×
الأذان والإقامة في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في «الأذان والإقامة» بيَّنت فيها بإيجاز: حكم الأذان والإقامة، ومفهومهما، وفضل الأذان، وصفته، وآداب المؤذن، وشروط الأذان والمؤذن، وحكم الأذان الأول قبل طلوع الفجر، ومشروعية الأذان والإقامة لقضاء الفوائت والجمع بين الصلاتين، وفضل إجابة المؤذن،وحكم الخروج من المسجد بعد الأذان، وكم بين الأذان والإقامة؛ كل ذلك مقرونًا بالأدلة».

 الأذان والإقامة في ضوء الكتاب والسنة

تأليف الفقير إلى الله تعالى

سعيد بن علي بن وهف القحطان

 المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد.

فهذه رسالة مختصرة في ((الأذان والإقامة)) بيَّنت فيها بإيجاز: حكم الأذان والإقامة، ومفهومهما، وفضل الأذان، وصفته، وآداب المؤذن، وشروط الأذان والمؤذن، وحكم الأذان الأول قبل طلوع الفجر، ومشروعية الأذان والإقامة لقضاء الفوائت والجمع بين الصلاتين، وفضل إجابة المؤذن، وحكم الخروج من المسجد بعد الأذان، وكم بين الأذان والإقامة؟كل ذلك مقرونًا بالأدلة.

وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رفع الله درجاته في الفردوس الأعلى.

والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا، وخالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

المؤلف

حرر في ضحى يوم الجمعة الموافق 18/8/1420هـ

 الأذان والإقامة

 أولاً: مفهوم الأذان والإقامة، وحكمهما:

1-الأذان في اللغة: الإعلام بالشيء، قال الله تعالى: وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ ( ) أي إعلام. وقوله: آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ ( ) أي أعلمتكم فاستوينا في العلم( ).

والأذان في الشرع: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مخصوصة مشروعة( )، وسُمِّي بذلك؛ لأن المؤذن يعلم الناس بمواقيت الصلاة، ويُسمَّى النداء؛لأن المؤذن ينادي الناس ويدعوهم إلى الصلاة( )، قال الله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ( ) وقال سبحانه: إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجمعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله ( ) .

2ـ الإقامة في اللغة: مصدر أقام، من إقامة الشيء إذا جعله مستقيمًا.

3ـ الأذان والإقامة فرضا كفاية على الرجال دون النساء للصلوات الخمس المكتوبة، وصلاة الجمعة خامسة يومها، فهما مشروعان بالكتاب، لقول الله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ( )، وقوله :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجمعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله( ). وبالسنة؛لقوله في حديث مالك بن الحويرث:((فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم وليؤمَّكم أكبركم)) ( ). فقوله : ((أحدكم)) يدل على أن الأذان فرض كفاية( ).

قال ابن تيمية - رحمه الله -: ((وفي السنة المتواترة أنه كان يُنادى للصلوات الخمس على عهد رسول الله ، وبإجماع الأمة وعملها المتواتر خلفًا عن سلف))( ).

والصواب أن الأذان يجب على الرجال:في الحضر، والسفر، وعلى المنفرد، وللصلوات المؤدَّاة والمقْضيّة، وعلى الأحرار والعبيد( ).

 ثانيًا: فضائل الأذان:

ثبت في فضائل الأذان والمؤذنين نصوص كثيرة، منها الفضائل الآتية:

1- المنادي من الدعاة إلى الله،قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالـِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ ( ).

2-المؤذِّنون أطول أعناقًا يوم القيامة؛ لحديث معاوية بن أبي سفيان قال:  سمعت رسول الله يقول:((المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة)) ( ).

3- يطرد الشيطان؛ لحديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إذا نُودي للصلاة أدبر الشيطان له ضُراط حتى لا يسمع التأذينَ، فإذا قُضِيَ النداءُ أقبل حتى إذا ثُوِّب للصلاة أدبَرَ،حتى إذا قُضِيَ التَّثْويبُ( ) أقبلَ حتى يَخطُرُ بين المرء ونفسه،يقول له:اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل،حتى يظلَّ الرجلُ لا يدري كم صلى))( ).

4- لو يعلم الناس ما في النداء لاستهموا عليه؛ لحديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لو يعلمُ الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير( ) لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة( ) والصبح لأتوهما ولو حبوًا))( ).

5- لا يسمع صوت المؤذِّن شيء إلا شهد له، قال أبو سعيد الخدري لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري: ((إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمعُ مدى صوت المؤذّن جنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله )) ( ).

6 - يُغفر للمؤذن مدى صوته وله مثل أجر من صلى معه؛ لحديث البراء بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أن نبي الله قال: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدَّم، والمؤذنُ يغفرُ له بمدِّ صوته، ويصدقه من سمعه من رطبٍ ويابسٍ وله مثلُ أجر من صلى معه))( ).

7- دعاء النبي له بالمغفرة؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((الإمام ضامنٌ( ) والمؤذن مؤتمن( )، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ))( ).

8- الأذان تُغفر به الذنوب ويُدخِل الجنة؛ لحديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: ((يعجب ربكم من راعي غنمٍ في رأس شظيَّة( ) بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله : انظروا إلى عبدي هذا يؤذنُ ويقيمُ يخاف مني، فقد غفرتُ لعبدي وأدخلته الجنة))( ).

9- من أذَّن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة؛ لحديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أن رسول الله قال: ((من أذَّن ثنتَي عشرةَ سنةً وجبتْ له الجنة، وكُتِبَ لهُ بِكُلِّ أذانٍ ستونَ حَسَنةً، وبِكُلِّ إقامةٍ ثلاثونَ حسنةً))( ).

10- المؤذِّن خيار عباد الله؛ لحديث ابن أبي أوفى : أن النبي  قال: ((إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لذكر الله))( ).

11- المؤذِّن إذا أذَّن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه؛ لحديث سلمان الفارسي ، قال: قال رسول الله : ((إذا كان الرجل بأرض قِيّ( )، فحانت الصلاة، فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمّم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه))( ).

 ثالثًا: صفة الأذان والإقامة:

الأذان الذي استمر عليه بلال بين يدي رسول الله هو ما ثبت من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وصفته: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله) والإقامة في هذا الحديث: ((الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله))( ).

