×
أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر : كتاب باللغة العربية، للشيخ عبد العزيز الراجحي - أثابه الله - اشتمل على خمسة وأربعين سؤالاً وإجابتها في مسائل الإيمان والكفر.

أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه........أما بعد: فهذه بعض الأسئلة التي عرضت على فضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي -حفظه الله - في مسائل الإيمان والكفر وأجاب عليها بهذه الأجوبة نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها في موازين حسناته.

(1/1)


السؤال الأول: بم يكون الكفر الأكبر أو الردة؟ هل هو خاص بالاعتقاد والجحود والتكذيب أم هو أعم من ذلك؟

فقال الشيخ غفر الله له: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا وقائدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين........أما بعد: فإن الكفر والردة - والعياذ بالله - تكون بأمورٍ عدة: - فتكون بجحود الأمر المعلوم من الدين بالضرورة. - وتكون بفعل الكفر. - وبقول الكفر. - وبالترك والإعراض عن دين الله عز وجل. فيكون الكفر بالاعتقاد كما لو اعتقد لله صاحبة ًأو ولدا أو اعتقد أن الله له شريك في الملك أو أن الله معه مدبرٌ في هذا الكون أو اعتقد أن أحدا يشارك الله في أسمائه أو صفاته أو أفعاله أو اعتقد أن أحدا يستحق العبادة غير الله أو اعتقد أن لله شريكا في الربوبية فإنه يكفر بهذا الاعتقاد كفرا أكبر مخرجا من الملة.

(1/2)


ويكون الكفر بالفعل كما لو سجد للصنم أو فعل السحر أو فعل أي نوع من أنواع الشرك كأن دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله أو طاف بغير بيت الله تقربا لذلك الغير فالكفر يكون بالفعل كما يكون بالقول. * ويكون الكفر بالقول كما لو سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بدينه، قال الله تعالى في جماعة في غزوة تبوك استهزؤوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان فدل على أن الكفر يكون بالفعل كما يكون بالاعتقاد ويكون بالقول أيضا كما سبق في الآية فإن هؤلاء كفروا بالقول.

(1/3)


* ويكون الكفر بالجحود والاعتقاد وهما شيء واحد وقد يكون بينهما فرق فالجحود كأن يجحد أمرًا معلوما من الدين بالضرورة كأن يجحد ربوبية الله أو يجحد ألوهية الله أو استحقاقه للعبادة أو يجحد ملكا من الملائكة أو يجحد رسولا من الرسل أو كتابا من الكتب المنزلة أو يجحد البعث أو الجنة أو النار أو الجزاء أو الحساب أو ينكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج أو وجوب الصوم أو يجحد وجوب بر الوالدين أو وجوب صلة الرحم أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة وجوبه أو يجحد تحريم الزنا أو تحريم الربا أو تحريم شرب الخمر أو تحريم عقوق الوالدين أو تحريم قطيعة الرحم أو تحريم الرشوة أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة تحريمه. * ويكون الكفر بالإعراض عن دين الله والترك والرفض لدين الله كأن يرفض دين الله بأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله فيكفر بهذا الإعراض والترك قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} .

(1/4)


فالكفر يكون بالاعتقاد ويكون بالجحود ويكون بالفعل ويكون بالقول ويكون بالإعراض والترك والرفض. ومن أُكره على التكلم بكلمة الكفر أو على فعل الكفر فإنه يكون معذورا إذا كان الإكراه ملجئا كأن يُكرهه إنسان قادر على إيقاع القتل به فيهدده بالقتل وهو قادر أو يضع السيف على رقبته فإنه يكون معذورا في هذه الحالة إذا فعل الكفر أو تكلم بكلمة الكفر بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان، أما إذا اطمئن قلبه بالكفر فإنه يكفر حتى مع الإكراه نسأل الله السلامة والعافية. فالذي يفعل الكفر له خمس حالات: 1- إذا فعل الكفر جادا فهذا يكفر. 2- إذا فعل الكفر هازلا فهذا يكفر. 3- إذا فعل الكفر خائفا فهذا يكفر. 4- إذا فعل الكفر مكرها واطمئن قلبه بالكفر فهذا يكفر.

(1/5)


5- إذا فعل الكفر مكرها واطمئن قلبه بالإيمان فهذا لا يكفر لقول الله تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} .

(1/6)


السؤال الثاني: هناك من يقول: (الإيمان قول وعمل واعتقاد لكن العمل شرط كمال فيه) ، ويقول أيضا: (لا كفر إلا باعتقاد) ، فهل هذا القول من أقوال أهل السنة أم لا؟

الجواب: ليست هذه الأقوال من أقوال أهل السنة، أهل السنة يقولون: الإيمان هو قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالجوارح وعمل بالقلب، ومن أقوالهم: الإيمان قول وعمل؛ ومن أقوالهم: الإيمان قول وعمل ونية، فالإيمان لا بد أن يكون بهذه الأمور الأربعة: 1- قول اللسان وهو النطق باللسان. 2- قول القلب وهو الإقرار والتصديق. 3- عمل القلب وهو النية والإخلاص. 4- عمل الجوارح. فالعمل جزء من أجزاء الإيمان الأربعة، فلا يقال: العمل شرط كمال أو أنه لازم له فإن هذه أقوال المرجئة، ولا نعلم لأهل السنة قولا بأن العمل شرط كمال.

(1/7)


وكذا قول من قال: (لا كفر إلا باعتقاد) فهذا قول المرجئة، ومن أقوالهم: (الأعمال والأقوال دليلٌ على ما في القلب من الاعتقاد) وهذا باطل، بل نفس القول الكفري كفر ونفس العمل الكفري كفر كما مر في قول الله تعالى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أي: بهذه المقالة

(1/8)


السؤال الثالث: هل الأعمال ركن في الإيمان وجزء منه أم هي شرط كمال فيه؟

الجواب: الإيمان قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح كما سبق. ولا يقال: إنها شرط كمال أو إنها خارجة عن الإيمان أو إنها لازم من لوازم الإيمان أو من مقتضى الإيمان أو هي دليل على الإيمان إذ كل هذه من أقوال المرجئة.

(1/9)


السؤال الرابع: ما أقسام المرجئة؟ مع ذكر أقوالهم في مسائل الإيمان؟

الجواب: المرجئة طائفتان: الطائفة الأولى: المرجئة المحضة أو الغلاة وهم الجهمية وزعيمهم الجهم بن صفوان فإن الجهم بن صفوان اشتهر بأربع عقائد بدعية هي: 1- عقيدة نفي الصفات وأخذها عنه الجهمية. 2- عقيدة الإرجاء وأخذها عنه المرجئة. 3- عقيدة الجبر - أي أن العبد مجبور على أعماله - وأخذها عنه الجبرية. 4- عقيدة القول بفناء الجنة والنار. فهذه أربع عقائد خبيثة اشتهر بها الجهم. والمرجئة المحضة عقيدتهم في الإيمان أنه مجرد المعرفة، أي مجرد معرفة الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ولا يكون الكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه، وبهذا ألزمهم العلماء بأن إبليس مؤمن؛ لأنه يعرف ربه قال الله تعالى عن إبليس {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ويكون فرعون أيضا مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه، قال تعالى عنه وعن قومه. {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}

(1/10)


