×
الهاربون من جحيم المخدرات [ مجموعة قصص واقعية ]: هذه الرسالة تحتوي على بعض القصص والوقائع التي كُتِبت أحداثها بأيدي أصحابها وهم داخل السجون، وهم ممن وقعوا في تلك الآفة الخطيرة وذلك الوباء الشنيع والمرض العضال (المخدرات).

الهاربون من جحيم المخدرات [ مجموعة قصص واقعية ]

خالد الرشيد

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أخي القارئ الكريم:

هذه بعض القصص والوقائع التي كتبت أحداثها بأيدي أصحابها وهم داخل السجون، وهم ممن وقعوا في تلك الآفة الخطيرة وذلك الوباء الشنيع والمرض العضال (المخدرات).

* نعم أخي القارئ.. المخدرات تلك الحرب المحمومة التي شنها أعداء الإسلام على جميع بلاد المسلمين بهدف تخديرهم، وإهدار طاقات الشباب وشل جهودهم وإنهاك قواهم.. وتدمير دينهم ومستقبلهم.

* لقد قام أعداء الإسلام بزج كميات كبيرة ورهيبة من جميع أصناف وأشكال المخدرات إلى جميع بلاد المسلمين لهذا الهدف وهذا المقصد.

إن من يتورط في هذه السموم لا يخرج منها إلا بعد جهد جهيد وتعب مضن وتوبة صادقة لاسيما من يقع في بعض الأنواع التي تعتبر موتاً وهلاكاً لمن يستعملها.

* إن حال من يقع في ذلك المرض حال سيئة يرثى لها. فهو غالباً إنسان لا خلق له ولا وازع عنده وهو على استعداد لأن يضحي بكل شيء في هذه الحياة مهما كانت قيمته.. إنه على استعداد أن يضحي بأمه وأبيه وأولاده وزوجه وجميع الناس في سبيل الحصول على هذه السموم.

* هذا الكلام ـ أخي القارئ ـ لست أقوله من فراغ أو تخمين وإنما هو اعترافات ممن وقع في هذه الجريمة.

* وسوف ترى في هذه الصفحات ما يثبت ذلك من خلال القصص التي ستدهشك وتثير عجبك وربما لم تخطر لك على بال.

* إنها قصص لأناس أحسوا بخطورتها وويلاتها بعد أن أوصلتهم إلى السجن وصاروا بين جدران أربعة..

أحسوا بخطورتها بعد أن اشتدت عليهم وطأة الحزن والألم وصاروا يكابدون ليالي سوداء قاسية رهيبة..

أحسوا بخطورتها عندما شعروا باللوعة المرة تعتصر قلوبهم وتضغط على أنفاسهم وأصبحت الساعات بالنسبة لهم أياماً والأيام كما في حسابهم سنين.

* لكن مع هذه الحال السيئة فإن البعض منهم قد أفاق من هذه الغفلة وفتح الله على قلبه ونور بصيرته.. فانفلت من هذا الجو الكئيب هارباً إلى الله تعالى الذي (يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات).. انفلت من هذا الجو ليجد هدوء النفس وراحة الضمير فراح يسح دموعاً غزيرة ندماً على كل ما جنت يداه.

* وهذه أخي القارئ بعض المواقف التي رأيتها بنفسي داخل السجن تدل على صدق رجوعهم وتوبتهم حري أن تكتب بمداد من ذهب.

* أحدهم حفظ القرآن الكريم فأفرج عنه في أول رمضان لكنه آثر البقاء مدة ليالي رمضان من أجل صلاة التراويح بزملائه.

* آخر تخلص من جميع أمواله التي جناها من الحرام ـ وكانت مبالغ عظيمة ـ تخلص منها وبقي صفر اليدين إلا من طاعة الله.

* بعضهم حفظ القرآن الكريم كاملاً وكثيرهم الذين حفظوا أجزاء منه.

* صيام النوافل وقيام الليل بات شيئاً مألوفاً عند الكثير منهم.

* بقي أن أذكر بأن هذه ليست هي الصورة الوحيدة للسجناء بل هناك صورة مقابلة ووجه آخر ما زال يئن تحت ظلام المعصية وهم كثير. نسأل الله لنا ولهم الهداية.

* وأخيراً أخي القارئ أرجو من الله أن ينفع بهذه المجموعة وأن يجعل فيها العظة والعبرة لشباب المسلمين.

وصلى الله على نبينا محمد

خــالد الرشيــد

8/1/1410هـ


مأساة شاب

* كنت أعيش كما يعيش أي طفل بين والدين سعيدين. أحس بنشوة الفرح والسرور.. أشعر بحنان الأبوة وعاطفة الأمومة.. كنت وقتها في سن العاشرة أدرس في المرحلة الابتدائية.. في إحدى مدارس الرياض.. كنت مثالاً للطالب المجد المجتهد في دروسه.

* وفجأة اقتضت مشيئة الله أن يختل نظام هذا العش السعيد الذي أعيش في كنفه.. فتغيب والدي فجأة عن البيت وطالت غيبته ـ وكان لابد أن أسأل والدتي عن ذلك فأجابت بوجه مقطب وألفاظ تجترها اجتراراً إنه متزوج.. إنه لن يعود. سمعت هذه الكلمات وكانت كالصاعقة تنزل على رأسي.. لن يعود أبي!! كيف يكون ذلك؟ وأين ذهب؟ وما معنى أنه متزوج؟

كل هذه الاستفهامات تدور في مخيلتي ولكن بحكم طفولتي لم أعرف لها جواب ولم أعرف لها أي معنى.

* ومرت الأيام وكأنها سنون.. غابت الابتسامة عن شفتي وشفتي والدتي. بدأت أشعر بالضيق وبدأ يضعف تحصيلي في المدرسة.

* وفجأة أحسست برجل غريب يدخل علينا البيت.. سألت والدتي من يكون هذا الرجل؟ ماذا يريد؟ قالت هذا أبوك.. إن هذا هو أبوك الثاني وأنا أمك.. ووجدت نفسي أني لابد أن أسلم لوالدتي وأن أعترف بأن هذا هو والدي.