ويقول في أذان الفجر بعد حي على الفلاح: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم))( )؛ ولحديث أنس قال: ((من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حيّ على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم))( )، فيكون أذان بلال بحضرة النبي خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة جملة، ومما يؤكد ذلك حديث أنس قال: ((أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إلا الإقامة))( )، والمعنى يأتي بالأذان مثنى مثنى،أو أربعًا أربعًا،فالكل يصدق عليه أنه شفع،وهذا إجمال بينه حديث عبد الله بن زيد،وحديث أبي محذورة،فشفع التكبير في أوله أن يأتي به أربعًا أربعًا، وشفع غيره أن يأتي به مرتين مرتين،وهذا بالنظر إلى الأغلب، وإلا فإن كلمة التوحيد في آخر الأذان،وفي آخر الإقامة مفردة بالاتفاق،والتكبير في الإقامة وتر بالنسبة إلى التكبير الرباعي في الأذان، وكذلك يكرر التكبير في آخر الإقامة،ويكرر لفظ الإقامة وتفرد بقية الألفاظ( ).وإن أذن وأقام بما في حديث أبي محذورة فلا بأس( ).

 رابعًا: آداب المؤذن:

ويكون المؤذن متطهرًا( )، ويتمهل في ألفاظ الأذان، ويسرع في الإقامة، ويكون ذلك جزمًا( )، ويؤذن على موضعٍ عالٍ، قائمًا، مستقبل القبلة؛ لفعل بلال ( )، ويجعل أصبعيه في أذنيه؛ لحديث أبي جحيفة ،قال:((رأيت بلالاً يؤذن،أتتبع فاه، هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه))( )،ويلوي عنقه فيلتفت يمينًا لحيَّ على الصلاة، وشمالاً لحيَّ على الفلاح؛ لحديث أبي جحيفة قال: ((رأيت بلالاً خرج إلى الأبطح فأذَّنَ، فلما بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح لوى عُنُقه يمينًا وشمالاً ولم يستدر))( ).

ويؤذِّن في أول الوقت؛ لقول جابر بن سمرة : ((كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخَّر الإقامة شيئًا))( )،ومن السنة أن يكون المؤذن قوي الصوت؛ لحديث عبد الله بن زيد يرفعه:((فقمْ مع بلالٍ فألقِ عليه ما رأيتَ فليؤذِّن به؛ فإنه أندى صوتًا منك))( ). ويستحب أن يكون صوت المؤذن حسنًا( )؛ لحديث أبي محذورة : أن النبي أعجبَه صوتُهُ، فعلَّمَهُ الأذان( )، والأفضل أن يكون عالمًا بالوقت بنفسه؛ ليتمكن من الأذان في أوَّل الوقت؛ ولأنه قد يتعذّر عليه من يخبره بالوقت، ولكن لا حرج في أذان الأعمى إذا كان له من يخبره بدخول الوقت؛ لأن ابن أمِّ مكتوم كان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: ((أصبحت أصبحت))( )، ويجب أن يكون المؤذن أمينًا؛ لقوله تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ( ) ؛ ولحديث ابن أبي محذورة عن أبيه عن جده: ((أُمناءُ المسلمين على صلاتهم وسحورهم:المؤذنون))( )؛ولحديث أبي هريرة يرفعه: ((والمؤذن مؤتمن))( )، وينبغي للمؤذن أن يبتغي بأذانه وجه الله تعالى؛ لحديث عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال: ((أنت إمامُهُم واقتدِ بأضعفهم، واتَّخِذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا))( ). وأما إعطاء المؤذن من بيت مال المسلمين فلا حرج فيه؛ لأن بيت المال إنما وضع لمصالح المسلمين، والأذان والإقامة من مصالح المسلمين( ).

 خامسًا: الأذان المشروع قبل الفجر وحكمه:

الأذان الأول قبل الفجر مشروع؛ ليرجع القائم ويوقظ النائم، فعن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: ((لا يمنعن أحَدَكُم أو أحدًا منكم أذانُ بلال من سحورِهِ؛ فإنه يؤذن أو ينادي بليلٍ، ليَرْجِعَ قائمَكُم وليُنبِّه نائمَكم))( ). قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((فلفظة: قائمكم منصوبة مفعول يرجع... ومعناه أنه إنما يؤذن بليل ليعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد؛ فيرد القائم المتهجد إلى راحته، لينام غفوةً ليصبح نشيطًا، أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارةٍ أخرى، أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح، وقوله : ((ويوقظ نائمكم)): أي ليتأهب للصبح أيضًا، بفعل ما أراد من تهجد قليل، أو إيتار إن لم يكن أوتر، أو سحور إن أراد الصوم، أو اغتسالٍ أو وضوءٍ، أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر))( ).

ولابد - على الصحيح - أن يكون هناك من يؤذن إذا طلع الفجر،والأفضل أن يكون المؤذن الثاني غير المؤذن الأول،والأفضل أن يكون الوقت بين الأذانين يسيرًا؛لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:((كان لرسول الله مؤذنان:بلالٌ وابن أمِّ مكتوم الأعمى،فقال رسول الله : ((إن بلالاً يؤذِّن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابنُ أمِّ مكتوم)). قال: ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا))( ). فالسنة أن يكون الأذان الأول قريبًا من الفجر( ).

والصواب أن يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم بعد قوله: حيَّ على الفلاح في الأذان الأخير، أما رواية أبي محذورة التي فيها: ((الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح))( )، فالأذان الأول هنا هو أذان الصبح الواجب، والأذان الثاني: الإقامة؛ لقوله : ((بين كل أذانين صلاة،بين كل أذانين صلاة)قال في الثالثة:((لمن شاء))( ).

وسمعت سماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله وقدَّس روحه - يقول: ((والصلاة خير من النوم، ذكر ابن رسلان وجماعة أنها في الأذان الأول أخذًا برواية الأذان الأول عند أبي محذورة، والصواب أنها تقال في الأذان الأخير الشرعي المعتمد الواجب؛ لأنه هو الأذان المطلق للصلاة التي هي واجبة وهي خير من النوم، وهذا الأذان الأول بالنسبة للإقامة، والإقامة هي الأذان الثاني))( ).

