قيمنا في موازين الفضائيات العربية: دعوة للمراجعة والتأمل
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد كان المتخصصون في التربية على اختلاف مللهم ومشاربهم- ولا زالوا- يحذرون مما يعرض عبر الشاشات، ويبينون الأضرار والأخطار الثقافية والأخلاقية والصحية، كان ذلك قبل وجود القنوات الفضائية، واليوم وفي عصر ما يسمى (العولمة) وبالنظر لما تضمنه البث الفضائي من أنواع المواد الإعلامية الساقطة، فقد بحت أصوات المنذرين والمحذرين، وتوالى سقوط القيم لدى كثير من أفراد المجتمعات، وأعداد الضحايا من الذكور والإناث في ازدياد وللأسف الشديد.
ولا ريب أن الكلام حول ما تعرضه القنوات الفضائية طويل عريض، ولم يعد ما تحويه من أنواع الإسفاف بخاف على أحد يعقل، وخاصة ما يتعلق بالانحرافات العقدية، والنقض المتعمد للمرتكزات الدينية والثقافية، وضرب المبادئ الاجتماعية في صميمها، إنها مشكلات وأخطاء وأضرار في الحاضر والمستقبل، في عقيدة الأمة وأخلاقها، وفي دينها وسلوكها، وفي ثقافتها وأمنها واقتصادها.
تلك الأضرار والمشكلات التي إن سارت على سفسطتها وإسفافها، فسوف تكون عاقبة المجتمع - بل الأمة برمتها- وخيمة ومخيفة؛ حيث تنقلب الرذيلة فضيلة، والفحش فنًّا، والخنا والفجور تمدنًا وتحضرًا، والفسق والمجون عادة وطريقة، وحينذاك فويل لأهل العقل والحكمة من أصحاب الانحراف والجهل، وما أزراه حينئذ من مجتمع، وما أسفهها من أمة.
وذلكم المآل مما يزيد في شناعته وقبحه فوق ما فيه من القبح أن الذين يستجرون الأمة إليه هم شرذمة قليلة من سفهاء الناس وسقط المجتمعات؛ ممن أججوا الشهوات وراحوا يتاجرون بالشهوات لملء أجوافهم ونيل مبتغياتهم العفنة.
ورغبة في مزيد التوضيح والبيان وبراءة الذمة فقد تم تحرير هذه الورقات ([1])، سائلاً الله تعالى أن ينفع بها.
* * * *
الفضائيات العربية.. مجون واستخفاف
جاء في دراسة علمية أعدها (اتحاد إذاعات الدول العربية) وقدمت لاجتماعات اللجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية- والتي عقدت بالجزائر في الرابع من ربيع الأول عام 1423هـ- أن عدد القنوات الفضائية العربية العاملة حتى ذلك التاريخ يربو على (196) قناة حكومة خاصة، وجميعها تتبع (47) هيئة إذاعية وتلفزيونية، الحكومية (20) هيئة، والخاصة (27) وجاء توصيفها كما يأتي:
(57) قناة متنوعة البرامج.
(65) قناة متخصصة؛ حيث:
(13) منها تخصصت في البرامج التعليمية والثقافية.
(12) قناة متخصصة في البرامج الإخبارية وفي الأعمال الدرامية.
(11) قناة تقدم ما يتعلق بالموسيقى والأغاني.
(6) قنوات تهتم ببرامج الأطفال والرياضة.
وجاء في الإحصائية أن (78) قناة تبث على نظام البث المفتوح، في حين يصل عدد القنوات التي تعتمد البث المشفر إلى (59)([2]).
والناظر في معظم الفضائيات العربية يجزم بأنها لا تسعى لتعميق الإرث الإيماني والثقافي والأخلاقي للأمة، بل إنها تشن الغارات تلو الغارات على الفضيلة، من خلال ركام هائل من الأعمال الفنية من غناء وتمثيل ورقص وغير ذلك، ولا تكتفي في ذلك بالأعمال العربية، بل وتستعين بأفلام أجنبية مترجمة أو مدبلجة.
