أشبهوا النصارى في الشرك([36])

الرافضة أشبهوا النصارى؛ فإن الله أمر بطاعة الرسل فيما أمروا به وتصديقهم فيما أخبروا به ونهى الخلق عن الغلو والإشراك بالله تعالى فبدلت النصارى دين الله تعالى فغلوا في المسيح فأشركوا به، وبدلوا دينه فعصوه، فصاروا خارجين عن أصلي الدين: وهما الإقرار لله بالوحدانية؛ ولرسله بالرسالة.

فالغلو أخرجهم عن التوحيد حتى قالوا بالتثليث والاتحاد، وأخرجهم عن طاعة الرسول وتصديقه حيث أمرهم أن يعبدوا الله ربه وربهم فكذبوه في قوله إن الله ربه وعصوه فيما أمرهم به.

وكذلك الرافضة غلوا في الرسل بل في الأئمة حتى اتخذوهم أربابًا من دون الله- فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذبوا الرسول فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم- فتجدهم يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فلا يصلون فيها جماعة ولا جمعة، وليس لها عندهم كبير حرمة، وإن صلوا فيها صلوا فيها وحدانا.

ويعظمون المشاهد المبنية على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق. ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة؛ بل يسبون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله تعالى على عباده ومن لا يستغني بها عن الجمعة والجماعة، وهذا من جنس دين المشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن، قال الله تعالى:

} وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا {([37]).

وقد ثبت في الصحاح عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا»([38]).

وقد قال قبل أن يموت بخمس: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» [رواه مسلم]([39]) وقال: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد»([40]) وقال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»([41]).

وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد وهو شيخ الموسوي والطوسي كتابا سماه: «مناسك حج المشاهد» جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قيامًا للناس وهو أول بيت وضع للناس فلا يطاف إلا به ولا يصلى إلا إليه ولا يؤمر إلا بحجه.

وساق الإمام ابن تيمية أحاديث إلى أن قال: والإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع.

فالنصارى خرجوا عن الأصلين: وكذلك المبتدعون من هذه الأمة من الرافضة وغيرهم([42]).

ويوجد بعض هذا الغلو في طائفة من أهل النسك والزهد والعبادة.

فإن قيل: ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنة، فإن في كثير منهم غلوًّا في مشايخهم وإشراكًا بهم وابتداعًا لعبادات غير مشروعة، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظن به إما ليسأله حاجاته وإما ليسأل الله تعالى به، وإما لظنه أن الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد، ومنهم من يفضل زيارة قبور شيوخهم على الحج، ومنهم من يجد عند قبر من يعظمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت وغير ذلك مما يوجد في الشيعة، ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة مثل قولهم: لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه الله به، وقولهم: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور. وقولهم: قبر فلان الترياق المجرب. وروي عن بعض شيوخهم أنه قال لصاحبه: إذا كانت لك حاجة فتعال إلى قبري واستغث بي ونحو ذلك فإن في المشايخ من يفعل بعد مماته كما كان يفعل في حياته.

وقد يستغيث الشخص بواحد منهم فيتمثل له الشيطان في صورته إما حيًا وإما ميتًا وربما قضى حاجته أو يقضي بعض حاجاته كما يجري نحو ذلك للنصارى مع شيوخهم ولعباد الأصنام من العرب والهند والترك وغيرهم.

قيل: هذا كله مما نهى الله عنه ورسوله، وكل ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه سواء كان فاعله منتسبًا إلى سنة أو إلى تشيع، ولكن الأمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر منها في أهل السنة- فما يوجد في أهل السنة من الشر ففي الرافضة أكثر منه. وما يوجد في الرافضة من الخير ففي أهل السنة أكثر منه.

وهذا حال أهل الكتاب مع المسلمين- فما يوجد في المسلمين شر إلا وفي أهل الكتاب أكثر منه، ولا يوجد في أهل الكتاب خير إلا وفي المسلمين أعظم منه.

ولهذا يذكر الله سبحانه مناظرة الكفار من المشركين وأهل الكتاب بالعدل، فإذا ذكروا عيبًا في المسلمين لم يبرئهم منه، لكن يبين أن عيوب الكفار أعظم، كما قال تعالى:

} يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ{([43]).

وقال تعالى: }قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ * قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ{([44]). أي من لعنه الله وجعل منهم الممسوخين وعبد الطاغوت.

ولهذا أكثر ما يوجد الغلو في طائفتين في النصارى والرافضة ويوجد أيضًا في طائفة ثالثة من أهل النسك والعبادة الذين يغلون في شيوخهم ويشركون بهم([45]).


القدر الإيمان به، ومذهب أهل السنة وأهل البيت الشامل فيه

مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره هو ما دل عليه الكتاب والسنة وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهو أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بنفسها وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد.

وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فلا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئته وقدرته، لا يمتنع عليه شيء شاءه، ولا يشاء شيئًا إلا وهو قادر عليه.

وأنه سبحانه علم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون. وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها.

وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها، وكتابته إياها قبل أن تكون.

والمنقول عن أهل البيت في إثبات الصفات والقدر لا يكاد يحصى، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن وحد الله وكذب بالقدر نقض توحيده تكذيبه([46]).

اختلاف الشيعة في القدر أثبته متقدموهم، ونفاه متأخروهم وأدخلوا نفيه في (عدلهم) فأشبهوا المجوس

غالب الشيعة الأولى كانوا مثبتين للقدر؛ وإنما ظهر إنكاره في متأخريهم، وأدخلوا في (العدل) التكذيب به([47]).

فمذهب هؤلاء الإمامية وشيوخهم القدرية أنه ليس على كل شيء قدير.

ومن قولهم أيضًا: إن الله لا يقدر أن يهدي ضالاً ولا يقدر أن يضل مهتديًا، ولا يحتاج أحد من الخلق إلى أن يهديه الله، بل الله قد هداهم هدى البيان.

ومن قولهم: إن هدى الله المؤمنين والكفار سواء ليس له على المؤمنين نعمة في الدين أعظم من نعمته على الكافرين، بل قد هدى علي بن أبي طالب كما هدى أبا جهل، بمنزلة الذي يعطى أحد بنيه دراهم ويعطي الآخر مثلها لكن هذا أنفقها في طاعة الله وهذا أنفقها في معصيته؛ فليس للأب من الإنعام على هذا في دينه أكثر مما له من الإنعام على الآخر.

ومن أقوالهم: إنه يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء.

ولا يقدر أن يقيم قاعدًا باختياره ولا يقعد قائمًا باختياره، ولا يجعل أحدًا مسلمًا مصليًا ولا صائمًا ولا حاجًا ولا معتمرًا، ولا يجعل الإنسان لا مؤمنًا ولا كافرًا، ولا برًا ولا فاجرًا، ولا يخلقه هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا.

ومن تمام قول الإمامية الذي وافقوا فيه المعتزلة في توحيدهم وعدلهم من متأخري الشيعة أن الله لم يخلق شيئًا من أفعال الحيوان لا الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم، بل هذه الحوادث تحدث بغير قدرته ولا خلقه.

فهؤلاء يشبهون المجوس في كونهم أثبتوا غير الله يحدث أشياء من الشر بغير مشيئته وقدرته وخلقه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن وحد الله وآمن بالقدر تم توحيده ومن وحد الله وكذب بالقدر نقض توحيده تكذيبه.

فقول القدرية يتضمن الإشراك والتعطيل؛ فإنه يتضمن إخراج بعض الحوادث عن أن يكون لها فاعل، ويتضمن إثبات فاعل مستقل غير الله. وهاتان شعبتان من شعب الكفر.

وبيان ذلك أنهم يقولون: إن الإنسان صار مريدًا فاعلًا بإرادته بعد أن لم يكن كذلك بدون محدث أحدث ذلك، وهذا أصل التعطيل.

وأما الشرك فلأنهم يقولون: إن العبد مستقل بإحداث هذا الفعل من غير أن يكون الله جعله محدثًا له.

وهذان «التعطيل، والإشراك في الربوبية» لازم لكل من أثبت فاعلاً مستقلاً غير الله.

وقد دلت الدلائل اليقينية على أن كل حادث فالله خالقه، وفعل العبد من جملة الحوادث. وكل ممكن يقبل الوجود والعدم فإن شاء الله كان وإن لم يشأ لم يكن، وفعل العبد من جملة الممكنات، وذلك أن العبد إذا فعل الفعل فنفس الفعل حادث بعد أن لم يكن فلا بد من سبب. وإذا قيل: حدث بالإرادة فالإرادة أيضًا حادثة فلا بد لها من سبب.

فمن قال: إن شيئًا من الحوادث أفعال الملائكة والجن والإنس لم يخلقها الله تعالى فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع السلف والأدلة العقلية.

ولهذا قال بعض السلف: من قال إن كلام الآدميين أو أفعال العباد غير مخلوقة فهو بمنزلة من قال: إن سماء الله وأرضه غير مخلوقة.

وفي الجملة القوم لا يثبتون لله مشيئة عامة، ولا خلقًا متناولاً لكل حادث. وهذا القول أخذوه عن المعتزلة وهم أئمتهم فيه.

ولهذا كانت الشيعة في هذا على قولين: منهم من يقول ذلك، ومنهم من يقول: إنه يخص بعضهم([48]).

الزيدية

والزيدية مقرون بخلافة الخلفاء الثلاثة، وهم من الشيعة، وفيهم قدرية، وغير قدرية([49]).

اختلاف القدرية في الظلم والعدل. والتحقيق فيه

اختلفت القدرية([50]) والجهمية الجبرية في الظلم:

فقالت القدرية: الظلم في حقه هو ما نعرفه من ظلم الناس بعضهم بعضًا. فإذا قيل إنه خالق أفعال العباد وإنه مريد لكل ما وقع وقيل مع ذلك: إنه يعذب العاصي كان هذا ظلمًا كظلمنا، وسموا أنفسهم (العدلية).

وقالت الجهمية: الظلم في حقه هو ما يمتنع وجوده. فأما كل ما يمكن وجوده فليس بظلم؛ فإن الظلم إما مخالفة أمرِ مَنْ تجب طاعته، وإما التصرف في ملك الغير بغير إذنه والرب ليس فوقه آمر ولا لغيره ملك بل إنما يتصرف في ملكه فكل ما يمكن فليس بظلم؛ بل إذا نعَّمَ فرعون وأبا جهل وأمثالهما ممن كفر به وعصاه، وعذب موسى ومحمدًا ممن آمن به وأطاعه فهو مثل العكس فالجميع بالنسبة إليه سواء.

والقدرية يقولون: إن الله سوَّى بين المكلفين في القدرة ولم يخص المؤمنين بما فضلهم به على الكفار حتى آمنوا، ولا فضل المطيعين بما فضلهم به على العصاة حتى أطاعوا. وهذا من أقوال القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل الصريح.

ومن اعتقد أن مِنَّته على المؤمنين بالهداية دون الكافرين ظلم منه فهذا جهل لأن هذا تفضل منه كما قال تعالى:

} بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{([51])، فتخصيص هذا بالإيمان كتخصيص هذا بمزيد صحة وعلم وقوة وحال ومال، قال تعالى:

}أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{([52] ولهذا قيل: كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل.

والظلم الذي هو ظلم أن يعاقب الإنسان على ظلم غيره قال تعالى: } وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا {([53]).

قال المفسرون: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره. والهضم أن ينقص من حسناته، فجعل سبحانه عقوبته بذنب غيره ظلمًا ونزه نفسه عنه.

فأما عقوبته على فعله الاختياري وإنصاف المظلومين من الظالمين فهو من كمال عدل الله تعالى.

وقول الجمهور من مثبتي القدر ونفاته: إن الظلم مقدور لله ممكن، والله سبحانه لا يفعله لعدله، فهو منزه عنه؛ ولهذا مدح نفسه حيث أخبر أنه لا يظلم الناس شيئًا؛ والمدح يكون بترك المقدور عليه لا بترك الممتنع.

ولا نزاع بين المسلمين أن الله عادل ليس ظالمًا؛ لكن ليس كل ما كان ظلمًا من العبد يكون ظلمًا من الرب، ولا ما كان قبيحًا من العبد يكون قبيحًا من الرب؛ فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله([54]).


النبوة عصمة الأنبياء، وغلو الرافضة الإمامية فيها

الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، وهذا هو مقصود الرسالة؛ فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره، وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين بحيث لا يجوز أن يستقر في ذلك شيء من الخطأ.

وتنازعوا هل يجوز أن يسبق على لسانه ما يستدركه الله تعالى ويبينه له بحيث لا يقره على الخطأ كما نقل أنه ألقى على لسانه (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) ثم إن الله نسخ ما ألقاه الشيطان وأحكم آياته. فمنهم من لم يجوز ذلك، ومنهم من جوزه، إذ لا محذور فيه.

ولا يقرون على فسق ولا كذب.

ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله فهم متفقون على تنزيههم عنه.

وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها فلا يصدر منهم ما يضرهم كما جاء في الأثر: كان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة. والله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين. وإن العبد ليفعل السيئة فيدخل بها الجنة.

وقد ذكر الله في القرآن أن لوطًا آمن لإبراهيم وبعثه الله نبيًّا.

وقال شعيب:

} قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا {([55]). } وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا {([56]) وقد أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر ثم نبأهم بعد توبتهم وهم الأسباط الذين أمرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء.

وإذا كان في هؤلاء من صار نبيًا فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم. وهذا مما تُنَازِعُ فيه الرافضة وغيرهم، ويقولون: من صدر منه ذنب لا يصير نبيًا؛ لكن الاعتبار بما دل عليه الكتاب والسنة.

وعمدتهم أن التائب من الذنب يكون مذمومًا ناقصًا لا يستحق النبوة ولو صار من أعظم الناس طاعة. وهذا هو الأصل الذي نوزعوا فيه. والكتاب والسنة يدلان على بطلان قولهم فيه.

فإنهم سلبوهم ما أعطاهم الله من الكمال وعلو الدرجات بحقيقة التوبة والاستغفار والانتقال من كمال إلى ما هو أكمل منه، وكذبوا ما أخبر الله به من ذلك، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وظنوا أن انتقال الآدمي من الجهل إلى العلم ومن الضلال إلى الهدى ومن الغي إلى الرشاد تنقصًا، ولم يعلموا أن هذا من أعظم نعم الله وأعظم قدرته حيث ينقل العباد من النقص إلى الكمال، وأنه قد يكون الذي يذوق الشر والخير ويعرفهما يكون حبه للخير وبغضه للشر أعظم ممن لا يعرف إلا الخير، كما قال عمر رضي الله عنه: «إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية».

فالإمامية الاثنا عشرية يقولون: إن أصول الدين أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة. وهم مختلفون في التوحيد والعدل والإمامة.

فأما النبوة فغايتهم أن يكونوا مقرين بها كإقرار سائر الأمة.

لكن غلوهم في الأنبياء لم يوافقهم عليه أحد، اللهم إلا أن يكون من غلاة جهال النساك فإن بينهم وبين الرافضة قدرًا مشتركًا في الغلو، وفي الجهل وفي الانقياد لما لا تعلم صحته. والطائفتان يشبهان النصارى في ذلك([57]).


الإمامية الإمام المعصوم هو الرسول ولا مصلحة في عصمة إمام إلا وهي حاصلة بعصمته

الإمام المعصوم هو رسول الله ﷺ‬، وطاعته واجبة في كل زمان على كل أحد، والأمة تعرف أمره ونهيه.

وورثته الذين ورثوا علمه يصدقون في الإخبار عنه.

والعلم الديني الذي تحتاج إليه الأئمة والأمة نوعان:

«علم كلي» كإيجاب الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان والحج وتحريم الزنا والسرقة والخمر ونحو ذلك.

و«علم جزئي» كوجوب الزكاة على هذا، ووجوب إقامة الحد على هذا ونحو ذلك.

فأما الأول فالشريعة مستقلة به لا تحتاج فيه إلى الإمام؛ فإن النبي ﷺ‬ إما أن يكون نص على كليات الشريعة التي لابد منها أو ترك منها ما يحتاج إلى القياس.

فإن كان الأول ثبت المقصود. وإن كان الثاني فذلك القدر يحصل بالقياس.

وأما «الجزئيات» فهذا لا يمكن النص على أعيانها؛ بل لابد فيها من الاجتهاد المسمى «بتحقيق المناط» كما أن الشارع لا يمكن أن ينص لكل مصل على جهة القبلة في حقه، ولكل حاكم على عدالة كل شاهد، ونفقة هذه الزوجة، ووقوع الطلاق بهذا الزوج، وإقامة الحد على هذا المفسد، وأمثال ذلك، فهذا مما لا يمكن نبي ولا أحد من الخلق أن ينص على كل فرد منه، لأن أفعال بني آدم وأعيانهم يعجز عن معرفة أعيانها الجزئية علم واحد من البشر وعبارته.

وإن اكتفي بالكليات فالنبي يمكنه أن ينص على الكليات كما جاء به نبينا ﷺ‬ إذ ذكر ما يحرم من النساء وما يحل ...

وكذلك في الأشربة حرم ما يسكر دون ما لا يسكر، وأمثال ذلك. بل حصر المحرمات في قوله: }قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{([58]).

وجميع الواجبات في قوله: } قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {([59]) الآية.

والواجب محصور في حق الله وحق عباده.

ثم إنه سبحانه فصل أنواع الفواحش والبغي وأنواع حقوق العباد في مواضع أخر.

فتبين بذلك أنه لا مصلحة في عصمة الإمام إلا وهي حاصلة بعصمة الرسول ولله الحمد والمنة والواقع يوافق هذا.

ورأينا كل من كان إلى اتباع السنة والحديث واتباع الصحابة أقرب كانت مصلحتهم في الدنيا والدين أكمل، وكل من كان أبعد من ذلك كان بالعكس([60]).

الشيعة من أبعد الناس عن اتباع المعصوم محمد ﷺ‬ فهم من أبعد الناس عن مصلحة دينهم ودنياهم بخلاف أهل السنة

ولما كانت الشيعة أبعد الناس عن اتباع المعصوم الذي لا ريب في عصمته وهو رسول الله ﷺ‬ الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد الذي فرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد والنور والظلمة وأهل السعادة وأهل الشقاوة وجعله القاسم الذي قسم به عباده إلى شقي وسعيد- فأهل السعادة من آمن به، وأهل الشقاوة من كذب به وتولى عن طاعته.

فالشيعة القائلون بالإمام المعصوم ونحوهم من أبعد الطوائف عن اتباع هذا المعصوم؛ فلا جرم تجدهم من أبعد الناس عن مصلحة دينهم ودنياهم، حتى يوجد ممن هو تحت سياسة أظلم الملوك وأضلهم من هو أحسن حالاً منهم، ولا يكون في خير إلا تحت سياسة من ليس منهم.

ولهذا يشبهون اليهود في أحوال كثيرة- ومنها هذا أنه ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وضربت عليهم المسكنة، فلا يعيشون في الأرض إلا بأن يتمسكوا بحبل بعض ولاة الأمور الذي ليس بمعصوم.

ولابد لهم من نسبة إلى الإسلام يظهرون بها ما في قلوبهم، فالرافضة وحدهم لا يقوم أمرهم قط، كما أن اليهود لا يقوم أمرهم قط.

مدائن كثيرة من أهل السنة يقومون بدينهم ودنياهم لا يحوجهم الله سبحانه وتعالى إلى كافر ولا رافضي، والخلفاء الثلاثة فتحوا الأمصار وأظهروا الدين في مشارق الأرض ومغاربها ولم يكن معهم رافضي.

بل بنو أمية بعدهم مع انحراف كثير منهم عن عليّ وسب بعضهم له غلبوا على مدائن الإسلام كلها من مشرق الأرض إلى مغربها، وكان الإسلام في زمنهم أعز منه فيما بعد ذلك بكثير، ولم ينتظم بعد انقراض دولتهم العامة لما جاءتهم الدولة العباسية صار إلى الغرب عبدالرحمن الداخل إلى المغرب الذي يسمى «صقر قريش» واستولى هو ومن بعده على بلاد المغرب، وأظهروا الإسلام فيها وأقاموه، وقمعوا من يليهم من الكفار، وكانت لهم من السياسة في الدين والدنيا ما هو معروف عند الناس، وكانوا أبعد الناس عن مذاهب أهل العراق فضلاً عن أقوال الشيعة، وإنما كانوا على مذاهب أهل المدينة.

وكان أهل العراق على مذهب الأوزاعي وأهل الشام، وكانوا يعظمون مذهب أهل الحديث، وينصره بعضهم في كثير من الأمور، وهم من أبعد الناس عن مذهب الشيعة.

وقد صار إلى المغرب طوائف من الخوارج والروافض كما كان هؤلاء في المشرق وفي بلاد كثيرة من بلاد الإسلام، ولكن قواعد هذه المدائن لا تستمر على شيء من هذه المذاهب؛ بل إذا ظهر فيها شيء من هذه المذاهب مدة أقام الله ما بعث به محمدًا ﷺ‬ من الهدى ودين الحق يظهر على باطلهم.

وبنو عبيد يتظاهرون بالتشيع واستولوا من المغرب على ما استولوا عليه ثم جاءوا إلى مصر واستولوا عليها مائتي سنة واستولوا على الحجاز والشام نحو مائة سنة وملكوا بغداد في فتنة البساسيري وانضم إليهم الملاحدة في شرق الأرض وغربها، وأهل البدع والأهواء تحب ذلك منهم، ومع هذا فكانوا محتاجين إلى مصانعتهم والتقية لهم.

فإذا علم أن مصلحة غير الشيعة في كل زمان خير من مصلحة الشيعة واللطف لهم أعظم من اللطف للشيعة علم أن ما ذكروه من إثبات العصمة باطل.

قيل لبعض شيوخ الرافضة: إذا جاء الكفار إلى بلادنا فقتلوا النفوس وسبوا الحريم وأخذوا الأموال هل نقاتلهم؟

فقال: لا. المذهب أنا لا نغزو إلا مع المعصوم.

فقال ذلك المستفتي مع عاميته: والله إن هذا لمذهب نجس. فإن هذا المذهب يفضي إلى فساد الدين والدنيا([61]).


ولم يقل بعصمة الأئمة إلا الرافضة الإمامية ولم يشركهم فيه إلا من هو شر منهم

وأما قوله([62]): وإن الأئمة معصومون كالأنبياء في ذلك، فهذه خاصة الرافضة الإمامية لم يشركهم فيها أحد لا الزيدية الشيعة ولا سائر طوائف المسلمين إلا من هو شر منهم كالإسماعيلية المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر القائلين بأن الإمامة بعد جعفر في محمد بن إسماعيل دون موسى بن جعفر. وأولئك ملاحدة منافقون والإمامية الاثنا عشرية خير منهم بكثير.

فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون ظاهرًا وباطنًا ليسوا زنادقة منافقين؛ لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم.

وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعواهم الباطنية زنادقة منافقون.

وأما عوامهم الذين لم يعرفوا باطن أمرهم فقد يكونون مسلمين.

وقد قال الله تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ {([63]).

ولو كان للناس معصوم غير الرسول ﷺ‬ لأمرهم بالرد إليه. فدل القرآن على أنه لا معصوم إلا الرسول ﷺ‬.

ودعوى العصمة تضاهي المشاركة في النبوة؛ فإن المعصوم يجب اتباعه في كل ما يقول لا يجوز أن يخالف في شيء، وهذه خاصة الأنبياء ولهذا أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليهم([64]).

الرافضة أشبهوا النصارى في تفضيل أئمتهم وتسليم الدين لهم

النصارى يزعمون أن الحواريين الذين اتبعوا المسيح أفضل من إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء والمرسلين، ويزعمون أن الحواريين رسل شافههم الله بالخطاب؛ لأنهم يقولون إن الله هو المسيح، ويقولون أيضًا: إن المسيح ابن الله.

والرافضة تجعل الأئمة الاثنى عشر أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. وغاليتهم يقولون: إنهم أفضل من الأنبياء؛ لأنهم يعتقدون فيهم الإلاهية كما اعتقدته النصارى في المسيح.

والنصارى يقولون إن الدين مسلم للأحبار والرهبان- فالحلال ما حللوه، والحرام ما حرموه، والدين ما شرعوه.

والرافضة تزعم أن الدين مسلم إلى الأئمة- فالحلال ما حللوه، والحرام ما حرموه، والدين ما شرعوه.

وأما من دخل في غلو الشيعة كالإسماعيلية الذين يقولون بإلـهية الحاكم ونحوه من أئمتهم يقولون إن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبدالله وغير ذلك من المقالات التي هي في الغالية من الرافضة فهؤلاء أشر من أكثر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين، وهم ينتسبون إلى الشيعة يتظاهرون بمذهبهم([65]).


طاعة أهل السنة لولاة الأمور مقيدة

وأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقًا، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول ﷺ‬ كما قال تعالى: } أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {([66]) فأمر بطاعة الله مطلقًا، وأمر بطاعة الرسول لأنه لا يأمر إلا بطاعة الله فمن يطع الرسول فقد أطاع الله. وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك ولم يذكر لهم طاعة ثالثة؛ لأن ولي الأمر لا يطاع طاعة مطلقة وإنما يطاع في المعروف كما قال النبي ﷺ‬: «إنما الطاعة في المعروف»([67] وقال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»([68] وقال: «من أمركم بمعصية فلا تطيعوه»([69]).

وقول هؤلاء الرافضة المنسوبين إلى شيعة علي رضي الله عنه: إنه تجب طاعة غير الرسول ﷺ‬ مطلقًا في كل ما أمر به أفسد من قول من كان منسوبًا إلى شيعة عثمان رضي الله عنه من أهل الشام إنه يجب طاعة ولي الأمر مطلقًا، فإن أولئك كانوا يطيعون ذا السلطان وهو موجود، وهؤلاء يوجبون طاعة معصوم مفقود([70]).

اشتراط العصمة في الأئمة ليس بمقدور ولا مأمور ضمان العصمة للأمة

الله أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس؛ لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سطان ولا قدرة على شيء أصلاً.

كما أمر النبي ﷺ‬ بالاجتماع والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف، ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقًا، بل أمر بطاعتهم في طاعة الله دون معصيته.

وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة. إلا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله تعالى ولا ينزعن يدًا من طاعة»([71]).

وفي صحيح مسلم عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ‬ قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع. قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا»([72]).

وهذا يبين أن الأئمة هم الأمراء ولاة الأمور، وأنه يكره وينكر ما يأتونه من معصية الله، ولا ينزعن اليد من طاعتهم، بل يطاعون في طاعة الله، وأن منهم خيارًا وشرارًا، من يُحب ويُدعى له ويحب الناس ويدعو لهم، ومن يبغض ويدعو على الناس ويبغضونه ويدعون عليه.

واشتراط العصمة في الأئمة ليس بمقدور ولا مأمور ولم يحصل به منفعة في الدين ولا في الدنيا.

والله قد ضمن العصمة للأمة فمن تمام العصمة أن يجعل عددًا من العلماء وإذا أخطأ الواحد في شيء كان الآخر قد أصاب فيه حتى لا يضيع الحق- ومَثَّلَ الشيخ بالمذاهب الأربعة وغيرها([73]).


وليس الأئمة محصورين في عدد معين

وذلك أن الله قال: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {([74]) ولم يوقتهم بعدد معين. وكذلك النبي ﷺ‬ في الأحاديث الثابتة عنه المستفيضة لم يوقت ولاة الأمور في عدد معين- ففي الصحيحين عن أبي ذر قال: «إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا حبشيًا مجدع الأطراف»([75]). وفي صحيح مسلم عن أم الحصين أنها سمعت النبي ﷺ‬ بمنى أو عرفات في حجة الوداع يقول: «ولو استعمل عليكم أسود مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا»([76]) وروى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ‬: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»([77]) وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ‬: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»([78] وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم»([79]) وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله ﷺ‬: «الناس تبع لقريش في الخير والشر»([80] وفي البخاري عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين»([81]) أخرجه في (باب الأمراء من قريش)([82]).