* دارت الأيام دورتها وطلب هذا الرجل ـ والدي الثاني ـ من والدتي السفر إلى إحدى دول الخليج وافقت والدتي على شرط اصطحابي وإكمال دراستي هناك.. فوافق على هذا الشرط ذهبنا إلى هناك.. وعشت حياة ملؤها الشقاء والألم.. عشت كمشلول مقعد مكبل بعجزه وآلامه وأحزانه.. لم أدخل مدرسة ولم أكمل دراستي وبعد أكثر من عشر سنين رجعت أنا ووالدتي إلى الرياض.. عدت إلى الرياض وعمري يربو على عشرين سنة.. تنكر لي أقاربي وأصدقائي ولم أعد أعرف أحداً منهم.. ولكن وجدت نفسي أني لابد أن أتعرف على أحد.. لابد أن أعمل أنا لم أعد طفلاً صغيراً، بل أصبحت رجلاً لابد أن أشق طريقي في هذه الحياة.. وبالفعل فقد تعرفت على مجموعة من الشباب وبدأت أقضي معظم أوقاتي معهم. في السمر إلى ساعات متأخرة من الليل ما بين شرب للشاي ولعب بالورق، وكانت سهرات بريئة.. ولكنها بدأت تأخذ في الانحراف شيئاً فشيئاً فوجدت نفسي فجأة أتناول سيجارة من أحد الأصدقاء بحجة أنها تساعد على اللعب والتفكير ولم أجد أي غضاضة في ذلك.. ويا ليت أن الأمر اقتصر على هذا..

كم كنت أتمنى أن الموت هجم علي قبل تلك اللحظات التي قال لي أحدهم.. يا محمد أنت أخونا ولا داعي أن نخفي عليك.. خذ هذا الكأس واشرب.. نظرت إليه.. ماذا خمر.. لا يمكن أن أشرب.. وأخذت أنصح وأبين خطورته ولكن دون جدوى فقد أخذوا يسخرون مني، ووجدت نفسي أني مضطر إلى الجلوس معهم لأني كنت أشعر أنه ليس لي في هذه الدنيا سواهم، وبعد محاولات عديدة منهم أخذت في يوم من الأيام نصف كأس واحتسيته، ثم أخذت أعيش في عالم آخر.. ذهبت إلى البيت وأنا انتظر الليلة المقبلة.. لم تكن والدتي تعرف شيئاً من ذلك أبداً. كانت تثق بي ولم تعهد علي سوءاً. يدل على ذلك أنني لما استيقظت من النوم في ذلك اليوم أعطتني ورقة دفعها إليها أحد أصدقائي فتحتها وإذا مكتوب فيها انتظرني الساعة العاشرة وانتظرته وفعلاً جاء في نفس الموعد، ومعه شخصان لست أعرفهما فرحت بهما وأدخلتهما المنزل وأحضرت الشاي قال أحدهم بعد إذنك ما فيه إحراج؟

قلت لماذا؟.. قال أبداً معي سيجارة.. قلت تفضل الأمر عادي فقام بإخراج قطعة من الحشيش ولأول مرة في حياتي أراها وقام أحدهم بتحضير السجائر ولفها، ثم دفع إلي واحدة منها.. وجدت في أول الأمر حرجاً ولكن صديقي أصر علي وفعلاً تناولتها وأخذنا بعدها في لعب الورق وأحسست بتعب وإرهاق وفي نفس الوقت، وجدتني أضحك على كل شيء وكأني مجنون!!..

ومن تلك اللحظة بدأ الدمار.. منذ تلك اللحظات بدأت حياتي تنحدر نحو الحضيض.. لم أطق أن أصبر بعدها عن استعمال هذا النوع.

* وبعد مدة أخذوا يساوموني عليه وكنت أدفع ما يطلبون حتى أوصلوني إلى البائع الذي تعرفت عنده بعدها على جميع أنواع المخدرات ـ منبه ـ مخدر ـ حشيش ـ مسكر ـ دخان.. إلخ.

* علمت والدتي بعد ذلك عن جميع تصرفاتي فأخذت في النصح والبكاء ولكن دون جدوى فقد سلبت تلك المخدرات لبي واستولت على تفكيري.

* ولكن والدتي لم يثنها إصراري فأخذت تبحث عن كثير من الحلول حتى هداها تفكيرها إلى الزواج.. فعرضت علي الزواج وقامت بخطبة امرأة طيبة فنزلت عند رغبتها وبالفعل تزوجت من هذه المرأة والتحقت بإحدى الدوائر الحكومية ومكثت مدة وأنا محافظ على الدوام.. ولكن تأثير المخدرات والسهر لم يجعلني أتحمل العمل مما جعلني أتأخر أحياناً وأتخلف أحياناً أخرى حتى استفحل الأمر ففصلت فلم آبه بذلك.. لقد كان همي الوحيد هو كيفية الحصول على المخدر بأي وسيلة.. لقد تركت والدتي وتركت زوجتي ليالي عديدة ولا آتي إلا في ساعات متأخرة من الليل..

* وفي ليلة من الليالي التي كنت فيها أبتاع نوعاً من المخدرات لم أعلم إلا وقد قبض علي رجال الشرطة وحوكمت، ثم بعدها أودعت السجن عندما حكم علي بالسجن سنتين.

طلقت خلالها زوجتي بعد أن ألحت في طلب الطلاق.

تجرعت فيها والدتي ألواناً من الغصص والعذاب والهم والبكاء والحزن.

وبقيت خلف القضبان حتى أنهيت مدة السجن..

ولم أستفد من هذه المدة التي قضيتها شيئاً بل بالعكس فقد تعلمت خلالها على أنواع أخرى من المخدرات ووسائل كثيرة من تهريبها والحصول عليها..

فما أن خرجت حتى بدأت أعمل جاهداً على الحصول عليها. كنت أبذل كل غال ورخيص في سبيل الحصول على أي نوع منها.