والفضائيات العربية تعزز اليوم من رصيد الانحراف في أوطان المسلمين، وتجعل المرأة وسيلة مسخرة لتحقيق هذه المقاصد واستمالة قلوب المتابعين وعيونهم إليها.
كما أن الفضائيات العربية باتت تشجع الفواحش ومقدماتها، من خلال عرض المناظر المخلة بالأدب، وعبر استثارة الغرائز من خلال أكوام اللحوم الأنثوية والأحداث الغرامية، التي تحفز الشباب والفتيات في أوطان المسلمين على سلوك سبيل الفاحشة وإقامة العلاقات المحرمة فيما بينهم.
إن تفصيل فظائع القنوات الفضائية ونظيرتها شبكة الإنترنت يطول ويطول، غير أن ما يجدر أن نتوقف عنده وقفة تأمل وتعقل: هو ذلك الأسلوب الفج والتناول المقذع الذي تتعاطاه عدد من القنوات العربية مع متابعيها، وخصوصًا في المملكة، خاصة وأن هذا الأسلوب علاوة على تكريسه لمفاهيم محددة والتركيز عليها، فإنه يتسبب بصورة مباشرة في تشكيل ثقافة المجتمع وتوجهاته.
إن من يلاحظ الطريقة التي تتعامل بها معظم القنوات العربية مع جمهورها البائس من المحيط إلى الخليج، وخاصة في المملكة، يلاحظ أنها قد كونت تصورًا محددًا عن جمهورها من الذكور والإناث في هذه البلاد، وذلك وفق ما يلي:
الرجال: مجموعة من الذكور المنهومين الذين يسيل لعابهم وتهتز مشاعرهم لرؤية امرأة، وحتى لو أصبعًا من أصابعها، لا بل إنهم ليتصورون أن مشاهديهم في المملكة من الرجال يوشك أن يصرعوا لصوت امرأة تبادلهم التحية من خلال شيء من البرامج المباشرة!!
هذه ليس دعوى أو ادعاء، ولكن من نظر بعين الإنصاف لطريقة تعامل تلك القنوات مع متابعها في المملكة، فسيجد ذلك واضحًا جليًا، ومن أدلة ذلك المتكاثرة:
أن تلك القنوات قد جعلت توقيت موادها متوافقًا مع أوقات المشاهدة في المملكة، ولهذا فإن كثيرًا من برامج الإسفاف وقلة الحياء وغيرها إذا قامت القناة الفضائية بالإعلان عنها فإنها تحدد الساعة (بتوقيت السعودية)، وقد يتمادى الاستخفاف بالعقول، فبدلاً من أن تحدد اسم (السعودية) تذكر الوقت وبجانبه صورة للكعبة والمسجد الحرام!!
ألا ما أقل الحياء وما أبشع الاستخفاف بالعقول!!
ويا سبحان الله، كيف تهد مشاعر العقلاء ويتم الربط بين مشاهد الفحش والخنا وبين صورة البيت العتيق وساكنيه، أين أنتم أيها الفضلاء من هذا الاستخفاف والإسفاف؟ وكيف لا يغار المرء على هذه البلاد الطاهرة والمسجد الحرام وأهله؟!
أما فئة الشباب: فقد استطاع عدد من القنوات العربية أن تستجر عددًا منهم ببعض المغريات؛ من خلال مشاهد المجون وحوارات الإغراء، فراحت تلك القنوات الفضائية العربية تصورهم في أصقاع الدنيا بأنهم من أولهم إلى آخرهم هواة المعاكسات، وأنهم لا يفكرون صباح مساء إلا بافتراس الفضيلة وقتل العفاف!!
هذه أيها القارئ الكريم ليست دعوى ولا ادعاء، وإن رمت الدليل فلك أن تتأمل في تلك الدعايات المتبجحة مما فيه الازدراء المقيت، وفي ظني أنه لا تخفى تلك الدعايات التجارية التي يصور فيها شبابنا بأن همهم الأول والأخير هو معاكسة الفتيات، كما صنعت شركة (شل) للزيوت حين أعدت إعلانًا ترويجيًا عبر إحدى القنوات الفضائية يظهر للمشاهد ذلك (السر العجيب) (!!) الذي يجعل فتياتنا يستجبن لمعاكسات الشباب وهو استعمالهم زيوت الشركة المذكورة لسياراتهم ([3])!!
