×
مقالة نافعة لفضيلة الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله، تتحدَّث عن بعض أحكام الصيام، وفضائله، وخصائص شهر رمضان المبارك، وفضله على سائر الشهور، وفوائد الصيام باختصار.

    حكم صيام شهر رمضان وفضله وخصائصه، وبعض أحكام الصيام

    الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فهذه بعض أحكام الصيام، وفضائله، وخصائص شهر رمضان المبارك، وفضله على سائر الشهور، وفوائد الصيام باختصار على النحو الآتي:

    أولاً: مفهوم الصيام: الصيام لغة: الإمساك، قال الله تعالى إخباراً عن مريم: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: 26] أي: صمتاً؛ ويفسره قوله تعالى: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ [مريم: 26]. والصيام: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً.

    والصوم شرعاً: «هو التعبد للَّه تعالى بالإمساك بنية: عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة»، وسمي الصيام صبراً؛ لحديث: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر» [أخرجه أحمد برقم 3070، وصححه الألباني]، وقال مجاهد بن جبر في قوله: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ [البقرة: 45]: الصبر الصيام، وسنده صحيح([1])؛ لأن الصائم يُصبِّر نفسه عن شهواتها، وسمي أيضاً: السياحة([2] والسائحون: هم الصائمون.

    ثانياً: حكم صيام شهر رمضان: صيام شهر رمضان: واجب بالكتاب، والسنة، والإجماع، على كل مسلمٍ، بالغٍ، عاقلٍ، قادر، مقيم، خالٍ من الموانع:

    أما الكتاب؛ فلقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ [البقرة: 183]، وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الـْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه﴾ [البقرة: 185].

    وأما السنة؛ فلحديث عبد اللَّه بن عمر ب، قال: قال رسول الله ﷺ‬: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان،وحج البيت) [البخاري، برقم 8، ومسلم، برقم 16].

    وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان، وأجمعوا على أن من أنكر وجوبه كفر، إلا أن يكون جاهلاً حديثَ عهدٍ بإسلام؛ فإنه يعلّم حينئذ، فإن أصرّ على الإنكار فهو كافر، يُقتل مرتداً؛ لأنه جحد أمراً ثابتاً بنص القرآن والسنة، معلوماً من الدين بالضرورة.

    ثالثا: فضائل شهر رمضان وخصائصه: شهر رمضان له فضائل وخصائص عظيمة على النحو الآتي:

    1- أنزل الله تعالى فيه القرآن، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الـْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]، فقد مدح الله تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهنَّ لإنزال القرآن العظيم فيه، وكان ذلك في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر﴾ [القدر: 1]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين﴾ [الدخان: 3].

    2- تفتح فيه أبواب الجنة.

    3- تغلق فيه أبواب النار.

    4- تصفَّد فيه الشياطين ومردة الجنِّ.

    5- تفتح فيه أبواب الرحمة.

    6- تفتح فيه أبواب السماء.

    7- ينادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقـبل، ويا باغي الشر أقصر.

    8- للّه فيه كل ليلة عتقاء من النار، وقد دلَّ على هذه الخصال حديث أبي هريرة t، عن النبي ﷺ‬ أنه قال: (إذا كان أوّلُ ليلة من رمضان: صُفِّدت الشياطين ومردة الجن([3])، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها بابٌ، ويُنادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)، وفي لفظ للبخاري: (وفتحت أبواب السماء)، وفي لفظ لمسلم: (وفتح أبواب الرحمة)، وفي لفظ للبخاري ومسلم: (وسلسلت الشياطين) [البخاري، برقم: 1898، 1899، ومسلم، برقم:1079].

    9- شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حُرِم الخير كله؛ لحديث أبي هريرة t،قال: قال رسول الله ﷺ‬: (أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله ﷻ‬ عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حرم)، ولفظ أحمد: (تفتح فيه أبواب الجنة) بدلاً من (أبواب السماء) [النسائي، برقم: 2108، وأحمد، برقم: 7148، وصححه الألباني]، و عن أنس t، قال: دخل رمضان فقال رسول الله ﷺ‬: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِمَ الخير كلَّه، ولا يُحرم خيرها إلا محروم) [ابن ماجه، برقم: 1644، وصححه الألباني].

    10- شهر رمضان من قام فيه ليلة القدر غُفر له ما تقدم من ذنبه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ t، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ‬، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [البخاري، برقم 1901، ومسلم برقم 760].