 سادسًا: شروط المؤذن والأذان:

الأذان له شروط تتعلق به، وشروط تتعلق بالمؤذن على النحو الآتي:

1- أن يكون الأذان مرتبًا، وهو أن يبدأ بالتكبير ثم التشهد، ثم الحيعلة، ثم التكبير، ثم كلمة التوحيد، فلو نكس الأذان أو الإقامة لم يجزِ؛ لأن الأذان عبادة ثبتت على هذا الترتيب، فيجب أن تفعل كما وردت؛ لقوله : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ))( ).

2- أن يكون متواليًا، بحيث لا يفصل بعضه عن بعض بزمن طويل، وأما لو أصابه عطاس فإنه يبني على ما سبق؛ لأنه انفصل بدون اختياره.

3- أن يكون بعد دخول وقت الصلاة؛ لقوله : ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم))( )، أما الأذان قبل الفجر فليس لصلاة الصبح، وإنما هو لإيقاظ النائم، وإرجاع القائم.

4- أن لا يكون فيه لحن يغيِّر ويحيل المعنى، وهو مخالفة القواعد العربية، فلو قال: ((الله أكبار))، فهذا لا يصح لأنه تغير المعنى( )، وهذا يقال له: ((مَلْحونًا) أما ما يقال له: ((مُلَحنًا)) فمكروه( ).

5- رفع الصوت بالأذان؛ لأن المؤذن لو خفض صوته بحيث لا يسمع إلا نفسه فقط لم يحصل المقصود من شرعية الأذان؛لقوله :((فليؤذِّن لكم أحدكم))( )، وهذا يشير إلى رفع الصوت ليسمع الآخرين؛فيحصل السماع المقصود بالإعلام، ما لم يؤذن لحاضر فبقدر ما يسمعه، ولكن لو رفع صوته كان أفضل؛ لحديث أبي سعيد الخدري يرفعه:((..فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذَّنْتَ فارفع صوتك بالنداء؛فإنه لا يسمع مدى صوتِ المؤذن جنٌّ ولا إنسٌّ،ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة))( ).

6- أن يكون الأذان على العدد الذي جاءت به السنة بلا زيادة ولا نقص؛ لقول النبي : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))( ).

7- أن يكون الأذان من واحدٍ، فلا يصح من اثنين، فلو أذن واحد بعض الأذان وكمله آخر لم يصح.

8- أن يكون الأذان بنية من المؤذن؛ لقول النبي : ((إنما الأعمال بالنيات))( ).

9- أن يكون المؤذن مسلمًا، فلو أذن الكافر لم يصح؛لأنه من غير أهل العبادات.

10- أن يكون المؤذن مميزًا، وهو من بلغ سبع سنين إلى البلوغ، وهو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، ولو طلب منه شيء أحضره.

11- أن يكون عاقلاً، فلا يصح الأذان من مجنون.

12- أن يكون ذكَرًا،فلا يعتدُّ بأذان الأنثى؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((ليس على النساء أذان ولا إقامة))( ). فليست المرأة من أهل الأذان؛ ولأنه يشرع فيه رفع الصوت، وليست من أهل ذلك( ).

13- أن يكون عدلاً، ولو في الظاهر؛ لأن الأذان عبادة، وهو أفضل من الإقامة على الصحيح؛ ولأن النبي وصف المؤذنين بالأمانة، والفاسق غير أمين؛ لما جاء في الحديث: ((أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون))( ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ((وفي إجزاء الأذان من الفاسق روايتان، أقواهما عدمه؛ لمخالفته أمر النبي ، وأما ترتيب الفاسق مؤذنًا فلا ينبغي أن يجوَّز قولاً واحدًا))( ). أما مستور الحال فيصح أذانه، وسمعت سماحة الإمام العلامة عبد العزيز ابن باز - قدَّس الله روحه - يقول: ((لا يعتد بأذان الفاسق، والحلِّيق فاسق فسقًا ظاهرًا وليس مستورًا،نسأل الله العافية، وينبغي أن يجعل غيره))( ).

فكلمة عدل: تضمنت أن يكون المؤذن: مسلمًا، عاقلاً، ذكرًا، واحدًا، عدلاً، مميزًا( ).

 سابعًا: مشروعية الأذان والإقامة للجمع وقضاء الفوائت:

1- من جمع بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء في السفر أو في الحضر عند المطر أو المرض، فإنه يؤذن للأولى ويقيم لكل فريضة؛ لحديث جابر في جمع النبي في عرفة: أنه ((أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر))، وكذلك ((أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين))( ). فأذن للصلاتين أذانًا واحدًا؛ لأن وقت المجموعتين صار وقتًا واحدًا، ولم يكتف بإقامة واحدة؛ لأن لكل صلاة إقامة، فصار الجامع يؤذن مرة واحدة، ويقيم لكل صلاة.

2- من قضى فوائت فإنه يؤذن مرة واحدة، ويقيم لكل فريضة، لحديث أبي قتادة الطويل في ((نوم النبي وأصحابه في السفر عن صلاة الفجر، ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فانتقلوا من مكانهم، ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم))( ).

ويدل على الإقامة لهذه الصلاة أيضًا حديث أبي هريرة :((وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: ((من نسي الصلاة فليصلِّها إذا ذكرها، فإن الله قال:وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي( ). ومما يدل على ذلك ما فعله حينما شغله الأحزاب عن الصلاة( ).

وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله وجعل الفردوس مأواه - يقول عن حديث قتادة في قضاء النبي صلاة الفجر حينما ناموا عنها: ((هذا يدل على أن من نام عن صلاةٍ أو نسيها صلاها كما يصليها في وقتها: من أذانها، وإقامتها، وراتبتها، ومن السنة أن ينتقل من المكان الذي نام فيه، لفعله ، وكذا يقضي الجهرية جهرية والسرية سرية))( ).

 ثامنًا: أنواع إجابة النداء:

يُسنُّ لمن سمع المؤذن والمقيم أن يتابعه سرًّا بقوله، فيقول مثله، إلا في الحيعلتين فيقول: ((لا حول ولا قوة إلا بالله))، ثم يصلي على النبي ، ويقول الأذكار المشروعة بعد الأذان، ولا شك أن النبي شرع لأمته في الذكر عند الأذان وبعده خمسة أنواع( ) على النحو الآتي:

النوع الأول:  يقول السامع مثل ما يقول المؤذن إلا في لفظ: ((حي على الصلاة، وحي على الفلاح) فيقول: ((لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ لحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذِّن))( ).

وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبرُ، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة))( ).

النوع الثاني:  يقول عقب تشهد المؤذن( ): وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا، فعن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله أنه قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفِرَ له ذنبُهُ)). وفي رواية: ((من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد... ))( ).

النوع الثالث: يصلي على النبي بعد فراغه من إجابة المؤذن؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنه سمع النبي يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا علي؛ فإنه من صلَّى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة))( ).

النوع الرابع: يقول بعد صلاته على النبي ما ثبت في حديث جابر أن رسول الله قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته حلَّت له شفاعتي يوم القيامة))( ).

وثبت عند البيهقي زيادة: ((إنك لا تخلف الميعاد))( ).

النوع الخامس: يدعو لنفسه بعد ذلك، ويسأل الله من فضله؛ فإنه يستجاب له، فعن أنس قال: قال رسول الله : ((الدعوة لا ترد بين الأذان والإقامة فادعوا))( ).

وسمعت شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله وقدس روحه - يقول: ((هذه الأنواع تقال كلها مرة واحدة مجموعة مع كل أذان))( ).

 تاسعاً: فضائل إجابة المؤذن

فضائل إجابة المؤذن بالقول كثيرة، منها الفضائل الآتية:

1-      مجيب المؤذن من الشهداء على الخير؛ لحديث أبي سعيد الخدري يرفعه، وفيه: ((... لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة ))( ).

2-      مجيب المؤذن من قلبه يدخله الله الجنة؛ لحديث عمر بن الخطاب ، وفيه أن من قال مثل ما يقول المؤذن، فإذا قال المؤذن: لا إله إلا الله، قال: ((... لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة )) ( ).

3-      إجابة المؤذن يغفر الله بها الذنوب؛ لحديث سعد بن أبي وقاص عن رسول الله ، وفيه: أن من قال عقب تشهد المؤذن: ((وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً غُفِر له ذنبه )) ( ).

4-      من أجاب المؤذن ثم صلى على النبي صلى الله عليه بهذه الصلاة عشر صلوات؛ لحديث عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عن النبي : ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً...))( )، فصلاة الله على النبي: ثناؤه عليه عند الملائكة، قال أبو العالية: ((صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء))( ).

فعلى هذا من صلى على النبي صلاة واحدة ذكره الله باسمه، وأثنى عليه عند الملائكة عشر مرات؛ لأن الصلاة من الله الثناء. فهذا فضل عظيم، ومن تركه حرمه، والله المستعان.

5-      من سأل الله تعالى الوسيلة للنبي بعد الأذان، حلت له شفاعته، ووجبت له، ونالته( )؛ لحديث عبد الله بن عمرو المذكور آنفاً، وفيه: ((ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة))( ).

6-      من سأل الله تعالى للنبي : أن يبعثه مقاماً محموداً وجبت له شفاعة النبي ؛ لحديث جابر أن رسول الله قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدَّعوة التامّة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ))( ).

7-      ثواب من قال مثل ما يقول المؤذن يقيناً، عن أبي هريرة ، قال: كُنَّا مع رسول الله ، فقام بلال ينادي، فلما سكت قال رسول الله : ((من قال هذا يقيناً دخل الجنة))( ).

8-      إجابة دعوة مجيب المؤذن؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله : ((قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تُعطه))( ).

9-      لا يردُّ الدعاء عند النداء، وتفتح أبواب السماء؛ لحديث سهل بن سعد ، قال: قال رسول الله : ((ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء، وقلما تُردُّ على داعٍ دعوته: عند حضور النداء( )، والصف في سبيل الله ))، وفي لفظ، قال:((ثنتان لا تُرَدَّان – أو قلّما تُرَدَّان-: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يُلحم بعضهم بعضاً ))( ).

10- الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة؛ لحديث أنس ، قال: قال رسول الله : ((الدعوة لا ترد بين الأذان والإقامة، فادعوا) وفي لفظ أبي داود: ((لا يردُّ الدعاء بين الأذان والإقامة ))( ).

11-مجيب المؤذِّن متَّبعٌ للنبي في هذه السنة العظيمة، ممتثل لأمره، يُرجى له الهداية، ويرجى أن يدخل في قوله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْـمُبِينُ ( ).

12-مجيب المؤذن يرجو الله واليوم الآخر، ويذكر الله كثيراً؛ لأنه اتخذ النبي أسوةً له، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِـمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرا( ).

13-فضل الله تعالى ورحمته على عباده؛ فالأذان عبادة جليلة، ولن يدركها ويدرك فضلها كل أحد، فعوِّض من لم يؤذن بالإجابة؛ ليحصل على أجر الإجابة( ).

 عاشراً: فوائد إجابة النداء

 فوائد إجابة المؤذن بالقول كثيرة لا تحصر، ولكن منها الفوائد الآتية:

1-      قوله : ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((قوله: ((ما يقول)) قال الكرماني: قال: ((ما يقول)) ولم يقل مثل ما قال؛ ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة، مثل كلمتها ))، ثم قال: ((قلت والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة: ((أنه كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت))( ) ((فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل ))( ).

2-      ما دل عليهّ حديث عمر بن الخطاب ، وفيه: ((... ثم قال: ((حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))( )، وحديث عثمان، وفيه أنه لما قال المؤذن: حي على الصلاة، قال عثمان : لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال: هكذا سمعنا نبيكم يقول ))( )، وهذان الحديثان يدلان  على أنه يستثنى من القول مثل ما يقول المؤذن: ((حيّ على الصلاة، وحيّ على الفلاح) فيقول بدلهما: ((لا حول ولا قوة إلا بالله ))( )، قال الإمام النووي رحمه الله: ((حديث أبي سعيد: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن )) عام مخصوص؛ لحديث عمر: أنه يقول في الحيعلتين: ((لا حول ولا قوة إلا بالله ))( ).

قال الإمام ابن الملقن رحمه الله: ((والمناسبة في جواب الحيعلة بالحوقلة: أن الحيعلة دعاء، فلو قالها السامع لكان الناس كلهم دعاة، فمن يبقى المجيب؟ فحسن من السامع الحوقلة؛ لأنها تفويض محض إلى الله ))( ).

