نبذة من فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
نبذة من فضائل أصحاب النبي e
الحمد للَّهِ، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فإن أصحاب النبي محمد e هم أفضل البشر، e بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد اختارهم اللَّه ﷻ لصحبة نبيه، ونصرته، ومدحهم، وأثنى عليهم I في كتابه الكريم في مواضع كثيرة، ومدحهم النبي e، وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك الآيات والأحاديث الآتية:
1- قال اللَّه ﷻ في مدح النبي e وأصحابه: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾([1]).
وقد ثبت في حديث أبي هريرة t قال: «لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ e، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ e، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْجِهَادَ، وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟، بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷻ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، قَالَ: «نَعَمْ»، ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾، قَالَ: «نَعَمْ»، ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾، قَالَ: «نَعَمْ»، ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾، قَالَ: «نَعَمْ»([2]).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ ب، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ e: «قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا»، قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ﴿وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا﴾، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ»([3]).
2- وقال اللَّه I في مدح المهاجرين والأنصار: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾([4])، والمعنى أن اللَّه ﷻ مدح المهاجرين والأنصار أصحاب النبي محمد بن عبد اللّه e، وأثنى عليهم بالإيمان، وبيَّن ثوابهم؛ لأنهم صدَّقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة، والنصرة، والموالاة؛ بعضهم لبعض، وجهادهم لأعداء اللَّه ورسوله، من الكفار والمنافقين ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾([5]).
3- وقال ﷻ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾([6])، «يخبر تعالى عن رسوله e وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجلّ الأحوال، وأنهم ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾، أي: جادُّون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذلّ أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، أي: متحابُّون، متراحمون، متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق؛ فإنك ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾، أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود، ﴿يَبْتَغُونَ﴾ بتلك العبادة ﴿فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾، أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾، أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم، ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾، أي: هذا وصفهم الذي وصفهم اللَّه به، مذكور بالتوراة هكذا، وأمّا مثلهم في الإنجيل؛ فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ﴾، أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء، ﴿فَاسْتَغْلَظَ﴾ ذلك الزرع، أي: قوي وغلظ ﴿فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ جمع ساق، ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة y، هم كالزرع في نفعهم للخلق، واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم، وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع، وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق، ووازره، وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين اللَه والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم، وهم في معارك النزال، ومعامع القتال، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ فالصحابة y، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع اللَّه لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة»([7]).
4- وقال I: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ([8]). ذكر اللَّه ﷻ أموال الفيء، وحدد أصحابها «ثم ذكر تعالى الحكمة، والسبب الموجب لجعله تعالى الأموال أموال الفيء لمن قدرها له، وأنهم حقيقون بالإعانة، مستحقون لأن تجعل لهم، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات، من الديار، والأوطان، والأحباب، والخلان، والأموال، رغبة في اللَّه، ونصرة لدين اللَّه، ومحبة لرسول اللَّه، فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، والعبادات الشاقة، بخلاف من ادّعى الإيمان، وهو لم يصدقه بالجهاد، والهجرة وغيرهما من العبادات، وبين أنصار، وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا باللَّه ورسوله؛ طوعاً، ومحبة، واختياراً، وآووا رسول اللَّه e، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوؤوا دار الهجرة والإيمان، حتى صارت موئلاً، ومرجعاً يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب، وشرك، وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام، وقوي، وجعل يزيد شيئاً شيئاً فشيئاً، وينمو قليلاً قليلاً، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان، والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان، الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾؛ وهذا لمحبتهم للَّه، ولرسوله، أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه، ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾، أي: لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم اللَّه من فضله، وخصَّهم به من الفضائل، والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغلِّ، والحقد، والحسد عنها، ويدل ذلك على أن المهاجرين، أفضل من الأنصار، لأن اللَّه قدمهم بالذكر، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا، فدل على أن اللَّه تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة، وقوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ أي: ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميّزوا بها على من سواهم: الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحابّ النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة للَّه تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه، وطعام أهله وأولاده، وباتوا جياعاً، والإيثار عكس الأثرة، فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة؛ لأنها من خصال البخل، والشح، ومن رزق الإيثار فقد وُقي شح نفسه ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ووقاية شحّ النفس، يشمل وقايتها الشحّ، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وُقي العبد شحّ نفسه، سمحت نفسه بأوامر اللَّه ورسوله، ففعلها طائعاً منقاداً، منشرحاً بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى اللَّه عنه، وإن كان محبوباً للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل اللَّه، وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شحّ نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر، ومادته، فهذان الصنفان، الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، الذين حازوا من السوابق، والفضائل، والمناقب ما سبقوا به من بعدهم، وأدركوا به من قبلهم، فصاروا أعيان المؤمنين، وسادات المسلمين، وقادات المتقين»([9]).