    11- شهر رمضان تجاب فيه الدعوات، فقد ذكر الله تعالى الدعاء أثناء آيات الصيام فقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون﴾ [البقرة: 186]، وعن أبي هريرة أو أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ‬: (إن لله عتقاء في كل يومٍ وليلة، لكل عبد منهم دعوةٌ مستجابة) [أحمد، برقم 7450، وصححه محققو المسند]، قال الحافظ ابن حجر :: «يعني في رمضان»([4] ولفظ البزار عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ‬: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان – وإن لكل مسلم في يوم وليلة دعوةً مستجابةً) [البزار، برقم: 962، وصححه الألباني لغيره]، وعن جابر t قال: قال رسول الله ﷺ‬: (إن لله ﷻ‬ عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة) [ابن ماجه، برقم: 1643، وصححه الألباني]،

    12- شهر رمضان شهر الذكر والشكر؛ لأن الله تعالى ذكر ذلك أثناء الكلام عن أحكام الصيام، فقال تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾[البقرة: 185].

    13- شهر رمضان شهر الصبر؛ لحديث الأعرابي الصحابي، وحديث ابن عباس y عن النبي ﷺ‬ أنه قال: (صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر: يُذْهِبنَ وَحَرَ الصَّدرِ) [أحمد، برقم: 3070]، ولا شك أن في صيام شهر رمضان: صبراً على طاعة الله، وصبراً على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش، وصبراً عن محارم الله التي حرمها على الصائم، من المفطرات وغيرها. وقد قال الله ﷻ‬: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب﴾ [الزمر: 10].

    14- صيام شهر رمضان يكفر الخطايا؛ لحديث أبي هريرة t ، أن رسول الله ﷺ‬ قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر) [مسلم، برقم: 233].

    15- شهر رمضان تُغفر فيه الذنوب؛ لحديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ‬ أنه قال: (من صام رمضان إيماناً([5]) واحتساباً([6]) غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه) [البخاري، برقم: 38، ومسلم، برقم: 860].

    16- شهر رمضان أعظم الأوقات التي تغفر فيها الذنوب، ومن لم يغفر له في رمضان فقد رغم أنفه؛ لحديث أبي هريرة t: أن النبي ﷺ‬ رَقِيَ المنبر فقال: (آمين، آمين، آمين)، فقيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ فقال: (قال لي جبريل u: رَغِمَ ([7]) أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضان فلم يُغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنفُ عبدٍ ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين) [ابن خزيمة، برقم: 392، والبخاري في الأدب المفرد، برقم: 646، وصححه الألباني]، وعنه t قال: قال رسول الله ﷺ‬: (رَغِم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رَجُلٍ أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة) [الترمذي، برقم: 3545، وصححه الألباني]، قال بعض رواة الحديث: وأظنه قال: (أو أحدهما).

    17- إدراك شهر رمضان ترفع به الدرجات؛ لحديث طلحة بن عبيد الله t: أن رجلين من بليٍّ قدما على رسول الله ﷺ‬ وكان إسلامهما جميعاً، فكان أحدهما أشدَّ اجتهاداً من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوفِّي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فَأَذِنَ للذي توفي الآخِرَ منهما، ثم خرج فَأَذِنَ للذي استشهد، ثم رجع إليَّ فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعدُ. فأصبح طلحة يُحدِّثُ به الناس، فعجبوا من ذلك، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ‬ وحدَّثوه الحديث، فقال: (من أي ذلك تعجبون)؟ فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشدَّ الرجلين اجتهاداً ثم استشهد، ودخل الآخِرُ الجنة قبله، فقال رسول الله ﷺ‬: (أليس قد مكث هذا بعده سنة؟)، قالوا: بلى، قال: (وأدرك رمضان، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟)، قالوا: بلى، قال رسول الله ﷺ‬: (فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض) [ابن ماجه، برقم: 3925، وصححه الألباني].

    18- عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي ﷺ‬؛ لحديث ابن عباس ب، أن رسول الله ﷺ‬ قال لامرأة من الأنصار يقال لها أمّ سنان: (فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرة في رمضان حجةٌ)، وفي لفظ: (أو حجة معي) [البخاري، برقم: 1782، ومسلم، برقم: 1256].

    19- من صام رمضان كان من الصِّدِّيقين والشهداء؛ لحديث عمرو بن مُرَّة الجهني t، قال: جاء رسولَ الله ﷺ‬ رجل من قضاعة، فقال له: يا رسول الله؛ أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته فمن أنا؟ قال: (من الصِّدِّيقين والشهداء) [ابن حبان، برقم: 19، وابن خزيمة، برقم: 2212، وحسن إسناده الألباني].