* ووقعت في جرائم عديدة بدأت أقترف بعض الفواحش.. حتى قبض في أحد الأيام على أحد الأصدقاء في إحدى الغرف ومعه امرأة، وفي أثناء التحقيق أخبر بأن لي طرفاً في الجريمة فقبض علي وحقق معي فاعترفت كذباً، لأني لم أعلم شيئاً عن هذه الجريمة فحكم علي بالسجن لمدة ستة أشهر.

* خرجت بعدها وأنا في شوق إلى المخدرات فمكثت مدة طويلة وأنا أتعاطاها وأعرف كثيراً من البائعين.

* وصادف أن تعرفت في يوم من الأيام على شخص وكان بعدها من أخص الأصدقاء لدرجة أن أهله كانوا يأتون إلى بيتي ويجلسون عند والدتي حتى سقطت الكلفة بيننا..

قال لي هذا الصديق في أحد الأيام هناك شخص عزيز علي ويريد حشيشاً.. قلت ما دام أنه عزيز عليك وأنت واثق منه ما عندي مانع، أحضر الفلوس وأنا آتي بالحشيش وفي نفس اليوم أحضر الفلوس فأخذته إلى منزل أحد الأصدقاء كي اتصل على صاحب الحشيش (البياع).

* بعد أن خرجنا من منزل صديقي فوجئنا برجال مكافحة المخدرات فألقوا القبض علي وفتشوني، ثم ذهبوا إلى المنزل الذي خرجنا منه فلم يجدوا شيئاً، وذهبوا إلى منزلي وكذلك لم يجدوا شيئاً، وأمسكوا بصديقي الذي أعطاني الفلوس فأخبرتهم أنه برئ وليس عنده أي معلومات عما تبحثون عنه.. وأنه من أجهل الناس بالمخدرات، فأطلقوه ثم ذهبوا بي إلى إدارة مكافحة المخدرات وبعدها أخذ أحد الضباط التحقيق معي.

فقال: من أين تأتي بالمخدرات؟

فأخبرته أي لا أعرف شيئاً عن ذلك ولكنه فاجأني وقال (بدون لف ودوران وكذب عندي أشرطة تسجيل ومكالمات ثم أطلعني عليها وقال صديقك من رجال مكافحة المخدرات فلم يكن لي مناص إلا أن أعترف وصدق اعترافي شرعاً وحكم علي بالسجن لمدة سنة ونصف وجلد مائة وخمسين جلدة.

* هذه السطور أخي القارئ أكتبها وأنا خلف القضبان الحديدية وأطمع أن تكون هذه هي المرة الأخيرة كما أسأل الله أن يتوب علي ويكفر عني سيئاتي.

* إنني عازم بإذن الله على أن أفتح صفحة جديدة وأبتعد عن قرناء السوء الذين ينتظرون خروجي..

إني عازم على الابتعاد عنهم مهما كلفني ذلك من جهد ومال.

أسأل الله أن يقبل توبتي ويرزقني العمل الصالح. كما أسأله أن يجعل قصتي هذه عبرة لكل شاب وشابة كي يبتعدوا عن هذا الطريق المليء بالأشواك الدامية والنهايات الأليمة.

والله من وراء القصد

م ـ ر

يتجاهلون معنى المسؤولية.. وكانوا على أخلاق بذيئة وأعمال سيئة..

* احتك بهم هذا الابن بحجة قضاء الوقت والترويح عن النفس معهم؛ فأصبح سلوكه يتغير شيئاً فشيئاً حتى جعلوا يحرضونه على استعمال نوع من المخدرات.. وأوهموه بأنها سوف تنسيه مأساته التي يعيشها.. وسوف تنقله إلى عالم آخر بعيداً عن المشاكل والهموم.. ودعوه إلى تجربة ذلك وبالفعل فقد وجد نفسه مضطراً للنزول إلى رغبتهم فما أن جربها حتى وقع في الفخ، وصار أسيراً لها حتى أصبحت عادة له كالطعام والشراب لا غنى له عنها.

* مرت الأيام تلو الأيام وهذا الابن واقع في شراك هذا الوباء لا يثنيه عنه نصيحة ناصح ولا ردع رادع.

* وفجأة أصيب والده بأزمة حادة نقل على إثرها إلى المستشفى وقد أحس بدنو أجله.. كانت دموعه تنهمر على خده كالشلال حينما يتذكر أطفاله وزوجته المسكينة.. ترى من لهم بعد أن يموت.. من سوف يعولهم.. من سيصرف عليهم.. ما مصيرهم في هذه الحياة القاسية.. ظل يفكر حتى هدته هذه المأساة ولوعة هذا المصاب فراح يبكي في حرقة وصمت ويدعو الله في ضراعة أن يلطف بحاله وحال أولاده.

* وفي تلك الليلة التي فارق فيها الدنيا ورحل إلى الآخرة دعا إليه ابنه الأكبر وضمه إلى صدره والأسى يثقله والهم يلوح في نظراته وكأنها معانقة مودِّع، ثم أجهش بالبكاء وهو يقول (يا بني أحس بأن عمري قد انتهى.. سأودع هذه الدنيا وأرحل إلى الله لم يعد يهمني في هذه الدنيا سوى إخوانك ووالدتك الذين سيصبحون أمانة في عنقك بعد الله.. وليس لهم أحد بعد الله ثم بعدي إلا أنت.. سأموت وأنا مرتاح البال لأنك موجود بجانبهم ولأنك ستعوضهم عن والدهم الذي سيفقدونه.

يا بني كن حنوناً عطوفاً عليهم.

يا بني لا تتبع أهواء نفسك ودروب الشيطان واحذر أصدقاء السوء الذين يضلونك عن سبيل الله، ويلهونك عن إخوتك الذين هم في أمس الحاجة إليك.

يا بني إن أملي بالله ثم بك لكبير فكن عند حسن الظن بارك الله فيك). ترك الأب ولده بعدها وقد هدَّه الألم وبعدها بلحظات جاشت في صدره حشرجة تمتم بعدها بكلمات متقطعة لا يعرف معناها وانتقلت روحه إلى بارئها.

* هنا جاء دور الابن الأكبر فقد أثر فيه موقف والده فعمل جاداً في البحث عن عمل يسترزق منه لوالدته وإخواته، فوفقه الله إلى عمل لم يكن يحلم به در عليه شيئاً تحسن به وضع أسرته واضمحلت الكآبة والحزن عن وجوه إخوته ليحل محلها الفرح والسرور.

