أنيس الطالبات
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. وبعد:
إليك يا طالبة العلم والعرفان.. وحاملة شعار الإيمان.. كلمات وقادة تبين لك أصول الطلب وآدابه.. وطريق الالتزام والاستقامة.. كي تنالي مع النجاح الفلاح.. ومع الشهادة.. السعادة!
أولا: أخلصي في الطلب
طلب العلم من العبادات الجليلة التي يستوي الذكر والأنثى بالتشرف بإعمالها في حياته، ومعلوم أن الإخلاص شرط في العبادة، كما قال تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{.
والإخلاص في طلب العلم يكون باستشعار الأجر والثواب من طلبه، وقصد الله به، واستبعاد حب الرياء والسمعة والمباهاة والتفاخر والتعالي به على الآخرين. فقد قال رسول الله ﷺ: «من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» [رواه أبو داود].
أختي الطالبة: تعلمي الإخلاص قبل تعلم العلم.. فإن الإخلاص في الأمر منبع البركة فيها، فمنه يتفجر التوفيق والسداد والنجاح والفلاح، لأن الإخلاص لله في العبادات هو جوهر صحتها وقبولها.. والله جل وعلا يكفي من تعبده بنية صادقة كما قال تعالى: }أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ{، أي: أن الله جل وعلا يكفي عباده مؤونة الدنيا والآخرة إذا هم عبدوه بإخلاص واتباع.
فاستثمري أخية لحظات الطلب في كسب الثواب.. وذلك بتصحيح النية.. وإصلاح الطوية.. ولا يكن همك من العلم شهادة تبلى.. وريالات تفنى! ولا يضرك وأنت تقصدين بالعلم وجه الله أن تنالي الشهادات العليا وأن تحظي بالمناصب المهمة.. وإنما المحرم أن تكون الشهادة هي القصد كله.
طريقك إلى النجاح
أختي الطالبة: إن تحقيقك للنجاح الدراسي يعتمد على عناصر ثلاثة:
العنصر الأول: الجد: فالجد هو الأساس الأوحد لكل نجاح، وهو يعني المثابرة والعزيمة والإصرار، وتحمل مشقة الحفظ والمطالعة، والدرس والمراجعة، فالله جل وعلى قد جعل مكابدة الحياة سنة كونية، وجعل للنجاح أسبابا شرعية، وأخرى كونية، والجد من أسباب النجاح الكونية، فما سلكه من أحد مهما كان إيمانه إلا وصل لمبتغاه كما قال تعالى: }إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى{.
وكما قال الشاعر:
وما كنت ممن نال الملك بالمنى | ||
ولكن بأيام أشبن النواصيا | ||
لبست لها كدر العجاج كأنما | ||
ترى غير صاف أن ترى الجو صافيا | ||
فإن كنت حريصة على النجاح الدراسي، فابذلي جهدك في الاعتكاف على دروسك، وأعطيها بالك ووقتك ودعي العجز والكسل والخمول.. فإن النبي ﷺ كان أكثر ما يتعوذ من ذلك ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال» [رواه البخاري]، وفي المثل: من جد وجد، ومن زرع حصد.
العنصر الثاني: تنظيم الأوقات: فإن الجد مع الفوضى لا يجدي شيئا، ومثل صاحبه كمثل الذي يروم الزرع في وقت الصيف ويريد الحصاد وقت الشتاء! وتنظيم الأوقات يستلزم تقسيمها بحسب الأعمال.. فوقت لدراسة المواد الهامة وفهمها وحفظها.. ووقت للمطالعة الحرة، ووقت للنوم.. ووقت لزيارة الأهل إن أمكن.. ووقت للاجتماع بالأخوات الطيبات.. وهكذا لكل عمل مجاله الزمني الذي يستحقه والطالبة النجيبة هي التي تزن الأمور بالميزان الصحيح فلا تقدم الأعمال المباحة على مهمات أمورها.. وإنما تضع كل عمل في إطاره المناسب.. فلا تقدم مثلا وقت الزيارة والذهاب إلى الأسواق على دراسة الواجبات الضرورية.. كما لا تعطي لنفسها حق النوم والسهر على حساب مقرراتها وواجباتها.
وبالجملة فإن الطالبة الناجحة لا تتحرك إلا وفق جدول ترتبه مسبقا في مفكرتها الجيبية.. وكلما أنجزت عملا.. انتقلت للذي بعده.. وهكذا تعيش في نظام محكم يسمح لها باستثمار أوقاتها وأداء واجباتها بنجاح.. قال رسول الله ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» [رواه البخاري].
العنصر الثالث: الاستعانة بالله: فقد قال رسول الله ﷺ: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» [رواه مسلم]، فجمع ﷺ بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة ومشاهدة قضاء الله وقدره.
