صفات الإمام وأهم أعماله
التصنيفات
- فقه >> العبادات >> الصلاة >> أحكام الإمامة
الوصف المفصل
صفات الإمام وأهم أعماله
ورقة علمية تقدم في مؤتمر ورشة العمل
لأئمة المساجد وخطباء الجمعة
إعداد وتقديم:
الدكتور/ قاسم رمضان أحمد
قسم الدراسات الإسلامية
جامعة يوسف ميتما سلى
أستاذ مادتي القرآن والحديث، وعلم التوحيد
Department of Islamic Studies
Yusuf Maitama Sule University, Kano
Nigeria
08035892790
المقدمة
صفات الإمام وأهم أعماله
أهم أعمال الإمام ثلاثة:
التعلم، والتربية، والتوعية، لذا أشار الله تعالى إلى مشروعية الخطبة بقوله: ((يأيها الذين آمنو إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)) الجمعة: 9. إذ الآية بيان لحال النبي صلى الله عليه وسلم ساعة إلقاء خطبة الجمعة، كما ثبت في الحديث. لذلك ذهب إلى وجوب يوم الجمعة جمهور العلماء، إلا من يحكى عن الحسن البصري، وابن الماجشون، ابن حبيب المالكي في اختيارههما لسنيتها.
الخطبة شعيرة عظمية في هذا الدين لكونها الطريق المباشر إلى مشافهة الجمهور. لذلك كان الأنبياء كلهم يقومون على رؤوس الأشهاد من أقوامهم لتبليغ رسالات الله فقد ذكر الله تعالى مهارة نبيه دواد – عليه السلام – في الخطابة بقوله: "وآتيناه الحكمة، وفصل الخطاب". وهو القدرة على البيان الكافى الذي يقوم به داود عليه الصلام في كل غرض.
وقال عباس رضى الله عنه فيما يروبه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قام موسى النبي خطيبا في بنى إسرائيل." فدلّ على قدم الخطابة. ويويده وحيا أن نبي الله موسى طلب من الله أن يردؤه بهارون أخيه وزيرا. وذكر قائلا: ((وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا، يصدقنى، إني أخاف أن يكذبون)) – القصص 34 – يعنى أن هارون يعينه في التبليغ والبيان للناس.
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم يخطبون في الأعياد الشرعية وفي المناسبات بالقيام للخطابة. وكتب الحديث بذكر الروايات في ذلك.
ومن أهم مكانة أن الملائكة يصغون إلى خطيب الجمعة، كما ثبت في الحديث أنه: "إذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
والمتأمل لترجم القدماء من العلماء يلاخط أن الخطابة أصبحت مركزا مهما في عصورهم، يهتم الأمراء والأثرياءبها، يختارون الأمثل لهذا المنصب العظيم. ولم تزل مكانة الخطابة مصونة لحد مالم تصل إليها لأيدى العابثة للتدنيس.
الخطابة والدعوة وجهان لعلة واحدة، أو هي – في الحقيقة – من الوسائل الكبرى للدعوة. وأغراض الخطبة كثيرة، ولكن المقصد العام منها هو التعليم عن طريق إثارة العواطف نحو الإستمتساك بالشريعة، والوعظ والتذكير بالله تعالى، وتفقيه المسلمين حقائق دينهم، وإحياء روج الجهاد لقوة في نفوس الأمة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، وردّ الشبهات والأباطيل التي يثيرها خصومه. والمهم أن تضم الخطبة التبصير والإستيقاظ. ومن هنا ما يقال: "أن تقول فلا تبطئ، وأن تصيب فلا تخطئ".
عوامل نجاح الخطيب
أيها الأئمة إعلموا أن نجاح الخطيب في مهمته يرجع إلى عاملين رئيسيين:
1. يتعلق يصفات الخطيب وإعداد
2. يتعلق بلطفية إعداد الخطبة
فالأول التي تتعلق بصفات واعداد الخطيب أهمها ما يأتي:
1. الإخلاص
2. الإسستقامة
3. سعة العلم
4. حسن الهيئة والمظهر
5. الشجاعة في قول الحق
6. التحلى بالصبر، واحتمال المكاره
7. قوة الملاحظة وسرعة الفهم
8. الإلمام بأحوال الناس ومراعات مقتضى الحال
9. طلاقة الوجه عند اللقاء
10. التطبيق الجاد لمعانى الخطبة
11. العوارض والمؤكدات
12. السعى في خدمة الناس وحل مشاكلهم
13. لاتحسد أحدا، ولا تحزن من الحساد.
