الإخلاص
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الإخلاص
عبد الله بن سليمان العتيق
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله تعالى خلق الخلق من أجل أن يفردوه بالعبادة ويوحدوه بأعمالهم وطاعتهم.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].
ولن تكون العبادة مقبولة إلا بالإخلاص، ولذلك كان سلف هذه الأمة حريصين على أن تكون أعمالهم خالصة لوجه الله تعالى, بعيدة كل البعد عن الرياء والسمعة.
وهذه قصص وأخبار عن الصالحين من سلف هذه الأمة مما يتعلق بإخلاصهم لله تعالى وخوفهم من الرياء.
إخلاص السلف وخوفهم من الرياء:
كان أيوب السختياني يقوم الليل كله، فيخفي ذلك، فإذا كان الصبح رفع صوته كأنما قام تلك الساعة.
اكتم حسناتك:
وقال أبو حازم المديني: اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك.
كانت أعمالهم مخلصة لله تعالى، فلم يجعلوا للرياء أدنى سبيل إليها.
النافلة في البيت إخلاصًا لله:
كان الربيع بن خثيم لا يتطوع في المسجد أبدًا، وإنما كان يتطوع في بيته.
ومثله عامر بن عبد قيس.
وكان محمد بن أسلم شديد الستر لأعماله، قال خادمه أبو عبد الله: صحبت محمد بن أسلم نيفًا وعشرين سنة لم أره يصلي حيث أراه من التطوع إلا يوم الجمعة، ولا يسبح ولا يقرأ حيث أراه، ولم يكن أحد أعلم بسره وعلانيته مني.
الغياب عن الملكين لعمل الطاعة:
وقال أيضًا: وسمعته يحلف كذا مرة أن لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت، ولكن لا أستطيع ذلك.
من شدة الإخلاص لله تعالى، لا يريد أن يعلم عنه ملكاه، الله أكبر ما أغربها من حال.
وكان الإمام ابن أبي ليلى إذا دخل الداخل وهو يصلي اضطجع على فراشه.
هجر ابن المبارك صاحبه لعلمه بعمله:
قال محمد بن أعين: كان ابن المبارك ذات ليلة ونحن في غزاة الروم، ذهب ليضع رأسه ليريني أن ينام.
فقلت: أنا برمحي في يدي قبضت عليه، ووضعت رأسي على المرح كأني أنام كذلك.
قال: فظن أني قد نمت فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمقه، فلما طلع الفجر أيقظني وظن أني نائم، وقال: يا محمد، فقلت: إني لم أنم.
قال: فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يكلمني ولا ينبسط إليَّ في شيء من غزاته كلها، كأنه لم يعجبه ذلك مني، لما فطنت له من العمل، فلم أزل أعرفها منه حتى مات.
ولم أر رجلاً أسر بالخير منه.
وكان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخل غطاه.
وإنما كانوا يسترون أعمالهم الصالحة لخوفهم ممن تطلع القلب إلى حب مدح الناس وثنائهم، وهذا مما ينافي الإخلاص كما قال ابن القيم رحمه الله: «لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبته المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت» ([1]).
إسرار الإمام أحمد بالعمل:
قال أبو بكر المروزي: كنت مع أبي عبد الله أحمد بن حنبل، نحوًا من أربعة أشهر بالعسكر، وكان لا يدع قيام الليل وقراءات النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يُسَرُّ بذلك.
بكاء أم زكام
وكان عمرو بن قيس الملائي إذا بكي حول وجهه إلى الحائط، ويقول لأصحابه: ما هذا الزكام.
اللهم لا تشهرني:
وقال عبد الله بن المبارك: كنت بمكة فأصابهم قحط، فخرجوا إلى المسجد الحرام يستقون فلم يسقوا وإلى جانبي أسود مُنْهَك، فقال: اللهم اللهم قد دعوك فلم تجبهم، إني أقسمت عليك أن تسقينا.
قال: فوالله ما لبثنا أن سقينا.
قال: فانصرف الأسود واتبعته حتى دخل دارًا في الحناطين فعلمتها، فلما أصبحت أخذت دنانير وأتيت الدار فإذا رجل على باب الدار، فقلت: أردت رب هذه الدار.
قال: أنا.
قلت: مملوك لك أردت شراءه.