3-      دل حديث عمر بن الخطاب : أن المشروع للمسلم أن يقول بعد تشهد المؤذن مثل قول المؤذن: فإذا قال المؤذن: ((أشهد أن لا إله إلا الله) فإن المتابع للمؤذن يقول: ((أشهد أن لا إله إلا الله )) يكررها مرتين مثل قول المؤذن، فإذا قال: ((أشهد أن محمداً رسول الله )) قال المجيب: ((أشهد أن محمداً رسول الله )) يكررها مرتين مثل قول المؤذن ))( ).

ودلّ حديث سعد بن أبي وقاص : أن مجيب المؤذن يقول بعد انتهائه من إجابة المؤذن عند الشهادتين، يقول بعد ذلك: ((وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً... ))( ).

وقد ذُكِرَ موضع هذا الذكر، وأنه بعد الشهادتين: في رواية ابن خزيمة في صحيحه، وفيه: أن رسول الله قال: ((من سمع المؤذن يَتَشَهَّد... ) وفيه: ((... فقال: ((أشهد أن لا إله إلا الله... )) الحديث( )، وهكذا سمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقرر أن قول هذا الذكر بعد انتهاء المؤذن من الشهادتين، وكذا رجحه العلامة محمد بن صالح العثيمين( ).

4-      ظاهر حديث جابر : ((من قال حين يسمع النداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة ))( ):  أنه يقول هذا الذكر حال سماع الأذان، ولا يتقيد بفراغه، ولكن قد بين المراد من حديث جابر، حديث عبد الله بن عمرو؛ فإنه قال فيه: ((إذا سمعت المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ؛ فإنه من صلَّى عليّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)) ( ).

فدل هذا الحديث أن حديث جابر: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة...)) يقال بعد الفراغ من الأذان بعد الصلاة على النبي . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد، وأن الحين محمول على ما بعد الفراغ... )) ( ).

5-      إجابة المؤذن تدل على عظيم الرغبة في الفوز بالفلاح، فإن معنى: ((حيَّ على الصلاة، حي على الفلاح)) معنى عظيم، قال الإمام النووي رحمه الله  تعالى: ((ومعنى حيَّ على كذا: أي تعالوا إليه، والفلاح: الفوز، والنجاة، وإصابة الخير، قالوا: وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح... فمعنى حيَّ على الفلاح: أي تعالوا إلى سبب الفوز، والبقاء في الجنة، والخلود في النعيم... ))( ).

6-      إجابة المؤذن، بـ: ((لا حول ولا قوة إلا بالله )) فيها الالتجاء إلى الله تعالى، واعتماد القلب عليه، فلا حول ولا قوة للعبد إلا به سبحانه، قال الإمام النووي رحمه الله: ((قال أبو الهيثم: الحول الحركة، أي لا حركة ولا استطاعة، إلا بمشيئة الله... وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكى هذا عن ابن مسعود ))( ).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وقال الطيبي: معنى الحيعلتين: هلُمَّ بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلاً، والفوز بالنعيم آجلاً، فناسب أن يقول هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوّته ))( ).

7-      الوسيلة: المنزلة عند الملك( )، وهي منزلة للنبي في الجنة، من سألها للنبي حلت له الشفاعة، أي وجبت له، وقيل: نالته الشفاعة( )، والوسيلة: ما يتقرب به إلى الكبير، وتطلق على المنزلة العليَّة، ويقال: توسلت: تقربت، والواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله، وهي عَلَمٌ على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله وداره، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى عرش الرحمن ( ).

8-      الأعمال يشترط لها القصد والإخلاص، لقوله : ((... ثم قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ))( ).

9-      ((الدعوة التامة )):دعوة التوحيد،كقوله تعالى:لَهُ دَعْوَةُ الْـحَقّ( )، وقيل: لدعوة التوحيد تامة؛ لأن الشِّرْكَ نقصٌ، أو التامة: التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام، وما سواها فمعرَّضٌ للفساد، وقال ابن التين: وصفت لأن فيها أتم القول: ((لا إله إلا الله ) وقال الطيبي: من أوله [ أي الأذان] إلى قوله: ((محمد رسول الله )) هي الدعوة التامة( )،  وقيل: الدعوة التامة: هي الأذان، والتامة: أي الكاملة السالمة من كل نقص يتطرق إليها؛ لكمالها وعظم موقعها؛ لاشتمالها على تعظيم الله وتوحيده، والشهادة بالرسالة والدعوة إلى الخير( ).

10-    ((الصلاة القائمة )): الحيعلة: هي الصلاة القائمة في قوله: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء، وبالقائمة: الدائمة، مِنْ قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله: ((والصلاة القائمة )): بيان للدعوة التامة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة: الصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ، وهو أظهر( ). وقيل: الصلاة القائمة: التي ستقوم وتُفْعَل بصفاتها( ).

11-    الفضيلة:  المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى، أو تفسيراً للوسيلة( ).

وأما ما يقوله بعض الناس: ((والدرجة الرفيعة )) فيما يقال بعد ذكر الفضيلة فقال السخاوي:  ((وأما الدرجة الرفيعة فيما يقال بعد الأذان، فلم أره في شيء من الروايات ))( ).

12-    مقاماً محموداً: أي يُحمد القائم فيه، أي: ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاماً محموداً، ونكّره للتعظيم، مقاماً محموداً بكل لسان، وقوله: ((الذي وعدته)) [زاد في رواية البيهقي: ((إنك لا تخلف الميعاد ) والمراد بذلك قوله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ( )  وأطلق عليه الوعد؛ لأن  عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره( ).

ومقاماً محموداً: هي الشفاعة العظمى في موقف القيامة؛ لأنه  يحمَدُهُ فيه الأولون والآخرون، ثم يدعو، لتعجيل الحساب والراحة من طول الموقف في المحشر، وهذه الشفاعة خاصة به ( ).

13- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة، وذلك يحصل من المؤذن، فعوِّض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة، ولقائلٍ أن يقول: يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظاً وإسراعاً إلى القيام إلى الصلاة، إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن، ومن نفسه))( ).

 الحادي عشر: أحكام إجابة المؤذن

أحكام إجابة المؤذن بالقول كثيرة، وهي على النحو الآتي:

1- إجابة المؤذن مستحبة بإجماع أهل العلم، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في استحباب ذلك ))( )، فعلى هذا يستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول إلا في الحيعلتين فيقول: ((لا حول ولا قوة إلا بالله))( ) .