وذكر ابن القيم - رحمه الله تعالى - في الكافية الشافية فصلا طويلا في بيان معتقد المرجئة المحضة وقال: إنه أخفى هذا مدة ثم أظهره وبيّن أن عقيدتهم مجرد معرفة الرب بالقلب وأنه لو فعل الأعمال الكفرية مع ذلك فلا تؤثر في إيمانه، فلو سبَّ الله أو سبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أو سبَّ دين الإسلام وقتل الأنبياء والمصلحين وهدم المساجد وفعل جميع المنكرات فلا يكفر ما دام يعرف ربه بقلبه وهذا هو أفسد قول قيل في تعريف الإيمان، وهو قول أبي الحسين الصالحي من القدرية. ويليه في الفساد قول الكرّامية القائلين: بأن الإيمان هو النطق باللسان فقط، فمن شهد أن لا إله إلا الله بلسانه فإنه يكون مؤمنا ولو كان مكذبا بقلبه ويسمونه مؤمنا كامل الإيمان وإن كان مكذبا بقلبه فهو مخلد في النار فيلزمهم على هذا أن المؤمن الكامل الإيمان مخلدٌ في النار وهذا من أعظم الفساد وهو يلي قول الجهم في الفساد. الطائفة الثانية: مرجئة الفقهاء وهم أهل الكوفة كأبي حنيفة - رحمه الله - وأصحابه وأول من قال بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان هو حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة، وأبو حنيفة له روايتان في حد الإيمان:

(1/11)


الأولى: أنه تصديق القلب وقول اللسان، وهذه الرواية عليها أكثر أصحابه. والثانية: أن الإيمان هو تصديق القلب فقط وأما قول اللسان فهو ركن زائد خارج عن مسمى الإيمان. وعلى هذه الرواية يوافق قول الماتريدية أن الإيمان هو تصديق القلب فقط. ولكن الأعمال مطلوبة عندهم كالصلاة والزكاة والصوم والحج فالواجبات واجبات والمحرمات محرمات ومن فعل الواجب فإنه يستحق الثواب والمدح ومن فعل الكبائر فإنه يستحق العقوبة ويقام عليه الحد، ولكن لا يسمونه إيمانا. يقولون:الإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل ولا يدخل أحدهما في مسمى الآخر. وجمهور أهل السنة يقولون: العمل من الإيمان وهو جزء منه فالأعمال واجبة وهي من الإيمان، ومرجئة الفقهاء يقولون: الأعمال واجبة وليست من الإيمان، ولهذا قال من قال بأن الخلاف بينهم وبين جمهور أهل السنة خلاف لفظي، وقال بهذا شارح الطحاوية والصواب أنه ليس لفظيا.

(1/12)


السؤال الخامس: هل خلاف أهل السنة مع مرجئة الفقهاء في أعمال القلوب أو الجوارح لفظيٌ أم معنوي؟

الجواب: قال بعضهم إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وأهل السنة خلاف لفظي وقال بهذا شارح الطحاوية ابن أبي العز - رحمه الله - قال: إن الخلاف بين جمهور أهل السنة وأبي حنيفة وأصحابه خلاف لفظي والنزاع نزاع ٌ في أمرٍ اسمي لفظي لا يترتب عليه فسادٌ في الاعتقاد وقال: إن الدليل على أن الخلاف بينهم لفظي أن كلا من الطائفتين يقولون: الأعمال واجبة وكلا من الطائفتين يقولون: إن المسلم إذا فعل الواجبات أثيب عليها ومن ترك شيئا من الواجبات أو فعل المحرمات فإنه يعاقب ويقام عليه الحد، ولكن النزاع بينهم في أنه هل هذا الواجب هو من الإيمان أو ليس بإيمان؟ قال بالأول جمهور أهل السنة وقال بالثاني أبو حنيفة وأصحابه ولكن عند التأمل والنظر لا يجد طالب العلم أن الخلاف لفظيٌ من جميع الوجوه، صحيح أنه لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد لكن له آثار تترتب عليه، من هذه الآثار:

(1/13)


1- أن جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى فتأدبوا مع النصوص، ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب والسنة معنا وخالفوهما لفظا، ولا يجوز للمسلم أن يخالف النصوص لا لفظا ولا معنى. قال الله تعال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} فبين الله تعالى أن هذه الأعمال كلها من الإيمان، فوجل القلب عند ذكر الله هذا عمل قلبي، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن عمل قلبي {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} عمل قلبي ويشمل أيضا أعمال الجوارح من فعل الأسباب والإنفاق مما رزقهم الله، كل هذه الأشياء سماها إيمانا. وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا

(1/14)


يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة» وفي رواية البخاري: «بضعٌ وستون شعبة فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» فهذا من أقوى الأدلة في الرد على المرجئة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بضعا وسبعين شعبة ومثّل لقول اللسان بكلمة التوحيد على أنها من قول اللسان ومثّل لعمل الجوارح بإماطة الأذى عن الطريق ومثّل لعمل القلب بالحياء؛ لأن الحياء خلقٌ داخلي يحمل الإنسان على فعل المحامد وترك القبائح. فأعلى شعب الإيمان كلمة التوحيد وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة والحج شعبة والزكاة شعبة والصوم شعبة وبر الوالدين شعبة وصلة الأرحام شعبة والجهاد في سبيل الله شعبة والأمر بالمعروف شعبة والنهي عن المنكر شعبة والإحسان إلى الجار شعبة، إلى غير ذلك من الشعب، فهذه كلها

(1/15)


أدخلها النبي صلى الله عليه وسلم في مسمى الإيمان فكيف يقال إن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان، وكذلك من أقوى الأدلة أيضا على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان حديث وفد عبد القيس في الصحيحين وذلك أن «وفد عبد القيس جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لن نخلص إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصل نعمل به ونخبر به من ورائنا فقال صلى الله عليه وسلم: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خُمس ما غنمتم) » ففسر الإيمان بأعمال الجوارح وهذا دليل واضح صريح على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان. فجمهور أهل السنة تأدبوا مع النصوص وأدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان ومرجئة الفقهاء وافقوا النصوص في المعنى لكن خالفوها في اللفظ ولا يجوز للإنسان مخالفة النصوص لا في اللفظ ولا في المعنى بل الواجب موافقة النصوص لفظا ومعنى.

(1/16)


2- أن خلاف مرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة فتح بابا للمرجئة المحضة الغلاة فإن مرجئة الفقهاء لما قالوا: (إن الأعمال ليست من الإيمان وإن كانت واجبة) فتحوا بابا للمرجئة المحضة فقالوا: الأعمال ليست واجبة وليست مطلوبة ولهذا قال المرجئة المحضة: الصلاة والصوم والزكاة والحج هذه كلها ليست بواجبة ومن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن كامل الإيمان ويدخل الجنة من أول وهلة والأعمال ليست مطلوبة والذي فتح لهم الباب مرجئة الفقهاء.

(1/17)


3- أن مرجئة الفقهاء باختلافهم مع جمهور أهل السنة فتحوا بابا للفُسَّاق والعصاة فدخلوا معه، فلما قال مرجئة الفقهاء: إن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص وهو التصديق وإيمان أهل الأرض وأهل السماء واحد؛ دخل الفساق فيأتي الفاسق السكير العربيد ويقول: أنا مؤمن كامل الإيمان؛ إيماني كإيمان جبريل وميكائيل وكإيمان أبي بكر وعمر، فإذا قيل له: كيف تقول إن إيمانك كإيمان أبي بكر وعمر وأبو بكر له أعمال عظيمة؟ قال: الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، أنا مصدِّق وأبو بكر مصدِّق، وجبريل مصدِّق وأنا مصدِّق فإيماني كإيمانهم، وهذا من أبطل الباطل، ولهذا جاء في الحديث: «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح» والمراد ما عدا الرسل عليهم الصلاة والسلام، فكيف يقال إن الإيمان واحد وأن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد.

