تاريخ المسلمين في البرازيل [ الجذور التاريخية ]
التصنيفات
الوصف المفصل
﴿ تاريخ المسلمين في البرازيل ﴾
« باللغة العربية »
خالد رزق تقي الدين
2011 – 1432
الحلقة الأولى: الجذور التاريخية
كنت ومازلت شغوفا بالبحث حول تاريخ الإسلام والمسلمين في البرازيل، طالبا سبر أغوار هذه الحقبة التاريخية، للتعرف على أسباب انقراض الجيل الأول من مسلمي البرازيل ذلك البلد البعيد عن العالم الإسلامي، وكذلك لالتماس أفضل السبل للحفاظ على مسلمي البرازيل الجدد، والاستفادة من تجارب الماضي، وهو الهدف الأساسي لدراسة التاريخ.
سأتناول في هذا البحث تاريخ المسلمين الماضي والحاضر وسأطرح نظرة مستقبلية لما يمكن أن يقدمه أهل الخبرة والاهتمام من دعم لمستقبل أفضل لوضع المسلمين في البرازيل.
تم اكتشاف البرازيل عام 1500م على يد البحار "بيدرو ألفارس كابرال"، هذا البلد الجميل الذي ضم المتناقضات المختلفة، والتي دفعت عالم الاجتماع البرازيلي جوبيرتو فريري لتأليف كتابا حولها سماه "عالم جديد في الأوساط الاستوائية".
هذا التمازج في تكوينة الشعب البرازيلي الاجتماعية والحضارية، أثر على كل شيء في هذا البلد حتى في سبب تسميته بهذا الاسم، فيوجد رأي يقول أن كلمة "البرازيل" ترجع لكلمة "براسيل" نسبة لنوع من الأشجار كانوا يستخرجون منه الصبغة الحمراء، وأخري "هي برازيل" Hy Brasil والتي تعني أرض العظمة والقوة والجمال، وثالثة ترجع لكلمة "Bress" بريس وتعني المبارك بلغة شعوب غرب أوروبا، والمتعارف عليه في معظم المصادر التاريخية هو الرأي الأول.
تختلف الروايات حول أول اتصال للمسلمين بالبرازيل، فيذهب بعض المؤرخين إلى احتمالية وصولهم إلى أرض البرازيل قبل اكتشافها عن طريق بعض القوارب، نظرا لتقدمهم في علوم البحار، ويستدلون على ذلك ببعض الكتابات والنقوش العربية التي وجدت محفورة على بعض الأحجار في مدينة "ريو دي جانيرو" وغيرها من سواحل البرازيل وأمريكا اللاتينية عموما، وكذلك بعض الروايات في الكتب التارخية لعلماء المسلمين الذين اهتموا بعلوم الجغرافيا، ولكن هذه الروايات تحتاج لمزيد من البحث والتحقيق العلمي الدقيق.
وتذهب الروايات الأخرى إلى أن مكتشفي أمريكا والبرازيل اصطحبوا معهم بعض المرشدين المسلمين المتمرسين في علوم البحار، هؤلاء المرشدون تظاهروا بالنصرانية للهروب من محاكم التفتيس في إسبانيا "الموريسكيين"، وحال وصلوهم إلى البرازيل بدأوا في إظهار بعض الشعائر الإسلامية، ولم يلبثوا كثيرا حتى تم أكتشاف أمرهم وأقيمت لهم محاكم تفتيش من قبل البرتغاليين في مدينة باهية 1594م وتم تحديد بعض المواصفات التي تبين من هو مسلم سرا ونصراني جهرا مثل "الاغتسال والاستيقاظ المبكر والصيام ونظافة الملابس"[1].
وذهب إلى هذا الرأي الدكتور علي الكتاني – رحمه الله -، وهو الخبير بشؤون الأقليات المسلمة في العالم، يقول "عندما قام البرتغاليون بغزو البرازيل، منعوا المسلمين من الهجرة إلى هناك، غير أن هذا المنع لم يحل دون وصول العديد من الموريسكيين الذين كانوا من الكثرة، بحيث أشهروا في القرن السادس عشر إسلامهم وقد أعلنت محكمة باهية بسبب ذلك بدء العمل بمحاكم التفتيش الكاثولوكية منذ عام 1594م، هذه المحاكم نفذت ضدهم أحكاما دموية تمثلت في إعدام أو إحراق أو استعباد الآلاف منهم"[2].
كانت خبرة المستعمر البرتغالي قليلة في مجال استصلاح الأراضي، ولديهم مساحات شاسعة من أرض البرازيل البكر التي تم اكتشافها، فبدأوا عملية استجلاب العبيد من إفريقيا عام 1538 وبعد 40 عاما كان قد تم استجلاب 14.000 ألف عبدا، ثم 600.000 ألف من أنجولا وخصوصا من قبائل "داهوتي - الهوسا - أشانتي - الفولاني"...
إن البحث يقودنا للتعرف على أوضاع المسلمين في إفريقيا بدايات القرن السادس عشر، وهي الفترة التي تم فيها بيع هذه الأعداد الهائلة من الأفارقة، والتي تقدر بالملايين "فقط من دولة بنين ثلاثة ملايين تم بيعهم خلال القرن السابع عشر"[3].
كانت إفريقيا في ذلك الوقت لاتزال تنعم بآثار الممالك الإسلامية القوية، وماكان لديها من حضارات زاهرة، وعلوم مقدمة، في مجالات الزراعة، والعمارة، والثقافة والفنون، والصناعات المختلفة، ولقد تأثر هؤلاء العبيد بلاشك بتلك الثقافات المتعددة، والعلوم المزدهرة، وكانت سببا لترك بصمتهم الواصحة في بناء حضارة الدولة البرازيلية الجديدة.