وهذا الاستحباب قول جمهور أهل العلم( ).

وقال جماعة من أهل العلم بوجوب القول مثل ما يقول المؤذن وإجابته؛لقول النبي :((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن))( )؛ ولقوله :((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول،ثم صلوا علي...))( ).

قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((حكى الطحاوي: أنه اختُلِفَ في حكمه، فقيل: واجب، وقيل: مندوب إليه، وهو الذي عليه الجمهور... )) ( ).

وقال الإمام النووي رحمه الله: ((وهل هذا القول مثل قول المؤذن واجب على من سمعه في غير الصلاة أم مندوب؟ فيه خلاف حكاه الطحاوي، الصحيح الذي عليه الجمهور أنه مندوب... ))( ).

وقال العلامة الحافظ عمر بن علي، الشافعي، المعروف بابن الملقن: ((هذا الأمر للندب، وقيل: للوجوب، حكاه الخطابي، والجمهور على الأول))( ).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لحديث أبي سعيد: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول )): ((واستدل به على وجوب إجابة المؤذن، حكاه الطحاوي عن قومٍ من السلف، وبه قال أبو حنيفة، وأهل الظاهر، وابن وهب، واستُدِلَّ للجمهور بحديثٍ أخرجه مسلم وغيره: ((أنه سمع مؤذناً، فلمَّا كبَّر قال: ((على الفطرة ) فلما تشهَّد قال: ((خرجت من النار )) ( )، فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن ذلك للاستحباب، وتُعُقِّب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ... قيل: ويحتمل أن الرجل لم يقصد الأذان، لكن يردّ هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة )) ( ).

وقال الحافظ في موضع آخر: ((... لفظ الأمر في رواية مسلم( ) تمسَّك به من يدَّعي الوجوب، وبه قال الحنفية، وابن وهب من المالكية، وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور ))( ).

والأقرب - والله تعالى أعلم - أن إجابة المؤذن، والقول مثل ما يقول سنة مؤكدة ينبغي لكل مسلم سمعه أن يجيبه إلا لمانعٍ يعذر به؛ ولهذا قال شيخ الإسلام والمسلمين ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((... ولا ينبغي لأحد أن يدع إجابة المؤذن... فإن السنة لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول، ثم يصلي على النبي ، ويقول: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة... )) إلى آخره، ثم يدعو ))( ).

وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله: ((إجابة المؤذن والدعاء بعده سنة في حق جميع من سمعه من المسلمين: المؤذن، والمستمع، من الرجال والنساء، والحاضرة، والبادية ))( ).

2- إجابة المؤذن سنة قولية كما تقدم، وهي سنة فعلية كذلك، فعلها رسول الله ؛ لحديث علقمة بن وقاص قال: إني عند معاوية، إذ أذن مؤذنه، فقال معاوية [] كما قال المؤذن، حتى إذا قال: حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: سمعت رسول الله يقول مثل ذلك ))( ).

وعن أبي أمامة بن سهل قال: سمعت معاوية يقول: سمعت من رسول الله ، وسمع المؤذن فقال مثل ما قال ))( )، وعند الإمام البخاري رحمه الله: أن عثمان بن عفان : أذن المؤذن وعثمان جالس على المنبر، فأجاب المؤذن، فلما قضى المؤذن التأذين، قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم مني من مقالتي... ))، وفي رواية: أنه قال مثل ما قال المؤذن إلى قوله: ((أشهد أن محمداً رسول الله ) وفي رواية: أنه لما قال: ((حيّ على الصلاة) قال: ((لا حول ولا قوة إلا بالله ) وقال: هكذا سمعنا نبيكم يقول))( ).

فإجابة المؤذن سنة قولية وفعلية،فلا ينبغي للمسلم أن يترك هذه السنة العظيمة.

3- حرص السلف على اتباع السنة في إجابة المؤذن اقتداءً برسول الله ، وامتثالاً لأمره، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: حُدِّثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة، فلا يقول شيئاً إلا قالوا مثله، حتى إذا قال: حيَّ على الصلاة، قالوا: ((لا حول ولا قوة إلا بالله...))( ).

4- استحباب قول سامع المؤذن مثل ما يقول إلا في الحيعلتين، فإنه يقول: ((لا حول ولا قوة إلا بالله ))( ).

5- استحباب الصلاة على رسول الله بعد فراغه من متابعة المؤذن، ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة( ).

6- استحباب سؤال الله الوسيلة للنبي بعد قول: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة )) ( ).

7- يستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن منها، ولا ينتظر فراغه من كل الأذان( ). قال الإمام ابن الملقن رحمه الله: ((يستحب أن يتابع عقب كلِّ كلمة لا معها، ولا يتأخّر عنها عملاً بظاهر فاء التعقيب المذكورة في الحديث، هذا مذهبنا))( ).

8- استحباب قول السامع بعد الشهادتين: ((وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً ))( ).

9- يستحب لمن رغّب غيره في خير أن يذكر له شيئاً من دلائله؛ لينشطه؛ لقوله : ((فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً... )) إلى قوله : ((... فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ))( ).

10- يستحب إجابة المؤذن لكل من سمعه، قال الإمام النووي رحمه الله: ((واعلم أنه يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله كل من سمعه: من متطهِّرٍ، ومحدثٍ، وجنبٍ، وحائضٍ، وغيرهم، ممن لا مانع له، من الإجابة، فمن أسباب المنع: أن يكون في الخلاء، أو جماع أهله، أو نحوهما، ومنها أن يكون في صلاة: فريضة أو نافلة،... فإذا سلم أتى بمثله ))( ).

11- ظاهر اختصاص الإجابة بمن يسمع، حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلاً في الوقت، وعلم أنه يؤذن، لكن لم يسمع أذانه؛ لِبُعْدٍ، أو صَمَمٍ، لا تشرع له المتابعة( ).

12- الظاهر من قوله في الحديث: ((فقولوا )) التعبد بالقول، وعدم كفاية إمرار المجاوبة على القلب، فلا بد من القول باللسان، ولا يلزم المجيب أن يرفع صوته، أما المؤذن فيحتاج إلى رفع الصوت للإعلام، بخلاف السامع فليس مقصوده إلا الذكر ))( ).

13- إذا سمع الأذان وهو في قراءة، أو تسبيح، قطع ما هو فيه، وأتى بمتابعة المؤذن؛ لأنه يفوت، والقراءة لا تفوت( )، وبين شيخنا ابن باز رحمه الله: أن الترديد مع المؤذن أولى من الاستمرار في قراءة القرآن؛ لامتثال قول النبي : ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ))( ).

14- يستحب متابعة المؤذن في الإقامة( )، قال العلامة ابن باز رحمه الله: ((يستحب أن يجاب المقيم كما يجاب المؤذن، ويقول عند قول المقيم: ((قد قامت الصلاة )) مثله: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة؛ لعموم الأحاديث المذكورة، وغيرها، وأما ما يروى عنه أنه قال عند

الإقامة: ((أقامها الله وأدامها))( )، فهو حديث ضعيف لا يعتمد عليه( )، وأذكار الأذان تشرع بعد الأذان والإقامة معاً؛ لأنهما كلاهما أذان؛ لقوله : ((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة )) ( )( ).

15- يستحب إذا قال المؤذن في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، أن يقول السامع مثله: ((الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم ))؛ لقوله : ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول )) متفق عليه؛ولعموم الأحاديث المذكورة وغيرها( )؛((ولأن قول:((صدقت وبَرَرْتَ )) إنما جاء في حديث ضعيف،فإن قيل:تركتم حي على الصلاة [وحي على الفلاح] إلى لا حول ولا قوة إلا بالله:قيل:ذلك ثبت فيه الدليل،وهذا لم يثبت))( )( ).

وأما إجابة المؤذن والمقيم أنفسهما، فسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا القول لا وجه له، ولا دليل عليه، فقد قاله ويكفي، وليس له إجابة نفسه))( ).

قلت: يستحب للمؤذِّن والمقيم أن يصلي على النبي بعد الانتهاء من الأذان، ثم يقول: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة... إلى آخره؛ لعموم الأدلة، والله تعالى أعلم.

16- يستحب إذا دخل المسجد فسمع المؤذن: أن ينتظر ويجيب المؤذن، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإن دخل المسجد فسمع المؤذن استحب له انتظاره؛ ليفرغ ويقول مثل ما يقول، جمعاً بين الفضلين))( )، وقال المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: ((فائدة: لو دخل المسجد والمؤذن قد شرع في الأذان لم يأتِ بتحية المسجد ولا بغيرها حتى يفرغ، جزم به في التلخيص، والبلغة، وابن تميم، وقال: نص عليه، وقدمه في الفروع ))( ).

وقال العلامة ابن مفلح في الفروع: ((ولا يركع داخل المسجد التحية قبل فراغه...))( ).

وبين شيخنا ابن باز رحمه الله: أنه يستحب إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن أن يجيب المؤذن، ثم يصلي تحية المسجد، جمعاً بين العبادتين، وتحصيلاً للأجرين ))( ).

وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يُرجِّح: أن المسلم إذا دخل المسجد يوم الجمعة فأذن المؤذن، فإنه ينتظر ويتابع المؤذن، ثم يصلِّي ركعتين خفيفتين، وبين أن استماع خطبة الجمعة واجب، ولكن لا يؤثر، فإن الداخل إذا تابع المؤذن ثم صلى ركعتين خفيفتين، لا يفوته شيء؛ لأن الخطيب يبدأ بمقدمة للخطبة، فسَيُدْرِكُ الخطبة( ).

17- إجابة المؤذن والترديد معه في المذْيَاع سنة، إذا كان الأذان في وقت الصلاة، قاله شيخنا ابن باز رحمه الله( ).

وأفتى العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أن الأذان في المذياع أو التلفاز يجاب إذا كان الأذان في وقت الصلاة؛ لعموم قوله : ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ))( ) إلا أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا كان قد أدَّى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب( ).

18- لا بأس أن يُسمع مجيب المؤذن من حوله؛ليقتدي به( ).

19- إجابة مؤذنٍ ثانٍ وثالثٍ مستحبة، إذا كان الأذان مشروعاً، قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((فظاهر كلامهم: يجيب مؤذناً ثانياً فأكثر، ومرادهم حيث يستحب))( ) ( ).

وقال المرداوي رحمه الله: ((... إجابة مؤذنٍ ثانٍ وثالثٍ، وهو صحيح، قال في ((القواعد الأصولية )): ظاهر كلام أصحابنا يستحب ذلك، قال في الفروع: ومرادهم حيث يستحب، قال الشيخ تقي الدين: محلّ ذلك إذا كان الأذان مشروعاً ))( ).

وقال العلامة منصور البهوتي صاحب الروض المربع: ((ويسن لسامعه: أي المؤذن أو المقيم ولو أن السامع امرأة، أو سمعه ثانياً وثالثاً حيث سُنّ متابعته سراً، بمثل ما يقول، ولو في طواف أو قراءة، ويقضيه المصلِّ، والمتخلَّي))( ).

قال العلامة ابن قاسم في حاشيته على الروض المربع على قول صاحب الروض: ((حيث سن ))، أي حيث كان الأذان مشروعاً، قال في المبدع: ظاهر كلامهم أنه يجيب ثانياً وثالثاً حيث سن، واختاره الشيخ [أي شيخ الإسلام ابن تيمية] لكن لو سمع المؤذن وأجابه، وصلى في جماعته لم يجب الثاني؛ لأنه غير مدعو بهذا الأذان، وإجابة الأول أفضل، إلا أذاني الفجر فهما سواء ))( ).

وقال الحافظ ابن حجر: ((... وقال ابن عبد السلام: يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل، إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء؛ لأنهما مشروعان ))( ).

وقال الإمام ابن الملقن رحمه الله: ((ظاهره استحباب متابعة كل مؤذن، وأنه لا يختصّ بأول مؤذن... ))( ).

وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على كلام صاحب الروض في هذا الموضع يقول: ((يُسنُّ لمن سمع الأذان أن يقول مثل ما يقول المؤذن، ولو كان فيه أذان ثانٍ وثالث، إذا كان مشروعاً، فالسنة أن يجيبه، ويقول المشروع، ولو كان يقرأ، فيقطع القراءة ويجيبه، وإن قضى المصلي بعد السلام، والمتخلِّي بعد قضاء الحاجة فلا حرج، كما ذكر المؤلف؛ لفضل ذلك العظيم، حتى لو كان في الشريط أو الراديو، إذا كان ذلك في الوقت، أما إذا لم يكن في الوقت فلا ))( ).

