×
ولو بشق تمرة: قال المصنف - حفظه الله -: «فقد فتح الله علينا أبواب جوده وكرمه، فدرَّ الضرع، وكثر الزرع، وأخرجت الأرض كنوزها، ففاضت الأموال بأيدي الناس، وأصبحوا في رغد عيش وبحبوحة من الرزق. ورغم هذه العطايا العظيمة والنعم الجسيمة إلا أن البعض نفسه شحيحة ويده مقبوضة. فأحببت أن أذكر بفضل الصدقة وأثرها في الدنيا والآخرة، مستهديا بقول الله عز وجل، ومستنيرًا بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومذكرًا بأفعال السلف الصالح. وهذا هو الجزء السادس عشر من سلسلة «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان : «ولو بشق تمرة» فيه من الآيات والأحاديث وأطايب الكلام ما يحث على صدقة التطوع ويرغب فيها، فلا أرى أسعد منا حالاً ولا أطيب منا عيشًا في هذا الزمن الذي استرعانا الله فيه أمانة هذه الخيرات لينظر كيف نصنع».

 ولو بشق تمرة


 المقدمة

الحمد لله الكريم المتفضل بالعطايا والإحسان، والصلاة والسلام على أجود الناس وأبرهم، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فقد فتح الله علينا أبواب جوده وكرمه، فدرَّ الضرع، وكثر الزرع، وأخرجت الأرض كنوزها، ففاضت الأموال بأيدي الناس، وأصبحوا في رغد عيش وبحبوحة من الرزق. ورغم هذه العطايا العظيمة والنعم الجسيمة إلا أن البعض نفسه شحيحة ويده مقبوضة.

فأحببت أن أذكر بفضل الصدقة وأثرها في الدنيا والآخرة، مستهديا بقول الله عز وجل، ومستنيراً بحديث الرسول ﷺ‬، ومذكراً بأفعال السلف الصالح.

وهذا هو الجزء السادس عشر من سلسلة «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان : «ولو بشق تمرة» فيه من الآيات والأحاديث وأطايب الكلام ما يحث على صدقة التطوع ويرغب فيها، فلا أرى أسعد منا حالا ولا أطيب منا عيشا في هذا الزمن الذي استرعانا الله فيه أمانة هذه الخيرات لينظر كيف نصنع.

جعلنا الله ووالدينا من الذين يتبوؤن من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار.

عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم


مدخل

قال الله تعالى في وصف عباده المتقين: }كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ{([1])

 وقد وعد الله عز وجل، وهو الجواد الكريم الذي لا يخلف الميعاد، بالخلف لمن أنفق، فقال تعالى : }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ{([2]).

وأجزل العطية للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافا كثيرة في الدنيا والآخرة فقال تعالى: }مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً{([3]).

وذكر جل وعلا آداب الإنفاق، ورتب لمن تمسك بها الأجر والأمن والسعادة في الدنيا والآخرة، فقال تعالى }الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{([4]).

والآيات في الحث على الإنفاق كثيرة جداً وهي من أبواب الخير العظيمة. وبذل الأموال في الإسلام يعد جهادا في سبيل الله، بل إن الجهاد بالنفس في جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الجهاد في القرآن العظيم ما عدا آية واحدة هي قوله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ{ ([5]).

والصدقة من أفضل القربات، وهي أفضل من الجهاد، لاسيما إذا كان زمن مجاعة على المحاويج، خصوصا صاحب العائلة، خصوصا القرابة، ومن الحج، لأنه متعد والحج قاصر([6]).

ففيها تفريج كربة، وإغناء عن سؤال، وإشباع جائع، وفرحة لصغير، وسرور يدخل على قلب الكبير، وسعادة بين المسلمين. وتتجلى في الصدقة أسمى صورة للتكاتف والتعاون والتراحم بين المسلمين.

وفي الصدقة من أحاديث الرسول ﷺ‬ ما تقر به النفوس، وتهنأ به الصدور، ويستحث بها المسلم الخُطا إلى جنة عرضها السماوات والأرض في طريق آمنة مطمئنة.

فعنه ﷺ‬ أنه قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»([7]).

وقال ﷺ‬: «الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار»([8]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ‬ قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم رجلاً «تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»([9]).

وقد ضرب رسول الله ﷺ‬ أروع الأمثلة في العطاء والإنفاق حتى أتته النفوس طائعة والقلوب ملبية.

قال أنس رضي الله عنه : «ما سئل رسول الله ﷺ‬ على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل، فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم! أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر..»([10]).

وللممسكين والمقترين نبشرهم بحديث الصادق الذي لا ينطق عن الهوى حيث قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل»([11]).

وعنه ﷺ‬ أنه قال: «قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق الله عليك»([12]).

وهذه صورة من صور التنافس على الخير بين الصحابة رضي الله عنهم، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله ﷺ‬ أن نتصدق، ووافق ذلك مالا عندي فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما. قال : فجئت بنصف مالي، قال : فقال لي رسول الله ﷺ‬ : «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له رسول الله ﷺ‬: «ما أبقيت لأهلك؟» قال : أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا ([13]).

قال ابن القيم رحمه الله : وقد دل النقل والعقل والفطرة وتجارب الأمم – على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها – على أن التقرب إلى الله رب العالمين، وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خلقه، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمة بمثل طاعته والتقرب إليه، والإحسان إلى خلقه.

وقال رحمه الله : من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه.

وفي صورة من صور الإيثار في صدر الإسلام التي حفظها التاريخ على مر الأيام والعصور، ما قاله عمر رضي الله عنه: أُهْدِيَ إلى رجل من أصحاب رسول الله ﷺ‬ رأس شاة فقال: إن أخي كان أحوج مني إليه، فبعث به إليه. فلم يزل واحد يبعث به إلى آخر حتى تداوله سبعة أبيات ورجع إلى الأول([14]).

كانت هذه أخلاقهم وتلك صفاتهم، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

قال يحيى بن معاذ: ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة ([15]).

وكان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه إلى ربه عز وجل ([16] وذلك امتثالا لقول الله عز وجل : }لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{([17]).

وكثير من الناس اليوم إذا بليت ثيابه أو تقطعت نعاله دفع بها إلى الفقراء وكأنه يتخلص منها!!.

قال الفقيه أبو الليث السمرقندي: عليك بالصدقة بما قل أو كثر، فإن في الصدقة عشر خصال محمودة : خمسة في الدنيا، وخمسة في الآخرة، فأما الخمسة التي في الدنيا:

فأولها : تطهير المال كما قال النبي ﷺ‬ : «ألا إن البيع يحضره اللغو والحلف والكذب فشوبوه بالصدقة».

والثاني: أن فيها تطهير البدن من الذنوب كما قال الله عز وجل: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ{([18]).

والثالث: أن فيها دفع البلاء والأمراض كما قال النبي ﷺ‬ : «داووا مرضاكم بالصدقة».

والرابع: أن فيها إدخال السرور على المساكين. وأفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمنين.

والخامس : أن فيها بركة في المال وسعة في الرزق كما قال الله تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ{.

وأما الخمسة التي في الآخرة:

فأولها: أن تكون الصدقة ظلا لصاحبها من شدة الحر.

والثاني: أن فيها خفة الحساب.

والثالث: أنها تثقل الميزان.

والرابع: جواز على الصراط.

والخامس: زيادة الدرجات في الجنة.

ولو لم يكن في الصدقة فضيلة سوى دعاء المساكين لكان الواجب على العاقل أن يرغب فيها، فكيف وفيها رضا الله تعالى ورغم الشيطان؟ وفيها الاقتداء بالصالحين، لأن الصالحين كانت همتهم الصدقة ([19]).

قال ابن القيم رحمه الله: فإن الصدفة تُفدي من عذاب الله تعالى، فإن ذنوب العبد وخطاياه تقتضي هلاكه، فتجيء الصدقة تفديه من العذاب، وتفكه منه، ولهذا قال النبي ﷺ‬ في الحديث الصحيح لما خطب النساء يوم العيد : «يا معشر النساء، تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار.

وأثر الصدقة واضح على النفس، وفي بركة الأموال والأولاد، ودفع البلاء، وجلب الرخاء، كما أن المتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره.

وعليك أيها المنفق بقول جعفر بن محمد لسفيان الثوري : لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجله، وتصغيره (في عينك حتى وإن كان كبيرا) وستره ([20]).

ومن صور الإنفاق العالية فعل ابن عمر رضي الله عنهما، فقد كان يستغرق في المجلس ثلاثين ألفا، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم ([21]).

أيها الحبيب:

كانوا يقدمون ولا يؤخرون، ويعجلون ولا يسوفون، ويزرعون في الدنيا ويحصدون للآخرة، لم تكن الدنيا إلا مطية يعتلونها سيرا إلى الله، ولم تكن الأموال إلا مركباً لرضا الله عز وجل، تسير حيث ما أمر الله عز وجل، ولهذا كانت الدنيا لديهم حقيرة ذليلة.

قال -شيخ الإسلام- الإمام ابن تيمية: ثم ينبغي له أن يأخذ المال بسخاوة نفس ليُبارك له فيه، ولا يأخذه بإسراف وهلع، بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج إليه من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء ([22]).

وقال يحيى بن معاذ وكأنه يطل على حال كثير من أهل الدنيا: عجبت من ثلاث : رجل يرائي بعمله مخلوقا مثله ويترك أن يعمله لله، ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه فلا يقرضه منه شيئا، ورجل يرغب في صحبة المخلوقين ومودتهم، والله يدعوه إلى صحبته ومودته.

أخي المسلم:

ويظهر عيب المرء في الناس بخله

ويستره عنهم جميعا سخاؤه

تغط بأثواب السخاء فإنني

أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه([23])

عن عروة قال : لقد رأيت عائشة تقسم سبعين ألفا وهي ترقع درعها ([24]).

رضي الله عنها وأرضاها. إنها أم المؤمنين التي نشأت في بيت الصديق أبي بكر رضي الله عنه وتربت في بيت النبوة.

وعنها رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي ﷺ‬ : «ما بقي منها؟» قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال : «بقي كلها غير كتفها»([25]).

إن هذا الدرهم الذي نجمعه والدينار الذي نكنزه لا ثمرة له إلا بالإنفاق، ولا أثر له إلا إذا فارق مكانه.

قال الحسن: بئس  الرفيق الدينار والدرهم لا ينفعانك حتى يفارقاك([26]).

ومن صور المفارقة الطيبة إخراجه في أبواب البر ومواقع الإحسان التي لها أثر في الدنيا والآخرة، فالصدقة أثرها عظيم نراه في واقع حياتنا وفي سائر أحوالنا.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فإن للصدقة تأثيراً عجيبا في دفع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه.

قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه : الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب، والصدقة شيء عجيب، والصدقة شيء عجيب ([27]).

ومن آثارها العجيبة في الدنيا ما روي عن رسول الله ﷺ‬ أنه قال: «بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة ([28]) فإذا تلك الشراج ([29]) قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له : عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله! لِمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان، لاسمك، فما تصنع فيها؟ فقال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاُ، وأرد فيها ثلثه»([30]).