تعتبر الفترة من 1000 إلى 1500 للميلاد العصر الذهبي بالنسبة لتطور منطقة غرب إفريقيا حيث فترة توسع وازدهار تجاري بين المدن والدول والإمبراطوريات وفي جنوب شرق السودان كانت دول الهوسا وإمبراطورية كانيم – بورنو من أهم الكيانات السياسية في تلك المنطقة[4].
لقد تم انتزاع هؤلاء العبيد قسرا من أرضهم، وعوملوا معاملة غير آدمية، وسيقوا إلى بلاد بعيدة ومجهولة لهم، ومات منهم الكثير أثناء عملية النقل الوحشية، ومن وصل منهم إلى أرض البرازيل أرغم على التنصر، وعاش في ظروف غير آدمية[5].
يقول عياش دراجي "مائة وخمسون كيلو متراً طول طريق العبيد في بنين لم يبق منها سوى أربعة كيلو متراً، ولكن لابد من التوقف عند الشجرة المقدسة التي تُسمى "شجرة النسيان" إذ يقوم الرجال من العبيد بالطواف حولها تسع مرات والنساء سبع مرات، وتلك الطقوس الوثنية كان الهدف منها حمل العبد على نسيان الماضي وغسل الذاكرة، ثم ينتقل العبيد إلى المحطة الثالثة ليتم حبسهم في ركن خاص إلى أن تصل السفن وقد يدوم الانتظار أربعة أشهر، يحبسون في ركن زوماي، أي المكان الموحش الذي لا نار ولا نور فيه، يُقسَّمون إلى أفواج في زنزانات مظلمة لتعويدهم على الصبر في عنابر السفن الضيقة"[6].
حينما وصل هؤلاء العبيد إلى أرض البرازيل تم تعميدهم، ولكنهم ظلوا محافظين على إسلامهم، يمارسون شعائرهم الإسلامية خفية، ويحفظون بصفحات من القرآن، وكان بينهم علماء ومشايخ، ظلوا يوجهونهم للتمسك بدينهم، وقد أقاموا داخل أكواخهم حلق القرآن، ومجالس العلم، وكان نتيجة هذا التمسك القوي بالإسلام أن سمح لهم أسيادهم البرتغاليون بهامش من الحرية الدينية.
وتذكر بعض الكتب التاريخية أن هؤلاء العبيد كانوا أسرى ملك داهومي الوثني أسرهم في حروبه مع الدول الإسلامية وباعهم للبرتغاليين، وصادف أن كان من بين هؤلاء علماء في الدين فنجحوا في الحفاظ على علمهم وأسسوا جاليات إسلامية قوية ومنظمة من المستعبدين في ولايات "باهية - وريو دي جانيرو - وسان لويس دو مرانيون"، ونجحوا في إدخال كثير من العبيد الآخرين في الإسلام، وكانت لهم المدارس الإسلامية والمساجد وشيء من الحرية الدينية، وكان يسميهم البرتغاليون بالمعلمين"[7].
يتفق المؤرخ "نينا رودريغيز" مع هذا القول ويوضح ذلك في مقال له تحت عنوان "المسلمون الزنوج في البرازيل"، اعتمد فيه على أرشيفات الشرطة ومراسلات حكام الولايات، وتصريحات المتهمين المتورطين في التمرد الذي قام به الزنوج المسلمون ضد نظام الرق الذي كان وراء تهجيرهم إلى البرازيل[8]، ولقد زار هذا المؤرخ بعض أئمة الزنوج بمدينتي باهيا وريو دي جانيرو وتحدث عن أنشطتهم ولباسهم ومبررات تمردهم وعلاقتهم ببقية الزنوج غير المسلمين[9].
ويؤكد الباحث الإيثنوغرافي الفرنسي "روجيه باستيد" أن المسلمين الزنوج كانت لهم مساجد في الأغواس، وبرنامبوكو وباهية[10].
كل هذه الدراسات تؤكد وتصف الإسلام بأنه الديانة التي تبعث على عزة النفس وتقاوم كل محاولات التمسيح كما تصف الذين يدينون بها في البرازيل بـ"أناس متسامحين ثائرين لهم عزة نفس"[11].
المقال القادم:
الثورة الإسلامية في باهية البرازيلية
[1] المسلمون في أوروبا وامريكا ص251.
[2] المسلمون في أوروبا وأمريكا ص35.
[3] Foxnews.
[4] المصدر www.ansab-online.com.
[5] توجد وثيقة مهمة جدا لواحد من هؤلاء العبيد اسمه "محمد واقواقوا" وقدتم أسره من بنين، وسيق إلى البرازيل ثم نال حريته حينما ذهب لأمريكا على ظهر سفينة، وكان يجيد الكتابة فقام بكتابة مذكراته،بمساعدة أحد الأمريكان "صمويل مور"، عام 1854.
Mohammad G. Baquaqua, Biography of Mohammad G. Baquaqua. A native of Zoogoo, in the interior of Africa. Edited by Samuel Moore, Esq. (Detroit: George E. Pomery and Co., Tribune Office. 1854) pp. 40-57). Traducao: Sonia Nussenzweig.
[6] http://forum.roro44.com/235530-5.html
[7] المسلمون في أوروبا وامريكا ص251.
[8] Jornal de Janeiro 2/11/1900.
[9] الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية 207.
[10] المصدر السابق.
[11] المصدر السابق.