الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة
الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة
إعداد
عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى
1403-1422هـ
تحقيق
د. سعد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذه رسالة في ((الجنة والنار من الكتاب والسنة))، كتبها الابن: الشاب، البار، الصالح عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى، وهي رسالة نافعة جداً بيَّن فيها رحمه الله تعالى: مفهوم الجنة والنار، وإثبات وجود الجنة والنار، وأنهما موجودتان الآن، ومكان الجنة، ومكان النار، وأسماء الجنة، وأسماء النار، ونعيم الجنة النفسي، ونعيمها الحسّي، وذكر من هذا النعيم: إحلال رضوان الله على أهل الجنة، فلا يسخط عليهم أبداً، وذكر عدد أنهار الجنة وصفاتها، والحور العين وصفاتهن، ومساكن أهل الجنة: من الخيام، والغرف، والقصور، وصفاتها، وطعام أهل الجنة، وشرابهم، وصفات أهل الجنة، [جعله من أهلها].
وذكر رحمه الله: عذاب أهل النار النفسي، وعذابهم الحسي، ثم ذكر الطريق الموصل إلى الجنة، وأسباب دخولها، وأن دخول الجنة برحمة الله تعالى، وذكر الطرق الموصلة إلى النار، وبين أسباب دخولها [أعاذه الله منها]، ثم ختم ذلك: بكيف نقي أنفسنا وأهلينا من النار، ثم الخاتمة، والتوصيات، وإثبات المراجع والمصادر.
ولا شك أن أعظم المطالب: الفوز بالجنة والنجاة من النار، قال الله تعالى: ] فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [ ([1]).
وعندما رأيت هذا الترتيب الجميل، والاختصار المفيد؛ ولأهمية الموضوع أحببت أن أعتني بإخراج هذه الرسالة التي أسأل الله بوجهه الكريم أن ينفع بها الابن عبد الرحمن، وأن يجعلها له من العمل الذي لا ينقطع، وأن يبلّغه منازل الشهداء؛ فإنه ـ الكريم، الرؤوف الرحيم، ذو الفضل والجود والإحسان والامتنان.
وأصل هذه الرسالة بحث أعدّه الابن عبد الرحمن رحمه الله في الصف الثالث الثانوي الفصل الثاني في أوائل عام 1422هـ في ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض، أشرف عليه الأستاذ محمد السليم حفظه الله تعالى وجزاه خيراً.
وعندما توفي الابن عبد الرحمن رحمه الله، ذهبت إلى المدرسة، وطلبت هذا البحث، فدفعه إليّ وكيل المدرسة محمد العوشن، جزاه الله خيراً، وفرحت بذلك فرحاً عظيماً، وأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن ينفع به كاتبه، وأن يكون من عمله الصالح الذي لا ينقطع.
وعملي في هذه الرسالة على النحو الآتي:
1-كتبت سيرة مختصرة للابن عبد الرحمن، والابن عبد الرحيم رحمهما الله تعالى.
2- قمت بمطابقة الرسالة على أصلها المخطوط بخط الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى.
3-خرَّجت جميع الأحاديث، وقابلتها على مصادرها الأصلية من كتب السنة.
4-إذا أضفت كلمة أو جملة جعلتها بين معقوفين هكذا [...].
5-إذا أضفت شيئاً من الفوائد جعلتها في الحاشية؛ لرغبتي في بقاء الرسالة على أصلها، لعلّ الله ﷻ أن ينفع بها كاتبها كما حذفت قائمة المصادر والمراجع التي ذكر الابن عبد الرحمن رحمه الله؛ رغبة في الاختصار، ومن أراد الرجوع إليها فهي مكتوبة في الحواشي.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في يوم الخميس 26/ 10/ 1422هـ.
* مولد الابن عبد الرحمن رحمه الله،ونشأته،وطلبه للعلم، وأخلاقه،وما قال عنه العلماء،وطلاب العلم،والأساتذة،ومعلموه،وزملاؤه،ووفاته رحمه الله تعالى:
أولاً: مولده: ولد رحمه الله قبل صلاة الظهر في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة: 27/11/1403هـ في سكن جامع الفاروق بإسكان القوات المسلمة طريق الخرج في مدينة الرياض.