(1/18)


4- مسألة الاستثناء في الإيمان وهو قول القائل: (أنا مؤمن إن شاء الله) فمرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء في الإيمان؛ لأن الإيمان شيء واحد هو التصديق، فيقولون: أنت تعلم أنك مصدِّق بالقلب فكيف تقول: أنا مؤمن إن شاء الله. إذاًََ أنت تشك في إيمانك، ولهذا يسمون المؤمنين الذين يستثنون في إيمانهم الشكَّاكة، فأنت تعلم في نفسك أنك مصدِّق كما تعلم أنك قرأت الفاتحة وكما تعلم أنك تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتبغض اليهود فكيف تقول: إن شاء الله، بل قل: أنا مؤمن؛ اجزم ولا تشك في إيمانك. وأما جمهور أهل السنة فإنهم يفصِّلون فيقولون: إن قال القائل: (أنا مؤمن إن شاء الله) يقصد الشك في أصل إيمانه فهذا ممنوع؛ فأصل الإيمان التصديق، وأما إن نظر إلى الأعمال والواجبات التي أوجبها الله والمحرمات التي حرمها الله ورأى أن شعب الإيمان متعددة والواجبات كثيرة فالإنسان لا يزكِّي نفسه ولا يقول بأنه أدّى ما عليه؛ بل يتهم نفسه بالتقصير ويزري على نفسه فإذا قال: (أنا مؤمن إن شاء الله) فإن الاستثناء راجع إلى الأعمال، فهذا لا بأس به بل حسن أن يقول: إن شاء الله. وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعاقبة وأن

(1/19)


العاقبة لا يعلمها إلا الله فلا بأس بالاستثناء، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فلا بأس. فهذه من ثمرات الخلاف وإن كان لا يترتب عليه فساد في العقيدة ولكن هذه ثمرات تدل على أن الخلاف ليس لفظياًََ.

(1/20)


السؤال السادس: ما حكم من ترك جميع العمل الظاهر بالكلية وهو يقر بالشهادتين ويقر بالفرائض ولكنه لا يعمل شيئا ألبته فهل هذا مسلم أم لا؟ علما بأنه ليس له عذر شرعي يمنعه من القيام بتلك الفرائض؟

الجواب: هذا لا يكون مؤمنًا، فالذي يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا يقر بلسانه ولا يعمل؛ لا يتحقق إيمانه؛ لأن هذا إيمان كإيمان إبليس وكإيمان فرعون؛ لأن إبليس أيضا مصدِّق بقلبه، قال الله تعالى {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وفرعون وآل فرعون قال الله تعالى عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} فهذا الإيمان والتصديق الذي في القلب لا بد له من عمل يتحقق به فلا بد أن يتحقق بالنطق باللسان ولا بد أن يتحقق بالعمل؛ فلا بد من تصديق وانقياد، وإذا انقاد قلبه بالإيمان فلا بد أن تعمل الجوارح، أما أن يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا ينطق بلسانه ولا يعمل بجوارحه وهو قادر فأين الإيمان؟!! فلو كان التصديق تصديقا تاما وعنده إخلاص لأتى بالعمل، فلا بد من عمل يتحقق به هذا التصديق وهذا الإيمان؛ والنصوص جاءت بهذا.

(1/21)


كما أن الذي يعمل بجوارحه ويصلي ويصوم ويحج لا بد لأعماله هذه من إيمان في الباطن وتصديق يصححها وإلا صارت كإسلام المنافقين؛ فإن المنافقين يعملون؛ يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ويجاهدون ومع ذلك لم يكونوا مؤمنين؛ لأنه ليس عندهم إيمان وتصديق يصحح هذا العمل، فلا بد من أمرين لصحة الإيمان: - تصديق في الباطن يتحقق بالعمل. - وعمل في الظاهر يصح بالتصديق. أما تصديق في الباطن دون عمل فأين الدليل عليه؟ أين الذي يصححه؟ أين الانقياد؟. لا يمكن أن يكون هناك تصديق صحيح لا يصلي صاحبه ولا ينطق بالشهادتين وهو يعلم ما أعد الله لمن نطق بالشهادتين ولمن تكلّم بكلمة التوحيد من الثواب، ولما أعدّ الله للمصلين من الثواب ولمن ترك الصلاة من العقاب، فلو كان عنده تصديق صحيح وإيمان صحيح لبعثه على العمل، فلو كان عنده تصديق صحيح وإيمان صحيح لأحرق الشبهات والشهوات؛ فترك الصلاة إنما يكون عن شبهة والمعاصي إنما تكون عن شهوة والإيمان الصادق يحرق هذه الشهوات والشبهات.

(1/22)


وهذا يدل على أن قلبه خالٍ من الإيمان الصحيح وإنما هو لفظ باللسان نطق به ولم يتجاوزه، وإلا لو كان عنده تصديق بقلبه أو إقرار بقلبه فقط ولم يتلفظ؛ فقول القلب لم يتجاوز إلى أعمال القلوب وإلى الانقياد فالمقصود أن الذي يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا يعمل بجوارحه هذا هو مذهب الجهمية. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: يعسر التفريق بين المعرفة والتصديق المجرد. فيعسر التفريق بين المعرفة بالقلب والتصديق الذي ليس معه شيء من أعمال الجوارح؛ ويقول هذا هو إيمان الجهمية - نسأل الله العافية -. فالذي يزعم أنه مؤمن ولا ينطق بلسانه ولا يعمل بجوارحه مع قدرته هذا هو مذهب الجهمية، فلا بد من عمل يتحقق به هذا التصديق كما أن الذي يعمل لا بد له من تصديق في الباطن يصححه.

(1/23)


السؤال السابع: هل تصح هذه المقولة: (أن من قال: الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء كله حتى لو قال: لا كفر إلا باعتقاد وجحود؟)

الجواب: المقولة الثانية تنقض المقولة الأولى فقوله: (الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص) هذا حق وهو قول أهل السنة والجماعة، لكن قوله بعد ذلك: (لا كفر إلا باعتقاد وجحود) هذا ينقض المقالة الأولى، فكما أن الإيمان يكون بالقول والعمل والاعتقاد فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد فلا بد أن تصحح المقولة الثانية فتكون: (والكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد) أما بقاء هذه المقولة على حالها فإنها تنقض الأولى.

(1/24)


السؤال الثامن: هل هذا القول صحيح أم لا: (أن سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بكفر في نفسه، ولكنه أمارة وعلامة على ما في القلب من الاستخفاف والاستهانة؟)

الجواب: هذا القول ليس بصحيح، بل هو قول المرجئة وهو قول باطل، بل إن نفس السب كفر ونفس الاستهزاء كفر كما قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان بهذه المقالة ولم يقل إن كنتم تعتقدون في قلوبكم شيئا، فالله تعالى أطلق الكفر عليهم بهذه المقالة، فدل على أن القول بأن كلام الكفر أو قول الكفر ليس بكفر بل هو علامة على ما في القلب هذا باطل، فالقلب لا يعلم ما فيه إلا الله تعالى والكفر يكون بالقلب ويكون بالقول ويكون بالعمل، والمقصود أن هذه المقالة تتمشى مع مذهب المرجئة.