    20- صوم شهر رمضان يدخل الجنة؛ لحديث جابر t أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ‬ فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إذا صليتُ المكتوبات، وصمتُ رمضان، وأحللتُ الحلال، وحرمتُ الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً، أأدخلُ الجنة؟ فقال النبي ﷺ‬: (نعم)، قال: والله لا أزيد على ذلك شيئاً [مسلم، برقم: 15].

    21- قيام شهر رمضان إيماناً واحتساباً تغفر به الذنوب؛ لحديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ‬ قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)[البخاري، برقم: 2009، ومسلم، برقم: 759].

    22- شهر رمضان شهر صلاة التراويح؛ فإن صلاة التراويح جماعة لا تُصلَّى إلا في رمضان، وصلاة التراويح: هي قيام رمضان أول الليل، وسميت بذلك؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات، بناءً على حديث عائشة ب [البخاري، برقم: 1147، ومسلم، برقم: 738].

    23- شهر رمضان من صلى فيه التراويح ليلة فلازم الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة من فضل الله تعالى؛ لحديث أبي ذرٍّ t في قيام رمضان، وفيه: أن النبي ﷺ‬ قال: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، وفي لفظ: (كُتِب له قيام ليلة) [أحمد، برقم 21419، وأبو داود، برقم: 1375، وصححه الألباني].

    24- شهر رمضان شهر الانتصار على أعداء الإسلام في بدر مع قلة عدد المسلمين وعدَّتهم وفي غزوة الفتح، وغيرهما.

    25- مضاعفة الجود في شهر رمضان المبارك، ولقد (كان رسول الله ﷺ‬ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان في هذا الشهر المبارك أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل) [البخاري، برقم: 6، ومسلم، برقم: 2308].

    26- شهر رمضان شهر مدارسة القرآن، فقد كان جبريل يلقى النبي ﷺ‬ في كل سنة في رمضان وذلك في كل ليلة فيدارسه القرآن، فيعرض رسول الله ﷺ‬ على جبريل القرآن؛ لحديث ابن عباس ب، قال: (كان رسول الله ﷺ‬ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ‬ أجود بالخير من الريح المرسلة)، وفي لفظ: (فإذا لقيه جبريل كان رسول الله ﷺ‬ أجود بالخير من الريح المرسلة) [البخاري، برقم: 1902، ومسلم، برقم: 2308]، وعن عائشة ، عن فاطمة ، قالت: أَسَرَّ إليَّ النبي ﷺ‬: (أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة، وإنه عارضني العام مرتين، و لا أراه إلا حضر أجلي) [البخاري، برقم: 4997، 4998].

    27- شهر رمضان شهر الاعتكاف، ولزوم المساجد لطاعة الله تعالى، والتفرُّغ لمناجاته سبحانه؛ لحديث عائشة ل زوج النبي ﷺ‬، (أن النبي ﷺ‬ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، واعتكف أزواجه من بعده) [البخاري، برقم: 2026، ومسلم، برقم: 1172]، وعن أبي هريرة t قال: (كان النبي ﷺ‬ يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً ) [البخاري، برقم: 2044]، وعنه t قال في جبريل: (كان يعرض على النبي ﷺ‬ القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِضَ فيه، وكان يعتكف في كل عامٍ عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه) [البخاري، برقم: 4998]، والمراد بالعشرين: العشر الأوسط، والعشر الأخير.

    28- شهر رمضان شهر الاجتهاد في العبادة؛ لأن النبي ﷺ‬ كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره؛ لحديث عائشة ل، قالت: (كان رسول الله ﷺ‬ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) [مسلم، برقم: 1175]، وعنها ل قالت: (كان رسول الله ﷺ‬ إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشد المئزر) [البخاري، برقم: 2024، ومسلم، برقم: 1174]، ومعنى شدَّ المئزر: أي شمَّر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء، وعن عائشة ل: أن رسول الله ﷺ‬ قال: (تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)، وفي لفظ: (تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)[البخاري، برقم: 2017، 2020]، وقد تكون ليلة القدر في الأشفاع؛ لحديث ابن عباس ب: (التمسوها في أربع وعشرين) [البخاري، برقم: 2021، 2022]، وفي لفظ له عن النبي ﷺ‬: (هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين)، يعني ليلة القدر. وفي لفظ: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى) [البخاري، برقم: 2022]، و قد كان الصحابة t يجتهدون في العشر الأواخر اجتهاداً عظيماً؛ ولهذا قالت عائشة ل: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحب العفو فاعفُ عني) [الترمذي، برقم: 3513، وصححه الألباني].