* كان هذا الابن يزاول هذه الأعمال مع استعماله للمخدرات بين الفينة والأخرى وذلك لإدمانه عليها ويأتي أحياناً إلى المنزل بشكل غير طبيعي وتصدر منه بعض الحركات التي تدل على أنه في غير شعوره.

* كانت أمه تعلم بذلك وكثيراً ما كانت تنصحه وتقول هذه الحالة التي أنت عليها لا يرضى بها الله... كانت تقول له يا بني إن حالك لا تطمئن وإن ما أنت فيه خزي وعار وكارثة لا تعود بالخير على نفسك ولا علينا.. يا بني ابتعد عن المجتمع السيء الذي تعيش فيه فلقد أنعم الله عليك وأعطاك وحسن من وضعنا وحالنا..

يا بني إن الله يمهل ولا يهمل..

يا بني عد إلى الله وتب وأقلع عن هذه الجريمة. وكأن هذا الابن لا يسمع شيئاً فقد سلبت هذه المعصية لبَّه.

* كانت أمه تتضرع إلى الله وتبكي في حرقة وألم يا لطيف يا قادر.. يا رب أنقذه من هذه الشرور اللهم أبعد عنه رفقاء السوء.

* وفجأة وفي أحد الأيام قبض عليه من قبل الشرطة وهو يحمل معه نوعاً من المخدرات.. حوكم وألقي بعدها في السجن.. وهكذا كل ما بناه في سنين خسره في ثوان وجلس يجتر الألم ويلوح بالحسرة والندامة.. وهكذا تكون نهاية كل إنسان يتبع هواه ولذائذ نفسه.

ملحوظة: صاحب هذه القصة خرج من السجن وهو عازم على التوبة وعدم الرجوع إلى تلك الآفة.. نسأل الله له الثبات.

أ.ر.ع

أدمن في الخارج

ولد عبد العزيز في مجتمع مسلم واكتحلت عيناه بنور الإسلام، ترعرع في بت من بيوت المسلمين تسوده الألفة والمحبة.

* انخرط في السلك الدراسي حتى تخرج من الجامعة والتحق بعدها بوظيفة محترمة ذات دخل جيد، وكان وقتها محل تقدير واحترام من الجميع.

* عرض عليه ذات يوم السفر للفسحة والاستجمام، وشحن ذهنه وعقله بفوائد السفر وبالراحة والسعادة.. أخذ إجازة من عمله مدتها خمسة عشر يوماً.

* وما أن وضع رجله في تلك البلاد التي سافر إليها واستقر في أحد فنادقها حتى أتاه أحد شياطين الإنس قائلاً له: إنك الآن متعب من عناء السفر.. إن الإجهاد والإرهاق واضح على محياك.. فقط كأس من هذا المشروب ينسيك جميع أتعابك وإجهادك.. سوف تمر بعدها بسعادة لم تمر عليك في حياتك قط.

ولما لهذا الكلام المعسول من تأثير.. ولحب الاستطلاع قال عبد العزيز هات الكأس.. احتسى عبد العزيز هذا الكأس.. وبعدها تبعه كؤوس.. وكؤوس.

* نعم لقد تأثر أبلغ الأثر من هذا الكأس لقد ترك الصلاة وكان هو الإنسان المحافظ عليها.. وغفل عن ذكر الله.. ليته استفاد من ذلك الدرس.. وذلك الصداع والغثيان والقيء الذي باشره بعد أن استيقظ في منتصف النهار.. لقد كاد الصداع يفجر رأسه.. وأصبح يلعن الخمرة ومن أحضرها.

* لكن ذلك الشيطان الذي استهواه بالأمس أتى ليهون عليه الأمر قائلاً له لابد أن هذا الشراب لم يناسبك.. أجاب عبد العزيز: نعم إن رأسي يكاد ينفجر من شدة الألم والصداع.. فرد عليه.. هون عليك، هذه حبوب (السكنال) فيها الشفاء التام مما تجد.. لكنها ممنوعة لأنها!!! ولأنها!! ما عليك إلا أن تدفع وأنا خادمك.. أطلب تجد.. اشتراها المسكين بعرق جبينه ولم يعلم ما سوف تجر عليه من المتاعب والمآسي والآلام.. والذل.. والعار.

* لقد تعاطى عبد العزيز هذه السموم التي جلبت له الهم والشقاء.. وبعد فترة أحس أنه لا يستطيع أن يتخلى عنها مهما كلفه ذلك.. لقد قارب ذلك المبلغ الكبير الذي يملكه والذي جمعه في سنين.. قارب على الانتهاء في أيام قليلة.. الإجازة التي أخذها قد انتهت وقضى عليها بضعة عشر يوماً.. ومع ذلك فهو يقابل كل هذه الأمور بلا مبالاة ولا إحساس.

* لقد أتاه ذلك الرجل (البياع) ذات يوم وقد طلب منه عبد العزيز كمية من المخدر مهما كان المبلغ المطلوب شريطة أن ينتظر حتى تأتي الحوالة التي طلبها عبد العزيز من أهله.. ولكن ذلك المجرم كشر عن أنيابه.. قائلاً له.. هل أنت مجنون.. تريد أن أعطيك بلا ثمن.. ونظر إلى عبد العزيز وكان في يده ساعة ثمينة فأخذها منه بنصف قيمتها مقابل كمية من المخدر، وبينما هو على هذه الحالة في تلك البلاد إذا ببرقية من أهله تخبره بأنه قد فصل من العمل بسبب غيابه.

* أفاق عبد العزيز من هول الصدمة.. التي كانت كالصاعقة عليه وأسرع بالرجوع إلى بلده وهو يجر أذيال الفقر والذل والضياع.

* عاد إلى أهله وكادوا أن لا يعرفوه.. لقد غابت الابتسامة عن وجهه وتبدلت إلى هزال وشقاء واكتئاب. بعدها انطوى عبد العزيز على نفسه.. ولم يعد ذلك الشاب الذي يحب المرح والاجتماعي بل لقد ترك الصلاة منذ حين.