1. الإخلاص
أيها الإئمة الإخلاص هو الإقبال بالقصد والعزم والنية على الله تعالى أو تصفية العمل من شواائب من شوائب الشرك والرياء، وتقية العمل عن ملاحظة المخلوقين قال تعالى: ((وما أمر إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)).
وقال تعالى أيضا ((فاعبد الله مخلصا له الدين الا لله الدين الخالص)).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالبنيات وإنما لكل امرئ مانوى".
فالخطيب الذي تتوفر صفة الإخلاص. تكون خطبته عبادة وقربة إلى الله، لأنها دعوة إلى الله من القلب إلى القلب وأما من لاتكون له هذه الصفة فهو مراء، لايعمل إلا لنفسه وللشهرة.
ومن الإخلاص أيها الأئمة أن لا يكون الخطيب متعصبا لشخص، أوجماعة أو مذهب؛ لأن هذه العصبية قد تحمله على عدم قبول الحق من الخالف والإصرار على رأيه، وإن كان باطلا.
2. الإستقامة وحسن الخلق
أيها الأئمة أن استقامة الخطيب هي سر نجاح دعوته، وهي المؤهل لإمامته. لأن الناس ينظرون للخظيب على أنه القدوة الحسنة بالنسبة لهم، فهم يراقبون أقواله، وأفعاله مع الملاحظة منه الأشياء إلى تتنافى مع الإستقامة التي تهدم المروءة.
3. سعة العلم والعرفة
ينبغي على الخطيب أن يكون واسع العلم والمعرفة لأن العلم هو بضاعة الخطيب التي بعطيها الناس، فإذا كان يضاعته قليلة أو مزاجاة انصرف الناس عنه وزهد فيه.
وبهذا أيها الأئمة يقرض على الخطيب مداومة المطالعة في كتب العلم، وهذا يقتضى من الخطيب دراسة اللغة العربية والإلمام بقواعدها حتى لايلحن الخطيب في كلامة.
الخطباء يبلغون عن الله، ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى تعتمد للعلم بما يبلغ – والصدق فيه – لم يصلح مرتبة التبليغ إلا لمن اتصف بالعلم والصدق.
كما ينبغي على الإمام أن يحسن تلاوته القرءان وأن يكون على معرفة بعلم التجويد، وحتى لايلحن في تلاوة القرءان.
وكذلك ينبغي على الحظيب معرفة علم مصطلح الحديث حتى يستطيع تمييز الحديث الصحيح المقبول من الضعيف المردود، لأن بعض الخطباء قديقرأ حديثا فيعجبه معناه ومبناه، فيستشهد به، ثم يتبين أنه حديث ضعيف أو موضوع وقد يكون لا أصل له.
وأما إن عجز الخطيب عن التمييز بين الصحيح والضعيف من الأحاديث فينبغي عليه أن يرجع إلى كتب أهل العلم الثقات في علم مصطلح الحديث.
مصادر الخطيب:
ينبغي على الخطيب أيها الأئمة أن يكثر الإطلاع في أمهات كتب الفقه والحديث والتفسير.
لكى ينجح الخطيب في هذه المهمة عليه أن يستمد فقهه من الكتب التي صنفت على فقه الدليل أمثال نيل الأوطار للشوكانى، وفقه السنة للسيد سابق، وصحيح فقه السنة وغيرها من كتب فقه الدليل.
ومن أراد التوسع في المسائل فقهية، فليرجع إلى الأمهات في هذا الباب، مثل كتاب "فتح الباري للحافط ابن حجر العسقلانى"، و"شرح النووي على صحيح مسلم"، و"المغنى للإمام ابن قدامة".
وأما التفسير فمن أمثلها تفسير ابن كثير، تفسير الطبرى، تفسير القرطبي، وتفسير كريم الرحمن للسعدى.
كما يجب على الخطيب أن يهتم لدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ودراسة كل ما يتصل يحياته، ونشأته، وبعثته، ودراسة دعوته وغزاواته ومراحلها المتخلفة وأساليبه صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ومنهج الدعوة والتربية والتعليم وأخبار هجرته، وكل ما يتعلق له من ميلاده إلى وفاته. قال تعالى: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كذيرا)) {الأحزاب: 21}.
هذا أيها الأئمة يعطى للخطيب زاد كثيرا من العلم والمعرفة، وتجعل دعوته مرتبطة بحياة بنيه، وإمامه وقدوته.