(1/25)


السؤال التاسع: ما حكم من يسب الله ورسوله ويسب الدين فإذا نُصح في هذا الأمر تعلَّل بالتكسب وطلب القوت والرزق، فهل هذا كافر أم هو مسلم يحتاج إلى تعزير وتعذيب؟ وهل يقال هنا بالتفريق بين السب والساب؟

الجواب:

(1/26)


لا أدري ما معنى التعلل بالتكسب وطلب القوت؟! إن كان المراد أنه إذا قيل له تعلَّم الدين يتعلَّل بالكسب، التعلُّم شيء آخر لكن الآن نحكم عليه بهذا السب ونقول: من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب الدين فإن هذا كفر باتفاق أهل السنة والجماعة، أما مسألة التعلل بالكسب وطلب القوت إذا قيل له تعلم دينك؛ فهذا التعلل باطل ويجب على الإنسان أن يتعلم ما يقيم به دينه؛ كما أنه يطلب الكسب والقوت فيجب عليه أن يتعلم دينه؛يتعلم ما يصح به إيمانه؛ يتعلم ما أوجب الله عليه من الاعتقاد الصحيح وأن الله مستحق للعبادة وحده؛ وما أوجب الله عليه من الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج، فهذا التعلل لا وجه له. فإذا قيل له: تعلَّم ما أوجب الله عليك أو اسأل العلماء عن مقالتك هل هي كفر أم غير كفر تعلل بالكسب فهذا باطل؛ لأن الكسب لا يمنع الإنسان من تعلم دينه وتعلم أن هذه المقالة كفرية أو يسأل عنها؛ لأن الكسب لا يأخذ وقتاًََ كثيرا والكسب له أوقات واسعة وليس هناك فرق بين السب والساب فنقول: من سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب دينه فهو كافر والساب كافر؛ لأنه لا عذر له في هذا، والذي يعذر

(1/27)


فيه إنما هي الكلمات التي فيها إيهام؛ فهذا الذي يفرق فيها بين المقالة والقائل فلو تكلم الإنسان بكلم موهمة أو كلمة يحتمل أن يكون لصاحبها عذر فهذا الذي يقال فيه بالفرق بين المقالة والقائل فيقال: المقالة كفرية والقائل لا يكفر إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع وقامت عليه الحجة؛ أما من سب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم وسب دينه فهذا أمر واضح لا إشكال في كفره.

(1/28)


السؤال العاشر: إذا سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب الدين وتعلَّل بالتكسب والرزق؛ مقصوده المجاملة كأن يقول: إذا سببت الله سيأتيني الرزق والدنيا.

الجواب: لا شك في كفر هذا؛ لأنه كما سبق أنه من فعل الكفر قاصدا وعامدا فإنه يكفر؛ ومن فعل الكفر هازلا فإنه يكفر ومن فعله خائفا فإنه يكفر؛ وإذا فعله لقصد المال فهذا كافر بنص الآية قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} .... الآية. فأخبر الله بأن لهم حظًّا من الدنيا فقدَّموا حظ الدنيا، فالآية نصٌ في هذا الصنف من الناس وأنه إنما فعل الكفر تفضيلًا وإيثارًا للدنيا على الآخرة فيكون داخلًا في هذه الآية.

(1/29)


السؤال الحادي عشر: ما هو القول فيمن نصب الأصنام والأضرحة والقبور وبنى عليها المساجد والمشاهد وأوقف عليها الرجال والأموال وجعل لها هيئات تشرف عليها ومكَّن الناس من عبادتها والطواف حولها ودعائها والذبح لها؟

الجواب: هذا مشرك نسأل الله السلامة والعافية، فمن نصب الأصنام فهو مشرك وإذا أوقف عليها الأوقاف أو الأموال أو دافع عنها فيكون أيضا كافر صادٌ عن سبيل الله فهذا جمع بين الكفرين؛ فعل الكفر بنفسه وصدَّ عن دين الله حينما جعل الأموال وأوقف الأوقاف ومنع الناس من دين الله وهو داخل في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} وهذا من المفسدين في الأرض كفر بنفسه وصدَّ عن دين الله نسأل الله السلامة.

(1/30)


السؤال الثاني عشر: هل تصح الصلاة خلف إمام يستغيث بالأموات ويطلب المدد منهم أم لا؟

الجواب: هذا الرجل كافر، الذي يستغيث بالأموات ويطلب المدد منهم ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات هذا مشرك ولا تصح الصلاة خلفه والصلاة خلفه باطلة؛ ومن صلى خلفه ولم يعلم حاله فإنه إذا علم يعيد الصلاة وهذا بإجماع المسلمين أن الصلاة لا تصح خلف المشرك، لكن الخلاف بين العلماء في صحة الصلاة خلف الفاسق؛ فالحنابلة وجماعة يمنعون الصلاة خلفه ويقولون: لا تصح، وآخرون يقولون: تصح مع الكراهة، والصواب أنها تصح ولكن الصلاة خلف العدل أولى؛ هذا إذا كان موحِّدا لكنه فاسق، أما المشرك فلا تصح الصلاة خلفه بالإجماع.

(1/31)


السؤال الثالث عشر: هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث (لم يعملوا خيرا قط) وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث؛ فكيف الجواب على ذلك؟

الجواب:

(1/32)


ليس في هذه الأحاديث حجة لهذا القائل فمن ترك جميع الأعمال بالكلية وزعم أنه يكتفي بما في قلبه من التصديق كما سبق فإنه لا يتحقق إيمانه إلا بالعمل، وأما أحاديث الشفاعة وأن المؤمنين الموحدين العصاة يشفع لهم الأنبياء والأفراط والشهداء والملائكة والمؤمنون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته؛ يخرج قوما من النار لم يعملوا خيرا قط، قال العلماء: المعنى (لم يعملوا خيرا قط) أي زيادة على التوحيد والإيمان ولا بد من هذا؛ لأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض وقد دلت النصوص على أن الجنة حرامٌ على المشركين وقد ثبت في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مناديا ينادي في بعض الغزوات: (أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة) » ولما أمّر أبا بكر في الحج في السنة التاسعة من الهجرة أرسل معه مؤذنين يؤذنون منهم أبو هريرة وغيره يؤذنون في الناس بأربع كلمات منها: «لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فهو إلى عهده ومن لم يكن له عهد فهو إلى أربعة أشهر» وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يدخل الجنة كافر قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ

(1/33)


حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} فهذه نصوص محكمة وهذا الحديث يُرد إليها والقاعدة عند أهل العلم: أن المتشابه يُرد إلى المحكم. ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة إلا أهل الزيغ كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به وهذا الحديث فيه اشتباه لكنه يرد إلى المحكم من النصوص الواضحة المحكمة في أن المشرك لا يدخل الجنة وأن الجنة حرام عليه.

(1/34)


فلا يمكن أن يكون معنى الحديث: (لم يعملوا خيرا قط) أنهم مشركون وليس عندهم توحيد وإيمان وأنهم أخرجهم الله إلى الجنة فهذا لا يمكن أن يكون مرادا وإنما المراد (لم يعملوا خيرا قط) أي زيادة على التوحيد والإيمان وكذلك حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه: «يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر سيئات ويؤتى له ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة» ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار، لكن هذا الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات.