إن تلك ليست بدعايات للسلع، ولكنها إساءة لجميع شباب هذا البلد الكريم وفتياته، بكل ما يكمن في نفوسهم ونفوسهن من معاني الطهر والغيرة والعفاف، بل ولعموم شباب المسلمين وفتياتهم.
وقد أطلعني عدد من الشباب الغيورين على إعلان تجاري لشركة (كوكاكولا) عبر قناة (ART)، وذلك يومي الجمعة والسبت 19 و 20/3/1423هـ تاريخ تحرير هذا التوضيح، وقد يتتابع الإعلان فيما بعد، وقد يكون في قنوات أخرى.
ويظهر في الإعلان المشار إليه عدد من الشباب الذين صور بعضهم وهو يلبس الثوب، وهم يتناولون مشروب (كوكاكولا) ويجعلونه وسيلة للتحرش بفتاتين تلبسان العباءة وغطاء الشعر مع إبداء الوجه.
وفي إعلان آخر يظهر هؤلاء الشباب مع الفتاتين في مطعم أو مقهى مختلط، ثم يكتبون أرقام هواتفهم التي يتضح أنها أرقام الجوال السعودي (!) وكيف أن الفتاتين تبتسمان لهم بفعل هذا المشروب دلالةً على التنازل والاستجابة.
ولا يخفى على أي عاقل كيف أن هذا الإعلان يظهر شبابنا وفتياتنا بمظهر سيئ يقترن بالتحرش والمجون وفاحش الأخلاق، بما يحمله ذلك من الإساءة بالبالغة لهذا المجتمع الزاكي.
كما أن هذا الإعلان دعوة صريحة لأن يسلك المراهقون والمراهقات هذا المسلك الخاطئ، وفي هذا إشاعة للمنكر ولمقدمات الفواحش، والله تعالى يقول: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ{ [النور: 19].
ولك أيها القارئ الكريم أن تتيقن من ذلك أيضًا إذا علمت أن عددًا من الباقات الفضائية جعلت البث الحصري للمسابقات والألعاب الرياضية – والتي يهتم بها معظم الشباب – مقرونًا بالقنوات الغربية التي تعرض الطقوس الكافرة والعري والتفسخ والرذائل الأخلاقية!
هكذا تتصور شرذمة من القائمين على القنوات الفضائية العربية عن شباب هذا البلد الكريم، يتصورونه ويصورونه بأنه شباب مدفوع بالشهوات ومحرك بالغرائز، وهكذا يصورون فتياتنا بأنهن مستعدات لكل دواعي المعاكسات والتحرشات.
ثم جاء بعض تجارنا ليؤيدوا هذه الفكرة ويستحسنوا هذا التشويه لنا، ويدفعوا أموالاً طائلة مقابل هذا الإعلان، ولم يفكروا في شناعة إساءتهم لبلادهم وشبابها، ونشر التصورات الخاطئة عنهم، فهذا لا يهمهم في مقابل تحصيل المال بأي طريق وأية وسيلة.
وأما التصور السائد في معظم القنوات الفضائية العربية المسفه عن نساء بلادنا فهو:
أنهن: إما معوقات أو مشوهات أو دميمات!!
وأنهن لا يفقهن في الحياة شيئًا، ولا يدركن شيئًا من أصول الإتيكيت ولا صرعات التحرر الأنثوي المزعوم.
وأنهن لم يرين الشمس والنور منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان.
هكذا يتصورون وهكذا يشيعون عن نسائنا، وهم يريدون في حقيقة الأمر اتباع أهواء أنفسهم ومحاولة تشويه آداب الإسلام التي يتحلى بها نساؤنا، ولهذا راحوا يكيلون ويكيدون بغية سوق النساء نحو الحظائر الغربية والحظائر العربية المتهتكة.
وكمثال على ذلك فقد تخصصت إحدى القنوات المأجورة بنقد مسالك المحافظة والاستقامة في بلد الحرمين، وهي القناة المسماة (المستقلة) والتي مقر بثها بلندن، ويقوم عليها عدد من المرتزقة الذين أرادوا أن يقتاتوا على تسويق الأكاذيب والمزاعم المضللة نحو بلادنا.