وكما ينبغي دراسة سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم الصفوة الذين شرفهم الله عزوجل لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا معه في السراء والضراء، بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل نصر الدين. كما يلزم الخطيب دراسة التاريخ الإسلامي كي يستخرج منه الدروس والعبر، ويعرف المسلمين بتاريخهم المجيد.
ومن السنة أن يفتح الإمام بخطبة الحاجة وهي قوله: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله".
ثم يأتي بالآيات من القرآن:
ﱡﭐ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱠ
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ
ﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﱠ
أما بعد...
وروى مسلم حديث جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش، لذا يستحب للإمام أن يفخم الخطبة سواء في الترغيب أو الترهيب.
4. حسن الهيئة.
أيها الأئمة يجب على الخطيب أن بهتم بحسن هيئته ومظهره، فلا يليق بالخطيب أن يذهب لإلقاء حطبة الجمعة بلباس يدعوا إلى السخرية وسوء المنظر، وكذلك ينبغي عليه إصلاح صورته من حيث النظافة، والتطييب، واستعمال السواك، كما يستحب له لبس الثياب البياض لطيبها، وطهارتها، صفائها، ونقائها فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أو خرجه أحمد في مسنده البسوا البياض فإنها من خير ثيابكم. وقد روى الترمذي قال صلى الله عليه وسلم البسوا البياض فإنها أطيب وأطهر.
وكذلك ينبغي على الخطيب أن يحافظ على هيبته، ووقاره وذلك بالترفع مجالس السوء، وعدم التلفظ بألفاظ فيها شئ من الخروج عن عادته المألوفة، وعدم مجارات العوام في مزاحهم، والبعد عن الخطا، والدنايا، ومواطن الشبهات حتى لايتجرئ عليه السفهاء لأنه يكون دائما مزآة صافية للناس، كل من نظر فيها رأى عيوبه، وتعرف عن نقائصه.
5. الشجاعة في قول الحق
ينبغي على الخطيب أن يكون شجاعا في قول الحق ولا يتهيب الناس، ولا تحمله هذه المهابة إلى كتمان الحق وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما أخرج الترمذي وابن ماجه: "لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه".
كما يبغى أن يكون الخطيب ثابت، واثقا في الحق الذي يدعوا إليه لأن مواجهة الناس بالنصح، والدعوة والتذكير، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومخالفتهم فيما يقومون عليه من مبادئ، وعاداة، وتقاليد، ليس بالأمر الهين. إنما يحتاج إلى مؤهلات خاصة، منها الإقدام والشجاعة والجراأة وعدم المبالات لسخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين والثقة في نصر وتأييد من الله رب العلمين.
6. التحلي بالصبر واحتمال الكره.
أيها الأئمة أيها الدعاة إلى الله اعلموا أن طريق الدعوة إلى الله والخطبة طريق شاق وطويلة مملوءة بالأشواك والصعاب والإبتلاءات والمحن والفتن والإغراءات لاتتحمله إلا نفوس الرجال ولاتقوم به إلا همم الصادقين الأبطال.
هذا الطريق أيها الأئمة هو طريق الأنبياء فيها تعب آدم وتعب نوح ولبث ألف سنة إلا خمسين عام. ورمى في النار الخليل، وأخرج للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، وقاسى المرض أيوب، وكذلك سيرة خاتم الأنبياء نبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
فالإمام الأكبر أيها الأئمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تحمل كل الشدائد. فقد وضع السلى على رأسه، وأدميت قدما، وشج وجهه وحوصر في الشعب حتى أكل ورق الشجر، وطرد من مكة وكسرت ثنيته ورمى زوجته الشريفة في عرضها، وقتل سبعون من أصحابه، وربط الحجر على بطبه من الجوع. وأتهم بأنه شاعر، كاهن، ومجنون، وكذاب. صانه الله من ذالك كل هذه البلاء لا أعظم من ذلك.
قتل زكرياء، وذبح يحي، وهجر موسى، وهكذا صار الأئمة المهدين بعده، أصيب على عمر فقتل، واغتيل عثمان، وطعن علي. ثم جاء الأئمة بعدهم فجلدوا على أعين الناس وسجنوا ولكل بالأبرار.
قال تعالى: ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا)).
7. قوة الملاحظة
أيها الأئمة ينبغي على الخطيب أن يكون قوي الملاحظة حاضر الذهن سريع البدهية لا يخافو في حواب ولا يضطرب في دفع الإعتراض.