سياط النصائح تلهبه ولكن تأثير المخدرات أنهك جسده وحطم عقله.. وأمست هي كل شيء بالنسبة إليه. لقد أصبحت حياته جحيماً لا يطاق، ولم يعلم الكثير ممن حوله ماذا أصابه.. أحس بأنه عبء ثقيل على أهله..

* عزم على أن يبحث عن عمل يسترزق منه.. فاستدان مبلغاً من المال ورحل إلى مدينة أخرى ليغيب عن أنظار من يعرفه.. ومن يرثى لحاله ويترحم عليه.. وليغيب عن من يشمت به.. ويسخر منه.

* سافر إلى مدينة أخرى من مدن بلده عله يصلح من حاله ولكنه لم يستطع أن يتغلب على تأثير المخدر في جسده، وفي هذه المدينة التقى بمن قاده مرة أخرى إلى هذه السموم.. بينما هو على هذه الحال إذا به في أحد الأيام وقد تناول منها ما أفقده صوابه لم يفق إلا وهو بين جدران أربعة... قد قبض عليه رجال مكافحة المخدرات.. بعدها اعتصره الألم وتخلى عنه القريب قبل البعيد.. وأصبح يجرجر الآلام والأحزان والقلق والحيرة والندم.. وكأنه يصارع سكرات الموت وشدته.. أحس بالاختناق وانفجر في أعماقه بركان هائل من الألم والأسى.. حكم عليه بالسجن لمدة سنتين.. كان كل يوم منها سنة كاملة.

* وفي أحد الأيام التعيسة على عبد العزيز داخل أسوار الوحدة والغربة دخل أحد المرشدين إلى الجناح الذي يقضي فيه عبد العزيز مدة حكمه؛ فأخذ يذكر النزلاء بالله تعالى وبضرورة التوبة والرجوع إلى الله وأن الله تعالى قد فتح بابه للتائبين في جميع الأوقات.. وأن السعادة والراحة والطمأنينة في الرجوع إلى الله.. وفي أثناء هذا الكلام كان عبد العزيز أذناً صاغية لكل ما يقال، وبدأت تنفتح أسارير وجهه بعدها أخذ المرشد يتلو شيئاً من سورة الفرقان ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا..﴾ إلى آخر السورة ثم أخذ يوضح شيئاً من تفسيرها. ففتح الله قلب عبد العزيز لهذه الكلمات وقام بعدها وهو يقول الحمد لله الذي أبقاني على قيد الحياة حتى أتوب.. بعد ذلك تطهر ولبس ثياباً طاهرة وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ودعا للمرشد بخير.. وحافظ بعدها على الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها في السجن.. وتحسنت حاله..

* يقول عبد العزيز لقد فكرت فيما بعد الموت فأشفقت من النهاية وخفت من سوء المصير، فلجأت إلى الله أطرق أبوابه في ذل وندم أطلب منه الصفح والعفو والغفران.. أسأله التوبة النصوح.. أغسل الذنوب بالدموع.. أبحث عن هدوء النفس وراحة الضمير لهذا لجأت إلى الله.

* لقد التحق عبد العزيز بدروس حفظ القرآن الكريم في السجن واستطاع أن يحفظ أحد عشر جزءاً في سنة. نسأل الله له الثبات.

* يقول عبد العزيز.. إنني أشعر بالسعادة والطمأنينة وراحة الضمير بعد رجوعي إلى الله رغم أني في السجن.. لقد أيقنت أن الحياة جحيم لا يطاق بدون منهج الله مهما ملك الإنسان من منصب وجاه ومال وسلطان. إن الحياة السعيدة هي التي تكون على منهج الله ولو كانت في السجن ولو كانت خلف القضبان.

* إني أحذر من الوقوع فيما حرم الله وخصوصاً تعاطي المخدرات.. فكم من الويلات فيها.

* أنصح كل صاحب معصية أو مصيبة أو مشكلة بالرجوع إلى الله كما أنصح بمصاحبة أهل الخير والجلوس معهم والابتعاد عن أهل السوء والفسق والمعاصي.

أسأل الله التوفيق والسداد وصلى الله على نبينا محمد.

ع


نهاية الترويج

في أحد أحياء مدينة الرياض كانت تعيش هناك عائلة صغيرة مكونة من ثلاثة أفراد أب وزوجته وابنه. كان الأب يعمل في إحدى القطاعات العسكرية، والابن يدرس في إحدى المدارس الإبتدائية وكان هو الوحيد لهذه العائلة!! لذا كان والده شديد الحرص عليه.. فلما حصل الابن على شهادة الكفاءة المتوسطة وبدأت تكتحل عينا والده به شاء الله سبحانه أن يقبض روح هذا الأب فانتقل إلى جوار ربه تاركاً زوجه وابنه البالغ آنذاك سبعة عشر عاماً.

* كان الابن معروفاً بحسن السيرة والسلوك في ذلك المجتمع الذي نشأ فيه وذلك بفضل الله ثم بفضل المتابعة الجادة من والده.

* واصل هذا الابن دراسته حتى نهاية المرحلة الثانوية التي تعرف فيها على بعض الشباب وجعل يقضي معظم أوقاته معهم.. زادت هذه العلاقة وتوطدت حتى وصلت إلى السهر إلى ساعات متأخرة من الليل.

* وفي إحدى السهرات أحضر أحد الأصدقاء كمية قليلة من الحشيش، ولما سأل هذا الابن عن ذلك الحشيش وماذا يكون قال هذا الصديق.. إنه المزاج الذي يعيد البهجة والسرور لنا ولكل من يتعاطاه.. ألم يسبق أن استعملت شيئاً من ذلك؟ فأجاب بالنفي فرد عليه هذا الصديق بسخرية وتهكم: إذاً أنت لا تعرف للدنيا طعماً ولا للذة طريقا.. لا بد أن تجرب معنا هذا النوع.

* قام هذا الصديق ولف هذه القطعة إلى ثلاث سجائر وأخذ كل واحد يدخن بحماس.. وبعد فترة دخل هذا الابن عالم الأوهام والضياع.. ذهب إلى منزله وغط في نوم عميق حتى اليوم التالي، فلما استيقظ أحس بنفسه تجذبه نحو هؤلاء الأصدقاء وبالفعل فقد ذهب إليهم وطلب من ذلك الصديق أن يأتي له بكمية من ذلك الحشيش، فقال له إن فلاناً هو الذي يروجه فلماذا لا نذهب إليه، فذهبا إليه وأخذ منه حاجته وأصبح يتردد عليه حتى أدمن على المخدرات، فلم يستطع أن يتركها أو يصبر عنها، وعرض عليه أن يصبح مروجاً لها، فرحب بهذه الفكرة وفعلاً أصبح يروج هذه السموم ويجمع الأموال من بيعها.

* وفي أحد الأيام تم ضبطه وفي حوزته نصف كيلو من الحشيش، وعند وصوله للإدارة العامة لمكافحة المخدرات اعترف بكل شيء وصدر بحقه الحكم بالسجن خمس سنوات.

* يكتب هذه السطور وهو يعيش تحت وطأة جحيم السجن، وخلف القضبان الحديدية يترنح من عمق الأسى ووقع المصيبة يكابد أياماً قاسية رهيبة ويشعر باللوعة المرة تعتصر قلبه بين الحين والآخر.

نسأل الله أن يمن عليه بالتوبة والعفو.

ر.ف.ر


واحسرتاه على أهلي

ترعرعت منذ نعومة أظفاري بين أسرة مكونة من والدي ووالدتي وإخوتي.. لقيت من الجميع كل رعاية وحب، أدخلني والدي المدرسة وبدأت أتعلم.. كنت محافظاً على الشعائر الدينية ومحبوباً لدى الجميع بعد أن بلغت سن الزواج أكملت نصف ديني وتزوجت من امرأة طيبة رزقني الله منها أطفالاً.

* كنت أعيش مرتاح البال بين أهلي وأولادي وأقاربي وقد توقفت عن الدراسة والتحقت بإحدى الدوائر الحكومية، وعملت موظفاً أتقاضى راتباً لا بأس به وكانت حالي المادية مستورة ولله الحمد.

* لقد كنت خير الناس لأهلي وأولادي إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم فتعرفت على أحد أصدقاء السوء الذي كان سبباً في دمار حياتي.

* تعرفت عليه وبدأت العلاقة بيني وبينه تزداد يوماً بعد يوم.. وذات ليلة زرته في بيته لأقضي عنده بعض الوقت؛ وإذا به يدخن سيجارة رائحتها ليست رائحة دخان طبيعي فكتمت أنفاسي ولم أحاول أن أسأله، فلما رأى صمتي ودهشتي قال لي أتعرف ماذا أدخن؟ فأجبته وماذا تدخن؟ فقال إنها سيجارة حشيش فقلت إني لا أعرفه ولن استعمله، فألح علي وأصر أن أستنشق ولو شيئاً يسيراً ومن باب المجاملة أخذت (شفطة) وليتني لم آخذها فمنذ تلك اللحظة وأنا ساقط في هاوية المخدرات.

* ومرت الأيام والليالي وحالتي متدنية من سيء إلى أسوأ بعدها قبض علي وأنا أقود سيارة صديقي من قبل رجال مكافحة المخدرات، وكان بداخل الدرج قطعة من الحشيش ومبلغ خمسمائة ريال، ولم أكن أعلم عنها شيئاً وأثناء التحقيق حاولت أن أبرر موقفي بأنه ليس لي بها أي علاقة، ولكن دون جدوى فأدانوني بهذه الأشياء وحكم علي بخمس وسبعين جلدة وسجن ثلاث سنوات وغرامة عشرة آلاف ريال.

* والآن أنا خلف القضبان أعول عائلة مكونة من والدي الكبيرين في السن وتشردت أسرتي وأطفالي.

كل هذه المصائب حصلت بسبب آفة المخدرات وأصدقاء السوء.

* لقد تحولت حياتي إلى عذاب ونكد وآلام.

هذه أخي القارئ قصتي من بدايتها إلى نهايتها، أكتبها وأرجو أن تكون عبرة لمن يعتبر.

كتبها المفتقر إلى عفو ربه

س.ش


سائق الشاحنة

عمري في الثلاثينات، متزوج ولي أطفال، تعليمي لم يتجاوز المرحلة المتوسطة، أمارس مهنة التجارة.

* بدأت تعاطي المخدرات عندما كنت في مرحلة المراهقة، وبالتحديد عندما كان عمري تسعة عشر عاماً. كان عملي قبل مزاولة مهنة التجارة سائق سيارة نقل كبيرة، وكنت استخدم الحبوب المنبهة لكي أسهر في الليل وأنام في النهار، استمررت على هذه الحالة لمدة تزيد على ثلاث سنوات وأصبحت تلك الحبوب المنبهة في دمي لا أستطيع أن أتخلى عنها.

* وبعد أن تركت العمل على الشاحنات، فتحت محلاً للتجارة ولقد قمت في ذلك الوقت بشرح مشكلتي مع الحبوب المنبهة لأحد الأصدقاء الذي أشار علي باستخدام الخمور؛ لأنها أحسن من الحبوب وفعلاً امتنعت عن تلك الحبوب المنبهة، وبدأت استخدام الخمور، ثم بعد ذلك قبض علي وسجنت، وبعد خروجي من السجن استخدمت (الهيروين) حتى أصبحت عبداً لهذه المادة اللعينة. وكان هدفي من استخدام (الهيروين) هو نسيان الماضي بمآسيه وآلامه، ولكني وجدت نفسي أعالج مشكلة بمشكلة أخرى أكثر تعقيداً أو خطورة.

* تدهورت صحتي وساءت أموري المادية والمعنوية.. لا أستطيع أن أنام إلا بعد أخذ هذه المادة، ولا أستيقظ إلا بعد أن آخذ منها جرعة.. أصبحت أسيراً لهذه المادة المخدرة.. عولجت في مستشفيات خاصة.. ولكن دون جدوى لأن أصحاب السوء يزورونني في البيت والنفس أمارة بالسوء كما تعرفون، ثم بعد ذلك المشوار المظلم قررت أن أترك المدينة التي أعيش فيها.