ثانياً: نشأته: نشأ بتوفيق الله تعالى ورعايته وفضله وإحسانه على ما نشأ عليه أهل التوحيد، وكان يتّصف بالذكاء منذ الطفولة المبكرة، فلم يدخل المدرسة إلا وهو يحفظ جزء عمّ، ويقرأ الأحرف العربية، وفي السنة الثانية الابتدائية اختبر في الجماعة الخيرية في خمسة أجزاء، فاجتاز بتقدير ممتاز، وكان يدرس في الفترة الصباحية في المدرسة، وفي الفترة المسائية بعد العصر في الجامع في حلقات القرآن الكريم على الشيخ حافظ قاري غلام محمد بن فيض الله، جزاه الله خيراً.
وكان الابن عبد الرحمن رحمه الله لا يحب اللعب في طفولته كما يحبه الأطفال، حتى في المدرسة، وقد أخبرني رحمه الله أنه يجلس والطلاب يعلبون في ملعب المدرسة، وقد كان رحمه الله يذهب من البيت في سيارة ويرجع إليه، ثم من البيت إلى المسجد، ولا يختلط مع أبناء الجيران، وكان ملازماً لي مدة حياته إلا إذا سافرت، وكان يحب أن يصلي دائماً خلف الإمام من صغره إلى أن مات رحمه الله تعالى.
* دخل المدرسة الابتدائية في أوائل عام 1410ه [مدرسة الإمام حمزة لتحفيظ القرآن الكريم] في حي الغبيراء بمدينة الرياض،وكان يثني على كثير من مدرسيها ويخصّ منهم الأستاذ سعيد بن سعد الطيشان،والأستاذ محمد بن سالم الهيشة، جزاهما الله خيراً، وتخرّج من هذه المدرسة عام 1415ه.
* ثم درس المتوسطة في المتوسطة الثانية لتحفيظ القرآن الكريم، وختم حفظ القرآن في الخامسة عشرة من عمره في هذه المدرسة [بتقدير ممتاز، وقد أخذ الدرجة كاملة 100%]، وذلك عام 1418ه، وكان رحمه الله يثني على مديرها الشيخ حمّاد بن عبد الرحمن العمر حفظه الله، ويذكر من حسن خُلُقه وتربيته، وعنايته بالطلاب الشيء الكثير، كما يُثني كثيراً على مدرّس القرآن الكريم بهذه المدرسة: الشيخ إبراهيم التويم حفظه الله، ويذكر حرصه على نفع الطلاب واستقامتهم، ويثني على كثير من مدرّسي هذه المدرسة.
* ثم اختبر بعد ذلك في الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن فاجتاز بتقدير ممتاز أيضاً ولله الحمد، وذلك عام 1419ه.
* ثم انتقل إلى المرحلة الثانوية عام 1419هفدرس في ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم، وتعلّم فيها القراءات السبع مع مراجعة القرآن الكريم، وكان يثني كثيراً على الشيخ عادل بن عبد الله السنيد حفظه الله مدرّس القراءات، وقد أثّر على الابن عبد الرحمن في الإخلاص، وعلى الشيخ بدر بن ناصر العوَّاد حفظه الله مدرّس المواد الشرعية، وقد أثّر على الابن عبد الرحمن في البلاغة والشعر والأساليب الرائعة، ويشكرهما ويقول: ((هذان من العلماء))؛ لتأثره بتربيتهما؛ ولغزارة علمهما، وحرصهما على نفع الطلاب جزاهما الله خيراً، كما يُثني على وكيل هذه المدرسة: الشيخ محمد العوشن ويقول: ((هذا الرجل عليه سمت العلماء))، كما يُثني على كثير من مدرّسي هذه المدرسة جزاهم الله خيراً.
* ثم تخرّج من هذه الثانوية عام 1422ه، وكان من العشرة الأوائل على مدارس تحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرياض، بتقدير ممتاز.
وأخبرني وكيل هذه المدرسة الشيخ محمد العوشن حفظه الله أن الابن عبد الرحمن رحمه الله أوصى بكتابه تقريب المعاني في شرح حرز الأماني في القراءات السبع للصف الثالث ثانوي في مدرسة أبي عمرو، وكان الابن عبد الرحمن قد كتب على هذا الكتاب بخط يده: ((هذا التقريب أُوصي به لطلاب ثالث ثانوي بعد مغادرتي المدرسة على خير إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم))([2]).
* ثم انتقل إلى المرحلة الجامعية، فدخل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كلية الشريعة، قسم الشريعة، وذلك في 13 من جمادى الثاني عام 1422ه، فدرّس بها بقيّة جمادى، ورجب، وشعبان، وستة عشر يوماً من رمضان - رحمه الله -.