قوة الملاحظة أيها الأئمة بها يدرك الخطيب أحول السامعين عند إلقاء خطبته، أهم مقبلون عليه؟ فيسترسل في قوله، ويستمر في نهجه، أم معرضون عنه فيتجه إلى ناجية أخرى. يراها أقرب إلى قلوبهم، وبالملاحظة أيضا يجدد الخطيب من نشاطهم ويذهب بفتورهم.
8. الإلمام بأحوال الناس ومراعات مقتضى الحال
أيها الأئمة فإن معرفة الخطيب لأحول المدعو بين ومعرفة عقيدتهم، وميولهم، وعقلياتهم، وظروفهم من أنجح الأمور التي تعينه على تشخيص الداء ومعرفة الدواء، وتمكنه على تحليل موضوع الخطبة.
9. طلاقة الوجه.
أيها الأئمة ينبغي على الخطيب أن يقابل الناس بوجه طلق مستبشر، هذا يجعل الناس يرتاحون إليه وقبلون على سماعه.
أما الخطيب العابس فإنه يضع حاجزا بينه وبين الناس ويجعلهم ينصرفون عنه لأنهم قديشعرون منه بالتعالى عليهم، وتحقير شأنهم، ولذا قال صلى الله عليه وسلم فيما روا مسلم "لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلق أخاك بوجه طلق".
إن الخطيب الناجح هو الذي يستطيع أن يدخل الناس السرور، ويطرد عنهم الهموم والغموم، وأن ترد عليه الناس وهم في غاية التعب والضيق واليأس والقنوط، فيقوموا من عنده بنفوس جديدة، وأفئدة مستنيرة في غاية الراحة، والطمأنينة، والأمل والسعادة.
10. العوارض والمؤكدات
فقد تخطر نكت مفيدة، لم تجطر له عند إعداد الخطبة، - فليبادر مراعيا زمن الخطبة المحدد – بإدراجها أثناء الإلقاء، ربما تحلى الخطبة وتزينها أكثر مما استعد. ولكن لا يجمل بالخطيب أو الداعية أو الواعظ أن تكون خطبته أو موعظته خالية من ذكر هدايات النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله فعاله وتقريراته، ومن سيرته.
والناس يتشوقون أيضا إلى سماع حِكَم العلماء السابقين وأقوالهم، الجهود العملية التي قام بها السلف الصالح وتجاربهم، فالخطيب الذي يبتغى النجاح تعتنى بها جيدا، فيخللها داخل كلامه هنا وهناك!.
11. التطبيق الجاد لمعانى الخطبة
في كثير من الأحايين يقيس الناس بمقاييس مادية، ولهم بعض الحق في ذلك إلى مدى م. لذلك لابد للخطيب الذي يريد نجاح خطبه أن يصقل شخصيته بتطبيق ما كان يأمر به، وينتهى عما كان ينهى، ليكون أسعد في أعين مستمعيه، وأقبل في وجدانهم قبل أن يطرق كلامه أسماعهم عند الخطبة وبعدها. فإن نجاح الخطبة متصل بسيرة الخطيب وحسن صلته بالله عز وجل. وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن الأئمة قائلا: "خيركم أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، وشر أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم". وهذا الحديث، وإن كان متعلقا بالإمامة الكبرى، أنه عام، يشمل حتى أئمة المساجد. لذلك يجب على الخطيب يكون أول بيادر في تنفيذ ما يدعوا إليه.
12. السعى في خدمة الناس وحل مشاكلهم.
أيها الأئمة لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشارك المسلمين في الأمورهم ويقضى حاجتهم، ويحمل الكل، ويكسب المعدومة، وينفس عن المكروب، ويظما ليروى الناس ويسهر لينامو، ويجوع ليشبعوا، ويتعب ليسرحوا، خدمهم، ولا يستخدمهم وروى الحكم والطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ن أيمشى أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته وأشار بأصبعيه أفضل من أن يعتكف في مسجدى هذا شهرين".
أيها الأئمة فلا بد أن تنتقل الدعوة نقلة نوعيه من مجرد الكلام إلى العمل والسعى للتخفيف عنهم ورفع ما يكون رفعه من الألام، فإذا كان الخطيب كذلك فالناس يممئنون إليه، ويثقون فيه، ويمكنه أن ينتزع منهم ملا يستطيعه غيره.
13. لا يحسد، ولا تحزن عن الحساد.
أيها الأئمة ينبغي على الإمام والدعى ألا يحزن من حسد الحاسدين، وليعلم أنه مأجور على صبره، وليحمد الله على ما آتاه من فضله، وليدعوه سبحانه وتعالى أن يكف عنه أذى حاسديه ولا يشغل نفسه بهم حتى لايثبطوك عن دعوتك.