وكان من جملة إفكهم أنهم خصصوا حلقتين مستقلتين لقضية كبرى أقضَّت مضاجعهم وأطارت السهاد عن أعينهم؛ إنها قضية (الأوضاع الاجتماعية للمرأة السعودية)؛ حيث أرق أولئك المرتزقة وأقلقهم كون نساء بلاد الحرمين مازلن إلى اليوم بعيدات عن ثقافة الـ (Girl Freind) وكونهن مازلن يغطين وجوههن.
وأما القضية التي كادت تسبب لمرتزقة القناة المذكورة شلل الأطفال وداء الإيدز فهو أن المجتمع السعودي لا يقبل أن يتعاطى المرأة السعودية عددًا من المسالك التي يتعاطاها النساء في كثير من البلاد، مثل قيادتها للسيارة، ومثل توظيفها نادلة أو مضيفة في الطائرات، أو شرطية عند إشارة المرور.. إلخ القائمة المعروفة، التي تؤدي بها إلى الاختلاط المحرم.
وكان من جملة التلبيس والإفك أن استضافت القناة المذكورة من يسير على نهجها، كبعض المحسوبين على ثقافة بلاد الحرمين، ولكن مشاربهم مكدرة بثقافات غربية ونفسيات مضطربة؛ سواء أكان ذلك في الأستوديو أو عبر الهاتف.
تلك لمحات من الواقع الذي من خلاله ووفقه تتعامل القنوات الفضائية العربية المسفة مع مجتمع نبيل، ما زالت معدلات الجريمة والإسفاف والفحش تمثل فيه أرقامًا متدنية؛ لتدينه ومحافظته، وذلك إذا ما قورنت بالبلاد الأخرى.
وأهل هذه البلاد إنما يستمدون تميزهم بإرثهم المحمدي، والذي ابتعث الله به خاتم أنبيائه ورسله محمدا ﷺ، ثم كانت الوثبة الكبرى لأهل هذه البلاد راسخة بأصولها الشرعية من خلال الميثاق الجليل بين الإمامين المحمدين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب رحمهما الله، والذي نصره الله وأعلاه لقيامه على نصرة الدين الحنيف.
إنه تاريخ متوهج بالنبل مشع بالفضل، والدنيا بأسرها تشهد بما كتب الله من الفضائل والخيرات التي انطلقت من بلاد الحرمين إلى آفاق الدنيا.
أفبعد كل هذا تدفن تلك الفضائل وتتناسى المكارم بأيدي شرذمة الفحش والعهر؟! من أجل مناظر مقذعة متدنسة تسخر لها العواهر.
وإلا فأين تلك الشرذمة عن فضائل ساكني بلاد الحرمين... عن فضائلهم ومآثرهم، أينها عن عمارة الحرمين؟ وأينها عن نصرة المستضعفين؟ ومد يد العون للمحتاجين والوقوف مع المسلمين في أصقاع الأرض؟ وأينها عن بيوت يرفع فيها ويذكر اسم الله، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال أطهار من الشيب والشباب؟ وأينها عن مؤسسات خيرية ودور تعليمية وصروح علمية شادها رجال كرماء ونساء خيرات؟ وأينها عن نساء كريمات شيدن للفضيلة بروجها وضربن في مجالات السموِّ والعطاء أروع الأمثلة وأزكاها، إلى غير ذلك من قائمة طويلة من أعمال وإنجازات لا يتعامى عنها إلا جاهل أو حاقد؟
قبل استحكام الكارثة
واقع معظم الفضائيات العربية اليوم وأخواتها من وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة مؤسف ومحزن، ولا تزال الخطوات والتوجهات يغلب عليها طابع العبث واللهو، بعيدًا عن واقع الأمة وحاجتها لمن ينهض بها من كبوتها.
ولهذا كان جديرًا بالعقلاء أن يقوموا بالخطوات الفعلية الواقعية لتصحيح الأوضاع وإصلاح الأحوال.