(1/35)


السؤال الرابع عشر: ما حكم من يدعو غير الله وهو يعيش بين المسلمين وبلغة القرآن، فهل هذا مسلم تلبس بشرك أم هو مشرك؟

الجواب: هذا الشخص مشرك؛ لأنه غير معذور إذا كان يعيش بين المسلمين لقول الله -عز وجل-: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} فمن بلغه القرآن وبلغته الدعوة وفعل الشرك وهو يعيش بين المسلمين فإنه مشرك. وقال بعض أهل العلم: إن الشخص إذا كان يخفى عليه ما وقع فيه من الشرك بسبب دعاة الضلال والإشراك وبسبب كثرة المضلين حوله وخفي عليه الأمر فإنه في هذه الحالة يكون أمره إلى الله - عز وجل - فيكون حكمه حكم أهل الفترة إذا لم يعلم ولكنه إذا مات يعامل معاملة المشركين فلا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم.

(1/36)


فالمقصود أن الأصل أنه لا يعذر لكن لو وجد بعض الناس خفي عليه بسبب دعاة الشرك والضلال ولم يعلم قد يقال إنه معذور في هذه الحالة وأمره إلى الله تعالى، وبكل حال يجب عليه أن يطلب الحق ويتعرف عليه ويسعى له كما أنه يسعى في معيشته ويسأل عن طرق الكسب فيجب عليه أن يسأل عن دينه ويسأل عن الأمر الذي أشكل عليه وكونه لم يسمع الحق ولم يقبل الحق وتصامم عن سماع الحق فليس هذا عذرا له؛ هذا هو الأصل.

(1/37)


السؤال الخامس عشر: هل يشترط في إقامة الحجة فهم الحجة فهما واضحا جليا أم يكفي مجرد إقامتها؛ نرجو التفصيل في ذلك مع ذكر الدليل؟

الجواب:

(1/38)


الواجب إقامة الحجة على من كان عنده شبهة وكذلك المشرك إذا أقيمت عليه الحجة فقد زال عذره بمعنى أن يبلغه الدليل ويعلم أن هذا الأمر فيه دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يشترط فهم الحجة فإن الله أخبر أن المشركين قامت عليهم الحجة ومع ذلك لم يفهموها فهما واضحا ولكنهم قامت عليهم الحجة ببلوغها؛ نزل القرآن وسمعوه وجاءهم النذير صلى الله عليه وسلم وأنذرهم واستمروا على كفرهم فلم يعذرهم ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وقد بعث الرسول، وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} فاشترط في إقامة الحجة البلاغ، وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» وقال تعالى في وصف الكفار: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} ومع ذلك قامت عليهم الحجة فأخبر أن مثلهم مثلُ من يسمع الصوت ولا يفهم المعنى كمثل الغنم التي ينعق لها

(1/39)


الراعي فتسمع الصوت ومع ذلك قامت عليهم الحجة، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} ولم يقل حتى يتبين؛ بل قال: {حَتَّى يُبَيِّنَ} وهذا هو قيام الحجة، فإذا فهم الحق وعرف هذا الدليل وعرف الحجة فقد قامت عليه الحجة ولو لم يفهمها؛ فلا يشترط فهمها وهذا الذي تدل عليه النصوص وهو الذي قرره أهل العلم.

(1/40)


السؤال السادس عشر: هل تكفير شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - للطائفة الممتنعة من أداء شعيرة الزكاة حين فعل هذا ما ارتد من العرب لأجل جحدهم للوجوب أم لأجل مجرد المنع وعدم الالتزام بالأداء؟

الجواب: أهل الردة الذين ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أقسام؛ منهم من رجع إلى الأصنام والأوثان فعبدها ومنهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لو كان نبيا ما مات؛ وهؤلاء كفار لا إشكال فيهم، ومنهم من منع الزكاة والصحابة قاتلوهم جميعا ولم يفرِّقوا بينهم وسموهم المرتدين؛ والذي منع الزكاة قال العلماء إنما كفر لأنه إذا منعها وقاتل عليها دل على جحوده إياها لأنه فعل أمرين: منعها وقاتل عليها، أما إذا منعها ولم يقاتل عليها فإنها تؤخذ منه ويؤدَّب ولا يكفر، ولكن إن منعها وقاتل عليها فإنه يكفر؛ لأن هذا دليل على جحوده والمرتدون الذين منعوا الزكاة منعوها وقاتلوا عليها فدل على أنهم جحدوها ولهذا عاملهم الصحابة معاملة المرتدين وسموهم مرتدين كلهم وقاتلوهم، لا فرق بين من أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو عبد الأصنام أو من جحد الزكاة لأنه جحد أمرا معلوما من الدين بالضرورة.

(1/41)


السؤال السابع عشر: ما حكم من يقول بأن من قال: أن من ترك العمل الظاهر بالكلية بما يسمى عند بعض أهل العلم بجنس العمل أنه كافر؛ أن هذا القول قالت به فرقة من فرق المرجئة؟

الجواب:

(1/42)


لا أعلم أن هذا القول قالت به المرجئة ولكن لا بد من العمل كما سبق لأن من أقر بالشهادتين فلا بد أن يعمل لأن النصوص التي فيها الأمر بالنطق بالشهادتين وأن من نطق بالشهادتين فهو مؤمن مقيّدة بقيود لا يمكن معها ترك العمل وقد ثبت في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنة» وقوله: «خالصًا من قلبه» هذا ينفي الشرك؛ لأن الإخلاص ينافي الشرك ومن ترك العمل فهو مشرك لأنه عابدٌ للشيطان ولأنه معرض عن دين الله؛ ومن أعرض عن دين الله كفر؛ وكذلك جاء في الأحاديث: «من قال لا إله إلا الله مخلصًا» وفي بعضها: «صادقًا من قلبه» وفي بعضها: «مستيقنًا بها قلبه» وفي بعضها: «وكفر بما يعبد من دون الله» فهذه النصوص التي فيها أن من نطق بالشهادتين فهو مؤمن مقيدة بهذه القيود التي لا يمكن معها ترك العمل فلا بد أن يكفر بما يعبد من دون الله؛ ومن لم يعمل فإنه معرض عن دين الله وهذا نوع من أنواع الردة؛ فمن لم يعمل مطلقًا وأعرض عن الدين لا يتعلمه ولا يعبد الله فهذا من نواقض الإسلام قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} فلا

(1/43)


بد أن يعمل فإذا قال: لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه وقالها عن إخلاص وفي بعضها «وهو غير شاك» فلا بد أن يعمل ولا يمكن أن يتكلم بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ولا يصلي أبدًا وهو قادر لأنه إذا ترك الصلاة دل على عدم إخلاصه ودل على عدم صدقه ودل على أن قلبه ليس مستيقنًا بها ولو كان قلبه مستيقنًا بها وكان عنده يقين وإخلاص وصدق لا بد أن يعمل فإن لم يعمل دل على عدم إيمانه وعدم يقينه وعدم إخلاصه وعدم صدقه ودل على ريبه وشكه وهذا واضح من النصوص.