فقال: لي أربعة عشر مملوكًا أخرجهم إليك.
قال: فلم يكن فيهم.
فقلت له: بقي شيء!
فقال لي: لي غلام مريض, فأخرجه فإذا هو الأسود.
فقلت: بعينه.
فقال: هو لك يا أبا عبد الرحمن، فأعطيته الأربعة عشر دينارًا، وأخذت المملوك فلما صرنا إلى بعض الطريق، قال: يا مولاي أي شيء تصنع بي وأنا مريض؟
فقلت له: لما رأيته عشية أمس.
قال: فاتكأ على الحائط فقال: اللهم لا تُشَهِّر بي فاقبضني إليك.
قال: فَخَرَّ ميتًا فانحشر عليه أهل مكة.
وكان محمد بن واسع يسرد الصوم ويخفيه ([2]).
صاحب سرائر:
قال عبد الرحمن بن مهدي لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟
قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه صاحب سرائر وما رأيته يظهر تسبيحًا ولا شيئًا من الخير. ولا أكل مع قوم قط إلا كان آخر من يرفع يديه ([3]).
وكان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجًا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله ([4]) جاءت أيوب السختياني عبرة في مجلس فجعل يمخط ويقول: ما أشد الزكام.
يبكي عشرين سنة وامرأته..
وقال محمد بن واسع: إن الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم.
ولعل هذا من أغرب وقائع المخلصين، زمن طويل لا تعلم امرأتـه ببكائه؟! هذا من قول الإيمان بالله الباعث على هذا الإخلاص له سبحانه.
فإن إبليس قد عبد الله..
صلى بشر فأطال صلاته، ورجل وراءه ينظر ففطن له، فلما انصرف، أي: سلم قال: لا يعجبك ما رأيت مني، فإن إبليس قد عبد الله دهرًا مع الملائكة.
أخشى من همة أبي عمرو:
نادى الشيخ عثمان الزاهد في مجلس من مجالسه الناس ببذل مال لبعض الثغور، أي للمجاهدين، فجاءه ابن نجيد بألفي درهم، فدعا له، ثم إنه نوه به وقال: قد رجوت لأبي عمرو بما فعل، فإنه قد ناب عن الجماعة، وحمل كذا وكذا.
فقام ابن نجيد وقال: لكن إنما حملت من مال أمي وهي كارهة فينبغي أن ترده لترضى.
فأمر أبو عثمان بالكيس فرد إليه، فلما جن الليل جاء بالكيس والتمس من الشيخ ستر ذلك فبكى.
وكان بعد ذلك يقول: أخشى من همة أبي عمرو ([5]).
وأنت ممن يشنع علينا:
قال عبدة بن سليمان: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان، خرج رجل من العدو، فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى المبارزة فخرج إليه رجل ، فطارده ساعة فطعنه فقتله.
فازدحم عليه الناس، فكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا ([6]).
ومن حرصهم على الإخلاص خوفهم من أن يشتهر عنهم عملهم الصالح.
لم يكن يمنعني من مجالستكم:
قال ثابت البناني: قال لي محمد بن سيرين: يا أبا محمد لم يكن يمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة.
وكان إبراهيم النخعي: يتوقي الشهرة، فكان لا يجلس إلى الإسطوانة، وكان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام.
كفى بالمرء شرًا أن..
وقال إبراهيم النخعي والحسن: كفى بالمرء شرًا أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصم الله، التقوى هاهنا يومئ إلى صدره ثلاث مرات.
عن أحمد بن فضيل قال: غزا أبو معاوية الأسود، وكان ضريرًا فحاصر المسلمون حصنًا فيه علج لا يرمي حجرًا لإنسان إلا أصابه. فشكوا إلى أبي معاوية فقرأ ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 17] استروني منه.
فلما وقف قال: أين تريدون بإذن الله؟
قالوا: المذاكير.
فقال: أي رب سمعت ما سألوني فأعطني ما سألوني؛ ثم رمى المذاكير بإذن الله فمر السهم حتى إذا قرب من حائط الحرس ارتفع حتى إذا أخذ العلج في مذاكيره فوقه، وقال: شأنكم به، لننظر إلى أبي معاوية كيف أصاب العدو مع إصابته بالضرر؟! وهذا عائد إلى إخلاص الرجل لله تعالى في ذاك العمل، خاصة وفي غيره عامة.