ومن لم ينفق فقد أساء الظن بالله من عدم الخلف في الدنيا والأجر والمثوبة في الآخرة.

قال أبو سليمان الداراني: من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خُلُقه، وأعقبه الحلم، وسخت نفسه في نفقته، وقلت وساوسه في صلاته ([31]).

فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماره الذي يركبه، بساطه الذي يجلس عليه، بل بمنزله الكنيف الذي يقضي فيه حاجته من غير أن يستعبده، فيكون هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخير منوعاً ([32]).

فالواجب على المسلم العاقل أن يجعل الدنيا في يده وليست في قلبه، حتى وإن كثرت، فإنها في يده أسهل خروجاً وسخاء.

رأى الأحنف بن قيس في يد رجل درهماً، فقال: لمن هذا؟ قال لي. قال: ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر. وتمثل:

أنت للمال إذا أمسكته

وإذا أنفقته فالمال لك

أخي المسلم:

اعلم أن المال إن كان مفقودا فينبغي أن تكون حال العبد القناعة وقلة الحرص، وإن كان موجوداً فينبغي أن تكون حاله الإيثار والسخاء واصطناع المعروف والتباعد عن الشح والبخل، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام هو أصل من أصول النجاة([33]).

عن عبد لله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن استطعت أن تجعل كنزك حيث لا يأكله السوس، ولا تناله اللصوص، فافعل بالصدقة ([34]).

قال الله جل وعلا:

}مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{([35]). وسمى الله هذا الإنفاق قرضا حسناً، حثا للنفوس، وبعثا لها على البذل، لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولابد طوعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض ملئ وفيٌّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله سماحة نفسه. فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه، وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح. فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض، فإن ذلك الأجر حظ عظيم، وعطاء كريم، فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح، أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهانا لصاحبها.

وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيده بكونه حسناً، وذلك يجمع أموراً ثلاثة:

أحدها: أن يكون من طيب ماله، لا من رديئه وخبيثه.

والثاني: أن يخرجه طيبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة الله.

الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذي.

فالأول يتعلق بالمال، والثاني يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، والثالث بينه وبين الآخذ ([36]).

والبخل صفة دنيئة، هجر مركبها الأنبياء والصالحون، بل حتى كرام العرب في الجاهلية علموا أنها سوء موطن.

قالت أم البنين ابنة عبد العزيز بن مروان: أف للبخل، لو كان قميصا ما لبسته، ولو كان طريقاً ما سلكته.

وعندما سئل الحسن رضي الله عنه عن البخل قال: هو أن يرى الرجل ما أنفق تلفا وما أمسك شرفاً([37]).

وقيل لعلي : ما السخاء؟ قال: ما كان منه ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وكرم([38]).

أخي الحبيب : أين نحن من هؤلاء؟

قال سعيد بن العاصي لابنه: يا بني، أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداء من مسألة، فأما إذا أتاك الرجل تكاد ترى دمه في وجهه أو جاءك مخاطراً لا يدري، أتعطيه أم تمنعه؟ فوالله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته ([39]

وقال رسول الله ﷺ‬ حاثاً على الخير : «ثلاث من فعلهن فقد ذاق طعم الإيمان : من عبد الله عز وجل وحده بأنه لا إله إلا هو، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام، ولم يعط الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولكن من أوسط أموالكم، فإن الله عز وجل لم يسألكم خيرها، ولم يأمركم بشرها، وزكى نفسه، فقال رجل : وما تزكية النفس ؟ فقال:أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان »([40]).

فجعل النبي ﷺ‬ تزكية النفس إحدى الخصال الموجبة لتذوق طعم الإيمان.

أخي المسلم:

ضرب الرَّبِيعَ الفالجُ، وطال به وجعه، فاشتهى لحم دجاج فكفَّ نفسه أربعين يوماً، ثم حكى لامرأته فاشترت دجاجة بدرهم ودانقين فسوتها، وخبزت له خبزا، وجعلت له أصباغاً كالحلوى، ثم جاءت بالخوان، فلما ذهب ليأكل قام سائل، فقال : تصدقوا عليَّ.

فكفَّ، وقال : خذي هذا فادفعيه إليه.

قالت : فأنا أصنع ما هو أحب إليه.

قال: وما هو؟

قالت : نعطيه ثمن هذا، وتأكل أنت شهوتك.

قال : قد أحسنت ، إيتيني بثمنه.

فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ.

فقال: ضعيه على هذا وادفعيه جمعيا إلى السائل ([41]).

ونحن قد أنعم الله علينا وبسط لنا من خيرات الأرض.

أصبح همُّ الكثير المأكل والمشرب والملبس والمسكن. تفاخر ومباهاة وشره وطمع!! تعال لنر كيف كان السلف يجاهدون أنفسهم وبماذا ألزموها؟!

عن جابر بن عبد الله قال: رأى عمر بن الخطاب لحماً معلقاً في يدي فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت : اشتهيت لحماً فاشتريته، فقال عمر: أفكلما اشتهيت يا جابر اشتريت؟! أما تخاف هذه الآية يا جابر: }أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا{؟([42]).

أخي المسلم:

الفقير محتاج، والمسكين يتلهف لطارق يطرق عليه بابه ويناوله ما تيسر في يده. هذا واقعه: شدة حاجة وعوز وفقر ومسغبة. ولكن مع حاجته الماسة تلك إلا أننا أحوج من الفقير، نحن في حاجة ماسة إلى ثواب الصدقة وأجر البر والإحسان في يوم تشخص فيه الأبصار. فحاجته دنيوية، وحاجتنا دنيوية وأخروية.

قال الشعبي: من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه.

وقال عبد العزيز بن عمير: الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب المُلْك، والصدقة تدخلك عليه.

وقال عبيد بن عمير: يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، فمن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقى لله سقاه والله، ومن كسا لله كساه الله.

قال عبد الله بن مسعود: من استطاع منكم أن يجعل كنزه حيث لا يأكله السوس ولا يناله السُّرَّاق فليفعل، فإن قلب الرجل مع كنزه([43]).

وقد ثبت عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال : «فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر»([44]).

وفي صورة من صور الإنفاق العجيب والسخاء المنقطع النظير كانت أسماء بنت أبي بكر لا تدخر شيئا للغد ([45]).

ونحن والله يُخشى علينا العقوبة من كثرة ادخارنا وعدم إنفاقنا، فالبعض تمر عليه شهور ولم ينفق من هذه الخيرات، والبعض ربما لا يعرف الصدقة إلا في رمضان، وإن خرجت فهي من أردأ ما في بيته وأقله، وتراه ينفق أضعافاً مضاعفة لعلاج نفسه أو دفع بلاء أصابه، ونسي أنه يستدفع بالقليل من الصدقة أنواع البلاء وشتى الخطوب.

ركب شعبة بن الحجاج حماراً له، فلقيه سليمان بن المغيرة فشكا إليه، فقال له شعبة : والله ما أملك إلا هذا الحمار، ثم نزل ودفعه إليه ([46]).

أخي المسلم:

اعلم أن السخاء والبخل كل منهما ينقسم إلى درجات. فأرفع درجة السخاء الإيثار، وهو أن يجود بالمال مع الحاجة، وإنما السخاء عبارة عن بذل ما لا يُحتاج إليه لمحتاج أو لغير محتاج، والبذل مع الحاجة أشد. وكما أن السخاوة قد تنتهي إلى أن يسخو الإنسان على غيره مع الحاجة فالبخل قد ينتهي إلى أن يبخل على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فلا يمنعه منها إلا البخل بالثمن، ولو وجدها مجانا لأكلها. فهذا بخيل على نفسه مع الحاجة، وذلك يؤثر على نفسه غيره مع أنه محتاج إليه. فانظر ما بين الرجلين! فإن الأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء. وليس بعد الإيثار درجة في السخاء ([47]).

ولكثرة النعم التي تظلنا والخيرات التي تأتي إلينا لابد أن نتأمل قول سلمة بن دينار: إذا رأيت الله عز وجل يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره ([48]).

أيها الحبيب:

ها أنت تصرخ: إنها أموالي، ودوري وقصوري، وطعامي وشرابي، ولكن هاك حديث الرسول ﷺ‬ يرد عليك قولك: «يقول العبد مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس»([49]). عند هذا الرحيل يأتيك قول الله عز وجل : }يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ{([50]).

وقد قسم الله الأرزاق كما قسم الآجال بين عباده بحكمته وعلمه وعدله، فأعطى الغني ليشكر ويُبْذِل، ومنع الفقير ليصبر ويرضى ويستعفف، وكافأه بحديث الرسول ﷺ‬ : «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام»([51]).

وهذا الفقير الذي لا يملك من الدنيا إلا اليسير. قال رسول الله ﷺ‬ : عن أحدهم «رب أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره»([52]).

أخي المسلم:

نحن الآن في رغد عيش ونعم عظيمة لا تعد ولا تحصى. إذا لم ننفق الآن ونتوسع في ذلك ونحن على هذه الحال الطيبة – ولله الحمد- فمتى ننفق؟! أإذا حل الفقر بساحتنا؟! أم إذا نزل الموت بأرواحنا؟!

ليس في كل حالة وأوان

تتهيأ صنائع الإحسان

فإذا أمكنت فبادر إليها

ذرًا من تعذر الإمكان ([53])

قال الحسن: من أيقن بالخلف جاد بالعطية ([54]).

وقال أبو وائل شقيق بن سلمة: دخلنا على خباب بن الأرت في مرضه فقال: إن في هذا التابوت ثمانين ألف درهم، والله ما شددت لها من خيط، ولا منعتها من سائل.

عن عمرو بن دينار قال: دخل علي بن الحسين (ابن علي) على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل محمد يبكي، فقال علي: ما شأنك؟ قال : عليَّ دين، قال : كم هو ؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، قال : فهو عليَّ.

وفي المال – أيها المسلم – حقوق سوى الزكاة، نحو مواساة قرابة، وصلة إخوانه، وإعطاء سائل، وإعانة محتاج، وغير ذلك.

عن الشعبي قال: ما مات لي قرابة وعليه دَيْن إلا قضيته عنه ([55]).

ولأحمد عن أبي أيوب مرفوعاً : «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» أي العدو المضمر للعداوة الطاوي عليها كشحه (أي باطنه) والذي يطوي عنك كشحه ويألفك.

وقال ﷺ‬: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة» ([56]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمر النبي ﷺ‬ بالصدقة فقال رجل: يا رسول الله ! عندي دينار فقال : «تصدق به على نفسك» فقال : عندي آخر. قال : «تصدق به على ولدك» قال : عندي آخر. قال: «تصدق به على زوجك» قال: عندي آخر. قال : «تصدق به على خادمك» قال: عندي آخر. قال: «أنت أبصر».

وعنه ﷺ‬ أنه قال: «أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله» ([57]).

وقال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم، أو ينفعه الله بهم ويغنيهم؟

والبخل – والعياذ بالله – إذا دخل قلب الرجل أغلق دونه أبواب الإنفاق على نفسه وأهله وعامة الناس. ولهذا تعوذ الرسول ﷺ‬ من البخل فقال : «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال»([58]).