(1/44)


السؤال الثامن عشر: ما حكم تنحية الشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين وضعية كالقانون الفرنسي والبريطاني وغيرها مع جعله قانونًا ينص فيه على أن قضايا النكاح والميراث بالشريعة الإسلامية؟

الجواب:

(1/45)


هذه مسألة فيها كلام لأهل العلم وقد ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن من بدَّل الشريعة بغيرها من القوانين فإن هذا من أنواع الكفر ومثَّل لذلك بالمغول الذين دخلوا بلاد الإسلام وجعلوا قانونًا مكونًا من عدة مصادر يسمى (الياسق) وذكر كفرهم وذكر هذا أيضًا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - فقد قال في أول رسالته (تحكيم القوانين) : (إن من الكفر المبين استبدال الشرع المبين بالقانون اللعين) فإذا بدَّل الشريعة من أولها إلى آخرها كان هذا كفرًا من أنواع الكفر والردة، وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا بد أن يعتقد استحلاله ولا بد أن تقام عليه الحجة وذهب إلى هذا سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- وقال: إنه لا بد أن تقوم عليه الحجة لأنه قد يكون جاهلًا بهذا الأمر وليس عنده علم؛ فلا بد أن يبين له حتى تقوم عليه الحجة فإذا قامت عليه الحجة فإنه يحكم بكفره، والمقصود أن هذه المسألة مسألة خطيرة وهذا إذا لم يكن لمن وضع القانون أعمال كفرية أخرى أما إذا كان تلبَّس بأنواع من الكفر الأخرى فهذا لا إشكال فيه، لكن هذا مفروض في شخص لم يتلبَّس بشيء من أنواع الكفر؛ فهل يكون هذا كفرًا أكبر بمجرد

(1/46)


تبديله الدين كما ذكر هذا الحافظ ابن كثير والشيخ محمد بن إبراهيم - رحمهما الله - وغيرهما من أهل العلم، أو أنه لا بد من إقامة الحجة وبيان أن هذا الأمر كفر فإذا قامت عليه الحجة حكم بكفره.

(1/47)


السؤال التاسع عشر: هل تكفير السلف - رضوان الله عليهم - للجهمية كفر أكبر مخرج من الملة أم هو كفر دون كفر ويراد منه الزجر والتغليظ فقط؟

الجواب: تكفير العلماء والأئمة والسلف للجهمية تكفير أكبر مخرج عن الملة؛ وذكر العلَّامة ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - أنه كفرهم خمسمائة عالم فقال: ولقد تقلد كفرهم خمسون في ... عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام قد حكاه عنهُم ... بل قد حكاه قبله الطبراني

(1/48)


وقد قال العلماء: إن الجهمية خارجون من الثنتين والسبعين فرقة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» وكونهم خارجين عن الثنتين والسبعين فرقة يدل على أن مرادهم الكفر الأكبر لأن فرق الأمة الثنتين والسبعين فرقة متوعدة بالنار وهي فرقٌ مبتدعة،وقالوا: الجهمية خارجون عن الفرق الثنتين والسبعين وكذلك القدرية الغلاة وكذلك الرافضة فهذه الفرق الثلاث خارجون من الثنتين والسبعين فرقة؛ لأن الجهمية نفوا الأسماء والصفات؛ ونفي الأسماء والصفات ينتج العدم؛ فشيء لا اسم له ولا صفة؛ لا وجود له إلا في الذهن نسأل الله العافية، فشيء لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباين له ولا محايث له ولا منفصل عنه وليس له سمع ولا بصر ولا قدرة ولا إرادة ولا علم ماذا يكون؟!! هذا مستحيل؛ ولهذا كان كفرهم كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة.

(1/49)


السؤال العشرون: ما وجه قولهم: (إنه تكفير للزجر) ؟

الجواب: يعني أنه كفر أصغر، زجر عن العمل وإن كان ليس بمخرج من الملة؛ أي يُنهى عنه صاحبه ويقال له: إنه كفر، حتى يرتدع عن هذا العمل لا أنه كفر أكبر.

(1/50)


السؤال الحادي والعشرون: هل إطلاقات السلف في تكفير أعيان الجهمية كتكفير الشافعي لحفص الفرد حين قال بخلق القرآن فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم؛ كما نقل ذلك اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وكتكفير الجهم بن صفوان وبشر المريسي والنظَّام وأبو الهذيل العلاّف كما ذكر ذلك ابن بطة في الإبانة الصغرى يراد منه تكفير أعيان هؤلاء أم تكفير ألفاظهم لا أعيانهم؟

الجواب: الظاهر أن المراد تكفير أعيانهم لما خصوهم بالذكر، وكذلك الشافعي ظاهره أنه ناظره وأقام عليه الحجة، أما لو أريد التكفير بالعموم فهو مثل قول بعضهم: الجهمية كفار، أما تخصيص أعيان بعينهم يقابلون الأئمة ويناظرونهم فهذا تكفير بأعيانهم والعلماء لهم في تكفير الجهمية أقوال فمنهم من كفر الغلاة ومنهم من كفرهم بإطلاق ومنهم من بدّعهم بإطلاق، فهؤلاء الأفراد الذين وقفوا أمام الأئمة وناظروهم؛ الظاهر أنهم كفروهم بأعيانهم؛ لأن الحجة تكون قد قامت عليهم.

(1/51)


السؤال الثاني والعشرون: ترد بعض الاصطلاحات في كتب أهل السنة مثل: (الالتزام - الامتناع - كفر الإعراض) فما معنى هذه الاصطلاحات؟

الجواب: الالتزام: ظاهرة الالتزام أن يلتزم بأحكام الشريعة ويأتي بما أمر الله به وينتهي عما نهى الله عنه. والامتناع: أي يمتنع عما أمر الله به؛ وهذا فيه تفصيل فإذا امتنع عن شيء يكون تركه كفرًا يكون كفرا وإن امتنع عن شيء لا يصل لحد الكفر يكون معصية، ومن كفر الامتناع امتناع إبليس عن السجود لآدم قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} فإبليس إباؤه كفر. وكفر الإعراض: كما سبق معناه الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله.

(1/52)


السؤال الثالث والعشرون: ما معنى قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الناقض الثالث من نواقض الإسلام: (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحَّح مذهبهم فهو مثلهم) ؟

الجواب: معنى هذا أن من اعتقد أن المشركين على حق أو توقَّف في ذلك فهو كافر؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت؛ لأن التوحيد لا بد فيه من أمرين: الأمر الأول: الكفر بالطاغوت. الأمر الثاني: الإيمان بالله. وهذا هو معنى: (لا إله إلا الله) وأن معناها: لا معبود بحقٍ إلا الله.

(1/53)


(لا إله) كفر بالطاغوت (إلا الله) إيمان بالله، فمن لم يكفر المشركين أو اليهود أو النصارى أو الوثنيين أو توقف في كفرهم فهو كافر بالله، لا بد أن يجزم ويعتقد كفرهم فمن قال: (إن اليهود والنصارى على دين سماوي وكذلك المسلمون على دين سماوي وكلهم على حق) فهذا كافر؛ لأنه لم يكفِّر المشركين فلا بد أن يعتقد أن اليهود والنصارى كلهم على باطل وأنهم كفار فإن شك أو توقَّف كان هذا الشك أو التوقف منه ناقضا من نواقض الإسلام ويكون كافرا بالله؛ وكذلك لو صحَّح مذهبهم وقال: النصارى على حق واليهود على حق ومن أحب أن يتدين باليهودية أو النصرانية أو بالإسلام فله ذلك فهذا كافر لأنه صحَّح مذهبهم.

(1/54)


السؤال الرابع والعشرون: من قال: (إن اليهود والنصارى بلغتهم دعوة الإسلام مشوَّهة فما نكفرهم) فما حكم هذا القول؟

الجواب: ليس ذلك بصحيح؛ بل بلغتهم الدعوة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبلَّغهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه والصحابة بلغوهم بأنفسهم والدعاة بلغوهم بأنفسهم والأئمة؛ فشيخ الإسلام بلغهم بنفسه، فالقول بأنه لم تبلغهم الدعوة باطل.