5- وقال اللَّه ﷻ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾([10])، لما رجع النبي e من (أحد) إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان، ومن معه من المشركين، قد همّوا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة للَّه ولرسوله، وطاعة للَّه ولرسوله، فوصلوا إلى (حمراء الأسد)، وجاءهم من جاءهم، وقال لهم: ﴿إن الناس قد جمعوا لكم﴾، وهمّوا باستئصالكم، تخويفاً لهم وترهيباً، فلم يزدهم ذلك إلا إيماناً باللَّه، واتكالاً عليه، ﴿وقالوا حسبنا اللَّه﴾ أي: كافينا كل ما أهمّنا ﴿ونعم الوكيل﴾ المفوّض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم، ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿فانقلبوا﴾ أي: رجعوا ﴿بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء﴾، وجاء الخبر المشركين أن الرسول وأصحابه قد خرجوا إليكم، وندم من تخلّف منهم، فألقى اللَّه الرعب في قلوبهم، واستمروا راجعين إلى مكة، ورجع المؤمنون بنعمة من اللَّه وفضل، حيث مَنَّ عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة، والاتكال على ربهم، ثم إنه قد كتب لهم أجر غزاة تامة، فبسبب إحسانهم بطاعة ربهم، وتقواهم عن معصيته، لهم أجر عظيم، وهذا فضل اللَّه عليهم»([11]).
6- وقال ﷻ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾([12])، «السابقون هم الذين سبقوا هذة الأمة، وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللَّه ﴿مِنَ الْمُهَاجِرِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾([13])، ﴿و﴾ من ﴿الأنْصَارِ﴾ ﴿الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾، ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾([14])، ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ بالاعتقادات، والأقوال، والأعمال، فهؤلاء، هم الذين سلموا من الذمّ، وحصل لهم نهاية المدح، وأفضل الكرامات من اللَّه، ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾، ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة، ﴿وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ﴾ الجارية التي تساق إلى سَقْيِ الجنان، والحدائق الزاهية الزاهرة، والرياض الناضرة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ لا يبغون عنها حولاً، ولا يطلبون منها بدلاً؛ لأنهم مهما تمنّوه، أدركوه، ومهما أرادوه، وجدوه ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الذي حصل لهم فيه، كل محبوب للنفوس، ولذّةٍ للأرواح، ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان، واندفع عنهم كل محذور»([15]).
7- وقال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾([16])، «يخبر تعالى بفضله ورحمته، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول e تلك المبايعة التي بيّضت وجوههم، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة، وكان سبب هذه البيعة -التي يقال لها (بيعة الرضوان) لرضا اللَّه عن المؤمنين فيها، ويقال لها (بيعة أهل الشجرة) - أن رسول اللَّه e لمّا دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه، وأنه لم يجئ لقتال أحد، وإنما جاء زائراً هذا البيت، معظماً له، فبعث رسول اللَّه e عثمان بن عفان لمكة في ذلك، فجاء خبر غير صادق، أن عثمان قتله المشركون، فجمع رسول اللَه e من معه من المؤمنين، وكانوا نحواً من ألف وخمسمائة، فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين، وأن لا يفرّوا حتى يموتوا، فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال، التي هي من أكبر الطاعات، وأجل القربات، ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الإيمان، ﴿فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ شكراً لهم على ما في قلوبهم، زادهم هدى، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله، فأنزل عليهم السكينة تثبتهم، وتطمئن بها قلوبهم، ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾وهو: فتح خيبر، لم يحضره سوى أهل الحديبية، فاختصّوا بخيبر وغنائمها، جزاءً لهم، وشكراً على ما فعلوه من طاعة اللَّه تعالى، والقيام بمرضاته»([17]).
8- وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾([18]). فقد تقرر أن من اتبع غير سبيلهم ولاَّه الله ما تولَّى وأصلاه جهنم([19]).
9- وعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول اللَّه e: «لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه»([20]).
10- وعن أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول اللَه e: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»([21]).
11- وقال النبي e: «لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي»([22]).
12- وعن عمرو بن العاص بأنه سأل النبي ﷺ فقال: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: «عائشة»، قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها»، قلت: ثم من؟ قال: «ثم عمر بن الخطاب»، فعدّ رجالاً، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم([23]).
13- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ، وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ»([24]).
14- وعن عبد اللَّه بن عمر t أنّ رسول اللَّه ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»([25]).
15- وقال النبي e في عمر t أيضاً: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»([26]).
16- وقال عليه الصلاة والسلام: «إن عبد اللَّه رجل صالح»([27])، يعني عبد اللَّه بن عمر ب.
17- وعَنْ سعد بن أبي وقاص t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: «أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»([28]).
18- وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه e: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم من بعد ذلك تسبق أيمانهم شهاداتهم، وشهاداتهم أيمانهم»([29]).
فهؤلاء الصحابة وغيرهم من أصحاب رسول اللَّه e الذين مدحهم اللَّه في كتابه، ومدحهم ودعا لهم بالمغفرة رسول اللَّه e الناطق بالوحي، واحداً واحداً، وجماعةً جماعةً، ويمدحهم ويُثني عليهم كل من سلك مسلكه، واتبع سبيله من المؤمنين غير المنافقين من أتباع اليهود، والمجوس، والرافضة الذين أكلت قلوبهم البغضاء والشحناء، والحسد عليهم لأعمالهم الجبَّارة في سبيل اللَّه، وفي سبيل نشر هذا الدين الميمون المبارك، وكان هذا هو السبب الحقيقي لحنق الكفرة على هؤلاء المجاهدين، العاملين بالكتاب والسنة، وخاصة على أبي بكر، وعمر، وعثمان y ، الذين قادوا جيوش الظفر، وجهزوا عساكر النصر، وكان سبب احتراق اليهود على المسلمين خاصة أنهم هدموا أساسهم وقطعوا جذورهم، واستأصلوهم استئصالاً، تحت راية النبي e، حين كان أسلافهم من بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، يقطنون المدينة، ومن بعد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في زمن عمر الفاروق t؛ حيث نفَّذ فيهم وصية رسول اللَّه e: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»([30])، وطهَّر جزيرة العرب من نجاستهم ودسائسهم، ولم يترك أحداً من اليهود في الجزيرة طبقاً لأمر رسول اللَّه e([31]).
وقد أجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول اللَّه e أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم سائر العشرة، ثم باقي أهل بدر، ثم باقي أهل أحد، ثم باقي أهل البيعة [بيعة الرضوان في الحديبية تحت الشجرة]، ثم باقي الصحابة، هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي([32]).
«وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ، وَأَلْسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ e، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَاغِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾([33])، وَطَاعَةَ النَّبِيِّ e فِي قَوْلِهِ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ»([34]).
وَيَقْبَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَالسَّنَّةُ، وَالإِجْمَاعُ مِنْ فَضَائِلِهِمْ، وَمَرَاتِبِهِمْ، وَيُفَضِّلُونَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ - وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ - وَقَاتَلَ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلَ، وَيُقَدِّمُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنْصَارِ، وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ قَالَ لأَهْلِ بَدْرٍ - وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَر-: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُم. فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»([35])، وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ e، بَلْ لَقَدْ رَضَيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ، وَكَانُوا أَلْفاً وَخَمْسَماِئَة؛ لحديث: سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: «لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةٍ»([36]). وَيَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e، كَالْعَشَرَةِ، وَثَابِتِ بْنِ قِيْسِ بنِ شَمَّاسٍ، وَغَيْرِهِم مِّنَ الصَّحَابَةِ.
وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ y؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ، وَكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانُ فِي الْبَيْعَةِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ب- بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ عُثْمَانَ: وَسَكَتُوا، أَوْ رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وَقَدَّم قَوْمٌ عَلِيًّا، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا.
لَكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِه الْمَسْأَلَةُ - مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - لَيْسَتْ مِنَ الأُصُولِ الَّتِي يُضَلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
لَكِنِ المسألة الَّتِي يُضَلَّلُ فِيهَا: مَسْأَلَةُ الْخِلاَفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ e: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ.
وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ e، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ e: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»([37]). وَقَالَ أَيْضًا لِلْعَبَّاسِ عَمِّه - وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ - فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وَلِقَرَابَتِي»([38])، وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»([39]).
وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ e أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤْمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ: خُصُوصًا خَدِيجَةَ ب أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلاَدِهِ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَعَاَضَدَهُ عَلَى أَمْرِه، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ.
وَالصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ ب، الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ e: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ»([40]).
وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ، وَطَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُؤْذُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ، وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ.
وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُم مِّنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ - إِنْ صَدَرَ -، حَتَّى إنَّهُمْ يُغْفَرُ لَهُم مِّنَ السَّيِّئَاتِ مَا لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِّنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ e أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ([41])، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعْدَهُمْ([42]). ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ؛ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ e الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا، كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ الأُمُورُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَؤُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمَن نَّظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ؛ لاَ كَانَ، وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ([43]).
واللَّهَ أسأل أن يحشرنا، ووالدينا، ومشايخنا، وأزواجنا، وذرياتنا في زمرة النبي e، وأصحابه السابقين من المهاجرين، والأنصار، والذين اتّبعوهم بإحسان.
وصلّى اللَّه وسلّم على نبيّنا محمّد بن عبد اللَّه، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
([1]) سورة البقرة، الآية: 285.
([2]) مسلم، برقم 125.
([3]) مسلم، برقم 126.
([4]) سورة الأنفال، الآية: 74.
([5]) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص 327.
([6]) سورة الفتح، الآية: 29.
([7]) تيسير الكريم الرحمن، ص 795.
([8]) سورة الحشر، الآيتان: 8-9.
([9]) تيسير الكريم الرحمن، ص 850.
([10]) سورة آل عمران، الآيات: 172- 173.
([11]) تيسير الكريم الرحمن، ص 157.
([12]) سورة التوبة، الآية: 100.
([13]) سورة الحشر، الآية: 8.
([14]) سورة الحشر، الآية: 9.
([15]) تيسير الكريم الرحمن، ص 349.
([16]) سورة الفتح، الآية: 18.
([17]) تيسير الكريم الرحمن، ص 793.
([18]) سورة النساء، الآية: 115.
([19]) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 4/1، و2.
([20]) أخرجه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2541.
([21]) صحيح مسلم، برقم 2531.
([22]) أخرجه البخاري، برقم 3656.
([23]) أخرجه البخاريً،برقم 3662، ورقم 4385، ومسلم،برقم 2384.
([24]) البخاري، برقم 466، ورقم 3904، ومسلم، برقم 2382.
([25]) مسند الإمام أحمد، برقم 5145، وأبي داود، برقم 2964، والترمذي، برقم 3682، وصححها الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2908.
([26]) رواه البخاري، برقم 3294، ومسلم، برقم 2396.
([27]) أخرجه البخاري، برقم 3740، 3741، ومسلم، برقم 2478.
([28]) البخاري، برقم 4416، ومسلم، برقم 2404، واللفظ له.
([29]) أخرجه البخاري، برقم 2652، برقم 2533.
([30]) أخرجه البخاري، برقم 3053، ومسلم، برقم 1637.
([31]) السنة والشيعة، ص51-55 ببعض التصرف.
([32]) تاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص 44.
([33]) سورة الحشر، الآية: 10.
([34]) متفق عليه، البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.
([35]) متفق عليه، البخاري، برقم 3007،
([36]) مسلم، برقم 73- (1856)، و74- (1856).
([37]) مسلم، برقم 2408.
([38]) مسند أحمد، 3/ 278، برقم 1777.
([39]) مسلم، برقم 2276، ولفظه: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»، ولفظ الترمذي: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
([40]) البخاري، برقم 3770، ومسلم، برقم 2446.
([41]) انظر: البخاري، برقم 2651 ، ومسلم، برقم 2535، وتقدم تخريجه.
([42]) متفق عليه، البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540، وتقدم تخريجه.
([43]) انظر: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، مه شرحه للهراس، ص 323- 343.