×
قيام الليل في ضوء الكتاب والسنة : كتاب باللغة العربية، بين مفهوم التهجد، وفضل قيام الليل، وأفضل أوقاته، وعدد ركعاته، وآداب قيام الليل، والأسباب المعينة عليه، كذلك بين مفهوم صلاة التراويح، وحكمها، وفضلها، ووقتها، وعدد ركعاتها، ومشروعية الجماعة فيها، ثم حكم صلاة الوتر، وفضله، ووقته، وأنواعه، وعدده، والقراءة فيه، والقنوت في الوتر، والدعاء بعد السلام من الوتر.

سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني 

 قيام الليل في ضوء الكتاب والسنة

تأليف الفقير إلى الله تعالى  

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فهذه رسالة مختصرة ((في قيام الليل)) أوضحت فيها:

مفهوم التهجد، وفضل قيام الليل، وأفضل أوقاته، وعدد ركعاته، وآداب قيام الليل، والأسباب المعينة عليه، وبيّنت مفهوم صلاة التراويح، وحكمها، وفضلها، ووقتها، وعدد ركعاتها، ومشروعية الجماعة فيها، ثم أوضحت الوتر، وحكمه، وفضله، ووقته، وأنواعه، وعدده، والقراءة فيه، والقنوت في الوتر، والدعاء بعد السلام من الوتر، وأن الوتر من صلاة الليل وهو آخره، وحكم قضاء سنة الوتر لمن نام عنها أونسيها، وكل مسألة قرنتها بدليلها.

وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، نوّر ضريحه، ورفع درجاته في الفردوس الأعلى.

والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولًا، مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على  عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 المبحث الأول: التهجد وقيام الليل

 أولًا: مفهوم التهجد، يقال: هجد الرجل إذا نام بالليل، وهجد إذا صلى بالليل. وأما المتهجِّد فهو القائم إلى الصلاة من النوم( ).

 ثانيًا: صلاة التهجد سنة مؤكدة( )، ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، قال الله في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}( )، وقال في صفة المتقين: {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ الليل مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}( ) وقال تعالى في أصحاب الإيمان الكامل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لـَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}( ). وقال سبحانه: {يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاء الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ}( ). وقال : {وَالـْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}( ) ووصف الله أهل الإيمان الكامل الذين يقومون بالليل بالعلم، ورفع مكانتهم على غيرهم، فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}( )؛ ولعظم شأن صلاة الليل قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّل * قُمِ الليل إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا}( ). وقال سبحانه للنبي - صلى الله عليه وسلم -:  {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}( ) ، وقال : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * وَمِنَ الليل فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا}( ). وقال : {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُود}( ). وقال {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُوم}( )، وحث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))( ).

 ثالثًا: فضل قيام الليل عظيم؛ للأمور الآتية:

1- عناية النبي - صلى الله عليه وسلم - بقيام الليل حتى تفطرت قدماه، فقد كان يجتهد في القيام اجتهادًا عظيمًا، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة:لم تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدَّمَ من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أحبُّ أن أكون عبدًا شكُورًا))( )، وعن المغيرة - رضي الله عنه - قال: ((قام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تورَّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا))( ).

وقد أحسن القائل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال:

وفينا رسول الله يتلو كتابه

                   إذا انشق معروف من الفجر ساطع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

                   إذا استثقلت بالكافرين المضاجع( )

2- من أعظم أسباب دخول الجنة، فعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال:لما قَدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة انجفل الناس قِبَلَهُ، وقيل: قدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا، فجئت في الناس، لأنظر، فلما تبيَّنتُ وجْهَهُ عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أول شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال: ((يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام))( ).

وقد أحسن القائل حين قال:

ألهتك لذةُ نومةٍ عن خير عيشٍ

                   مع الخيرات في غرف الجنان

تعيش مُخلَّدًا لا موت فيها

                   وتنعم في الجنان مع الحسان

تيقظ من منامك إنَّ خيرًا

                   من النوم التهجدُ بالقران( )

3- قيام الليل من أسباب رفع الدرجات في غرف الجنة؛ لحديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة غُرفًا يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام، وتابع الصيام( )، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام))( ).

4- المحافظون على قيام الليل محسنون مستحقون لرحمة الله وجنته؛ لأنهم {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ الليل مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}( ).

5-مدح الله أهل قيام الليل في جملة عباده الأبرار عباد الرحمن، فقال : {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}( ).

6- شهد لهم بالإيمان الكامل فقال سبحانه: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ُنفِقُونَ}( ).

7- نفى الله التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم،فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}( ).

8- قيام الليل مكفِّر للسيئات ومنهاة للآثام، لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قُربة إلى ربكم، ومكفِّر للسيئات، ومنهاة للآثام))( ).

9- قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه، وفيه: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل))( ).

10- شرف المؤمن قيام الليل؛ لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحببْ من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به)) ثم قال: ((يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزُّه استغناؤه عن الناس))( ).

11- قيام الليل يُغْبَطُ عليه صاحبه؛ لعظيم ثوابه، فهو خير من الدنيا وما فيها؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((لا حسد إلا في اثنتين:رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))( )؛ ولحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها))( ).

12- قراءة القرآن في قيام الليل غنيمة عظيمة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين( )))( ).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خَلِفاتٍ عظام سمانٍ؟)) قلنا: نعم، قال: ((ثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان))( ).

وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - أقصى مدة وأدنى زمن يُختم فيه القرآن لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عندما سأله، فقال له: ((في أربعين يومًا)ثم قال: ((في شهر)ثم قال:((في خمس عشرة)) ثم قال:((في عشر)ثم قال:((في سبع))( ). قال: إني أقوى من ذلك، قال: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث))( ).

 رابعًا: أفضل أوقات قيام الليل الثلث الآخر، وصلاة الليل تجوز في أوله، وأوسطه، وآخره؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليًا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته))( ). وهذا يدل على التيسير، فعلى حسب ما تيسر للمسلم يقوم، ولكن الأفضل أن يكون القيام في الثلث الآخر من الليل؛ لحديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن))( ). ومما يزيد ذلك وضوحًا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ [فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر]))( ).

وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن في الليل لساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة))( ).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((أحبُّ الصلاة إلى الله صلاةُ داود عليه السلام، وأحبُّ الصيام إلى الله صيامُ داود، وكان ينام نصفَ الليل، ويقوم ثلثَه، وينام سُدسَه، ويصوم يومًا ويُفطر يومًا، ولا يفرُّ إذا لاقى))( ).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت حينما سُئلت: أي العمل كان أحبَّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ( ). وفي حديثها الآخر رضي الله عنها: ((إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليوقظه الله من الليل فما يجيء السَّحر حتى يفرغ من حزبه))( ).

 خامسًا: عدد ركعات قيام الليل ، ليس له عددٌ مخصوص؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى))([1]).

 ولكن الأفضل أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة؛ أو ثلاث عشرة ركعة، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن عائشة رضي الله عنها  قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة))([2] ولحديثها الآخر: ((ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة))([3]).

 سادسًا: آداب قيام الليل:

1- ينوي عند نومه قيام الليل وينوي بنومه التَّقوِّي على الطاعة ليحصل على الثواب على نومه؛لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:((ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته،وكان نومُه صدقةً عليه))( )؛ولحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبتْهُ عيناه حتى أصبح، كُتبَ له ما نوى، وكان نومُهُ صدقةً عليه من ربه ))( ).

2- يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ، ويذكر الله، ويشوص فاه بالسواك ويقول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،ربِّ اغفر لي))؛لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب [له]( )))( ).

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((...استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران...))( )، وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك))( )، ويقول أذكار الاستيقاظ من النوم الأخرى( )، ويتوضأ كما أمره الله تعالى.

3- يفتتح تهجّدَه بركعتين خفيفتين؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين))( )؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين))( ).

4- يُستحبُّ أن يكون تهجدُه في بيته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتهجَّد في بيته؛ ولحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((...فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة))( ).

5- المداومة على قيام الليل وعدم قطعه، يُستحب أن يكون للمسلم ركعات معلومة يداوم عليها، فإذا نشط طوَّلها وإذا لم ينشط خفَّفها، وإذا فاتته قضاها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملُّ حتى تملّوا)) وكان يقول: ((أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ))( )؛ ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل))( )؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((...وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أحبّ أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة))( )، ولحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتِبَ له كأنما قرأه من الليل))( ).

6- إذا غلبه النعاس ينبغي له أن يترك الصلاة وينام حتى يذهب عنه النوم؛لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((إذا نعس أحدُكم في الصلاة فليرقدْ حتى يذهب عنه النوم؛فإن أحدَكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسبّ نفسه))( )؛ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه:((إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدرِ ما يقول فليضطجع))( ).

7- يُستحب له أن يوقظ أهله؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل فإذا أوتر قال لعائشة رضي الله عنها:((قومي فأوتري يا عائشة))( )؛ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى،ثم أيقظ امرأته فصلت،فإن أبت نضح في وجهها الماء،ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت،ثم أيقظت زوجها،فإن أبى نضحت في وجهه الماء))( ).وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:((إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات))( ).

وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فقال: ((ألا تصليان؟)) فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قلت له ذلك، ولم يرجع إليَّ شيئًا، ثم سمعته وهو مدبرٌ يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}( ).

قال ابن بطال - رحمه الله -: ((فيه فضيلة صلاة الليل، وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك))( )، وقال الطبري - رحمه الله -: ((لولا ما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - من عِظَمِ فضل الصلاة في الليل ما كان يُزعج ابنَتَه وابنَ عمه، في وقت جعله الله لخلقه سكنًا، لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدَّعة والسكون، امتثالًا لقول الله تعالى( ): {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}( ). وقول علي - رضي الله عنه -: ((إنما أنفسنا بيد الله)) اقتبس علي - رضي الله عنه - ذلك من قوله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الـْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}( )، وقوله ((بعثنا)) المقصود: أيقظنا( )، وقوله: ((طرقه))، ذكر النووي - رحمه الله - أن الطرق هو الإتيان في الليل، وأن ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لفخذه المختار في معناه: أنه من سرعة جوابه وعدم موافقته به على الاعتذار، ولهذا ضرب فخذه، والحديث فيه: الحث على صلاة الليل، وأمر الإنسان صاحبه بها، وتعهد الإمام والكبير رعيته، بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وأنه ينبغي للناصح إذا لم تقبل نصيحته أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يُعنِّف إلا لمصلحة( ).

وعن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فزعًا، فقال: ((سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن؟ وماذا أُنزِل من الفتن؟ أيقظوا صواحب يوسف - يريد أزواجه - لكي يصلين، رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)). وفي لفظ: ((ماذا أنزل الليلة؟))( ). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: ((...فيه التحريض على صلاة الليل وعدم الإيجاب، يُؤخذ من ترك إلزامهن بذلك))( ). وفي الحديث استحباب ذكر الله عند الاستيقاظ، وإيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة، لا سيما عند آية تَحدُثُ( )، قال ابن الأثير - رحمه الله -: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) هذا كناية عما يقدمه الإنسان لنفسه من الأعمال الصالحة، يقول: ((رُبَّ غني في الدنيا لا يفعل خيرًا، وهو فقير في الآخرة، ورُبَّ مكتسٍ في الدنيا ذي ثروة ونعمة عارٍ في الآخرة شقيٌّ))( ).

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أن أباه عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}( ).

8- يقرأ المتهجد جزءًا من القرآن أو أكثر، أو أقل على حسب ما تيسر مع التدبر لما يقرأ، وهو مُخيَّر بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته، أو ينتفع بها فالجهر أفضل، وإن كان قريبًا منه من يتهجد، أو من يتضرر برفع صوته، فالإسرار أولى، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا، فليفعل ما شاء( ).