(1/55)


السؤال الخامس والعشرون:من قال: (إخواننا النصارى) !!! فما حكم هذا القول؟

الجواب: إذا كان يعتقد أن دينهم صحيح وأن مذهبهم صحيح وأنهم على حق وأنه يوافقهم في دينهم فهذا كفر وردة، وأما لو قال: (إخواننا النصارى) غلطة أو سبقة لسان أو خطأ أو له شبهة فقد لا يكفر؛ فهذا فيه تفصيل.

(1/56)


السؤال السادس والعشرون: ما حكم من يقول: (إن الشخص إذا لم يكفر النصارى لعدم بلوغ آية سورة المائدة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} ... فإنه لا يكفر حتى يعلم بالآية؟

الجواب: هذا فيه تفصيل؛ إذا كان هذا الشخص لا يعلم أن النصارى على باطل فهذا لا بد أن تقام عليه الحجة؛ أما إذا كان يعلم أنهم على باطل وأن الله كفَّرهم ولا تخفى عليه النصوص فهو كافر؛ لأنه لم يكفِّر المشركين.

(1/57)


السؤال السابع والعشرون:ما الدليل على مشروعية شروط شهادة: أن لا إله إلا الله، من العلم والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة والقبول واليقين، وما الحكم فيمن يقول (تكفي شهادة أن لا إله إلا الله بمجرد قولها دون هذه الشروط) ؟

الجواب:

(1/58)


سبق بيان أن كلمة التوحيد لا بد لها من شروط وأن هذه الشروط دلَّت عليها النصوص؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة» وفي بعض الروايات: «صدقا من قلبه» وفي بعضها: «وكفر بما يعبد من دون الله» والانقياد لا بد منه؛ لأنه لا بد من العمل لأن هذه الشروط تقتضي الانقياد وكذلك القبول، فهذه الشروط التي دلَّت عليها النصوص من الإخلاص وعدم الشك والريب والصدق واليقين؛ هذه تستلزم القبول والمحبة، فدلَّت هذه النصوص على أن هذه الشروط لا بد منها فمن قال: لا إله إلا الله بلسانه ولم يلتزم بشروطها من الإخلاص والصدق والمحبة والانقياد فهو مشرك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرُم ماله ودمه وحسابه على الله» وهذا لم يكفر بما يعبد من دون الله ومعنى ذلك أنه لم يأت بهذه الشروط فانتقضت هذه الكلمة حيث قالها بلسانه ونقضها بفعله؛ لأن (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحقٍّ إلا الله، فإذا عبد غير الله نقض هذه الكلمة؛ وكذلك إذا قال: (لا إله إلا الله) عن كذب ولم يقلها عن صدق فهذا منافق؛ كفَّره الله تعالى بقوله {

(1/59)


وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فتبين بهذا أن هذه الشروط دلَّت عليها النصوص وأنه إذا انتفت هذه الشروط فلا بد أن يقع في الشرك؛ والمشرك كافر بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقال: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وقال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} فإذا لم يلتزم بهذه الشروط وقع في الشرك وإن قالها ولم ينقد لحقوقها

(1/60)


صار مشركا أيضا؛ لأنه صار معرضا عن دين الله، فتبين بهذا أن هذه الشروط دلَّت عليها النصوص وأن هذه الكلمة لا بد فيها من هذه الشروط وإلا فلا فائدة منها.

(1/61)


السؤال الثامن والعشرون: نرجو تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ... الآية تفسيرا مفصَّلا مع بيان حكم الإكراه في هذه الآية؟

الجواب: هذه الآية بيَّن الله تعالى فيها أنَّ من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم لأنه استحب الحياة الدنيا على الآخرة ويشمل ذلك: - من كفر بالله جادا وقاصدا. - ويشمل من كفر بالله هازلا ولاعبا وساخرا. - ويشمل من كفر بالله خائفا. - ويشمل من كفر بالله مكرها واطمئن قلبه بالكفر.

(1/62)


لأن الله تعالى لم يستثنِ من الكفر إلا من فعل الكفر مكرها واطمئن قلبه بالإيمان؛ وبيَّن الله أن ماعدا هذا الصنف من الناس فإنه يكون كافرا لأنه مستحبٌ للحياة الدنيا على الآخرة؛ فمن كفر بالله قاصدا فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ ومن كفر هازلا فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ ومن كفر خائفا فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ ومن كفر مُكرها واطمئن قلبه بالكفر فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ فلا يهديهم الله لكفرهم وضلالهم نسأل الله العافية.

(1/63)


السؤال التاسع والعشرون: هناك من يفرِّق بين الإكراه بالقول والإكراه بالفعل ويقول الآية جاءت في الإكراه في القول فقط وأما الفعل فلا إكراه فيه؟

الجواب: الصواب أنه لا فرق بينهما مادام أن الإكراه مُلجئٌ لا اختيار له فيه؛ كأن يضع ظالم السيف على رقبته ويقول: اسجد للصنم وإلا قتلناك، لكن المُكره بالفعل ينبغي له أن ينوي بعمله التقرُّب لله؛ فمثلا: إذا أُكره للسجود للصنم فإنه ينوي السجود لله؛ لأنهم لا يملكون قلبه وتكون الصورة صورة السجود للصنم وقلبه مطمئنٌ بالإيمان فلا يضره ذلك.

(1/64)


السؤال الثلاثون: ما حكم موالاة الكفار والمشركين؟ ومتى تكون هذه الموالاة كفرا أكبر مخرج من الملة؟ ومتى تكون ذنبا وكبيرة من كبائر الذنوب؟

الجواب:

(1/65)


موالاة الكفار والمشركين إذا كان ذلك توليا لهم فهو كفر وردة وهي محبتهم بالقلب وينشأ عنه النُصرة والمساعدة بالمال أو بالسلاح أو بالرأي قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وقال الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} ... الآية، فتولي الكفار كفر وردة؛ لأن أصل التولي المحبة في القلب ثم ينشأ عنها النُصرة والمساعدة.

(1/66)


أما الموالاة فهي كبيرة من كبائر الذنوب وهي معاشرة الكافر ومصادقتهم والميل إليه والركون إليه ومساعدة الكافر الحربي بأي نوع من أنواع المساعدة ولهذا ذكر العلماء أنه لو ساعده ببري القلم أو بمناولته شيئا يكون هذا موالاة ومن كبائر الذنوب، أما الكافر الذمي الذي بينه وبين المسلمين عهد فلا بأس بالإحسان إليه لكن الكافر الحربي لا يُساعد بأي شيء، والمقصود أن التولِّي الذي هو المحبة والنُصرة والمساعدة كفر وردة وأما الموالاة والمعاشرة والمخالطة في غير ما يرد من يأتي إلى ولاة الأمور من الرسل وأشباههم مما تدعوا الحاجة إليه فهذا كبيرة من كبائر الذنوب.

