صلاة الكسوف في ضوء الكتاب والسنة
التصنيفات
- فقه >> العبادات >> الصلاة >> صلاة التطوع >> صلاة الكسوف والخسوف
المصادر
الوصف المفصل
- صلاة الكسوف في ضوء الكتاب والسنة
- المقدمة
- أولاً: مفهوم الكسوف، والخسوف:
- ثانيًا: الكسوف أو الخسوف: آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده؛
- ثالثًا: أسباب الكسوف الحسّيَّة والشرعية:
- رابعًا: فوائد الكسوف وحِكَمَهُ:
- خامسًا: حُكم صلاة الكسوف:
- سادسًا: آداب صلاة الكسوف، لصلاة الكسوف آداب عظيمة ينبغي العناية بها، ومنها:
- سابعًا: صفة صلاة الكسوف على النحو الآتي:
- ثامنًا: وقت صلاة الكسوف من وقت ابتداء الكسوف إلى ذهابه وانجلائه؛
- تاسعًا: تدرك الركعة من صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول،
- عاشرًا: الصلاة للآيات:
صلاة الكسوف في ضوء الكتاب والسنة
مَفهُومٌ، وَأسبابٌ، وَآدَابٌ، وَآياتٌ، وَحِكَم، وَأحْكامٌ
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد.
فهذه رسالة مختصرة في: ((صلاة الكسوف)) وما يتعلق بها من أحكام، بيَّنت فيها بتوفيق الله تعالى: مفهوم الكسوف والخسوف، وأن ذلك من آيات الله التي يُخوِّف بهما عباده، وبيَّنت أسباب الكسوف الحسّيَّة والشرعيَّة، وفوائد الكسوف وحِكمه، وحُكم صلاة الكسوف، وآداب صلاة الكسوف: الواجبة والمستحبة، وصفة صلاة الكسوف، ووقتها، وأنها لا تُدرَك الركعة إلا بإدراك الركوع الأول، وذكرت خلاف العلماء في الصلاة للآيات، وقد قرنت كل مسألة بدليلها أو تعليلها على قدر الإمكان، وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد عصر يوم الإثنين
الموافق 18/1/1423هـ
أولاً: مفهوم الكسوف، والخسوف:
الكسوف لغة: التغير إلى سواد، يقال: كسفت حاله إذا تغيرت، وكسف وجهه إذا تغير، وكسفت الشمس: اسودَّت، وذهب شعاعها([1]).
والخسوف لغة: النقصان، يقال: خسف المكان يخسف خسوفًا، إذا ذهب في الأرض، ويقال: عينٌ خاسفة: إذا غابت حدقتها، منقول من خسف القمر، وبئر مخسوفة: إذا غاب ماؤها ونزف، منقول من خسف الله القمر، وتُصوِّرَ من خسف القمر مهانة تلحقه فاستعير الخسف للذل، فقيل: تحمل فلان خسفًا([2]).
فكسوف الشمس والقمر وخسوفهما:تغيرهما ونقصان ضوئهما فهما بمعنى واحد وكلاهما صحت به الأحاديث، وجاء القرآن بلفظ الخسوف للقمر([3]).
الكسوف أو الخسوف في الاصطلاح: احتجاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه بسبب معتاد يخوف الله به عباده، فعلى هذا يكون الكسوف والخسوف مترادفين أي بمعنى واحد، فَيُقال: كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف([4])، وقيل: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر([5]).
ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف وخسوف، أما إذا انفردت كل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد؛ ولهذا نظائر في اللغة العربية، والله تعالى أعلم([6]).
ثانيًا: الكسوف أو الخسوف: آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده؛
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: ((إنَّ الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا))([7])؛ ولحديث أبي مسعود t، قال: قال النبي ﷺ: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ من الناس، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فقوموا فصلُّوا))([8]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: ((آيتان)): أي علامتان، ((من آيات الله)) أي الدالة على وحدانية الله، وعظيم قدرته، أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قوله تعالى: ] وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [([9]) ([10])؛ ولحديث أبي بكرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يُخوِّف بهما عباده))([11]).
وعن عائشة رضي الله عنها ترفعه: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا))([12]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((وكأن بعض الناس ظن أن كسوفها [أي الشمس] كان؛ لأن إبراهيم مات فخطبهم النبي ﷺ وقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة))([13]). وفي رواية في الصحيح: ((ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده))([14]). وهذا بيان منه ﷺ أنهما سبب لنـزول عذاب بالناس؛ فإن الله تعالى إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه، وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفًا، قال تعالى: ] وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [([15])، وأمر النبي ﷺ بما يزيل الخوف: أمر بالصلاة، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق، حتى يُكشف ما بالناس، وصلى بالمسلمين صلاة الكسوف صلاة طويلة))([16]).
وهذا يؤكد الاستعداد بالمراقبة لله تعالى والالتجاء إليه سبحانه، وخاصة عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه([17]).
ثالثًا: أسباب الكسوف الحسّيَّة والشرعية:
السبب الحسي([18])، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وفي قوله ﷺ: ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته))([19])، قولان:
أحدهما: أن موت الميت وحياته لا يكون سببًا انكسافهما، كما كان يقوله كثير من جهال العرب وغيرهم عند الانكساف، أن ذلك لموت عظيم، أو ولادة عظيم، فأبطل النبي ﷺ ذلك، وأخبر أن موت الميت وحياته لا يؤثر في كسوفهما البتة.
والثاني: أنه لا يحصل عن انكسافهما موت ولا حياة، فلا يكون انكسافهما سببًا لموت ميت ولا لحياة حي، وإنما ذلك تخويف من الله لعباده أجرى العادة بحصوله في أوقات معلومة،بالحساب:طلوع الهلال،وإبداره، وسراره.
فأما سبب كسوف الشمس: فهو توسط القمر بين جرم الشمس وبين أبصارنا.
وأما سبب خسوف القمر: ((فهو توسط الأرض بينه وبين الشمس حتى يصير القمر ممنوعًا من اكتساب النور من الشمس، ويبقى ظلام ظل الأرض في ممره؛ لأن القمر لا ضوء له أبدًا،وأنه يكتسب الضوء من الشمس…))([20]).
والعلم بوقت الكسوف ليس من علم الغيب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((الكسوف والخسوف لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجرى الله عادته بالليل والنهار، والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر، وذلك من آيات الله… وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر، أو ليلة إحدى وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين أو تسعة وعشرين، فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل، فهو غالط، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، ووقت إبداره: الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها: ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي، والهلال يستسر آخر الشهر إما ليلة وإما ليلتين، كما يستسر ليلة تسع وعشرين، وثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره، وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف… وليس خبر الحاسب بذلك من علم الغيب، ومن قال من الفقهاء إن الشمس تكسف في وقت الاستسرار فقد غلط، وقال ما ليس له به علم…([21])))([22]).
ولا يُكذَّب المخبر بالكسوف ولا يُصدَّق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه، فلا يجوز أن يصدق إلا أن يعلم صدقه، ولا يكذب إلا أن يعلم كذبه([23])، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي، فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تُصلَّى إلا إذا شاهدنا ذلك، وإذا جوَّز الإنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه فنوى أن يُصلي الكسوف والخسوف عند ذلك، واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك كان هذا حثًّا من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته؛ فإن الصلاة عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين، وقد تواترت بها السنن عن النبي ﷺ، ورواها أهل الصحيح، والسنن، والمسانيد من وجوه كثيرة))([24]).
السبب الشرعي: هو تخويف الله تعالى لعباده؛ لحديث أبي بكرة t عن النبي ﷺ قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يخوِّف بهما عباده))([25]).
وهذا السبب هو الذي يفيد؛ ليرجعوا إلى الله تعالى، أما السبب الحسي فليس ذا فائدة كبيرة؛ ولهذا لم يبينه النبي ﷺ([26]).
قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الحديث السابق: ((فذكر أن حِكْمَةَ ذلك تخويف العباد كما يكون تخويفهم في سائر الآيات: كالرياح الشديدة، والزلازل، والجدب، والأمطار المتواترة، ونحو ذلك من الأسباب التي قد تكون عذابًا؛ كما عذب الله أُممًا بالريح، والصيحة، والطوفان، وقال تعالى: ] فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [([27])، وقد قال: ] وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [([28])، وإخباره بأنه يخوف عباده بذلك يبين أنه قد يكون سببًا لعذاب ينـزل: كالريح العاصفة الشديدة، وإنما يكون ذلك إذا كان الله قد جعل ذلك سببًا لِمَا ينـزل في الأرض))([29]).