وعلي لم يدَّع الإمامة قبل قتل عثمان ولا أنه معصوم، أو منصوص

عليّ رضي الله عنه لم يدَّع الإمامة قط حتى قتل عثمان، ولم يقل: إني معصوم، ولا أن الرسول جعلني الإمام بعده، ولا أنه أوجب على الناس متابعتي، ولا نحو هذه الألفاظ؛ بل نحن نعلم بالاضطرار أن من نقل هذا ونحوه عنه فهو كاذب عليه، ونحن نعلم أن عليًا كان أتقى لله من أن يدعي الكذب الظاهر الذي تعلم الصحابة كلهم أنه كذب([83]).

ولا نص عليه

والنص على عليّ ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وأجمع أهل الحديث على بطلانه، حتى قال أبو محمد بن حزم: ما وجدنا قط رواية عن أحد في هذا النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول يكنى أبا الحمراء لا نعرف من هو في الخلق([84]).

ونقل النص على خلافة عليّ كذب من طرق كثيرة؛ فإن هذا النص لم يبلغه أحد بإسناد صحيح فضلاً عن أن يكون متواترًا، ولا نقل أن أحدًا ذكره على جهة الخفاء، مع تنازع الناس في الخلافة وتشاورهم فيها يوم السقيفة وحين موت عمر وحين جعل الأمر بينهم شورى في ستة، ثم لما قتل عثمان واختلف الناس على عليّ؛ فمن المعلوم أن مثل هذا النص لو كان كما تقوله الرافضة من أنه نص على عليٍّ نصًا جليًا قاطعًا للعذر علمه المسلمون لكان من المعلوم بالضرورة أنه لابد أن ينقله الناس نقل مثله، وأنه لابد أن يذكره كثير من الناس نقل مثله، بل أكثرهم في مثل هذه المواطن التي تتوفر الهمم على ذكره فيها غاية التوفر، فانتفاء ما يعلم أنه لازم يقتضي انتفاء ما يعلم أنه ملزوم([85]).

ولم يشتغل بدفن النبي عن الإمامة

وقول القائل: إن عليًا كان مشغولاً بما أمره النبي ﷺ‬ من دفنه وتجهيزه وملازمة قبره كذب ظاهر، وهو مناقض لما يدعونه، فإن النبي ﷺ‬ لم يدفن إلا بالليل لم يدفن بالنهار. وقيل: إنه إنما دفن الليل المقبلة، ولم يأمر أحدًا بملازمة قبره، ولا لازم عليّ قبره؛ بل قبر في بيت عائشة وعليّ أجنبي منها.

ثم كيف يأمره بملازمة قبره وقد أمر بزعمهم أن يكون إمامًا بعده.

ولم يشتغل بتجهيزه عليّ وحده بل عليّ والعباس وبنو العباس ومولاه شقران وبعض الأنصار، وأبو بكر وعمر وغيرهما على باب النبي حاضرون غسله وتجهيزه لم يكونوا حينئذ في بني ساعدة.

لكن السنة أن يتولى الميت أهل فتولى أهله غسله وتجهيزه، وأخروا دفنه ليصلي عليه المسلمون، فإنهم صلوا عليه أفرادًا واحدًا بعد واحد رجالهم ونساؤهم خلق كثير، فلم يتسع يوم الاثنين لذلك مع تغسيله وتكفينه، بل صلوا عليه يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء([86]).

ولم يكن أبو بكر في جيش أسامة لئلا ينازع عليًا

وأهل الفرية يزعمون أن الجيش كان فيه أبو بكر وعمر، وأن مقصود الرسول كان إخراجهما لئلا ينازعا عليًا. وهذا إنما يكذبه ويفتريه من هو أجهل الناس بأحوال الرسول والصحابة وأعظم الناس تعمدًا للكذب، وإلا فالرسول طول مرضه يامر أبا بكر أن يصلي بالناس والناس كلهم حاضرون، ولو ولى رسول الله ﷺ‬ على الناس من ولاه لأطاعوه، وكان المهاجرون والأنصار يحاربون من نازع أمر الله ورسوله وهم الذين نصروا دينه أوَّلاً وآخرًا ...

فياليت شعري ممن كان يخاف الرسول فقد نصره الله وأعزه وحوله المهاجرون والأنصار الذين لو أمرهم بقتل آبائهم وأبنائهم لفعلوا([87]).


مذهب الزيدية في إمامة علي ومن بعده

والزيدية خير من الإمامية. وأشبههم بالإمامية هم الجارودية أتباع ابن الجارود الذين زعموا أن النبي ﷺ‬ نص على عليّ بالوصف لا بالتسمية فكان هو الإمام من بعده، وأن الناس ضلوا أو كفروا بتركهم الاقتداء به بعد رسول الله ﷺ‬، ثم الحسن هو الإمام، ثم الحسين.

ثم من هؤلاء من يقول إن عليًا نص على إمامة الحسن، والحسن نص على إمامة الحسين، ثم هي شورى في ولدهما- فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربه وكان فاضلاً فهو إمام.

والفرقة الثانية من الزيدية السليمانية أصحاب سليمان بن جرير يزعمون أن الإمامة شورى، وأنها تعلم بعقد رجلين من خيار المسلمين، وأنها قد تصلح للمفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال، ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر. وقد قيل: إنها كانت خطأ لا يفسق صاحبها لأجل التأويل.

والثالثة الكثيرية يزعمون أن عليًا أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ‬ وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ لأن عليًا ترك ذلك لهما. ويقفون في عثمان وقتله ولا يقدمون عليه بإكفار([88]) كما يحكى عن السليمانية. وهذه الطائفة أمثل الشيعة ويسمون أيضًا الصالحية.

ثم كل من كان أعلم بالرسول وأحواله كان أعلم ببطلان مذهب الزيدية وغيرهم ممن يدعي نصًا خفيًا وأن عليًا كان أفضل من الثلاثة أو يتوقف في التفضيل؛ فإن هؤلاء إنما وقعوا في الجهل المركب أو البسيط لضعف علمهم بما علمه أهل العلم بالأحاديث والآثار([89]).


ولا نص على بقية الاثني عشر

دعوى الاثني عشرية أن النبي ﷺ‬ قال للحسن: «هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم»... والجواب من وجوه:

أحدها: أن سائر فرق الشيعة تكذب هذا النص إلا الاثني عشرية وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة.

الثاني: أن يقال: هذا معارض بما نقله غير الاثني عشرية من الشيعة من نص آخر يناقض هذا كالقائلين بإمامة غير الاثنى عشر، وبما نقله الراوندية أيضًا؛ فإن كلاً من هؤلاء يدعي من النص غير ما تدعيه الاثنا عشرية.

الثالث: أن يقال: إن علماء الشيعة المتقدمين ليس فيهم من نقل هذا النص ولا ذكره في كتاب، ولا احتج به في خطاب، وإنما اختلق هذا لما مات الحسن بن علي العسكري وقيل: إن ابنه محمدًا غائب، فحينئذ ظهر هذا النص بعد موت النبي ﷺ‬ بنحو مائتين وخمسين سنة.

الرابع: أن يقال: أهل السنة وعلماؤهم أضعاف أضعاف الشيعة كلهم يعلمون أن هذا كذب على رسول الله ﷺ‬ علمًا يقينيًا لا يخالطه الريب ويباهلون على ذلك.

الحادي عشر: أن المنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت يكذب مثل هذا النقل، وأنهم لم يكونوا يدعون أنه منصوص عليهم؛ بل يكذبون من يقول ذلك فضلاً عن أن يثبتوا النص على اثنى عشر([90]).

وحديث الاثني عشر لا ينطبق عليهم([91])

الذي ثبت عن النبي ﷺ‬ في عدد الاثنى عشر ما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي ﷺ‬ فسمعته يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيًا ولهم اثنا عشر رجلاً» ثم تكلم النبي ﷺ‬ بكلمة خفيت عني فسألت أبي ماذا قال النبي ﷺ‬ قال: «قال: كلهم من قريش»([92]).

وفي لفظ: «لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثنى عشر خليفة»([93]) وهؤلاء هم المذكورون في التوراة حيث قال في بشارته بإسماعيل: (وسيلد اثنى عشر عظيمًا).

وهذا النص لا يجوز أن يراد به هؤلاء الاثنا عشر؛ لأنه قال: «لا يزال الإسلام عزيزًا»([94]) و«لا يزال هذا الأمر عزيزًا»، و«لا يزال أمر الناس ماضيًا» وهذا يدل على أنه يكون أمر الناس قائمًا في زمن ولايتهم ولا يكون قائمًا إذا انقضت ولايتهم.

وعند الاثنى عشرية لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثني عشر؛ بل ما زال أمر الأمة فاسدًا منتقضًا يتولى عليهم الظالمون المعتدون؛ بل المنافقون الكافرون وأهل الحق أذل من اليهود.

فمن ظن أن هؤلاء الاثنى عشر هم الذين يعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل؛ فإن هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا عليّ بن أبي طالب، ومع هذا فلم يتمكن في خلافته من غزو الكفار ولا فتح مدينة ولا قتل كافرًا؛ بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض حتى طمع فيهم الكفار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب.

وأيضًا فالشيعة لم يستقيموا معه فإذا لم يستقيموا معه كانوا ألا يستقيموا مع غيره أوْلى وأحرى.

وأما سائر الأئمة غير عليّ فلم يكن لأحد منهم سيف لا سيما المنتظر بل هو عند من يقول بإمامته إما خائف عاجز وإما هارب مختف، ولا أفتى أحدًا في مسألة، ولا حكم في قضية، ولا يعرف له وجود فأي فائدة في الدين والدنيا حصلت من هذا لو كان موجودًا فضلاً عن أن يكون الإسلام به عزيزًا ...

ولا فائدة من إمامته إلا الاعتقادات الفاسدة، والأماني الكاذبة، والفتن بين الأمة.

وأيضًا فالإسلام عن الإمامية هو ما هم عليه وهم أذل فرق الأمة فليس في أهل الأهواء أذل من الرافضة، ولا أكتم لقوله منهم، ولا أكثر استعمالاً للنفاق منهم، وهم على زعمهم شيعة الاثنى عشر.

وأيضًا فإن عندهم ولاية المنتظر دائمًا إلى آخر الدهر وحينئذ فلا يبقى زمان يخلو عندهم من الاثنى عشر. وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين: نوع يقوم فيه أمر الأمة ونوع لا يقوم بل هو قائم في الأزمان كلها وهو خلاف الحديث الصحيح([95]).

والثاني عشر منهم مفقود فامتنع أن يكون إمامًا وهو محمد بن الحسن العسكري (منتظر الرافضة)

وأما الإمامة فالرافضة أبعد الناس عنها فإنهم قالوا في الإمامة أسخف قول وأفسده في العقل والدين؛ فإنهم يحتالون على مجهول أو معدوم لا يرى له عين ولا أثر، ولا سمع له حس ولا خبر.

ذكر محمد بن جرير الطبري وعبدالباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب.

والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدعون أنه دخل السرداب بسامراء وهو صغير منهم من قال عمره سنتان. ومنهم من قال: ثلاث. ومنهم من قال: خمس سنين.

وهذا لو كان موجودًا معلومًا لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع أن يكون محضونًا عند من يحضنه في بدنه كأمه وأم أمه ونحوهما من أهل الحضانة، وأن يكون ماله عند من يحفظه إما وصي أبيه إن كان له وصي وإما غير الوصي ...

فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إمامًا لجميع المسلمين معصومًا لا يكون أحد مؤمنًا إلا بالإيمان به؟!

ثم هذا باتفاق منهم سواء قدر وجوده أو عدمه لا ينتفعون به لا في الدين ولا في الدنيا ولا علَّم أحدًا شيئًا ولا عرف له صفة من صفات الخير ولا الشر فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ومصالحها لا الخاصة ولا العامة.

بل إن قدر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلاً؛ فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به أصلاً ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة. والمكذبون به يعذبون عندهم على تكذيبهم به فهو شر محض لا خير فيه، وخلق مثل هذا ليس من فعل الحكيم العادل.

فأي شيء أضل من سعي من يتعب التعب الطويل، ويكثر القال والقيل، ويفارق جماعة المسلمين، ويلعن السابقين والتابعين، ويعاون الكفار والمنافقين، ويحتال بأنواع الحيل، ويسلك ما أمكنه من السبل، ويعتضد بشهود الزور، ويدلي أتباعه بحبل الغرور، ويفعل ما يطول وصفه، ومقصوده بذلك أن يكون له إمام يدله على أمر الله ونهيه ويعرفه ما يقربه إلى الله تعالى. ثم إنه لما علم اسم ذلك الإمام ونسبه لم يظفر بشيء من مطلوبه، ولا وصل إليه شيء من تعليمه وإرشاده، ولا أمره ونهيه، ولا حصل له من جهته منفعة ولا مصلحة أصلاً، إلا إذهاب نفسه وماله، وقطع الأسفار، وطول الانتظار بالليل والنهار، ومعاداة الجمهور لداخل في سرداب ليس له عمل ولا خطاب، ولو كان موجودًا بيقين، لم حصل به منفعة لهؤلاء المساكين.

فكيف وعقلاء الناس، يعلمون أنه ليس معهم إلا الإفلاس؟

ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة يدخلون في طاعة كافر أو ظالم لينالوا به بعض مقاصدهم. فبينما هم يدعون إلى طاعة إمام معصوم، أصبحوا يرجعون إلى طاعة كفور ظلوم([96]).

(وهم مختلفون فيمن ادعوا النص عليه من أئمتهم وفي المنتظر منهم)

قد عُلم أن الشيعة مختلفون اختلافًا كثيرًا في مسائل الإمامة، والصفات، والقدر، وغير ذلك من مسائل دينهم ... قد علم اضطرابهم فيها- في النص، وفي المنتظر منهم على أقوال: منهم من يقول ببقاء جعفر بن محمد. ومنهم من يقول ببقاء ابنه موسى. ومنهم من يقول ببقاء عبدالله بن معاوية. ومنهم من يقول نص عليّ على الحسن والحسين، وهؤلاء يقولون على محمد بن الحنفية. وهؤلاء يقولون أوصى عليّ بن الحسين إلى ابنه أبي جعفر. وهؤلاء يقولون إلى ابنه عبدالله. وهؤلاء يقولون: أوصى إلى محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسين. وهؤلاء يقولون إن جعفرًا أوصى إلى ابنه إسماعيل. وهؤلاء يقولون أوصى إلى ابنه محمد بن إسماعيل.

وهؤلاء يقولون إلى ابنه محمد. وهؤلاء يقولون إلى ابنه عبدالله. وهؤلاء يقولون إلى ابنه موسى. وهؤلاء يسوقون النص إلى محمد بن الحسن. وهؤلاء يسوقون النص إلى بني ميمون القداح الحاكم في شيعته. وهؤلاء يسوقون النص من بني هاشم إلى بني العباس([97]).

(مقاصد الإمامة: السلطان، والعلم)

الإمام يحتاج إلى شيئين: إما في العلم لتبليغه وتعليمه، وإما في العمل ليعين الناس على ذلك بقوته وسلطانه.

والذين ادعوا عصمتهم ليس لهم سلطان تحصل به مقاصد الإمامة فإذا لم يكن لهم ملك ولا سلطان لم يمكن أن تصلي خلفهم جمعة ولا جماعة ولا يكونون أئمة في الجهاد ولا في الحج ولا تقام بهم الحدود ولا تفصل بهم الخصومات ولا يستوفي الرجل بهم حقوقه التي عند الناس والتي في بيت المال ولا يؤمن بهم السبيل فإن هذه الأمور كلها تحتاج إلى قادر يقوم بها، ولا يكون قادرًا إلا من له أعوان على ذلك وهؤلاء لم يكونوا قادرين على ذلك، بل القادر على ذلك كان غيرهم وكان في أعصارهم من هؤلاء أعلم منهم وأدين؛ إذ العلم المنقول عن غيرهم أضعاف العلم المنقول عنهم، وظهور آثار غيرهم في الأمة أعظم من ظهور آثارهم في الأمة.

والمتقدمون منهم كعلي بن الحسين وابنه أبي جعفر وابنه جعفر بن محمد قد أخذ عنهم من العلم قطعة معروفة وأخذ عن غيرهم أكثر من ذلك بكثير كثير.

وأما من بعدهم فالعلم المأخوذ عنهم قليل جدًا، ولا ذِكْرَ لأَحدٍ منهم في رجال أهل العلم المشاهير بالرواية والحديث والفتيا ولا غيرهم من المشاهير بالعلم.

وما يذكر لهم من المناقب والمحاسن فمثله يوجد لكثير غيرهم من الأمة.

وتلك الفضائل غايتها أن يكون صاحبها أهلاً أن تعقد له الإمامة لكنه لا يصير إمامًا بمجرد كونه أهلاً، كما أنه لا يصير الرجل قاضيًا بمجرد كونه أهلاً لذلك.

وأهلية الإمامة ثابتة لآخرين من قريش كثبوتها لهؤلاء، وهم أهل أن يتولوا الإمامة، فلا موجب للتخصيص، ولم يصيروا بذلك أئمة([98]).

(فضائل الصحابة والقرابة) (وموقف أهل السنة والشيعة منها) الثناء في القرآن بالإيمان والأعمال، لا بمجرد النسب والمصاهرة

لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلاً لا على ولد نبي ولا على أبي نبي، وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم. وإذا ذكر صنفًا وأثنى عليهم فلما فيهم من الإيمان والعمل لا لمجرد النسب.

ولهذا لما ذكر الأنبياء ذكرهم في الأنعام، وهم ثمانية عشر قال: } وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {([99]). فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائهم سبحانه وتعالى وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم لا بنفس القرابة.

وفي القرآن الثناء والمدح للصحابة بإيمانهم وأعمالهم في غير آية كقوله: } وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ {([100]).

وقوله: } لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى {([101]).

وهكذا الثناء على المؤمنين من الأمة أولها وآخرها على المتقين والمحسنين والمقسطين والصالحين، وأمثال هذه الأنواع.

وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى، وفي القرآن آية الخمس والفيء، وفيه أمر لهم بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرًا. وفي القرآن الأمر بالصلاة على النبي ﷺ‬ وقد فسر ذلك بأن يصلى عليه وعلى آله.

وفي القرآن الأمر بمحبة الله ومحبة رسوله، ومحبة أهله من تمام محبته.

وفي القرآن أن أزواجه أمهات المؤمنين.

وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كونه من ذوي القربى وأهل البيت ولا الثناء عليهم بذلك ولا ذكر استحقاقه الفضيلة عند الله بذلك ولا تفضيله على من يساويه في التقوى بذلك، وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل فذاك أمر ماض فأخبر بأن في جعله عبرة لنا فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح بالأعمال ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل وذكر ما ذكره من كفر من كفر منهم وذنوبهم وعقوبتهم فذكر فيهم النوعين الثواب والعقاب وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن به المدح تارة إن كان صاحبه من أهل الإيمان والتقوى، وإلا فإن ذم صاحبه أكثر.

وكذلك المصاهرة قال الله تعالى:

}ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{([102]).

... وهكذا في الشجاعة والكرم والزهد والدين. فالفضائل الخارجية لا عبرة بها عند الله تعالى إلا أن تكون سببًا في زيادة الفضائل الداخلية، وحينئذ تكون الفضيلة بالفضائل الداخلية. وأما الفضائل البدنية فلا اعتبار بها إن لم تكن صادرة عن الفضيلة الداخلية([103]).


حق آل محمد صلى الله عليه وسلم على الأمة زيادة المحبة والموالاة عن غيرهم

لا ريب أن لآل محمد ﷺ‬ حقًا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش، كما أن قريشًا يستحقون من المحبة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر أجناس بني آدم. وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، وفضل قريش على سائر العرب، وفضل بني هاشم على سائر قريش، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره، وعلى هذا دلت النصوص كقوله ﷺ‬ في الحديث الصحيح: «إن الله اصطفى قريشًا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم»([104] وكقوله في الحديث الصحيح: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»([105])، وأمثال ذلك([106]).

رعاية الخليفتين أبي بكر وعمر لحقوق قرابة النبي ﷺ‬ ولفاطمة

أبو بكر وعمر ما زالا مكرمين لعليّ غاية الإكرام بكل طريق ومقدمين له بل ولسائر بني هاشم على غيرهم في العطاء، مقدمين له في المرتبة والحُرمة والمحبة والموالاة والثناء والتعظيم كما يفعلان بنظرائه، ويفضلانه بما فضله الله ﷻ‬ به على من ليس مثله. ولم يعرف عنهم كلمة سوء في عليّ قط، بل ولا في أحد من بني هاشم.

كان عمر يقدم أهل بيت النبي ﷺ‬ في العطاء على جميع الناس ويفضلهم في العطاء على جميع الناس، حتى إنه لما وضع الديوان للعطاء وكتب أسماء الناس قالوا: نبدأ بك. قال: لا. ابدءوا بأقارب رسول الله ﷺ‬ وضعوا عمر حيث وضعه الله. فبدأ ببني هاشم، وضم إليهم بني المطلب؛ لأن النبي ﷺ‬ قال: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام»([107]) فقدم العباس وعليًا والحسن والحسين وفرض لهم أكثر مما فرض لنظرائهم من سائر القبائل، وفضل أسامة بن زيد على ابنه في العطاء فغضب ابنه وقال: تفضل علي أسامة؟ قال فإنه كان أحب إلى رسول الله ﷺ‬ من أبيك.

وهذا الذي ذكرناه من تقديم بني هاشم وتفضيلهم أمر مشهور عند جميع العلماء بالسير لم يختلف فيه اثنان.

فمن تكون هذه مراعاته لأقارب رسول الله ﷺ‬ وعترته أيظلم أقرب الناس إليه وسيدة نساء أهل الجنة، وهي مصابة في يسير من المال وهو يعطي أولادها أضعاف ذلك المال ويعطي من هو أبعد عن النبي ﷺ‬ منها([108]).

محبة أهل السنة لعلي رضي الله عنه وذمهم لمن يسبونه

وأما علي رضي الله عنه فأهل السنة يحبونه ويتولونه ويشهدون بأنه من الخلفاء الراشدين المهديين، وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبه وكارهون لذلك.

وفي فضائله الثابتة رد على النواصب، كما أن في فضائل الثلاثة ردًا على الروافض. ومودة الثلاثة أوجب عند أهل السنة من مودته، لأن وجوب المودة على مقدار الفضل؛ فكل من كان أفضل كانت مودته أكمل([109]).

رعاية القرابة لحقوق أبي بكر وعمر

وكذلك علي رضي الله عنه تواتر عنه من محبتهما وموالاتهما وتعظيمهما وتقديمهما على سائر الأمة ما يعلم به حاله في ذلك، ولم يعرف عنه قط كلمة سوء في حقهما، ولا أنه كان أحق بالأمر منهما- هذا هو المعروف عند من عرف الأخبار الثابتة المتواترة عند الخاصة والعامة والمنقولة بأخبار الثقات.

وأما من رجع إلى مثل ما ينقله أجهل الناس بالمنقولات وأبعد الناس عن معرفة أمور الإسلام ومن هو معروف بافتراء الكذب الكثير الذي لا يروج إلا على البهائم، ويروج كذبه على قوم لا يعرفون الإسلام إما قوم سكان البوادي أو رءوس الجبال أو بلد من أقل الناس علمًا وأكثرهم كذبًا فهذا هو الذي يضل.

وأئمة العترة كابن عباس وغيره يقدمون أبا بكر وعمر، وفيهم من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية.

والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين وتابعيهم من ولد الحسن بن عليّ وولد الحسين وغيرهما أنهم كانوا يتولون أبا بكر وعمر وكانوا يفضلونهما على عليّ، والنقول عنهم ثابتة متواترة.

وقد صنف الحافظ أبو الحسن الدراقطني كتاب «ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة» وذكر فيه من ذلك قطعة([110]) وكذلك كل من صنف من أهل الحديث في السنة مثل «كتاب السنة» لعبدالله بن أحمد([111]) و«السنة» للخلال([112]) و«السنة» لابن بطة([113]) و«السنة» للآجري([114]) واللالكائي([115]) والبيهقي ([116]) وأبي ذر الهروي، والطلمنكي([117]) وأبي حفص بن شاهين([118]) وأضعاف هذه الكتب ... ومثل كتاب «فضائل الصحابة» للإمام أحمد([119]) وأبي نعيم([120]) وتفسير الثعلبي([121]) فيها من ذكر فضائل الثلاثة ما هو من أعظم الحجج عليه، فإن كان هذا القدر حجة فهو حجة له وعليه وإلا فلا يحتج به([122]).


عز الإسلام في زمن الخلفاء الراشدين الأربعة إلى اثني عشر خليفة وهم:«أبو بكر، وعمر، عثمان، عليّ، معاوية، يزيد، عبدالملك بن مروان، وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز»

في الصحيحين عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ‬ قال: «لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش» ولفظ البخاري «اثني عشر أميرًا» وفي لفظ «لا يزال أمر الناس ماضيًا ولهم اثنا عشر رجلاً» وفي لفظ «لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش»([123]).

وهكذا كان فإن الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد، ثم عبدالملك وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبدالعزيز.

وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن.

فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام، وكانت الدولة في زمنهم عربية، والخليفة يدعى باسمه عبدالملك وسليمان لا يعرفون عضد الدولة وعز الدين وبهاء الدين وفلان الدين. وكان أحدهم هو الذي يصلي بالصلوات الخمس([124])، وفي المسجد يعقد الرايات ويؤمر الأمراء، وإنما يسكن داره لا يسكنون الحصون، ولا يحتجبون عن الرعية، وكان من أسباب ذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام في القرون المفضلة قرن الصحابة والتابعين وتابيعهم.

وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان: أحدهما تكلمهم في عليّ، والثاني تأخير الصلاة عن وقتها.

وهؤلاء الاثنا عشر هم المذكورون في التوراة حيث قال في بشارته بإسماعيل (وسيلد اثنى عشر عظيمًا).

ثم كان من نعمة الله سبحانه ورحمته بالإسلام أن الدولة لما انتقلت إلى بني هاشم صارت في بني العباس وكانوا يعرفون قدر الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فلم يظهر في دولتهم إلا تعظيم الخلفاء الراشدين وذكرهم على المنابر والثناء عليهم وتعظيم الصحابة، وإلا فلو تولى والعياذ بالله رافضي يسب الخلفاء والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لقلب الإسلام، ولكن دخل في غمار الدولة من كانوا لا يرضون باطنه ومن كان لا يمكنهم دفعه كما لم يمكن عليًّا قمع الأمراء الذين هم أكابر عسكره؛ كالأشعث بن قيس والأشتر النخعي وهاشم المرقال وأمثالهم.

ودخل من أبناء المجوس ومن في قلبه غل على الإسلام من أهل البدع والزنادقة وتتبعهم المهدي بقتلهم حتى اندفع بذلك شر كثير، وكان من خيار خلفاء بني العباس، وكذلك كان فيه من تعظيم العلم والجهاد والدين ما كانت به دولته من خيار دول بني العباس، وكأنها كانت تمام سعادتهم فلم ينتظم بعدها الأمر لهم، مع أن أحدًا من العباسيين لم يستول على الأندلس ولا على أكثر المغرب وإنما غلب بعضهم على إفريقيا مدة ثم أخذت منهم، بخلاف أولئك فإنهم استولوا على جميع المملكة الإسلامية وقهروا جميع أعداء الدين.