واعلم أيها الخطيب أن الصمت يقهر الأعداء، وأن العفو مثوبــــــــة، وشــــــــرف، وأن حــــــــاسديك وشأنـــــــيك إلى زوال، ولتـــــــبقى أنت مــــــــا دمت عـــــــلى حق ســــــــــواء في حيــــــــــاتك أو بعد مماتك. قــــال تعالى: ((فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمثك في الأرض)).
القسم الثاني عوامل نجاح الخطبة:
وهو ما يتعلق بكيفية إعداد الحطبة.
1. حسن إختيار الوضوع
إخوانى الأئمة إن لحسن إختبار الموضوع للحطبة عامل كبير في نجاح الخطبة فإذا كان الوضوح يفيد الناس في حياتهم، وقربهم إلى خالقهم فإنهم يقبلون على سماع الخطيب ويهتمون بما يقول.
قال الشيخ علي محفوظ:
إن أفضل الخطبة الدينية ما كان مطابقا بمقتضى الحال ملائما لما تدعوا إليه حاجة السامعين. وإن من أحب أن يكون نصحه نافعا، وإرشاده مفيدا فلينظر إلى المنكرات الفاشية في الناس وأمراض النفيس المنتشرة فيجعلها على موضوع خطبته.
2. حسن إلقاء الخطبة:
من أهم العوامل في نجاح الخطبة أو فشلها حسن إلقائها أو عدمه.
فقد تكون الخطبة جيدة المعاني والأفكار حسنة العبارات والأسلوب، ثم لا تظفر بإلقاء جيد، فتضيع فائدتها إذ لا يفهمها السامعون، ولا تجذب انتباههم، وقد تكون أقل من ذلك في إعدادها وتكوينها، وتكون إلقائها تنتهي إلى السامعين كل جزئية منها فتكون فائدتهم أكبر أو أكثر.
فخير الخطيب ما جمع بين حسن التأليف والتأثير مع تلوين الصوت، فيكون تكييف صوته نتيجة انفعاله وتأثيره.
3. النطق الجيد.
هنا إخواني يحسن للخطيب أداء الكلمة، بأن يخرج الحروف من مخارجها الطبيعية، ويتجنب النطق المخل بالحروف، والذي يترتب عليه إخلال بالمنعى، كان ينطق – خاء – كاف. كقولك "كمس سلوات" بدلا من "خمس صلوات".
كما يجب عليه مراعات الحروف اللثوية – وهي الثاء، والذال، والطاء، فتراه ينطق الثاء سينا فقول "سم" يدل من "ثم".
والذال زايا قيول ويقصد بها "ذل".
السمات التي ينبغي توافرها في أسلوب الخطبة:
1- الوضوح
2- قصر الجمل
3- استعمال صيغ الاستفهام والتعجب والإشارة إليها
4- الاستعانة بالقصص والأحداث التاريخية الصحيحة بعيدة عن الإسرائيليات.
5- ألفاظ الخطبة وعباراتها تكون حسب المقام
1/ الوضوح: فالمقصود من وضوح العبارة وظهور معانيها بحيث يكون الغرض الذي يهدف إليه الخطيب مفهوما للسامعين.
فلا يستعمل الإمام في الخطبة كلمات لغوية غامضة ولا تعبيرات مجازية بعيدة المعنى.
2/ قصر الجمل: تعتمد الخطبة على الجمل القصيرة، وعدم الفعل البعيد بين أجزائها.
3/ استعمال صيغ الاستفهام والتعجب والإشارة إليها: أيها الأئمة هناك بعض المواضع يحسن فيها استعمال (صيغ الاستفهام وصيغ التعجب) لأداء يأخذ بانتباه المستمعين وبعقولهم وتكون حجة في ذهن المستمع.
وهكذا أيها الأئمة لقد ابتلى كثير من الأئمة بالأخطاء اللغوية فينبغى على الإمام أن يتجنب هذه الأخطاء الفاحشة.
وأخبرا أوصيكم ونفسى بتنوع الأصوات والتلفظ بأداة الإستفهام بصورة تدل على أهمية الترجمة إلى اللغة المحلية
الخاتمة
وفي الختام، أسأل الله تعالى أن ينفعنى وإياكم عافي هذه المقالة التي لاتسمن ولا تغني، لأن هذا ميدان للعلماء المهدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلين.