×
من عجائب الصدقة: فإن للصدقة أثرًا طيبًا، وحُسن عاقبةٍ على الفرد والمُجتمع، ولِما يحصل للقلب من سرور وطمأنينة وانشِراح عند المُتصدِّق، وإدخال السرور على الفقير؛ جاء هذا الكتاب ذاكرًا بعض فضائلها وشيئًا من كلام العلماء عنها، وقصصًا لمن تصدَّقوا فأخلفَ الله تعالى عليهم خيرًا في القديم والحديث، مُبيِّنًا أن أمر الصدقة ليس أمرًا ماليًّا فحسب؛ بل فضلُها مُتنوِّع، ولها شروط وموانع.

 من عجائب الصدقة

خالد بن سليمان بن علي الربعي


 المقدمة

الحمد لله الذي له الفضلُ والشكرُ والثناء، أجزلَ للمتصدِّقين العطاء، ووعدهم بأحسن الجزاء، أحمده في السراء والضراء، والصلاة والسلام على سيد الأولياء وإمام الأتقياء، من كانت يده بالخير كالريح المرسلة بذلاً وعطاء، وعلى آله وصحبه الذين أنفقوا في الشدة والرخاء، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإنَّ للصدقة أثرًا طيبًا، وحسنَ عاقبة على الفرد والمجتمع، ولم يحصل للقلب من سرور وطمأنينة وانشراح عند المتصدق، وإدخال السرور على الفقير، أحببت ذكر بعض فضائلها وشيئًا من كلام العلماء عنها، وقصصًا لمن تصدقوا فأخلف الله تعالى عليهم خيرًا – في القديم والحديث – راجيًا من الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.

ولتعلم أن البعض قد يستشكل أمر الصدقة ويحسبه أمرًا ماليًا فحسب، وهو ليس كذلك لذا ذُكرَ بَيْنَ يديك جمعٌ من الأحاديث الواردة في فضل الصدقة وتنوُّعها، ولعلك تستنتج الكثير من هذه الأنواع والشروط والموانع وغيرها خلال قراءتك للآيات والأحاديث وكلام العلماء.


وإليك محتوى الكتاب:

1- المقدمة.

2- الآيات.

3- الأحاديث.

4- من كلام العلماء عن الصدقة.

5- القصص.

أ- قصص المتقدمين؟ وقد ذُكِرَتْ بمراجعها.

ب- قصص المتأخرين وقد حدثني بها من وقعت له، أو نقلاً عنه.

6- التراجم:

1- ذكرت تراجم لأغلب العلماء المذكورين في الكتاب مستقيًا ذلك من كتاب (سير أعلام النبلاء) للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفَّى سنة (748هـ) وقد أطلت في ترجمة البعض لفائدة تستفاد من المترجم، له وقد تجوزت في ذلك إذ لا تقل عن أهمية القصة.

وسبب الترجمة ما يلي:

1- أن بعض المؤلفين يحيل القارئ في التراجم للمصادر وقد لا توجد بين يديه أو يتكاسل في الرجوع إليها.

2- لأخْذ العبرة والفائدة من سيرهم وما تشمله من عبادات وحكم ونصائح وطرائف وقصص.

وأخيرًا, أسأل الله تعالى حسن العمل والنية الصادقة والعفو والعافية، اللهمَّ أعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم على بلادنا الأمن والاستقرار وسائر بلاد المسلمين، ووفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى يا كريم.

وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أخوك

خالد بن سليمان بن علي الربعي

العنوان

المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في الشقة

بريدة ص.ب (25076) الرمز البريدي (51321)

هاتف 063870006 فاكس تحويلة (14).

* * * *


 أ- الآيات

1- قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245].

2- قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261 - 263].

3- قال تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 271، 272].

4- قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 274].

5- قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133، 134].

6- قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39].

7- قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].

8- قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 18].

9- قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن: 16، 17].

10- قال تعالى: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المزمل: 20].

* * * *


 ب- الأحاديث

1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أيُّ الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: «أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان»([1]).

2- عن حذيفة - رضي الله عنه - قال كنا عند عمر - رضي الله عنه - فقال: أيُّكم يحفظ حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة كما قال؟ قال: فقلت: أنا قال: إنك لجريء وكيف قال؟ فقلت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يُكَفِّرُها الصيام والصَّدقة والأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر» فقال عمر: ليس هذا أُريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر قال: فقلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين، إنَّ بينك وبينها بابًا مغلقًا قال: أَفَيُكْسَرُ الباب أم يُفْتَحْ؟ قال: قلت: لا، بل يُكْسَرُ قال: ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا قال: فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلةَ، إني حدَّثته حديثًا ليس بالأغاليط قال: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سله فسأله فقال: عمر»([2]).

3- عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملأ – أو تَمْلآن – ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو فبائع نفْسَه فمعتقها أو موبقها»([3]).

4- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – وإنَّ يتقبَّلها بيمينه ثم يُربيها لصاحبهِ كما يُربي أحدكم فَلُوَّة حتى تكونَ مثلَ الجبل»([4]).

5- عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ابنَ آدم، إنك إن تبذل الفضلَ خيرٌ لك وإن تُمسكه شرٌّ لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليدُ العليا خير من اليد السفلى»([5]).

6- عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة كلُّها مخطومة»([6]).

7- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: «أنْفِقْ يا ابن آدم أُنْفِقْ عليك»([7]).

8- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول العبد: مالي مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أَوْ أعْطَى فَاقْتَنَى، وما سوى ذلك هو ذاهب وتاركه للناس»([8]).

9- عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد إلا سَيُكلِّمه الله ليس بينه وبينه تَرْجُمان فينظرُ أيمنَ منه فلا يرى إلى ما قدَّم، وينظرُ أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظرُ بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتَّقوا النار ولو بشق تمرةٍ»([9]).

10- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ضربَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جُنَّتان من حديد، قد اضطُرَّتْ أيديهما إلى ثُدِّيهمَا وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشى أناملَه وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلَصَت وأخذت كلُّ حلقة مكانَها قال: فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بإصْبَعِهِ في جيبه «فلو رأيته يوسعها ولا توسَّع»([10]).

11- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعةٌ يُظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلى ظلُّه: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنِّي أخاف الله، ورجلٌ تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلمَ شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»([11]).

12- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمَّ أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا»([12]).

13- قال عبد الله قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّكم مُال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا مالُه أحبُّ إليه قال: «فإنَّ مالَه ما قدَّم، ومالَ وارثه ما أخَّرَ»([13]).

14- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله»([14]).

15- عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «... والصدقة تطفئُ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»([15]).

16- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنَّ الصدقة لتطفئُ غضبَ الربِّ وتدفع ميتةَ السُّوء»([16]).

17- عن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاةً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما بقي منها؟» قالت: ما بقي منها إلا كَتِفُها. قال: «بقي كلُّها غير كتفها»([17]).

18- عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلُّ امرئ في ظل صدقته يومَ القيامة، حتى يفصل بين الناس أو قال: حتى يحكم بين الناس» قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كَعكة أو بصلة أو كذا ([18]).

19- عن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، أيُّ الصدقة أفضل؟ قال: «سقيُ الماء»([19]).

20- عن سعيد أن سعدًا أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: أيُّ الصدقة أعجبُ إليك قال: «الماء»([20]).

21- عن عبد الرحمن بن بُجَيْد عن جدته أم بُجَيْدٍ وكانت ممن بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئًا أُعْطيه إياه، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لم تجدي شيئًا تعطيه إياه إلا ظِلْفًا مُحْرَقَا فادفعيه إليه في يده»([21]).

22- عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إنَّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقةً وهو يحتسبها، كانت له صدقةً»([22]).

23- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيرُ الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابْدأْ بمن تعول»([23]).

24- عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليدُ العليا خير من اليد السُّفلى، وابدأ بمن تعولُ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يَسْتَعِفَّ يعفه الله ومن يستغن يغنه الله»([24]).

25- عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجَه الله إلا أُجرت عليها حتى ما تجعلُ في فم امرأتك»([25]).

26- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أنفقت المرأةُ من طعام بيتها غير مُفسدَة كان لها أجرُهَا بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كَسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بَعْضُهم أجرَ بعض شيئًا»([26]).

27- عن أسماء رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله مالي مالٌ إلا ما أدخل علي الزبير فأتَصَدَّقُ؟ قال: «تصدَّقي ولا توعي فيوعِِي الله عليك»([27]).

28- عن كُريب مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أَخْبَرتْهُ أنها أعتقت وليدَة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرتَ يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: «أوَقد فعلت؟» قالت: نعم قال: «أما إنك لو أعطيتِها أخوالك كان أعظم لأَجرِكِ»([28]).

29- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقتهُ على أهلك: أعظمها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلك»([29]).

30- عن سلمينا بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصدقةُ على المسكين صدقة، وعلى ذي الرَّحم اثنتان: صَدَقة وصلة»([30]).

31- عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقه»([31]).

32- عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أُكِل مِنْه له صدقةٌ، وما سُرِقَ منه له صدقهٌ، وما أكل السَّبُعُ منه فهو له صدقةٌ، وما أكلت الطيرُ فهو له صدقة، ولا يرَزَؤُه أحدٌ إلا كان صدقة»([32]).

33- عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «على كل مسلم صدقة». قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يَعْتَمِلُ بيدَيْه فينفعُ نفسه ويتصدَّقُ». قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يعينُ ذا الحاجة الملهوف». قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يأمرُ بالمعروف أو الخير». قال: أرأيت إن لَمْ يفعل؟ قال: «يمسكُ عن الشَّر فإنها صدقةٌ»([33]).

34- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلُّ معروفٍ صدقةٌ»([34]).

35- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ معروفٍ صدقة، وإنَّ من المعروفِ أن تلقى أخاك بوجه طَلْق، وأن تفرغَ من دلوكَ في إناء أخيك»([35]).

36- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ سلامى من النَّاس عليه صدقةٌ كلَّ يوم تطلعُ فيه الشمس» قال: «تعدلُ بين الاثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحملُه عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة»، قال: «والكلمة الطيبةُ صدقةُ، وكل خطوة تمشيها إلى الصَّلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ»([36]).

37- عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنَّ ناسًا من أَصْحَاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسولَ الله ذَهَب أهل الدُّثور بالأجور: يُصَلُّون كما نصلِّي،، ويصومون كما نصومُ، ويتصدقون بفضول أموالهم قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصَّدقَّوُن به؟ إنَّ بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدُنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضَعها في حرام، أكان عليه فيها وزرٌ؟ فكذلك إذا وضَعها في الحلال كان له أجرٌ»([37]).

38- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحَّى ذلك السحاب فأفرَغَ ماءَهُ في حرة فإذا شَرْجةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كلَّه فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحوِّل الماء بِمِسْحَاته فقال له: يا عبد الله ما اسمُك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لم سألتني عن اسمي؟ قال: إني سَمعتُ صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤُهُ يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنعُ فيها؟ قال: أما إذْ قلتَ هذا فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيال ثلثًا وأردُّ فيها ثلثه»([38]).

39- عن عبد الله بن فروخ أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقولُ: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه خُلقَ كلُّ إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مَفْصل، فمن كبَّر الله وحمده الله وهلَّلَ الله وسبَّح الله واستغفر الله، وعزل حَجَرًا عن طريق الناس أو شوكةً أو عظمًا عن طريق الناس، وأَمَرَ بمعروفِ أو نَهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامي، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار»([39]).

40- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «نعم الصَّدقةُ اللِّقْحَةُ الصَّفيُّ منْحَةً والشاةُ الصَّفيُّ منحةً، تغدُو بإناءٍ وتروح بآخَرَ»([40]).

41- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى فَذَكَرَ خصالاً وقال: «مَنْ مَنَحَ مِنحْةً غَدَتْ بصدقةٍ وراحتْ بصدقةَ صُبوحَها وغبوقَها»([41]).

42- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربعونَ خصلةً أعلاهنَّ منيحَة العنز، ما من عامل يعمَلُ بخصلة منها رجاءً ثوابها وتصديقَ موعودها، إلا أدخلهُ الله بها الجنةَ»([42]).

43- عن أبي هريرة يبلغُ به «ألا رَجُلٌ يمنحُ أهل بيت ناقَةَ تغدو بعُس وتروحُ بعُسٍّ إن أجْرَهَا لعظيمٌّ»([43]).

44- عن عبيد الله بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كانَ رجلٌ يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال: لفتيانه: تجاوزوا عنْه لعلَّ الله أن يتجاوزَ عنا فتجاوزَ الله عنْهُ»([44]).

45- عن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة طلب غريمًا له فتوارى عنه ثم وجدَهُ فقال: إنِّي معسر قال: آلله؟ قال: آلله قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ سره أن يُنجيه الله من كَربِ يوم القيامة، فلينفِّسْ عن معسر أو يضع عنه»([45]).

46- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من يسرَ على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة»([46]).

47- عن بريدة الأسلمي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أنظر معسرًا كان له بكل يوم صدقَةٌ. ومن أنظره بعد حِلِّهِ كان له مْثلُهُ في كلِّ يوم صدقةٌ»([47]).

* * * *


 ج- من كلام العلماء عن الصدقة

* قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فإنَّ للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفعُ بها عنهُ أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهلُ الأرض كلُّهم مقرُّون به لأنَّهم جرَّبوه)([48]).

* وقال رحمه الله تعالى في أسباب شرح الصدر: (ومنها الإحسانُ إلى الخلق ونفعُهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن أشرحُ الناس صدرًا وأطيبهم نفسًا وأنعمُهم قلبًا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناس صدرًا وأنكدهم عيشًا وأعظمُهم همًا وغمًا..)([49]).

* وقال رحمه الله تعالى: (... بل ها هنا من الأدوية التي تشْفي من الأمراض ما لمْ يهتد إليها عقولُ أكابر الأطباء، ولم تصل إليها عُلومُهم وتجاربهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية وقوة القلب واعتماده على الله تعالى والتوكل عليه والالتجاء إليه والانطراح والانكسار بين يديه والتذلَّل له الصدقة والدعاء والتوبة والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جرَّبْتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه، وقد جرَّبنا نحن وغيرنا من هذا أمورًا كثيرةً ورأيناها تفعلُ ما لا تفعل الأدوية الحسية...)([50]).

* وقال رحمه الله تعالى: (كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس صدقةً بما ملكت يدهُ، وكان لا يستكثر شيئًا أعطاه لله تعالى ولا يستقلُّه، وكان لا يسألُه أحدٌ شيئًا عنده إلا أعطاه قليلاً كان أو كثيرًا، وكان عطاؤه عطاء مَنْ لا يخافُ الفقر، وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيء إليه وكان سرورُه وفرحُه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير يمينه كالرِّيح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه تارةً بطعامه وتارةً بلباسه، وكان ينوِّع في أصناف عطائه وصدقته فتارةً بالهبة وتارةً بالصدقة وتارة بالهدية وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعًا كما فعل ببعير جابر، وتارةً كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، ويشتري الشي فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها أو بأضعافها تلطُّفا وتنوُّعا في ضروب الصدقة والإحسان بكلِّ ممكن، وكانت صدقُته وإحسانُه بما يملكه وبحاله وبقوله فيُخرجُ ما عنده ويأمر بالصدقة ويحضُّ عليها ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيلُ الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء وكان مَنْ خالَطَهُ وصحبَه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى، وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - أشرحَ الخلق صدرًا وأطيبَهم نفسًا وأنعمهم قلبًا، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر، وانضاف ذلك إلى ما خَصَّه الله به من شرح صدره بالنبوة والرسالة وخصائصها وتوابعها وشرح صدره حسًا وإخراج حظِّ الشيطان منه)([51]).