وأيضًا فإنه قال في الحديث: «كلهم من قريش» ولو كانوا مختصين بعليّ وأولاده لذكر ما يميزون به، ألا ترى أنه لم يقل كلهم من ولد إسماعيل ولا من العرب وإن كانوا كذلك؛ لأنه قصد القبيلة التي يمتازون بها- فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم أو من قبيل عليّ لذكروا بذلك، فلما جعلهم من قريش مطلقًا على أنهم من قريش؛ بل لا يختصون بقبيلة، بل بنو تميم وبنو عدي وبنو عبد شمس وبنو هاشم، فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه القبائل([125]).


دلالة القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان ومن معهم زمن الاستخلاف والتمكين، والذين كانوا معهم زمن الاستخلاف والتمكين وأدركوا زمن الفتنة؛ بخلاف الذين حدثوا فيزمن الفتنة كالرافضة والخوارج

قال الله تعالى: }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{([126]).

فقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف كما وعدهم في تلك الآية }مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا{([127]) والله لا يخلف الميعاد فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم ومكن لهم دين الإسلام وهو الدين الذي ارتضاه لهم كما قال تعالى } وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا {([128]) وبدلهم بعد خوفهم أمنًا لهم المغفرة والأجر العظيم. وهذا يستدل به من وجهين: على أن المستخلفين مؤمنون عملوا الصالحات لن الوعد لهم لا لغيرهم. ويستدل به علىب أن هؤلاء مغفور لهم ولهم أجر عظيم؛ لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات فتناولتهم الآيتان آية النور وآية الفتح.

ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة على زمن أبي بكر وعمر وعثمان فإنه إذا ذاك حصل الاستخلاف وتمكن الدين والأمن بعد الخوف لما قهروا فارس والروم وفتحوا الشام، والعراق ومصر وخراسان وإفريقيا.

ولما قتل عثمان وحصلت الفتنة لم يفتحوا شيئًا من بلاد الكفار بل طمع فيهم الكفار بالشام وخراسان وكان بعضهم يخاف بعضًا.

وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان ومن كان معهم في زمن الاستخلاف والتمكين والأمن وأدركوا زمن الفتنة كعلي وطلحة والزبير وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص دخلوا في الآية؛ لأنهم استخلفوا ومكنوا وأمنوا.

وأما من حدث في زمن الفتنة كالرافضة الذين حدثوا في الإسلام في زمن الفتنة والافتراق وكالخوارج المارقين فهؤلاء لم يتناولهم النص فلم يدخلوا فيمن وصف بالإيمان والعمل الصالح المذكورين في هذه الآية، لأنهم أولاً ليسوا من الصحابة المخاطبين بهذا، ولم يحصل لهم من الاستخلاف والتمكين والأمن بعد الخوف ما حصل للصحابة؛ بل لا يزالون خائفين مقلقين غير ممكنين([129]).


طعن الرافضة على أبي بكر وعمر وسائر الصحابة والأمة سوى طائفتهم([130])

الرافضة عمدوا إلى خيار أهل الأرض من الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين وإلى خير أمة أخرجت للناس فجعلوهم شرار الناس وافتروا عليهم العظائم، وجعلوا حسناتهم سيئاتهم.

وجاءوا إلى شر من انتسب إلى الإسلام من أهل الأهواء- وهم الرافضة بجميع أصنافها غاليها وإماميها وزيديها- والله يعلم وكفى به عليمًا. ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شر منهم، لا أجهل ولا أكذب ولا أظلم ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان وأبعد عن حقائق الإيمان منهم- فزعموا أن هؤلاء هم صفوة الله من عباده؛ فإن ما سوى أمة محمد كفار، وهؤلاء كفروا الأمة كلها أو ضللوها، سوى طائفتهم التي يزعمون أنها الطائفة المحقة وأنها لا تجتمع على ضلالة فجعلوهم صفوة بني آدم.

فكان مثلهم كمن جاء إلى غنم كثيرة فقيل له: أعطنا خير هذه الغنم لنضحي بها. فعمد إلى شر تلك الغنم إلى شاة عوراء عجفاء عرجاء مهزولة لا نقي لها فقال: هذه خيار هذه الغنم، لا تجوز الأضحية إلا بها، وسائر هذه الغنم ليست غنمًا، وإنما هي خنازير يجب قتلها، ولا تجوز الأضحية بها([131]).


وزعمهم أن الصحابة ومن اتبعهم كفار مرتدون

ثم إن الرافضة لفرط جهلهم وضلالهم يقولون: إنهم ومن اتبعهم كانوا كفارًا مرتدين، وأن اليهود والنصارى خير منهم؛ لأن الكافر الأصلي خير من المرتد. وقد رأيت هذا في عدة من كتبهم. وهذا القول من أعظم الأقوال افتراءً على أولياء الله المتقين، وحزب الله المفلحين، وجند الله الغالبين.

وهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول ﷺ‬ كما قال مالك وغيره: إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين.

ومن الدلائل الدالة على فساده أن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه ؟!!

وأما الشهوة فسواء كانت شهوة رياسة أو مال أو نكاح أو غير ذلك كانت في أول الإسلام أولى بالاتباع- فمن خرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعز حُبَّا لله ورسوله طوعًا غير إكراه كيف يعادون الله ورسوله طلبًا للشرف والمال؟ ثم هم في حال قدرتهم على المعاداة وقيام المقتضى للمعاداة لم يكونوا معادين لله ورسوله، بل موالين لله ورسوله، فحين قوي المقتضى للموالاة وضعفت القدرة على المعاداة يفعلون نقيض هذا؟! هل يظن هذا إلا من هو من أعظم الناس ضلالاً؟... فعلم علمًا يقينيًا أن القوم لم يتجدد عندهم ما يوجب الردة عن دينهم البتة، والذين ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن أسلم بالسيف كأصحاب مسيلمة وأهل نجد([132]).

من يطعن على أبي بكر وعمر

لا يطعن على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلا أحد رجلين: إما رجل منافق زنديق ملحد عدو للإسلام يتوصل بالطعن فيهما إلى الطعن في الرسول ودين الإسلام، وهذا حال المعلم الأول للرافضة أول من ابتدع الرفض، وحال أئمة الباطنية. وإما جاهل مفرط في الجهل والهوى وهو الغالب على عامة الشيعة إذا كانوا في الباطن مسلمين([133]).

جميع ما يطعن به فيهم أكثره كذب ...

أصحاب رسول الله ﷺ‬ ما يطعن به فيهم أكثره كذب والصدق منه غايته أن يكون ذنبًا أو خطأً والخطأ مغفور. والذنب له أسباب متعددة توجب المغفرة([134]) ولا يمكن أحد أن يقطع بأن واحدًا منهم فعل من الذنوب ما يوجب النار لا محالة. وكثير مما يطعن به على أحدهم يكون من محاسنه وفضائله- فهذا جواب مجمل([135]).

الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة في الآية

قال الله تعالى:

}لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{([136]).

لا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة فإنهم لم يستغفروا للسابقين الأولين، وفي قلوبهم غل عليهم. وهذا يفتض مذهب الرافضة.

ففي الآيات الثناء على الصحابة، وعلى أهل السنة الذين يتولون وإخراج الرافضة من ذلك.

وقد روى ابن بطة وغيره من حديث أبي بدر قال: حدثنا عبدالله بن زيد، عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ } لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ { إلى قوله: } فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { ثم قال: هؤلاء الأنصار وهذه منزلة قدمت، ثم قرأ: } وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ { إلى قوله: } رَحِيمٌ { فقد مضت منزلتان وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا لهم، ومن أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب العبد غل لخيار المؤمنين وسادات أولياء الله بعد النبي؛ ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبًا لمن بعدهم إلا الذين يقولون: } رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {([137]).


الكلام في أعراض الصحابة أشد من الكلام في غيرهم بغيْبَةٍ أو كذب

كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصحابة من رافضي وغيره هو من باب الكلام في الأعراض، وفيه حق لله تعالى لما يتعلق به من الولاية والعداوة والحب والبغض.

وفيه حق للآدميين أيضًا.

ومعلوم أنَّا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على الملك والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم؛ فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقًا لا يباح قط بحال، وأصحاب رسول الله ﷺ‬ أحق من عدل عليهم في القول والعمل.

والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه والثناء على أهله ومحبتهم. والظلم مما اتفق على ذمه وتقبيحه وذم أهله وبغضهم.

والرافضة سلكوا في الصحابة مسلك التفرق فوالوا بعضهم وغلوا فيه، وعادوا بعضم وغلوا في معاداته.

وقد يسلك كثير من الناس ما يشبه هذا في أمرائهم وملوكهم وعلمائهم وشيوخهم فيحصل بينهم رفض في غير الصحابة- تجد أحد الحزبين يتولى فلانًا ومحبيه ويبغض فلانًا ومحبيه، وقد يسب ذلك بغير حق، وهذا كله من التفرق والتشيع الذي نهى الله عنه ورسوله فقال تعالى:

} إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ {([138]).

وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا{([139]).

وقال تعالى: }وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{([140]).

وقال تعالى: } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {([141]).

فمن آذى مؤمنًا حيًا أو ميتًا بغير ذنب يوجب ذلك فقد دخل في هذه الآية. ومن كان مجتهدًا لا إثم عليه فإذا آذاه مؤذ فقد آذاه بغير ما اكتسب. ومن كان مذنبًا وقد تاب من ذنبه أو غفر له بسبب آخر بحيث لم يبق عليه عقوبة فقد آذاه بغير ما اكتسب وإن حصل له بفعله مصيبة ...

كما يذكر عن بعض الرافضة أنه آذى الله ورسوله بسبب تقديم الله والرسول لأبي بكر وعمر.

وعن بعضهم أنهم كانوا يقرءون شيئًا من الحديث في مسجد النبي ﷺ‬ فأتوا على فضائل أبي بكر فلما سمعها قال لأصحابه: «تعلمون والله بلاؤكم من صاحب هذا القبر يقول: مروا أبا بكر فليصل بالناس»([142]) ....


أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم

ولما قال السلف: إن الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد ﷺ‬ فسبهم الرافضة. كان هذا كلامًا حقًا. وكذلك قوله في الحديث الصحيح: «لا تسبوا أصحابي»([143]) يقتضى تحريم سبهم، مع أن الأمر بالاستغفار للمؤمنين والنهي عن سبهم عام، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ‬ قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([144]) وقد قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([145]).

فقد نهى عن السخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب. واللمز: العيب والطعن ومنه قوله تعالى: } وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ {([146]) أي يعيب ويطعن عليك، وأما الاستغفار للمؤمنين عمومًا فقد قال الله تعالى: } وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {([147]) وقد أمر الله بالصلاة على من يموت([148]) وكان النبي ﷺ‬ يستغفر للمنافقين حتى نهى عن ذلك([149])،([150]).


ويسمون من أثبت خلافة الثلاثة ناصبيًا

تسميتهم لمن أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ناصبيًا بناء على أنهم لما اعتقدوا أنه لا ولاية لعلي إلا بالبراءة من هؤلاء جعلوا كل من لم يتبرأ منهم ناصبيًا.

فيقال لمن قال ذلك: إنْ كان مرادك بالنصب بُغض علي وأهل البيت فأهل السنة ليسوا ناصبة.

وإن كنت تريد بذلك أنهم يوالون الخلفاء فسم هذا بما شئت } إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ {.

والمدح والذم: إنما يتعلق بالأسماء إذا كان لها أصل في الشرع كلفظ المؤمن والكافر والبر والفاجر والعالم والجاهل.

ثم من أراد أن يمدح أو يذم فعليه أن يبين دخول الممدوح والمذموم في تلك الأسماء التي علق الله ورسوله بها المدح والذم.

والكتاب والسنة ليس فيه لفظ (ناصبة).

وليس فيه أيضًا لفظ (رافضة). ونحن إذا قلنا رافضة نذكره للتعريف لأن مسمى هذا الاسم يدخل فيه أنواع مذمومة بالكتاب والسنة من الكذب على الله ورسوله، وتكذيب الحق الذي جاء به رسوله، ومعاداة أولياء الله بل خيار أوليائه، وموالاة اليهود والنصارى والمشركين كما نبين وجوه الذم.

وأهل السنة والجماعة لا يمكن أن يعمهم معنى مذموم في الكتاب والسنة بحال كما يعم الرافضة.

نعم يوجد في بعضهم ما هو مذموم ولكن هذا لا يلزم منه ذمهم، كما أن المسلمين إذا كان فيهم مذموم لذنب ارتكبه لم يستلزمه ذم الإسلام وأهله القائلين بواجباته([151]).


ويحبون عَليًّا لم يوجد. ويبغضون عَليًّا

المتصف بصفاته الحقيقة

المحبة الصحيحة أن يحب العبد ذلك المحبوب على ما هو عليه في نفس الأمر؛ فلو اعتقد رجل في بعض الصالحين أنه من الأنبياء أو أنه من السابقين الأولين فأحبه كان قد أحب من لا حقيقة له؛ لأنه أحب ذلك الشخص بناء على أنه موصوف بتلك الصفة وهي باطلة فقد أحب معدومًا لا موجودًا.

ومحبة الرافضة لعلي رضي الله عنه من هذا الباب فإنهم يحبون ما لم يوجد- وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته الذي لا إمام بعد النبي إلا هو الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ظالمين معتدين أو كافرين.

فإذا تبين لهم يوم القيامة أن عليًا لم يكن أفضل من واحد من هؤلاء وإنما غايته أن يكون قريبًا من أحدهم وأنه كان مقرًا بإمامتهم وفضلهم ولم يكن معصومًا لا هو ولا هم ولا كان منصوصًا على إمامته تبين لهم أنهم لم يكونوا يحبون عليًا، بل هم من أعظم الناس بُغضًا لعلي رضي الله عنه في الحقيقة فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت في علي أكمل منها في غيره من إثبات إمامة الثلاثة وتفضيلهم؛ فإن عليًا رضي الله عنه كان يفضلهم ويقر بإمامتهم. فتبين أنهم يبغضون عليًا قطعًا.

وبهذا تبين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: «إنه لعهد النبي الأمي إليّ ألا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»([152]) إنْ كان هذا محفوظًا ثابتًا عن النبي ﷺ‬ وكانوا مقرين به ...

وعند الرافضة كل من كان من بني هاشم يحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فليس بمطهر([153]).


خذلان الشيعة لأهل البيت (علي والسبطين)

وأما الشيعة فهم دائمًا مغلوبون مقهورون منهزمون وحبهم للدنيا وحرصهم عليها ظاهر.

ولذلك لما كاتبوا الحسين رضي الله عنه فلما أرسل إليهم ابن عمه ثم قدم بنفسه غدروا به، وباعوا الآخرة بالدنيا، وأسلموه إلى عدوه، وقاتلوه مع عدوه. فأي زهد في الدنيا وأي جهاد عندهم.

وقد ذاق منهم علي رضي الله عنه من الكاسات المُرَّة ما لا يعلمه إلا الله، حتى دعا عليهم فقال: «اللهم إني سئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيرًا منهم وبدلهم بي شرًا مني».

وقد كانوا يغشونه ويكاتبون من يحاربه ويخونونه في الولايات والأموال.

هذا ولم يكونوا صاروا بعد رافضة ...

فهم من شر الناس معاملة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وابنيه سبطي رسول الله ﷺ‬ وريحانتيه في الدنيا: «الحسن والحسين» وأعظم الناس قبولاً للوم اللائم في الحق وأسرع الناس إلى فتنة وأعجزهم عنها، يغرون من يظهرون نصره من أهل البيت حتى إذا اطمئن إليهم ولامهم عليه اللائم خذلوه وأسلموه وآثروا عليه الدنيا.

ولهذا أشار عقلاء المسلمين على الحسين ألا يذهب إليهم مثل عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام وغيرهم لعلمهم بأنهم يخذلونه ولا ينصرونه ولا يوفون له بما كتبوا به إليه، وكان الأمر كما رأى هؤلاء. ونفذ فيهم دعاء عمر بن الخطاب ثم دعاء علي رضي الله عنه حتى سلط الله عليهم الحجاج بن يوسف كان لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم ودب شرهم إلى من لم يكن منهم حتى عم الشر([154]).

ورفضوا زيد بن علي وأمثاله وهم من ذرية فاطمة

وشهدوا عليه بالكفر والفسق

الرافضة رفضوا زيد بن علي بن الحسين وأمثاله من ذرية فاطمة رضي الله عنها وشهدوا عليه بالكفر والفسق وهم من أهل السنة الموالين لأبي بكر وعمر، بل الرافضة أشد عداوة إما بالجهل وإما بالعناد لأولاد فاطمة رضي الله عنها([155]).


وهم سعوا في قتل الهاشميين وسبي النساء الهاشميات وصبيان الهاشميين

ومن العجب من هؤلاء الرافضة أنهم يدعون تعظيم آل محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهم سعوا في مجيء التتار الكفار إلى بغداد دار الخلافة حتى قتلت التتار الكفار من المسلمين ما لا يحصيه إلا الله تعالى من بني هاشم وغيرهم، وقتلوا الخليفة العباسي وسبوا النساء الهاشميات وصبيان الهاشميين- فهذا هو البُغض لآل محمد بلا ريب، وكان ذلك فعل الكفار بمعاونة الرافضة. وهم سعوا في سبي الهاشميات ونحوهم إلى يزيد وأمثاله([156]).


وهم من أعظم الناس طعنًا وقدحًا في أهل البيت

الرافضة من أعظم الناس قدحًا وطعنًا في أهل البيت، وأنهم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر ونسبوهم إلى أعظم المنكرات بروايتهم الأحاديث التي يعلم بالاضطرار أنها كذب على رسول الله ﷺ‬ وأنها مناقضة لدين الإسلام وأنها تستلزم تكفير علي وتكفير من خالفه.

منها قولهم قال رسول الله ﷺ‬: «من ناصب عليًا الخلافة فهو كافر وقد حارب الله ورسوله ومن شك في علي فهو كافر».

ومنها عن أنس قال كنت عند النبي ﷺ‬ فرأى عليًا مقبلاً فقال: «أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة».

ومنها سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول لعلي: «من مات وهو يبغضك مات يهوديًا أو نصرانيًا»...

فقاتل الله الرافضة وانتصف لأهل البيت منهم فإنهم ألصقوا بهم من العيب والشين، ما لا يخفى على ذي عين.

وآل محمد يدخل فيهم بنو هاشم وأزواجهم وكذلك بنو المطلب في أحد القولين وأكثر هؤلاء تذمهم الرافضة فإنهم يذمون ولد العباس لا سيما خلفاؤهم وهم من آل محمد ﷺ‬، ويذمون من يتولى أبا بكر وعمر وجمهور بني هاشم يتولون أبا بكر وعمر، ولا يتبرأ منهم صحيح النسب من بني هاشم إلا نفر قليل بالنسبة إلى كثرة بني هاشم وأهل العلم والدين منهم يتولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما([157]).

قدحهم في عائشة وهي من أهل البيت، وفي العباس، ومدحهم لأبي طالب الذي مات كافرًا وآزر وأبوي النبي وابن نوح

من جهل الرافضة أنهم يعظمون أنساب الأنبياء آباءهم وأبناءهم ويقدحون في أزواجهم كل ذلك عصبية واتباعًا للهوى، حتى يعظمون فاطمة والحسن والحسين ويقدحون في عائشة أم المؤمنين؛ فيقولون أو من يقول منهم إن آزر أبا إبراهيم كان مؤمنًا، وأن أبوي النبي ﷺ‬ كانا مؤمنين، حتى يقولون: إن النبي لا يكون أبوه كافرًا لأنه إذا كان أبوه كافرًا أمكن أن يكون ابنه كافرًا فلا يكون في مجرد النسب فضيلة.

وهذا مما يدفعون به أن ابن نوح كان كافرًا لكونه ابن نبي فلان يجعلونه كافرًا مع كونه ابنه.

ويقولون أيضًا: إن أبا طالب كان مؤمنًا. ومنهم من يقول كان اسمه عمران وهو المذكور في قوله تعالى:

} إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {([158]).

وهذا الذي فعلوه مع ما فيه من الافتراء والبهتان فيه من التناقض وعدم حصول مقصودهم ما لا يخفى.

وذلك أنَّ كون الرجل أبيه أوابنه كافرًا لا ينقصه ذلك عند الله شيئًا؛ فإن الله يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي.

ومن المعلوم أن الصحابة أفضل من آبائهم وكان آباؤهم كفارًا بخلاف كونه زوج بغية قحبة فإن هذا من أعظم ما يذم ويعاب، لأن مضرة ذلك تدخل عليه؛ بخلاف كفر أبيه أو ابنه.

وأيضًا فلو كان المؤمن لا يلد إلا مؤمنًا لكان بنو آدم كلهم مؤمنين، وقد قال الله تعالى:

}وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ إلى آخر القصة... ([159])

وأيضًا فهم يقدحون في العباس عم النبي ﷺ‬ الذي تواتر إيمانه. ويمدحون أبا طالب الذي مات كافرًا باتفاق أهل العلم، كما اتفقت عليه الأحاديث الصحيحة، ففي الصحيحين عن ابن المسيب بن حزن عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ‬ فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله ﷺ‬: «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله ﷺ‬ يعرضها عليه ويعود له ويعودون عليه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي ﷺ‬ لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك فأنزل الله تعالى:

} مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {([160]).

وأنزل في أبي طالب:

} إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {([161]).

وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا، وقال فيه «قال أبو طالب لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى: } إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ {»([162]).

وفي الصحيحين عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله: هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك وينصرك ويغضب لك؟ فقال: «نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار»([163]).

وفي حديث أبي سعيد لما ذكر عنده قال: «لعله تنفعه شفاعتي فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منهما دماغه» أخرجاه في الصحيحين([164]).([165]).


رميهم عائشة رضي الله عنها وامرأة نوح

يرمون عائشة بالعظائم، ثم منهم من يرميها بالفاحشة التي برأها الله منها وأنزل القرآن في ذلك.

ثم إنهم لفرط جهلهم يدعون في غيرها من نساء الأنبياء، فيزعمون أن امرأة نوح كانت بغيًّا، وأن الابن الذي دعاه نوح لم يكن منه وإنما كان منها، وأن معنى قوله: } إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ {([166]) أن هذا الولد من عمل غير صالح. ومنهم من يقرأ: } وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ {([167]) يريدون ابنها، ويحتجون بقوله: } إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ {([168]) ويتأولون قوله تعالى: } ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا {([169]) على أن امرأة نوح خانته في الفراش وأنها كانت قحبة. وضاهوا في ذلك المنافقين والفاسقين أهل الإفك الذين رموا عائشة بالإفك والفاحشة ثم لم يتوبوا، وفيهم خطب النبي ﷺ‬ فقال: «أيها الناس من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا رجلاً والله ما علمت عليه إلا خيرًا»([170]).

ومن المعلوم أن أعظم أنواع الأذى للإنسان أن يكذب على امرأته رجل فيقول: إنها بغي، ويجعل الزوج أنه زوج قحبة، فإن هذا من أعظم ما يشتم به الناس بعضهم بعضًا...([171]).

قدحهم في فاطمة رضي الله عنها

ثم هؤلاء الشيعة وغيرهم يحكون عن فاطمة من حزنها على النبي ﷺ‬ ما لا يوصف، وأنها بَنَتْ بَيْتَ الأحزان، مع أنه حُزْنٌ على أمر فائت.

ويذكرون عن على وفاطمة من الجزع والحزن على فوت مال فدك وغيرها من الميراث ما يقتضي أنه صاحبه إنما يحزن على فوت الدنيا وقد قال الله تعالى:

} لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ {([172]).

وهؤلاء الرافضة من أجهل الناس يذكرون فيمن يوالونه من أخبار المدح وفيمن يعادونه من أخبار الذم ما هو بالعكس أولى.

ومنها ما ذكروه عن فاطمة أنها أوصت أن تدفن ليلاً ولا يصلي عليها أحد منهم لا يحكيه عن فاطمة ويحتج به إلا رجل جاهل يطلق على فاطمة ما لا يليق بها. وهذا لو صح لكان بالذنب المغفور أولى منه بالسعي المشكور([173]).


الرافضة يوالون أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين، ويعاونونهم على قتال المسلمين وآل محمد ﷺ‬

الرافضة أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلمًا يعادون أولياء الله تعالى من بعد النبي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه.

ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين ...

كما جربه الناس منهم غير مرة في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان والعراق والجزيرة والشام وغير ذلك وإعانتهم للنصارى على المسلمين بالشام ومصر وغير ذلك في وقائع متعددة من أعظم الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة والسابعة، فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام، وقتل من المسلمين ما لا يحصي عدده إلا رب الأنام، كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين، ومعاونة للكافرين، وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير، حتى جعلهم الناس لهم كالحمير.

حتى قيل: ما اقتتل يهودي ومسلم ولا نصراني ومسلم ولا مشرك ومسلم إلا كان الرافضي مع اليهودي والنصراني والمشرك.

وهذا دأب الرافضة دائمًا يتجاوزون عن جماعة المسلمين اليهود والنصارى والمشركين في الأقوال والموالاة والمعاونة والقتال وغير ذلك.

ومن أضل من قوم يعادون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويوالون المنافقين والكفار؟ وقد قال الله تعالى:

}أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ{([174]).

فهذه الآيات نزلت في المنافقين، وليس المنافقون في طائفة أكثر منهم في الرافضة، حتى إنه ليس في الروافض إلا من فيه شعبة من شعب النفاق، كما قال النبي ﷺ‬: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا عاهد غدر» أخرجاه في الصحيحين([175])، وكثير منهم يتولون الذين كفروا، لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء، ولكن كثيرا منهم فاسقون.

وليس للإنسان منهم شيء يختص به إلا ما يسر عدو الإسلام ويسيء وليه، فأيامهم في الإسلام كلها سود.

فهل يكون مواليًا لآل رسول الله ﷺ‬ من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين ؟!

وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق، وأرحم بالخلق، كما وصف الله به المسلمين في قوله: } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ { قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس. وأهل السنة نقاوة المسلمين فهم خير الناس للناس([176]).

وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير فيه ألوف من الرافضة يسفكون دماء الناس ويأخذون أموالهم وقتلوا كثيرًا وأخذوا أموالهم، ولما انكسر المسلمون سنة([177]) غازان أخذوا الخيل والسلاح والأسارى وباعوهم للكفار والنصارى بقبرص، وأخذوا من مَرَّ بهم من الجند، وكانوا أضر على المسلمين من جميع الأعداء.

وحمل بعض أمرائهم راية النصارى، وقالوا له: أيما خير المسلمون، أو النصارى؟ فقال: بل النصارى. فقالوا له: مع من تحشر يوم القيامة؟ قال: مع النصارى. وسلموا إليهم بعض بلاد المسلمين.


ورأس مال الرافضة التقية وهي النفاق

رأس مال الرافضة التقية، وهي أن يظهر خلاف ما يبطن من العداوة كما يفعل المنافق. وقد كان المسلمون في أول الإسلام في غاية الضعف والقلة وهم يظهرون دينهم ولا يكتمونه، والرافضة يزعمون أنهم يعملون بهذه الآية: } لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً {([178]).

ويزعمون أنهم هم المؤمنون وسائر أهل القبلة كفار، مع أن لهم في تكفير الجمهور قولين؛ لكن قد رأيت غير واحد من أئمتهم يصرح في كتبه وفتاويه بكفر الجمهور أنهم مرتدون، ودارهم دار ردة، يُحكم بنجاسة مائعها، وأن من انتقل إلى قول الجمهور منهم ثم تاب لم تقبل توبته؛ لأن المرتد الذي يولد على الفطرة لا يقبل الرجوع إلى الإسلام ... وهذه الآية حجة عليهم ...

وقد اتفق المفسرون على أنها نزلت بسبب أن بعض المسلمين أراد إظهار مودة الكفار فنهوا عن ذلك.

وقوله: } إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً { ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي، فإن هذا نفاق، ولكن أفعل ما أقدر عليه كما في الصحيح عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه»([179]).

فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه، وإلا فبقلبه- غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون وامرأة فرعون، وهو لم يكن موافقًا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب، ولا كان يقول بلسانه ما ليس في قلبه؛ بل كان يكتم إيمانه، وكتمان الإيمان شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر، فهذا لم يبحه الله قط إلا لمن أكره بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر؛ والله تعالى فرق بين المنافق والمكره.

والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين لا من جنس حال المكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان.

فالرافضي لا يعاشر أحدًا إلا استعمل معه النفاق؛ فإن دينه الذي في قلبه دين فاسد يحمله على الكذب والخيانة وغش الناس وإرادة السوء بهم، فهو لا يألوهم خبالاً، ولا يترك شرًا يقدر عليه إلا فعله بهم ...([180]).


وما يحكى عن أهل البيت فيه كذب، ولم يكره أحد منهم

النفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف، بل لابد لكل منهم من شعبة نفاق؛ فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب وهو أن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه، كما أخبر الله عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه (التقية) وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك، حتى يحكوا ذلك عن جعفر الصادق أنه قال: التقية ديني ودين آبائي. وقد نزه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك؛ بل كانوا من أعظم الناس صدقًا وتحقيقًا للإيمان، وكان دينهم التقوى لا التقية.

وقول الله تعالى:

} لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ { إلى قوله: } إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً {([181]) إنما هو الأمر بالاتقاء من الكفار، لا الأمر بالنفاق والكذب. والله تعالى قد أباح لمن أكره على كلمة الكفر أن يتكلم بها إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان؛ لكن لم يُكْرَهْ أحد من أهل البيت على شيء من ذلك، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه لم يكره أحدًا لا منهم ولا من غيرهم على مبايعته فضلاً عن أن يكرههم على مدحه والثناء عليه. بل كان علي وغيره من أهل البيت يظهرون ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم والترحم عليهم والدعاء لهم، ولم يكن أحد يكرههم على شيء منهم باتفاق الناس.

فعلم أن ما تتظاهر به الرافضة هو من باب الكذب والنفاق وأن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، لا من باب ما يكره المؤمن عليه من التكلم بالكفر.

ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق فهم في ذلك كما قيل: رمتني بدائها وانسلت. إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم.

ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم، واعتبر ذلك بالغالية من النصيرية وغيرهم، وبالملاحدة الإسماعيلية وأمثالهم([182]).

كذب الرافضة على الله وعلى رسوله وعلى الصحابة والقرابة

قوله تعالى: } فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ {([183]).

الرافضة أعظم الطوائف كذبًا على الله وعلى رسوله وعلى الصحابة وعلى ذوي القربى، وكذلك هم من أعظم الطوائف تكذيبًا بالصدق- فيكذبون بالصدق الثابت المعلوم من المنقول الصحيح والمعقول الصريح.

وقوله تعالى: } وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {([184]).

هذه الآية ولله الحمد ما فيها من مدح فهو يشتمل على الصحابة الذين افترت عليهم الرافضة وظلمتهم فإنهم جاءوا بالصدق وصدقوا به، وهم من أعظم أهل الأرض دخولاً في ذلك، وعلي منهم. وما فيها من ذم فالرافضة أدخل الناس فيه، فهي حجة عليهم من الطرفين وليست حجة على اختصاص علي دون الخلفاء الثلاثة بشيء- فهي حجة عليهم بكل وجه، ولا حجة لهم فيها بحال.

وأهل السنة المحضة أوْلى الطوائف بهذه الآية فإنهم يَصْدُقُون ويُصَدِّقون بالحق في كل ما جاء به ليس لهم هوى إلا مع الحق ...([185]).

من كذب الرافضة على الله وتحريفهم للقرآن

الذين أدخلوا في دين الله ما ليس منه وحرفوا أحكام الشريعة ليسوا في طائفة أكثر منهم في الرافضة؛ فإنهم أدخلوا في دين الله من الكذب على رسول الله ﷺ‬ ما لم يكذبه غيرهم، وردوا من الصدق ما لم يرده غيرهم، حَرَّفوا القرآن تحريفًا لم يحرفه غيرهم- مثل قولهم: إن قوله تعالى: } إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {([186]) نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة.

وقوله: } مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ {([187]) علي وفاطمة } يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ {([188]) الحسن والحسين } وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {([189]) علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

} إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {([190]) آل أبي طالب، واسم أبي طالب عمران } فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ {([191]) طلحة والزبير } وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ {([192]). بنو أمية.

} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً {([193]) عائشة و } لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ {([194]) بين أبي بكر وعلي في الولاية.

وكل هذا وأمثاله وجدته في كتبهم.

حتى إن الطوائف الذين ليس لهم من الخبرة بدين الرسول ما لغيرهم إذا قالت لهم الرافضة نحن مسلمون يقولون أنتم جنس آخر. ثم من هذا دخلت الإسماعيلية والنصيرية في تأويل الواجبات والمحرمات فهم أئمة التأويل الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه([195]).

كذبهم في الرواية عن رسول الله ﷺ‬

وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم.

ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب قال أبو حاتم الرازي: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال أشهب ابن عبدالعزيز: سئل مالك عن الرافضة؟ فقال: لا تكلمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون. وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: لم أرَ أحدًا أشهد بالزور من الرافضة. وقال مؤمل بن إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: نكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون. وقال محمد بن سعيد الأصبهاني سمعت شريكا يقول: أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينًا. وشريك هذا هو شريك بن عبدالله القاضي قاضي الكوفة من أقران الثوري وأبي حنيفة وهو من الشيعة الذي يقول بلسانه أنا من الشيعة وهذا شهادته فيهم. وقال أبو معاوية: سمعت الأعمش يقول: أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين- يعني أصحاب المغيرة بن سعيد.

وقال الأعمش: ولا عليكم أن تذكروا هذا فإني لا آمنهم أن يقولوا إنا أصبنا الأعمش مع امرأة.

وهذه الآثار ثابتة قد رواها أبو عبدالله بن بطة في «الإبانة الكبرى» هو وغيره.

والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منهم في سائر طوائف أهل القبلة.

ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم مثل كتب يحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني ويحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازي والنسائي وأبي حاتم بن حبان وأبي أحمد بن عدي والدارقطني وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي ويعقوب بن سفيان الفسوي وأحمد بن عبدالله بن صالح العجلي والعقيلي ومحمد بن عبدالله بن عمار الموصلي والحاكم النيسابوري والحافظ عبدالغني بن سعيد المصري وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ونقاد، وأهل معرفة بأحوال الإسناد، رأوا المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف، حتى إن أصحاب الصحيح كالبخاري لم يروِ عن أحد من قدماء الشيعة مثل عاصم بن ضمرة والحارث الأعور وعبدالله بن سلمة وأمثالهم مع أن هؤلاء من خيار الشيعة؛ وإنما يروون عن أهل البيت كالحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وكاتبه عبيد الله بن أبي رافع أو عن أصحاب ابن مسعود كعبيدة السلماني والحارث بن قيس أو عمن يشبه هؤلاء. وهؤلاء أئمة النقل ونقاده من أبعد الناس عن الهوى، وأخبرهم بالناس، وأقولهم بالحق، لا يخافون في الله لومة لائم([196]).


ولا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة

الرافضة لا ينظرون في الإسناد ولا في سائر الأدلة الشرعية والعقلية ...

ولهذا لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط؛ بل كل إسناد متصل لهم فلا بد أن يكون فيه ما هو معروف بالكذب أو كثرة الغلط وهم في ذلك شبيه باليهود والنصارى فإنه ليس لهم إسناد، والإسناد من خصائص هذه الأمة، وهو من خصائص الإسلام، ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة.

والرافضة من أقل الناس عناية إذ كانوا لا يصدقون إلا بما يوافق أهواءهم، وعلامة كذبه أنه يخالف هواهم.

ولهذا قال عبدالرحمن بن مهدي: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.

ثم إن أولهم كانوا كثيري الكذب فانتقلت أحاديثهم إلى قوم لا يعرفون الصحيح من السقيم، فلم يمكنهم التمييز إلا بتصديق الجميع أو تكذيب الجميع والاستدلال على ذلك بدليل منفصل غير الإسناد([197]).

كذبهم على الصحابة والقرابة وعلى أبي ذر وسلمان وعمار

لم نعلم أحدًا أنكر قتال أهل اليمامة وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة وأنهم قاتلوه على ذلك؛ لكن هؤلاء الرافضة بجحدهم لهذا وجهلهم به بمنزلة إنكارهم كوْن أبي بكر وعمر دفنا عند النبي ﷺ‬، وإنكارهم لموالاة أبي بكر وعمر للنبي ﷺ‬.

ثم منهم من ينكر أن تكون زينب ورقية وأم كلثوم من بنات النبي ﷺ‬ ويقولون: إنهن من خديجة من زوجها الذي كان كافرًا قبل النبي ﷺ‬.

ومنهم من يقول إن عمر غصب بنت علي حتى زوجه بها وأنه تزوج غصبًا في الإسلام.

ومنهم من يقول إنهم بعجوا بطن فاطمة حتى أسقطت، وهدموا بيتها على من فيه، وأمثال هذه الأكاذيب التي يعلم من له أدنى علم ومعرفة أنها كذب.

فهم دائمًا يعمدون إلى الأمور المعلومة المتواترة ينكرونها، وإلى الأمور المعدومة التي لا حقيقة لها يثبتونها، فلهم أوفر نصيب من قوله تعالى:

} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ {([198]).

والشيعة وإن كذبوا على أبي ذر من الصحابة وسلمان وعمار وغيرهم فمن المتواتر أن هؤلاء كانوا من أعظم الناس تعظيمًا لأبي بكر وعمر واتباعًا لهما؛ وإنما ينقل عن بعضهم التعنت على عثمان لا على أبي بكر وعمر.

ومن النصيرية من يقول: إن الحسن والحسين ما كانا أولاد علي بل أولاد سلمان الفارسي. ومنهم من يقول: إن أبا بكر وعمر ليسا مدفونين مع النبي ﷺ‬. ومنهم من يقول: إن عليًا لم يمت، وكذلك يقولون عن غيره([199]).


تعصب الرافضة، وحماقاتهم

لا نعلم طائفة أعظم تعصبًا في الباطل من الرافضة- حتى إنهم دون سائر الطوئف عرف عنهم شهادة الزور لموافقهم على مخالفهم، وليس في التعصب أعظم من الكذب.

وحتى إنهم في التعصب جعلوا للبنت جميع الميراث ليقولوا إن فاطمة رضي الله عنها ورثت رسول الله ﷺ‬ دون عمه العباس رضي الله عنه .

وحتى إن فيهم من حرَّم لحم الجمل لأن عائشة قاتلت على جمل- فخالفوا كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ‬ وإجماع الصحابة والقرابة لأمر لا يناسب، فإن ذلك الجمل الذي ركبته عائشة رضي الله عنها مات، ولو فرض أنه حي فركوب الكفار على الجمال لا يوجب تحريمها. وما زال الكفار يركبون الجمال ويغنمها المسلمون منهم ولحمها حلال لهم. فأي شيء في ركوب عائشة للجمل يوجب تحريم لحمه ؟!

وغاية ما يفرضون أن بعض ما يجعلونه كافرًا ركب جملاً، مع أنهم كاذبون مفترون فيما يرمون به أم المؤمنين رضي الله عنها.

ومن تعصبهم وجهلهم أنهم يبغضون بني أمية كلهم لكَوْن بعضهم كان ممن يبغض عليًا وقد كان في بني أمية قوم صالحون ماتوا قبل الفتنة، وكان بنو أمية أكثر القبائل عملاً للنبي ﷺ‬، فإنه لما فتح مكة استعمل عليها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وأخويه أبان وسعيد على أعمال أُخَر، واستعمل أبا سفيان بن حرب بن أمية على نجران، وابنه يزيد ومات وهو عليها، وصاهر النبي ﷺ‬ ببناته الثلاث لبني أمية زوج ابنتيه لعثمان بن عفان واحدة بعد واحدة وقال لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان، وزوج أكبر بناته زينب بأبي العاص بن الربيع.

ومن جهلهم وتعصبهم يبغضون أهل الشام لكونهم كان فيهم من كان يبغض عليًا. ومعلوم أن مكة كان فيها كفار ومؤمنون وكذلك المدينة كان فيها مؤمنون ومنافقون. والشام في هذه الأعصار لم يبق فيها من يتظاهر ببغض علي، ولكن لفرط جهلهم يسحبون ذيل البعض.

وكذلك من جهلهم أنهم يذمون من ينتفع بشيء من آثار بني أمية كالشرب من نهر يزيد، ويزيد لم يحفره ولكن وسَّعه.

وكالصلاة في جامع بني أمية، ومعلوم أن النبي ﷺ‬ كان يصلي إلى الكعبة التي بناها المشركون، وكان يسكن في المساكن التي بنوها، وكان يشرب من ماء الآبار التي حفروها، ويلبس من الثياب التي نسجوها ويعامل بالدراهم التي ضربوها ...

فلو فرض أن يزيدَ كان كافرًا وحفر نهرًا لم يُكره الشرب منه بإجماع المسلمين.

ولقد حدثني ثقة أنه كان لواحد منهم كلب فدعاه آخر منهم (بكير، بكير) فقال صاحب الكلب أتسمي كلبي بأسماء أهل النار؟ فاقتتلا على ذلك حتى جرى بينهما دم- فهل يكون أجهل من هؤلاء ؟!

والنبي ﷺ‬ يسمى أصحابه بأسماء قد تسمى بها قوم من أهل النار الذين ذكرهم الله في القرآن كالوحيد الذي ذكره الله في القرآن في قوله: } ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا {([200]) واسمه الوليد بن المغيرة، وكان النبي ﷺ‬ يدعو لابن هذا واسمه أيضًا الوليد ويسمى الابن والأب في الصلاة ويقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد كما ثبت ذلك في الصحيح([201]).

ومن فرط جهلهم وتعصبهم أنهم يعمدون إلى يوم أحبَ الله صيامه فيرون فطره كيوم عاشوراء، وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن النبي ﷺ‬ لما دخل المدينة وإذا ناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه فقال النبي ﷺ‬: «نحن أحق بصومه وأمر بصومه» أخرجه البخاري([202]).

ومن فرط جهلهم وتعصبهم أنهم يعمدون إلى دابة عجماء فيؤذونها بغير الحق إذ جعلوها بمنزلة من يبغضونها كما يعمدون إلى نعجة حمراء يسمونها عائشة وينتفون شعرها.

ويعمدون إلى دواب لهم يسمون بعضها أبا بكر وبعضها عمر ويضربونها بغير حق جعلاً منهم تلك العقوبة لأبي بكر وعمر.

ويصورون صورة إنسان من جبس يجعلونه عمر ويبعجون بطنه ويزعمون أنهم يأكلون لحمه ويشربون دمه.

وتارة يكتبون أسماءه على أسفل أرجلهم، حتى إن بعض الولاة جعل يضرب رجلَيْ من فعل ذلك ويقول إنما ضربت أبا بكر وعمر ولا أزال أضربهما حتى أعدمهما.

ومنهم من يسمى كلابه باسم أبي بكر وعمر ويلعنهما.

وإذا تسمى رجل عندهم باسم علي أو جعفر أو حسن أوحسين أو نحو تلك عاملوه وأكرموه ولا دليل لهم على ذلك أنه منهم.

ومن ذلك أن بعضهم لا يوقد خشب الطرفاء؛ لأنه بلغه أن دم الحسين وقع على شجرة الطرفاء. ومعلوم أن تلك الشجرة بعينها لا يُكره وقودها ولو كان عليها أي دم كان، فكيف بسائر الشجر الذي لم يصبه الدم.

ومن حماقاتهم كراهتهم لأن يتكلم أو يفعل شيئًا عدده عشرة حتى في البناء لا يبنون على عشرة أعمدة ولا بعشرة جذوع، ونحو ذلك لكونهم يبغضون خيار الصحابة وهم العشرة المشهود لهم بالجنة إلا عليًا. واسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع قال الله تعالى: } تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ {([203]).

ومن العجب أنهم يوالون لفظ التسعة وهم يبغضون التسعة من العشرة.

ومن حماقاتهم إقامة المآتم والنياحة على من قتل من سنين عديدة ومعلوم أنه قد قتل من الأنبياء وغير الأنبياء ظلمًا وعدوانًا من هو أفضل من الحسين قُتل أبوه ظلمًا وهو أفضل منه وقتل عثمان ظلمًا وكان قتله أول الفتن العظيمة، وما فعل أحد لا من المسلمين ولا غيرهم مأتمًا ولا نياحة على ميت ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير لكانوا رخمًا، ولو كانوا من البهائم لكانوا حُمُرًا([204]).

ومن حماقاتهم أنهم يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيها كالسرداب الذي بسامراء الذي يزعمون أنه غائب فيه ومشاهد أُخَر.

ومن المعلوم أنه لو كان موجودًا وقد أمره الله بالخروج فإنه يخرج سواء نادوه أو لم ينادوه([205]).

ومما ينبغي أن يُعرف أن ما يوجد في جنس الشيعة من الأقوال والأفعال المذمومة قد لا يكون هذا كله في الإمامية الاثنى عشرية ولا الزيدية ولكن يكون كثير منه في الغالية وفي كثير من عوامهم مثل ما ذكر عنهم من تحريم لحم الجمل وأن الطلاق يشترط فيه رضا المرأة ونحو ذلك مما يقوله من عوامهم وإن كان علماؤهم لا يقولون ذلك، ولكن لما كان أصل مذهبهم مستندًا إلى جهل كانوا أكثر الطوائف كذبًا وجهلاً([206]).


قصدهم من إقامة المآتم والنياحة على الحسين

الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكا والعطش وإنشاد المراثي وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب حتى يسب السابقون الأولون وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب.

وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة؛ فإن هذا ليس واجبًا ولا مستحبًا باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله([207]).

ما يروى في مصرعه من الكذب

والذين نقلوا مصرع الحسين زادوا أشياء من الكذب كما زادوا في قتل عثمان، وكما زادوا فيما يراد تعظيمه من الحوادث، وكما زادوا في المغازي والفتوحات وغير ذلك.

والمصنفون في أخبار قتل الحسين منهم من هو من أهل العلم كالبغوي وابن أبي الدنيا وغيرهما ومع ذلك فيما يروونه أخبار منقطعة وأمور باطلة.

وأما ما يرويه المصنفون في المصرع بلا إسناد فالكذب فيه كثير مثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين ولم تظهر قبل ذلك؛ فإن هذا من الترهات فمازالت هذه الحمرة تظهر ولها سبب طبيعي من جهة الشمس فهي بمنزلة الشفق، وكذلك قول القائل: إنه ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط هو أيضًا كذب بين.

وأما ما ذكروه من سبي نسائه والدوران بهم في البلدان وحملهم على الجمال بغير أقتاب- فهذا كذب وباطل لم يسبِ المسلمون ولله الحمد هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد ﷺ‬ سبي بني هاشم قط، ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيرًا، ولا حمل أحد من نسائهم مكشوف العورة([208]).

مَنْ أمر بقتل الحسين

الذي نقله غير واحد أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولا كان له غرض في ذلك؛ بل كان يختار أن يكرمه ويعظمه كما أمره بذلك معاوية رضي الله عنه .

ولكن كان يختار أن يمنع من الولاية والخروج عليه.

فلما قدم الحسين وعلم أن أهل العراق يخذلونه ويسلمونه طلب أن يرجع إلى يزيد، أو يرجع إلى وطنه، أو يذهب إلى الثغر، فمنعوه من ذلك حتى يستأسر، فقاتلوه حتى قُتل مظلومًا شهيدًا رضي الله عنه .

وأن خبر قتله لما بلغ يزيد وأهله ساءهم ذلك وبكوا على قتله وقال يزيد: لعن الله ابن مرجانة - يعني عبيد الله بن زياد- أما والله لو كان بينه وبين الحسين رحم لما قتله. وقال قد كنت أرضي من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين. وأنه جهز أهله بأحسن الجهاز وأرسلهم إلى المدينة؛ لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين ولا أمر بقتل قاتله ولا أخذ بثأره.

ثم لما قتل قام من يطلب بدمه مع المختار بن أبي عبيد الثقفي وقتلوا عبيد الله بن زياد، ثم لما قدم مصعب بن الزبير قتل المختار فإنه كذاب وادعى أنه يوحى إليه([209]).

مَنْ نكت في ثناياه

الذي ثبت في الصحيح أن الحسين لما قتل حمل رأسه إلى قدام عبيد الله بن زياد، وأنه نكت بالقضيب على ثناياه وكان بالمجلس أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو برزة الأسلمي ففي صحيح البخاري عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعل في طست فجعل ينكت وقال في حسنه شيئًا فقال أنس كان أشبههم برسول الله ﷺ‬ وكان مخضوبًا بالوشمة» وفيه أيضًا عن أبي نعيم قال: «سمعت ابن عمر وسأله رجل عن المحرم يقتل الذباب فقال يا أهل العراق تسألون عن قتل الذباب وقد قتلتم ابن بنت رسول الله ﷺ‬ وقال النبي ﷺ‬: «هم ريحانتاي من الدنيا»([210]). وقد روي بإسناد مجهول أن هذا كان أمام يزيد، وأن الرأس حمل إليه، وأنه هو الذي نكت على ثناياه. وهذا مع أنه لم يثبت ففي الحديث ما يدل على أنه كذب فإن الذين حضروا نكته بالقضيب من الصحابة لم يكونوا بالشام وإنما كانوا بالعراق([211]).

الحسين قُتل مظلومًا

وأما الحسين فلا ريب أنه قتل مظلومًا شهيدًا كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء، ولم يكن قصده ابتداء أن يقاتل، وقتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله أو رضي بذلك، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله. وهو في حقه شهادة له ورفع درجة وعلو منزلة، فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تُنال إلا بشيء من البلاء ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان فهذا مات مسمومًا([212]) وهذا مقتولاً لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء وإذا كان ذلك كذلك فالواجب عند المصائب الصبر والاسترجاع([213]).

الناس في قتل الحسين ثلاثة أصناف

وصار الناس في قتل الحسين رضي الله عنه ثلاثة أصناف- طرفين، ووسط. أحد الطرفين يقول: إنه قُتل بحق، فإنه أراد أن يشق عصا المسلمين ويفرق الجماعة وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه»([214]). قالوا: والحسين جاء وأمر المسلمين على رجل واحد فأراد أن يفرق جماعتهم.

والطرف الآخر قالوا: بل كان هو الإمام الواجب طاعته الذي لا ينفذ أمر من أمور الإيمان إلا به، ولا تصلى جماعة ولا جمعة إلا خلف من يوليه ولا يجاهد عدو إلا بإذنه ونحو ذلك.

وأما الوسط فهم أهل السنة الذين لا يقولون هذا ولا هذا، بل يقولون قُتل مظلومًا شهيدًا، ولم يكن متوليًا أمر الأمة، والحديث المذكور لا يتناوله فإنه لما بلغه ما فعل بابن عمه مسلم بن عقيل ترك طلب الأمر وطلب أن يذهب إلى يزيد أو إلى الثغر أو إلى بلده فلم يمكنوه وطلبوا منه أن يستأسر لهم وهذا لم يكن واجبًا عليه([215]).


الشيعة نشأة الشيعة وانقسامها إلى رافضة وزيدية

في خلافة أبي بكر وعمر لم يكن أحد يسمى من الشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد لا عثمان ولا عليّ ولا غيرهما.

فلما قتل عثمان تفرق المسلمون فمال قوم إلى عثمان، ومال قوم إلى عليّ، واقتتلت الطائفتان.

قال معاوية لابن عباس: أنت على ملة عليّ؟ فقال: لا على ملة عليّ ولا على ملة عثمان أنا علي ملة رسول الله ﷺ‬.

وكانت الشيعة أصحاب عليّ يقدمون أبا بكر وعمر وإنما كان النزاع في تقدمه على عثمان، ولم يكن حينئذ يسمى أحد إماميًا ولا رافضيًا.

وإنما سموا «رافضة» وصاروا رافضة لما خرج زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في خلافة هشام فسأله الشيعة عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما فرفضه قوم فقال رفضتموني رفضتموني فسموا «رافضة» وتولاه قوم فسموا «زيدية» لانتسابهم إليه. ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى رافضة إمامية، وزيدية.

فشيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي بكر وعمر إلا من كان ينكر عليه ويذمه- مع قلتهم وحقارتهم وخمولهم- وهم ثلاث طوائف: طائفة غلت فيه وادعت فيه الإلهية- فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له، فقال لهم ما هذا؟ قالت: أنت هو. قال: من أنا. قالوا أنت الله الذي لا إله إلا هو. فقال: ويحكم هذا كفر ارجعوا عنه وإلا ضربت أعناقكم، فصنعوا في اليوم الثاني والثالث كذلك، وأخرهم ثلاثة أيام لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام فلما أصروا أمر بأخاديد من نار فخدت عند باب كندة وقذفهم في تلك النار، وقال:

لما رأيت الأمر أمرًا منكرا |

أججت ناري ودعوت قنبرا

وطائفة سبت أبا بكر وعمر- أسهم عبدالله بن سبأ- فطلب علي قتله حتى هرب منه إلى المدائن. وطائفة كانت تفضله حتى قال: لا يبلغني عن أحد أنه فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.

وقد روى عن علي من نحو ثمانين وجهًا أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر([216]).

وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي قال: سأل سائل شريك بن عبدالله فقال له: أيما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، من لم يقل هذا فليس شيعيًا، والله لقد رقى هذه الأعواد عليّ فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. فكيف نرد قوله، وكيف نكذبه والله ما كان كذابًا. نقل هذا عبدالجبار الهمداني في «كتاب تثبيت النبوة» قال: ذكره أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي في اعتراضه على الجاحظ([217]).

لا يعرف في علماء الحديث من يفضل عليًا على أبي بكر وعمر

الحاكم النيسابوري منسوب إلى التشيع، وقد طلب منه أن يروي حديثًا في فضل معاوية فقال: ما يجيء من قلبي، ما يجيء من قلبي. وقد ضربوه على ذلك فلم يفعل، وهو يروي في الأربعين أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث كقوله «بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين» لكن تشيعه وتشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث كالنسائي وابن عبدالبر وأمثالهما لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر؛ فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما؛ بل غاية المتشيع منهم أن يفضله على عثمان أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله ونحو ذلك؛ لأن علماء الحديث قد عصمهم وقيدهم ما يعرفونه من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين، ومن ترفّض ممن له نوع اشتغال بالحديث كابن عقدة وأمثاله فهذا غايته أن يجمع ما يروى في فضائله من المكذوبات والموضوعات لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح من فضائل عليّ، وأصح وأصرح في الدلالة([218]).

عدد فرق الشيعة

الاثنا عشرية فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة. وبالجملة فالشيعة فرق متعددة جدًا. وفرقهم الكبار أكثر من عشرين فرقة([219]).

الزيدية مذهبهم في التفضيل والخلافة والخروج على الأئمة وفي الأحكام

كان زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبدالملك وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي وكان زيد يفضل علي بن أبي طالب على أصحاب رسول الله ﷺ‬ ويتولى أبا بكر وعمر، ويرى الخروج على أئمة الجور فلما ظهر بالكوفة على أصحابه الذين بايعوه وسمع من بعضهم الطعن في أبي بكر وعمر أنكر ذلك على من سمعه منه، فتفرق عنه الذين بايعوه، فقال لهم: رفضتموني. وهم شرذمة، فقاتل يوسف بن عمر فقتل.

قال أبو حاتم البستي: قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعشرين وصلب على خشبة، وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم، وكانت الشيعة تنتحله.

ولما صُلب كانت العباد تأتي إلى خشبته بالليل فيتعبدون عنده.

وقد ذكر هذا أيضًا الأشعري وغيره قالوا: وإنما سموا «زيدية» لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان زيد بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك.

وأما شيعة علي فكثير منهم أو أكثرهم يذم عثمان حتى الزيدية الذين يترحمون على أبي بكر وعمر فيهم من يسب عثمان ويذمه وخيارهم الذي يسكت عنه فلا يترحم عليه ولا يلعنه.

فبينهم وبين المعتزلة نسب راجح من جهة المشاركة في التوحيد والعدل والإمامة والتفضيل.

كثير من خيار الشيعة الزيدية يقولون إن عليًا كان أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان ولكن كانت المصلحة الدينية تقتضي خلافة هؤلاء؛ لأنه كان في نفوس كثير من المسلمين نفور عن علي بسبب مَنْ قتله من أقاربهم فما كانت الكلمة تتفق على طاعته فجاز تولية المفضول لأجل ذلك.

فهذا القول يقوله كثير من خيار الشيعة وهم الذين ظنوا أن عليًا كان أفضل وعلموا أن خلافة أبي بكر وعمر حق لا يمكن الطعن فيها فجمعوا بين هذا وهذا بهذا الوجه.

وهؤلاء عذرهم آثار سمعوها وأمور ظنوها تقتضي فضل علي عليهم.

وقال الشيخ رحمه الله لما ذكر أحاديث الأمر بالكف عن الأمراء كقوله «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال لا ما صلوا»([220]).

فدل على أنه لا يجوز الإنكار عليهم بالسيف كما يراه من يقاتل ولاة الأمر من الخوارج والزيدية والمعتزلة وطائفة من الفقهاء وغيرهم.

من الزيدية والمعتزلة والخوارج من يقول: إن الفسق يحبط الحسنات كلها ولو حبطت حسناته كلها لحبط إيمانه ولو حبط إيمانه لكان كافرًا مرتدًا فيجب قتله.

ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد، وكذلك قوله: } وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا { الآية ...

فالزيدية تقول بقول المعتزلة بتخليد أهل الكبائر في النار. والإمامية على قولين([221]).


الخوارج أئمة هؤلاء، والرافضة شر منهم إذا تمكنوا

الخوارج المارقون أئمة هؤلاء في تكفير أهل السنة والجماعة وفي قتالهم. وسيفهم أول سيف سُلَّ في الإسلام، وقد وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم كالذين خرجوا مع عبدالله بن حسن بن حسين وأخيه إبراهيم بن عبدالله بن حسن بن حسين وغير هؤلاء.

وهذه حالة عامة أهل الأهواء كالجهمية يعاقبون من خالفهم في رأيهم إما بالقتل وإما بالحبس وإما بالعزل ومنع الرزق. والرافضة شر منهم إذا تمكنوا؛ فإنهم يوالون الكفار وينصرونهم، ويعادون من المسلمين كل من لم يوافقهم على رأيهم.

فالرافضة شر من الخوارج في الاعتقاد، لكن الخوارج أجرأ على السيف والقتال منهم، فلإظهار القول ومقاتلة المسلمين جاء فيهم ما لم يجئ فيمن هو من جنس المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

وقد ثبت بالسنة المستفيضة عن النبي ﷺ‬ واتفاق أصحابه أنهم مبتدعون مخطئون ضُلاَّل.

فكيف بالرافضة الذين هم أبعد منهم عن العقل والدين والصدق والشجاعة والورع وعامة خصال الخير([222]).


ما يتولد على الخروج على الأئمة من الشر أعظم مما يتولد من الخير غالبًا

قلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبدالملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على أبيه بخرسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضًا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء.

وغاية هؤلاء إما أن يُغلبوا، وإما أن يَغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة؛ فإن عبدالله بن علي وأبا مسلم قتلا خلقًا كثيرًا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور. وأما أهل الحرة وابن الِأشعث وابن المهلب فهزموا وهزم أصحابهم فلا أقاموا دنيا ولا أبقوا دينًا.

والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من عباد الله المتقين ومن أهل الجنة ... وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة ... ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم([223]).


الشيعة أساس كل فتنة وشر

أما الفتنة فإنما ظهرت في الإسلام من الشيعة فإنهم أساس كل فتنة وشر، وهم قطب رحى الفتن.

فإن أول فتنة كانت في الإسلام قتل عثمان- فسعوا في قتل عثمان وهو أول الفتن. ثم انزووا إلى علي لا حبًا فيه ولا في أهل البيت؛ لكن ليقيموا سوق الفتنة بين المسلمين. ثم هؤلاء الذين سعوا معه منهم من كفره بعد ذلك وقاتله كما فعلت الخوارج وسيفهم أول سيف سل على الجماعة.

ومنهم من أظهر الطعن على الخلفاء الثلاثة كما فعلت الرافضة وبهم تسترت الزنادقة كالغالية من النصيرية وغيرهم ومن القرامطة الباطنية والإسماعيلية وغيرهم. فهم منشأ كل فتنة.

ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأعداء الإسلام المرتدين أتباع مسيلمة الكذاب ويقولون إنهم كانوا مظلومين، وينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي ... ويعاونون الكفار على المسلمين. ويختارون ظهور الكفر وأهله على الإسلام وأهله([224]).


شيوخ الرافضة ليس فيهم إمام في شيء من علوم الإسلام ولا في الزهد وقول الحق

ليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام لا علم الحديث، ولا الفقه، ولا التفسير، ولا القرآن؛ بل شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق كشيوخ أهل الكتاب.

وهذه كتب المسلمين التي ذكر فيها زهاد الأمة ليس فيهم رافضي وهؤلاء المعروفون في الأمة بأنهم يقولون الحق وأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم ليس فيهم رافضي.

والإمامية في الجملة يعتقدون صحة الإسلام في الباطن إلا من كان منهم ملحدًا؛ فإن كثيرًا من شيوخ الشيعة- هو في الباطن على غير اعتقادهم: إما متفلسف ملحد وإما غير ذلك.

وهكذا أهل كل دين تجد فضلاءهم في الغالب إما أن يدخلوا في دين الإسلام الحق، وإما أن يصيروا ملاحدة مثل كثير من علماء النصارى هم في الباطن زنادقة ملاحدة، وفيهم من هو في الباطن يميل إلى دين الإسلام، وذلك لما ظهر لهم من فساد دين النصارى.

ثم من المعلوم لكل عاقل أنه ليس في علماء المسلمين المشهورين أحد رافضي؛ بل كلهم متفقون على تجهيل الرافضة وتضليلهم، وكتبهم كلها شاهدة بذلك. وهذه كتب الطوائف كلها تشهد بذلك مع أنه لا أحد يلجئهم إلى ذكر الرافضة وذكر جهلهم وضلالهم، وهم دائمًا يذكرون من جهل الرافضة وضلالهم ما يعلم معه بالاطراد أنهم يعتقدون أن الرافضة من أجهل الناس وأضلهم وأبعد طوائف الأمة عن الهدى([225]).

منهم: ابن النعمان المفيد، الموسوي، الطوسي، الكراجكي. عمدتهم

من شيوخ الرافضة كابن النعمان المفيد ومتبعيه كالكراجكي وأبي القاسم الموسوي والطوسي وأمثالهم.

فإن الرافضة في الأصل ليسوا أهل علم وخبرة بطريق النظر والمناظرة ومعرفة الأدلة وما يدخل فيها من المنع والمعارضة، كما أنهم من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار والتمييز بين صحيحها وضعيفها.

وإنما عمدتهم في المنقولات على تواريخ منقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب وبالإلحاد.

وعلماؤهم يعتمدون على نقل مثل أبي مخنف لوط بن علي وهشام بن محمد بن السائل وأمثالهما من المعروفين بالكذب عند أهل العلم، مع أن هؤلاء هم أجل من يعمدون عليه في النقل؛ إذ كانوا يعتمدون على من هو في غاية الجهل والافتراء ممن لا يذكرون في الكتب ولا يعرفه أهل العلم بالرجال.

الطوسي شيخ صاحب «منهاج الكرامة» هو ممن يقول: إن الله موجب بالذات، ويقول بقدم العالم كما في «شرح الإشارات» له، وقد اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزير الملاحدة الباطنية الإسماعيلية بالألموت، ثم لما قدم الترك المشركون (هولاكو) أشار عليه بقتل الخليفة وبقتل أهل العلم والدين واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا، وأنه استولى على الوقف الذي للمسلمين وكان يعطي منه ما شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم من النخشية السحرة وأمثالهم.

وأنه لما بنى الرصد الذي بمراغة على طريقة الصابئة المشركين كان أخس الناس نصيبًا منه من كان إلى أهل الملل أقرب، وأوفرهم نصيبًا من كان أبعدهم عن الملل مثل الصابئة المشركين، ومثل المعطلة، وسائر المشركين، وإن ارتزقوا بالنجوم والطب ونحو ذلك.

ومن المشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار بواجبات الإسلام ومحرماته، ولا يحافظون على الفرائض كالصلاة، ولا ينزعون عن محارم الله من الخمر والفواحش وغير ذلك من المنكرات، حتى إنهم في شهر رمضان يذكر عنهم من إضاعة الصلاة وارتكاب الفواحش وفعل ما يعرفه أهل الخبرة بهم. ولم يكن لهم قوة وظهور إلا مع المشركين الذين دينهم شر من دين اليهود والنصارى.

ولهذا كان كل ما قوى الإسلام في المغُل وغيرهم من الترك ضعف أمر هؤلاء لمعاداتهم للإسلام وأهله.

ولهذا كانوا من أنقص الناس منزلة عند الأمير تورون المجاهد في سبيل الله الشهيد الذي دعا ملك المغول غازان إلى الإسلام، والتزم أن ينصره إذا أسلم، وقتل المشركين الذين لم يسلموا من النخشية السحرة وغيرهم، وهدم البذخانات، وكسر الأصنام، ومزق شملها كل ممزق، وألزم اليهود والنصارى الجزية والصغار وبسببه ظهر الإسلام في المغُل وأتباعهم.

وبالجملة فأمر هذا الطوسي وأتباعه في المسلمين أشهر وأعرف من أن يوصف. ومع هذا فقد قيل: إنه في آخر عمره يحافظ على الصلوات ويشتغل بتفسير البغوي والفقه ونحو ذلك. فإن كان قد تاب من الإلحاد، فالله يقبل التوبة عن عباده([226]).


حججهم، وغاية جهلهم

لا يعلم في طوائف أهل البدع أوهي من حجج الرافضة ...

وليس لهم حجة قط تنفق إلا على جاهل أو ظالم صاحب هوى يقبل ما يوافق هواه سواء كان حقًا أو باطلاً.

ولهذا يُقال فيهم: ليس لهم عقل، ولا نقل، ولا دين صحيح، ولا دنيا منصورة.

وقالت طائفة من العلماء: لو علق حكمًا بأجهل الناس لتناول الرافضة مثل أن يحلف أني أبغض أجهل الناس ونحو ذلك.

وأما لو أوصى لأجهل الناس فلا تصح الوصية لأنها لا تكون إلا على قربة([227]).


لا يوجد في الملوك ولا في الوزراء الذين نصروا الإسلام رافضي. أين تجد الرافضة؟

الخلفاء الثلاثة فتحوا الأمصار وأظهرو الدين في مشارق الأرض ومغاربها ولم يكن معهم رافضي.

بنو أمية بعدهم مع انحراف كثير منهم عن علي وسب بعضهم له غلبوا على مدائن الإسلام كلها من مشرق الأرض إلى مغربها، وكان الإسلام في زمنهم أعز منه فيما بعد بكثير.

ولا يوجد في الملوك الذين نصروا الإسلام وأقاموه وجاهدوا أعداءه من هو رافضي.

ولا في الوزراء الذين لهم سيرة محمودة من هو رافضي.

وأكثر ما تجد الرافضة إما في الزنادقة المنافقين الملحدين، وإما في جهال ليس لهم علم بالمنقولات ولا بالمعقولات قد نشئوا بالبوادي والجبال، وتحيزوا عن المسلمين، فلم يجالسوا أهل العلم والدين، وإما في ذوي الأهواء ممن قد حصل له بذلك رياسة أو مال، أو له نسب يتعصب له كفعل أهل الجاهلية، وتجد ظهور الرفض في شر الطوائف كالنصيرية والإسماعيلية والملاحدة الطرقية.

وفيهم من الكذب والخيانة وإخلاف الوعد ما يدل على نفاقهم كما في الصحيحين عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان»([228]) وأكثر ما تجد هذه الثلاث في طوائف أهل القبلة في الرافضة([229]).

مذهب الاثني عشرية جمع عظائم البدع المنكرة

مذهب هؤلاء الإمامية قد جمع عظائم البدع المنكرة فإنهم جهمية، قدرية، رافضة.

وكلام السلف والعلماء في ذم كل صنف من هذه الأصناف لا يحصيه إلا الله، والكتب مشحونة بذلك ككتب الحديث والآثار والفقه والتفسير والأصول والفروع وغير ذلك.

وهؤلاء الثلاثة شر من غيرهم من أهل البدع والمرجئة والحرورية.

وقد اتفق عقلاء المسلمين على أنه ليس في طوائف أهل القبلة أكثر جهلاً وضلالاً وكذبًا وبدعًا وأقرب إلى كل شر وأبعد عن كل خير من طائفة الإمامية.

والله يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي إلى معرفة أقوال الناس ومذاهبهم ما علمت رجلاً له في الأمة لسان صدق متهمًا بمذهب الإمامية فضلاً عن أن يقال يعتقده في الباطن.

وقد اتهم بمذهب الزيدية الحسن بن صالح بن حي وكان فقيهًا زاهدًا. وقيل: إن ذلك كذب عليه ولم يقل أحد إنه طعن في أبي بكر وعمر فضلاً عن أن يشك في إمامتهما([230]).


أول من ابتدع الرفض كان منافقًا زنديقًا أراد إفساد الإسلام

ذكر غير واحد من أهل العلم أن أول من ابتدع الرفض والقول بالنص على عليّ وعصمته كان منافقًا زنديقًا أراد إفساد دين الإسلام، وأراد أن يصنع بالمسلمين ما صنع بولس بالنصارى وذلك في أواخر أيام الخلفاء الراشدين، افترى ذلك عبدالله بن سبأ وطائفته الكذابون فإنه أظهر النسك ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه الأمة لله الحمد لا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق؛ فلا يتمكن ملحد ولا مبتدع من إفساده بغلو أو انتصار على الحق، ولكن يضل من يتبعه على ضلاله.

فمقصود واضعيه الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنًا في دين الإسلام وردوا بها على أقوام- فمنهم من كان صاحب هوى فقبلها لهواه ولم ينظر في حقيقتها.

ومنهم من كان له نظر فتدبرها فوجدها تقدح في الإسلام فقال بموجبها وقدح بها في دين الإسلام: إما لفساد اعتقاده في الدين أو لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين الإسلام.

ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب؛ فإن ما تفعله الرافضة من الأكاذيب تسلطوا به على الطعن في الإسلام، وصارت شبها عند من لم يعرف أنه كذب ولا كان عنده خبرة بحقيقة الإسلام.

وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين، وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث.

كان أئمة العبيديين إنما يقيمون دعواهم بالأكاذيب التي اختلقها الرافضة ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضلال، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة إلى القدح في علي، ثم في النبي، ثم في الإلهية- كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم.

ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد.

ومن نظر في كتب النقل التي اتفق أهل العلم بالمنقولات على صحتها وما تواتر به النقل في كتب الحديث كالصحاح والسنن والمسانيد والمعجمات والأسماء والفضائل وكتب أخبار الصحابة وغير ذلك وكتب السير والمغازي وإن كانت دون ذلك وكتب التفسير والفقه وغير ذلك من الكتب علم بالتواتر اليقيني أن الصحابة y كانوا أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأن أصل كل فتنة وبلية هم الشيعة ومن انضوى إليهم، وكثير من السيوف التي سلت في الإسلام إنما كانت من جهتهم. وعلم أن أصلهم ومادتهم منافقون اختلقوا أكاذيب وابتدعوا آراء فاسدة ليفسدوا بها دين الإسلام، ويستزلوا بها من ليس من أولي الأحلام([231]).


وأمراؤهم أيضًا إنما قصدوا بالملك إفساد الدين

الشيعة كثير منهم يعترفون بأنهم إنما قصدوا بالملك إفساد دين الإسلام ومعاداة النبي ﷺ‬ كما يعرف ذلك من خطاب الباطنية وأمثالهم من الداخلين في الشيعة، فإنهم يعترفون بأنهم في الحقيقة لا يعتقدون دين الإسلام، وإنما يتظاهرون بالتشيع لقلة عقل الشيعة وجهلهم ليتوسلوا بهم إلى أغراضهم وأهوائهم، وأول هؤلاء بل خيارهم هو المختار بن أبي عبيد الكذاب فإنه كان (أمين الشيعة) وقتل عبيد الله بن زياد وأظهر الانتصار للحسين حتى قتل قاتله وتقرب بذلك إلى محمد بن الحنفية وأهل البيت. ثم ادعى النبوة وأن جبريل يأتيه، وثبت في صحيح مسلم عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «سيكون في ثقيف كذاب ومبير»([232]) فكان الكذاب هو المختار، وكان المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي([233]).


غلاة الشيعة: الإسماعيلية، والنصيرية، القرامطة الباطنية

بنو عبيد القداح الذين أقاموا بالمغرب مدة، وبمصر نحو مائتي سنة- هؤلاء باتفاق أهل العلم والدين ملاحدة، ونسبهم باطل، فلم يكن لهم بالرسول نسب في الباطن ولا دين، وإنما أظهروا النسب الكاذب وأظهروا التشيع ليتوسلوا بذلك إلى متابعة الشيعة إذ كانت أقل الطوائف عقلاً ودينًا وأكثرها جهلاً.

وإلا فأمر هؤلاء العبيديين المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر أظهر من أن يخفى على مسلم.

ولهذا جميع المسلمين الذين هم مؤمنون في طوائف الشيعة يتبرءون منهم- فالزيدية والإمامية تكفرهم وتتبرأ منهم، وإنما ينتسب إليهم الإسماعيلية الملاحدة الذين فيهم من الكفر ما ليس لليهود والنصارى كابن الصباح الذي أخرج لهم السكين([234]).

وأئمة الإسماعيلية كالمعز والحاكم وأمثالهما يدعون من علم الغيب وكشف باطن الشريعة وعلو الدرجة أعظم مما تدعيه الاثنا عشرية لأصحابهم، ويضمنون لهم هذا مع استحلال المحرمات وترك الواجبات- فيقولون له: قد أسقطنا عنك الصلاة والصوم والحج والزكاة، وضمنا لك بموالاتنا الجنة ونحن قاطعون بذلك.

وحقيقة قول الإسماعيلية التعطيل.

أما أصحاب الناموس الأكبر والبلاغ الأعظم([235]) الذي هو آخر المراتب عندهم فهم من الدهرية القائلين بأن العالم لا فاعل له ولا علة ولا خالق.

ويقولون ليس بيننا وبين الفلاسفة خلاف إلا واجب الوجود فإنهم يثبتونه وهو شيء لا حقيقة له، ويستهزءون باسم الله ولا سيما هذا الاسم الذي هو الله؛ فإن منهم من يكتبه في أسفل قدميه ويطؤه.

وأما من دون هؤلاء فيقولون بالسابق والتالي الذين عبَّروا بهما عن العقل والنفس عند الفلاسفة والنور والظلمة عند المجوس. والإسماعيلية ملاحدة أكفر من النصيرية([236]).

النصيرية

النصيرية هم من غلاة الرافضة الذين يدعون إلهية علي، وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى باتفاق المسلمين.

ومن شرع النصيرية:

أشهد أن لا إله إلا

حيدرة الأنزع البطين |

أشهد أن لا إله إلا

سلمان ذو القوة المتين

ويقولون إن شهر رمضان أسماء ثلاثين رجلاً- إلى أنواع من الكفر الشنيع يطول وصفها.

والنصيرية يعظمون القائلين بوحدة الوجود كالتلمساني شيخ القائلين بالوحدة، فقد ذهب إلى النصيرية وصنف لهم كتابًا وهم يعظمونه جدًا([237]).

القرامطة الباطنية

وشر من الإسماعيلية قرامطة البحرين أصحاب أبي سعيد الجنابي؛ فإن أولئك لم يكونوا يتظاهرون بدين الإسلام بالكلية، بل قتلوا الحجاج، وأخذوا الحجر الأسود وبقي عندهم مدة، وجرى فيه عبرة حتى أعيد([238]) ومع هذا فلم يسلطوا على الكعبة بإهانة بل كانت معظمة مشرفة وهم كفار من أكفر خلق الله([239]).

التعطيل أعظم من الشرك

الله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته وخلق فيهم الشهوات ليتناولوا بها ما يستعينون به على عبادته، ومن لم يعبد الله فإنه فاسد هالك والله لا يغفر أن يشرك به فيعبد معه غيره؛ فكيف بمن عطل عبادته فلم يعبده البتة كفرعون وأمثاله؟ وقد قال الله تعالى: } إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {([240])، والتعطيل ليس دون الشرك؛ بل أعظم منه؛ فالمستكبر عن عبادته أعظم جرمًا من الذين يعبدونه ويعبدون معه غيره، وهو لا يغفر لهم فأولئك أَوْلَى([241]).


العلم بوجود الصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة

كل من العلم بوجود الصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة متعددة، أما إثبات الصانع فطرقه لا تحصى؛ بل الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري ضروري معروف في الجبلَّة.

وأيضًا فنفس حدوث الإنسان يعلم به صانعه، وكذلك حدوث كل ما يشاهد حدوثه. وهذه الطريقة المذكورة في القرآن.

وأما حدوث العالم فيمكن أن يستدل عليه بالسمع وبالعقل، فإنه يمكن العلم بالصانع إما بالضرورة والفطرة وإما بمشاهدة حدوث المحدثات وإما بغير ذلك ثم يعلم صدق الرسول بالطرق الدالة على ذلك وهي كثيرة.

ودلالة المعجزات طريق من الطرق.

وطريق التصديق لا ينحصر في المعجزات.

ثم يعلم بخبر الرسول حدوث العالم.

وإما بالعقل فمثل أن يقال: لا ريب أنا نشهد الحوادث كحدوث السحاب والمطر والزرع والشجر وحدوث الشمس وحدوث الإنسان وغيره من الحيوان وحدوث الليل والنهار وغير ذلك- ومعلوم بضرورة العقل أن المحدَث لابد له من مُحدِث وأنه يمتنع تسلسل المحدِثات بأن يكون للمحدِث محدث وللمحدث محدث إلى غير نهاية وهذا يسمى تسلسل المؤثرات والعلل والفاعلية وهو ممتنع باتفاق العقلاء.

وكذلك إذا قيل: الموجود إما أن يكون مخلوقًا وإما أن لا يكون مخلوقًا والمخلوق لابد له من موجود غير مخلوق، فثبت وجود الموجود الذي ليس بمخلوق على التقديرين.

وكذلك إذا قيل: الموجود إما غني عن غيره وإما فقير إلى غيره والفقير المحتاج إلى غيره لا تزول حاجته وفقره إلا بغني عن غيره، فيلزم وجود الغني على التقديرين.

وكذلك إذا قيل: الحي إما حي بنفسه وإما حي حياته من غيره وما كانت حياته من غيره فذلك الغير أولى بالحياة، فثبت وجود الحي بنفسه على التقديرين.

وكذلك إذا قيل: العالم إما عالم بنفسه وإما عالم علَّمه غيره ومن علَّم غيره فهو أوْلى أن يكون عالمًا وإذا لم يتعلم من غيره كان عالمًا بنفسه فثبت وجود العالم بنفسه على التقديرين الحاصرين فإنه لا يمكن سوى هذين التقديرين والقسمين.

فإذا كان لا يمكن إلا أحدهما وعلى كل تقدير العالم بنفسه موجود والحي بنفسه موجود والغني بنفسه موجود والقديم الواجب بنفسه موجود لزم وجوده في نفس الأمر وامتنع عدمه في نفس الأمر وهو المطلوب([242]).

المطر معروف عند السلف والخلف أن الله يخلقه من الهواء ومن البخار المتصاعد- لكن خلقه للمطر من هذا كخلق الإنسان من نطفة وخلقه للشجرة والزرع من الحب والنوى فهذا معرفته بالمادة التي خلق منها ونفس المادة لا توجب ما خلق منها باتفاق العقلاء؛ بل لابد مما به يخلق تلك الصورة على ذلك الوجه وهذا هو الدليل على القادر المختار الحكيم الذي يخلق المطر على قدر معلوم وقت الحاجة إليه.

والبلد الجرز يسوق إليها الماء من حيث أمطر كما قال تعالى:

} أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ { فالأرض الجرز لا تمطر ما يكفيها كأرض مصر لو أمطرت المطر المعتاد لم يكفها فإنها أرض إبليز([243]) وإن أمطرت مطرًا كثيرًا مثل مطر شهر خربت المساكن فكان من حكمة الباري ورحمته أن أمطر أرضًا بعيدة ثم ساق ذلك الماء إلى أرض مصر.

فهذه الآية يستدل بها على علم الخالق وقدرته ومشيئته وحكمته وإثبات المادة التي خلق منها المطر والشجر والإنسان والحيوان([244]).

الفرقة الناجية وصف أهل السنة والجماعة لا وصف الرافضة ولا غيرها من الفرق

حديث الفرقة الناجية رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجه، ورواه أهل الأسانيد كالإمام أحمد وغيره([245]).

والحديث روي تفسيره فيه من وجهين: أحدهما أنه ﷺ‬ سُئل عن الفرقة الناجية فقال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، والرواية الأخرى قال: «هم الجماعة».

وكل من التفسيرين يناقض قول الإمامية، ويقتضي أنهم خارجون عن الفرقة الناجية، فإنهم خارجون عن جماعة المسلمين يكفرون أو يفسقون أئمة الجماعة كأبي بكر وعمر وعثمان دع معاوية وملوك بني أمية وبني العباس، وكذلك يكفرون أو يفسقون علماء الجماعة وعبادهم كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء.

وهم أبعد الناس عن معرفة سير الصحابة والاقتداء بهم في حياة النبي ﷺ‬؛ فإن هذا لا يعرفه إلا أهل العلم بالحديث والمنقولات والمعرفة بأخبار الثقات.

وهم من أعظم الناس جهلاً بالحديث لفظًا له ومعاداة لأهله.

فإذا كان وصف الفرقة الناجية اتباع الصحابة على عهد رسول الله ﷺ‬ وذلك شعار السنة والجماعة كانت الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة.

فالسنة ما كان ﷺ‬ هو وأصحابه عليها في عهده مما أمرهم به أو أقرهم عليه أو فعله هو.

وأما الجماعة فهم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعًا.

وأما الذين فرقوا دينهم وكانوا خارجين عن الفرقة الناجية قد برأ الله نبيه منهم.

فعلم بذلك أن هذا وصف أهل السنة والجماعة لا وصف الرافضة، وأن الحديث وصف الفرقة الناجية باتباع السنة التي كان عليها هو وأصحابه وبلزوم جماعة المسلمين.

فإن قيل: فقد قال في الحديث: «على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» فمن خرج عن تلك الطريقة بعده لم يكن على طريقة الفرقة الناجية، وقد ارتد ناس بعده فليسوا من الفرقة الناجية.

قلنا نعم. وأشهر الناس بالردة خصوم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأتباعه كمسيلمة الكذاب وأتباعه وغيرهم. وهؤلاء تتولاهم الرافضة، ويقولون إنهم كانوا على الحق وأن الصديق قاتلهم بغير حق.

ثم أظْهَرُ الناس ردةً الذين حرقهم علي رضي الله عنه بالنار لما ادعوا فيه الإلهية وهم السبأية أتباع عبدالله بن سبأ الذين أظهروا سب أبي بكر وعمر.

وأول من ظهر عنه دعوى النبوة من المنتسبين إلى الإسلام المختار بن أبي عبيد وكان من الشيعة.

فعلم أن أعظم الناس ردة هم في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف، ولهذا لا تعرف ردة أسوأ حالاً من ردة الغالية كالنصيرية ومن ردة الإسماعيلية الباطنية ونحوهم.

فدل على أن المرتدين الذين لم يزالوا مرتدين على أعقابهم هم بالرافضة أوْلى منهم بأهل السنة والجماعة إن كان فيهم مرتد.

ويدل الحديث على أنه لابد أن تفارق هذه الواحدة سائر الثنتين والسبعين.

ويدل على مفارقة الثنتين والسبعين بعضها بعضًا كما فارقت هذه الواحدة. فليس في الحديث ما يدل على اشتراك الثنتين والسبعين في أصول العقائد؛ بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين كل طائفة للأخرى. وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جه ذم لا جهة مدح؛ فإن الله أمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف فقال تعالى:

} وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا {([246]).

وقال تعالى: } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ {([247]) الآيات.

وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقًا في نفسها أوْلى الطوائف بالذم؛ وأقلها افتراقًا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق.

وإذا كانت الإمامية أوْلى بمفارقة سائر الطوائف فهم أبعد من الحق لا سيما وهم في أنفسهم أكثر اختلافًا من جميع فرق الأمة حتى يقال إنها ثنتان وسبعون فرقة.

وقد صنف الحسن بن موسى النوبختي وغيره في تعديد فرق الشيعة.

وأما أهل الجماعة فهم أقل اختلافًا في أصول دينهم من كل طائفة إلى ضدها فهم الوسط في أهل الإسلام، كما أن أهل الإسلام هم الوسط في أهل الملل.

وهم في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل وأهل التمثيل، وقد قال رسول الله ﷺ‬: «خير الأمور أوساطها» وحينئذ أهل السنة والجماعة خير الفرق.

وفي باب القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به.

وفي باب الأسماء والأحكام بين الوعيدية والمرجئة.

وفي باب الصحابة بين الغلاة والجفاة.

فلا يغلون في علي غلو الرافضة، ولا يكفرونه تكفير الخوارج.

ولا يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان كما تفكرهم الرافضة.

ولا يكفرون عثمان وعليًا كما تكفرهما الخوارج.

وأبعد الناس عن هذه الطائفة المهدية المنصورة هم الرافضة لأنهم أجهل وأظلم طوائف أهل الأهواء المنتسبين إلى القبلة ...

فليس الضلال والبغي في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في الرافضة، كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة الذين لا ينتصرون إلا للرسول ﷺ‬ فإنهم خاصته وهو إمامهم المطلق الذين لا يغضبون لقول غيرهم إلا إذا اتبع قوله، ومقصودهم نصر الله ورسوله.

وإن كان الصحابة ثم أهل الحديث والسنة المحضة أوْلى بالهدى ودين الحق أبعد الطوائف عن الضلال والبغي فالرافضة بالعكس.

ودعوى الرافضة أو غيرهم من أهل الأهواء الكفر في كثير ممن سواهم كالخوارج وكثير من المعتزلة والجهمية أنهم هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من سواهم كقول اليهود والنصارى:

}لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{([248]) وهذا عام لكل من عمل لله بما أمره الله فالعمل الصالح هو المأمور به، وإسلام الوجه لله إخلاص وجهه.

ولفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة.

وقد يراد به أهل الحديث وأهل السنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول إن القرآن غير مخلوق وأن الله يُرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة([249]).

حكم الفرق الثنتين والسبعين إذا لم تقع في كفر أو شرك([250])

ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكان عبدالله بن عمر وغيره من الصحابة كانوا يصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضًا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم، كما كان عبدالله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري([251])، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان ومازالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين قالتهم الصديق رضي الله عنه .

هذا مع أمر رسول الله ﷺ‬ بقتالهم في الأحاديث الصحيحة ...

وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

وليس قوله: «ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة»([252]) بأعظم من قوله تعالى:

} إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {([253]) وقوله تعالى: } وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {([254]) وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار.

ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب أو كانت له حسنات ماحية أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك.

الرافضة كثير منهم ليسوا منافقين ولا كفارًا؛ بل بعضهم له إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يرجى له مغفرة الله، لكن الجهل بمعنى القرآن والحديث شامل لهم كلهم؛ فليس فيهم إمام من أئمة المسلمين في العلم والدين.

الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق كثير مسلمون ظاهرًا وباطنًا ليسوا زنادقة منافقين لكنهم جهلوا واتبعوا أهواءهم.

والردة قد تكون عن أصل الإسلام كالغالية من النصيرية والإسماعيلية فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة .. وقد تكون الردة عن بعض الدين كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم. والله تعالى يقيم قومًا يحبهم ويحبونه يجاهدون من ارتد عن الدين أو بعضه كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين في كل زمان([255]).


أهل البدع أهل الشبهات

أهل البدع ابتدعوا بدعًا خلطوها بما جاءت به الرسل، وفرقوا دينهم وكانوا شيعًا، فكان في كل فريق منهم حق وباطل، وهم يكذبون بالحق الذي مع الفريق الآخر، ويصدقون بالباطل الذي معهم، وبسبب ذلك وقعت الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد. وهذا حال أهل البدع كلهم فإن معهم حقًا وباطلاً فهم فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل فريق يكذب بما مع الآخر من الحق بما معه من الباطل كالخوارج والشيعة.

والخوارج يكذبون بما ثبت من فضائل أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ؛ ويصدقون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويصدقون بما ابتدعوه من تكفيره وتكفير من يتولاه ويحبه.

والشيعة يصدقون بما روي في فضائل عليّ رضي الله عنه . ويكذبون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويصدقون بما ابتدعوه من التكفير والطعن في أبي بكر وعمر وعثمان.

وأهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع أمورهم، فهم في علي وسط بين الخوارج والروافض، وكذلك في عثمان هم وسط بين المروانية والزيدية، وكذلك في سائر الصحابة وسط بين الغلاة فيهم والطاعنين عليهم([256]).


أصول فقه الشيعة الرافضة لهم في دينهم عقليات وشرعيات([257])

الرافضة لهم في دينهم عقليات وشرعيات فالعقليات متأخروهم فيها على مذهب المعتزلة، إلا من تفلسف منهم فيكون إما فيلسوفًا أو ممتزجًا من فلسفة واعتزال ويضم إلى ذلك الرفض.

وأما شرعياتهم فعمدتهم فيها على ما ينقل عن أهل البيت ...

لكن كثيرًا مما ينقل عن أهل البيت كذب، والرافضة لا خبرة لها بالأسانيد والتمييز بين الثقات وغيرهم([258]).

عمدتهم في التفسير

الرافضة لا تعتني بحفظ القرآن ومعرفة معانيه وتفسيره وطلب الأدلة الدالة على معانيه.

ومن صنف منهم في تفسير القرآن فمن تفاسير أهل السنة يأخذ كما فعل الطوسي والموسوي والمراد بأهل السنة في هذا الموضع من يقر بخلافه الثلاثة. فالمعتزلة داخلون في أهل السنة وهم إنما يستعينون في التفسير والمنقولات بكلام المعتزلة، وكذلك بحوثهم العقلية فما كان فيها من صواب فإنما أخذوه عن أهل السنة، والذي يمتازون به هو كلامهم في ثلب الصحابة والجمهور ودعوى النص ونحو ذلك مما هم به أخلق وهو بهم أشبه([259]).

عمدتهم في الحديث

وأما في الحديث فهم من أبعد الناس عن معرفته لا إسناده ولا متنه، ولا يعرفون الرسول وأحواله، ولهذا إذا نقلوا شيئًا من الحديث كانوا من أجهل الناس به، وأي كتاب وجدوا فيه ما يوافق هواهم نقلوه من غير معرفة بالحديث.

ولو أنهم ينقلون ما لهم وما عليهم من الكتب التي ينقلون منها مثل تفسير الثعلبي وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل وفضائل الصحابة لأبي نعيم وما في كتاب أحمد من زيادات القطيعي وزيادات ابن أحمد لانتصف الناس منهم، لكن لا يصدقون إلا بما يوافق قلوبهم([260]).

عمدتهم في الفقه

وأما الفقه فهم من أبعد الناس عن الفقه، وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ينقلونها عن بعض علماء أهل البيت كعلي بن الحسين وابنه أبي جعفر محمد وجعفر بن محمد وهؤلاء y من أئمة الدين وسادات المسلمين، لكن لا ينظرون في الإسناد إليهم هل ثبت النقل عنهم أم لا؛ فإنه لا معرفة لهم بصناعة الحديث والإسناد، ثم الواحد من هؤلاء إذا قال قولاً لا يطلبون دليله من الكتاب والسنة ولا ما يعارضه ولا يردون ما تنازع فيه المسلمون إلى الله ورسوله كما أمر الله به ورسوله، بل قد أصَّلوا لهم ثلاثة أصول:

1-أن كل واحد من هؤلاء إمام معصوم بمنزلة النبي لا يقول إلا حقًا، ولا يجوز لأحد أن يخالفه، ولا يرد ما ينازعه فيه غيره إلى الله والرسول فيقولون عنه ما كان هو وأهل بيته يتبرءون منه.

2-أن كل ما يقوله واحد من هؤلاء فإنه قد علم منه أنه قال أنا أنقل كل ما أقوله عن النبي ﷺ‬([261]) وياليتهم قنعوا بمراسيل التابعين كعلي بن الحسين؛ بل يأتون إلى من تأخر زمانه كالعسكريين فيقولون كل ما قاله واحد من أولئك فالنبي قد قاله.

وكل من له عقل يعلم أن العسكريين بمنزلة أمثالهما ممن كانوا في زمانهما من الهاشميين ليس عندهم من العلم ما يمتازون به عن غيرهم ... فيريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء هو قول الرسول ﷺ‬ الذي بعثه الله إلى جميع العالمين بمنزلة القرآن والمتواتر من السنن، وهذا مما لا يبني عليه دينه إلا من كان من أبعد الناس عن طريقة أهل العلم والإيمان.

3-أن إجماع الرافضة هو إجماع العترة، وإجماع العترة معصوم. والعترة عندهم هم الاثنا عشر. ويدَّعون أن ما نقل عن أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه.

فصارت هذه الأقوال التي فيها صدق وكذب على أولئك بمنزلة القرآن لهم وبمنزلة السنة المسموعة من الرسول وبمنزلة إجماع الأمة وحدها([262]).

وكل عاقل يعرف دين الإسلام وتصور هذا فإنه يمجه أعظم مما يمج الملح الأجاج والعلقم، لا سيما من كان له خبرة بطرق أهل العلم، لا سيما مذاهب أهل الحديث وما عندهم من الروايات الصادقة التي لا ريب فيها عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ...

والمدعون إجماع العترة يدعون ذلك في مسائل لا نص فيها، بل النص على خلافها، فصاروا لذلك لا ينظرون إلى دليل ولا تعليل؛ بل خرجوا عن الفقه في الدين، كخروج الشعرة من العجين.

ومن توابع ذلك أنهم إذا اختلفوا في مسألة على قولين وكان أحد القولين يعرف قائله والآخر لا يعرف قائله فالصواب عندهم القول الذي لا يعرف قائله. قالوا لأن قائله إذا لم يعرف كان من أقوال المعصوم فهل هذا إلا من أعظم الجهل؟!

وكذلك لا يعتمدون على القياس وإن كان جليًا([263]).


مصنفاتهم في الخلاف وأصول الفقه، والأحوال والزهد والرقائق والعبادات والدعوات وغير ذلك

وإذا صنف واحد منهم كتابًا في الخلاف وأصول الفقه كالموسوي وغيره؛ فإن كانت المسألة فيها نزاع بين العلماء أخذوا حجة من يوافقهم واحتجوا بما احتج به أولئك، وأجابوا عما يعارضهم بما أجاب به أولئك، فيظن الجاهل أن هذا قد صنف كتابًا عظيمًا في الخلاف والفقه والأصول، ولا يدري الجاهل أن عامته استعارة من كلام علماء أهل السنة الذين يكفرهم ويعاديهم.

وما انفردوا به فلا يساوي مداده، فإن المداد ينفع ولا يضر، وهذا يضر ولا ينفع.

وإذا كانت المسألة مما انفردوا به اعتمدوا على تلك الأصول الثلاثة التي فيها من الجهل والضلال ما لا يخفى.

وكذلك كلامهم في الأحوال والزهد والرقائق والعبادات والدعوات وغير ذلك.

وكذلك إذا نظرت ما فيهم من العبادات والأخلاق المحمودة تجده جزءًا مما عليه الجمهور([264]).


الشيعة كل ما خالفو فيه أهل السنة كلَّهم فهم مخطئون فيه

الله تعالى قد ضمن العصمة للأمة فمن تمام العصمة أن يجعل عددًا من العلماء إذا أخطأ الواحد في شيء كان الآخر قد أصاب فيه حتى لا يضيع الحق؛ ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل كان الصواب في قول الآخر؛ فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلاً.

وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم فهم مخطئون فيه، كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين.

فالإمامية لا يرجعون في شيء عما ينفردون به عن الجمهور إلى حجة أصلاً لا عقليه ولا سمعية ولا نص ولا إجماع([265]).


أهل السنة هم الذين حفظ الله بهم الدين

المسلمون الذين يقيمون دين الإسلام في الشرق والغرب قديمًا وحديثًا هم الجمهور.

والرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام ونقض عراه وإفساد قواعده.

والقدر الذي عندهم من الإسلام إنما قام بسبب قيام الجمهور به.

ولهذا قراءة القرآن فيهم قليلة، ومن يحفظه حفظًا جيدًا فإنما تعلمه من أهل السنة.

وكذلك الحديث إنما يعرف ويصدق فيه أهل السنة.

وكذلك الفقه والعبادة والزهد والجهاد والقتال إنما هو لعساكر أهل السنة، وهم الذين حفظ الله بهم الدين علمًا وعملاً بعلمائهم وعُبَّادهم ومقاتليهم.

والرافضة من أجهل الناس بدين الإسلام، وليس للإنسان منهم شيء يختص به إلا ما يسر عدو الإسلام ويسوء وليه فأيامهم في الإسلام كلها سود([266]).


فقه الشيعة أحكامهم الفروعية أقسام ثلاثة

شيوخ الرافضة يزعمون أنهم تلقوا عن الأئمة الشرائع، وقولوهم في الشرائع غالبه موافق لمذهب أهل السنة، ولهم مفردات عن المذاهب الأربعة قال بها غيرهم من السلف وأهل الظاهر وفقهاء المعتزلة وغير هؤلاء فهذه ونحوها من مسائل الاجتهاد التي يهون الأمر فيها.

ولهم مفردات شنيعة لم يوافقهم عليها أحد ولا يعرف لها أصل لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا سبقهم إليها أحد([267]).

من مفرداتهم الشنيعة والتي شابهوا فيها اليهود أو النصارى:

ليس في الطوائف المنتسبين إلى الإسلام أبعد من الرافضة فلهذا تجد ما انفردوا به عن الجماعة أقوالاً في غاية الفساد مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود. وقد تواترت النصوص عن النبي ﷺ‬ بتعجيل المغرب([268]).

ومثل صومهم قبل الناس بيومين مضاهاة لمبتدعة أهل الكتاب الذين عدلوا عن الصوم بالهلال إلى الاجتماع وجعلوا الصوم بالحساب. وفي الصحيحين عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»([269]) «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا»([270]«فإن غمَّ عليكم فاقدروا له»([271]) وفي رواية «فأكملوا العدة»([272]).

ومثل تحريمهم لبعض أنواع السمك مضاهاة لليهود في تحريم الطيبات.

ومثل معاونة الكفار على قتال المسلمين، وترغيب الكفار في قتال المسلمين. وهذا لا يعرف لأحد من فرق الأمة.

ومثل تنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة. وهذا من جنس دين السامرة وهم رافضة اليهود، هم في اليهود كالرافضة في المسلمين.

والرافضة تشابههم في وجوه كثيرة، فإن السامرة لا تؤمن بنبي بعد موسى وهارون غير يوشع، وكذلك الرافضة لا تقر لأحد من الخلفاء والصحابة بفضل ولا إمامة إلا لعلي.

والسامرة تنجس وتحرم ما باشره غيرهم من المائعات، وكذلك الرافضة.

والسامرة لا يأكلون إلا ذبائح أنفسهم، وكذلك الرافضة فإنهم يحرمون ذباح أهل الكتاب، ويحرم أكثرهم ذبائح الجمهور لأنهم مرتدون وعندهم ذبيحة المرتد لا تباح.

والسامرة فيهم كبر وروعونة وحمق ودعاو كاذبة مع القلة والذلة وكذلك الرافضة.

والرافضة تجعل الصلوات الخمس ثلاث صلوات، فيصلون دائمًا الظهر والعصر وجميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، وهذا لم يذهب إليه غيرهم من فرق الأمة، وهو يشبه دين اليهود فإن الصلوات عندهم ثلاث.

وغلاة العباد يوجبون على أصحابهم صلاة الضحى والوتر وقيام الليل فتصير الصلاة عندهم سبعًا وهو دين النصارى.

والرافضة لا تصلي جمعة ولا جماعة لا خلف أصحابهم ولا غير أصحابهم ولا يصلون إلا خلف المعصوم ولا معصوم عندهم وهذا لا يوجد في سائر الفرق أكثر مما يوجد في الرافضة فسائر أهل البدع سواهم لا يصلون الجمعة والجماعة إلا خلف أصحابهم كما هو دين الخوارج والمعتزلة وغيرهم، وأما أنهم لا يصلون ذلك بحال فهذا ليس إلا للرافضة.

ومن ذلك أنهم لا يؤَمِّنون في الصلاة أو بعضهم، وهذا ليس لأحد من فرق الأمة؛ بل هو دين اليهود، فإن اليهود حسدوا المؤمنين على التأمين.

وقد حكى طائفة عن بعضهم أنه يحرم لحم الإبل، وذلك لركوب عائشة على الجمل وهذا من أظهر الكفر فهو من جنس دين اليهود، وكثير من عامتهم يقولون: إن الطلاق لا يكون إلا برضى المرأة وعلماؤهم ينكرون هذا. وهذا لم يقله أحد من غيرهم، وهم يقولون بإمام منتظر موجود غائب لا يعرف له عين ولا أثر، ولا يعلم بحس ولا خبر، لا يتم الإيمان إلا به.

وكذلك إقامة المأتم والنوائح ولطم الخدود وشق الجيوب وفرش الرماد وتعليق المسوح وأكل المالح حتى يعطش ولا يشرب ماء تشبها بمن ظلم وقتل ...([273]). لا يعرف لغيرهم من طوائف الأمة. ومفاريد الرافضة التي تدل على غاية الجهل والضلال كثيرة.

وكل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي ﷺ‬ لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم([274]).

لا يغسلون الرجلين ولا يمسحون على الخفين

قوله تعالى: } فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ {([275]).

لفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة؛ فإن المسح جنس تحته نوعان: الإٍسالة، وغير الإسالة. كما تقول العرب: تمسحت للصلاة. فما كان بالإسالة فهو الغسل ...

وقد تواترت السنة عن النبي ﷺ‬ بالمسح على الخفين وغسل الرجلين([276]).

والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة كما تخالف الخوارج نحو ذلك مما يتوهمون أنه مخالف لظاهر القرآن؛ بل تواتر غسل الرجلين والمسح على الخفين أعظم من تواتر قطع اليد في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو عشرة دراهم أو نحو ذلك.

وفي ذكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيها كثيرًا، وفيه اختصار للكلام؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه إذا كان فعلاهما من جنس واحد اكتفي بذكر أحد النوعين.

وهذه الآية فيها قراءتان مشهورتان الخفض والنصب.

فالذين قرءوا بالنصب قال غير واحد منهم أعاد الأمر إلى الغسل أي وامسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، والقراءتان كالآيتين.

ومن قال: إنه عطف على محل الجار والمجرور يكون المعنى واسمحوا برءوسكم وامسحوا أرجلكم إلى الكعبين.

وقولك مسحت الرجل. ليس مرادفًا لقولك: مسحت بالرجل. فإنه إذا عدى بالباء أريد به معنى الإلصاق. أي ألصقت به شيئًا.

وإذا قيل: مسحته لم يقتض ذلك أن يكون ألصقت به شيئًا وإنما يقتضى مجرد المسح باليد بالإجماع.

فتعين إذن أنه مسحه بالماء وهو مجمل فسرته السنة كما في قراءة الجر.

وفي الجملة فالقرآن ليس فيه نفي إيجاب الغسل؛ بل فيه إيجاب المسح فلو قدر أن السنة أوجبت قدرًا زائدًا على ما أوجبه القرآن لم يكن في هذا رفع لموجب القرآن، فكيف إذا فسرته وبينت معناه([277])؟!


والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها

في الصحيح عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «وددت أنَّا رأينا إخواننا» قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد»، قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله فقال: «أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض»([278]) الحديث.

فهذا يبين أن كل من توضأ وغسل وجهه ويديه ورجليه فإن من الغر المحجلين، وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدمون أبا بكر وعمر.

والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها فلا يكونون محجلين في الأرجل.

وقد ثبت في الصحيحن في النبي ﷺ‬ أنه قال: «ويل للأعقاب وبطون الأرجل من النار»([279]).


خُمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم ويصرف إلى نائب المعصوم عند الرافضة

الخُمس اختلف اجتهاد العلماء فيه فقالت طائفة سقط بموت النبي ﷺ‬، ولا يستحق أحد من بني هاشم شيئًا بالخمس إلا أن يكون فيهم يتيم أو مسكين فيعطى لكونه يتيمًا أو مسكينًا. وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره.

وقالت طائفة: بل هو لقربى ولي الأمر بعده، فكل ولي أمر يعطى أقاربه. وهذا قول طائفة منهم الحسن وأبو ثور فيما أظن، وقد نقل هذا القول عن عثمان رضي الله عنه .

وقالت طائفة: بل الخمس يقسم خمسة أخماس بالسوية، وهو قول الشافعي وأحمد في المشهور عنه.

وقالت طائفة بل الخمس إلى اجتهاد الإمام يقسمه بنفسه في طاعة الله ورسوله كما يقسم الفيء، وهذا قول أكثر السلف، وهو قول عمر بن عبدالعزيز، وهو مذهب أهل المدينة مالك وغيره، وهو الرواية الأخرى عن أحمد وهو أصح الأقوال، وعليه يدل الكتاب والسنة.

وأما ما تقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم ويصرف إلى من يرونه هو نائب المعصوم أو إلى غيره فهذا قول لم يقله قط أحد من الصحابة لا علي ولا غيره ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من القرابة لا بني هاشم ولا غيرهم.

وكل من نقل هذا عن علي أو علماء أهل بيته كالحسن والحسين وعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وجعفر بن محمد فقد كذب عليهم فإن هذا خلاف المتواتر من سيرة علي رضي الله عنه فإنه قد تولى الخلافة أربع سنين وبعض أخرى ولم يأخذ من أموالهم شيئًا، بل لم يكن في ولايته قط خمس مقسوم.

أما المسلمون فما خمَّس هو ولا غيره أموالهم وأما الكفار فإذا غنمت منهم أموال خمست بالكتاب والسنة؛ لكن في عهده لم يتفرغ المسلمون لقتال الكفار بسبب ما وقع بينهم من الفتنة والاختلاف.

وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي ﷺ‬ لم يخمس أموال المسلمين ولا طالب أحدًا قط من المسلمين بخمس ماله، بل إنما كان يأخذ منهم الصدقات([280]) ويقول ليس لآل محمد منها شيء([281])، وكان يأمرهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم، وكان ﷺ‬ يقسم ما أفاء الله على المسلمين يقسم الغنائم بين أهلها ويقسم الخمس والفيء([282]).


الرافضة تبيح المتعة وهي محرمة حتى عند أهل البيت

ثبت عن النبي ﷺ‬ أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه([283]) وأنه قال لابن عباس رضي الله عنه لما أباح المتعة: «إنك امرؤ تائه إن رسول الله ﷺ‬ حرم المتعة وحرم الحُمُر الأهلية عام خيبر» رواه الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها وأئمة الإسلام في زمنهم مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممن اتفق على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح يتلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.

وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة ... والصواب أنها بعد أن حرمت عام الفتح لم تحل بعد ذلك.

وروي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنها([284]).

وأهل السنة يتبعون عمرَ وعليًا رضي الله عنهما وغيرهما من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي ﷺ‬.

والشيعة خالفوا عليًا فيما رواه عن النبي ﷺ‬ واتبعوا قول من خالفه.

وأيضًا فإن الله سبحانه إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين.

والتمتع بها ليست واحدة منهما، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا ولوجب عليها عدة الوفاة ولحقها الطلاق الثلاث؛ فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى قال الله تعالى:

} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {([285]) والمستمتَعُ بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين فتكون حرامًا بنص القرآن.

أما كونها ليست مملوكة فظاهر.

وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها، فإن من لوازم النكاح كونه سببًا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه والطلاق الثلاث وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول وغير ذلك من اللوازم.

وأما قوله: } وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ {([286]) فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى حلال؛ فإنه لم يقل وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى؛ بل قال: } فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ { فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع سواء كان حلالاً أو وطيء شبهة؛ ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق، والمتمتع إذا اعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر. وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآية فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنًا ولا مهر فيه، وإن كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور([287]).


زيادتهم في الأذان حي على خير العمل

وهم قد زادوا في الأذان شعارًا لم يكن على عهد النبي ﷺ‬ ولا نقل أحد أن النبي ﷺ‬ أمر بذلك في الأذان، وهو قولهم (حي على خير العمل) وغاية ما ينقل إن صح النقل أن بعض الصحابة كابن عمر رضي الله عنهما كان يقول ذلك أحيانًا على سبيل التوكيد.

كما كان بعضهم يقول بين الندائين: (حين على الصلاة حي على الفلاح) وهذا يسمى نداء الأمراء، وبعضهم يسميه التثويب- رخص فيه بعضهم وكرهه أكثر العلماء ورووا عن ابن عمر وابنه وغيرهما كراهية ذلك.

ونحن نعلم بالاضطرار أن الأذان الذي كان يؤذن به بلال وابن أم مكتوم في مسجد رسول الله ﷺ‬ بالمدينة وأبو محذورة بمكة وسعد القرظ في قباء لم يكن فيه هذا الشعار الرافضي، ولو كان فيه لنقله المسلمون ولم يهملوه كما نقلوا ما هو أيسر منه، فلما لم يكن في الذين نقلوا الأذان من ذكر هذه الزيادة علم أنها بدعة باطلة.

وهؤلاء الأربعة كانوا يؤذنون بأمر النبي ﷺ‬، ومنه تعلموا الأذان، وكانوا يؤذنون في أفضل المساجد مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد قباء، وأذانهم متواتر عند العامة والخاصة.

ومعلوم أن نقل المسلمين للأذان أعظم من نقلهم إعراب آية كقوله } وَأَرْجُلَكُمْ { ونحو ذلك.

ولا شيء أشهر في شعائر الإسلام من الأذان فنقله أعظم من نقل سائر شعائر الإسلام.

وإن قيل فقد اختلف في صفته.

قيل: بل كل ما ثبت به النقل فهو صحيح سنة.

ولا ريب أن تعليم النبي ﷺ‬ أبا محذورة الأذان وفيه الترجيع والإقامة مثناة كالأذان([288])،([289]).

ذكر غير الشهادتين في الأذان من أعظم الضلال

كما أن الشهادتين ليس فيهما إلا ذكر الله ورسوله لا في الأذان ولا في الصلاة ولا غير ذلك- فلو ذكر غير الله ورسوله من الأئمة كان ذلك من أعظم الضلال([290]).

تخصيص علي بالصلاة عليه دون غيره خطأ

الشيعة تخص عليًا بالصلاة عليه دون غيره ويجعلون ذلك كأنه مأمور في حقه بخصوصه دون غيره وهذا خطأ بالاتفاق، فالله تعالى أمر بالصلاة على نبيه ﷺ‬ وقد فسر النبي ﷺ‬ ذلك بالصلاة عليه وعلى آله- فيصلي على جميع آله تبعًا له، وآل محمد عند الشافعي وأحمد الذين حرمت عليهم الصدقة.

وذهب طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما إلى أنهم أمة محمد ﷺ‬.

وقالت طائفة من الصوفية: إنهم الأولياء من أمته وهم المؤمنون المتقون.

والذي قالته الحنفية وغيرهم أنه إذا كان عند قوم لا يصلون إلا عليّ دون الصحابة فإذا صلى على عليّ ظن أنه منهم فيكره لئلا يظن به أنه رافضي.

فإما إذا علم أنه يصلي على عليّ وعلى سائر الصحابة لم يكره ذلك. وهذا القول يقوله سائر الأئمة فإنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبًا. ومن هنا ذهب مَنْ ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارًا لهم. فإنه وإن لم يكن الترك واجبًا لذلك لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميز السني من الرافضي ومصلحة التميز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب.

لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس بمشروع دائمًا. ولم يوجب أهل السنة الصلاة على غير النبي ﷺ‬ لا أئمتهم ولا غيرهم لأن إيجاب هذا من البدع المضلة المخالفة لشريعة الله تعالى([291]).


الترضي عن علي وحده أو الاثني عشر بدعة منكرة أو نقشهم على حائط أو تلقينهم لميت. قصدهم من ذلك

أهل السنة لا يقولون إن ذكر الخلفاء في الخطبة فرض؛ بل يقولون إن الاقتصار على عليّ وحده أو ذكر الاثنى عشر هو البدعة المنكرة التي لم يفعلها أحد لا من الصحابة ولا من التابعين ولا من بني أمية ولا من بني العباس.

كما يقولون: إن سب علي أو غيره من السلف بدعة منكرة. وأعظم من ذلك نقشهم على حائط أو تلقينهم لميت فهذا هو البدعة المنكرة التي تعلم بالاضطرار من دين الإسلام، لأنها من أعظم الأمور المبتدعة في دين الإسلام.

مع أن الذين يذكرونهم قصدهم معاداة سائر المسلمين، والاستعانة على ذلك بالكفار والمنافقين، وإطفاء ما بعث الله به رسوله ﷺ‬ من الهدى ودين الحق الذي وعد الله أن يظهره على الدين كله، وفتح باب الزندقة والنفاق لمن يريد إفساد الملة.

ولو ترك الخطيب ذكر الأربعة لم ينكر عليه.

وإنما المنكر الاقتصار على واحد دون الثلاثة السابقين الذين كانت خلافتهم أكمل، وسيرتهم أفضل، كما أنكر عمر على أبي موسى ذكره دون أبي بكر مع أن عمر كان هو الحي خليفة الوقت([292]).

ما كان مشروعًا لم يترك لأجل فعل أهل البدع لا الرافضة ولا غيرهم

الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعًا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع لا الرافضة ولا غيرهم.

منها مسألة التسطيح([293]).

والاستظلال بالمحمل وإن كان ذلك قول الرافضة.

وكذلك قال مالك: إن السجود يكره على غير جنس الأرض، والرافضة يمنعون السجود على غير الأرض.

وكذلك أحمد بن حنبل يستحب المتعة متعة الحج ويأمر بها. ويستحب هو وغيره من الأئمة أئمة الحديث لمن أحرم مفردًا أو قارنًا أن يفسخ ذلك إلى العمرة ويصير متمتعًا؛ لأن الأحاديث الصحيحة جاءت بذلك، حتى قال سلمة للإمام أحمد: يا أبا عبدالله قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة (متعة الحج) فقال: يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق وكنت أدفع عنك والآن ثبت عندي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثًا صحيحًا عن النبي ﷺ‬ أتركها لقولك.

ولا كل ما أنكره الناس عليهم يكون باطلاً؛ بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض، والصواب مع من وافقهم.

لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها([294]).

فقهاء أهل البيت علماء أهل البيت أئمة أهل السنة أيضًا

لم تأتم الشيعة بإمام ذي علم وزهد إلا وأهل السنة يأتمون به وبجماعة آخرين شاركوهم في العلم والزهد؛ بل هم أعلم منه وأزهد([295]).

علم عليّ رضي الله عليه

أدرك النبي ﷺ‬ وهو مميز، وهو الثقة الصدوق فيما يخبر به عن النبي ﷺ‬ وأصحاب النبي ﷺ‬ من أصدق الناس حديثًا عنه لا يعرف عنهم من يتعمد عليه كذبًا.

وعلي رضي الله عنه له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقية ما هو أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله؛ فإن السيف خاصته القتال.

وعليّ رضي الله عنه تعلم من أبي بكر بعض السنة.

وعلماء الكوفة الذي صحبوا عمر وعليًا كعلقمة والأسود وشريح وغيرهم كانوا يرجحون قول عمر على قول علي، وأما تابعو المدينة ومكة والبصرة فهذا عندهم أظهر وأشهر من أن يُذكر، وإنما ظهر علمه وفقهه في الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته. ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان.

وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من عليّ، ولهذا روى أهل اليمن عن معاذ بن جبل أكثر مما رووا عن عليّ، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل، ولما قدم عليّ الكوفة كان شريح فيها قاضيًا وهو وعبيدة السلماني تفقها على غيره([296]).

مما روي في علمه

وأما قوله «أقضاكم علي» فهذا الحديث لم يثبت وليس له إسناد تقوم به الحجة ...

وقول عمر: علي أقضانا. إنما هو في فصل الخصومات في الظاهر مع جواز أن يكون في الباطن بخلافه ...

وحديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» أضعف وأوهى؛ ولهذا إنما يعد في الموضوعات وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي وبين أن سائر طرقه موضوعة. والكذب يعرف من نفس متنه؛ فإن النبي ﷺ‬ إذا كان مدينة العلم ولم يكن لها إلا باب واحد ولم يبلغ عنه العلم إلا واحد فسد أمر الإسلام ...

فعلم أن الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحًا وهو يطرق الزنادقة إلى القدح في دين الإسلام إذا لم يبلغه إلا واحد.

ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير عليّ. أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ظاهر، وكذلك الشام والبصرة؛ فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن عليّ إلا شيئًا قليلاً، وإنما كان غالب علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلاً عن علي.

وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر([297]).

ما نسب إليه من العلوم الباطلة

والقرامطة الباطنية ينسبون قولهم إليه وأنه أعطى علمًا باطنًا مخالفًا للظاهر. وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عهد إلي النبي ﷺ‬ شيئًا لم يعهده إلى الناس إلا ما في هذه الصحيفة وكان فيها العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر إلا فهما يؤتيه الله عبدًا في الكتاب»([298]).

ومن الناس من ينسب إليه الكلام في الحوادث كالجفر وغيره([299]) وآخرون ينسبون إليه البطاقة([300]) وأمور أخرى يعلم أن عليًا بريء منها([301]).

الحسن والحسين رضي الله عنهما: روايتهما: وعلمهما، وزهدهما

أما الحسن والحسين فمات النبي ﷺ‬ وهما صغيران في سن التمييز فروايتهما عنه ﷺ‬ قليلة.

وأما كونهما أزهد الناس في زمانهما وأعلمهم فهذا قول بلا دليل.

وكان الحسن يأخذ عن أبيه وغيره حتى أخذ عن التابعين. وهذا من علمه ودينه رضي الله عنه ([302]).

ابن عباس رضي الله عنه روايته وفتاويه

ابن عباس يروي عن غير واحد من الصحابة- يروي عن عمر وأبي هريرة وعبدالرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب وأسامة بن زيد وغير واحد من المهاجرين والأنصار. وروايته عن علي قليلة جدًا، ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئًا من حديث عن علي، وخرجوا حديثه عن عمر وعبدالرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم.

وأيضًا فالتفسير أخذ عن عمر، وابن عباس أخذ عن ابن مسعود وغيره من الصحابة الذين لم يأخذوا عن علي شيئًا، وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ثابت عنه.

وهذه كتب التفسير والحديث مملوءة بالآثار عن الصحابة والتابعين والذي فيها عن عليّ قليل جدًّا.

وكان ابن عباس يفتي بقول أبي بكر وعمر، ونازع عليًا في مسائل مثل ما أخرج البخاري في صحيحه قال أتى علي بقوم زنادقة فحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس، فقال أما لو كنت لم أحرقهم لنهي النبي ﷺ‬ أن يعذب بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله ﷺ‬: «مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه»([303]) فبلغ ذلك عليًا فقال ويح ابن عباس ما أسقطه على الهَنَّات([304]).


علي بن الحسين: روايته، وما روي عنه، ومناقبه

أخذ العلم عن غير الحسين أكثر مما أخذ عن الحسين، فإن الحسين قتل سنة إحدى وستين وعلي صغير، فلما رجع إلى المدينة أخذ عن علماء أهل المدينة، فإن علي بن الحسين أخذ عن أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وصفية وأخذ عن ابن عباس والمسور بن مخرمة وأبي رافع مولى النبي ﷺ‬ ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وغيرهم.

وأما ثناء العلماء على علي بن الحسين ومناقبه فكثيرة. وقال الزهري: لم أدرك بالمدينة أفضل من علي بن الحسين. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: هو أفضل هاشمي رأيته بالمدينة. وقال حماد بن زيد: سمعت عليّ بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته يقول: أيها الناس أحبونا بحب الإسلام فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارًا. ذكره محمد بن سعد في الطبقات: أنبأنا عارم، أنبأنا حماد. ثم قال ابن سعد قالوا: وكان عليّ بن الحسين ثقة مأمونًا كثير الحديث عاليًا رفيعًا. وروى عن شيبة بن نعامة قال كان عليّ بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يعول أهل مائة بيت بالمدينة في السر.

وله من الخشوع وصدقة السر وغير ذلك من الفضائل ما هو معروف، حتى إنه كان من صلاحه ودينه يتخطى مجالس أكابر الناس ويجالس زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب وكان من خيار أهل العلم والدين من التابعين، فيقال له: تدع مجالس قومك وتجالس هذا فيقول: إنما يجلس الرجل حيث يجد صلاح قلبه.

وروى عنه أبو سلمة بن عبدالرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري والزهري وأبو الزناد وزيد بن أسلم وابنه وأبو جعفر.

محمد بن علي الباقر: مَنْ أخذ عنه، ومَنْ روى عنه، وعلمه

محمد بن علي الباقر من خيار أهل العلم والدين. وقيل إنما سمي الباقر لأنه بقر العلم، لا لأجل بقر السجود جبهته.

أخذ العلم عن جابر وأنس بن مالك، وروى أيضًا عن ابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة. وعن سعيد بن المسيب ومحمد بن الحنفية وعبدالله بن أبي رافع كاتب علي.

وروى عنه أبو إسحاق الهمداني وعمرو بن دينار والزهري وعطاء بن أبي رباح وربيعة بن أبي عبدالرحمن والأعرج وهو أسن منه وابنه جعفر وابن جريج ويحيى بن أبي كثير والأوزاعي وغيرهم.

وأما كونه أعلم أهل زمانه- فهذا يحتاج إلى دليل، والزهري من أقرانه وهو عند الناس أعلم منه بأحاديث النبي ﷺ‬ وأحواله وأقواله([305]).


جعفر بن محمد (الصادق)

جعفر الصادق رضي الله عنه من خيار أهل العلم والدين- أخذ العلم عن جده أبي أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعن محمد بن المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وعطاء بن أبي رباح.

وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وحاتم بن إسماعيل، وحفص بن غياث، ومحمد بن إسحاق بن يسار.

وقال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.

ومالك لم يروِ عن أحد من ذريته إلا عن جعفر تسعة أحاديث وجعفر هو من أقران أبي حنيفة، ولم يكن أبو حنيفة يأخذ عنه مع شهرته بالعلم.

وبالجملة فهؤلاء الأئمة الأربعة- مالك والشافعي وأبو يوسف وأحمد- ليس فيهم من أخذ عن جعفر شيئًا من قواعد الفقه.

لكن رووا عنه أحاديث كما رووا عن غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام فلم يخرج له([306]).

ما كذب عليه

والآفة وقعت في الكذابين عليه لا منه؛ ولهذا نسبت إليه أنواع من الأكاذيب مثل كتاب البطاقة والهفت والكلام في النجوم وفي مقدمة المعرفة من جهة الرعود والبروق واختلاج الأعضاء وغير ذلك([307])، حتى نقل عنه أبو عبدالرحمن السلمي في «حقائق التفسير» من الأكاذيب ما نزه الله جعفرًا عنه. وحتى إن من أراد أن يحقق أكاذيب نسبها إلى جعفر، حتى إن طائفة من الناس يظنون أن «رسائل إخوان الصفا» مأخوذة عنه، وهذا من الكذب المعلوم فإن جعفر توفي سنة ثمان وأربعين ومائة، وهذه الرسائل صنفت بعد ذلك بنحو مائتي سنة لما ظهرت دولة الإسماعيلية الباطنية الذين بنوا القاهرة المعزِّية سنة بضع وخمسين وثلاثمائة، وفي تلك الأوقات صنفت هذه الرسائل بسبب ظهور هذا المذهب الذي ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض.

وإن زعم زاعم أنه كان عندهم من العلم المخزون ما ليس عند أولئك لكن كانوا يكتمونه- فأي فائدة للناس في العلم المكتوم ...

وإن قال كانوا يبينون ذلك لخواصهم دون هؤلاء الأئمة قيل: أولاً هذا كذب عليهم؛ فإن جعفر بن محمد لم يجئ بعده مثله وقد أخذ العلم عن هؤلاء الأئمة كمالك وابن عيينة وشعبة والثوري وابن جريج ويحيى بن سعيد وأمثالهم من العلماء المشاهير الأعيان. ثم من ظن أن هؤلاء السادة يكتمون العلم عن مثل هؤلاء ويخصون به قومًا مجهولين ليس لهم في الأمة لسان صدق فقد أساء الظن بهم([308]).

أما موسى بن جعفر

أما موسى بن جعفر فقال فيه أبو حاتم الرازي: ثقة أمين صدوق من أئمة المسلمين.

قلت: موسى ولد بالمدينة سنة بضع وعشرين ومائة، وأقدمه المهدي إلى بغداد، ثم ردَّه إلى المدينة، وأقام بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفًا من عمرة فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفي في حبسه.

وليس له كثير رواية؛ روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه علي، وروى له الترمذي وابن ماجه([309]).


علي بن موسى

له من المحاسن والمكارم المعروفة والممادح المناسبة للحالة اللائقة به ما يعرفه بها أهل المعرفة.

وفي زمانه من هو أعلم وأزهد منه كالشافعي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأشهب بن عبدالعزيز وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء.

هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئًا ولا روى له شيء في كتب السنة.

وإنما يروي له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخًا عن آبائه فيها من الأكاذيب ما نزه الله عنه الصادقين منهم([310]).


محمد بن علي الجواد

كان من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء والسؤدد ولهذا سمي (الجواد) ومات وهو ابن خمس وعشرين سنة.

وكان المأمون زوجه بابنته، وكان يرسل إليه في السنة ألف ألف درهم، واستقدمه المعتضد إلى بغداد ومات بها رضي الله عنه .

وقال الشيخ رحمه الله: وأما موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي- فلا يستريب من له من العلم نصيب أن مالك بن أنس وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والليث بن سعد والأوزاعي ويحيى بن سعيد ووكيع بن الجراح وعبدالله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأمثالهم أعلم بحديث رسول الله ﷺ‬ من هؤلاء. وهذا أمر تشهد به الآثار التي تعاين وتسمع.

ومما يبين ذلك أن القدر الذي ينقل عن هؤلاء من الأحكام المسندة إلى النبي ﷺ‬ ينقل عن أولئك ما هو أضعافه.

وأما دعوى المدعي أن كل ما أفتى به الواحد من هؤلاء فهو منقول عنده عن النبي ﷺ‬ فهذا كذب على القوم؛ فإنهم كانوا يميزون بين ما يروونه عن النبي ﷺ‬ وبين ما يقولون من غير ذلك، وكان علي رضي الله عنه يقول: إذا حدثتكم عن رسول الله ﷺ‬ فوالله لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة([311]).

علي بن محمد الهادي ويقال له العسكري

ذكر عنه حكاية منقطعة الإسناد مع أنه ليس فيها من الفضيلة إلا ما يوجد في كثير من عامة المسلمين ويوجد فيهم ما هم أعظم منها([312]).


الحسن بن علي العسكري

العلماء المعروفون بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن علي العسكري ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم وشيوخ كتب أهل السنة البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كانوا موجودين في ذلك الزمان وقريبًا منه قبله وبعده.

وقد جمع الحافظ أبو القاسم بن عساكر أسماء شيوخ الكل- يعني شيوخ هؤلاء الأئمة. فليس في هؤلاء من روى عن الحسن بن علي العسكري مع روايتهم عن ألوف مؤلَّفة من أهل الحديث([313]).


محمد بن الحسن العسكري (المنتظر)

المنتظر لا وجود له، ومفقود لا منفعة لهم فيه([314]).


خلاصة في فضل وعلم أئمة الاثني عشرية

الأئمة الاثنا عشرية- منهم عليّ رضي الله عنه، والثلاثة أفضل منه وأكمل خلافة وإمامة.

وأما سائر الاثني عشر فهم أصناف: منهم من هو من الصحابة المشهود لهم بالجنة كالحسن والحسين وشركهما في ذلك خلق كثير من الصحابة المشهود لهم بالجنة.

وفي السابقين الأولين من هو أفضل منهما مثل أهل بدر، وهما وإن كانا سيدا شباب أهل الجنة فأبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة، وهذا الصنف أكمل من هذا الصنف.

وفي الاثنى عشر من هو مشهور بالعلم والدين كعلي بن الحسين وابنه أبي جعفر وابنه جعفر بن محمد- وهؤلاء لهم حكم أمثالهم- ففي الأمة خلق كثير مثل هؤلاء وأفضل منهم.

وفيهم المنتظر لا وجود له ومفقود ولا منفعة لهم فيه.

وأما سائرهم ففي بني هاشم من العلويين والعباسيين جماعات مثلهم في العلم والدين ومن هو أعلم وأدين منهم([315]).


الشافعي المطلبي

الشافعي لما كان عنده من العلم والفقه ما يستفاد منه عرف المسلمون له ذلك واستفادوا منه وظهر ذكره بالعلم والفقه([316]).


بنو هاشم في زمن الشيخ

واعتبر ذلك بما تجده في زمانك من أهل العلم بالقرآن والحديث والفقه فإنك تجد كثيرًا من بني هاشم لا يحفظ القرآن ولا يعرف من حديث النبي ﷺ‬ إلا ما شاء الله ولا يعرف معاني ذلك.

فإذا قال هذا: روى جدنا، عن جبريل، عن الباري.

قيل: نعم. وهؤلاء أعلم منكم بما روى جدكم عن جبريل، وأنتم ترجعون في ذلك إليهم.

وإن قال: مرادي بهؤلاء الأئمة الاثنا عشر.

قيل له: ما رواه علي بن الحسين وأبو جعفر وأمثالهما من حديث جدهم فمقبول منهم كما يرويه أمثالهم.

ولولا أن الناس وجدوا عند مالك والشافعي وأحمد أكثر مما وجدوه عند موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي لما عدلوا عن هؤلاء إلى هؤلاء([317]).




([1]) منهاج السنة النبوية جزء (1/2).

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات (80) ب (33)، وأخرجه مسلم في باب الصلاة على النبي ﷺ‬ بعد التشهد ج(1) ص(306)، وأخرجه الإمام أحمد ج (5) ص (374) بلفظ «اللهم صلِّ على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته» الحديث.

([3]) } فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ { [الذاريات: 26].

} فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ { [الحجر: 65].

([4]) سورة الأحزاب الآيات (30- 33).

([5]) منهاج السنة النبوية طبعة بولاق ص (21، 105، 65، 66) ومنهاج السنة ج2 الناشر (مكتبة الرياض الحديثة) ص(336، 337).

([6]) وتقدم تخريجه.

([7]) أخرجه مسلم رقم (215) وأخرجه البخاري ك (78) ب (14) والإمام أحمد ج (4) ص (203).

([8]) رواه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل «إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا».

([9]) سورة التحريم آية: (4).

([10]) أخرجه مسلم ك (2) ص (249)، والبخاري ك (4) ب (3).

([11]) ج (4) ص (21، 22).

([12]) كذا بالأصل. ولعله: غير صحيحة.

([13]) سورة آل عمران آية: (110).

([14]) ج (3) ص (223- 225، 241، 242),

([15]) ويأتي ذكر من نقل ذلك من الأئمة كأبي القاسم الطبري في «شرح أصول السنة» وغيره.

([16]) ج (1) (229، 296) ويأتي الكلام حول الشرائع التي تلقوها عند ذكر «أصول فقه الشيعة».

([17]) سورة لقمان آية: (25).

([18]) سورة المؤمنون الآيتان: (86، 87).

([19]) ج (2) ص (76، 77، 135) وانظر مجموع الفتاوى ج (3) ط الرياض عام (81) ج (3) ص (40) ج (1) ص 89).

([20]) بشيءٍ من التفصيل.

([21]) سورة الشورى آية: (110).

([22]) في الصحاح والسنن والمسانيد- انظر صحيح البخاري ج (8) ص (179- 186)، وصحيح مسلم جـ 1 ص (163- 171) وسنن أبي داود جزء (4) ص (233، 234) وسنن ابن ماجه وسنن الترمذي وقد استوفاها ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وذكر الآيات ووضح الدلالة منها رحمه الله.

([23]) وهو موجود مخطوط في ألمانيا الشرقية بليبرج رقم (318/ 1)، وقد طبع منه ثلاثة أجزاء وبقي اثنان للتحقيق، وموجود مصور في مكتبة الأستاذ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بالمدينة المنورة.

([24]) انظر المصورة المذكورة ص (57).

([25]) انظر المصورة ص (45).

([26]) انظر ص (46) من المصورة المذكورة.

([27]) انظر ص (47) من المصورة المذكورة، وذكر نحو ذلك عن علي بن الحسين أيضًا.

([28]) انظر ص (50) من المصورة المذكورة.

([29]) ج (2) ص (335) ج (1) ص (288) وانظر ج (12) مجموع الفتاوى ص (119).

([30]) ويأتي تسمية بعض المؤلفات في ذلك. وتقدم أن من تلك المؤلفات الجامعة لذكر عقائد السلف وأهل البيت في التوحيد والقدر والتفضيل والإمامة وغير ذلك «كتاب شرح أصول السنة» لللالكائي رحمه الله وروايته بالسند المتصل إليهم.

([31]) ج (2) ص (143، 144، 96- 105، 111).

([32]) وهم يدخلون في التوحيد نفي الصفات والقول بأن القرآن مخلوق وأن الله لا يُرى في الآخرة كما يأتي. ويدخلون في العدل التكذيب بالقدر. وعليهم مآخذ في النبوة. وأما الإمامة فقالوا فيها أسخف قول وأفسده في العقل والدين- كما يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

([33]) ج (4) ص (145) ج (1) ص (230، 29) ج (2) ص (335).

([34]) القول بأن الله جسم أو ليس بجسم مما تنازع فيه أهل الكلام والنظر وهي مسألة عقلية، والناس فيها على ثلاثة أقوال: نفي، وإثبات، ووقف وتفصيل، وهذا هو الصواب الذي عليه السلف والأئمة. وقد بسطه ابن تيمية رحمه الله في رسالته التدميرية وغيرها.

([35]) ج (1) ص (19، 20) ج (2) ص (96- 105) ج (1) ص (288، 229، 365، 257، 318، 319، 320) ج (1) ص (346، 348).

([36]) ويأتي إن شاء الله ذكر مشابهتهم للنصارى في الرسالة عند ذكر إمامهم المنتظر.

([37]) سورة نوح الآيتان: (23، 24).

([38]) أخرجه مسلم ك (5 ح (531) «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا. وأخرجه البخاري ك (8) ب (55).

([39]) ك (5) ح (532) «ألا وإن من كان قبلكم» الحديث.

([40]) رواه أحمد وأبو حاتم في صحيحه.

([41]) رواه مالك في الموطأ.

([42]) ج (1) ص (174- 179) ج (2) ص (115).

([43]) سورة البقرة آية: (217).

([44]) سورة المائدة الآيتان: (59، 60).

([45]) ج (1) ص (177- 179)، قلت: وقد قال حافظ إبراهيم يخاطب الشيخ محمد عبده/

إمام الهدى إني أرى الناس أحدثوا |

لهم بدعًا عنها الشريعة تعزف

رأوا في قبور الميتين حياتهم

فقاموا إلى تلك القبور وطَوَّفوا

وباتوا عليها عاكفين كأنهم

على صنم في الجاهلية عُكَّف

اهـ. من «مشكلات الأحاديث النبوية» تأليف عبدالله بن علي النجدي القصيمي (المطبعة الرحمانية بمصر عام 1353هـ).

([46]) ج (2) ص (73) وانظر مجموع الفتاوى ج (8) ص (459) وج (3) ص (113) وتقدم بعض ما يتعلق بالقدر.

([47]) كما تقدم في أصولهم الأربعة، وكذلك المعتزلة أصولهم الخمسة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبه تتعلق مسائل الإمامة.

([48]) ج (1) ص (357، 284، 258، 29) وانظر الفتاوى ج (8) ص (452) ج (1) ص (39، 40) ج (2) ص (73، 38) ج (1) ص (364، 366).

([49]) ج (1) ص (357، 358).

([50]) القدرية حدثوا في أوائل المائة الأولى من زمن ابن الزبير وعبدالملك.

([51]) سورة الحجرات آية: (17).

([52]) سورة الزخرف آية: (32).

([53]) سورة طه آية: (112).

([54]) ج (3) ص (23) ج (2) ص (40، 33) ج (1) ص (42، 368، 361، 366).

([55]) سورة الأعراف آية: (89).

([56]) سورة إبراهيم آية: (13).

([57]) ج (1) ص (174، 306) ج (4) ص (37) ج (2) ص (335، 133).

([58]) سورة الأعراف آية: (33).

([59]) سورة الأعراف آية: (29).

([60]) ج (3) ص (247- 257).

([61]) ج (3) ص (257، 259، 117).

([62]) يعني الرافضي.

([63]) سورة النساء آية: (59).

([64]) ج (1) ص (305).

([65]) ج (1) ص (177) ج (3) ص (173، 175، 309، 310).

([66]) سورة النساء آية: (59).

([67]) البخاري ك (64 ب (59) في المغازي وفي الأحكام وفي خبر الواحد. ورواه مسلم رقم (1840) بلفظ «لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف».

([68]) أخرجه أحمد ج (1) ص (40) ج (5) ص (66).

([69]) «من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه» أخرجه ابن ماجه في الجهاد رقم (40).

([70]) ج (2) ص (106).

([71]) أخرجه مسلم رقم (1855).

([72]) أخرجه مسلم رقم (1854).

([73]) ج (1) ص (35، 36) ج (2) ص (109، 105، 112).

([74]) سورة النساء آية: (59).

([75]) رواه مسلم رقم (648) في المساجد وفي الإمارة رقم (1837).

([76]) صحيح مسلم رقم (1298) «إن أمر عليكم عبد مجدع حبشيًا قالت أسود» الحديث.

([77]) البخاري ك (93) ب (4).

([78]) البخاري ك (93) ب (2) «ما بقي منهم اثنان» مسلم رقم (1828).

([79]) صحيح مسلم رقم (1818) البخاري ك (61) ب (1).

([80]) صحيح مسلم رقم (1819).

([81]) البخاري ك (61) ب (2).

([82]) ج (2) ص (105).

([83]) ج (4) ص (24) ج (1) ص (225).

([84]) ج (4) ص (238) ج (3) ص (213).

([85]) ج (4) ص (118).

([86]) ج (3) ص (216).

([87]) ج (3) ص (214).

([88]) المعنى أنهم تحيروا في الحكم عليه بالكفر أو الإيمان لما رأوا له من الفضائل ولما زعموا أنهم رأوا له من الأحداث التي لا توافق سيرة الصحابة (انظر الملل والنحل ج 1 ص161).

([89]) ج (1) ص (357) ج (4) ص (118).

([90]) ج (4) ص (209).

([91]) ويأتي أنه إنما ينطبق على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد وعبدالملك وأولاده وبينهم عمر بن عبدالعزيز.

([92]) أخرجه مسلم رقم (1821) البخاري ك (93) ب (51) بلفظ «يكون اثنا عشر أميرًا» الحديث.

([93]) صحيح مسلم رقم (1821).

([94]) «لا يزال الإسلام عزيزًا» (1821) صحيح مسلم و «لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة .. كلهم من قريش».

([95]) ج (4) ص (213، 207) ج (3) ص (117) ج (1) ص (195، 211).

([96]) ج (2) ص (164، 190) ج (3) ص (248) ج (1) ص (29، 37).

([97]) ج (2) ص (143، 144، 129- 133).

([98]) ج (3) ص(248)، ج (2) ص (171، 170) ج (1) ص (307، 308) ج (4) ص (213).

([99]) سورة الأنعام آية: (87).

([100]) سورة التوبة آية: (100).

([101]) سورة الحديد آية: (10).

([102]) سورة التحريم الآيتان: (10، 11).

([103]) ج (4) ص (199، 200).

([104]) أخرجه مسلم ص (1783) «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم».

([105]) أخرجه البخاري «الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» جزء (4) ص (122) ومسلم ج (4) ص (1958) وأحمد ج (2) ص (260، 438، 485، 498).

([106]) ج (2) ص (338، 342).

([107]) أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.

([108]) ج (3) ص (172، 173).

([109]) ج (3) ص (134) ج (2) ص (226) ج (4) ص (29، 30، 90) ويأتي أن أهل السنة ليسوا من الناصبة.

([110]) موجودة وهي الجزء الحادي عشر في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري بالمدينة رقم (327) وذكر أنه وجده في المكتبة الظاهرية بدمشق.

([111]) موجود مطبوع.

([112]) يطبع الآن في مطبعة طيبة وموجود مصور في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري في المدينة.

([113]) مصور عند الشيخ حماد الأنصاري وذكر أنه كبير وصغير- الصغير طبع والكبير يحقق.

([114]) مطبوع بتحقيق الشيخ محمد حامد فقي عام 1369هـ.

([115]) طبع منه ثلاثة أجزاء، وبقي اثنان للتحقيق، والمخطوط المصور لدى الشيخ حماد الأنصاري ومنه نسخة خطية بالظاهرية رقم (37، 124، 3) ومنه نسخة خطية (بليبرج رقم 1318).

([116]) كتاب الأسماء والصفات وليس له كتاب في السنة (ذكره الشيخ حماد).

([117]) أما السنة لأبي ذر الهروي والطلمنكي فلم يعثر عليهما بعد.

([118]) عند الشيخ حماد محقق.

([119]) طبعته جامعة أم القرى في مجلدين.

([120]) مخطوط لدى الشيخ حماد الأنصاري.

([121]) مصور لدى الشيخ حماد في ثمان مجلدات.

([122]) ج (4) ص (105) قلت: وقد ذكرتُ في جزء (أبو بكر الصديق أفضل الصحابة وأحقهم بالخلافة) وهو مخطوط ذكرت الأجوبة عما استدلت به الرافضة على أفضلية علي رضي الله عنه وأحقيته بالخلافة.

([123]) وتقدم تخريجه ص (42).

([124]) كذا بالأصل. ولعله: هو الذي يصلي بالناس الصلوات.

([125]) ج (4) ص (206 - 211).

([126]) سورة النور آية: (55).

([127]) سورة الفتح آية: (29).

([128]) سورة المائدة آية: (3).

([129]) ج (1) ص (209، 210).

([130]) الرافضة تطعن في جميع الصحابة إلا بضعة عشر ج (4) ص (29).

([131]) ج (3) ص (39، 40) ج (4) ص (29).

([132]) ج (4) ص (128).

([133]) ج (3) ص (157، 158) ج (3) ص (115).

([134]) ذكرها الشيخ في المنهاج جزء (3) ص (179).

([135]) ج (3 /115) وقد ذكر الجواب مفصلاً.

([136]) سورة الحشر الآيات: (8- 10).

([137]) ج (1) ص (204، 6 - 10).

([138]) سورة الأنعام آية: (159).

([139]) سورة آل عمران الآيتان: (102، 103).

([140]) سورة آل عمران الآيتان: (105، 107).

([141]) سورة الأحزاب آية: (58).

([142]) ج (3) ص (33، 31).

([143]) أخرجه مسلم (2540) والبخاري ك (62) ب (5) وفي رواية «كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله ﷺ‬: لا تسبوا أصحابي».

([144]) أخرجه البخاري ك (92) ب (8) ومسلم ص (81).

([145]) سورة الحجرات آية: (11).

([146]) سورة التوبة آية: (58).

([147]) سورة محمد آية: (19).

([148]) فكان النبي ﷺ‬ يصلي على كل من مات من المسلمين وقد نهي عن الصلاة على المنافقين كما قال تعالى: } وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ {.

([149]) } اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ { الآية.

([150]) ج (3) ص (58، 59) ج (2) ص (294، 295).

([151]) ج (1) ص (345، 346) لعله: القائمين بواجباته.

([152]) رواه مسلم رقم (78) باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي عنهم منهم من الإيمان أوله «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه .. إلخ» رواه الترمذي والنسائي.

([153]) ج 2 ص (329، 320، 311).

([154]) ج (1) ص (226).

([155]) ج (2) ص (157).

([156]) ج (2) ص (336).

([157]) ج (4) ص (107 - 109) ج (2) ص (157، 214، 336، 337) ج (3) ص (8).

([158]) سورة آل عمران آية: (33).

([159]) سورة المائدة الآيات: (27- 31).

([160]) سورة التوبة آية: (113).

([161]) سورة القصص آية (56) أخرجه مسلم ص (54) والبخاري ك (23) ب (81).

([162]) أخرجه مسلم ص (55)

([163]) صحيح مسلم ص (195) والبخاري ك (78) ب (115).

([164]) صحيح مسلم ص (195) والبخاري ك (81) ب (51) إلا أنه قال: «يغلي منه أم دماغه».

([165]) ج (2) ص (248، 249).

([166]) سورة هود الآية: (46).

([167]) سورة هود الآية: (42).

([168]) سورة هود الآية: (46).

([169]) سورة التحريم الآية: (10).

([170]) أخرجه البخاري ك(42) ب (2، 15) و ك (64) ب (34) ومسلم ك (49) ح (56 - 58).

([171]) ج(2) ص(246، 249، 250) وانظر بعض فضائل عائشة ج(2) ص(228، 241، 242).

([172]) سورة الحديد آية (23).

([173]) ج (4) ص (263) ج (2) ص (215).

([174]) المجادلة الآيات (14 - 19).

([175]) صحيح البخاري كتاب الإيمان ب (24) وصحيح مسلم ص (78).

([176]) ج (2) ص (115، 103) ج (3) ص (38، 39).

([177]) بياض بالأصل وهي سنة 699 وغازان قازان ملك المغول وهو أخو خدابنده الذي ألف له الرافضي (منهاج الكرامة) وانظر البداية والنهاية ج (14) ص (699).

([178]) سورة آل عمران آية: (28).

([179]) صحيح مسلم ص (69).

([180]) ج (3) ص (259 - 261) ج (4) ص (41) ج (1) ص (18).

([181]) سور آل عمران آية: (28).

([182]) ج (1) ص (213، 18).

([183]) سورة الزمرة آية: (32).

([184]) سورة الزمرة آية: (33).

([185]) ج (4) ص (51 - 53، 227).

([186]) سورة المائدة آية: (55).

([187]) سورة الرحمن آية: (19).

([188]) سورة الرحمن آية: (22).

([189]) سورة يس آية: (12).

([190]) سورة آل عمران آية: (33).

([191]) سورة التوبة آية: (12).

([192]) سورة الإسراء آية: (60)

([193]) سورة البقرة آية: (67).

([194]) سورة الزمر آية: (65).

([195]) ج (2) ص (111) ج (4) ص (110) ج (1) ص (209) قال المؤلف رحمه الله بعد أن استعرض تفاسير الرافضة لهذه الآيات:

وأمثال هذا الكلام الذي لا يقوله من يؤمن بالله وكتابه وهو بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن قال: وكذلك قول القائل } مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ { علي وفاطمة } بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ { النبي ﷺ‬ } يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ { الحسن والحسين. وكل من له أدنى علم وعقل يعلم بالاضطرار بطلان هذا التفسير وأن ابن عباس لم يقله، وهذا من التفسير الذي في تفسير الثعلبي وذكره بإسناد رواته مجهولون لا يعرفون عن سفيان الثوري وهو كذب على سفيان.

قال الثعلبي: أخبرني الحسن بن محمد الدينوري حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبدالله قال: قرأ أبي عَلَي أبي محمد بن الحسن بن علوية القطان من كتابه وأنا أسمع حدثنا بعض أصحابنا حدثنا رجل من أهل مصر يقال له طسم حدثنا أبو حذيفة عن أبيه عن سفيان الثوري في قوله } مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ { قال فاطمة وعلي } يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ { الحسن والحسين. وهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض لا يثبت بمثله شيء, ومما يبين كذب ذلك وجوه:

أحدها: أن هذا في سورة الرحمن وهي مكية بإجماع المسلمين والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة.

الثاني: أن تسمية هذين بحران وهذا لؤلؤ وهذا مرجان وجعل النكاح مرجا أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه لا حقيقة ولا مجازًا، بل كما أنه كذب على الله وعلى القرآن فهو كذب على اللغة.

الثالث: أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم ...

الرابع: أن الله ذكر أنه مرج البحرين في آية أخرى فقال في الفرقان: } وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ { فلو أراد بذلك عليًا وفاطمة لكان ذلك ذمًا لأحدهما بإجماع أهل السنة والشيعة.

الخامس: أنه قال: } بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ { فلو أريد بذلك علي وفاطمة لكان البرزخ الذي هو النبي ﷺ‬ بزعمهم أو غيره هو المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر. وهذا بالذم أشبه منه بالمدح.

السادس: أن أئمة التفسير متفقون على خلاف هذا كما ذكره ابن جرير وغيره فقال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام. وقال الحسن يعني بحر فارس والروم (وبينهما برزخ) وهو الجزائر وقوله } يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ { قال الزجاج من البحر المالح وإنما جمعهما لأنه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما مثل } وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا { ... وقال ابن جرير إنما قال منهما لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء.

(وأما اللؤلؤ والمرجان) ففيهما قولان أحدهما: أن المرجان ما صغر من اللؤلؤ واللؤلؤ العظام قاله الأكثرون .. (ج 4 ص 66 - 68) ومضى في بيان بطلان بقية تفاسيرهم لبعض الآيات انظر ج (4) ص (68 - 80) فليرجع إليه من أراده.

([196]) ج (1) ص (16 - 18).

([197]) ج (4) ص (11).

([198]) سورة العنكبوت آية: (68).

([199]) ج (2) ص (299، 255) ج (1) ص (227).

([200]) سورة المدثر آية: (11)

([201]) صحيح مسلم رقم الحديث (675).

([202]) رواه البخاري في الصوم (باب صيام يوم عاشوراء) وكذلك رواه مسلم.

([203]) سورة البقرة آية: (196).

([204]) ج (1) ص (10، 7، 20، 13) ج (3) ص(43، 44) ج (2) ص (121، 180 - 183).

([205]) ج (1) ص (12).

([206]) ج (1) ص (16).

([207]) ج (3) ص (44).

([208]) ج (3) ص (44) ج (2) ص (322، 323) ج (1) ص (171).

([209]) ج (4) ص (324).

([210]) صحيح البخاري ك (62) ب (22).

([211]) ج (2) ص (323) ج (3) ص (226).

([212]) الحسن، لكن لم يثبت ببينة شرعية أو إقرار معتبر ولا نقل يجزم به أن معاوية هو الذي سمَّه؛ لكن يقال إن امرأته هي التي سمته.

([213]) ج (2) ص (331، 322، 323) ج (2) ص (291، 150 - 152).

([214]) صحيح مسلم رقم الحديث (1852) «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».

([215]) ج (3) ص (322).

([216]) أخرجه البخاري ك (62) ب (5) جزء (4) ص (195).

([217]) ج (1) ص (226 - 228، 110) ج (4) ص (137) ج (1) ص (4).

([218]) ج (4) ص (99).

([219]) ج (2) ص (129).

([220]) صحيح مسلم رقم (1480، 1481) «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» صحيح مسلم رقم (1481، 1482) وتقدم قوله ﷺ‬: «ما أقاموا الدين» أخرجه البخاري في باب الأمراء من قريش.

([221]) ج (2) ص (130 - 133، 107، 108، 109، 106) ج (1) ص (9، 10، 286) ج (3) ص (19، 219، 278).

([222]) ج (2) ص (316، 317) ص (229).

([223]) ج (2) ص (313، 314).

([224]) ج (3) ص (241).

([225]) ج (4) ص (76) ج (1) ص (226، 227) ج (3) ص (264) ج (2) ص (122، 123).

([226]) ج (1) ص (16) ج (2) ص (122).

([227]) ج (4) ص (47).

([228]) تقدم تخريجه في موالاة الرافضة لأعداء الله.

([229]) ج (1) ص (223) ج (4) ص (41) ج (3) ص (258).

([230]) ج (2) ص (178) ج (1) ص (345).

([231]) ج (3) ص (208، 261، 243) ج (4) ص (269، 3، 60، 210، 266) ج (1) ص (8، 4).

([232]) صحيح مسلم ك (44) ص (2545) بلفظ «إن في ثقيف كذابًا ومبيرًا» وفي مسند أحمد ج (2) ص (187، 91) والترمذي في الفتن (44) وفي المناقب (73).

([233]) ج (1) ص (220).

([234]) اتخذ الحسن بن الصباح مبدأ القتل والاغتيال وسيلة لتحقيق أهدافه (انظر عنه وعن أتباعه من طائفة الإسماعيلية الملل والنحل ج 1 ص 175).

([235]) مؤلفه أبو القاسم القيرواني سالم.

([236]) ج (3) ص (228) ج (2) ص (309، 137) ج (1) ص (320).

([237]) ج (2) ص (309) ج (1) ص (350) ج (1) ص (320).

([238]) ج (1) ص (281) (وانظر مجموع الفتاوى) ج (2) ص (446، 447) والفهارس العامة لمجموع الفتاوى ج (1) ص (21 - 31).

قال ابن كثير رحمه الله: وقد ذكر غير واحد أن القرامطة لما أخذوه حملوه على عدة جمال فعطبت تحته واعترى أسنمتها القرح، ولما ردوه حمله قعود واحد ولم يصبه أذى.

ومكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه [البداية والنهاية ج (1 / 161، 223)]. وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً فقال: قد أحل الله سبحانه بأصحاب الفيل (وكانوا نصارى) ما ذكره في كتابه ولم يفعلوا بمكة شيئًا مما فعله هؤلاء، ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس بل ومن عبدة الأصنام ... فهل لا عوجلوا بالعذاب والعقوبة؟

وقد أجيب عن ذلك بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهارًا لشرف البيت ولما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم في البلد الذي فيه البيت الحرام، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها وإرسال الرسول منها أهلكهم سريعًا عاجلاً ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وأخربوه لأنكرت القلوب فضله.

وأما هؤلاء القرامطة فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع وتمهيد القواعد والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة ... فلهذا لم يحتج الحال إلى معاجلتهم بالعقوبة، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار اهـ. (باختصار من البداية والنهاية ج 11 ص 162).

([239]) ج (3) ص (228)، ج (2) ص (309، 330).

([240]) سورة النساء آية: (116).

([241]) ج (3) ص (98).

([242]) ج (1) ص (281- 284) (وانظر مجموع الفتاوى) ج (2) ص (446، 447) والفهارس العامة لمجموع الفتاوى ج (1) ص (21- 31).

([243]) الإبليز وطين الإبليز: طين مصر الذي يتركه النيل بعد انسحابه من الأرض يونانية (منجد) وانظر المعجم الوسيط قلت: وكلام ابن تيمية واضح في وصفه.

([244]) ج (3) ص (111).

([245]) رواية أبي داود عن معاوية رضي الله عنه قال:قام فينا رسول الله ﷺ‬ فقال: «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة» أخرجه أبو داود برقم (4596) في السنة باب شرح السنة، والترمذي برقم (2642) في الإيمان وفي رواية الترمذي عن عمرو بن العاص «كلها في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي» أخرجه الترمذي برقم (2643). وأخرجه في مسند الإمام أحمد ج (2) ص(332) وانظر «كنز العمال» رقم (1053، 1055، 1057، 1059، 1060).

([246]) سورة آل عمران آية: (103).

([247]) سورة آل عمران آية: (105- 107),

([248]) سورة البقرة الآيتان: (111، 112).

([249]) ج (2) ص (125- 129، 140) ج (3) ص (241، 242) ج (1) ص(272) ج (4).

([250]) أما إذا وقع منهم كفر أو شرك فحكمهم فيه حكم أمثالهم، وتقدم تحريق عليّ رضي الله عنه الغالية فيه، وبسط العلماء في (باب حكم المرتد) المسائل التي يكفر بها ومنها الشرك بالله .. إلخ ويأتي في كلام المؤلف أقسام الردة وأنواع المرتدين.

([251]) ذكره مسلم في صحيحه في كتاب (الجهاد والسير). ولم أجد الحديث في البخاري.

([252]) تقدم تخريجه.

([253]) سورة النساء آية: (10).

([254]) سورة النساء آية: (30).

([255]) ج (3) ص (208) ج (3) ص (62، 63) ج (4) ص (60).

([256]) ج (3) ص (40 - 46).

([257]) وتقدم أن اعتقادهم لم يتلقوه عن أهل البيت وإنما يزعمون أنهم تلقوا عن الأئمة الاثني عشر الشرائع.

([258]) ج (3) ص (40) ج (1) ص (19).

([259]) ج (3) ص (246، 240) ج (1) ص (356، 275).

([260]) ج (3) ص (264).

([261]) وأما دعوى المدعي أن كل ما أفتى به الواحد من هؤلاء فهو منقول عنده عن النبي ﷺ‬ فهذا كذب على القوم y فإنهم كانوا يميزون بين ما يروونه عن النبي ﷺ‬ وبين ما يقولون وغير ذلك، وكان علي رضي الله عنه يقول إذا حدثتكم عن رسول الله ﷺ‬ فوالله لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة. (ج 1 ص 307).

([262]) الضمير يعود إلى الأقوال.

([263]) ج (3) ص (264، 40، 41) ج (3) ص (204، 174، 265) ج (2) ص (309، 310) ج (1) ص (19، 305).

([264]) ج (3) ص (246).

([265]) ج (2) ص (112) ج (4) ص (233).

([266]) ج (4) ص (111).

([267]) ج (1) ص (296، 297).

([268]) كما في الحديث عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «كنا نصلي المغرب مع النبي ﷺ‬ فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله» أخرجه البخاري في باب وقت المغرب ومسلم (51) ص (637) وأخرجه الشيخان والترمذي وأبو داود عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: «أن رسول الله ﷺ‬ كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب» وفي رواية أبي داود قال: «كان النبي ﷺ‬ يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس» «إذا غاب حاجبها» رواه البخاري في مواقيت الصلاة باب وقت المغرب (2 / 36) ومسلم ك (5/6364) وأبو داود رقم (417) في باب وقت المغرب والترمذي رقم (164) في الصلاة. وأخرجه أبو داود عن أبي أيوب «لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم» رقم (418).

([269]) صحيح مسلم ص (761) ك (3) ب (11).

([270]) صحيح مسلم ص (760) صحيح البخاري ك (30) ب (13).

([271]) صحيح مسلم ص (759) صحيح البخاري ك (73).

([272]) صحيح مسلم ص (762) صحيح البخاري ك (30).

([273]) ويعني بذلك قتل الحسين كما تقدم ويأتي.

([274]) ج (3) ص (43، 44) ج (1) ص (6).

([275]) سورة المائدة آية: (6).

([276]) صحيح مسلم ص (227 - 230) صحيح البخاري ك (4) ب (48) وأبو داود رقم (154) في الطهارة باب المسح على الخفين والترمذي رقم (93) في الطهارة باب المسح على الخفين والنسائي ج (1) ص (81) في الطهارة باب المسح على الخفين.

([277]) ج (2) ص (191 - 194).

([278]) صحيح مسلم ك (2) ج (249) وأخرجه البخاري ك (3) ب (3).

([279]) صحيح مسلم ص (213 - 215) وأخرجه البخاري ك (3) ب (3) ص (27، 29) «ويل للأعقاب من النار» وقال الترمذي: وقد روي عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» انظر رقم (41) وأخرجه الإمام أحمد ج (4) ص (191) «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» والحاكم ج (1) ص (162).

([280]) قال تعالى: } خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا { وقال: } إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ { الآية.

([281]) وقال للحسن «أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» أخرجه مسلم ص (751).

([282]) ج (3) ص (154 - 156).

([283]) قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبدالله عن أبيهما أن عليًا رضي الله عنه قال لابن عباس: «إن النبي ﷺ‬ نهى عن المتعة وعن لحوم الحُمُر الأهلية زمن خيبر» البخاري ك (67) ب (31).

وأخرجه مسلم حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب «أن رسول الله ﷺ‬ نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحُمُر الإنسية» (انظر حديث رقم 1407)..

وحدثنا عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرة عن مالك بهذا الإسناد وقال: سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان إنك رجل تائه نهانا رسول الله ﷺ‬ بمثل حديث يحيى بن يحيى عن مالك.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبدالواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه قال «رخص رسول الله ﷺ‬ عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها» حديث رقم (1405).

حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبدالعزيز بن عمر حدثني الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله ﷺ‬ فقال: «يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا».

حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبدالملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: «أمرنا رسول الله ﷺ‬ بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا» (صحيح مسلم حديث رقم 1406).

([284]) أخرجه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية } إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ { قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام (الترمذي رقم 1122 في النكاح - باب ما جاء في تحريم المتعة) قال في الفتح وقد روي روايات عديدة عن ابن عباس في الرجوع يقوي بعضها بعضًا.

([285]) سورة المؤمنون الآيات: (5 - 7).

([286]) سورة النساء الآية: (24).

([287]) ج (2) ص (196) وانظر زيادة إيضاح عن هذه الآية في المرجع المذكور.

([288]) انظر لفظ أذان أبي محذورة الذي علمه إياه النبي ﷺ‬ في صحيح مسلم رقم الحديث (379) قال الشيخ: وترك الترجيع هو الذي رواه أهل السنن في أذان بلال، وكذلك وتر الإقامة هو الذي ثبت في أذان بلال، وشفع الإقامة ثبت في الصحيح في أذان أبي محذورة. أما أحمد وغيره من فقهاء الحديث أخذوا بأذان بلال وإقامته، والشافعي أخذ بأذان أبي محذورة وإقامة بلال، وأبو حنيفة أخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة، وكل هذه الأمور جائزة بسنة رسول الله ﷺ‬، وإن كان من الفقهاء من يكره بعض ذلك لاعتقاده أنه لم يثبت كونه سنة في الأذان فذلك لا يقدح في علم من علم أنه سنة (ج 3 ص 159).

([289]) ج (3) ص (205).

([290]) ج (2) ص (337).

([291]) ج (2) ص (184، 335، 337).

([292]) ج (2) ص (187، 188، 191).

([293]) تسطيح القبور. ومذهب أبي حنيفة وأحمد أن تسنيم القبور أفضل كما ثبت في الصحيح: «أن قبر النبي ﷺ‬ كان مسنما» أخرجه البخاري في كتاب الجنائز.

([294]) ج (2) ص (183) ج (1) ص (12) وتقدم بعض هذا المعنى في أحكامهم الفرعية التي انفردوا بها عن أهل السنة كلهم.

([295]) ج (2) ص (173).

([296]) ج (1) ص (306، 307، 309) ج (2) ص (295) ج (4) ص (137) ويأتي ما يتعلق بأخذ ابن عباس التفسير عن علي عند ذكر ابن عباس، وكذلك أخذه عنه الفتيا.

([297]) ج (4) ص (137 - 142) وتقدم بعض هذا المعنى أيضًا.

([298]) أخرجه البخاري ك (56) ب (171) عن أبي جحيفة أنه قال قلت لعلي رضي الله عنه «هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله قال: لا والذي فلق الحبة» الحديث وأخرجه مسلم عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال خطبنا علي بن أبي طالب فقال: من زعم أن عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات وفيها قال النبي ﷺ‬: «المدينة حرام ما بين عير إلى ثور» الحديث: (مسلم رقم 1370).

([299]) الجفر وعاء من أدم زعموا أن فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل.

([300]) والبطاقة كما زعموا صحيفة طولها سبعون ذراعًا بذراع رسول الله ﷺ‬ من إملائه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدشة (نقله إحسان إلهي ظهير).

([301]) ج (4) ص (145، 146).

([302]) ج (1) ص (306، 307) ج (2) ص (150، 151) ج (4) ص (144).

محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية): ولد في العام الذي مات فيه أبو بكر، ورأى عمر وروى عنه وعن أبيه وأبي هريرة وعثمان وعمار بن ياسر ومعاوية وغيرهم.

حدث عنه بنوه عبدالله والحسن وإبراهيم وعون وسالم بن أبي الجعد ومنذر الثوري وأبو جعفر الباقر وعبدالله بن محمد بن عقيل وعمرو بن دينار ومحمد بن قيس بن مخرمة وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي وآخرون. ووفد على معاوية وعبدالملك بن مروان (سير أعلام النبلاء).

([303]) أخرجه البخاري في باب حكم المرتد.

([304]) ج (4) ص (144، 155، 153، 154).

([305]) ج (2) ص (153، 154) ج (1) ص (307، 308).

([306]) ج (2) ص (154) ج (4) ص (143).

([307]) وتقدم نسبته بعض ذلك إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه مما كذب عليه.

([308]) ج (2) ص (154، 176) ج (4) ص (146، 147، 143).

([309]) ج (2) ص (155).

([310]) ج (2) ص (156).

([311]) ج (2) ص (155، 158) ج (1) ص (307، 308، 109).

([312]) ج (2) ص (160 - 163).

([313]) ج (2) ص (164).

([314]) وتقدم في ذكر الثاني عشر من أئمتهم في بحث الإمامة مبسوطًا فليرجع إليه من أراده هناك.

([315]) ج (2) ص (190) ج (3) ص (248).

([316]) ج (3) ص (348).

([317]) ج (1) ص (177).