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((قول المؤلف: ((يسن لسامعه )) يشمل: الذكر، والأنثى، ويشمل النداء الأول والنداء والثاني، بحيث لو كان المؤذنون يختلفون، نقول: يجيب الأول ويجيب الثاني؛ لعموم الحديث، ثم هو ذكر يثاب الإنسان عليه، ولكن لو صلى ثم سمع مؤذناً بعد الصلاة فظاهر الحديث أنه يجيب لعمومه، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجيب؛ لأنه غير مدعوٍّ بهذا الأذان فلا يتابعه، قالوا: ونجيب عن الحديث بأن المعروف في عهد النبي : أن المؤذن واحد، ولا يمكن أن يؤذن آخر بعد أن تؤدَّى الصلاة، فيحمل الحديث على المعهود في عهد النبي ، وأنه لا تكرار في الأذان، ولكن لو أخذ أحد بعموم الحديث، وقال: إنه ذكر، وما دام الحديث عاماً، فلا مانع من أن أذكر الله [فهو على خير]))( ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((ويجيب مؤذناً ثانياً فأكثر حيث يستحب ذلك، كما كان المؤذنان يؤذنان على عهد النبي ، وأما المؤذنون الذين يؤذنون مع المؤذن الراتب يوم الجمعة( ) في مثل صحن المسجد فليس أذانهم مشروعاً باتفاق الأئمة، بل ذلك بدعة منكرة ))( )( ).

20- إذا لم يسمع إلا بعض الأذان، قال العلامة محمد بن إبراهيم: ((إذا أدرك بعض الأذان فالمُرَجَّح عند كثير من الأصحاب أنه يبدأ بأوله حتى يدركه، والقول الآخر أنه لا يجيب إلا ما سمع، وأنه يفوت لفوات محله، ولعل هذا أرجح... ))( ).

21- إجابة النداء سنة قولية وفعلية مؤكدة، عمل بها: الصحابة، والتابعون، والأخيار من أهل العلم والإيمان، وعمل بها العلماء الراسخون في العلم، وحثُّوا الناس ورغَّبوهم فيها، خاصة في حلقاتهم ودروسهم العلمية، فإذا أذَّن المؤذِّن أوقفوا الدروس، وتابعوا الأذان، وأمروا من لم يتابع المؤذن أن يتابعه، فينصتون كما ينصتون لقراءة القرآن، إلا أنهم يجيبون النداء بالأذكار المشروعة سراً بقدر ما يسمع الإنسان نفسه ومن حوله.

وكان شيخنا الإمام العامل بالسنة ابن باز رحمه الله إذا أذَّن المؤذِّن أنصت وتابع الأذان، وأمر من لم ينصت بمتابعة المؤذن، ولا أحصي ما رأيت من مواقفه في تطبيقه لهذه السُّنّة: سواء كان ذلك في الدروس العلمية، أو في المحاضرات والندوات، أو في الجلسات العامة في بيته أو في غيره، وقد رأيته في دروسه إذا شرع المؤذن في الأذان أوقف الدرس، وأرخى رأسه، وتابع الأذان، وكذلك جميع من يحضر مجلسه من تلاميذه وغيرهم يقتدون به، وينصتون كأن على رؤوسهم الطير، ويجيبون المؤذن.

 الثاني عشر: حكم الخروج من المسجد بعد الأذان:

يَحْرُمُ خروج من وجبت عليه الصلاة بعد الأذان في الوقت من مسجدٍ بلا عذر أو نية رجوع؛ لقول أبي هريرة لرجل خرج بعد الأذان من المسجد: ((أما هذا فقد عصى أبا القاسم ))( ). قال الترمذي: ((وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي ، ومن بعدهم، أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، أو يكون على غير وضوء، أو أمرٌ لابد منه))( ).

 الثالث عشر: كم بين الأذان والإقامة:

الأذان شُرِعَ للإعلام بدخول وقت الصلاة، فلابد من تقدير وقت يتسع للتأهب للصلاة وحضورها، وإلا لضاعت فائدة النداء، وحصل تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها؛ لأن من كان على طعامه، أو شرابه، أو قضاء حاجته، أو غير متوضئ حال النداء إذا استمر على هذه الأمور أو قام يتوضأ فاتته الجماعة أو بعضها بسبب التعجيل وعدم الفصل بين الأذان والإقامة، لا سيما إذا كان مسكنه بعيدًا من مسجد الجماعة، وقد ترجم الإمام البخاري - رحمه الله -: ((بابٌ: كم بين الأذان والإقامة))؟ ولكن لم يثبت التقدير عنده( )، فذكر حديث عبد الله بن مغفل قال: قال النبي : ((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة) ثم قال في الثالثة: ((لمن شاء))( ). والأذانان هنا: الأذان والإقامة، ولا شك أن التمهل بين الأذان والإقامة من المعاونة على البر والتقوى المندوب إليها( )، وقد جاء من حديث عبد الله بن زيد ما يدل على الانتظار بين الأذان والإقامة، وفيه: ((رأيت رجلاً كأنّ عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن، ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة) وفي رواية: ((أن الملك علَّمه الأذان، ثم استأخر عنه غير بعيد، ثم علّمه الإقامة))( ).

وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((لا يعجل بالإقامة حتى يأمر بها الإمام، ويكون ذلك ربع ساعة أو ثلث ساعة أو نحو ذلك، وإذا تأخر الإمام تأخرًا بيّنًا جاز أن يتقدم بعض الحاضرين فيصلي بالناس))( ).

والإمام أملك بالإقامة فلا يقيم المؤذن إلا بعد إشارته،والمؤذن أملك بالأذان؛لأن وقته موكول إليه؛ ولأنه أمين عليه( )،وسمعت العلامة عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - يقول:((الإمام هو المسؤول عن الإقامة، والمؤذن هو المسؤول عن الأذان،والحديث وإن كان ضعيفًا لكن يتأيد بقول علي،ويتأيد الجميع بفعل النبي ، فإنه كان هو الذي يأمر بالإقامة،والعمدة على هذا لا على الحديث الضعيف))( ).