* أترك أولادي وعائلتي طلباً للعلاج في مستشفى الأمل بعد قناعة واقتناع أن تلك المخدرات مزقت جسمي وشردت عائلتي وأنهكتني اقتصادياً، فالمخدرات ليس وراءها إلا الدمار والخراب.

المحرر:

هذه تجربة واقعية لأحد شبابنا الذين وقعوا فريسة لهذه الآفة (المخدرات) وهي من سجلات مستشفى الأمل بالرياض ننشرها عسى أن تكون عبرة.. ودرساً مؤلماً ومؤثراً.. حتى لا تتكرر([1]).

اعترافات مدمن

هذه أخي القارئ قصة عجيبة لأحد الذين وقعوا في أفتك أنواع المخدرات وأشدها خطراً (الهروين).

وقد قدم لقصته بمقدمة رائعة نبعت من أحاسيسه ومعاناته التي يشعر بها وهو يقضي مدة حكمه في السجن وإليك أخي القارئ هذه المقدمة.

تختلف أوضاع الزمان.. وتزهو أحلام الأيام وتذبل أوراق الليالي ويمضي العمر وكلنا ساعون نحو أجل مسمى.. فما الحياة سوى غربة يكابد فيها الإنسان ويسعى.. يسعد فيها وربما يشقى. يعيش أيام العمر يُكافح.. قد يكون غنياً أو فقيراً يعيش كما كتب في جبينه.. ثم لا يلبث أن يفارق الحياة الدنيا، وقد عاصر فيها أنواعاً من التغيرات والأوضاع..

قد يذرف ـ ذلك الإنسان ـ الدموع لفراق عزيز إما لسفر أو لأي ظرف آخر.. وقد يبكي على حبيب عانق الثرى وتوارى فيه.. كل هذه الأنواع من البكاء تمر على كل إنسان في هذه الحياة.. ولكن هناك نوع آخر لا يمر إلا على أفراد من الناس.. ويختلف اختلافاً كبيراً عن جميع أنواع الحزن والبكاء..

إنه البكاء على الذات.. عندما يبكي الإنسان على ذاته.. على نفسه.. لا يجد من يرى الدمعة.. ولا يقوى على البوح بما يختلج في صدره.. كما أنه لا يجرأ على الشكوى.. هذا هو البكاء المؤلم.. الذي تفيض منه العين دموعاً حارة يضخها ذلك القلب الأسير. فهل لمن قرأ قصتي هذه أن يعتبر فإن السعيد من وعظ بغيره.

إن مستواي قد لا يؤهلني لصياغة قصة أدبية تليق بالمتلقي.. وإنما معاناتي قد تسد هذا الغرض وتفي بالغاية والغاية هي العبرة.

وإليك أخي القارئ قصتي من بداية المأساة إلى حالتي وأنا أكتب هذه السطور.

* خلال دراستي الثانوية وفي الصف الأول.. في تلك المرحلة التي يقول عنها أغلب علماء النفس إنها أخطر مراحل العمر في حياة الإنسان.. كنت أعاني من قسوة والدي وكانت قسوة شديدة.. مع أن تلك القسوة كانت لغاية معروفة وهي مصلحتي.. لكنها كانت قسوة لدرجة تفوق المعقول.. وأخيراً انفلت زمام الأمر من يد والدي.. بل وانفلت زمام نفسي من يدي.. وأصبحت في أيدي رفقاء السوء من ضحايا ذلك الوباء.. الذي سبقوني معرفة به.. كنت أجتمع بهم في بداية الأمر بحجة المذاكرة.. إلى أن اقترح علي أحدهم تناول حبة من الحبوب المنشطة، وكان له تأثير مؤقت سرعان ما يزول.. وذلك التأثير يحدث إرباكاً للمخ يخرج من خلاله الإنسان إلى عالم آخر حلواً كان أو مراً.. ويقلب موازين الفكر إلى أن يتمادى الشخص وتزيد رغبته في مادة معادلة لتلك المادة من المهدئات مثل كبسولات (السيكوناتل "الأحمر") لكي ينسى تلك الهموم التي يثيرها تناول المنشط عندما يعجز المتناول عن المواجهة الطبيعية التي وهبه الله إياها.

* وما أن يتناول المتعاطي تلك المادة المخدرة إلا ويصاب بقساوة في قلبه تثنيه عن جميع اهتماماته الدينية والدنيوية من جراء تأثيرها عليه.. وما يلبث ذلك التأثير للمخدر أن يزول إلا وتشتد حاجته بعد المواجهة الطبيعية للأمور والمشاكل.. والتي ربما لو أنه واجهها بشيء من الصبر ومشورة أهل الخير ولزوم الأخيار من الناس لأراح نفسه نهائياً.

* وبالفعل قمت بتناول مادة (السيكونال) حسب إرشادات رفقاء السوء والتعليل (أنسى وخش جو ثاني) كنت أتناولها ولم أعلم أنني أسقط نحو الحضيض بالتدريج.. إلا أنني كنت أشعر بخوف من المجهول. لكن متى ما ضعفت الإرادة فإن ذلك يعتبر من أخطر الأمور على الشخص حقاً واسألوا مجرب. وتزداد الأمور تعقيداً لأقع في بلاء أعظم.. فأتناول المادة المستخلصة من نبتة الخشخاش (الحشيش) فبواسطتها هربت من الواقع إلى الخيال.. لأنسى نفسي وأتناسى في غمرة النسيان مستقبلي وحياتي.. وغدي أنساه مع أمسي وقد أنساه من قبل أمسي.. حقيقة مرة.. وواقع مشبع بالألم.. لأني بت ثقيل الظل.. عالة على صديق السوء.. وفي عرف صديق السوء وأصوله يجب علي أن أعمل أي شيء وأكسب بأي طريق وإلا بقيت أصارع مأساتي بنفسي الموبوءة بداء المخدرات وضعف الإرادة.