وقد سبق أن شيخ الإسلام ذكر: أن النبي ﷺ بيّن أن كسوف الشمس والقمر سبب لنـزول عذاب بالناس([30]).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((نعم لا ننكر أنه سبحانه يحدث عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم، ويجعل الكسوف سببًا لذلك؛ ولهذا أمر النبي ﷺ عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله، والصلاة، والعتاقة، والصدقة، والصيام؛ لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسف الذي جعله الله سببًا لِمَا جعله، فلولا انعقاد سبب التخويف لَمَا أمر بدفع موجبه بهذه العبادات، ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء، والنعماء، ويقضي من الأسباب ما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به، أو يقلله، أو يخففه، فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه الشر الذي جعل الله الكسوف سببًا له أو بعضه؛ ولهذا قلّ ما تسلم أطراف الأرض حيث يخفى الإيمان وما جاءت به الرسل من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف، وتسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل، أو يقل فيها جدًا، ولمَّا كسفت الشمس على عهد النبي ﷺ قام فزعًا مسرعًا يجرُّ رداءه، ونادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطبهم بتلك الخطبة البليغة، وأخبر أنه لم يرَ كيومه ذلك في الخير والشر، وأمرهم عند حصول مثل تلك الحالة: بالعتاقة، والصدقة، والصلاة، والتوبة، فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله، وبأمره، وشأنه، وتعريفه أمور مخلوقاته، وتدبيره، وأنصحهم للأمة، ومن دعاهم إلى ما فيه سعادتهم: في معاشهم، ومعادهم، ونهاهم عما فيه: هلاكهم: في معاشهم ومعادهم))([31]).
والعلم بوقت الكسوف لا ينافي الخوف؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما كون الكسوف أو غيره قد يكون سببًا لحادث في الأرض من عذاب يقتضي موتًا أو غيره: فهذا قد أثبته الحديث نفسه))([32]). وقال رحمه الله: ((فإذا كان الكسوف له أجل مسمى لم ينافي ذلك أن يكون عند أجله يجعله الله سببًا لِمَا يقتضيه من عذاب وغيره لمن يعذب الله في ذلك الوقت، أو لغيره ممن ينزل الله به ذلك، كما أن تعذيب الله لمن عذبه بالريح الشديدة الباردة: كقوم عاد كانت في الوقت المناسب وهو آخر الشتاء كما ذكر ذلك أهل التفسير، وقصص الأنبياء، وكذلك الأوقات التي يُنزل الله فيها الرحمة: كالعشر الآخرة من رمضان، والأُول من ذي الحجة، وكجوف الليل، وغير ذلك: هي أوقات محدودة لا تتقدم ولا تتأخر،وينزل فيها من الرحمة ما لا ينزل في غيرها))([33]).
ولا تنافي بين اجتماع السبب الحسي والشرعي، ويكون الحسي معلومًا معروفًا للناس قبل أن يقع، والشرعي معلومًا بطريق الوحي؛ ((لأنه حتى الأمور العظيمة: كالخسف بالأرض، والزلازل، والصواعق، وشبهها التي يحس الناس بضررها وأنها عقوبة لها أسباب طبيعية، يُقدِّر الله هذه الأسباب الطبيعية حتى تكون المسببات، وتكون الحكمة من ذلك: هو تخويف العباد، فالزلازل لها أسباب، والصواعق لها أسباب، والبراكين لها أسباب، والعواصف لها أسباب، لكن يُقَدِّر الله هذه الأسباب من أجل استقامة الناس على دين الله…))([34]).
رابعًا: فوائد الكسوف وحِكَمَهُ:
للكسوف حِكَمٌ عظيمةٌ منها، سبع فوائد: قال ابن الملقن رحمه الله تعالى: ((ونقل المحب الطبري في أحكامه عن بعضهم أن في الكسوف سبع فوائد:
الأولى: ظهور التصرف في الشمس والقمر، وهما خلقان عظيمان.
الثانية: أن يتبين بتغيُّرهما تَغيُّر شأن ما بعدهما([35]).
الثالثة: إزعاج القلوب الساكنة بالغفلة وإيقاظها.
الرابعة: ليرى الناس نموذج ما سيجري في القيامة، قال تعالى: ] وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [([36]).
الخامسة: أنهما موجودان في حال الكمال، ويكسفان ثم يلطف بهما، ويعادان إلى ما كانا عليه، تنبيهًا على خوف المكر ورجاء العفو.
السادسة: إعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له؛ ليحذر من له ذنب.
السابعة: أن الناس قد أَنسوا بالصلوات المفروضات، فيأتونها من غير انزعاج ولا خوف، فأتى بهذه الآية سببًا لهذه الصلاة؛ ليفعلها بانزعاج، وخوف، ولعل تركه يصير عادة لهم في المفروضات))([37]).
خامسًا: حُكم صلاة الكسوف:
صلاة الكسوف: قيل: سنة مؤكدة، قال الإمام النووي رحمه الله: ((وأجمع العلماء على أنها سنة))([38]). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وصلاة الكسوف سنة مؤكدة؛ لأن النبي ﷺ فعلها وأمر بها))([39]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، ولم أره لغيره، إلا ما حُكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل عن بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة))([40])، وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((وقال بعض العلماء بوجوب صلاة الكسوف؛ لأن النبي ﷺ فعلها وأمر بها))([41]). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة؛ لقول النبي ﷺ: ((إذا رأيتم ذلك فصلوا)) قال ابن القيم في كتاب الصلاة وهو قول قوي([42])، أي القول بالوجوب، وصدق رحمه الله؛ لأن النبي ﷺ أمر بها، وخرج فزعًا، وقال: إنها تخويف، وخطب خطبة عظيمة، وعُرِضت عليه الجنة والنار، وكل هذه القرائن العظيمة تشعر بوجوبها؛ لأنها قرائن عظيمة، ولو قلنا: إنها ليست بواجبة، وأن الناس مع وجود الكسوف إذا تركوها مع هذا الأمر من النبي ﷺ والتأكيد فلا إثم عليهم لكان في هذا شيء من النظر، كيف يكون تخويفًا ثم لا نبالي وكأنه أمر عادي، أين الخوف؟ وهذا القول قوي جدًّا، ولا أرى أن الناس يرون الكسوف في الشمس أو القمر ثم لا يبالون به، كل في تجارته، كل في لهوه، كل في مزرعته، فهذا شيء يخشى أن تنزل بسببه العقوبة التي أنذرنا الله إياها بهذا الكسوف، فالقول بالوجوب أقوى من القول بالاستحباب))([43]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهي سنة مؤكدة، وقيل بالوجوب وهو قول قوي))([44]).
سادسًا: آداب صلاة الكسوف، لصلاة الكسوف آداب عظيمة ينبغي العناية بها، ومنها:
1 - الخوف من الله تعالى عند كسوف الشمس أو القمر؛ لقول النبي ﷺ: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله يخوِّف بهما عباده))([45])؛ ولحديث أبي بردة عن أبي موسى قال: خسفت الشمس فقام النبي ﷺ فَزِعًا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام، وركوع، وسجود رأيته قط يفعله، وقال: ((هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته،ولكن يخوِّف الله بها عباده،فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه، واستغفاره))([46]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((فلعله [ﷺ] خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط: كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الطلوع والطلوع المذكور أشياء مما ذكر، وتقع متتالية بعضها إثر بعض، مع استحضار قوله تعالى: ] وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ([47])[ ([48]).
فينبغي للمؤمن أن يخاف من نزول عقوبة عند كسوف الشمس أو القمر، وقد خاف النبي ﷺ عند كسوف الشمس، فخرج فزعًا يجرُّ رداءه، وقد كان من هديه ﷺ أنه يعتني بما يحدث من الظواهر الكونية التي يجريها الله تعالى ويحثّ الناس على الدعاء والحذر من نزول العقوبات، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ إذا كان يوم الريح والغيم عُرِفَ ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرّ بِهِ وذهب عنه ذلك، فسألته فقال: ((إني خشيت أن يكون عذابًا سُلِّط على أمتي)) ويقول إذا رأى المطر: ((رحمة))([49]).
وفي رواية: ((كان النبي ﷺ إذا عصفت الريح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أُرسلت به))، وإذا تخيلت السماء([50]) تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرِّي عنه([51]) فعرفتُ ذلك في وجهه، فسألته فقال: ((لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: ] فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [([52]))).
وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: ((ما رأيت رسول الله ﷺ مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى من لهواته، إنما كان يَتَبَسَّمُ، قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرِف ذلك في وجهه، فقالت: يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَهُ عرفتُ في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: ((يا عائشة ما يُؤمِّنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: ] هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا [([53])))([54]).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ذكره لفوائد روايات هذا الحديث: ((فيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه، وكان خوفه ﷺ أن يعاقبوا بعصيان العصاة، وسروره؛ لزوال سبب الخوف))([55])، وقال ﷺ: ((نُصِرتُ بالصَّبا وأهلكت عاد بالدَّبور([56])))([57]).
فهذا من هدي النبي ﷺ وشدة خوفه من عذاب الله تعالى، وشفقته على أمته، فإذا كانت هذه حاله عليه الصلاة والسلام حينما يحدث الكسوف، أو الغيم والريح؛ لأن هذه من آيات الله التي قد تكون دالة على حدوث بلية أو نازلة، أو عذاب، فكيف بحالنا في هذه الأزمان التي كَثُرت فيها المعاصي، والغفلة، والإعراض، واللهو، وغير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيجب علينا أن نلجأ إلى الله ﷻ ونلوذ به ونعتصم بحبله في جميع أحوالنا: في الرخاء والشدة، والسراء والضراء، وقد قال الله تعالى: ] فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [([58])، قال العلامة السعدي رحمه الله: ((فلما دعا العباد إلى النظر لآياته الموجبة لخشيته، والإنابة إليه أمر بما هو المقصود من ذلك: وهو الفرار إليه: أي الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا: فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله، فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله، وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب، وسمى الله الرجوع إليه فرارًا؛ لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب، والأمن والسرور، والسعادة، والفوز، فيفرُّ العبد من قضائه، وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلا الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه يكون الفرار إليه))([59]).