    رابعاً: فضائل الصيام وخصائصه: الصيام له فضائل وخصائص عظيمة على النحو الآتي:

    1- الصيام من الأعمال التي يُعِدُّ الله بها المغفرة والأجر العظيم.

    2- الصيام خير للمسلم لو كان يعلم.

    3- الصيام سبب من أسباب التقوى.

    4- الصوم جُنة، يستجنُّ بها العبد المسلم من النار.

    5- الصيام حِصْنٌ حصين من النار.

    6- الصيام جُنّةٌ من الشهوات.

    7- صيام يوم في سبيل الله يباعد الله النار عن وجه صاحبه سبعين سنة.

    8- صيام يوم في سبيل الله يبعد صاحبه عن النار كما بين السماء والأرض؛ لحديث أبي أمامة الباهلي t ،عن النبي ﷺ‬ قال: (من صامَ يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض) [الترمذي، برقم: 1624، وصححه الألباني].

    9- الصوم وصية النبي ﷺ‬ ، ولا مثل له، و لا عدل.

    10- الصوم يدخل الجنة من باب الريان.

    11- الصيام من أول الخصال التي تُدْخِلُ الجنةَ.

    12- الصيام كفارة للذنوب.

    13- يوفَّى الصائمون أجرهم بغير حساب.

    14- للصائم فرحتان: فرحة في الدنيا، وفرحة في الآخرة.

    15- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

    16- الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة.

    17- الصوم يزيل الأحقاد والضغائن والوسوسة من الصدور.

    18- الصوم باب من أبواب الخير.

    19- من خُتِمَ له بصيام يومٍ يريد به وجه الله أدخله الله الجنة.

    20- أعد الله الغرف العاليات في الجنة لمن تابع الصيام المشروع، وأطعم الطعام، وألان الكلام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام؛ لحديث أبي مالك الأشعري عن النبي ﷺ‬ أنه قال: (إنَّ في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها،أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلَّى بالليل والناس نيام) [أحمد، برقم: 22905، وابن حبان، برقم: 509، الترمذي: 2527، وحسنه الألباني].

    21- الصائم له دعوة لا تُردُّ حتى يفطر.

    22- الصائم دعوته لا ترد حين يفطر.

    23- تفطير الصائمين فيه الأجر الكبير؛ لحديث زيد بن خالد الجهني t ، قال: قال رسول الله ﷺ‬: (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) [الترمذي، برقم: 807، وابن ماجه، برقم: 1746، وصححه الألباني].

    24- لعظم أجر الصيام جعله الله تعالى من الكفارات.

    خامساً: فوائد الصيام ومنافعه العظيمة وحكمه ومصالحه:

    1- الصوم وسيلة إلى التقوى.

    2- الصوم وسيلة إلى شكر النعم.

    3- الصوم يقهر الطبع ويكسر النفس ويحدُّ من الشهوة.

    4- الصوم يجعل القلب يتخلَّى للذكر والفكر.

    5- الصوم به يعرفُ الغنيُّ قدر نعم الله تعالى عليه.

    6- الصوم سبب في التمرّن على ضبط النفس والسيطرة عليها.

    7- الصوم يضبط النفس ويُقلِّل من كبريائها.

    8- الصوم يسبب الرحمة والعطف على المساكين.

    9- الصوم فيه موافقة للفقراء بتحمل ما يتحملون.

    10- الصوم يُضيِّق مجاري الدم بسبب الجوع والعطش، فتضيق مجاري الشيطان؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم.

    11- الصوم يجمع أنواع الصبر، فإن فيه صبراً على طاعة اللَّه: وهي الصيام، وصبراً عن محارم اللَّه: وهي المفطرات أثناء الصيام، وصبراً على أقدار اللَّه المؤلمة: من الجوع والعطش.

    12- الصوم يترتب عليه فوائد صحية تحصل بسبب تقليل الطعام والشراب.

    13- الصوم عبادة لله تعالى يظهر بها من كان عابداً لمولاه، ومن كان مُتَّبِعاً لهواه، فيظهر بذلك صدق إيمان العبد، ومراقبته للَّه ﷻ‬.