والغريب أن إرادتي المشلولة سارت نحو الهلاك بطريقة لو سارت بها نحو العودة للطريق المستقيم لما حدث ما حدث.

* لقد قبلت فكرة الترويج بلا تردد وبطريقة سريعة.. وقد ساعدني الإغراء المادي في تقبل هذه الفكرة، ولقد كبرت خطوتي للسقوط في مغبة الهاوية بسبب السرعة التي وجدتها في الكسب المادي.. وبت أجاري صديق السوء في تحضير مادة الحشيش حتى أطلق علي أصدقائي اللقب العامي (أبوها).

إلى أن أراد الله جلت قدرته ووقعنا في يد رجال مكافحة المخدرات.. لأدخل السجن ولأول مرة في حياتي.. ويا ليت ألم وحرقة دخول السجن كانت كافية في عقابي ولم أر ما حصل من أهلي وأقاربي.. لقد اتسعت مغبة السقوط لأسقط من أعين جميع الناس.. لأسقط من أعين أهلي وأقاربي للأبد ـ لأن مجتمعنا شديد النظرة وقلما يغفر الخطأ أو يقبل أي عذر أو مبرر، وإنما يقابل المخطئ بالاستهجان والإنكار.

* كل ذلك أخي القارئ بسبب تأثير المخدرات وضعف الإرادة وغفلة الضمير.

لقد أمضيت مدة السجن (سنتين) وخرجت بعدها مرة أخرى لأتجرع نظرات المجتمع ونبذ الأهل والأقارب ولم أعد أزن لديهم أي شيء.

كل ذلك جعل مني أعزم على السفر إلى الخارج لأبدأ عمل شيء جديد استقيته من خلال وجودي في السجن. فهناك كما يقال (تحط اللي في راسك في رجليك) حيث لا رقابة ولا نظرة مجتمع.. هذه هي حدود وغاية إرادتي الموبوءة.

* لقد تعرفت على ما هو أشد فتكاً وخطراً (الهروين) إنه أداة لتدمير الشباب وقتله غالباً في البلاد الغربية بالإضافة إلى أمراض الجنس والخوف والقلق بين أحضان البغايا اللاتي لا ترد أيديهن يد المس ما دامت تلك اليد مليئة بالمادة. فإذا ما افتقرت يد اللامس من المادة فإنها ترد بكسرها أو بشلِّ حركة الروح التي تحمل تلك اليد وذلك أسهل شيء وبلا تردد.

* إذاً لابد من المزيد من المادة بأي طريقة حتى ولو كان بالسرقة والاختلاس.. بأي طريقة. إن الغاية تبرر الوسيلة.. والمصاب بالداء أرعن في البحث والحصول على الدواء..

* قد لا يصدق أحد عندما أورد هذه المعلومة وهي إن الضحية الأولى لي هي والدتي فقد احتلت عليها وأخذت كل ما كان بحوزتها.. إنه لم يكف ما قدمته برضاها، وبواسطة حيلتي فقد دفعتني الرعونة إلى سرقة بعض من ثمائن حليها، وبعتها وسافرت بها بعد أن تسببت في انفصالها عن والدي بسبب إلحاحها عليه أن يبعث إلي المزيد من المال، لكي أحصل به على مادة الهروين التي باتت هي روحي وغايتي ومناط أفكاري فبدونها لست إلا كأتفه حيوان وقد يكون للحيوان قيمة وغاية، أما أنا فلم يعد لدي غاية إلا الحصول على هذه المادة.

* ثم بعد ذلك عدت من تلك البلاد بعد أن حملت معضلة كبيرة.. ليس من جراء ما فعلت بنفسي.. بل مما لحق بأهلي عند رؤيتي مما حدا بأحد أقاربي (ابن خالي وزوج أختي) إلى أن يحاول إقناعي بدخول إحدى المستشفيات للعلاج ولكن دون جدوى.

وإليك أخي القارئ هذه المعلومة التي ربما تكون غريبة عندك ولكنها أمر طبيعي عند مستعمل هذه السموم، كنت أنا وزوج أختي في سيارته وبينما نحن نسير هو يتحدث إذا بي أرى الوسيلة ـ الفلوس ـ معه في درج سيارته.. إنه يتحدث وينصح وأنا أخطط لسرقة ما بالدرج.

ويا ليتني مت قبل هذا الفعل.. كم كنت أتمنى أن الأرض ابتلعتني ولم أفعل ما فعلت لقد طلق زوجته ـ أختي ـ المسكينة.. لقد دمرت منزلها من حيث لا تدري ولا تعلم.. لأن ما فعلت معه قد أفقده صوابه.

* سافرت بعدها لأعود محمولاً على أكتاف زملاء العلة موبوء.. مكروه.. منبوذ.. عاطل.. تعجز الطرقات والأرصفة وحتى أماكن تجمع النفايات أن تتحمل سيري أو إيمائي.

أرضع الرداءة وألوك مسامير الوقاحة والمتبقية في حذاء مهترئة.. إنها الكرامة.. بقايا الكرامة التي بقيت لي.

أهذي فلا أميز هل هو مواء أم نباح ولكنه أقرب إلى النهيق.. وقد يكون النهيق مألوفاً ولكن بكائي نشاز.. لأن مصدره نشاز بجسد نشاز قلباً وقالباً.

* وأخيراً أهتدي إلى باب مكافحة المخدرات لأبوح لهم بمعلومات هم في غنى عنها لأن محياي يدل علي ويترجم كل ما أخفي.

لقد قبض علي وأدخلت مستشفى الأمل.. والحمد لله فقد لقيت كل اهتمام.. عولجت وعوقبت على أخطاء ارتكبتها.

وعانقت الأمل من جديد.. ولكني إلى الآن أبحث عن المهم وهو عودة المياه إلى مجاريها بيني وبين أهلي.. فبعد أن أمضيت ثلاث سنوات في السجن تغيرت نظرتي للحياة فهل يقبلني أهلي ومجتمعي.. وأخيراً هل من معتبر.. هذا ما أتمناه وأرجوه.

الطالب لعفو ربه ومغفرته

ع.م.ش



([1]) جريدة الرياض ـ عدد 7673.