ولشدة خوف النبي ﷺ من الله ﷻ بكى في سجود صلاة الكسوف فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام([60]).
2 - استحضار ما رآه النبي من الأمور العظيمة في صلاة الكسوف؛ فإن ذلك يثمر الخوف من الله ﷻ، فقد رأى النبي ﷺ في صلاة الكسوف: الجنة والنار، وهمَّ أن يأخذ عنقودًا من الجنة فيريهم إياه، ورأى بعض عذاب أهل النار، فرأى: امرأة تعذب في هِرَّة، ورأى عمرو بن مالك بن لُحي يجرّ أمعاءه في النار وكان أول من غيّر دين إبراهيم ﷺ، ورأى فيها سارق الحاج يعذب، ورأى أكثر أهل النار النساء بكفرهن لإحسان العشير، وأُوحي إليه أن الناس يفتنون في قبورهم، ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله ﷺ، وغير ذلك. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال حين خطب الناس بعد صلاة الكسوف: ((يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا)). وفي رواية: ((ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر)).
وفي رواية: ((لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وُعِدْتُهُ حتى لقد رأيت أُريد أن آخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني جعلتُ أتقدم، ولقد رأيت جهنم يَحْطِمُ بعضُها بعضًا، حينما رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لُحيّ، وهو الذي سيَّب السوائب))([61]). وفي رواية: ((ورأيت عمرًا يجر قُصْبَهُ([62]) وهو أول من سيَّب السوائب))([63]).
وفي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال بعد أن صلى صلاة الكسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله))، قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت؟([64]) قال ﷺ: ((إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أرَ منظرًا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)) قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كلَّه، ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط))([65]).
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال في خطبته بعد أن صلى صلاة الكسوف: ((ما من شيء لم أكن أُريته إلا [وقد] رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال، يُؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما ((المؤمن)) أو قال ((الموقن)) فيقال: ما علمك بهذا؟ فيقول: هو رسول الله، هو محمد ﷺ، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا وأجبنا، واتبعنا، وصدقنا، فيقال له: نَمْ صالحًا قد كنا نعلم أنك كنت لمؤمنًا به، وأما المنافق أو قال المرتاب شك هشام فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُهُ))([66])، وفي لفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها ترفعه: ((إني قد رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال…)) قالت عائشة: ((فكنت أسمع رسول الله ﷺ بعد ذلك يتعوَّذ من عذاب النار وعذاب القبر))([67])، قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه إثبات عذاب القبر، وفتنته، وهو مذهب أهل الحق، ومعنى: تفتنون: تمتحنون، فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول المؤمن هو رسول الله، ويقول المنافق: سمعت الناس يقولون شيئًا فقلت، هكذا جاء مفسرًا في الصحيح، وقوله: ((كفتنة الدجال)) أي فتنة شديدة جدًا، وامتحانًا هائلاً، ولكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت))([68]).
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يرفعه: ((... وعرضت عليّ النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض))([69])، وفي رواية: ((... وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجرُّ قُصْبَهُ في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فُطِنَ له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غُفِل عنه ذهب به...))([70]).
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ((... وعرضت عليّ النار فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها، ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله ﷺ))([71]) وغير ذلك من الآيات العظيمة.
3 - النداء بالصلاة جامعة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((لَمّا كسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ نودي: ((إن الصلاة جامعة))([72])؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ، فأمر النبي ﷺ مناديًا ينادي أن الصلاة جامعة، فاجتمعوا واصطفوا فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات))([73]). ومعنى ((الصلاة جامعة)) أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة([74]).
4 - لا أذان لصلاة الكسوف ولا إقامة؛ لأن النبي ﷺ صلاها بغير أذان ولا إقامة؛ ولأنها من غير الصلوات الخمس، فأشبهت سائر النوافل([75])، ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن ابن دقيق العيد قوله: ((وقد اتفقوا على أنه لا يُؤَذَّنُ لها ولا يُقام))([76]). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويُسَنُّ أن ينادى لها: الصلاة جامعة.. ولا يسن لها أذان ولا إقامة))([77]).
5 - الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف سنة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((جهر النبي ﷺ في صلاة الكسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته كبَّر فركع، وإذا رفع من الركعة قال: ((سمع الله لمن حمدهُ ربنا ولك الحمد)) ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات))([78])، ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهارًا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها؛ ولأنها نافلة شرعت لها الجماعة فكان من سنتها الجهر، كصلاة الاستسقاء، والعيد، والتراويح([79]) ([80]).
6 - صلاة الكسوف جماعة في المسجد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((ثم ركب رسول الله ذات غداة مركبًا([81]) فكسفت الشمس فرجع ضُحَىً فمر رسول الله ﷺ بين ظهراني الحُجر([82]) ثم قام فصلى وقام الناس وراءه…)) وفي لفظ لمسلم: ((فخرج رسول الله ﷺ إلى المسجد فقام وكبر وصفَّ الناس وراءه…))([83]).
وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله أن السنة في صلاة الكسوف أن تُصلى جماعة في المسجد؛ لفعل النبي ﷺ، ويجوز أن تُصلى فرادى، ولكن فعلها في الجماعة أفضل؛ لأن النبي ﷺ صلى صلاة جماعة، والسنة أن يصلوا في المسجد([84]).
7 - صلاة النساء خلف الرجال في صلاة الكسوف؛ لأن عائشة وأسماء رضي الله عنهما صلَّتا مع رسول الله ﷺ صلاة الكسوف، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: ((أتيت عائشة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ – حين خسفت الشمس – فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها إلى السماء، وقالت: سبحان الله، فقلتُ: آية؟ فأشارت أي نعم، قالت: فقمت حتى تجلاني الغَشْيُ([85]) فجعلت أصب فوق رأسي الماء…))، وفي لفظ مسلم: ((خسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فدخلت على عائشة وهي تصلي، فقلت ما شأن الناس يصلون؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقلت: آية؟ فأطال رسول الله ﷺ القيام جدًا حتى تجلاّني الغشيُّ فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصبُّ على رأسي أو على وجهي من الماء، فانصرف رسول الله ﷺ وقد تجلّت الشمس…))([86]). وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله: ((باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف))([87])، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك، وقال: يصلين فرادى))([88]).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وتشرع في حق النساء؛ لأن عائشة وأسماء صلتا مع رسول الله ﷺ))([89])، وقال الإمام النووي رحمه الله: ((وفيه استحباب صلاة الكسوف للنساء، وفيه حضورهن وراء الرجال))([90]).
8 - تُصلَّى صلاة الكسوف في السفر؛ لقول النبي ﷺ: ((إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا))([91])، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وتشرع في الحضر والسفر، بإذن الإمام وغير إذنه))([92]).
9 - الإطالة في صلاة الكسوف على حسب تَحَمُّلِ المصلين؛ لحديث أسماء رضي الله عنها، وفيه: ((فأطال رسول الله القيام جدًّا حتى تجلاني الغَشْيُ فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء...))([93]).
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ صلى فقام قيامًا طويلاً [في القيام الأول]: ((نحوًا من قراءة سورة البقرة ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول...))([94]).
فالسنة تطويل صلاة الكسوف تطويلاً لا يشقُّ على الناس([95])، وفي حديث جابر t: ((فصلَّى رسول الله ﷺ بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرّون...))([96]).
10 - الخطبة في صلاة الكسوف سُنَّة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي ﷺ خرج مخرجًا فخُسف بالشمس فخرجنا إلى الحجرة فاجتمع إلينا نساءٌ وأقبل إلينا رسول الله ﷺ، وذلك ضحوةً، فقام قيامًا طويلاً، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع رأسه فقام دون القيام الأول، ثم ركع دون ركوعه، ثم سجد ثم قام الثانية، فصنع مثل ذلك إلا أن قيامه وركوعه دون الركعة الأولى، ثم سجد وتجلت الشمس، فلما انصرف قعد على المنبر فقال فيما يقول: ((إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال)) وفي رواية: قالت عائشة رضي الله عنها: ((كنا نسمعه بعد ذلك يتعوَّذ من عذاب القبر))([97]).
وخلاصة ما جاء في الأحاديث الصحيحة في خطبة النبي ﷺ أنه بعد أن سلَّم من صلاة الكسوف قعد على المنبر([98])، فخطب، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد([99]) ثم قال: ((يا أيها الناس إنّما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك: فاذكروا الله، وكبِّروا))، وأمر بالصدقة، والعتق، والاستغفار، والدعاء([100]) وقال: ((فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة فصلوا حتى ينكشف ما بكم))([101]). وقال: ((يا أمة محمد ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا))([102]). وأخبر ﷺ أنه رأى الجنة وأراد أن يأخذ منها عنقودًا ولو أخذه لأكلوا منه ما بقيت الدنيا، ورأى النار يحطم بعضها بعضًا، ورأى أكثر أهلها النساء([103])، وأخبر عن فتنة القبر وعذاب القبر([104])، ورأى امرأة تعذَّب في النار في هرة حبستها، ورأى فيها سارق الحاج صاحب المحجن([105])، ورأى عمرو بن لحي الذي غيَّر دين إبراهيم يجر أمعاءه في النار([106])، ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله ﷺ([107])، وقال: ((إنه عرض عليّ كل شيء تولجونه))([108])، أي تدخلونه: من جنة، ونار، وقبر، ومحشر([109]).