* جاء رجل في حمالة أربع ديات سأل فيها أهل المدينة، فقيل له: عليك بالحسن بن علي أو عبد الله بن جعفر أو سعيد بن العاص أو عبد الله بن عباس، فانطلق إلى المسجد فإذا سعيد داخل إليه، فقال: من هذا؟ فقيل سعيد بن العاص. فقصده، فذكر له ما أقدمه، فتركه حتى انصرف من المسجد إلى المنزل، فقال للأعرابي : ائت بمن يحمل معك.

فقال: رحمك الله، إنما سألتك مالاً قراً، فقال: أعرف، ائت بمن يحمل معك.

فأعطاه أربعين ألفاً، فأخذها الأعرابي وانصرف ولم يسأل غيره([59]).

وليس الإنفاق قاصرًا على أصحاب الأموال العظيمة، بل كل له سهم، ونحن لنا في ذلك سهام بما عندنا من مال وملبس ومأكل.

هذا أبو هريرة يسأل الرسول ﷺ‬ بقوله: أي الصدقة أفضل؟ قال ﷺ‬ : «جهد المقلِّ، وابدأ بمن تعول» ([60]).

وجهد المقلِّ: أي طاقته، والمقصود إخراج شيء من قليل، بمعنى أن الإنسان يرى نفسه فقيراً، ولكن يجود من القليل ابتغاء ثواب الله وكرمه وانتظار فضله.

وعنه رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله ﷺ‬ «سبق درهم مائة ألف درهم». فقال رجل : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال: «رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به»([61]).

فالنبي ﷺ‬ يبين لنا ثواب الصدقة الخارجة من مال الفقير، يضاعف أجرها مئات لأن الغني يجود عن سعة، وينفق عن كثرة ولكن الفقير يدعوه إيمانه بربه إلى الإنفاق وينتظر رزق الله. وقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت بتمرة واحدة ([62]).

سئل أبو ذر الغفاري عن الصوم؟ فقال : قربة وليس هناك فضل، قيل : فأي الصدقة أفضل؟ قال: أكثرها فأكثرها، ثم قرأ: }لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{([63]).

قيل : فمن لم يكن عنده؟ قال: عفو مال. يعني يتصدق بفضل مال.

قيل : فمن لم يكن عنده مال؟ قال: فعفو طعام.

قيل: فمن لم يكن عنده؟ قال: بغبن يفوته.

قيل : فمن لم يفعل؟ قال: يتقي النار ولو بشق تمرة.

قيل: فمن لم يفعل؟ قال : يكف نفسه، يعني لا يظلم الناس ([64]).

أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟

كان الربيع بن خيثم لا يعطي أقل من رغيف، ويقول : إني لأستحي أن يرى في ميزاني أقل من رغيف.

وقال أبو اسحاق الطبري : كان النجاد يصوم الدهر، ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة أكل تلك اللقم التي استفضلها وتصدق بالرغيف ([65]).

يفني البخيل بجمع المال مدته

وللحوادث والوارث ما يدع

كدودة القز ما تبنيه يخنقها

وغيرها بالذي تبنيه ينتفع ([66])

كان علي بن الحسن بن علي إذا أتاه سائل رحب به وقال: مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة.

وصدق فإن هؤلاء أبواب لنا نحو الصدقة والإنفاق، ومن يُرد الآخرة يتعنَّ ويتعب ويبحث ويدقق حتى يجدهم خاصة المتعففون من كبار السن والأرامل والأيتام.

كما ينبغي للمتصدق أن يتحرى في صدقته أهل الخير والصلاح والزهد والورع ممن يعينهم المال على طاعة الله عز وجل. وليحذر أن يعين أحداً بماله على معصية أو فساد.

وأذكر هنا قصة علي عَجَلٍ توضح حاجة الناس وعوزهم وهم بين أظهرنا، فقد ذكر لي أحد أئمة المساجد عن شخص من الوافدين فرحه بقدوم شهر رمضان (وكان ضعيف الحال كبير السن) قال الإمام: فسألته عن سبب هذا الفرح، فقال لي: حتى نأكل في المساجد ما لا نجده طوال العام في بيوتنا!! وهذا الحديث كان قبل عشر سنوات تقريبا ولم يتوسع الناس بعد في التفطير مثل الآن بل كان الإفطار ما تيسر!!

وفي أحوال كثير من الأُسَر ما يُحزن القلب ويُدمع العين، فكم من فقير ومن أرملة ومن يتيم! وكم من شيخ يئن وطفل يجوع وأرملة لا تجد غذاء ولا كساء!! بل كم من أب وأم في حاجة إلى التوسعة عليهما، وربما تتطلع أنفسهم إلى أمر تكون الدراهم القليلة حاجزاً دونه، وابنهم في أيسر حال وأتمه!!

وقد حدثني أحد المشايخ الفضلاء ودمعته لا تفارق مجراها فقال: لحظت يوما، وأنا خارج إلى المسجد قبل أذان الفجر، امرأة كانت واقفة أمام (النفايات) فتأخرت حتى أتبعتها النظر وعرفت مسكنها، وفي الغد أرسلت أهل بيتي لمعرفة أمرها، فإذا بها أرملة وأم لأطفال صغار ولا تجد ما يسد جوعهم إلا من بقايا الطعام الموجود في هذا المكان، فتخرج في جنح الظلام حتى لا يراها أحد.

وهذه المرأة المتعففة لها نصيب من حديث الرسول ﷺ‬ الذي قال فيه: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ». قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال : «الذي لا يجد من يعينه ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً»([67]).

ومن تأمل في أحوال بعض أقاربه وجد أنهم من أهل الزكاة ولكنه يغفل عنهم، فكم حولنا من يتيم، وكم في أسرنا من أرملة، وكم في عوائلنا من ينتظره نهاية العام لتسديد أجرة منزله !! وكم في مجتمعنا من مطلقة حولها صغار لا يجدون دفترًا جديدًا أو قلما ومسطرة أو ثمن علاج ودواء ! لكن من يبحث عنهم ومن يسأل عنهم؟! وأين من يتحرى ويدقق؟ بل والله قد ضعف هذا الأمر في كثير من الناس.

وتأمل حال الزكاة المفروضة، وهي عبادة عظيمة. كيف تخرج؟! فإنه يخيل إليك أنه يتخلص منها بأي شكل وبدون حرص واهتمام، وإن أردت مثالاً حيا لذلك فانظر كيف هي زكاة الفطر، وهي لا تزيد عن كيس أرز واحد عن أسرة كبيرة، فلا يبحث عن الفقراء، ولا يكلف المزكي نفسه مشقة.

السؤال والبحث!! رحم الله أحدهم، فقد سألته عن إخراج زكاة الفطر في مكة المكرمة ولم يكن من سكانها فقال لي: عليك برؤوس الجبال لتجد المستحقين!! فقلت له: غفر الله لك، ومن أين لنا رؤوس الجبال؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وإعطاء السائل فرض كفاية إن صدق، ولهذا جاء في الحديث : «لو صدق ما أفلح من رده»([68]).

وفي صورة مؤثرة لا يفعلها إلا قليل ممن وهبهم الله خيرًا وإخلاصاً. عن عمر بن ثابت قال : لما مات علي بن الحسين بن علي فغسلوه فجعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره، فقالوا : ما هذا ؟ فقالوا : كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة ([69]).

وهذه مولاة لداود الطائي تخدمه فقالت له: لو طبخت لك دسماً تأكله؟ قال: وددت، فطبخت له دسماً ثم أتت به فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم، قال: اذهبي بهذا إليهم، فقالت: أنت لم تأكل أدما منذ كذا وكذا، قال: إن هذا إذا أكلوه كان عند الله مذخوراً، وإذا أكلته كان في الحش ([70]).

عن ميمون بن مهران، أن امرأة ابن عمر عوتبت فيه، فقيل لها: أما تتلطفين بهذا الشيخ! فقالت: فما أصنع به، لا نصنع له طعاماً إلا دعا من يأكل معه، فأرسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعمتهم وقالت لهم: لا تجلسوا بطريقه، ثم جاء إلى بيته فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان، وكانت امرأته أرسلت إليهم بطعام وقالت: إن دعاكم فلا تأتوه، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: أردتم أن لا أتعشى الليلة، فلم يتعش تلك الليلة ([71]).

قال ابن عباس رضي الله عنهما : اثنان من الشيطان، واثنان في الله تعالى، ثم قرأ هذه الآية: }الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا{([72]).

يعني يأمركم بالطاعة والصدقة لتنالوا مغفرته وفضله }وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{([73]). يعني واسع الفضل، عليم بثواب من يتصدق ([74]).

قال أحمد بن حنبل عن عباد بن عباد : كان ثقة صالحاً في دينه، بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات أو أربعا فتصدق بوزن نفسه فضة ([75]).

وهذا أبو الحسين النوري مكث عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفين، ويخرج ليمضي إلى السوق فيتصدق بالرغيفين ويدخل المسجد فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه. فإذا جاء الوقت مضى إلى السوق فيظن أنه قد تغذى في بيته، ومن في بيته عندهم أنه قد أخذ معه غداءه، وهو صائم!!.

وكان عامر بن عبد الله بن الزبير يتخير العباد وهم سجود، فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم، فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه، فقيل له: ما يمنعك أن ترسل بها إليهم؟ فيقول: أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي أو لقيني ([76]).

أيها الحبيب:

أمامنا أهوال وأهوال وفزعات وروعات. ولذا اشترى بعض السلف نفسه من الله ثلاث مرات أو أربعاً يتصدق كل مرة بوزن نفسه فضة. واشترى عامر بن عبد الله بن الزبير نفسه من الله بديته ست مرات تصدق بها، واشترى حبيب العجمي نفسه من الله بأربعين ألف درهم تصدق بها ([77]).

قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل ([78]).

وقال رجل للحسن: ما تقول في رجل آتاه الله فهو يتصدق منه ويصل منه، أيحسب له أن يتعيش فيه (يعني يتنعم)؟ فقال: لا، لو كانت له الدنيا كلها ما كان له منها إلا الكفاف، ويقوم ذلك ليوم فقره ([79]).

وكان رسول الله ﷺ‬ أجود من الريح المرسلة، ودل سخاؤه على زهده وقلة حبه للدنيا، وليس الزهد فقد المال وإنما الزهد فراغ القلب عنه، وقد كان سليمان عليه السلام في ملكه من الزهاد ([80]).

تراه إذا ما جئته متهللاً

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

ولو لم يكن في كفه غير روحه

لجاد بها فليتق الله سائله

هو البحر من أي النواحي أتيته

فلجته المعروف والجود ساحله ([81])

كان مورق العجلي يتجر، فيصيب المال فيفرقه على الفقراء والمساكين، وكان يقول: لولاهم ما تَجُرْت ([82]).

نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح، والله لقد حسنت النية في جمعه وفي إنفاقه !! ومن منا اليوم يخطر بباله هذا الأمر؟ بل ومن يستقبل يومه ليعمل ويحتسب أجر العمل عند الله ثم يحتسب أجر (أجرة) العمل إنفاقاً وإحساناً؟!