ولذا فإن تتوكل على الله تعالى، وتضمن ذاك التوكل إخلاصًا وتجردًا للرب تعالى، فلم تُدْخِل حظ النفس ولا قوتها, فهذا من الإخلاص.
وهذه عبارات لهم في الإخلاص والحث عليه، توصي بما كان عليه القوم من إخلاص.
قال رجل لأبي الدرداء: أوصني.
فقال: اذكر يومًا تصير فيه السريرة علانية.
وقال بعضهم: ما كان من الحديث لغير الله فعاقبته الندم.
وقال أبو حازم: عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر.
ومعنى كلام أبي حازم: أن متى كان المرء ملاحظًا حال سريرته وباطنه ومنتهى إخلاصه لله تعالى فإنه حينئذ سيكون متجردًا عن كل ما يسوء العمل من قوادحه وخوارقه.
ومن ذلك الكبائر فيكون منه إظهار التوبة الناصحة، وإبداء العمل بإخلاص تام، وذلك كله بسبب تصحيح الباطن، وتصفية السريرة.
لمصانعة وجه واحد خير من مصانعة وجوه:
وقال: لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله إلا أحسن الله فيما بينه وبين العباد، ولا يعور فيما بينه وبين الله إلا عور الله فيما بينه وبين العباد.
ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، إنك إذا صانعت الله مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبينه شنئتك الوجوه كلها.
علائم السعادة:
قال ذو النون: ثلاث من أعلام السعادة:
الفقه في الدين.
والتيسير للعمل.
والإخلاص في السعي.
وقال أيضًا: إن لله عبادًا عبدوه بخالص من السر فشرفهم بخالص من شكره.
من الشجاع؟
وقال السري: خمس من كن فيه فهو شجاع بطل: استقامة على أمر الله ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه سهو، وتيقظ ليس معه غفلة، ومراقبة الله في السر والجهر ليس معه رياء، ومراقبة الموت بالتأهب.
الإخلاص سيف: سيف يعالج:
وقال الإمام أحمد: الإخلاص سيف إذا وُضِعَ على جرح برأ.
وقال عمر بن الخطاب: فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله.
مواطن الإخلاص
سبق أن ذكرنا أن الأعمال موقوف قبولها على أصلين كبيرين:
الأول: الإخلاص.
الثاني: المتابعة.
ولأجل هذا جاءت نصوص كثيرة كتب لأعمال فيها أجر كبير إذا جاء بها على وجه الإخلاص لله تعالى فيها.
وسأشير إلى أعمال لم تكن على بال كثير من الناس أنها عبادات.
1- الخروج إلى المساجد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له من حين يخرج من بيته، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم» رواه ابن ماجة، وصححه الحاكم.
2- الإخلاص في الصدق:
خرج عمرو بن عتبة بن فرقد في غزوة فيها أبوه فلبس جبة بيضاء، وهو يقول: ما أحسن حمرة الدم على البياض، فسمع أبوه ذلك، فقال: أقسمت عليكم لتنزلن، قال: فنزل ثم اعتزل عن الصف، فقام يصلي فجعل يدعو، فالتفت إليه عتبة فقال لمن معه: هذا عمرو يستشفع عليَّ بربه، اركب يا بني إن شئت فركب.. ومروا بمرج حسن فقال عمرو: ما أحسن هذا المرج وما أحسن هذا الآن لو أن مناديًا نادى: يا خيل الله اركبي فبما كان أسرع من أن نادى المنادي: يا خيل الله اركبي.. أصيب عمرو بجرح صغير، فقال، والله إنك لصغير. وإن الله عز وجل، ليبارك في الصغير، دعوني في مكاني هذا مني أمسي فإن أنا عشت فارفعوني، فمات شهيدًا في مكانه ذلك.
3- الإخلاص في الاستغفار:
وأعظم حديث جاء في إخلاص الاستغفار هو حديث سيد الاستغفار فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».
من قالها في النهار موقنًا بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة رواه البخاري ومسلم.
4- الإخلاص في الصبر:
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 22-24].
5- اتباع الجنازة:
كثير منا، و الله المستعان، يتبع الجنازة ولا يحضر في قلبه إخلاص الاتباع لها لله تعالى.
والأجر المترتب عليها إنما هو حين إخلاص المشي معها لله عز وجل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلى عليها، ويُفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط من الأجر» البخاري.
6- الإخلاص في الدعاء:
قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].
وقال محمد بن الوليد: مر عمر بن عبد العزيز برجل في يد حصاة يلعب بها، وهو يقول: اللهم زوجني من الحور العين، فمال إليه عمر فقال: بئس الخاطب أنت، ألا ألقيت الحصاة وأخلصت إلى الله الدعاء.
وبالجملة فكل عمل يعملونه يأتون بالنية في ذلك العمل.
وكما أن لهم في الإخلاص كلمات بليغة، وعبارات كثيرة، فكذلك لهم في الرياء.
قال محمد بن الحنفية: كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل.
وقال السري السقطي: لو أحسست بإنسان يريد أن يدخل علي فقلت بلحيتي كذا أي يسويها ويعدلها، من أجل دخول الداخل لخفت أن يعذبني الله على ذلك بالنار.
أصول الشر:
وقال الفضيل: من وُقي خمسًا فقد وُقي شرًا عظيمًا: العجب والرياء والكبر والإزراء والشهوة.
وقال يوسف بن أسباط: لا يقبل الله عملاً فيه مثقال حبة من رياء.
وقال مسلم: إياكم والرياء فإنها ساعة جهل العالم وبها يبتغي الشيطان زلته.
وقال أبو عبد الله البصري: تُزال عن القلب ظُلَمُ الرياء بالإخلاص.
قالت معاذة العدوية لأبي السوار العدوي: يا أبا السوار إذا كنت في البيت شغلني الصبيان، وإذا كنت في المسجد كان أنشط لي.
قال: النشاط أخاف عليكم.
يخاف عليها النشاط في العبادة! ذلك: أنه ربما نشط لذكر الناس لها.
قال سفيان الثوري لعلي بن الحسن السلمي موصيًا: "إياك يا أخي والرياء في القول والعمل، فإنه شرك بعينه"
وإياك والعجب فإنه العمل الصالح لا يُرفع وفيه عجب.
الإخلاص داعي إقبال الله على العبد.
وقال بديل بن ميسرة العقلي: من أراد بعمله وجه الله أقبل الله عليه بوجهه، وأقبل بقلوب العباد إليه.
وقال وهب بن منبه: من طلب الدنيا بعمل الآخرة نكس الله قلبه، وكتب اسمه في ديوان أهل النار.
وكان أبو عبد الله الأنطاكي رحمه الله، يقول: إذا كان يوم القيامة قال الله للمرائي: خذ ثواب عملك ممن كنت ترائيه.
وقال الحسن: واعجباه من ألسنة تصف، وقلوب تعرف, وأعمال تخالف.
والرياء على أنواع وأقسام هي:
الأول: الرياء بالبدن.
كأن يظهر صاحب العبادة نفسه بنحول في جسده وصفار فيه، ويكون بخفض الصوت.
وهذا فيما يتعلق بأهل العبادة والدين.
وأهل الدنيا بعكسهم.
الثاني: الرياء بالهيئة:
حيث يأتي البعض فيجعل في هيئته: لباسًا أو غيرها ما يلفت نظر الناس إليه. كمن يلبس الصوف في الصيف، والمرقع مع وجود المال لديه وغيرها كثير.
الثالث: الرياء بالقول:
وهذه حال كثير من الناس والله المستعان.
فإذا ما جلس قوم في مجلس بدؤوا بتحسين الكلام وتزيينه فيما بينهم، ويتأكد حصول هذا إذا كان في المجلس من يشار إليه بالأصابع في العلم والمكان والجاه.
الرابع: الرياء بالعمل:
كمراءة المصلي بصلاته، والصائم بصيامه، والمتصدق بصدقته.
الخامس: المراءة بالغير:
وهذا من أعجب أحوال الرياء إذ كيف يرائي الرجل بغيره؟
المراءة بالغير أن يكون طالبًا نظر الناس إليه بمن يصاحبه أو يأتيه، كمن يدعو عالمًا ليقول الناس: فلان يأتيه أهل العلم، وكمن يدعو تاجرًا أو كبيرًا.
هذه منتقيات من أخبار السلف الصالحين وأحوالهم مع الإخلاص والرياء.
وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.