وقد دلت الأحاديث على هذا كله، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فأطال حتى هممت بأمر سوءٍ، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه))( ). وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: ((صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت:يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذٍ تعوَّذ...))( )، وعن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوَّذ، ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: ((سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة)) ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة))( ). وعن حذيفة - رضي الله عنه - أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل فصلى أربع ركعات، فقرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة أو الأنعام))( ).

وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلًا قرأ المفصَّل في ركعة فقال له: ((هذًَّا كهذِّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن،فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين من آل حم في كل ركعة))( ).وفي لفظ:((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأهن اثنتين اثنتين في كل ركعة)) وقال:((عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم:{حم}،الدخان،و{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}( ). وفي لفظ لمسلم: ((عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تآليف عبد الله))( ). وفي لفظ لمسلم: ((...هذًّا كهذِّ الشعر، إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع، وإن أفضل الصلاة الركوع والسجود، إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن...))( ).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت:((قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة))( ). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: ((قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية حتى أصبح يرددها، والآية: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الـْحَكِيمُ}( ).

وهذا يدل على التنويع في القراءة في صلاة الليل على حسب ما يفتح الله به على عبده، وعلى حسب الأحوال وقوة الإيمان.

وأما الجهر بالقراءة والإسرار بها في قيام الليل، فعن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل يجهر أم يسرّ؟ فقالت: ((كل ذلك قد كان يفعل، ربما جهر وربما أسرَّ))( ). وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((يا أبا بكر، مررت بك وإنك تصلي تخفضُ صوتك)) قال: قد أسمعتُ من ناجيتُ يا رسول الله، قال: ((ارفع قليلًا)) وقال لعمر: ((مررت بك وأنت تصلي رافعًا صوتك)) فقال: يا رسول الله! أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، قال: ((اخفض قليلًا))( ).

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقرأ من الليل، فقال: ((يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا، آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا)) وفي لفظ: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءة رجل في المسجد فقال: ((رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أُنسيتها))( ).

والقرآن إذا صلَّى به الحافظ له بالليل والنهار ذكره، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت))( ). وفي رواية لمسلم: ((وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه))( ).

9-جواز التطوع جماعة أحيانًا في قيام الليل؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى جماعة، وصلى منفردًا،لكن كان أكثر تطوعه منفردًا،فصلى بحذيفة مرة( )،وابن عباس مرة( )،وبأنس وأمه واليتيم مرة( )،وبابن مسعود مرة( )،وبعوف بن مالك مرة( )، وصلى بأنس وأمه، وأم حرام خالة أنس مرة( )، وصلى بعتبان بن مالك وأبي بكر مرة( )، وأَمَّ أصحابه في بيت عثمان مرة( )، ولكن لا يتخذ ذلك سنة راتبة، وإنما إذا فعل ذلك أحيانًا فلا بأس، إلا صلاة التراويح فإن الجماعة فيها سنة دائمة( ).

10- يختم تهجده بوتر؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا)). وفي لفظ لمسلم: ((من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترًا [قبل الصبح]،فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك))( ).

11- يحتسب النومة والقومة؛ ليحصل على الأجر في جميع أحواله: في النوم واليقظة، وقد تذاكر معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما الأعمال الصالحة، فقال معاذ: يا عبد الله( ) كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقُهُ تفوُّقًا( )، قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي))، وفي رواية: ((فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا وقاعدًا، وعلى راحلتي، وأتفوقه تفوقًا، قال: أما أنا فأقوم وأنام، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي))( ).

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: ((ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب؛ لأن الراحة إذا قُصد بها الإعانة على العبادة حصَّلت الثواب))( ).

وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((وهذا فيه حسن سيرة الصحابة وغيرتهم، والمذاكرة فيما بينهم، وفيه الاحتساب حتى النومة والقومة، فالمسلم ينظّم وقته، وينظّم أموره: ساعة للقرآن، وساعة لأموره الأخرى، وساعة لأهله...))( ).

12- طول القيام مع كثرة الركوع والسجود هو الأفضل في صلاة الليل ما لم يشق ذلك أو يسبب الملل؛لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الصلاة طول القنوت( )...))( )؛ ولحديث ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن رجلًا سأله عن عملٍ يدخل به الجنة، أو بأحب الأعمال إلى الله، فقال:سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: ((عليك بكثرة السجود لله،فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطَّ عنك بها خطيئة))( )؛ ولحديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتيه بوضوئه وحاجته،فقال لي: ((سل)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: ((أوَغيرَ ذلك؟)) قلت: هو ذاك. قال: ((فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود))( )؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثر الدعاء))( )؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمِنٌ أن يُستجاب لكم))( ).

واختلف العلماء - رحمهم الله -؛ لهذه الأحاديث في أيهما أفضل:طول القيام مع قلة السجود، أو كثر السجود مع قصر القيام؟

فمنهم من قال:كثرة السجود والركوع أفضل من طول القيام، واختارها طائفة من أصحاب الإمام أحمد؛ لأحاديث فضل السجود آنفة الذكر.

ومنهم من قال: إنهما سواء.

ومنهم من قال:طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود؛لحديث جابر المذكور آنفًا( ):((أفضل الصلاة طول القنوت))( )،قال الإمام النووي-رحمه الله-: ((المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت))( ).

وقال الإمام الطبري-رحمه الله- في قول الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا}( ) هو في هذا الموضع قراءة القارئ قائمًا في الصلاة... وقال آخرون: هو الطاعة، والقانت المطيع))( ).

وقال ابن كثير - رحمه الله -: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا} أي في حال سجوده وفي حال قيامه، ولهذا استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة ليس هو القيام وحده كما ذهب إليه آخرون، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - القانت المطيع لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -))( ).

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: أن تطويل الصلاة قيامًا وركوعًا وسجودًا أولى من تكثيرها قيامًا وركوعًا وسجودًا( ).

وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - يقول: ((قد تنازع أهل العلم في أيهما أفضل: طول القيام مع قلة السجود، أو كثرة السجود مع قصر القيام، منهم من فضل هذا ومنهم من فضل هذا، وكانت صلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - معتدلة إن أطال القيام أطال السجود والركوع، وإن قصر القيام قصر الركوع والسجود، وهذا أفضل ما يكون)). وذكر - رحمه الله - أن الأفضل أن يصلي المسلم ما يستطيع، حتى لا يمل، فإذا ارتاحت نفسه للتطويل أطال، وإن ارتاحت نفسه للتقصير قصر إذا رأى أن التقصير أخشع له وأقرب إلى قلبه وراحة ضميره وتلذذه بهذه العبادة، وكلما كثرت السجدات كان أفضل، فإن استطاع المسلم ذلك فالأفضل طول القيام مع كثرة الركوع والسجود يجمع بين الأمرين، وهي صلاة معتدلة إن أطال القيام أطال الركوع والسجود وإن قصر قصر( ).

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحمل كثيرًا في العبادة،ويتلذذ بها،وربما يقوم في صلاة الليل حتى تتفطَّرَ قدماه، فتقول له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول:((أفلا أكون عبدًا شكورًا))( ).وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في ركعة واحدة من قيام الليل: سورة البقرة،والنساء،وآل عمران( )،ورآه حذيفة - رضي الله عنه - يصلي أربع ركعات من الليل قرأ فيهن:البقرة،وآل عمران، والنساء، والمائدة أو الأنعام( ).

وقالت عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته - تعني بالليل - فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأُ أَحَدُكُم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه))( ).

وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يرتاح لذلك ولا يملُّ من عبادة ربه ؛ بل كانت الصلاة قُرَّةَ عينه، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبِّبَ إليّ النساء والطيب، وجُعِلت قُرَّةُ عيني في الصلاة))( ). وكانت الصلاة راحته، فعن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجل: ليتني صليت واسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها))( ).

أما الأمة فقال لهم - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا))( ). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الدين يُسْرٌ ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غَلَبَهُ، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا))( ).

وسمعت سماحة الإمام ابن باز - رحمه الله - يقول: ((وهذا يدل على أن الأفضل في حقنا القصد وعدم التطويل الذي يشق علينا حتى لا نمل، وحتى لا نفتر من العبادة، فالمؤمن يصلي ويجتهد ويتعبد لكن من غير مشقة، بل يتوسط في الأمور حتى لا يمل العبادة))( ).

 سابعًا: الأسباب المعينة على قيام الليل:

1- معرفة فضل قيام الليل، ومنزلة أهله عند الله تعالى، وما لهم من السعادة في الدنيا والآخرة، وأن لهم الجنة، وقد شهد الله لهم بالإيمان الكامل، وأنهم لا يستوون هم والذين لا يعلمون، وأن قيام الليل من أسباب دخول الجنة، ورفع الدرجات في غرفها العالية، وأنه من صفات عباد الله الصالحين، وأن شرف المؤمن قيام الليل، وأنه مما ينبغي أن يغبط عليه الإنسان المؤمن( ).

2- معرفة كيد الشيطان،وتثبيطه عن قيام الليل والترهيب من ترك قيام شيء من الليل؛لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ذُكرَ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ((ذاك رجل بال الشيطان في أذنه) أو قال: ((في أذنيه))( )؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقدٍ، يضرب على مكان كل عقدة:عليك ليل طويل فارقُدْ،فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة،فإن توضأ انحلَّت عقدة،فإن صلى انحلَّت عُقَدُهُ،فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))( )؛ ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل))( )، ولحديث عبد الله بن عمر  رضي الله عنهما أنه رأى رؤيا فقصها على أخته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها فقصَّتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)) فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلًا))( ).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يُبغض كل جعظريٍّ جوَّاظ( )، سخَّاب( ) بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالمٍ جاهل بأمر الآخرة))( ).

3- قصر الأمل وتذكر الموت؛ فإنه يدفع على العمل ويذهب الكسل؛لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال:((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).وكان ابن عمر يقول: ((إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك))( ).

قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -:

اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ

                   فعسى أن يكون موتك بغتة

كم صحيح رأيت من غيرسقمٍ

                   ذهبت نفسه الصحيحة فلتة( )

ولَـمّا نُعي إليه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الحافظ أنشد:

إن عشت تفجع بالأحبة كلهم

                   وبقاء نفسك لا أبا لك أفجع( )

وقال آخر:

صلاتك نورٌ والعباد رقودٌ

                   ونومك ضد للصلاة عنيد

وعمرك غُنمٌ إن عقلت ومهلةٌ

                   يسيرُ ويفنى دائبًا ويبيد( )

وقال بعض الصالحين:

عجبتُ من جسمٍ ومن صحةٍ

                   ومن فتىً نام إلى الفجر

فالموتُ لا تؤمن خطفاتُـهُ

                   في ظلم الليل إذا يسرِي

من بين منقول إلى حفرةٍ

                   يفترش الأعمال في القبر

وبين مأخوذٍ على غِرَّةٍ

                   بات طويل الكبر والفخرِ

عاجله الموتُ على غفلةٍ

                   فمات محسورًا إلى خسر( )

4- اغتنام الصحة والفراغ؛ ليكتب له ما كان يعمل؛ لحديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا))( ).

فينبغي للعاقل أن لا يفوته هذا الفضل العظيم، فيجتهد في حال الصحة،والفراغ، والإقامة في الأعمال الصالحة حتى تكتب له إذا عجز أو شُغل؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ))( ). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ وهو يعظه: ((اغتنم خمسًا قبل خمس:شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك،وفراغك قبل شغلك،وحياتك قبل موتك))( ).

5- الحرص على النوم مبكرًا؛ليأخذ قوة ونشاطًا يستعين بذلك على قيام الليل وصلاة الفجر؛ لحديث أبي برزة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها( ).

6- الحرص على آداب النوم، وذلك بأن ينام على طهارة، وإن لم يكن على طهارة توضأ، وصلى ركعتين سنة الوضوء، ثم يدعو بما ثبت من أذكار النوم، ويجمع كفيه ثم ينفث فيهما ويقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس}، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات، ويقرأ آية الكرسي، والآيتين من آخر سورة البقرة، ويكمل أذكار النوم( )، وهذا يكون من أسباب الإعانة على قيام الليل، وعليه أن يأخذ بالأسباب بأن يضع ساعة عند رأسه تنبهه، أو يوصي من حوله من أهله، وأقاربه، أو جيرانه، أو زملائه أن يوقظوه.

7- العناية بجملة الأسباب التي تعين على قيام الليل، فلا يكثر الأكل، ولا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال التي لا فائدة فيها؛ بل ينظم أعماله النافعة، ولا يترك القيلولة بالنهار؛ فإنها تعين على قيام الليل، ويجتنب الذنوب والمعاصي، وقد ذُكِرَ عن الثوري - رحمه الله - أنه قال: ((حُرِمْتُ قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته) فالذنوب قد يُحْرَمُ بها العبد فيفوته كثير من الغنائم: كقيام الليل، ومن أعظم البواعث على قيام الليل: سلامة القلب للمسلمين، وطهارته من البدع، وإعراضه عن فضول الدنيا، ومن أعظم البواعث على قيام الليل: حب الله تعالى، وقوة الإيمان بأنه إذا قام ناجى ربه وأنه حاضره ومشاهده، فتحمله المناجاة على طول القيام( )، ففي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة))( ).

 ثامنًا: صلاة النهار والليل المطلقة:

 يصلي المسلم ما شاء من ليل أو نهار من الصلوات المطلقة في غير أوقات النهي، وتكون صلاته مثنى مثنى؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة الليل والنهار، مثنى مثنى...))( )، فيصلي المؤمن ما شاء، وقد ثبت من حديث أنس بن مالك في هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا َزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}( ). قال: ((كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون)). وكان الحسن يقول: ((قيام الليل))( ). وعن أنس - رضي الله عنه - أنه قال في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ الليل مَا يَهْجَعُونَ}( ) قال: ((كانوا يصلون في ما بين المغرب والعشاء وكذلك {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ}( ). وعن حذيفة - رضي الله عنه - ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة))( )، وفي رواية عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سألتني أمي: متى عهدك بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: ما لي به عهد منذ كذا وكذا، فنالت مني، فقلت لها: دعيني آتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصلي معه وأسأله أن يستغفر لي ولك، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصليت معه المغرب، فصلى حتى صلى العشاء، ثم انفتل فتبعتُه، فسمع صوتي فقال: ((من هذا حذيفة؟)) قلت: نعم، قال: ((ما حاجتك غفر الله لك ولأمك؟)) قال: ((إن هذا ملك لم ينزل الأرض قطُّ قبل هذه الليلة استأذن ربَّه أن يسلم عليَّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة))( ). وفي لفظ له: ((أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصليت معه المغرب، فصلى إلى العشاء))( ).

 تاسعًا: جواز صلاة التطوع جالسًا:

تصح صلاة التطوع جالسًا مع القدرة على القيام، قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((وهو إجماع العلماء))( ).

كما يصح أداء بعض التطوع من قيام وبعضه من قعود( )، وأما صلاة الفريضة فالقيام فيها ركن، من تركه مع القدرة عليه فصلاته باطلة( ).

وقد ثبتت الأحاديث بذلك، ففي حديث عائشة رضي الله عنها في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل،قالت:((...كان يصلي من الليل تسع ركعات، فيهن الوتر،وكان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا،وليلًا طويلًا قاعدًا،وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم،وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد ... ))( ).

 وعنها رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسًا حتى إذا كَبِر قرأ جالسًا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع))( ).

 وعن حفصة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في سبحته قاعدًا حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدًا، وكان يقرأ بالسورة فيرتِّلها حتى تكون أطول من أطول منها))( ).

 وصلاة المسلم قائمًا أفضل عند القدرة؛لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه:((صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة))( )؛ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل قاعدًا فقال: ((إن صلَّى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم...))( ).

 ويستحب لمن صلَّى قاعدًا أن يكون مُتربِّعًا في حال مكان القيام؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربِّعًا))( ). قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((كانت صلاته [- صلى الله عليه وسلم -] بالليل ثلاثة أنواع:

أحدها: وهو أكثرها: صلاته قائمًا.

الثاني: أنه كان يصلي قاعدًا ويركع قاعدًا.

الثالث: أنه كان يقرأ قاعدًا، فإذا بقي يسير من قراءته قام فركع قائمًا. والأنواع الثلاثة صحَّت عنه [- صلى الله عليه وسلم -]( ).

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - يقول: ((كانت صلاة النبي عليه الصلاة والسلام بالليل على أنواع أربعة كما هو مجموع روايات عائشة رضي الله عنها:

1- يصلي قائمًا ويركع قائمًا.

2- يصلي وهو قاعد ثم إذا لم يبقَ من القراءة إلا نحو من ثلاثين آية أو أربعين قام فقرأ بها ثم ركع.

3- يصلي وهو قاعد ثم إذا ختم قراءته قام فركع.

4- يصلي وهو جالس، ويركع وهو جالس))( ).

 المبحث الثاني: صلاة التراويح

1- مفهوم صلاة التروايح: سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات))( ).

والتراويح: هي قيام رمضان أول الليل( )، ويقال: الترويحة في شهر رمضان؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، بناءً على حديث عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعًا فلا تسأل عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهنّ، ثم يصلي ثلاثًا...))( ). ودل قولها رضي الله عنها: ((يصلي أربعًا ... ثم يصلي أربعًا... )) على أن هناك فصلًا بين الأربع الأولى والأربع الثانية، والثلاث الأخيرة، ويسلم في الأربع من كل ركعتين( )؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة)). وفي لفظ: ((يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة))( ). وهذا يفسر الحديث الأول ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يسلم من كل ركعتين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى))( ).

2- صلاة التراويح سنة مؤكدة، سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله، وفعله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغِّبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))( )، قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((اتفق العلماء على استحبابها))( ) ، ولا شك أن صلاة التراويح سنة مؤكدة أول من سنها بقوله وفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -( ) .

3- فضل صلاة التراويح ثبت من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه))( ). فإذا قام المسلم رمضان تصديقًا بأنه حق شرعه الله وتصديقًا بما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، واحتسابًا للثواب يرجو الله مخلصًا له القيام ابتغاء مرضاته وغفرانه حصل له هذا الثواب العظيم( ).

4- مشروعية الجماعة في صلاة التراويح وقيام رمضان وملازمة الإمام حتى ينصرف؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفَّلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب الله له قيام ليلة) وفي لفظ: ((كُتبَ له قيام ليلة))،فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله، ونساءه، والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال، قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر))( )؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطفق( ) رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهَّد، فقال: ((أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ شأنكم، ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها))، وذلك في رمضان))( ).

وعن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: ((إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل))، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب، ثم خرج معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: ((نعم البدعةُ هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله))( ).

وهذه الأحاديث تدلّ على مشروعية صلاة التراويح وقيام رمضان جماعة بالمسجد، وأن من لازم الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة كاملة.

وأما قول عمر - رضي الله عنه -: ((نعم البدعة هذه )) فهذا يعني به في اللغة، فمراده - رضي الله عنه - أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع إليها، منها:

أ- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحثّ على قيام رمضان، ورغَّب فيه، وقد صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة ثم امتنع من ذلك معللًا بأنه خشي أن يكتب عليهم فيعجزوا عن القيام، وهذا قد أُمِنَ من بعده - صلى الله عليه وسلم -.

ب- أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباع خلفائه الراشدين، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين - رضي الله عنه -( ).

وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول عن قول عمر - رضي الله عنه - ((نعم البدعة هذه)): ((البدعة هنا يعني من حيث اللغة، والمعنى أنهم أحدثوها على غير مثال سابق بالمداومة عليها في رمضان كله، وهذا وجهُ قول عمر - رضي الله عنه - وإلا فهي سنة فعلها - صلى الله عليه وسلم - ليالي))( ).

5- الاجتهاد في قيام عشر شهر رمضان الأواخر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدم من ذنبه))( ).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر( ) ))( ).

وعنها رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره))( ).

وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: ((قمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح. وكانوا يسمونه السحور))( ). وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كانت ليلة سبع وعشرين جمع أهله ونساءه والناس فقام بهم))( ).

6- وقت صلاة التراويح بعد صلاة العشاء مع سنتها الراتبة، ثم تصلى صلاة التراويح بعد ذلك( ).

7-عدد صلاة التراويح ليس له تحديد لا يجوز غيره، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة تُوتِرُ له ما قد صلّى))( ). فلو صلى عشرين ركعة وأوتر بثلاث، أو صلى ستًا وثلاثين وأوتر بثلاث، أو صلى إحدى وأربعين فلا حرج( )، ولكن الأفضل ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، لحديث ابن عباسرضي الله عنهما  قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة))( )؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة))( )، فهذا هو الأفضل والأكمل في الثواب( )، ولو صلى بأكثر من ذلك فلا حرج لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى منثى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى))( ). والأمر واسع في ذلك ، لكن الأفضل إحدى عشرة ركعة، والله الموفق سبحانه( ).

 المبحث الثالث: صلاة الوتر

1- الوتر سنة مؤكدة( )؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:((الوتر حقٌ على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل،ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل))( )؛ولحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((الوتر ليس بحَتْم كصلاتكم المكتوبة،ولكن سنةٌ سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -))( ). ومما يدل على أن الوتر ليس بحتم بل سنة مؤكدة ما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟ فقال: ((الصلوات الخمس إلا أن تطوَّع شيئًا)) فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام؟ فقال: ((شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا)). فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الزكاة [ وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع))] فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والذي أكرمك لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلح إن صدق، أو أُدخل الجنة إن صدق))( )؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن وفيه: ((...فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمسَ صلوات في اليوم والليلة...)) ( ). وهذان الحديثان يدلان على أن الوتر ليس بواجب، وهو مذهب جمهور العلماء( )، بل هو سنة مؤكدة جدًا، ولهذا لم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة الفجر والوتر في الحضر ولا في السفر( ).

2- فضل الوتر،له فضل عظيم؛لحديث خارجة بن حذافة العدوي، قال:خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:((إن الله تعالى قد أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حُمرِ النَّعم،وهي الوِتر، وجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر))( ).

ومما يدل على فضلها وتأكد سنيتها حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال:((يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر))( ).

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز يقول في تقريره على هذا الحديث: ((هذا يدل على أنه ينبغي أن يكون أهل العلم لهم عناية أكثر من غيرهم وإن كان مشروعًا للجميع حتى يقتدي بهم من عرف أحوالهم وأعمالهم، والوتر أقله ركعة بين العشاء والفجر، وهو سبحانه وتر يحب الوتر، ويحب ما يوافق صفاته، فهو صبور يحب الصابرين، بخلاف العزة والعظمة، فالعباد يأخذون من صفاته ما يناسب العبد من كرم وجود وإحسان))( ).

3- وقت صلاة الوتر:جميع أوقات الليل بعد صلاة العشاء على النحو الآتي:

أ- وقت الوتر الشامل: ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بصرة الغفاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله زادكم صلاة وهي الوتر، فصلُّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر))( ). فظهر من هذا الحديث أن وقت الوتر ما بين صلاة العشاء والفجر، وسواء صلى المسلم العشاء في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب جمع تقديم؛ فإن وقت الوتر يدخل من حين أن يصلي العشاء( ).

وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بتوكيد ذلك من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلِّم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة))( ).

وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر وقت الوتر، فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أوتروا قبل أن تُصبحوا)). وفي رواية: ((أوتروا قبل الصبح))( ).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بادروا الصبح بالوتر))( ). وهذا يدل على مسابقة طلوع الفجر بالوتر بأن يوقع الوتر قبل دخوله؛ ولهذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى))( ). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أدرك الصبح فلم يوتر فلا وتر له))( ). ويؤكد ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كلُّ صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر))( ). قال الإمام الترمذي - رحمه الله -: ((وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق لايرون الوتر بعد صلاة الصبح))( ).

ويزيد ذلك وضوحًا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن آخر وتره السحر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر))( )، فظهر في جميع هذه الأحاديث أن وقت الوتر يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العشاء، وينتهي بطلوع الفجر الثاني، ولا قول لأحد بعد قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -( ).

ب- الوتر قبل النوم مستحب لمن ظن أن لا يستيقظ آخر الليل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث [ لا أدعهن حتى أموت] صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام))( )؛ ولحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: ((أوصاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث، لن أدعهن ما عشت، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر))( ). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: ((وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم، وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ، ويتناول من يصلي بين النومين))( ).

ومما يدل على أن الأمر على حسب أحوال الأشخاص وقدراتهم ما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: ((أيَّ حين توتر؟ )) قال: أول الليل بعد العتمة، قال: ((فأنتَ يا عمر؟) فقال: آخر الليل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالوثقى، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة))( ). وحديث أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((متى توتر؟)) قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر: ((متى توتر؟) فقال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: ((أخذ هذا بالحزم) وقال لعمر: ((أخذ هذا بالقوة))( ).

ج- الوتر في آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ؛ لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة( )، وذلك أفضل)). وفي رواية ((... ومن وثق بقيام من الليل فليوتر من آخره؛ فإن قراءة آخر الليل محضورة، وذلك أفضل))( ). قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل، لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل، وهذا هو الصواب، ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث: ((أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر)). وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ))( ).

ومما يؤكد استحباب الوتر آخر الليل ما ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأُعطيَهُ؟ من يستغفرني فأغفرَ له؟))( ). وفي رواية لمسلم: ((فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر))( ). وفي لفظ مسلم: ((...هل من سائلٍ يُعْطَى؟ هل من داعٍ يُستجابُ له؟ هل من مستغفرٍ يُغْفَرُ له؟ حتى ينفجرَ الفجر))( ).

4- أنواع الوتر وعدده،الوتر له عدد وأنواع على النحو الآتي:

أولًا: إحدى عشرة ركعة يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة ويوتر منها بواحدة)). وفي رواية: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي تدعونها العتمة - إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة...)) ( ).

ثانيًا: ثلاث عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((...فقمت إلى جنبه عن يساره فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها، فحوَّلَني فجعلني عن يمينه ثم صلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح))( ).

وعنه - رضي الله عنه - قال:((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة))( ).

 وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: ((لأرمقن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، طويلتين، طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة))( ).

ثالثًا:ثلاث عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر من ذلك بخمس سردًا؛لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها))( ).

رابعًا: تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة ثم يأتي بالتاسعة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((... كنا نُعدُّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوَّك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا يسمعناه ...))( ).

خامسًا: سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((... فلما أسنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه اللحم أوتر بسبع... ))( ).

وفي رواية: ((لا يقعد إلا في آخرهن))( ).

سادسًا: سبع ركعات لا يجلس إلا في السادسة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنا نُعدُّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ، ثم يصلي سبع ركعات، ولا يجلس فيهن إلا عند السادسة فيجلس ويذكر الله ويدعو))( ).

سابعًا: خمس ركعات لا يجلس إلا في آخرهن؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الوتر حق على كل مسلم، فمن أحبَّ أن يُوترَ بخمسٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يوتر بواحدةٍ فليفعلْ))( ). وقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أن هذا النوع يصلَّى سردًا، لا يجلس إلا في الركعة الخامسة، وفيه: ((... يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها))( ).

ثامنًا:ثلاث ركعات يسلم من ركعتين ثم يوتر بواحدة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يُسمعناه))( ). وقد ثبت ذلك عن عبد الله بن عمر موقوفًا. فعن نافع: ((أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته))( ).والموقوف يؤيد المرفوع.وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول عن الوتر بثلاث ركعات بسلامين: ((هذا هو الأفضل لمن صلى ثلاثًا، وهي أدنى الكمال))( ).

تاسعًا: ثلاث ركعات سردًا - رضي الله عنه - لا يجلس إلا في آخرهن؛ لحديث أبي أيوب - رضي الله عنه - وفيه: ((ومن أحبَّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعلْ))( )؛ ولحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الوتر بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى}، وفي الركعة الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون}، وفي الركعة الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، ولا يسلِّم إلا في آخرهن، ويقول بعد التسليم: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاثًا( ).لكن يصلي ثلاثًا سردًا يتشهد تشهدًا واحدًا في آخرهن؛لأنه لو جعلها بتشهدين لأشبهت صلاة المغرب( )،وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تشبَّه بصلاة المغرب( )،لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا توتروا بثلاث،أوتروا بخمس،أو بسبع،ولا تشبَّهوا بصلاة المغرب))( ). وقد جمع الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بين أحاديث وآثار جواز الإيتار بحملها على أنها متصلة بتشهد واحد في آخرها،وأحاديث النهي عن الإيتار بثلاث بحملها على أنها بتشهدين لمشابهة ذلك لصلاة المغرب( ).

ومما يدل على الإيتار بثلاث حديث القاسم عن عبد الله بن عمر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة واحدة توتر لك ما صليت)). قال القاسم: ((ورأينا أناسًا منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإنَّ كلًا لواسعٌ، وأرجو أن لا يكون بشيء منه بأس))( ).

عاشرًا: ركعة واحدة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الوتر ركعة من آخر الليل))( )؛ وعن أبي مجلزٍ قال: سألت ابن عباس عن الوتر؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ركعة من آخر الليل) وسألت ابن عمر فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ركعة من آخر الليل))( ). وذكر الإمام النووي - رحمه الله -: أن هذا دليل على صحة الإيتار بركعة وعلى استحبابه آخر الليل( ). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((لكن كلما زاد فهو أفضل فإذا اقتصر على واحدة فلا كراهة ...))( ).

ومما يدل على الإيتار بركعة واحدة، حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ومن أحب أن يوتر بواحدةٍ فليفعلْ...)) ( ).

5- القراءة في الوتر، يقرأ في الوتر في الركعة الأولى: بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى}، وفي الركعة الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون}، وفي الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الوتر بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى}، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون}، و{قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} في ركعة ركعة))( )، قال الترمذي - رحمه الله -: ((يقرأ في كل ركعة من ذلك بسورة))( ).

6- القنوت في الوتر( )، يقنت في الوتر؛ لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولها في [قنوت] الوتر: ((اللهم اهدني فيمن هديت،وعافني فيمن عافيت،وتولني فيمن توليت،وبارك لي فيما أعطيت،وقني شر ما قضيت؛فإنك تقضي ولا يُقضى عليك،وإنه لا يذلّ من واليت [ولا يعز من عاديت]( ) [سبحانك]( ) تباركت ربنا وتعاليت))( ).

ب- وقد ثبت عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في آخر وتره: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))( ). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين( ).

7- مَوضِعُ دعاء القنوت قبل الركوع وبعده؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت قبل الركوع، وثبت أنه قنت بعد الركوع، فهذا مشروع وهذا مشروع، والأفضل القنوت بعد الركوع؛ لأنه الأكثر في الأحاديث( )، والقنوت في الوتر سنة( )، ومما يدل على موضع القنوت ومحله المشروع حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال حينما سُئل عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: ((قبل الركوع... ) ثم قال: ((إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرًا يدعو على أحياء من بني سُليم))( ). وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: ((سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) ثم يقول وهو قائم: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد...))( ).

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء، وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من بني سُليم، على رِعْــلٍ وذكوان، وعُصية، ويؤمِّنُ مَنْ خَلفَه))( ). وحديث أُبي بن كعب - رضي الله عنه -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر فيقنت قبل الركوع))( ). وحديث أنس - رضي الله عنه - وقد سُئل عن القنوت في صلاة الصبح فقال: ((كنا نقنت قبل الركوع وبعده))( ).

8- رفع اليدين في دعاء القنوت وتأمين المأمومين؛ لعموم حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن ربكم تبارك وتعالى حييٌّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردَّهما صفرًا))( )؛ ولأنه صح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعن أبي رافع قال: ((صليت خلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء))( ).

وعن أنس - رضي الله عنه - في قصة القرَّاء الذين قُتِلوا قال: ((لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم - يعني على الذين قتلوهم))( ). وذكر البيهقي - رحمه الله - أن عددًا من الصحابة رفعوا أيديهم في القنوت( )، أما تأمين المأمومين على قنوت الإمام، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  ((... إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سُليم على رعلٍ وذكوان، وعصية، ويؤمِّن مَن خلفه))( ).

9- آخر صلاة الليل الوتر؛لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا))( ). وفي رواية لمسلم: ((من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترًا [قبل الصبح]، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك))( ).

10- الدعاء بعد السلام من صلاة الوتر؛يقول بعد التسليم: ((سبحان الملك القدوس،سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح))؛لحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث ركعات، كان يقرأ في الأولى بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى}، وفي الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون}، وفي الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، ويقنت قبل الركوع،فإذا فرغ قال عند فراغه:((سبحان الملك القدوس)) ثلاث مرات،يمد بها صوته في الأخيرة يقول:(([رب الملائكة والروح]))( ).

11- لا وتران في ليلة ولا يُنقض الوتر؛لحديث طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا وتران في ليلةٍ))( )؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين بعدما يوتر( )، فإذا أوتر المسلم أول الليل ثم نام، ثم يسَّر الله له القيام من آخر الليل، فإنه يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره بل يكتفي بوتره السابق( ).

12- إيقاظ الأهل لصلاة الوتر مشروع؛لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل وأنا معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت)). وفي لفظ لمسلم: ((كان يصلي صلاته من الليل وهي معترضة بين يديه، فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت)). وفي لفظ آخر لمسلم: ((فإذا أوتر قال: ((قومي فأوتري يا عائشة))( ). قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((فيه أنه يستحب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد أم لا، إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره، وأن الأمر بالنوم على وتر إنما هو في حق من لم يثق))( ).

13- قضاء الوتر لمن فاته؛ لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه:  ((... وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان...))( ).

 وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل))( ).

 وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصلِّ إذا أصبح أو ذكره))( ). فالأفضل أن يقضي الوتر إذا نام عنه أو نسيه، من النهار بعد ارتفاع الشمس شفعًا على حسب عادته، فإن كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة صلى في النهار اثنتي عشرة ركعة، وإن كان يصلي تسع ركعات صلى عشر ركعات، وهكذا.



([1]) متفق عليه: البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749، وتقدم تخريجه.

([2]) مسلم، برقم 736، وتقدم تخريجه.

([3]) متفق عليه، البخاري، برقم 1147، ومسلم، برقم 738، وتقدم تخريجه.