فهذه خطبة عظيمة وعظ فيها النبي ﷺ أصحابه موعظة بليغة([110]).
11 - الفزع إلى ذكر الله، والدعاء، والاستغفار، والتكبير، والعتق، والصدقة، والصلاة، والتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر؛ للأحاديث الكثيرة في ذلك، ومنها:
حديث المغيرة بن شعبة t، وفيه: ((… فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا الله))([111]).
وحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله، وكبِّروا، وصلوا، وتصدقوا)).
وفي لفظ: ((فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة))([112]).
وحديث أبي موسى t، وفيه: ((فإذا رأيتم شيئًا من ذلك، فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه واستغفاره))([113]).
وحديث أسماء رضي الله عنها قالت: ((لقد أمر النبي ﷺ بالعتاقة في كسوف الشمس))([114]).
وحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر))([115]). ويتعوذوا من فتنة القبر([116]).
سابعًا: صفة صلاة الكسوف على النحو الآتي:
1- يكبِّر تكبيرة الإحرام.
2- يقرأ دعاء الاستفتاح.
3- يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقول بسم الله الرحمن الرحيم.
4- يقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهرًا([117]).
5- يكبر ويركع ركوعًا طويلاً يكرر فيه دعاء الركوع.
6- يرفع ويقول سمع الله لمن حمده، ويقول بعد أن يعتدل: ربنا ولك الحمد.
7- يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون السورة الأولى([118]) بحيث يتميَّز القيام الأول عن القيام الثاني([119]).
8- يكبر ويركع ركوعًا طويلاً دون الركوع الأول بحيث يتميز الركوع الأول عن الركوع الثاني.
9- يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول بعد أن يعتدل: ربنا ولك الحمد، والصواب إطالة هذا الاعتدال بقدر الركوع([120]).
10- يكبر ويسجد سجودًا طويلاً بقدر الركوع([121]).
11- يكبر ويرفع فيجلس بين السجدتين والصواب إطالة هذا الجلوس بقدر السجود([122]).
12- يكبر ويسجد سجودًا طويلاً وهو دون السجود الأول([123]).
13- يكبر ويقوم للركعة الثانية فيصليها مثل الركعة الأولى: بقراءتين، وركوعين، وسجودين إلا أن كل قراءة وقيام وسجود أول أطول من الذي بعده([124]).
14- يجلس للتشهد والصلاة على النبي ﷺ.
15- ينصرف بالتسليمتين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ صلى يوم خسفت الشمس، فقام فكبر، فقرأ قراءة طويلة.
ثم ركع ركوعًا طويلاً.
ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده.
وقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول.
ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول.
ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، [ثم سجد] سجودًا طويلاً.
ثم قام فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول.
ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول.
ثم قام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول.
ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول.
ثم سجد وهو دون السجود الأول، ثم انصرف([125]).
وهذه الصفة لصلاة الكسوف هي المعتمدة([126])، وهي الصواب؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلّت عليها([127]) ([128]).
والله ﷻ الموفق للصواب([129]) وهو الذي يهدي إلى سواء السبيل([130]).
ثامنًا: وقت صلاة الكسوف من وقت ابتداء الكسوف إلى ذهابه وانجلائه؛
لحديث أبي بكرة t قال: كنا عند النبي ﷺ فانكسفت الشمس، فقام رسول الله ﷺ يجرُّ رداءه حتى دخل المسجد، فدخلنا فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس، فقال النبي ﷺ: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)) وفي رواية: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم))([131])؛ ولحديث المغيرة بن شعبة t وفيه: ((… إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجليَ))([132]).
وفي حديث عائشة رضي الله عنها:((فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا))([133]). وهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن وقت صلاة الكسوف من حين الكسوف إلى التجليِّ، فإن فات لم تُقْضَ؛ لأن النبي ﷺ جعل الانجلاء غاية للصلاة؛ ولأن الصلاة إنما شرعت رغبة إلى الله في ردها، فإذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة، وإن انجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة، وإن استترت الشمس والقمر بالسحاب وهما مكسوفان صلى؛ لأن الأصل بقاء الكسوف، وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت على القمر وهو خاسف لم يصل؛ لأنه قد ذهب وقت الانتفاع بنورهما، وإن فرغ من الصلاة والكسوف قائم لم يزد صلاة أخرى، وإنما يشتغل بالذكر، والدعاء، والاستغفار؛ لأن النبي ﷺ لم يزد على ركعتين، وإن غاب القمر ليلاً وهو كاسف لم يصل كالشمس إذا غابت؛ لأن ما يُصلَّى من أجل كسوفه قد غاب، وقيل يصلِّي؛ لأن وقت سلطانه باقٍ([134])، فظهر أن صلاة كسوف الشمس تفوت بأمرين:
الأمر الأول: الانجلاء، فإذا انجلت كلها لم يصلِّ.
الأمر الثاني: إذا غابت كاسفة فلا يصلي بعد الغروب، وأما صلاة خسوف القمر فتفوت بأمرين أيضًا:
الأمر الأول: الانجلاء.
الأمر الثاني: طلوع الشمس.
أما إذا طلع الفجر والقمر خاسف، فإنه يصلي صلاة الكسوف إذا لم يمنع ضوء القمر إلا الكسوف؛ لظاهر قوله ﷺ: ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي))([135])؛ ولأن سلطان القمر لم يذهب بالكلية فيشرع لكونه صلاة الكسوف([136])،وهو الذي اختاره شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله؛ لظاهر الأدلة([137])، وقال: ((والأفضل البدار بذلك قبل صلاة الفجر، وهكذا لو كسفت في آخر الليل ولم يعلم إلا بعد طلوع الفجر فإنه يشرع البدء بصلاة الكسوف ثم يصلي صلاة الفجر بعد ذلك، مع مراعاة تخفيف صلاة الكسوف حتى يصلي الفجر في وقتها))([138])، واختاره أيضًا العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – إذا لم يمنع من ضوء القمر إلا الكسوف، أما إن كان النهار قد انتشر، ولم يبق إلا القليل على طلوع الشمس فهنا قد ذهب سلطانه والناس لا ينتفعون به([139]).
وإذا كسفت الشمس بعد صلاة العصر، أو القمر بعد طلوع الفجر، فالصواب أنه يشرع للمصلين أن يبادروا للصلاة؛ لأن صلاة الكسوف من الصلوات ذوات الأسباب التي يجوز أن تُصلَّى في وقت النهي على الصحيح من قولي أهل العلم([140]).
وإذا اجتمع كسوف وجمعة، أو كسوف وصلاة فريضة، أو كسوف ووتر، بدأ بأخوفهما فوتًا، فإن خيف فوتهما بدأ بالواجبة([141]).
تاسعًا: تدرك الركعة من صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول،
فمن أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، ومن لم يدرك إلا الركوع الثاني فلا يعتد بهذه الركعة وعليه أن يقضي كل ركعة فاتته بركوعين؛ لأن العبادات توقيفية؛ ولأن الركوع الأول هو الركن، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم([142]).
عاشرًا: الصلاة للآيات:
كالزلزلة، والرجفة الشديدة، والريح الشديدة، وبياض الليل، وسواد النهار، والصواعق المخيفة الشديدة، وكثرة المطر، وغير ذلك من الآيات المخيفة، اختلف العلماء رحمهم الله تعالى على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يصلّى لأي آية إلا للزلزلة الدائمة وهو مذهب الحنابلة، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((قال أصحابنا: يُصلَّى للزلزلة كصلاة الكسوف، نص عليه، وهو مذهب إسحاق، وأبي ثور، قال القاضي: ولا يصلي للرجفة، والريح الشديدة، والظلمة ونحوها، وقال الآمدي: يصلي لذلك، ورمي الكواكب، والصواعق، وكثرة المطر، وحكاه عن ابن أبي موسى([143]).
وقال المرداوي رحمه الله:قوله:لا يصلي لشيء من الآيات إلا الزلزلة الدائمة:((هذا المذهب إلا ما استثني، وعليه أكثر الأصحاب بل جماهيرهم،لِمَا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى للزلزلة([144])،وعلي بن أبي طالب t([145])، وعنه يصلي لكل آية، وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببًا لشر وعذاب لم يصح التخويف به...))([146]).
القول الثاني: لا يُصلِّي لشيء من الآيات إلا الكسوف؛ لأن النبي ﷺ لم يصلِّ لغيره، ولا خلفاؤه، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، ولم يصلِّ لها إلا للكسوف، وهذا قول الإمام مالك والشافعي([147]).
القول الثالث: يصلِّي لكل آية تخويف؛ لأن النبي ﷺ علل الكسوف بأنه آية من آيات الله يخوِّف بها عباده؛ ولأن ابن عباس صلى للزلزلة بالبصرة([148])؛ ولِمَا روي عن علي t([149])؛ ولِمَا ورد عن حذيفة t أنه صلى بأصحابه بالمدائن مثل صلاة ابن عباس في الآيات([150])، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، وابن حزم، ورواية عن أحمد([151])، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([152])، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وهو كما ترون له قوة عظيمة))([153])، واختار شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله أنه لا يصلي لأي آية إلا الكسوف، لا الزلزلة ولا غيرها؛ لأنه قد عُلِم من السنة أن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما دلّ عليه الكتاب والسنة الصحيحة([154])، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(([1]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/549، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/264، وفتح الباري لابن حجر، 2/526.
([2]) انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/264، والمفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/549، ومفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص282.
([3]) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم،2/549،والمغني لابن قدامة، 5/321.
([4]) الشرح الممتع على زاد المستقنع، 5/229.
([5]) اختلف في الكسوف والخسوف هل هما مترادفان أو لا؟ قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية في غريب الحديث، 4/174: ((قد تكرر في الحديث ذكر الكسوف والخسوف ((للشمس والقمر)) فرواه جماعة فيهما بالكاف، ورواه جماعة فيهما بالخاء، ورواه جماعة في الشمس بالكاف، وفي القمر بالخاء، وكلهم رووا أنهما آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، والكثير في اللغة – وهو اختيار الفراء – أن يكون الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، يقال: كسفت الشمس، وكسفها الله، وانكسفت، وخسف القمر، وخسفه الله، وانخسف)). وقال أيضًا، 2/31: ((إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته: ((يقال: خسف القمر بوزن ضرب إذا كان الفعل له، وخُسِفَ القمر على ما لم يسم فاعله، وقد ورد الخسوف في الحديث كثيراً للشمس، والمعروف لها في اللغة الكسوف، لا الخسوف، فأما إطلاقه في مثل هذا الحديث فتغليبًا للقمر، لتذكيره على تأنيث الشمس، فجمع بينهما فيما يخص القمر، وللمعاوضة أيضًا؛ فإنه قد جاء في رواية أخرى: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان))، وأما إطلاق الخسوف على الشمس منفردة؛ فلاشتراك الخسوف والكسوف في معنى ذهاب نورهما وإظلامهما، والانخساف مطاوع خسفته فانخسف)).
وقال في جامع الأصول 6/164: ((يقال: كسفت الشمس وكسفها الله بتعدّي فعله ولا يتعدّى، وكذلك كسف القمر، والأولى أن يقال: خسف القمر، وقد جاء في الحديث: كسفت الشمس، وخسفت، وكسف القمر وخسف)).
وقال الفيروز آبادي في القاموس، ص1039: ((خسف المكان يخسف خسوفًا: إذا ذهب في الأرض، وخسف القمر: كسف، أو كسف للشمس وخسف للقمر، أو الخسوف إذا ذهب بعضهما، والكسوف كلهما، وقال في موضع آخر، ص1097: ((كسف الشمس والقمر كسوفًا: احتجبا، كانكسفا، وكسف الله إيهما: حجبهما، والأحسن في القمر: خسف، وفي الشمس: كسفت)).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((يقال: كسفت الشمس والقمر، بفتح الكاف، وكُسِفا بضمها، وانكسفا وخسفا، وخُسِفا، وانخسفا بمعنى، وقيل: كسف الشمس بالكاف، وخسف القمر بالخاء، وحكى القاضي عياض عكسه عن بعض أهل اللغة والمتقدمين وهو باطل مردود بقول الله تعالى: ] وَخَسَفَ الْقَمَرُ [ ثم جمهور أهل العلم وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما، كله، ويكون لذهاب بعضه، وقال جماعة منهم الليث بن سعد: الخسوف في الجميع، والكسوف في بعض، وقيل: الخسوف ذهاب لونهما، والكسوف تغيره)) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/251.
قال الإمام البخاري رحمه الله: ((بابٌ: هل يقول: كسفت الشمس أو خسفت، وقال الله تعالى: ] وَخَسَفَ الْقَمَرُ [ [القيامة: 8]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ((قال الزين بن المنير: أتى بلفظ الاستفهام إشعاراً منه بأنه لم يترجح عنده في ذلك شيء)). ثم قال ابن حجر: ((قلت: ولعله أشار إلى ما رواه ابن عيينة عن الزهري عن عروة قال: لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا: خسفت، وهذا موقوف صحيح رواه سعيد بن منصور عنه، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه، لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه؛ لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، واختاره ثعلب، وذكر الجوهري أنه أفصح، وقيل: يتعين ذلك، وحكى عياض عن بعضهم عكسه، وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن وكأن هذا السر في استشهاد المؤلف به في الترجمة، وقيل: يقال بهما في كل منهما وبه جاءت الأحاديث، ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف؛ لأن الكسوف التغير إلى السواد، والخسوف النقصان أو الذل، فإذا قيل: في الشمس كسفت أو خسفت؛ لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان، وقيل: بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء، وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء وبالخاء لبعضه، وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون والكاف لتغيره… [فتح الباري لابن حجر، 2/535]،وقال الحافظ ابن حجر أيضًا: ((قيل: الخسوف في الكل والكسوف في البعض وهو أولى من قول من قال: الخسوف للقمر، والكسوف للشمس لصحة ورود ذلك في الصحيح بالخاء للشمس)) [هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص111]. وقال: ((كسفت الشمس: أي سُتِر ضوؤها)) [المرجع السابق، 179].
وقال في معجم لغة الفقهاء، ص173، و349: ((خسوف بضم الخاء مصدر خُسف الشيء: نقص: ذهاب ضوء القمر خاصة كلاً أو جزءًا، كُسوف: بالضم مصدر كسف: زوال ضوء الشمس كلاً أو جزءًا، بسبب اعتراض القمر بين الأرض والشمس)) والراجح ما تقدم في المتن، والله تعالى أعلم.
([6]) الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين، 5/229، وانظر: نيل الأوطار للإمام الشوكاني، 2/633 – 648.
([7]) البخاري، كتاب الكسوف، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم 1042.
([8]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكسوف، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم 1041، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف ((الصلاة جامعة))، برقم 911.
([9]) سورة الإسراء، الآية: 59.
([10]) فتح الباري، لابن حجر، 2/528.
([11]) البخاري،كتاب الكسوف،باب قول النبي ﷺ:يخوف الله عباده بالكسوف،برقم 1048.
([12]) مسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 6 –((901)).
([13]) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها: البخاري برقم 1044، ورقم 1047، ومسلم، برقم 901، ويأتي تخريجه في صفة صلاة الكسوف.
([14]) البخاري، برقم 1048، وتقدم تخريجه في الذي قبله.
([15]) سورة الإسراء، الآية: 59.
([16]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/258-259، وانظر: 35/169.
([17]) حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/524.
([18]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/230.
([19]) البخاري برقم 1048، وتقدم تخريجه.
([20]) مفتاح دار السعادة، 3/212-215، وقد شرح هذه الأسباب شرحًا مفصلاً، فليرجع إليه من شاء من 3/212-230.
([21]) فتاوى شيخ الإسلام، 24/254-257، وانظر 35/175.
([22]) وقال شيخ الإسلام أيضًا: ((وما يروى عن الواقدي من ذكره أن إبراهيم بن النبي ﷺ مات يوم العاشر من الشهر، وهو اليوم الذي صلى فيه النبي ﷺ صلاة الكسوف: غلط، والواقدي لا يحتج بمسانيده فكيف بما أرسله من غير أن يسنده إلى أحد، وهذا فيما لا يعلم أنه خطأ، فأما هذا فيعلم أنه خطأ. ومن جوز هذا فقد قفا ما ليس له به علم، ومن حاج في ذلك فقد حاج فيما ليس له به علم)) [مجموع الفتاوى، 24/257]، وقد ذكر العلامة أحمد شاكر نقلاً عن بعض علماء الفلك تحقيق وقت الكسوف الذي صلى فيه النبي ﷺ صلاة الكسوف يوم مات إبراهيم، وأن الشمس كسفت في المدينة في يوم الإثنين 29 شوال سنة 10هـ الموافق ليوم 27 يناير سنة 632م في الساعة الثامنة والدقيقة 30 صباحًا [المحلى، الحاشية، 5/103-105]، وانظر هذا النقل أيضًا في إسعاف الملهوف في بيان أحكام صلاة الكسوف، لأبي عمر حاوي بن سالم الحاوي، ص52-53،الدار السلفية،الكويت.
([23]) قال الإمام ابن باز: ((وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم ما يوافق ذلك وأن الله سبحانه قد أجرى العادة بخسوف الشمس والقمر؛ لأسباب معلومة يعقلها أهل الحساب، والواقع شاهد بذلك ولكن لا يلزم من ذلك أن يصيب أهل الحساب في كل ما يقولون، بل قد يخطئون في حسابهم، فلا ينبغي أن يصدقوا ولا أن يكذبوا، والتخويف بذلك حاصل على كل تقدير، لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، والله أعلم)) تعليق ابن باز على فتح الباري لابن حجر، 2/537.
([24]) مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/258.
([25]) البخاري، برقم 1048، وتقدم تخريجه.
[26]) انظر: الشرح الممتع؛ لابن عثيمين، 5/233.
([27]) سورة العنكبوت، الآية: 40.
([28]) سورة الإسراء، الآية: 59.
([29]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام، 35/169.
([30]) المرجع السابق، 24/258 – 259.
([31]) مفتاح دار السعادة، 3/220.
([32]) مجموع الفتاوى، 35/175.
([33]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 35/176.
([34]) الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين، 5/233.
([35]) في عمدة القاري للعيني، 6/53 ((الثانية: تبين قبح شأن من يعبدها)).
([36]) سورة القيامة، الآيتان: 8، 9.
([37]) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/267، وانظر: عمدة القاري للعيني، 6/53، وفتح الباري لابن حجر، 2/532.
([38]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/451.
([39]) المغني، 3/330.
([40]) فتح الباري لابن حجر، 2/527، وانظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، 5/389.
([41]) المختارات الجلية من المسائل الفقهية، ص73.
([42]) كتاب الصلاة لابن القيم، ص15.
([43]) الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/237 – 240.
([44]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى ﷺ، الحديثان رقم 1720، و1721.
([45]) البخاري، برقم 1048، وتقدم تخريجه.
([46]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكسوف، باب الذكر في الكسوف، برقم 1059، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف برقم 911.
([47]) سورة النحل، الآية: 77.
([48]) فتح الباري لابن حجر، 2/546.
([49]) ويقول إذا رأى المطر ((رحمة)) أي هذا رحمة،شرح النووي على صحيح مسلم،6/449.
([50]) تخيلت: من المخيلة بفتح الميم، وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة، ويقال: أخالت: إذا تغيمت. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/449.
([51]) سُرّي عنه: أي انكشف عنه الهم، يقال: سروت الثوب وسريته: إذا خلعته، والتشديد للمبالغة.
([52]) سورة الأحقاف، الآية: 24.
([53]) سورة الأحقاف، الآية: 24.
([54]) مسلم، كتاب الاستسقاء، باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر، برقم 14، 15، 16 [899].
([55]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/449.
([56]) الصَّبا: بفتح الصاد ومقصورة، وهي الريح الشرقية، وأهلكت عاد بالدبور: وهي بفتح الدال، وهي الريح الغربية. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/450.
([57]) مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، بابٌ: في ريح الصبا والدبور، برقم 900.
([58]) سورة الذاريات، الآية: 50.
([59]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص812.
([60]) النسائي، كتاب الكسوف، باب القول في سجود صلاة الكسوف، برقم 1495، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/480.
([61]) السوائب: جمع سائبة، وهي الناقة التي كانوا يسيبونها من إبلهم، فلا تُركب ولا تحُلب، ولا يُؤكل لحمها، جامع الأصول، لابن الأثير، 165.
([62]) قُصْبَهُ:القصب:واحد الأقصاب وهو أمعاء.جامع الأصول لابن الأثير، 6/169.
([63]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، برقم 1044، والرواية الثانية من باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف، برقم 1050، والرواية الثالثة من كتاب العمل في الصلاة، باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة، برقم 1212، والرواية الرابعة من كتاب التفسير، برقم 4624، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 901.
([64]) تكعكعت:المشي إلى وراء،وقيل:التوقف والاحتباس،جامع الأصول لابن الأثير، 6/176.
([65]) متفق عليه:البخاري،كتاب الكسوف،باب صلاة الكسوف جماعة،برقم1052، ومسلم،كتاب الكسوف،باب ما عرض على النبي ﷺ في صلاة الكسوف،برقم 907.
([66]) البخاري، كتاب الكسوف، باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف، برقم 1053، وكتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد، برقم 922.
([67]) مسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف، برقم 903.
([68]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/459.
([69]) خشاش الأرض: هوامها وحشراتها، وقيل: صغار الطير، شرح النووي على صحيح مسلم، 6/461.
([70]) مسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي ﷺ في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم 10 – (904).
([71]) النسائي، كتاب الكسوف،باب القول في السجود في صلاة الكسوف،برقم 1495، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/480.
([72]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكسوف، باب النداء بـ((الصلاة جامعة)) في الكسوف، برقم 1045، 1051، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف ((الصلاة جامعة))، برقم 910.
([73]) النسائي،كتاب الكسوف،باب الأمر بالنداء لصلاة الكسوف،برقم 1464،وأبو داود، كتاب الصلاة،باب صلاة الكسوف،برقم 1190،وصححه الألباني في صحيح النسائي،1/470،وصحيح سنن أبي داود،1/326،وإرواء الغليل،برقم 658.
([74]) الصلاة جامعةً بالنصب فيهما على الحكاية،ونصب الصلاة في الأصل على الإغراء وجامعة على الحال:أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة،وقيل برفعهما ((الصلاةُ جامعةٌ)) على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبر،ومعناه:ذات جماعة،وقيل: جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فاحضروها،[فتح الباري لابن حجر،2/533].
([75]) المغني لابن قدامة، 3/323.
([76]) فتح الباري، لابن حجر، 2/533.
([77]) المغني، 3/323.
([78]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكسوف، باب الجهر في القراءة في الكسوف، برقم 1065، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 5 – (901).
([79]) المغني لابن قدامة، 3/326.
([80]) وقد رد ابن قدامة رحمه الله على من قال بعدم الجهر في صلاة الكسوف، بقوله: ((فأما قول عائشة رضي الله عنها: حزرت قراءته ففي إسناده مقال.. ويحتمل أن تكون سمعت صوته ولم تفهم للبعد، وحديث سمرة يجوز أنه لم يسمع لبعده)). المغني، 3/326، ورد عليهم ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين عن رب العالمين، 2/394.
([81]) المركب الذي كان النبي ﷺ فيه بسبب موت ابنه إبراهيم حينما ذهب إليه، فتح الباري لابن حجر، 2/544.
([82]) الحجر: بيوت النبي ﷺ وكانت لاصقة بالمسجد، فأتى النبي ﷺ من مركبه حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه [فتح الباري، لابن حجر، 2/544].
([83]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف في المسجد، برقم 1056، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 3 – (901).
([84]) المغني لابن قدامة، 3/323.
([85]) الغشي: بفتح الغين وإسكان الشين وتخفيف الياء، وبكسر الشين، وتشديد الياء أيضًا ((الغشيُّ)) وهو طرف من الإغماء، والمراد به هنا الحالة القريبة منه؛ ولهذا قالت فجعلت أصب على رأسي الماء: أي في تلك الحال؛ ليذهب، [فتح الباري، لابن حجر، 1/183].
([86]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكسوف، باب صلاة النساء مع الرجال، برقم 1053، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي ﷺ في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم 905.
([87]) البخاري، كتاب الكسوف، قبل الحديث رقم 1053.
([88]) فتح الباري، 2/543، وتمام كلام الحافظ: ((أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى، وهو منقول عن الثوري، وبعض الكوفيين، وفي المدونة: تصلي المرأة في بيتها، وتخرج المتجالة، وعن الشافعي يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال، وقال القرطبي: روي عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة، والمشهور عنه خلاف ذلك، وهو إلحاق المصلى في حقهن بحكم المسجد، وقال الزين بن المنير: استدل به ابن بطال على جواز خروج النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف، وفيه نظر؛ لأن أسماء إنما صلت في حجرة عائشة لكن يمكنه أن يتمسك بما ورد في بعض طرقه أن نساءً غير أسماء كن بعيدات عنها، فعلى هذا فقد كن في مؤخر المسجد كما جرت عادتهن في سائر الصلوات)) فتح الباري، 2/543.
([89]) المغني، 3/322.
([90]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/462.
([91]) البخاري، برقم 1042، وتقدم تخريجه.
([92]) المغني، 3/322.
([93]) متفق عليه: البخاري، برقم 1053، ومسلم، برقم 905، وتقدم تخريجه.
([94]) متفق عليه: البخاري، برقم 1052، ومسلم، برقم 1097، وتقدم تخريجه.
([95]) انظر: مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 13/35.
([96]) مسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي ﷺ في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم 904.
([97]) النسائي، كتاب الكسوف، باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف، برقم 1498، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/482.
([98]) النسائي، برقم 1498، 1474، وتقدم تخريجه.
([99]) البخاري، برقم 1053، 1061 وتقدم تخريجه.
([100]) البخاري، برقم 1044، 1059، ومسلم، برقم 901، والنسائي برقم 1502، وسنن أبي داود، برقم 1191، 1192، وتقدم تخريجه.
([101]) البخاري، برقم 1063، وتقدم تخريجه.
([102]) متفق عليه: البخاري، برقم 1044، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه.
([103]) متفق عليه: البخاري، برقم 1052، ومسلم برقم 907، وتقدم تخريجه.
([104]) البخاري، برقم 922، 1053، ومسلم، برقم 903، وتقدم تخريجه.
([105]) مسلم، برقم 901. وتقدم تخريجه.
([106]) البخاري، برقم 4624، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه.
([107]) النسائي، برقم 1495، وتقدم تخريجه.
([108]) مسلم، برقم 904، و901، والبخاري أيضًا برقم، 4624، وتقدم تخريجه.
([109]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/460.
([110]) اختلف العلماء رحمهم الله في خطبة صلاة الكسوف، فقال الإمام النووي رحمه الله ((اختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف فقال الشافعي، وإسحاق، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث يستحب بعدها خطبتان، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يستحب ذلك،ودليل الشافعي الأحاديث الصحيحة،في الصحيحين وغيرهما أن النبي ﷺ خطب بعد صلاة الكسوف))،[شرح النووي على صحيح مسلم،6/454] وقال المرداوي رحمه الله: ((ظاهر كلام المصنف أنه لا خطبة لها، وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، قال المصنف والشارح: لا خطبة لصلاة الكسوف، قال الزركشي: عليه الصحاب، قال ابن رجب في شرح البخاري هذا ظاهر المذهب، انتهى، وعنه يشرع بعد صلاتها خطبتان سواء تجلّى الكسوف أو لا، اختارها ابن حامد، والقاضي في شرح المذهب، وحكاه عن الأصحاب، وقدمه ابن رجب في شرح البخاري، وأطلقهما ابن تميم، وقال في النصيحة أحب أن يخطب بعدها، وقيل: يخطب خطبة واحدة من غير جلوس، وأطلق جماعة من الأصحاب في استحباب الخطبة روايتين، ولم يذكر القاضي وغيره نصًّا عن أحمد، أنه لا يخطب، وإنما أخذوه من نصه لا خطبة في الاستسقاء، وقال أيضًا: لم يذكر لها أحمد خطبة)). [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/404]، [وانظر: المغني لابن قدامة، 3/328]، وقال ابن الملقن في الإعلام: ((فيه شرعية الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لقولها: ((فخطب فحمد الله وأثنى عليه)) وهو ظاهر الدلالة في أن لصلاة الكسوف خطبة، وبه قال الشافعي، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث، قالوا: يستحب بعدها خطبتان، ولم ير ذلك مالك وأبو حنيفة، وأحمد، ووافقنا أحمد في رواية…)). [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/299-300] وقال الحافظ ابن حجر على قول البخاري: ((باب خطبة الإمام في الكسوف)) ((اختلف في الخطبة فيه، فاستحبها الشافعي وإسحاق، وأكثر أصحاب الحديث، قال ابن قدامة لم يبلغنا عن أحمد رحمه الله أن لها خطبة، وقال صاحب الهداية من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لم ينقل، وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة، والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها، مع أن مالكًا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة، وأجاب بعضهم بأنه ﷺ لم يقصد لها خطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس، وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من: الحمد، والثناء، والموعظة، وغير ذلك، مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل، وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور، وقال: إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من: الحمد، والثناء، والموعظة، وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف، فينبغي التأسي بالنبي ﷺ فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف، نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين، إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك، وإلى ذلك نحا ابن المنير في حاشيته، ورد على من أنكر أصل الخطبة، لثبوت ذلك صريحًا في الأحاديث، وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطًا، ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع [فتح الباري لابن حجر، 2/534] وقد أيده في الدراية في تخريج أحاديث الهداية على قوله: ((وليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل)) هذا النفي مردود بما في الصحيحين عن أسماء ثم ساق لفظه، وفي المتفق عليه عن ابن عباس، وعائشة، ومسلم عن جابر، ولأحمد والحاكم عن سمرة، ولابن حبان عن عمرو بن العاص، وصرح أحمد والنسائي وابن حبان في روايتهم ((بأنه صعد المنبر)) [الدراية في تخريج الهداية، 1/225]، [وانظر: المغني، لابن قدامة، 3/328].
واختار العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أن صلاة الكسوف يُسًنُّ لها خطبة واحدة، قال: ((وذلك لأن النبي ﷺ لَمّا انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ثم وعظ الناس، وهذه الصفات صفات الخطبة...)). [الشرح الممتع على زاد المستقنع، 5/249].وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لابن تيمية، الحديث رقم 1718: ((ويعظ الإمام الناس ويذكرهم))، وقال رحمه الله: ((تُسَنُّ الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لأن النبي ﷺ فعل ذلك)). [مجموع فتاوى ابن باز، 13/44].
واختا ذلك العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في الإحكام شرح أصول الأحكام، 1/503.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار، 2/635: ((فيه استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف)).
([111]) البخاري، كتاب الكسوف، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم 1043، وفي باب الدعاء في الكسوف، برقم 1060.
([112]) البخاري، برقم 1044، ورقم 1058، ومسلم، برقم 101، وتقدم تخريجه.
([113]) البخاري، برقم 1059، وتقدم تخريجه.
([114]) البخاري، كتاب الكسوف، باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس، برقم 1054.
([115]) مسلم، برقم 903، وتقدم تخريجه.
([116]) مسلم، برقم 903، وتقدم تخريجه.
([117]) قال ابن عباس رضي الله عنهما: نحوًا من سورة البقرة. البخاري، برقم 1052، ومسلم، برقم 907.
([118]) قالت عائشة رضي الله عنها: ((فحرزت قراءته فرأيت أنه قرأ بسورة آل عمران)). أبو داود برقم 1187، وأورده الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/325.
([119]) الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/244.
([120]) لحديث جابر عند مسلم، برقم 904، وحديث عبد الله بن عمرو عند النسائي، برقم 1481، ويأتي كلام ابن حجر وابن عثيمين في الهامش بعد صفحات.
([121]) البخاري، برقم 1044، ورقم 1056، ومسلم، برقم 904.
([122]) لحديث عبد الله بن عمرو عند النسائي، برقم 1481، ويأتي كلام ابن حجر وابن عثيمين بعد صفحات في الهامش.
([123]) البخاري، برقم 1056.
([124]) مسلم، برقم 10 – (904).
([125]) البخاري، برقم 1044، 1047، 1050، 1056، ومسلم، برقم 901.
([126]) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صفة صلاة الكسوف، فذهب الحنابلة والشافعية، والمالكية إلى أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة: قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان، للأحاديث الصحيحة السابقة. وذهب أبو حنيفة والثوري والنخعي إلى أن صلاة الكسوف ركعتان، وحكاه النووي عن الكوفيين إلى أنها ركعتان في كل ركعة ركوع واحد كسائر النوافل، والأحاديث الصحيحة حجة عليهم. [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/452، والمفهم للقرطبي، 2/550، ونيل الأوطار، 2/637، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/274، وزاد المعاد، 1/450، والمغني لابن قدامة، 3/323].
أما ما جاء في الأحاديث الأخرى أن النبي ﷺ صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان كما في حديث جابر t عند مسلم برقم 10 – (904)، وما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن صفة صلاة الكسوف تصلى ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات وسجدتان، كما في صحيح مسلم، برقم 908، وما جاء في حديث أبي بن كعب t أن صلاة الكسوف تصلى ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات كما في سنن أبي داود، برقم 1182، وفي مسند الإمام أحمد، 5/60-61، وما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة أن صلاة الكسوف تصلى ركعتين كل ركعة بركوع واحد كما في صحيح مسلم، برقم 913، وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في ذلك على أقوال:
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام، 3/260: ((إذا عرفت هذه الأحاديث فقد يحصل من مجموعها أن صلاة الكسوف ركعتان اتفاقًا إنما اختلف في كمية الركوع في كل ركعة فحصل من مجموع الروايات التي ساقها المصنف أربع صور:
الأولى ركعتان في كل ركعة ركوعان، وبهذا أخذ الشافعي ومالك والليث وأحمد وغيرهم،وعليها دل حديث عائشة،وجابر،وابن عباس،وابن عمر،قال ابن عبد البر [في التمهيد، 3/302، 313، والاستذكار، 7/93]: هو أصح ما في الباب وباقي الروايات معللة ضعيفة.
الثانية: ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات، وهي التي أفادتها رواية مسلم عن ابن عباس وعلي [y].
والثالثة: ركعتان أيضًا في كل ركعة ثلاث ركوعات وعليها دل حديث جابر.
والرابعة: ركعتان أيضًا يركع في كل واحدة خمس ركوعات، ولَمّا اختلفت الروايات اختلف العلماء، فالجمهور أخذوا بالأولى لِمَا عرفت من كلام ابن عبد البر، وقال النووي في شرح مسلم، [6/453]: إنه أخذ بكل نوع بعض الصحابة، وقال جماعة من المحققين: إنه مخير بين الأنواع، فأيها فعل فقد أحسن، وهو مبني على أنه تعدد الكسوف، وأنه فعل هذا تارة وهذا أخرى، ولكن التحقيق أن كل الروايات حكاية عن واقعة واحدة هي صلاته ﷺ يوم وفاة إبراهيم، ولهذا عوّل الآخرون على إعلال الأحاديث التي حكت الصور الثلاث، قال ابن القيم [في زاد المعاد، 1/453]: ((لا يصححون التعدد لذلك، كالإمام أحمد، والبخاري، والشافعي، ويرونه غلطًا)). وذهبت الحنفية إلى أنها تصلى ركعتين كسائر النوافل)) انتهى كلام الصنعاني ونقله رحمه الله.