أخي المسلم:

في المال ثلاثة أسئلة عظام يُسأل عنها المرء: من أين اكتسبه؟ هل هو من حلال؟ ! أم من حلال خالطه حرام؟ أم حرام كله؟ ثم السؤال الثاني : أين وضعه ؟ ! في حلال أم في حرام ؟! ثم الثالث : أين أنفقه؟ ! في طاعة أم معصية؟! وهل هي طاعة زانها الإخلاص أم شابها الرياء؟! وهل...؟! ولو طبقنا تلك الأسئلة على مائة ريال مما نملك لعلمنا أن السؤال شديد وأن الحساب دقيق، ولربما أن هذه الأموال تكون سبباً في شقائنا وخسراننا؟!

قال أبو بكر رضي الله عنه: دخلت على أبي مسلم في يوم عيد، فرأيت عليه قميصا مرقعا وبين يديه خروف وهو يأكل منه، فقلت يا أبا مسلم ! ما هذا ؟ فقال: لا تنظر إلى الخروف ولكن انظر إذا سألني ربي: من أين لك هذا؟ فأي جواب أقول وما اعتذاري؟!

وقال ابن المبارك : لأن أردَّ درهما من شبهة أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف. حتى بلغ ستمائة ألف ([83]).

وذلك طمعاً في قبول العمل وعظم الأجر والمثوبة، فقد قال ﷺ‬ : «من تصدق بعدل – أي بمقدار – تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوَّه – أي مهره – حتى تكون مثل الجبل»([84]).

قال الواقدي: صار إليَّ من السلطان ستمائة ألف درهم ما وجبت علي زكاة فيها([85]).

وكان دَخْلُ الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار، وما أوجب الله عليه زكاة درهم قط ([86]).

وذلك بإنفاقها قبل أن يحول عليها الحول.

وفي كلمات صادقة لأصحاب القلوب الحية والنفوس الزكية الذين يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار.

كان الحسن يقول: رحم الله عبداً جعل العيش عيشاً واحدا، فأكل كسرة، ولبس خلقاً، ولزق بالأرض، واجتهد في العبادة، وبكى على الخطيئة، وهرب من العقوبة، ابتغاء الرحمة حتى يأتيه أجله وهو على ذلك ([87]).

قالت امرأة أبي حازم له : هذا الشتاء قد هجم علينا ولابد لنا من الطعام والثياب والحطب، فقال لها أبو حازم : من هذا كله بد، ولكن لابد لنا من الموت، ثم البعث، ثم الوقوف بين يدي الله تعالى، ثم الجنة أو النار ([88]).

أخي الحبيب : أين نحن عن هؤلاء؟!

عن محمد بن المنكدر عن أم درة – وكانت تخدم عائشة رضي الله عنها – قالت: إن معاوية بعث إليها بمال في غرارتين ثمانين ومائة ألف درهم، فدعت بطبق، فجعلت تقسم بين الناس، فلما أمست قالت: يا جارية! هلم فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم درة: ما استطعت فيما اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه ؟ فقالت: لو كنت ذكرتيني لفعلت ([89]).

وكان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين من أهل الصفة يعشيهم([90]). وإطعام الطعام قلَّ في هذا الزمان ونَدُر حتى أنك لا ترى لذلك أثرا حتى بين الأحباب والأصحاب والجيران. أما الفقراء والمساكين فلم نسمع أن أحداً يصنع لهم الطعام أو يهدي لهم غذاء أو عشاء.

* عن ميمون بن مهران قال: أتت ابن عمر اثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها ([91]).

وقال بكر الزجاج لمعروف الكرخي في علته : أوصِ فقال: إذا مت فتصدقوا بقميصي هذا، فإني أحب أن أخرج من الدنيا عريانا، كما دخلت إليها عريانا ([92]).

وقد مات الواقدي وهو على القضاء، وليس له كفن، فبعث المأمون بأكفانه([93]).

وقال عبد الرحمن بن عوف: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كُفِّن في بردة، إن غطيت رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه.

أخي المسلم:

ما بال دينك ترضى أن تدنسه

وثوبك الدهر مغسول من الدنس

روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: درهم ينفقه أحدكم في صحته وشحه أفضل من مائة يوصي بها عند موته ([94]).

ولهذا كان الأخيار من هذه الأمة ينفقون وهم في صحة وعافية قبل أن تغرغر الروح وتشرق شمس الآخرة.

عن أبي جعفر بن علي بن الحسين أن أباه قاسم الله تعالى ماله مرتين، وقال: إن الله يحب المذنب التواب([95]).

ومن أدب الصدقة والإخلاص فيها ورجاء ما عند الله نصيحة عون بن عبد الله حيث قال: إذا أعطيت المسكين شيئا، فقال : بارك الله فيك، فقل أنت: بارك الله فيك، حتى تخلص لك صدقتك([96]).

لأنه يريد أن تكون خالصة لله عز وجل، وليس فيها حظ من حظوظ النفس، وقد روي مثل ذلك عن عائشة وغيرها.

فالأمر كما قال الربيع بن خثيم: كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل ([97]).

قال الحسن: المؤمن أحسن الناس عملاً وأشدهم من الله خوفاً، لو أنفق في سبيل الله مثل أحد ذهبا ما أمن حتى يعاين ([98]).

جاء سائل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال لابنه: أعطه ديناراً، فلما انصرف قال ابنه : تقبل الله منك يا أبتاه، فقال: لو علمت أن الله يتقبل مني سجدة واحدة وصدقة درهم لم يكن غائب أحب إلى من الموت، أتدري ممن يتقبل ؟ إنما يتقبل الله من المتقين.

أيها المسلم:

أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت

على العباد من الرحمن أرزاق

لا ينفع البخل مع دنيا مولية

ولا يضر مع الإقبال إنفاق([99])

كان الليث بن سعد يستغل عشرين ألف دينار كل سنة وقال : ما وجبت علي زكاة قط ([100]).

وكان الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال: أطعموه السكر، فإن الربيع يحب السكر ([101]).

أخي المسلم:

تأمل ماذا ينفقون؟! إنه أحب الموجودات إليهم، وأغلاها عندهم، وأنفسها في قلوبهم، أما نحن فالمنفق منا لا تطيب نفسه إلا بالنطيحة والمتردية، أما كرائم أموالنا فنضن بها على الآخرة، وننفقها في شراء الكماليات وعلى الفرش والأحذية. وتجد لدى البعض رجالاً ونساء ما يزيد عن عشرين أو خمسين بل مائة حذاء !! وكأنه جمعها ليسير بها آلاف الأميال!! ومع هذا كله لا يمر شهر أو أكثر إلا وقد اشترى حذاء جديداً!! وعن العشرين والخمسين والمائة سوف يُسأل. ومن السنن المهجورة الانتعال حيناً وتركه حيناً آخر.

وقد قال رسول الله ﷺ‬ : «ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري به عورته، وجلف الخبز، والماء»([102]).

وقال مالك بن دينار: إني لأغبط الرجل يكون عيشه كفافاً فيقنع به، فقال محمد بن واسع: أغبط والله عندي من ذلك أن يصبح جائعاً ويمسي خائفا وهو عن الله عز وجل راض ([103]).

أيها المنفق:

عشر خصال تبلغ العبد منزلة الأخيار، وينال بها الدرجات:

أولها: كثرة الصدقة.

والثاني: كثرة تلاوة القرآن.

والثالث: الجلوس مع من يذكِّره بالآخرة، ويزهده في الدنيا.

والرابع: صلة الرحم.

والخامس: عيادة المريض.

والسادس: قلة مخالطة الأغنياء الذين شغلهم غناهم عن الآخرة.

والسابع: كثرة التفكر في ما هو صائر إليه غداً.

والثامن: قصر الأمل , وكثرة ذكر الموت.

والتاسع: لزوم الصمت، وقلة الكلام.

والعاشر: التواضع، ولبس الدون، وحب الفقراء والمخالطة معهم، وقرب اليتامى والمساكين ومسح رؤوسهم ([104]). 

ويقال : سبع خصال تربي الصدقة وتعظمها:

أولها: إخراجها من حلال، لأن الله تعالى قال: }أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ{([105]).

والثاني : إعطاؤها من جهد مقلِّ، يعني يعطي من مال قليل.

والثالث: تعجيلها مخافة الفوت.

والرابع: تصفيتها مخافة البخل. يعني يعطيها من أحسن أمواله ولا يعطيها من الرديء، لأن الله تعالى قال: }وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ{([106]}وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ{([107]). يعني لا تأخذونه، يعني الرديء إذا كان على الآخر لكم قرضا }إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ{([108]). أي تسامحوا وتساهلوا فيه.

والخامس: يعطيها في السر مخافة الرياء.

والسادس: بُعْد المن عنها مخافة إبطال الأجر.

والسابع: كفُّ الأذى عن صاحبها مخافة الإثم، لأن الله تعالى قال : }لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى{([109]).

روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت جالسة ذات يوم إذ جاءتها امرأة سترت يدها في كمها، فقالت لها عائشة : ما لك لا تخرجين يدك من كمك؟ قالت: لا تسأليني يا أم المؤمنين. قالت عائشة رضي الله تعالى عنها:

لابد لك أن تخبريني. فقالت : يا أم المؤمنين! إنه كان لي أبوان، فكان أبي يحب الصدقة وأما أمي فكانت تبغض الصدقة، فلم أرها تصدقت بشيء إلا قطعة شحم وثوباً خلقاً، فلما ماتا رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، ورأيت أمي قائمة بين الخلق، والخلقة موضوعة على عورتها، ورأيت الشحمة بيدها وهي تلحسها، وتنادي: واعطشاه. ورأيت أبي على شفير الحوض وهو يسقى الماء، ولم يكن عند أبي صدقة أحب إليه من سقية الماء، فأخذت قدحا من ماء فسقيت أمي، فنودي من فوق: ألا من سقاها شلت يده، فاستيقظت وقد شلت يدي ([110]).

ولنا في رسول الله أسوة حسنة في فعله وقوله لمن كان يرجو الله والدار الآخرة.

عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ‬ ببردة منسوجة فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي ﷺ‬ محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فقال فلان : اكسنيها، ما أحسنها! فقال: «نعم» فجلس النبي ﷺ‬ في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم : ما أحسنت. لبسها النبي ﷺ‬ محتاجا إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد سائلاً، فقال: إني والله ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه ([111]).

وللحث على بذل اللباس وستر عورات المسلمين وسد حاجتهم قال ابن عباس رضي الله عنهما : سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول : «من كسا مسلما ثوبا لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك»([112]).

ومن كان في ستر الله فهو في ظل عظيم وخير كثير، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في شرح الصدور، ودفع البلاء، وتوالي الخير، وتتابع النعم.

يقال إن الحسن مر به نَخَّاس ومعه جارية، فقال للنخاس : أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين؟ قال : لا، قال: فهب فإن الله عز وجل رضي في الحور العين بالفلس واللقمة ([113]).

أيها الحبيب:

تذكر قول الإمام أحمد وأنت تسير خطواتك المحدودة في هذه الدنيا، فإن لهذه البداية نهاية، ولهذه الرحلة وقفة، وللطريق مهما طال منايا تلوح وسهام تصيب.

قال الإمام أحمد بن حنبل: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل ([114]).

وقال الحسن: أدركت أقواما لو أنفق أحدهم ملء الأرض ما أمن لعظم الذنب في نفسه ([115]).

نعم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار، ولذا وصف الله عباده المتقين الأبرار بقوله تعالى: }وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا{([116]) وخصهم بالتجرد له في هذه الأعمال }إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا{([117]).

وبطاعة الله وامتثال أوامره وبذل الخير أنزلهم خير منزل وأقامهم في أحسن مقام: }فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا{([118]).

كان أهل المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف : ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثاً.

إن الكريم ليخفي عنك عسرته

حتى تراه غنيا وهو مجهود

وللبخيل على أمواله علل

زرق العيون عليها أوجه سود

إذا تكرهت أن تعطي القليل ولا

تكون ذا سمعة لم يظهر الجود

بث النوال ولا يمنعك قلته

فكل ما سد فقراً فهو محمود ([119])

قال عبد الملك بن مروان لأسماء بنت خارجة: بلغني عنك خصال فحدثيني بها؟ فقالت: هي من غيري أحسن منها مني، فقال: عزمت عليك إلا حدثتني بها. فقالت: يا أمير المؤمنين! ما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط، ولا صنعت طعاماً قط فدعوت عليه قوماً إلا كانوا أمن علي مني عليهم، ولا نصب لي رجل وجهه قط يسألني شيئاً فاستكثرت شيئاً أعطيته إياه ([120]).

ومن أدب الصدقة الرفيع التلطف مع السائل، وإكرامه بالكلمة الطيبة والفعل الحسن، فقد كان علي بن الحسن إذا ناول الصدقة السائل قبَّله ثم ناوله ([121]).

جاء رجل من أهل الشام فقال: دلوني على صفوان بن سليم، فإني رأيته دخل الجنة. فقلت: بأي شيء؟ قال: بقميص كساه إنساناً.

قال بعضهم: سألت صفوان عن قصة القميص ؟ فقال:

خرجت من المسجد في ليلة باردة فإذا رجل عريان، فنزعت قميصي فكسوته ([122]).

ولو تفقدنا منازلنا كل ستة أشهر لوجدنا من الملابس التي لا نحتاج إليها كثيرا جداً، فلماذا نتأخر في دفعها للفقراء والمحتاجين خاصة أننا لا نتوقف عن الشراء طوال العام؟! ووالله يخشى علينا من العقوبة في هذا الأمر، وربما يبتلينا الله عز وجل فلا نجد ما نستر به عوراتنا، فإن البعض وصل لديهم السرف والتبذير في ذلك حد الخيال.

قال سالم بن أبي الجعد : خرجت امرأة ومعها صبي لها، فجاء ذئب فاختلس منها الصبي، فخرجت في أثره، وكان معها رغيف، فعرض لها سائل فأطعمته، فجاء الذئب بصبيها حتى رده عليها، فهتف هاتف : هذه لقمة بلقمة ([123]).

وكان علي بن الحسن يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع المساكين في الظلمة ويقول: إن الصدقة في الليل تطفئ غضب الرب ([124]).

واتفق العلماء على أن إخفاء صدقة التطوع أفضل وخير من إظهارها، لأن ذلك أبعد عن الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، وفيه بعد عما تؤثره النفس من الصدقة، وفائدة ترجع إلى الفقير الآخذ وهي أنه إن أعطي في السر زال عنه الذل والانكسار، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية ([125]).

والإخلاص لله هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل، قال رسول الله ﷺ‬ : «من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك»([126]).

والمخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.

قال إبراهيم بن بشار: مضيت مع إبراهيم بن آدم في مدينة يقال لها طرابلس ومعي رغيفان ما لنا شيء غيرهما، وإذا سائل يسأل فقال لي : ادفع إليه ما معك فلبثت، فقال : ما لك؟ أعطه، فأعطيته وأنا متعجب من فعله، فقال: يا أبا إسحاق! إنك تلقى غدا ما لم تلقه قط، واعلم أنك تلقى ما أسلفت ولا تلقى ما خلفت، فمهد لنفسك فإنك لا تدري متى يفاجئك أمر ربك، قال : فأبكاني في كلامه، وهون علي الدنيا، قال: فلما نظر إليَّ بكى وقال: هكذا كن ([127]).

وأمر الطعام الذي توسعنا فيه وأصبح همنا، نأكل ثلاث وجبات كاملة كل يوم، فيها كثير الأصناف والأنواع، ثم ما بين تلك الوجبات نأكل ونشرب وكأننا حيوان مجتر، طول نهارنا لا نتوقف عن المضغ والأكل. لما نزلت }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{([128]) قالوا : يا رسول الله! أي نعيم نسأل عنه؟ وإنما هما الأسودان: الماء والتمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال : «أما إن ذلك سيكون»([129]).

ورسول الله ﷺ‬ نبي هذه الأمة كما قالت عائشة رضي الله عنها «ما شبع منذ قدم المدينة من خبز ثلاث ليال تباعاً حتى قُبض»([130]).

سئل سهل التستري: الرجل يأكل في اليوم أكلة؟ قال: أكل الصديقين، قيل له: فأكلتين ؟ قال: أكل المؤمنين، قيل له فثلاث أكلات ؟ فقال: قل لأهله يبنوا له معلفا ([131]).

وقال الحسن : أدركت والذي نفسي بيده أقواماً ما أمر أحدهم أهله بصنعة طعام قط، فإن قرب إليه شيء أكله وإلا سكت، لا يبالي حاراً كان أو بارداً، وما افترش أحدهم بينه وبين الأرض فراشا وإنما يتوسد يده فيهجع من الليل، ثم يقوم فيبيت ليلته قائما راكعاً ساجداً، يرغب إلى الله في فك رقبته ([132]).

وتأمل أيها الأخ الحبيب بعين التفكر والاعتبار في ما قاله بلال بن سعد: رُبَّ مسرور مغبون يأكل ويشرب ويضحك، وقد حق له في كتاب الله عز وجل أنه من وقود النار ([133]).

وذكر جرير بن عبد الحميد أن سليمان التيمي لم تُرَ ساعة قط عليه إلا تصدق بشيء، فإن لم يكن شيء صلى ركعتين ([134]).

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس» قال يزيد : فكان أبو الخير مرتد لا يخطئه يرم إلا تصدق فيه بشيء ولو بكعكة أو بصلة ([135]).

الله أكبر.. هذا ما يجدون.. وما وجدوا تصدقوا به وأنفقوه، ولقد ذهبوا وذهب كل ذاك  وبقي أجر الصدقة وثواب الإنفاق.

وقد يخطر ببال الكثير : كيف أتصدق كل يوم في هذه الأيام؟! والحل سهل ميسور، فبالإمكان جعل حصالة أو صندوق في صالة المنزل، ثم ضع فيها أنت وأهل بيتك كل يوم ما تجود به نفوسكم قل أو كثر، وفي نهاية كل شهر ادفع ما بها إلى أوجه الخير ومناحي البر. وبعض الأسر وضعت مثل ذلك في مجلس الرجال وفي مجلس النساء، بل إنهم عودوا أبناءهم الصغار حث الضيوف على التبرع.

قال سليم بن منصور بن عمار: حدثنا أبي قال : دخلت على الليث خلوة، فأخرج من تحته كيساً فيه ألف دينار، وقال : يا أبا السرى ! لا تُعلم بها ابني، فتهون عليه.

وأعرف من كان رحمه الله يذهب بالصدقة ضحى أيام رمضان معللا بأن ذلك أنسب الأوقات وأبعد عن العيون، فالكل نائم في الدار، وكذلك الجيران وأهل الطريق.

سأل معاوية الحسن بن علي رضي الله عنهم عن المروءة والنجدة والكرم فقال: أما المروءة فحفظ الرجل دينه، وحذر نفسه، وحسن قيامه بضيفه، وحسن المنازعة، والإقدام في الكراهية. وأما النجدة فالذب عن الجار، والصبر في المواطن، وأما الكرم فالتبرع بالمعروف قبل السؤال، والإطعام في المحل، والرأفة بالسائل مع بذل النائل.

وعندما رفع رجل إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما رقعة قال له: حاجتك مقضية. فقيل له : يا ابن رسول الله ! لو نظرت في رقعته ثم رددت الجواب على قدر ذلك. فقال: يسألني الله عز وجل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته.

وقال ابن السماك : عجبت لمن يشتري المماليك بماله ولا يشتري الأحرار بمعروفه.

وأتى رجل صديقاً له فدق عليه الباب فقال: ما جاء بك؟ قال : عليَّ أربعمائة درهم دَيْن، فوزن أربعمائة درهم وأخرجها إليه وعاد يبكي، فقالت امرأته: لم أعطيته إذ شق عليك ؟ فقال: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلى مفاتحتي ([136]).

وسئل بعض الأعراب : من سيدكم؟ فقال: من احتمل شتمنا، وأعطى سائلنا، وأغضى عن جاهلنا ([137]).

وكان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم إلى منزله وليس معه منه شيء  .

هب الدنيا تساق إليك عفوا

أليس مصير ذاك إلى انتقال

وما دنياك إلا مثل فيءٍ

أظلَّك ثم آذن بالزوال

قال رجل: كنت أمشي مع سفيان بن عيينة إذ أتاه سائل فلم يكن معه ما يعطيه فبكى، فقلت: يا أبا محمد! ما الذي أبكاك؟ قال: أية مصيبة أعظم من أن يؤمل فيك رجل خيراً فلا يصيبه؟([138]).

رحمهم الله ورحم زماناً أظلهم وأرضا أقلتهم، ورزقنا من طيب سجاياهم وكريم خصالهم.

أخي الحبيب:

من دقيق نعم الله على العبد، التي لا يكاد يفطن لها، أنه يغلق عليه بابه، فيرسل الله إليه من يطرق عليه الباب يسأله شيئاً من القتت، ليعرِّفه نعمته عليه ([139]).

ومن عظيم نعم الله على العبد أن يسوق إليه الأموال، ثم

يدفع إليه من يعطيه منها ويسأل عن مستحقها ليوصلها، ثم يتقبلها منه وتكون له سترا عن النار. إنها نعم متتالية.

جاءت امرأة فسألت حسان بن أبي سنان فقال لشريكه: هكذا، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، فذهب شريكه يزن لها درهمين، فوزن لها مائتين فقالوا: يا أبا عبد الله ! كنت ترضي بهذا كذا وكذا من سائل. فقال : إني ذهبت في شيء لم تذهبوا فيه، إني رأيت بها بقية من الشباب وخشيت أن تحملها الحاجة على بعض ما أكره ([140])لم يكن عطاؤهم لسد الجوع وملء البطن فحسب، بل حتى الوصول إلى الكفاف والاستغناء، لكي لا تحملها الفاقة إلى فساد عرضها ودينها.

قال علي بن عيسى الوزير: كسبت سبعمائة ألف دينار. أخرجت منها في وجوه البر ستمائة ألف وثمانين ألفاً ([141]).

والسؤال أيها القارئ : لو كانت في يدك؟ كم ستخرج وكم ستُبقِي؟!

عندما سئل أبو صفوان الرُّعيني : ما هي الدنيا التي ذمها الله في القرآن والتي ينبغي للعاقل أن يتجنبها ؟ قال : كل ما أحببت في الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ما أحببت منها تريد به الآخرة فليس منها ([142]).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف الدنيا: حلالها حساب، وحرامها النار.

وقيل لسفيان بن عيينة: ما السخاء ؟ قال: السخاء البر بالإخوان والجود بالمال.

قال : ورث أبي خمسين ألف درهم فبعث بها صُرراً إلى إخوانه. وقال : قد كنت أسأل الله تعالى لإخواني الجنة في صلاتي أفأبخل عليهم بالمال؟

قال يحيى بن معاذ وكأنه يخاطب الكثير في عصرنا: مسكين ابن آدم، لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة ([143]).

وقال الحسن : بذل المجهود منتهى الجود.

وقيل لبعض الحكماء  من أحب الناس إليك؟ قال: من كثرت أياديه عندي، قيل : فإن لم يكن، قال: من كثرت أيادي عنده.

وقال عبد العزيز بن مروان: إذا الرجل أمكنني من نفسه حتى أضع معروفي عنده فيده عندي مثل يدي عنده.

وقال المهدي لشبيب بن شبة : كيف رأيت الناس في داري؟ فقال: يا أمير المؤمنين ! إن الرجل منهم ليدخل راجيا ويخرج راضيا.

وتمثَّل متمثِّل عند عبد الله بن جعفر فقال:

إن الضيعة لا تكون ضيعة

حتى يصاب بها طريق المصنع

فإذا اصطنعت ضيعة فاعمد بها

لله أو لذوي القرابة أو دع

فقال عبد الله بن جعفر: إن هذين البيتين ليبخلان الناس، ولكن أمطر المعروف مطراً، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلا، وإن أصاب اللئام كنت له أهلا([144]).

أما وصاياهم ونصحهم للأمة فلا حد له، وهم إلى الآخرة ينظرون ولتلك الأيام يستعجلون.

قال رجل لسفيان الثوري: أوصني؟ قال: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، والسلام ([145]).

ولو عملنا للدنيا بقدر بقائنا فيها، وللآخرة بقدر بقائنا فيها، لتغيرت الحال، وتبدلت الأعمال، ولكن أين من يجاهد نفسه ويعمل لدار الخلود ؟!

قال قتيبة: كان الليث بن سعد يستغل عشرين ألف دينار في كل سنة، وقال : ما وجبت عليَّ زكاة قط ([146]).

فرضت على زكاة ما ملكت يدي

وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا

فإذا ملكت فجد، فإن لم تستطع

فاجهد بوسعك كله أن تنفعا

قال شفيق بن إبراهيم : بينما نحن ذات يوم عند إبراهيم بن أدهم إذ مر رجل فقال إبراهيم : أليس هذا فلان؟ 

فقيل : نعم. فقال لرجل : أدركه فقل له : قال لك إبراهيم: لِمَ لم تسلم؟ فقال له. فقال: والله إن امرأتي وضعت وليس عندي شيء فخرجت شبه المجنون. قال: فرجعت إلى إبراهيم، فقلت له فقال: إنا لله، كيف غفلنا عن صاحبنا حتى نزل به هذا الأمر ؟ وقال : يا فلان ! إيت صاحب البستان فاستسلف منه دينارين، فادخل السوق فاشتر له ما يصلحه بدينار، وادفع الدينار والآخر إليه. فدخلت السوق فأوقرت بدينار من كل شيء، وتوجهت إليه فدققت الباب. فقالت امرأته : من هذا ؟ قلت : أنا – أردت فلاناً. قالت : ليس هو هاهنا. قلت : فمري بفتح الباب وتنحي، قال: ففتحت الباب، فأدخلنا ما على البعير وألقيته في صحن الدار وناولتها الدينار. فقالت : على يدي، من بعث هذا ؟ فقلت: قولي: على يد أخيك إبراهيم بن أدهم. فقالت : اللهم لا تنس هذا اليوم لإبراهيم ([147]).

وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما : من وصف ببذل ماله لطلابه لم يكن سخياً، وإنما السخي من يبتدئ بحقوق الله تعالى في أهل طاعته، ولا تنازعه نفسه إلى حب الشكر له إذا كان يقينه بثواب الله تعالى تاماً.

وقيل للحسن : ما السخاء؟ فقال : أن تجود بمالك في الله عز وجل. قيل : فما الحزم؟ قال : أن تمنه مالك فيه، قيل: فما الإسراف ؟ قال: الإنفاق لحب الرئاسة.

ومن آداب الطعام التي غفلنا عنها وهجرناها دعوة الضعفاء والمساكين والأيتام لمشاركتنا نعم الله عز وجل وخيراته، فقد كان عبد الله بن عمر لا يأكل طعاماً إلا وعلى خوانه يتيم.

وأيتام الأمة الإسلامية تتخطفهم الحملات الصليبية، وتخترقهم جيوش الكفر، فأين نحن من إعانتهم وكفالتهم وتعليمهم؟! بل أين أنت – أخي المسلم – عن أيتام أسرتك ممن هم في أمس الحاجة إلى الرعاية وربما أنهم من أهل الزكاة وأنت عنهم غافل؟!

وليبشر كافل اليتيم – وهو القائم على أموره – بمرافقة الرسول ﷺ‬ حيث بشره بذلك فقال عليه السلام : «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ([148]).

عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب إليه بير حاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي ﷺ‬ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب.

قال أنس : فلما نزلت }لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ{([149]) قال أبو طلحة : يا رسول الله، إن الله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، اللهم إن أحب أموالي إليَّ بير حاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وأدخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي ﷺ‬ «بخ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله، قال: فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.

أخي المسلم:

يفني البخيل بجمع المال مدته  

وللحوادث والأيام ما يدعُ

كدودة القز ما تبنيه يهدمها

وغيرها بالذي تبنيه ينتفع

عن بيان المصري قال: كنت في مكة قاعدا، وشاب بين يدي، فجاءه إنسان وحمل إليه كيسا فيه دراهم فوضعه بين يديه، فقال : لا حاجة لي فيه، فقال : فَرِّقْهُ على المساكين، ففرقه، فلما كان العشاء رأيته في الوادي يطلب شيئاً لنفسه، فقلت: لو تركت شيئاً مما كان معك؟ فقال: لم أعلم أني أعيش إلى هذا الوقت.

سأل أعرابي سعيد بن العاص فأمر له بخمسمائة، فقال الخادم : خمسمائة درهم أو دينار؟ فقال : إنما أمرتك بخمسمائة درهم، وإذ قد جاش في نفسك أنها دنانير، فادفع إليه خمسمائة دينار، فلما قبضها الأعرابي جلس يبكي، فقال له: مالك؟ ألم تقبض نوالك؟ قال : بلى والله، ولكن أبكي على الأرض كيف تأكل مثلك ([150]).

وبعث محمد بن المنكدر إلى صفوان بن سليم أربعين دينارا، ثم قال له لبنيه : يا بني ! ما ظنكم برجل فرغ صفوان لعبادة ربه عز وجل ([151]). أي كفاه مؤنة البحث عن الرزق وأعانه على أمور الدنيا.

أما من حسب الدنيا مالا لا ينفذ ونعيما لا يزول فإليه إحدى تلك العبر من بين مئات يعرفها وتعرفها أنت وأنا.

كان فخر الدولة علي بن ركن (من ملوك بني بويه) يقول: جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة، وتوفيَّ في قلعة بالري، وكانت مفاتيح خزانها مع ولده، ولم يحضر، فلم يوجد له كفن، فابتيع من قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب خلف فيه، واختلف الجند فاشتغلوا عنه حتى أراح، فلم يمكنهم القرب منه، فشد بالحبال، وجر على درج القلعة من بعد حتى تقطع، وكان قد ترك ألفي ألف دينار، وثمانمائة وخمسة وستين ألفا، وكان في خزائنه من الجوهر والياقوت واللؤلؤ والبلخش والماش أربعة عشر ألف وخمسمائة قطعة قيمتها ألف ألف دينار.. ومن أواني الفضة ما وزنه آلاف ألف، ومن الأثاث ثلاثة آلاف حمل، ومن السلاح ألف حمل، ومن الفرش ألفان وخمسمائة حمل ([152]).

أما الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز فقد قال له مسلمة بن عبد الملك : يا أمير المؤمنين، إنك أفرغت أفواه ولدك من هذا المال، وتركتهم عيلة لا شيء لهم، فقال عمر بن عبد العزيز : أبالفقر تخوفني يا مسلمة؟ أما قولك إني أفرغت أفواه ولدي من هذا المال  فوالله إني ما منعتهم حقا هو لهم وأن بني أحد رجلين : إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له رزقاً، وإما رجل مكب على المعاصي فإني لم أكن لأقويه على معصية الله. وعاش أبناء عمر رحمه الله لم يحتاجوا إلى أحد ولا سألوا من بعده.

وحال الأخيار لا يريدون علوًا في الأرض، يرون هذه الدنيا خطوات مضى أكثرها، يساهرون لذلك المسير ليلاً بالعبادة مشرقاً، ونهارا بالطاعة مزهراً.

عن علي بن زيد قال: حج الحسن خمس عشرة حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد بين يديه، وخرَّج من ماله لله مرتين، وقاسم الله عز وجل ماله ثلاث مرات، حتى أنه كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا.

عن ميمون بن مهران أن رجلا من بني عبد الله بن عمر استكساه إزارا وقال: قد تخرق إزاري، فقال: ارقع إزارك ثم البسه، فكره الفتى ذلك فقال له عبد الله بن عمر : ويحك، اتق الله ولا تكن من القوم الذي يجعلون ما رزقهم الله عز وجل في بطونهم وعلى ظهورهم ([153]).

ورؤي على سلمان الفارسي جبة من صوف فقيل له: لو لبست ألين من هذا ؟ قال: إنما أنا عبد، ألبس كما يلبس العبد، فإذا أعتقت لبست ثياباً لا تبلي حواشيها([154]).

أولئك قوم قال عنهم الحسن: والله لقد أدركت أقواماً ما طُويَ لأحدهم في بيته ثوب قط، ولا أمر في أهله بصنعة طعام قط، وما جعل بينه وبين الأرض شيئاً قط([155]).

ومنهم طلحة بن عبيد الله الذي باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف، فحملها إليه، فلما جاء بها قال : إن رجلا تبيت عنده في بيته فلا يدري ما يطرقه من أمر الله لضرير بالله، فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة، حتى أسحر وما عنده منها درهم ([156]).

لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة

فليس ينقصها التبذير والسرفُ

وإن تولت فأحرى أن تجود بها

فالحمدُ منها إذا ما أدبرت خلفُ ([157])

اجتمع عند أبي الحسن الأنطاكي نيف وثلاثون نفسا – وكانوا في قرية بقرب الري – ولهم أرغفة معدودة لم تُشْبع جميعهم، فكسروا الرغفان، وأطفؤوا السراج، وجلسوا للطعام، فلما رُفع فإذا الطعام بحاله ولم يأكل أحد منه شيئا إيثارا لصاحبه على نفسه ([158]).

وقال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي : أعطه أربعة دنانير واعذرني عنده ([159]).

أما حكيم بن حزام فقد كان يحزن على اليوم الذي لا يجد فيه محتاجاً ليقضي له حاجته حيث قال : ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها.

وقضى ابن شبرمة حاجة كبيرة لبعض إخوانه فجاء يكافئه بهدية. فقال : ما هذا؟ قال : لما أسديته إليَّ، فقال : خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة، وكبر عليه أربع تكبيرات، وعده من الموتى ([160]).

وعلى هذا القياس في أيامنا هذه فالكثير إلى الأموات أقرب.

وذُكر أن مالك بن دينار رحمه الله تعالى كان جالسا ذات يوم، فجاء سائل وسأله شيئاً، وكانت عنده سلة تمر، فقال لامرأته : ائتيني بها، فأخذها مالك فأعطى نصفها إلى السائل، ورد نصفها إلى امرأته، فقالت له امرأته : مثلك يسمى زاهدا؟! هل رأيت أحدا يبعث إلى الملك هدية مكسرة ؟ فدعا مالك بالسائل وأعطاه البقية، ثم أقبل على امرأته فقال لها : يا هذه اجتهدي ثم اجتهدي، فإن الله تعالى قال: }خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ{([161]). فيقال : من أين هذه الشدة؟ قال: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين. اعلمي أيتها المرأة قد طرحنا من عنقنا نصفها بالإيمان، فينبغي أن نطرح النصف الآخر بالصدقة ([162]). 

ومن أثر الصدقة العاجل في الدنيا ما نراه في هذه الواقعة التي جرت على يدي  عبد الله بن جعفر حين خرج إلى ضيعة له، فنزل على نخيل قوم وفيه غلام أسود يعمل فيه، إذ أتى الغلام بقوته، فدخل الحائط كب ودنا من الغلام، فرمى إليه الغلام بقرص فأكله، ثم رمى إليه الثاني والثالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه، فقال : يا غلام! كم قوتك كل يوم ؟! قال : ما رأيت! قال : فلم آثرت به هذا الكلب؟  قال : ما هي بأرض كلاب، إنه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت أن أشبع وهو جائع، قال : فما أنت صانع اليوم ؟ قال : أطوي يومي هذا، فقال عبد الله بن جعفر : أُلام على السخاء ! إن هذا الغلام لأسخى مني. فاشترى الحائط والغلام وما فيه من الآلات فعتق الغلام ووهبه منه ([163]).

والله عز وجل جواد كريم يعطي الجزيل على العمل القليل، حتى وإن كن في الدواب والبهائم.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ‬ قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه، حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له» قالوا: يا رسول الله ! إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: «في كل كبد رطبة أجر»([164]).

وفي رواية أخرى : «بينما كلب يطيف (يدور) بركية (بئر) قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به، فسقته، فغفر لها به»([165])

حدَّث محمد بن الفضل عن رجل من أهل البصرة قال: كان أعرابيًا صاحب ماشية، وكان قليل الصدقة، فتصدق بغريض من غنمه، (يعني بسخلة مهزولة) فرأى فيما يرى النائم كأنها أقبلت عليه غنمه كلها تنطحه، فجعل الغريض يحامي عنه، فلما انتبه قال: والله لئن استطعت لأجعلن أتباعك كثيرة. قال: وكان ذلك يعطي ويقسم([166]).

وها هو جعفر بن محمد بن علي، من شدة ثقته بالله عز وجل، يطعم حتى لا يبقي لعياله شيئًا ([167]).

وكان أنس بن سيرين يُفَطِّر كل ليلة من رمضان خمسمائة إنسان ([168]).

أما صدقة اللباس الذي يشترك في مهمة عظيمة، وهي ستر العورة، وما زاد عن ذلك فهو سواء قل أو كثر. فإنهم أصحاب أياد بيضاء وصدقة لا تنقطع.

قال قراد أبو نوح: رأى عليَّ شعبة قميصا، فقال: بكم اشتريت هذا ؟ فقلت : بثمانية دراهم، فقال لي : ويحك، أما تتقي الله ؟ ألا اشتريت قميصاً بأربعة دراهم وتصدقت بأربعة كان خيرا لك ؟ قلت : يا أبا سطام، أنا مع قوم نتجمل لهم، قال : أيش نتجمل لهم؟([169]).

أيها الحبيب:

كان عمرو بن قيس الملائي يقول : إذا سمعت شيئا من الخير فاعمل ولو مرة به تكن من أهله.

اعمل الخير ما استطعت وإن كان

قليلاً فلن تحيط بكله

ومتى تفعل الكثير من الخير إذا

كنت تاركا لأقله؟ ([170])

قال محمد بن إسحاق: كان الناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسن فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل ([171]).

وجاءت امرأة إلى الليث بن سعد فقالت : يا أبا الحارث! إن ابنا لي عليلًا واشتهى عسلاً فقال: يا غلام، أعطها مرطاً من عسل (والمرط عشرون ومائة رطل).

وكان أحمد بن إبراهيم، كثير الصدقة، سأله سائل فأعطاه درهمين، فحمد الله فجعلها خمسة، فحمد الله فجعلها عشرة، ثم ما زال يزيده ويحمد السائل الله حتى جعلها مائة فقال: جعل الله عليك واقية باقية. فقال للسائل: والله لو لزمت الحمد لأزيدنك ولو إلى عشرة آلاف درهم ([172]).

وعندما عوتب الحسن بن سهل وقد كثر عطاؤه على اختلال حاله فقيل له: ليس في السرف خير، قال: بل ليس في الخير سرف([173]).

قد اشترى خالد الطحان نفسه من الله أربع مرات، فتصدق بوزن نفسه فضة أربع مرات.

وإن من علائم الخير في الأمم أن ترى أبناءها في حياتهم الشخصية والعائلية لا ينفقون إلا بقدر معتدل، ولا يبذلون إلا ما هو في حدود الكفاية. ولكنهم في حياتهم الاجتماعية أسخياء كرماء لا يعرفون للكرم حدودا ولا غاية، هكذا يعيش أبناء العالم المتحضر اليوم، يقتصد أحدهم في الإنفاق على نفسه إلى درجة تُقَرِّبُ من البخل، فترى الغني يلبس الثوب البسيط، ولكنه ينفق الملايين على جامعة تؤسس، أو على ميتم ينشأ، أو على بحث من أبحاث العلم يحتاج إلى من يتفرغ له.

ولقد سبقهم أهل الإسلام بذلك، فلقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- في حياته الخاصة من أبسط الناس معيشة ومأكلا وملبساً، حتى إذا احتاج المسلمون إلى المال للإنفاق في غزوة تبوك أخرج ماله كله. وهذا عثمان رضي الله عنه، الغني، يصيب الناس في عهد عمر قحط وشدة، فتأتيه قافلة من الشام ألف جمل، عليها أصناف الطعام واللباس مما لا يُقَدَّر في تلك المحنة بثمن، فيجيئه التجار يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة، فيقول : كم تعطوني ربحا؟ قالوا : خمسة في المائة، قال : إني وجدت من يعطيني أكثر، فما زالوا يزيدون حتى أعطوه عشرة بالمائة، فقال لهم : لقد وجدت من يعطيني أكثر، فتصدق بها ([174]).

وبعض الأُسَر المتحضرة المتعلمة تتميز بصفاء القلب

وكرم النفس وسخاء اليد، فلها في ذلك سهام تصل إلى الفقراء والمساكين والجيران وذوي الرحم، وهم مع هذا الإنفاق أهل مأكل وملبس لا يتميز عن غيرهم، رغم أنهم نشؤوا في غنى قديم ونعمة متواترة، وغدًا تضم القبور من أكل كثيراً ومن لم يأكل إلا قليلاً، ومن لبس الحرير ومن لبس دون ذلك، ولكن يبقى العمل وتتجلى أنوار العبادة في قبور مظلمة وصحبة موحشة.

سئل سعيد بن عبد العزيز عن الكفاف من الرزق ما هو؟

فقال : شبع يوم وجوع يوم ([175]).

حتى متى تسقى النفوس بكأسها

ريب المنون وأنت لاه ترتع

أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى

وإلى المنية كل يوم تُدفع

أحلام نوم أو كظل زائل

إن اللبيب بمثلها لا يخدع

فتزودن ليوم فقرك دائماً

واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع([176])

وهذه نداءات خاصة للنساء فقد قال رسول الله ﷺ‬ : «تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن»([177]).

وقال ﷺ‬ : «يا معشر النساء ! تصدقن، وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار»([178]).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ‬ : «إذا أنفقت المرأة في طعام زوجها غير مفسدة, كان لها أجرها بما أنفقت, ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً»([179]).

ومن صور الاستجابة في عهد الرسول ﷺ‬ ما روته أم سنان الأسلمية رضي الله عنها في غزوة العسرة حين قالت:

«لقد رأيت ثوبا مبسوطا بين يدي النبي ﷺ‬ في بيت عائشة رضي الله عنها، فيه مُسك، ومعاضد، وخلاخيل، وأقرطة، وخواتيم، وقد ملئ، مما بعث من النساء يعن به المسلمين في جهازهم»([180]).

والدعوة عامة لنا جميعا معشر الرجال والنساء، قال الله تعالى في عطاء جزيل ومنة عظيمة من رب كريم رحيم: }مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{([181]).

شبه الله سبحانه نفقة المنفق في سبيله – سواء كان المراد بها الجهاد أو جميع سبل الخير من كل حبة – بمن بذر بذرًا، فأنبتت كل حبة منه سبع سنابل، اشتملت كل سنبلة على مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك، بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه ونفع نفقته وقدرها، ووقوعها موقعها.

فإن ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص، والتثبت عند النفقة، وهو إخراج المال بقلب ثابت، قد انشرح صدره بإخراجه، وسمحت به نفسه، وخرج من قلبه قبل خروجه من يده، فهو ثابت القلب عند إخراجه، غير جزع ولا هلع، ولا مُتبعه نفسه، ترجُف يده وفؤاده ([182]).

أخي الحبيب:

تأمل في قول الله تعالى: }مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([183]).

وأبشر ببشارة من رب الأرض والسماوات }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([184]).

بعد هذه النداءات المتتالية وصور الإنفاق الطيبة لا تكن كمن قال الله عنهم: }هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ{([185]).

ولا تكن ممن هم أشد من أولئك : }الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا{([186]).

فإننا والله كما قال الربيع بن خثيم: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا ([187]).

بل وكما قال المغيرة: أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو غني عنا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون ([188]).