    سادساً: آداب الصيام المستحبة التي يستحب للصائم العمل بها:

    1- السحور؛ لأن فيه بركة: لقوله ﷺ‬: (تسحَّروا فإن في السحور بركة) [البخاري، برقم 1923، ومسلم، برقم 1095].

    2- تأخير السحور إلى قُبَيْل طلوع الفجر الثاني.

    3- السنة الإفطار، وعدم المواصلة؛ لقوله ﷺ‬: (إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم) [البخاري، برقم 1954، ومسلم، برقم 1100].

    4- الإفطار على رُطَبات، فإن عُدمت فعلى تَمَرات، فإن عُدمت حسا حسوات من ماء.

    5- تعجيل الإفطار بعد غروب الشمس والتحقق من غروبها؛ لقول النبي ﷺ‬: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر) [البخاري، برقم 1957، ومسلم، برقم 1098].

    6- الدعاء أثناء الصيام، وعند الإفطار.

    7- تفطير الصائمين فيه الثواب العظيم، والأجر الكبير.

    8- كثرة قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصلاة، والصدقة.

    9- استحضار نعمة اللَّه عليه بأن وفّقه للصيام، وأعانه عليه، ويسَّره له؛ فإن كثيراً من الناس حُرِم الصيام، إما بالموت قبل بلوغ الشهر، أو بالعجز والمرض، أو بالضلال والإعراض، فليحمد اللَّه الصائمُ على أن وفّقه للصيام.

    10- يستحب السواك في جميع الأوقات للصائم وغير الصائم: سواء كان ذلك قبل الزوال، أو بعده.

    سابعاً: المفطرات: مفسدات الصوم:

    1- الجماع في نهار رمضان.

    2- إنزال المني باختياره.

    3- الأكل أو الشرب.

    4- ما كان بمعنى الأكل والشرب: كحقن الدم في الصائم، والإبر المغذية التي تقوم مقام الطعام والشراب.

    5- إخراج دم الحجامة.

    6- الاستقاء عمداً؛ لقول النبي ﷺ‬: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء) [أبو داود، برقم 2380، والترمذي، برقم 720، وصححه الألباني].

    7- خروج دم الحيض والنفاس.

    8- نية الإفطار، فمن نوى الإفطار فقد أفطر؛ لأن النية أحد ركني الصيام (إنما الأعمال بالنيات) [البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907].

    9- الردة عن الإسلام بقول، أو فعل، أو اعتقاد، أو شك.

    ثامناً: يجب على الصائم القيام بما أوجب اللَّه، فيحافظ على الصلوات مع جماعة المسلمين، وعلى الواجبات الأخرى، ويبتعد عما حرّم اللَّه: من أنواع المفطرات أثناء الصيام، ومن المحرمات الأخرى: كالكذب، وقول الزور، وشهادة الزور، والغيبة، والنميمة، والغش، ويجتنب المعازف، وآلات اللهو؛ ولهذا قال النبي ﷺ‬: (من لم يدع قول الزور، والعمل به [والجهل] فليس للَّه حاجة [في] أن يدع طعامه وشرابه) [البخاري، برقم 1903، 6057].

    واللَّه أسأل لنا ولجميع المسلمين: التوفيق، والإعانة، والسداد، والقبول، وصلى اللَّه وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    كتبه

    د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    حرر في يوم الخميس 26/ 8/ 1437هـ

    ([1]) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، 1/ 154 [وانظر: شرح العمدة، كتاب الصيام، لابن تيمية، 1/ 25].

    ([2]) أخرجه الطبري في تفسيره، 14/ 503، عن أبي هريرة قال: «والسائحون: الصائمون»، وسنده صحيح، انظر: شرح العمدة، لابن تيمية، 1/ 25.

    ([3]) صُفِّدت الشياطين ومردة الجنِّ: أي شُدَّت، وأُوثقت بالأغلال.

    ([4]) أطراف المسند لابن حجر، 7/203، وذكره محققو المسند، 12/420.

    ([5]) إيماناً: أي من صام رمضان تصديقاً بما جاء في ذلك من نصوص الكتاب والسنة في فرضيته، وفضله. [انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/389، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 286].

    ([6]) احتساباً: أي من صام رمضان طلباً لثواب الله تعالى ورغبة في الأجر، واحتسابه على الله ﷻ‬ مخلصاً لله في صيامه. [انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/389، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/286].

    ([7]) رغم أنف: أي لصق بالرغام وهو التراب، هذا هو الأصل، ثم استعمل في الذُّل والعجز عن الانتصاف، والانقياد على كره. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/238].