وقال النووي رحمه الله: ((وقال جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين وجماعة من غيرهم: هذا الاختلاف في الروايات حسب اختلاف حال الكسوف ففي بعض الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع، وفي بعضها أسرع الانجلاء فاقتصر، وفي بعضها توسط بين الإسراع والتأخر فتوسط في عدده، واعترض الأولون على هذا بأن تأخر الانجلاء لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه، منوي من أول الحال)). [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/453].
ورجح الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، 1/456، أن الصواب أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان، قال: ((وهذا اختيار أبي بكر وقدماء الأصحاب، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية، وكان يضعِّف كل ما خالفه من الأحاديث، ويقول: هي غلط، وإنما صلى النبي ﷺ الكسوف مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم، والله أعلم)). انتهى.
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1722، يقول: ((والصواب أن هذه الأحاديث شاذة، والأقرب والأرجح النوع الأول، وهو أن يصلي ركعتين كل ركعة: بقراءتين، وركوعين، وسجودين))، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/532، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 17-18/18، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/274-280.
([127]) قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني، 3/323: ((وجملته أن المستحب في صلاة الكسوف أن يصلي ركعتين، يحرم بالأولى، ويستفتح ويستعيذ، ويقرأ الفاتحة وسورة البقرة، أو قدرها في الطول، ثم يركع فيسبح الله تعالى قدر مائة آية، ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة وآل عمران، أو قدرها، ثم يركع بقدر ثلثي ركوعه الأول، ثم يرفع فيسمِّع ويحمد ثم يسجد فيطيل السجود فيهما، ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيقرأ الفاتحة وسورة النساء، ثم يركع فيسبح بقدر ثلثي تسبيحه في الثانية، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة والمائدة، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله، ثم يرفع فيسمِّع ويحمِّد، ثم يسجد فيطيل، فيكون الجميع ركعتين في كل ركعة قيامان، وقراءتان، وسجودان، ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهارًا، وليس هذا التقدير في القراءة منقولاً عن أحمد، لكن قد نقل عنه أن الأولى أطول من الثانية، جاء التقدير في حديث ابن عباس أن النبي ﷺ قام قيامًا طويلاً نحوًا من سورة البقرة، متفق عليه [البخاري، برقم 1052، ومسلم، برقم 907] وفي حديث عائشة حزرت قراءة رسول الله ﷺ فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران، [أبو داود، برقم 1187].
([128]) قال الإمام النووي رحمه الله اتفق العلماء على أنه يقرأ الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة واختلفوا في القيام الثاني فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه، وقال محمد بن مسلمة من المالكية: لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني، واتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر من القيام الأول والركوع الأول، وكذلك القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منهما، واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى، ويكون هذا معنى قوله في الحديث: ((وهو دون القيام الأول، ودون الركوع الأول، أم يكونان سواء، ويكون قوله ((دون القيام الأول)) أي أول قيام وأول ركوع. [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/453]. وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/530، فقد رجح قراءة الفاتحة بعد الرفع من الركوع الأول، ونقل الاتفاق على ذلك إلا خلاف محمد بن مسلمة المالكي. وذكر صاحب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 5/396 أن كل ركوع وقراءة، وسجود وتسبيح واستغفار أقصر من الذي قبله، وهو اختيار ابن قدامة في المغني، 3/323 كما تقدم قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 5/246: ((لكن الذي يظهر والله أعلم أن كل قيام وركوع، وسجود دون الذي قبله)).
([129]) قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم، 6/454: ((واختلفوا في استحباب إطالة السجود، فقال جمهور أصحابنا: لا يطوله بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات، وقال المحققون منهم: يستحب إطالته نحو الركوع الذي قبله، وهذا هو المنصوص للشافعي وفي البوطي وهو الصحيح للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك. والأصح استحباب التعوذ في ابتداء الفاتحة في كل قيام، وقيل: يقتصر عليه في القيام الأول)).
([130]) واختلفوا هل يطيل الاعتدال الذي يليه السجود، وقد وقع هذا التطويل في حديث جابر عند مسلم، برقم 904، ولفظه: ((... ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال، ثم سجد)) قال النووي: هذا ظاهره أنه طوَّل الاعتدال الذي يلي السجود ولا ذكر له في باقي الروايات ولا في رواية جابر من جهة غير أبي الزبير، وقد نقل القاضي إجماع العلماء أنه لا يطوّل الاعتدال الذي يلي السجود، وحينئذ يجاب عن هذه الرواية بجوابين:
أحدهما أنها شاذة مخالفة لرواية الأكثرين، فلا يعمل بها.
والثاني أن المراد بالإطالة تنفيس الاعتدال ومده قليلاً وليس المراد إطالته نحو الركوع)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/460].
وقد رد الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 2/539 على الإمام النووي فقال: ((وتُعقَّب بما رواه النسائي [برقم 1481]، وابن خزيمة [برقم 1393]، وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضًا ففيه: ((... ثم ركع فأطال حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد، ثم سجد فأطال حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد...)) فالحديث صحيح ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا، وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام، وإلا فهو محجوح بهذه الرواية)) انتهى كلام الحافظ رحمه الله.قلت وحديث عبد الله بن عمرو صححه الألباني في صحيح النسائي،1/477. قال العلامة محمد بن عثيمين: ((والصواب أنه يطيل الجلوس بقدر السجود)). [الشرح الممتع على زاد المستقنع، 5/246]، وهو الذي اختاره الآمدي ((ويطيل الجلوس بين السجدتين كالركوع)) [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/395].
وقد استفدنا من حديث عبد الله بن عمرو t مشروعية إطالة الاعتدال الذي يليه السجود كما أفاده حديث جابر، ومشروعية إطالة الجلوس الذي بين السجدتين، وقد رجح العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله هاتين المسألتين في الشرح الممتع، 5/244-245.
([131]) البخاري، كتاب الكسوف، باب الصلاة في الكسوف برقم 1040، وباب الصلاة في كسوف القمر، برقم 1063.
([132]) متفق عليه: البخاري، برقم 1060، ومسلم، برقم 915. وتقدم تخريجه.
([133]) متفق عليه:البخاري،برقم 1044،ومسلم، واللفظ له،برقم 6 (901).وتقدم تخريجه.
([134]) اختار القاضي أن القمر إذا غاب ليلاً فإنه يصلي؛ لأنه لم يذهب وقت الانتفاع بنوره؛ لأن سلطانه باق، قال المرداوي في الإنصاف: ((لكن إذا غاب القمر خاسفًا ليلاً فالأشهر في المذهب أنه يُصلي له))، ثم ذكر الخلاف وأن صاحب المحرر جزم أنه لا يصلي. والله أعلم [انظر: المغني، لابن قدامة، 3/231، والكافي لابن قدامة، 1/530، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/400].
([135]) البخاري، برقم 1040، وتقدم تخريجه.
([136]) قال في الشرح الكبير لابن قدامة، 5/400: ((فإن لم يصل حتى طلع الفجر الثاني ولم يغب أو ابتدأ الخسف بعد طلوع الفجر وغاب قبل طلوع الشمس فيه احتمالان ذكرهما القاضي: أحدهما لا يصلي؛ لأن القمر آية الليل وقد ذهب الليل أشبه إذا طلعت الشمس، والثاني: يصلي؛ لأن الانتفاع بنور باق، أشبه ما قبل الفجر)) وقال المرداوي في الإنصاف، 5/401: ((إذا طلع الفجر والقمر خاسف لم يمنع من الصلاة، إذا قلنا إنها تفعل في وقت نهي، اختاره المجد في شرحه، وقيل: يمنع. اختاره المصنف)).
([137]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/41،قال: ((ومن ترك فلا حرج عليه عملاً بالقول الثاني)).
([138]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/41.
([139]) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 5/254.
([140]) انظر: الأدلة على ذلك بالتفصيل ما سبق في صلاة التطوع، وهي في صلاة المؤمن، 1/402-407، ومجموع فتاوى ابن باز، 13/41.
([141]) اختلف فيما إذا اجتمع كسوف وجنازة، فقيل تقدم صلاة الجنازة، وقيل: صلاة الكسوف، وإذا اجتمع كسوف وتراويح فالصواب أنه يبدأ بالكسوف إن شاء الله تعالى. انظر: المغني لابن قدامة، 3/331، والشرح الكبير لابن قدامة، 5/400، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/536، والكافي لابن قدامة، 1/531.
([142]) انظر: المغني لابن قدامة، 3/332،والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير،5/404، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/536، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/259، وفتاوى اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز، 8/324، ومجلة البحوث الإسلامية، العدد رقم 13، عام 1405، ص99.
([143]) المغني، لابن قدامة، 3/332 – 333.
([144]) عبد الرزاق، برقم 4929، وابن أبي شيبة، 2/472، والبيهقي، 3/343.
([145]) البيهقي، 3/343.
([146]) الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 5/405.
([147]) المغني لابن قدامة، 3/333، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف مع المقنع والشرح الكبير، 5/405 – 406.
([148]) عبد الرزاق، برقم 4929، وتقدم تخريجه.
([149]) البيهقي، 3/343، وتقدم تخريجه.
([150]) عبد الرزاق، برقم 4930.
([151]) انظر: المغني لابن قدامة، 3/333، والشرح الكبير، 5/406، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/256، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/523.
([152]) الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص126.
([153]) الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/258.
([154]) مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 13/45.