(1/67)


السؤال الحادي والثلاثون: ما هي نصيحتكم لطلبة العلم لمن أراد ضبط مسائل التوحيد والشرك ومسائل الإيمان والكفر؟ وما هي الكتب التي تكلمت عن هذه المسائل وفصَّلتها؟

الجواب:

(1/68)


نصيحتي لطلبة العلم العناية بطلب العلم والحرص عليه وحضور حلقات ودروس العلماء وقراءة الكتب النافعة ككتب الإمام محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب له رسالة في كفر تارك التوحيد اسمها (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد) وكذا (الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة) لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب؛ وابن القيم له مؤلفات كثيرة في هذا، وشيخ الإسلام بيَّن كثيراًََ من ذلك في الفتاوى والعلماء في كل مذهب فالحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف يبوِّبون في كتب الفقه بابا يسمونه: باب حكم المرتد؛ وهو الذي يكفر بعد الإسلام؛ ويذكرون أنواعا من الكفر القولية والفعلية والاعتقادية فينبغي الرجوع إليها، ومن أكثر من كتب في هذا من الأنواع الأحناف فقد كتبوا في باب حكم المرتد أنواعا كثيرة قد يوصلونها إلى أربعمائة مكفِّر وذكروا أن من أنواع الكفر: تصغير المسجد أو المصحف على وزن مسيجد أو مصيحف فينبغي لطلبة العلم أن يعتنوا بهذا؛ وكتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) فيها مجلد أيضا في الكفر وأنواعه، والمصادر والمراجع متوفرة والحمد لله.

(1/69)


السؤال الثاني والثلاثون: ما حكم من يقول: (ليس هناك تكفير للمعين مطلقا؟)

الجواب: هذا ليس بصحيح؛ المُعيَّن يُكفَّر، نحن نكفِّر اليهودي بعينه والنصراني بعينه ومن قامت عليه الحجة يكفر بعينه، لأن معنى هذا الكلام وهو عدم تكفير المُعيَّن أنه لا يكون هناك كافر؛ ومن قامت عليه الحجة ممن فعل الكفر والنصراني واليهودي والوثني يكفَّرون ومن كانت عنده شبهة فإنها تزال الشبهة.

(1/70)


السؤال الثالث والثلاثون: هل يعذر الذي يدعو غير الله أو يستغيث بغير الله لجهله؟

الجواب: سبق أن تكلمنا على مثل هذا وأن الأصل أنه لا يعذر إذا كان يعيش بين المسلمين وبلغته الدعوة ولكن إذا كان يُلبَّس عليه بسبب علماء السوء وعلماء الباطل فإنه يزال عنه الشبهة ويبين له والأصل أن هذا إنما هو في أهل الفترة، أما بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم ومن يعيش بين المسلمين فالأصل أنه لا يعذر ومن يدعو غير الله أو يستغيث بغير الله في الغالب أنه يدعو عن عناد وأنه لا يجهل هذا.

(1/71)


السؤال الرابع والثلاثون: هل هناك فرق بين من يحب الكفار لدينهم ومن يحب بعض الكفار لدنياهم؟

الجواب: إن كان يحبهم لدنياهم محبة طبيعية كأن يكون قريبه أو لأجل مال فهذه موالاة؛ وإن أحبهم لدينهم فهذا كفر وردة.

(1/72)


السؤال الخامس والثلاثون: نرجو التفصيل في مسألة العذر بالجهل؟

الجواب: مسألة العذر بالجهل بيَّنها العلماء - رحمهم الله - وفصَّلها ابن القيِّم - رحمه الله - في طريق الهجرتين وفي (الكافية الشافية) وذكرها أئمة الدعوة كالشيخ عبد الله أبابطين وغيرهم وذكر ابن أبي العز شيئا منها في (شرح الطحاوية) وخلاصة القول في هذا: أن الجاهل فيه تفصيل: فالجاهل الذي يمكنه أن يسأل ويصل إلى العلم ليس بمعذور فلا بد أن يتعلم ولا بد أن يبحث ويسأل، والجاهل الذي يريد الحق غير الجاهل الذي لا يريد الحق، فالجاهل قسمان: الأول: جاهل يريد الحق. والثاني: جاهل لا يريد الحق؛ فالذي لا يريد الحق غير معذور حتى ولو لم يستطع أن يصل إلى العلم؛ لأنه لا يريد الحق، أما الذي يريد أن يعلم الحق فهذا إذا بحث عن الحق ولم يصل إليه فهو معذور، والمقصود أن الجاهل الذي يمكنه أن يسأل ولا يسأل أو يمكنه أن يتعلم ولا يتعلم فهو غير معذور؛ أما الجاهل الذي لا يمكنه أن يتعلم فهو على قسمين: - جاهل لا يريد الحق فهو غير معذور. - وجاهل يريد الحق ثم بحث عنه ولم يحصل عليه فهذا معذور، والله أعلم.

(1/73)


السؤال السادس والثلاثون: هل هناك فرق بين المسائل التي تخفى في العادة وبين التي لا تخفى كمسائل التوحيد؟

الجواب:

(1/74)


نعم، الجهل الذي يعذر فيه الجاهل لا يعذر في الأشياء الواضحة؛ إنما الجاهل الذي يُعذر يُعذر في الأشياء التي تخفى على مثله؛ فلو كان هناك إنسان يعيش بين المسلمين ثم فعل الزنا فلما عوقب قال: إني جاهل؛ فلا يقبل منه لأن هذا أمرٌ واضح؛ أو تعامل بالربا وهو يعيش بين المسلمين لا يقبل منه أو عبد الصنم وهو يعيش بين المسلمين في مجتمع موحِّد لا يقبل منه؛ لأن هذا أمر واضح، لكن لو أسلم كافر في مجتمع يتعامل بالربا ويرى الناس يتعاملون بالمعاملات الربوية ثم تعامل بالربا وقال إنه جاهل؛ فهذا مثله يجهل هذا الشيء، أو نشأ في بلاد بعيدة ولم يسمع بالإسلام وليس عنده وسائل هذا معذور، أما الإنسان الذي يفعل أمرا معلوما واضحا وهو بين المسلمين فهذا لا يُعذر، فلا بد أن تكون المسألة التي يُعذر فيها دقيقة خفية تخفى على مثله ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين في قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه وجمع أهله حينما حضرته الوفاة وقد كان مسرفا على نفسه فجمع أولاده عند وفاته وقال: أي أبٍ كنت لكم؟ فأثنوا خيرا، فقال لهم: إنه لم يفعل خيرا قط وإن الله إن بعثه ليعذبنه عذابا شديدا فأخذ المواثيق على بنيه أنه إذا مات أن يحرقوه

(1/75)


ثم يسحقوه ثم يذروه في البر؛ وفي بعض الروايات يذرُّوا نصفه في البر ونصفه في البحر وقال: لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابا شديدا ففعلوا به ذلك؛ وفي الحديث أن الله أمر كلا من البر والبحر أن يجمع ما فيه وقال الله له: قم فإذا هو إنسانٌ قائم فقال له: ما حملك على ذلك؟ قال: خشيتك يا رب؛ فرحمه الله، وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم فبعض العلماء يقول: هذا في شرع من قبلنا، وأُجيب بأجوبة ولكن أصح ما قيل فيه ما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية: أن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل وأنه ظن أنه يفوت الله إذا وصل لهذه الحالة، فالرجل غير منكر للبعث وغير منكر لقدرة الله وهو يعلم أنه لو تُرِك ولم يُحرق ولم يُسحق فإن الله يبعثه؛ يعتقد هذا، لكنه أنكر كمال تفاصيل القدرة وظن أنه إذا وصل لهذه الحالة وأُحرق وسُحق وذُرّ أنه يفوت على الله ولا يدخل تحت القدرة، والذي حمله على ذلك ليس هو العناد ولا التكذيب وإنما الجهل مع الخوف العظيم فغفر الله له، فلو كان عالما ولم يكن جاهلا لم يُعذر ولو كان معاندا لم يُعذر ولكنه ليس معاندا ولا عالما فاجتمع فيه الجهل والخوف العظيم؛ فرحمه الله وغفر له؛ فهذه مسألة خفية

(1/76)


دقيقة بالنسبة إليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

(1/77)