قال الأصمعي: حدثنا هشام بن سعد صاحب المحمل: عن أبيه قال: قال حكيم بن حزام: (ما أصبحتُ وليس ببابي صاحبُ حاجة، إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها)([52]).

عن الحسن قال: رأى الأحنف في يَد رجل درهما فقال: لمن هذا؟ قال: لي قَال: ليسَ هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر وتمثل: أنت للمال إذا أمسكته وإذا أنفقته فالمال لك ([53]).

قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى عن الصدقة والتصدق: (فلا يقتصرُ على المال وما يقوَّمُ بالمال بل يشمل كل عملٍ صالح؛ من طيب الكلمة وبشاشة الوجه وإعانة الرجل على دابته ومعاونته على حمل متاعه عليها، وإنظار المعسر صدقة والتخفيف عنه، بل قد تكون العبادة لله تعالى صدقة يتصدق بها العبدُ على أخيه المسلم كالذي جاء والناسُ قد صلوا العصر فقال - صلى الله عليه وسلم -: «من يتصدق على هذا فيصلِّي معه؟» أي: من يعيدُ الصلاة معه فتصدَّق عليه أبو بكر - رضي الله عنه -، فمن أحكامها الآتي:

1- أن تكون طيبةً ومن كسب طيبٍ، ولعل أوَّل أثرِ من آثار هذا النوع أنه يعوِّد الإنسان كسبَ الحلال وأكله. ومن البديهي أن الإنسان لا يقرِّب إلى الله شيئًا يبتغي مرضاته إلا إذا كان هذا الشيء طيبًا عند الله تعالى وإلا لكان بتقديمه غير الطيب جالبًا على نفسه سخط الله تعالى والله غنيٌّ عن ذلك وعن غيره.

2- أن تكون الصدقة عن ظهر غنى؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتصدق بما تطلَّعُ إليه نفسه ويحتاجُه حتى لا يوقع الملامة في نفسه، والغنى قسمان:

أ- غنى مادِّيٌ: بأن يكون مستغنيًا بفضل ماله عما تصَدق به هو ومن يعول ولوازم حياته، وهذا القدر لعوام الناس وقد يشاركهم فيه الحيوانات، لأن الحيوان لا يمنع طعامه إذا شبع أما في حالة الجوع فإنه يدفع من شاركه طعامه حتى الحيوانات الأليفة من بهيمة الأنعام.

ب- غنى معنوى: وهو غنى النَّفس ولو كان طاويًا، وهذا النوع لخواص الناس. كما امتدح الله تعالى الأنصار بالإيثار على النفس.

وبما أن هذا القسم لا إلزام فيه ولا حدَّ وإنما هو متروك لقوة صلة العبد بالله تعالى ورجائه لفضل الله فإن أفضل أنواعه ما كان أقرب إلى النفس وأحبَّها إليها. كما جاءَ في أفضل الصدقة عند الله تعالى قال - صلى الله عليه وسلم -: «أنفسُها عندَ أهلها» وقد جاء عن عمر - رضي الله عنه - أنه أهدى جملاً في أنفه حلقة فضةٍ من أكرم أنواع الإبل كان قد أعطي فيه ثمانين بعيرًا. ولما سئل عن ذلك وقيل له: كان يكفيك غيره قال: أردتُّ إغاظة المشركين. وفي هذه الحالة تكون الصدقة أعلى منزلة وأعظم قدرًا وأبلغ أثرًا في النفس، وأقوى دلالة على صدقه مع الله تعالى. يعتبر فضل الصدقة بالكيفية والصورة التي تقع بها من سماحة النفس ورغبة الإحسان لا بالكثرة والمظهر. وقد يدرك العبدُ بالنية الصَّالحة ما يحصُل للمتصدق بالمال الكثير، كما جاء في حديث أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ثلاثٌ أقسم عليهنَّ...» إلى أن قال: «وأحدِّثكم حديثًا فاحفظوهُ. قال: إنما الدنيا لأربع نَفَر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربَّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أنَّ لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته، فأجرهما سواء وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم ولا يتَّقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقًا فهو بأخبث المنازل، وعبد لم يعطه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أنَّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيَّته، فوزرهما سواء» فقد أدرك صاحب النية الحسنة من الفضل والمنزلة مثل ما أدركَهُ صاحب المال الذي يعرف حق الله تعالى فيه ويصلُ به رحمه.

وأما مصارف الصدقة: فلَيْسَ لمصرفها من حدود ولا تعين؛ فيجوز صرفها في مصارف الزكاة؛ لأنها تطوُّع وحيث وضعتها صادفت محلاً. وتزيد مصارفها عن مصارف الزكاة فتشمل جميع أنواع أبواب الخير التي لم تذكرْ في مصارف الزكاة؛ من صلة الرحم والتَّوسعة على الأيتام والأرامل والمعوزين وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات والقناطر والصَّدقات الجارية من سقي الماء وتوريث مصحف وغرس نخل وبناء مسكنٍ لمنقطعين وما لا يمكن حصرهُ من هذا القبيل.

وأما آثارها: فإن أثَرها يشملُ الغني والفقير فتكون متجددة الأثر في نفوس الأغنياء بالطهر والتزكية قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103].

هذا النص القرآني الشامل للفرض والنفل – وهو في الفرض أسبق للتكليف بالأخذ – يشير إلى ألأثر العظيم النفسي والماليِّ، ففي النفس تطهيرُها من الجانبين؛ جانب الغني المنفق عَنْ أدران الشحِّ ورذيلة البُخل ووصمة القسوة وانعدام العاطفة والكتاب البَذْل والكرم واللين والعطف على المحتاجين والتعاطُف مع المجتمع بجميع طبقاته. وجانب الأخذ من غريزة الحق ونار الحسد وما يترتب على ذلك، وتزكية المال بالنماء والزيادة، فهي عامل مشترك تطهر النفس والمال من كل رذيلة، وتزكي النفس والمال بكل فضيلة)([54]).


 د- قصص المتصدقين

 1- وما عند الله خير وأبقى

عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - ([55]) قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرَنا بالصَّدقة انطلق أحدُنا إلى السُّوق فيُحاملُ فيصيب المدَّ وإنَّ لبعضهم اليوم لمائة ألف قال: ما نراه إلا نفسَه ([56]).

 2- كرامة باهرة

قال الذهبي ([57]) رحمه الله تعالى (لأبي أمامة كرامة باهرة جزع هو منها، وهي في كرامات الداكالي تصدق بثلاثة دنانير فلقي تحت كراجته ثلاثمائة دينار)([58])([59]).

 3- خير من رغيفك

روى ابن الجوزي ([60]) رحمه الله تعالى عن ابن أبي حازم عن أبيه قال: أمست عائشة ([61]) رضي الله عنها صائمةً وليسَ عندها إلا رغيفان، فجاء سائلٌ فأمرت له برغيف، ثم جاء آخر فأمرتْ له بالرغيف الآخر، فأبتْ مولاتها أنْ تدفعُه إليه فطرحته إليه عائشة من تحت الستر فقالت لها مولاتها: انظري على ما تفطرين؟ فلما أمست عائشة إذا ضاربٌ يضرب الباب فقالت: من هذا؟ قال: رسول آل فلان قالت عائشة: إن كان مملوكًا فأدخليه فإذا هو يحمل شاة مشوية عليها خبز، فقالت لها عائشة: اعتدي كم ها هنا خبز خيرٌ من رغيفك، فلا والله ما كانوا أهدوا إليَّ قبلَها شيئًا ([62]).

 4- حفر بئرًا فشقي

قال حاتم بن الجراح: سمعت عليًا بن الحسين بن شقيق ([63]) سمعت ابن المبارك ([64]) وسأله رجل عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجتها بأنواع العلاج وسألت الأطباءَ فلم انتفع به؟ فقال له: اذهب فاحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناكَ عينُّ ويمسك عنكَ الدم ففعل الرجل فبرأ ([65]).

 5- هذا جهدي فتصدقوا

قال منصور بن عمار ([66]) لما قدمت مصر كانوا في قحط، فلما صلَّوا الجمعة ضجُّوا بالبكاء والدُّعاء فحضَرتني نية فصرت إلى الصحن وقلتُ: يا قوم تقرِّبوا إلى الله بالصدقة فما تُقرب بمثلها، ثم رميت بكسائي وقلت: هذا جهدي فتصدَّقوا، حتى جعلت المرأةُ تُلقي خرصها حتى فاض الكساءُ، ثم هطلت السَّماء وخرجوا في الطين، فدفعت إلى الليث ([67]) وابن لَهيعة ([68]) فنظروا إلى كثرة المال فوكلوا به الثقات، ورحت أنا إلى الإسكندرية، فبينا أنا أطُوفُ على حصنها إذا رجل يرمقني قلت: مَالك؟ قال: أنت المتكلمُ يومَ الجمعة؟ قلت: نعم قال صرتَ فتنةً قالوا: إنك الخضر دعا فأجيب قلت: بل أنا العبد الخاطئ فقدمت مصر فاقطعني الليث خمسة عشر فدانًا (وفي رواية أخرى) قال: وأخرج لي جارية تعدل قيمتها ثلاثمائة دينار وألف دينار وقال: لا تُعلم ابني فتهون عليه)([69]).

 6- سلم الصبي

قال يونس: حُدِّثت عن أحمد بن مطرف قال: إن بعض شيوخي من أهل العلم روى أنه كان عند محمد بن وضاح رحمه الله ([70]) فدخل عليه رجل فقال: خطرت الآن عَجَلَة (وهي الآلة يجر بها الثور) فأصابت ابنك ومشت عليه، فلم يكترث لذلك وجعل يُقْبَلُ على ما كان عليه من إمساك كتابه، وأمر القارئ أن يتمادى في قراءته فلم يلبث أن دخل عليه رجل آخر فقال: أبشر يا أبا عبد الله سلم الصبي والحمد لله إنما أصابت العِجَلَةَ ثوبه فسقط وجاوزته ولم تؤذه فقال: الحمد لله، قد أيقنتُ بذلك، لأني قد رأيت اليوم الصبي قد ناول مسكينًا كسرةً فعلمت أنه لا يصيبه بلاء في هذا النهار للحديث الذي أتى «إنَّ الله ليدفعُ عن العبد الميتةَ السُّوء بالصَّدقة يتصدَّق بها»([71]).

 7- زالت القروح

قال البيهقي ([72]) وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله ([73]): فإنه قرح وجهه وعالجَه بأنواع المعالجة، فلم يذهب وبقي فيه قريبًا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني ([74]) أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناسُ التأمين. فلما كانَ من الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه يقول لها: «قولي لأبي عبد الله يوسِّع الماء على المسلمين». فجئت بالرقعة إلى الحاكم، فأمر بسقَّاية بنيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها، أمر بصب الماء فيها، وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناس في الشرب، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين)([75]).

 8- تسع بيضات

طرق فقيرٌ باب أحد العلماء ليلاً فسأل العالم امرأته فقالت: ليس عندنا إلا عشر بيضات قال: ادفعيهنَّ إليه فأعطتهن إياه إلا بيضةً واحدة، أبقتها لأولادها وبعد وقت طرق الباب رجلٌ وأعطى الشيخ صرةً بها تسعون دينارًا فسأل العالمُ امرأته عما أعطت الفقير؟ قالت: تسع بيضات فقال: وهذه تسعون دينارًا والحسنة بعشر أمثالها.

 9- من خوارق العادات

قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى: (وهذه صورة من خوارق العادات تقع في القرن الرابع عشر الهجري في وادي الأفلاج: رجلٌ خرج من بيته يرتوي الماء فلم يجد حوله ماء، ودخل ما يسمى: الدحل. والدحل: شبه المغارة تحت الجبل تتجمع فيه مياه الأمطار يَردُوَنه أوقات الجفاف ولكن يضلُّ فيه من لم يكن خبيرًا به. ولما أبعد قليلاً وعرف أنه ضلَّ الطريق وعجز عن الخروج جلس مكانه مظنة أن يجئ أهله إليه. ولم يصل الماء ولكن طال مكثه واشتد جوعه وعطشه، فرفع يديه يسأل ربه فإذا بإناء بين يديه فأهوى به إلى فيه فإذا به حليب البقر، ومكث خمسة عشر يومًا على ذلك الحال إلا في اليوم الأخير فلم يجد اللبن وفي اليوم الأخير عثروا عليه، وعجبوا أن يكون باقيًا على قيد الحياة بعد تلك المدة الطويلة، فسألوهُ عن ذلك ولكن لم يجبهم. وسألهم هو: ماذا فعلتم بمنيحة فلان؟ لأتيام جيرانه كان قد منحهم حليب بقرة كلَّ يوم فقالوا: كنا نرسلها إليهم إلا الأمس. فقال: قد علمت ذلك. قالوا: وكيف علمت الخبر؟ فأخبرهم بمجيء (غدارة) اللين كلَّ يوم إلا بالأمس فقط ([76]).

 10- كانت تعطيها العجائز

وقال رحمه الله تعالى: أخبرني أمام جمع من الناس الشيخ الفاضل عبد الحميد عباس وهو رجل فاضل لا يتهم على خبر قال: كانت امرأة تسيرُ في طريق بضواحي قباء فانخسف تحتها (دبل) وهو مجرى الماء في قناة تحت الأرض فسقطت وسحبها الماء إلى جانبه وأمسكت بحجر وجلست عليه ومكثت أربعة أيام، ومرَّ شخص في ذلك المكان فسمع صوتًا فنزل وأخرجها ثم سألها أهلها: كيف كنت تعيشين؟ فقالت: إنَّ (طاسة) الحليب التي كنت أعطيها للعجائز كانت تأتيني كل يوم، وكانت هذه المرأة عندها غنمٌ ولها جيرانٌ نسوة عجائز فكانت تعطيهم (طاسة) حليب من غنمها ([77]).

 11- قصة الطباخ

على مدى عدة سنوات كان الزوجان في خلاف مع بعضهما، يتخلل ذلك صفاء لعدة أسابيع ثم تتعكر الأمور. وقد حَملت المرأة وسقط جنينها ثلاث مرات. وفي يوم كانا فيه متصافيين أخبر الزوج زوجته أنه رأى رجلاً شكا له حاله قائلاً: إنِّي أعمل طباخًا في أحد المطاعم فباع الكفيل المطعم لشخص آخر نُقِلتْ كفالتي إليه، وضايقني أنه جعل صوت الغناء يرتفع في أنحاء المطعم، فحاولت جاهدًا الرجوع إلى كفيلي الأول فلم أستطع، عندها سألت كفيلي الجديد نقل كفالتي مقابل خمسة آلاف ريال هي كل ما أملكه فوافق, فأعطيته المبلغ الذي كنتُ جمعتُه لإحضار زوجتي وأنا الآن في ضيق شديد وأمر عصيب فزوجتي تتصل دومًا تسأل متى أحضرها وأهلي يقولون: نحن محرجون من أهل زوجتك، فأريد هذا المبلغ على أن أسدده بأقساط شهرية. فعندما سمعت الزوجة هذه القصة قالت لزوجها: سأعطيه المبلغ ولا أريد منه شيئًا سوى الدُّعاء، فأخذ الزوجُ المبلغ، وأعطاه الطباخ وأخبره بقول الزوجة، فجلس يبكي من الفرح ولم ينم تلك الليلة، بل ظل يدعو للمرأة وزوجها وبفضل من الله تعالى حملت المرأة منذ ذلك الشهر وثبت حملها وحسنت حالهم وظهرت علامات الانشراح بينهم.

 12- لم يجدوا أثرا للمرض

أصيبت بفشل كُلوي - نسأل الله السلامة والعافية والشفاء لمرضى المسلمين – عانت منه كثيرًا بين مراجعات وعلاجات فطلبت مَنْ يتبرعُ لها بكُلْيَة (بمكافأة قدرها عشرون ألف ريال) وتناقل الناس الخبر ومن بينهن تلك المرأةُ التي حضرت للمستشفى، موافقًة على كافة الإجراءات وفي اليوم المحدد دخلت المريضةً على المتبرعة فإذا هي تبكي فتعجبت وسألتها ما إذا كانت مكرهةً فقالت: ما دفعني للتَّبرع بكليتي إلا فقري وحاجتي للمال ثم أجهشتْ بالبكاء فَهَدَّأتها المريضة وقالت: المال لك ولا أريد منك شيئًا, وبعد أيام جاءت المريضة للمستشفى وعند الكشف عليها رأى الأطباء العجب فلم يجدوا أثرًا للمرض فقد شفاها الله تعالى ولله الحمد.

 13- ذلك فضل الله

ذكر الدكتور عبد الرحمن بن حمود السميط -حفظه الله- قصة سلطان من أقوى السَّلاطين في جنوب تشاد يقول: إنه كان يكره العرب والمسلمين وأن عددًا من المسلمين مروا به فقتلوا، وربما كان ذلك بإيعاز منه ورضًا، فهبنا لقريته ووزعنا طعامَ رمضان على المسلمين هناك فوصل الخبرُ إليه سريعًا فسأل: لماذا يوزعونَ الطعام؟ فقيل: لأنهم إخوانهم فكلهم مسلمون. قال: وهل المرسلونَ بالطعام يرونهم؟ قالوا: لا، فتأثر بذلك وبعد مضي شهرين وزعنا الأضاحي فسأل نفس الأسئلة الماضية وأجيب بمثل الأجوبة, فأمر بأن تهدم البيوت التي تقع وسط المدينة وأعطانا مساحة (8000م) وقال: ابنوا به مسجدًا.. وقدر الله تعالى أن يقوم بعض شباب الكنيسة النصارى بنزع مضخَّات المياه في آبار المسلمين غضبًا على إعطاء السلطان الأرضَ للمسلمين فدفعنا من أموالنا الشخصية لإصلاحها وعندما علم السلطان بما فعله شباب الكنيسة غضب غضبًا شديدًا.. وبدأ الإسلام ينتشر شيئًا فشيئًا وهدى الله تعالى كثيرين للإسلام من بينهم هذا السلطان الذي أصرَّ على أن يسلم على يد من تَبَرعت ببناء ذلك المسجد، وهي عجوز كويتية عمرها (80) سنة فأخبرناه بصعوبة حضورها فأصر على الذهاب للكويت في اليوم الثاني، فاتصلنا بحكومة الكويت واستقبله أميرها استقبالاً طيبًا، واسلم هذا السلطان وأقسم أن لا ينام تلك الليلة حتى يحفظ سورة الفاتحة فجلس معه رجل يعلمه إياها حتى حفظها عند أذان الفجر، وقال: لا أنام حتى أحفظَ سورة (الإخلاص) فحفظها بصعوبة بعد صلاة الفجر وتسمى: (عبد العزيز) وذهب لأداء العمرة والحجِّ واستقبل، من المسؤولين في السعودية استقبالاً كبيرا فتأثر جدًا، ولما عاد لتشاد استقبل بـ (52) سيارة استأجرناها لأجل ذلك، ودخلَ إلى بلده بهذه الحفاوة وأخذَ الناسُ يهنئونه ويأتونه من مسافة (200) و (300) كم وأعطيناه صورًا التقطتْ له في رحلته، وأسلمَ عدةُ آلاف من بينهم ثمانيةُ سلاطين وكُلُّ سلطان أسلم على يده عدد من ألأشخاص أقلُّهْم أسلَمَ على يديه (200) شخص ([78]).

 14- رجع بصرها كما كان

كان يلعب مع أخته حاملاً بيده سكينًا وفجأة ضربها في عينها فنقلت على الفور للمستشفى ثم حولت منه إلا الرياض وبعد الفحوصات والأشعة قرر الأطباء أن إعادة (قرنية عينها) أمرٌ ضعيفٌ والأمل برجوع البصر ضئيل، وفي يوم تذكرت الأمُّ المرافقة مع ابنتها فضل الصدقة فطلبت من زوجها أن يحضر لها تلك القطعة من الذهب التي لا تملك غيرها وتصدقت بها على الرغم من ضعف حالتها المادية، ودعت ربها قائلة: ربِّي تعلم أنِّي لا أملك غيرها فاجعل صدقتي بها سببًا في شفاء ابنتي. وفي الغد جاء طبيب فَعُرضَتْ عليه حالةُ البنت فكان قوله كسابقيه وأنَّه لا أمَلَ في الشفاء، وبعد أيام جاء طبيب آخر فعرضت عليه ففكر وتأمل وكانت المفاجأة أن أجريت لها العملية ونجحت بفضل من الله تعالى، وعادت الطفلة سليمة دون أي أثر على وجهها ورجع الإبصار كما كان ولله الحمد.

 15- يؤثر على نفسه

قال: خرجتُ من المسجد فرأيتُ امرأةً مع طفلها ممزق الثياب فرحمته وأشفقت عليه، ولما نظرت في جيبي لم أجد سوى خمسة ريالات فترددتُ في إعطائها له أو تركها لأولادي لأني لا أملكُ غيرها ثم عزمت وأعطيتُها إياه ولما دخلت البيت قابلتني والدتي وهي تقول: (خذ هذا المظروف من فلان) ففتَحْتُه فإذا فيه خمسمائة ريال ولله الحمد والمنة.

 16- حبًا وكرامة

ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، فأصبح حائر الفكر مشتت الذهن مهمومًا مغمومًا، غير أن أمله بالله تعالى كبير وفي يوم رأى فقيرًا كبير السن يشكو حالته ويبكي فأعطاه ما يملك من المال وقدره (خمسون ريالاً)، وأخذ يَحمد الله تعالى أن هيأ له ما يتصدق به وسأله القبول، وفي الغد ذهب لدائن له وجلس عنده بعض الوقت فأمره أن يقرأ عليه ورقة الدين فقرأها فأسقط الدائن عنه كل الدين والذي يزيد على (اثني عشر ألفًا) وأعطاهُ مالاً يتزوَّدُ به أيامًا، فشكر الرجل الله تعالى على فضله ودعا لصاحب الدين أن يعفو الله تعالى عنه كما عفا.

 17- الحمد لله

طرق فقيرٌ أحد البيوت فخرج عليه شابٌّ وأعطاه مبلغًا من المال، ثم دخل البيت وأخبر أهله بما حصل فلاموه على فعله؛ لأنه على وشك شراء سيارة فلابدَّ من جمع المال، وبعد أيام جاء قريب له وأعطى أهله (5000 ريال) مساعدة لابنهم في شراء السيارة والحمد لله الذي يعطي على القليل كثيرًا.

 18- بل أضعاف ذلك

قال لي: اقترضت مني امرأة 350 جنيهًا فماتت فنويتها صدقة عليها، فأخلف الله تعالى علي ذلك فجاءني 3500 جنيه ثم استدرك قائلاً: لا والله بل أضعاف ذلك, والله يضاعف لمن يشاء.

 19- وظيفة كما تريد

عملت تلك المرأة في مجال التدريس سنوات عدة ثم رغبت في العمل الإداري؛ لأنها تعاني من ألم في ركبتها أثناء وقوفها للشرح، لكنها حرمت من ذلك عدة مرت ويقدم عليها من هي أحقُّ منها بذاك فطرقت سبلاً عدةً فلم تجد شيئًا فتذكرت عظمَ الصدقة وفضلها، فأكثرتْ منها وبعد فترة ليست بالطويلة نقلت للعمل الإداري بسبب لم تتوقعه حيث تعرفت على أمِّ إحدى الطالبات وكانت لها مكانة هناك.

 20- مكافأة الجامعة

كانت تنتظر مكافأتها الأخيرة في الجامعة وقدرها (ألفا ريال) حيث منعت من المكافأة لأمر نظامي فلما استلمتها صادف ذلك اشتياق أهلها لأداء العمرة لكنهم لا يملكون نفقة تكفيهم مؤونة السفر فأعطتهم كامل المبلغ وأدوا العمرة، أما ابنتهم فكانت تنتظر مبلغًا سيأتيها، وكانت تقول: إن حصلْتُ عليه فهو من (الألفين إلى الخمسة آلاف ريال) ولكن المفاجأة أنه وبفضل الله تعالى جاءها أربعة عشر ألف ريال. وما عند الله خيرٌ وأبقى.

 21- سقط السقف

قامت فزعة مذعورةً من نومها حيث رأتْ في منامها أنها وَأَوْلادها في بيت أهلها وأنَّ سقفَ إحدى الغرف قد سقط على أولادها. وفي نفس اليوم أرادت الذهابَ لأهلها وعندما أرادت الخروج رأت ملابس أبنائها كما رأتها في المنام فخافت وأمرت الخادمة بتغيير ملابسهم لكنَّ الزَّوجَ أبى لتأخره ودخلت المرأة على أهلها والخوف يملأُ قلبَها خوفًا من تلك الحلم، ومضى الوقت والأطفالُ يلعبون مع أقرانهم وفجأة جاء الصارخُ للنساء مخبرًا أن سقف الغرفة سقط على أبنائها فغشي على المرأة بعد أن أيقنت أنَّ أبناءها تحت الأنقاض، ولما أفاقت بعد وقت رأتهم أمامها ولم يصابوا بأذى فغشي عليها ثانية ثم أفاقت وحمدت الله تعالى على سلامتهم، ثم سألت مستفهمة الأمر فأخبرت: بأن سقف الغرفة سقط لكن خشبةً اعترضت السقف فلم يسقط على الأرض، عندها تذكرت أنها تصدقت بمبلغ من المال وعند سؤالها للشيخ عن الحلم أخبرها أنها حفظت بإذن الله تعالى بسبب الصدقة.

 22- فرصة مباركة

رأتْ امرأةٌ مسكينًا في الحرم فأخرجت محفظتها فلم تجد سوى خمسمائة ريال ففكرت وتأملت وأشفقت على هذا المسكين الذي ينتظرُها وتذكرت ما لو كان أخوها مكانه وأرادت أن لا تضيع فرصةَ التصدق فأعطته إياها وذهبت للبيت, فاتصل بها قريبٌ وأخبرها أنه حول لها في حسابها خمسة آلاف ريال.

 23- أبعدوا الأمل فجاء الفرج

دخل ذلك الشابُّ المستشفى إثرَ مرض شديد – نسأل الله السلامة والعافية وأن يشفى مرضى المسلمين – وبعدَ الفحوصات قرروا بعد الأمل في الشِّفاء فقال الطبيب لأمه المرافقة: خذي أغراضه فلا أمل في شفائه والعلم عند الله تعالى، فتأثرت الأم وتذكرت فلذة كبدها ومفارقته لها وباعتْ كلَّ ما تملك من ذهب وتصدقت بثمنه، وبعد أيام أبدى الطبيب لأمه أن هناك أملاً في شفائه وتحسنت حالته شيئًا فشيئًا حتى خرج بعد أيام سليمًا معافى، فحمد الجميع الله تعالى على شفائه ولطفه.

 24- الذي أغناك يغنيني

خرج رجل من الحرم وركب سيارته فمدَّ فقير يده إليه يريد الصدقة فلم يعطه شيئًا فقال الفقير: (الذي أغناك يغنيني) ومضى صاحب السيارة بسيارته قليلاً وهو يرقب الفقير من المرآة، وإذا بامرأة كانت تبيع بضاعة وقد شاهدتْ ذلك الموقف فأثرَ فيها مع ضعف حالتها فأعطته ريالاً فرجع صاحب السيارة ولم يجد الفقير فأعطى المرأة التي أعطته عشر ريالات([79]).

 25- وديعة محفوظة

أرادت امرأة السفر وكان عندها مبلغ كثير للزكاة فأعطتْهُ قريبة لها لتعطيه المستحقين، وفي يوم أرادت المرأة هذه (المودَعُ عندها المال) السفر فخافت أن يسرق فوضعته في كيس الملابس القديمة تريد الصدقة بها وبعد عودتها من السفر نسيت أخذ المال وطرقت فقيرة بابها فأعطتها الملابس – ناسية المال الذي بداخله – وبعض الريالات وبعد برهة تذكرت المال فضاقت عليها الأرض بما رحبت وعندما دخل زوجها رأى حالها فسألها وبصعوبة وتلعثم أخبرته الخبر فأحضر الكيس الذي كانت الفقيرة قد رمته عند الباب غير مهتمة به واكتفت بما أعطتها من الريالات. فحمدت المرأة الله تعالى أن حفظ مال الزكاة.

 26- سرق ما في البيت

وضع مالاً للصدقة في بيته فجاء لص وسرق ما في البيت حتى ذهب الزوجة وغيره من الأغراض، والعجيب أنَّ مال الصدقة بجانب ما سرق في مكان واضح غير أنه لم يسرق والله خير حافظًا.

 27- فرج وفرح

سمعت قصةً عن أحد كبار السن رحمه الله تعالى وقد حدثني بها قبل سنواتٍ أنه ذهب في أيام شبابه لسوق مدينتهم ومعه (ريال واحد) يريد شراء بعض الأغراض له ولأولاده فرأى فقيرًا فأعطاهُ إياه وبقي صاحب القصة لا يدري أين يذهب، وبعد قليل إذا برجل ينادي عليه: أين فلان؟ أين فلان؟ فقلت: هأنذا فأعطاني أربعين ريالاً. ولا تسل عن فرحتي بها؛ فقد كانت شيئًا كثيرًا ذلك الوقت والحمد لله أولاً وآخرًا.

 28- إن الله يحب المحسنين

دخلت امرأة العناية في مرض شديد ألم بها، فعلم بعض المحسنين فذبح بعيرًا ونوى الأجر لها وتصدق بلحمه، على عائلات فقيرة سدًا لحاجتهم ورجاء لثواب الله تعالى فشفيت بعد أيام ولله الحمد والمنة.

 29- أيام قلائل

في بداية فصل الشتاء كان مع تلك المرأة (خمسمائة ريال) هل كل ما يملك وكانت سعيدة جدًا بها لتشتري ملابس لأبنائها تقيم برودة الجو وشدته، وفي يوم ذهبت لإحدى الولائم فتحدث النساءُ عن ثلاث عوائل فقيرة جدًا فأخبرت زوجها بذلك وأنها تنوي الصدقة بما تملك فشكرها وذهب وإياها واشترى لكلِّ عائلة بعضًا من الموادِّ الغذائية الضرورية وأوصلها لهم ولم تمض إلا أيام قلائل حتى جاء المرأة ثلاثة آلاف ريال من أحد أقربائها.

 30- تعالَ خذها

كان يمشي في الطريق فأوقفه رجل وشكا له حالته وزوجته قال: إني توسمت فيك الخير فنظر الرجل في جيبه وتردد في إعطائه المبلغ فهو لا يملك غيره وكان في منتصف الشهر أيضًا، لكنه تغلب على نفسه، وأعطاه إياه ووالله ما مشى إلا خطوات حتى دخل الإدارة وكان يبحث عن رسالة؛ لأنه طالبٌ في الدراسات فإذا بموظف يقول له: أنت فلان قال: نعم قال: نجحت العام الماضي بتقدير ممتاز؟ قال: نعم, قال: لك ألف ريال فتعال خذها ([80]).

 31- ظهرت علامة الشفاء

اتصل الطبيب على زوج تلك المرأة التي ترقد في المستشفى، وأخبره بأن زوجته في حالة خطيرة وأبعد الأمل في شفائها من ناحية الطب فتأثر الزوج بهذا الخبر، وأسرع بالصدقة عنها بما تملك من ذهب ثم ذهب للمستشفى بعد عدة ساعات فأخبره الطبيب أنه قبل وقت قليل (نفسُ الوقت الذي تصدق فيه الزوج) ظهرت علامات التحسن والشفاء على الزوجة ثم نُقلتْ من العناية إلى غرفة المرضى وبعد أيام خرجت من المستشفى والحمد لله ذي الفضل والإحسان.

 32- شفيت من السحر

لم ينته حديثُ أولئك النساء عن فضل الصدقة حتى خلعت واحدة منهن عقدها الغالي الثمن وأعطته إحداهن لتقوم ببيعه وإعطاء ثمنه لعائلات فقير، فلما ذهبت به لبائع الذهب وأراد وزنه أخرج (فصًّا) في وسَط العقد فأذْهله ما رأى وتعجب، فقد شاهد شيئًا من عمل السحر داخل (الفص) فأخرجه وتعافت المرأة مما كانت تعاني منه والحمد لله.



([1]) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

([2]) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

([3]) رواه مسلم.

([4]) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

([5]) رواه مسلم.

([6]) رواه مسلم.

([7]) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

([8]) رواه مسلم.

([9]) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

([10]) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

([11]) رواه البخاري ومسلم.

([12]) رواه البخاري ومسلم.

([13]) رواه البخاري.

([14]) رواه مسلم.

([15]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه.

([16]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

([17]) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.

([18]) رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

([19]) رواه ابن ماجه.

([20]) رواه أبو داود وغيره.

([21]) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

([22]) رواه البخاري. ومسلم واللفظ له.

([23]) رواه البخاري.

([24]) رواه البخاري.

([25]) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

([26]) رواه البخاري ومسلم.

([27]) رواه البخاري.

([28]) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

([29]) رواه مسلم.

([30]) رواه الترمذي والنسائي وأحمد وابن ماجه.

([31]) رواه البخاري.

([32]) رواه مسلم.

([33]) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

([34]) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

([35]) رواه الترمذي وأحمد.

([36]) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

([37]) رواه مسلم.

([38]) رواه مسلم.

([39]) رواه مسلم.

([40]) رواه البخاري.

([41]) رواه مسلم.

([42]) رواه البخاري.

([43]) رواه مسلم.

([44]) رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

([45]) رواه مسلم.

([46]) رواه ابن ماجه.

([47]) رواه ابن ماجه.

([48]) الوابل الصيب لابن القيم رحمه الله تعالى (1/49).

([49]) زاد المعاد لابن القيم (2/24).

([50]) المرجع السابق (4/10، 11).

([51]) المرجع السابق (2/21، 22).

([52]) سير أعلام النبلاء للذهبي (3/51).

([53]) المرجع السابق (4/94).

([54]) في ظلال عرش الرحمن للشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى ص(164-170) بتصرف يسير.

([55]) أبو مسعود البدري. اسمه عقبة بن عمرو الأنصاري وكان ممن شهد بيعة العقبة ولم يشهد بدرًا على الصحيح وإنما نزل ماء ببدر فشهر بذلك. وكان شابًا من أقران جابر في السن. روى أحاديث كثيرة وهو معدود في علماء الصحابة. نزل الكوفة. قال بشير بن عمرو: قلنا لأبي مسعود أوصنا. قال: عليكم بالجماعة فإن الله لن يجمع الأمة على ضلالة حتى يستريح برٌّ أو يُستراح من فاجر. مات سنة أربعين. [سير أعلام النبلاء للذهبي (2/493-496)].

([56]) رواه البخاري (176/2273).

([57]) مؤرخ الإسلام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي: ولد سنة 673هـ من أسرة تركمانية الأصل تنتهي بالولاء إلى بني تميم، عاش بين أكناف عائلة علمية متدينة، مضى في طفولته إلى أحد المؤدبين، وحينما بلغ الثامنة عشرة من عمره توجهت عنايته إلى القراءات والحديث الشريف ومال إلى سماعه، فسمع ما لا يُحصى كثرة من الكتب والأجزاء ولقي كثيرًا من الشيوخ والشيخات. أما رحلاته في طلب العلم فقد كان والده يمنعه في بعض الأحيان، ويظهر أنَّ والده سمح له بالرحلة حينما بلغ العشرين. واعتنى بالنحو إضافة لسماعه عددًا كبيرًا من مجاميع الشعر واللغة والأدب، واتصل اتصالاً وثيقًا بثلاثة من شيوخ عصره وهم (شيخ الإسلام ابن تيمية) (وجمال الدين يوسف المزِّي) و (علم الدين البرزالي)، وقد أحبَّهم لاسيما ابن تيمية فقد أُعجب به وقال بعد أن مدحه مدحًا عظيمًا: (وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته فلو حلفت بين الركن والمقام لحَلقتُ أني ما أريت بعيني مثله، ولا والله, ما رأى هو مثلَ نفسه في العلم. أما نشاطات الذهبي العلمية فقد بدأ باختصار عدد من أمهات الكتب في شتى العلوم، ثم ألف كتابه (تاريخ الإسلام) وغيره قال تاج الدين السبكي: (وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظًا وذهبُ العصر معنىً ولفظًا، وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل) وتوفي سنة 748هـ (انظر مقدمة الجزء الأول من كتاب (سير أعلام النبلاء) كتابة د. بشار عواد معروف).

([58]) أبو أمامة الباهلي: صاحب رسول الله ﷺ‬ ونزيل حمص، روى علمًا كثيرًا، قال سليم بن عامر: سمعت أبا أمامة: سمعت النبي ﷺ‬ يقول في حجة الوداع: قلت لأبي أمامة: مثل من أنت يومئذ؟ قال: أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة وروي أنه بايع تحت الشجرة، عن أبي أمامة قلت: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة فقال: «اللهم سلَّمهم وغنِّمهم» فعزونا فسلمنا وغنمنا، وقلت: يا رسول الله، مرني بعمل قال: «عليك بالصَّوم فإنه لا مثل له» فكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يُلفَون إلا صُيَّامًا. عن سليم بن عامر قال: كنا نجلس إلى أبي أمامة فيحدَّثنا حديثًا كثيرًا عن رسول الله ﷺ‬ ثم يقول: اعقلوا وبلِّغوا عنا ما تسمعون. توفي أبو أمامة سنة ست وثمانين. [السير للذهبي (3/359-363)].

([59]) انظر: سي را‘لام النبلاء (3/362).

([60]) الإمام العلامة الحافظ المفسر: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي البغدادي الحنبلي الواعظ صاحب التصانيف، ولد سنة تسع أو عشر وخمس مائة، وكان رأسًا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق والنثر الفائق بديهًا ويسهبُ ويعجب ويطرب ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله فهو حامل لواء الوعظ والقيَّم بفنونه مع الشَّكل الحسن والصوت الطيب والوقع في النفوس وحُسْن السيرة، وكان بحرًا في التفسير علامة في السير والتاريخ موصوفا بحسن الحديث ومعرفة فنونه، فقيهًا عليمًا بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار وانكباب على الجمع والتصنيف مع التصون والتجميل وحسن الشارة ورشاقة العبارة ولطف الشمائل والأوصاف الحميدة والحرمة الوافرة عند الخاصِّ والعامِّ، ما عرفتُ أحدًا صنَّف ما صنف، وكان ذا حظِّ عظيم وصيت بعيد في الوعظ، يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعضُ الخلفاء والأئمة والكبراء لا يكادُ المجلس يَنْقُصُ عن ألوف كثيرة توفِّي أبوه وله ثلاثة أعوام فربته عمته ومن غرر ألفاظه (عقاربُ المنايا تلسع، وخَدَران جسم الآمال يمنع، وماء الحياة في إناء العمر يرشح) وسأله آخر: أيُّهما أفضل أُسبِّح أو أستغفر؟ قال: الثوب الوسخ أحوجُ إلى الصابون من البخور، توفِّي ليلة الجمعة الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمس مائة [السير للذهبي (21/365-384)].

([61]) عائشة أم المؤمنين: بنت الصديق أبي بكر القرشية، كانت امرأةً بيضاء جميلة ومن ثم يقال لها الحميراء، وما تزوَّج النبي ﷺ‬ بكر سواها وأحبها حبًا شديدًا، كان يتظاهر به بحيث إنَّ عمرا بن العاص وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة سأل النبي ﷺ‬: أيُّ الناس أحبُّ إليك يا رسول الله؟ قال: «عائشة» قال فمن الرجال؟ قال: «أبوها» عن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «فضلُ عائشة على النساء، كفضل الثَّريد على سائر الطعام»، وعن أبي موسى t قال: ما أشكل علينا أصحابَ محمد ﷺ‬ حديثٌ قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا. توفيت سنة سبع وخمسين، ودفنت بالبقيع رضي الله تعالى عنها [السير للذهبي 2/135 – 201].

([62])  البر والصلة لابن الجوزي، ص199-200.

([63]) علي بن الحسين بن شقيق العبدي: مولاهم المروزي شيخ خراسان، ولد سنة سبع وثلاثين ومائة. وكان من كبار الأئمة بخراسان، قال العباس بن مصعب: كان ابن شقيق جامعًا وكان في الزمان الأول يعد من أحفظهم لكتب ابن المبارك، وقد شارك ابن المبارك في كثير من شيوخه. توفي سنة خمس عشرة ومائتين. [السير للذهبي (10/349-352)].

([64]) عبد الله بن المبارك: الإمام عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، الحنظليُّ مولاهم التركي ثم المروزي الحافظ الغازي، أحد الأعلام، مولده في سنة ثماني عشرة ومائة. قال يحيى بن آدم: كنت إذا طلبتُ دقيق المسائل فلم أجحده في كتب ابن المبارك أيست منه. وقال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوةً فقدَّم إلى الناس خمسةً وعشرين خوانًا من فالوذج، وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم قال الحسن بن عيسى بن ماسرجس مولى ابن المبارك: اجتمع جماعة مثل: الفضل موسى ومخلد بن الحسين فقالوا: تعالوا نعدّ خصال ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا: العلم والفقه والأدب والنحو واللُّغة والزهد والفصاحة والشعر وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والشجاعة والفروسية والقوة وترك الكلام فيما لا يعنيه والإنصاف وقلة الخلاف على أصحابه، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. [السير للذهبي (8/378-421)].

([65]) السير للذهبي (8/407).

([66]) منصور بن عمار بن كثير السُّلمي الخراساني: الواعظ البليغ، كان عديمة النظير في الموعظة والتذكير، وعظ بالعراق والشام ومصر، وبعد صيته وتزاحم عليه الخلق، وكان ينطوي على زهد وتألُّه وخشية ولوعظه وقع في النفوس، وذكر ابن يونس في تاريخه أن الليث بن سعد حضر وعظه فأعجبه ونفذ إليه بألف دينار. وقيل: أقطعه خمسة عشر فدانًا وأن ابن لهيعة أقطعه خمسة فدادين. لم أجد وفاة لمنصور، (والكلام للذهبي) وكأنها في حدود المائتين. السير للذهبي (9/93-98).

([67]) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي: ولد سنة أربع وتسعين وكان رحمه الله فقيه مصر ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إنَّ متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون إلى رأيه ومشورته، ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم فاستعفى من ذلك، عن سعيد بن أبي مريم سمعت ليث بن سعد يقول: بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط. أعطى ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالكًا ألف دينار وأعطى منصور بن عمار الواعظ ألف دينار وجارية تسوى ثلاث مائة دينار. عن شعيب بن الليث قال: خرجت حاجًا مع أبي فقدم المدينة فبعث إليه مالك بن أنس بطبق رطَب، قال: فجعل على الطبق ألف دينار وردَّه إليه. مات سنة خمس وسبعين ومائة. [السير للذهبي (8/136-163)].

([68]) عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي: القاضي الإمام العلامة محدِّث ديار مصر مع الليث، ولد سنة خمس أو ست وتسعين وطلب العلم في صباه ولقي الكبار بمصر والحرمين، وكان من بحور العلم قال الثوري: حججت حججًا لألقى ابن لهيعة، ولا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية هو والليث معًا.. ولكنَّ ابن لهيعة تهاون بالإتقان وروى مناكير فانحطَّ عن رتبة الاحتجاج عندهم توفي سنة أربع وسبعين مائة، وكان من أوعية العلم ومن رؤساء أهل مصر وحتشميهم. [السير للذهبي (8/11-31)].

([69]) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (9/95-96).

([70]) محمد بن وضاح بن يزيع المرواني: الإمام الحافظ محدث الأندلسي، مولى صاحب الأندلس عبد الرحمن بن معاوية الداخل. ولد سنة تسع وتسعين ومائة قال ابن الفرضي: كان عالمًا بالحديث بصيرًا بطرقه وعلله كثير الحكاية عن العباد ورعًا زاهدًا صبورًا على نشر العلم متعففًا نفع الله تعالى أهل الأندلس به، توفِّي سنة سبع وثمانين ومائتين. [السير للذهبي (13/445-446)].

([71]) انظر: المستغيثون بالله تعالى لابن بشكوال رحمه الله تعالى ص(70-71).

([72]) أبو بكر أحمد بن الحسين الخسروجردي الخراساني: الحافظ العلامة الثبت الفقيه شيخ الإسلام البيهقي وبيهق: عدة قرى من أعمال نيسابور على يومين منها، ولد في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة وبورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة وانقطع بقربته مقبلاً على الجمع والتأليف قال الحافظ عبد الغفار بن إسماعيل في (تاريخه): كان البيهقي على سيرة العلماء قانعًا باليسير متجملاً في زهده وورعه قلت (والكلام للذهبي) تصانيف البيهقي عظيمة القدر غزيرة الفوائد قل من جوَّد تواليفه مثل: الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء سيما (سننه الكبير) توفي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة [السير للذهبي 18/163-170].

([73]) محمد بن عبد الله: الإمام الحافظ الناقد العلامة شيخ المحدثين الضبي النيسابوري صاحب التصانيف، مولده سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة صنَّف وخرَّج وجرح وعدل وصحح وعلل وكان من بحور العلم قال: عبد الغفار بن إسماعيل: هذه جملة يسيرة هي غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه وتصرُّفه في أماليه ونظره في طرق الحديث أذعن بفضله واعترف له بالمزية على من تقدمه وإتعابه من بعده وتعجييزه اللاحقين عن بلوغ شأنه وعاش حميدًا ولم يخلف في وقته مثله مضى إلى رحمة الله سنة خمس وأربع مائة. [السير للذهبي (17/162-177)].

([74]) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الصابوني: الإمام العلامة، ولد سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة، ,أول مجلس عقده للوعظ إثر قتل أبيه في سنة ثنتين وثمانين وهو ابن تسع سنين، قال عبد الغفار أبو عثمان المفسر المحدث الواعظ أوحد وقته في طريقته، وَعَظَ المسلمين سبعين سنة وخطب وصلى في الجامع نحوًا من عشرين سنة وكان حافظًا كثير السماع والتصانيف، حريصًا على العلم ورُزق العزَّ والجاه في الدين والدنيا، وكان جمالاً للبلد مقبولاً عند الموافق والمخالف مجمع على أنه عديم النظير وسيف السنة وقامع البدعة، قلت (والكلام للذهبي) ولقد كان من أئمة الأثر، له مصنفات في السنة واعتقاد السلف ما رآه منصفٌ إلا واعترف له. توفي سنة تسع وأربعين وأربع مائة [السير للذهبي (18/40-44)].

([75]) صحيح الترغيب والترهذي للحافظ المنذري، تحقيق الإمام الألباني – رحمه الله تعالى صفحة 401 رقم 954.

([76]) انظر كتاب (في ظلال عرش الرحمن) للشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى ص188-189 (بتصرف).

([77]) المرجع السابق ص189 (بتصرف).

([78]) ذكرها في مقابلة مع قناة المجد الفضائية في شهر محرم 1425هـ ذكرتها بتصرف يسير.

([79]) (بتصرف) ذكرها الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله تعالى في أحد أشرطته.

([80]) (بتصرف) من شريط (الاعتصام بالله تعالى) للشيخ الشنقيطي حفظه الله تعالى.