وما لم يتناد أهل الحجا وأرباب الحكمة والفضل والفضيلة لاستدراك الأمر وتصحيح الأوضاع واستدفاع الأخطار، فليوشكن أن يكون باطن الأرض خيرا من ظاهرها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ويوشك حينئذ أن ينطبق قول الصادق المصدوق ﷺ: «والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل ([4]) على القبر، فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء». رواه البخاري ومسلم واللفظ له ([5]).
وقوله: «يا ليتني مكانه» أي كنت ميتًا. قال ابن بطال رحمه الله: تغبط أهل القبور، وتمني الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوف ذهاب الدين بغلبة الباطل وأهله، وظهور المعاصي والمنكر. انتهى.
قال ابن حجر: وليس هذا عامًا في حق كل أحد، وإنما هو خاص بأهل الخير، وأما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه، وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه. وإنما سبب ذلك وقوع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو أعظم من المصائب أهون على المرء، فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده.
وقال الحافظ القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاش نفسه وما يتعلق به، ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي ﷺ: «العبادة في الهرج كهجرة إليَّ».
وقد أخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال: عدت أبا هريرة، فقلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: اللهم لا ترجعها، إن استطعت يا أبا سلمة فمت، والذي نفسي بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدكم من الذهب الأحمر، وليأتين أحدهم قبر أخيه فيقول: ليتني مكانه. وفي كتاب الفتن من رواية عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: يوشك أن تمر الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل فيهز رأسه فيقول: يا ليتني مكان هذا! قلت: يا أبا ذر، إن ذلك لمِنْ أَمْرٍ عظيم؟! قال: أجل.
تلكم حال أهل العلم والإيمان في كراهية كل ما به محادة الله ورسوله وما به اضمحلال الدين وخفته.
وقد تسببت وسائل الإعلام العربية المنحرفة، وفي مقدمتها اليوم فضائياتها- تسببت في زعزعة ثقافة الأمة وجرها إلى مستنقعات التخلف والسقوط، من خلال إشغالها بسفاسف الأمور ومنكرات الأخلاق والأقوال والأفعال، لا يمتري في ذلك من سلم من غبش الرؤية وانحراف التفكير.
* * * *
القرار المتأكد
لقد آن الأوان لأن يعلم المتأثرون من أهلنا بما تبثه وتنفثه القنوات الفضائية المجرمة في حقنا– أن يعلموا عظم الجناية في حقهم وفي حق أوطانهم وأجيال أمتهم، وألا يكونوا مستغفلين من قبل تجار الرذيلة وسماسرتها ومحبي إشاعة الفاحشة في المؤمنين.
فهل يستجيب إخواني وأخواتي ويدركون مسؤوليتهم نحو أنفسهم وأهليهم ووطنهم وأجيالهم القادمة، ذلك ما أرجوه، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حرر في 10/3/1423هـ
الرياض 1154
ص.ب/ 57242
* * * *
المحتوى
المقدمة 5
الفضائيات العربية.. مجون واستخفاف.. 7
قبل استحكام الكارثة 15
القرار المتأكد 18
المحتوى. 19
* * * *
([1]) وقد سبق أن حررت رسالة مختصرة في الموضوع نفسه بعنوان (القنوات الفضائية وآثارها العقدية والأخلاقية والاجتماعية والأمنية)، وطبعت عام 1421هـ، ثم طبعت مرة أخرى أيضًا.
([2]) ينظر «جريدة الوطن»، العدد (596)، الصادر يوم السبت 6/3/1423هـ الموافق 18 مايو 2002م. (ص36).
([3]) انظر مقالاً نقديًا لأحد المحررين حول هذا الأمر في «جريدة الرياض»«، العدد (12014)، الأربعاء 22/2/1422هـ (ص28).
([4]) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وذكر الرجل فيه للغالب، وإلا فالمرأة يتصور فيها ذلك. ينظر: «فتح الباري» (13/75).
([5]) «صحيح البخاري» (13/75 – مع فتح الباري)، «صحيح مسلم» (157). ورواه ابن ماجه (4037) بلفظ مسلم تمامًا.