أخي المسلم.. أختي المسلمة:

إن هذا المال الذي هو نعمة أرسلها الله إلينا وجعلنا أمناء عليها، ربما يتحول إلى نقمة إذا لم يكن عوناً على الطاعة، وبلية إذا لم يكن طريقاً إلى الجنة، ولا ندعي كذبا ونباهي زورا أننا جمعناه بجدنا واجتهادنا وعرق جباهنا. فقد قال قارون مثل ذلك..}قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ{([189]) بل احمد الله أن جعلك ممن نالهم هذا الخير، وكل وأطعم، والبس واكس، وأنفق وتصدق ليوم تشخص فيه الأبصار، واحمد الله عز وجل على أن جعلك تعطي ولا تأخذ، وتتصدق ولا يُتصدق عليك.

أخي المسلم:

وأنت تسير في طريق الإنفاق، لا يغوينك الشيطان ويصدك عن فعل الخير، واستحضر هذه الآية في كل حين : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ{([190]).

ولا تظن أيها الأخ الحبيب أن أبواب الصدقة مقتصرة على دفع المال فحسب، بل هناك أنواع من الصدقة كثيرة دون المال، فمن ذلك ما قاله الرسول ﷺ‬ : «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق»([191]).

وعن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ! أي العمل أفضل ؟ قال: «الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله» قلت : أي الرقاب أفضل؟ قال : «أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا» قلت : فإن لم أفعل؟ قال : «تعين صانعاً أو تصنع لأخرق» قلت : يا رسول الله ! أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك»([192]).

وفي حديث آخر جمع فيه الرسول ﷺ‬ أنواعا من الصدقة فقال : «كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة»([193]).

ومن أعظم الصدقات صدقة الجاه، وقضاء حوائج الناس، والشفاعة لهم، خاصة في هذا الزمن، قال رسول الله ﷺ‬ «إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله»([194]).

وقال ﷺ‬ : «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب»([195]).

ومن أعظم الصدقات إصلاح ذات البَيْن، فقد قال رسول الله ﷺ‬ : «أفلا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟»قالوا : بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البَيْن»([196]).

أيها الحبيب:

قال رسول الله ﷺ‬ : «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك»([197]).

فأبواب الخير كثيرة، وجوَّاد البر معلومة، جعلني الله وإياك ووالدينا من الحامدين الشاكرين الذين ينفقون في السراء والضراء، ممن ينادون يوم القيامة : ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.



([1]) سورة الذاريات، الآيات: 17-19.

([2]) سورة سبأ، الآية:39.

([3]) سورة البقرة، الآية: 245.

([4]) سورة البقرة، الآية:262.

([5]) سورة التوبة، الآية :111.

([6]) حاشية الروض 3/338.

([7]) متفق عليه.

([8]) حديث صحيح. انظر صحيح الترغيب والترهيب للألباني.

([9]) متفق عليه.

([10]) رواه مسلم.

([11]) رواه مسلم.

([12]) متفق عليه.

([13]) رواه أبو داود والترمذي.

([14]) الإحياء 3/273.

([15]) الإحياء 1/267.

([16]) وفيات الأعيان 3/30.

([17]) سورة آل عمران، الآية:92.

([18]) سورة التوبة، الآية:103.

([19]) تنبيه الغافلين ص 247.

([20]) صفة الصفوة 2/169، حلية الأولياء 3/198.

([21]) السير 3/218.

([22]) مجموع الفتاوى 10/662.

([23]) فضائل الذكر ص40.

([24]) صفة الصفوة 2/30.

([25]) رواه الترمذي.

([26]) السير 16/95.

([27]) تنبيه الغافلين ص 243.

([28]) الأرض الملبسة حجارة سوداء.

([29]) الشرجة : هي مسيل الماء.

([30]) رواه مسلم.

([31]) حلية الأولياء 9/257.

([32]) مجموع الفتاوى 10/189.

([33]) الإحياء 3/258.

([34]) تنبيه الغافلين ص247.

([35]) سورة البقرة، الآية:245.

([36]) التفسير الميسر لابن القيم ص 148 وما بعدها.

([37]) مكاشفة القلوب ص 122.

([38]) تاريخ الخلفاء ص 17.

([39]) البداية والنهاية: 8/93.

([40]) أخرجه الطبراني وصححه الألباني.

([41]) أحسن المحاسن ص 289.

([42]) تاريخ عمر لابن الجوزي ص 119.

([43]) حلية الأولياء 1/135 صفة الصفوة 1/420.

([44]) رواه البخاري.

([45]) السير 3/380.

([46]) حلية الأولياء 7/146.

([47]) الإحياء 3/272.

([48]) صفة الصفوة 2/57.

([49]) رواه مسلم.

([50]) سورة آل عمران، الآية:30.

([51]) رواه الترمذي.

([52]) رواه مسلم.

([53]) السير18/419.

([54]) الحسن البصري ص 32.

([55]) تذكرة الحفاظ 1/81.

([56]) رواه الخمسة.

([57]) رواه مسلم.

([58]) رواه البخاري.

([59]) البداية والنهاية 8/93.

([60]) رواه أبو داود والحاكم.

([61]) رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الألباني.

([62]) وقد رأيت أحد العمال المساكين يتصدق بريالات قليلة على فقير كان بباب المسجد، فتأثرت من عمله رغم غربته وحاجته الظاهرة!!.

([63]) سورة آل عمران، الآية: 92.

([64]) تنبيه الغافلين ص 243.

([65]) تذكرة الحفاظ 3/868.

([66]) البداية والنهاية 11/13.

([67]) رواه مسلم.

([68]) حاشية الروض ص 344.

([69]) انظر السير 4/139.

([70]) تاريخ بغداد 8/353.

([71]) حلية الأولياء 1/298.

([72]) سورة البقرة، الآية:268.

([73]) سورة البقرة، الآية:268.

([74]) تنبيه الغافلين ص 245.

([75]) تذكرة الحفاظ 1/210.

([76]) منهاج القاصدين ص41.

([77]) حلية الأولياء 3/166.

([78]) جامع العلوم والحكم ص 269.

([79]) مكاشفة القلوب ص 156.

([80]) الإحياء 1/39.

([81]) جامع العلوم والحكم ص 222.

([82]) الزهد ص 44.

([83]) صفة الصفوة 4/139.

([84]) متفق عليه.

([85]) السير 9/467.

([86]) وفيات الأعيان 4/130.

([87]) الزهد الكبير للبيهقي 2/65.

([88]) الإحياء 4/239.

([89]) الإحياء 3/262.

([90]) السير 1/216.

([91]) صفة الصفوة 1/571.

([92]) وفيات الأعيان 5/232.

([93]) السير ص 467.

([94]) تنبيه الغافلين ص 245.

([95]) حلية الأولياء 3/140.

([96]) حلية الأولياء 4/253.

([97]) السير 4/259.

([98]) الحسن البصري ص 29.

([99]) مكاشفة القلوب ص 123.

([100]) تاريخ بغداد 13/80.

([101]) الزهد لابن السري 1/344.

([102]) رواه الترمذي.

([103]) صفة الصفوة 3/270.

([104]) تنبيه الغافلين ص 252.

([105]) سورة البقرة، الآية:267.

([106]) سورة البقرة، الآية: 267.

([107]) سورة البقرة، الآية : 267.

([108]) سورة البقرة، الآية: 267.

([109]) سورة البقرة، الآية: 264، تنبيه الغافلين ص 253.

([110]) تنبيه الغافلين ص 215.

([111]) رواه البخاري.

([112]) رواه الترمذي والحاكم.

([113]) الإحياء 1/268.

([114]) السير 11/216.

([115]) جامع العلوم والحكم ص 211.

([116]) سورة الإنسان، الآية: 8.

([117]) سورة الإنسان، الآية : 9.

([118]) سورة الإنسان، الآية : 11.

([119]) تاريخ بغداد 12/491.

([120]) الإحياء 3/265.

([121]) حلية الأولياء 3/137.

([122]) صفة الصفوة 2/154.

([123]) تنبيه الغافلين ص 521.

([124]) السير 4/393.

([125]) الإحكام لشرح أصول الأحكام لابن قاسم 2/203.

([126]) رواه أحمد.

([127]) الزهد للبيهقي 251، صفة الصفوة 4/153.

([128])سورة التكاثر، الآية:8.

([129]) فتح القدير 5/607.

([130]) رواه البخاري ومسلم.

([131]) الفوائد ص 232.

([132]) حلية الأولياء 6/270.

([133]) صفة الصفوة 4/218.

([134]) السير 6/199.

([135]) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

([136]) الإحياء 3/97.

([137]) الإحياء 3/261.

([138]) وفيات الأعيان 2/293.

([139]) عدة الصابرين ص 174.

([140]) صفة الصفوة 3/338.

([141]) السير 15/300.

([142]) تزكية النفوس ص 128.

([143]) تاريخ بغداد 10/367.

([144]) السير 8/148.

([145]) حلية الأولياء 7/56.

([146]) طبقات الحنابلة 1/204.

([147]) صفة الصفوة 4/155.

ليس المقصود هنا وصفه جل وعلا بالنسيان – تعالى عن ذلك – ولكن المقصود : أعظم له الأجر لفعله هذا اليوم.

([148]) رواه البخاري.

([149]) سورة آل عمران، الآية: 92.

([150]) البداية والنهاية 8/93.

([151]) صفة الصفوة 2/142.

([152]) شذرات الذهب 3/124.

([153]) صفة الصفوة 1/575.

([154]) التواضع والخمول ص171.

([155]) حلية الأولياء 2/146.

([156]) صفة الصفوة 1/340.

([157]) الإحياء 3/261.

([158]) الإحياء 3/273.

([159]) السير 10/273.

([160]) الإحياء 2/159.

([161]) سورة الحاقة، الآيات: 30-32.

([162]) تنبيه الغافلين ص 252.

([163]) الإحياء 3/373.

([164]) متفق عليه.

([165]) متفق عليه.

([166]) تنبيه الغافلين ص 252.

([167]) صفة الصفوة 2/169.

([168]) شذرات الذهب 157/1.

([169]) صفة الصفوة 3/350.

([170]) أدب الدنيا والدين ص 204.

([171]) البداية والنهاية 9/117.

([172]) البداية والنهاية 11/131.

([173]) وفيات الأعيان 2/121.

([174]) أخلاقنا الاجتماعية د. مصطفى السباعي ص21.

([175]) تذكرة الحفاظ 1/219.

([176]) السير 4/216.

([177]) رواه البخاري.

([178]) رواه مسلم.

([179]) رواه الجماعة.

([180]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 4/350.

([181]) سورة البقرة، الآية : 261.

([182]) التفسير القيم للإمام ابن القيم ص 150.

([183]) سورة النحل، الآية:96.

([184]) سورة النحل، الآية:97.

([185]) سورة محمد، الآية : 38.

([186]) سورة النساء، الآية :37.

([187]) صفة الصفوة 3/67.

([188]) تزكية النفوس ص 96.

([189]) سورة القصص، الآية : 78.

([190]) سورة البقرة، الآية : 254.

([191]) رواه مسلم.

([192]) متفق عليه.

([193]) متفق عليه.

([194]) رواه الطبراني.

([195]) متفق عليه.

([196]) رواه أبو داود.

([197]) متفق عليه.