إذا لم يكن من الله عون للفتى | ||
فأول ما يقضي عليه اجتهاده | ||
فاحذري أخية من الاعتماد على نفسك في الأمور فإنك إن وكلت إليها فشلت، واستعيني بالله بالدعاء والتضرع في كل شيء، واعلمي أن الله جل وعلا قادر على إفهامك سائر ما يشكل عليك فهمه، كما قال تعـالى: }فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ{، وقادر على تعليمك كما علم أنبياءه ورسل.. وقد قال ﷺ: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء».
طلب العلم: اعلمي أختي الطالبة أن طلب العلم من أسمى المطالب.. وأجل الخصال والمناقب.. فهو جسر معرفة الأحكام.. وطريق الإلمام بالحلال والحرام.. لذلك كان الخير كله في طرق بابه والوقوف على أعتابه.. قال رسول الله ﷺ: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» [متفق عليه].
وكيف لا؟! وهو طريق النجاة من مكائد الشيطان.. ومهاوي العصيان.. كيف لا؟! وبه تسهل طريق الجنان.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من سلك طريق يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة» [رواه مسلم]، ولما كان فضل طلب العلم عظيما.. كان أجدر بك أختي الطالبة أن تبذلي الجهد في تحقيقه.. وخوض الصعاب في تحصيله. وتجنيد النفس لسلوكه.
وعليك أختي الطالبة أول ما تتعلمين معرفة أصول الإيمان مما هو واجب المعرفة من المعتقد في توحيد الله وأسمائه وصفاته ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ثم بعد ذلك معرفة أحكام العبادات كالطهارة والصلاة والصيام، وما يتعلق فيها من أحكام وشروط وأركان ومبطلات وغير ذلك مما تصح به عبادتك ثم بعد ذلك معرفة أصول الحلال والحرام، والمنهيات فيما يتعلق باللباس والحجاب وشروطه أو في المأكل أو المشرب.
احذري هذه المخالفات!!
* احذري الرفقة السيئة: فتأملي أخية في توجيه النبي ﷺ حين قال: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».. فقد دل الحديث على وجوب التحري في المرافقة.. لأن الرفقة تؤثر سلبا أو إيجابا بحسب نوعها، ولذلك قال ﷺ: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة» [رواه البخاري ومسلم].
وكما قيل الصاحب ساحب.. فاحذري أخية من مصاحبة رفيقات السوء فإنهن خطر على عفافك.. ونجاحك ، بل ودينك وإيمانك.. وعليك بالطيبات الناصحات المستقيمات.. }وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{.
* الحجاب الحجاب: فمن المخالفات الشائعة التي تقع فيها بعض الطالبات عدم الالتزام بالحجاب الذي فرضه الله على نساء المسلمين، مشروطًا بشروط بينة وأحوال معينة تميزه عن غيره من الألبسة، والأخت الطالبة بما لديها من الوعي بالإسلام، والوعي بما أوجب الله عليها في اللباس والحجاب هي أعلم بتلك الشروط، إذ لا يجوز لها لبس العباءات (المطورة) الناقضة للحياء، ومنها العباءات الضيقة والكاشفة للبدن والقصيرة والمشبكة ونحوها من الألبسة التي أدخلت على الحجاب في موجة الموضة المحدثة.
* الركوب مع السائق بدون محرم: وهذا من المخالفات التي يقع فيها بعض الطالبات.
فقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي داخل المدينة فقال: (لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرما لها، وليس معهما غيرهما لأن هذا في حكم الخلوة، وقد صح عن النبي ﷺ «لا يخلو رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم».
وقال ﷺ: «لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما».
أما إن كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى، فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة، لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر وهذا في غير السفر.
أخية: لعلك تذكرين لحظات الامتحان.. والاستعداد له.. وظهور النتائج في آخر الفصل الدراسي.. وآخر السنة.. وتحبين دوما أن تكوني من الناجحات المتفوقات وتكرهين يوما أن تكوني من الراسبات الخائبات!
كذلك هي كلها الحياة.. إذا تأملتها! إنها امتحان كلها.. كل لحظاتها وساعتها امتحان: }تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{.
تذكري.. أنك في امتحان لا ينقطع.. يراقبك فيه ملكان لا يغفلان ولا ينسيان ومادة ذاك الامتحان هي العبادة وطاعة الله سبحانه.. الناجحون فيه هم أهل التوحيد والطاعة: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{.
الخاسرون الخائبون فيه هم أهل المعصية.. }وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا{.
فانظري بأي الفريقين تلتحقين.. فالنتائج ستظهر يوم الدين!!!
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.