وكان من مشايخه في كلية الشريعة قسم الشريعة:
1- الشيخ د. عبد الله بن مبارك البوصي يدرسه في الفقه.
2- الشيخ د. عبد الحكيم العجلان، في الفقه أيضاً.
3- الشيخ د. محمد المديميغ، في العقيدة ((الطحاوية)).
4- الشيخ د. ناصر الجديع، في العقيدة ((الطحاوية)).
5- الشيخ د. عبد العزيز العسكر في العقيدة ((الطحاوية)).
6- الشيخ د. محمد الدريويش، في العقيدة ((الطحاوية)).
7- الشيخ د. محمد بن عبد العزيز المبارك، في أصول الفقه.
8- الشيخ د. إسماعيل بن خليل، في الحديث ((بلوغ المرام)).
9- الشيخ د. محمد بن عبد الله الفهيد، في مصطلح الحديث.
10- الشيخ د. فراج الحمد، في النحو ((أوضح المسالك)).
11- الشيخ د. إبراهيم الفايز، في ((النظم)).
12- الشيخ د. عبد الله العمرو، في ((النظم)).
13- الشيخ د. شريف في ((علوم القرآن)).
14- الشيخ د. جمعة، في ((التفسير)).
15- الشيخ د. الزناتي، في ((التفسير)) أيضاً.
أما زملاؤه في كلية الشريعة قسم الشريعة فهم كثير جداً، لكن من أبرزهم وأحبهم إليه:
1- عادل بن عبد الله المطرودي، وهو ممن يحفظ القرآن الكريم وصحيح البخاري ومسلم، وحفظ بعد ذلك السنن زاده الله علماً.
2- عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سليمان الشبيب.
3- * ياسر بن محمد الحقيل، وهو قرين عبد الرحمن في البلاغة والشعر.
4- تركي بن عبد الله الهويمل.
5- عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن بجاد القحطاني.
6- عبد الرحمن بن سعود الدحيم.
7- عبد العزيز بن سعد بن محمد الحمدِّي.
8- عبد الحليم بن فاروق الأفغاني.
9- عبد الحميد بن عبد الله المشعل.
10- سلمان بن محمد بن ظافر الشهري.
11- * يزيد بن علي المحسن.
12- * عبد السلام بن سليمان الربيش.
13- * عبد الرحمن بن سعد المبارك.
14- * تركي بن إبراهيم المهنا.
15- * متعب بن خالد الجندل.
16- * علي بن محمد المهوس.
17- * عبد الله بن سليمان الرميان.
18- * عبد الرحمن بن محمد الحمود.
19- عبد الرحمن بن حمود البدراني.
20- * عبد الله بن صالح الهزاني.
21- * عبد الرحمن بن عبد العزيز الجلعود([3]).
ثالثاً: طلبه للعلم خارج المدارس النظامية:
راجع القرآن مرات عديدة على شيخه في جامع الفاروق بإسكان أفراد القوات المسلحة، وعلى مجموعة من المدرسين، وكان يحضر معي الدروس الليلية، وفجر الخميس عند سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، وذلك في السنوات الأخيرة في حياة شيخنا رحمه الله تعالى، ومن أهم طلبه للعلم ما يأتي:
1 - حفظ بعد حفظه القرآن الكريم:الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله.
2 - قرأ كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وذلك على فضيلة الشيخ عبد الله بن صالح القصير حفظه الله عام 1420ه في مدينة الباحة، ولم يكمله؛ لطول نفس الشيخ في الشرح، ثم قرأ هذا الكتاب عليّ من أوله إلى آخره وذلك عام 1422هـ في مدينة الباحة قبل موته بأشهر، واستمع لشرحه كاملاً، وبدأ يحفظ هذا الكتاب، فحفظ قبل موته سبعة عشر باباً سمَّعها عليَّ واستمع لشرحها، وآخر هذه الأبواب ]إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْـمُهْتَدِينَ[([4]).
3 - قرأ القواعد الحسان لتفسير القرآن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، على فضيلة الشيخ د. عبد الله بن عبد العزيز الخضير حفظه الله، وذلك عام 1420ه في مدينة الباحة.
4 - قرأ نخبة الفكر للحافظ ابن حجر على فضيلة الشيخ منصور السماري حفظه الله، وذلك عام 1420ه في مدينة الباحة.
5 - قرأ عليَّ كتاب بلوغ المرام إلى نهاية كتاب الجنائز ثلاث مرات: المرة الأولى مستمعاً في الطائف عام 1420ه، والمرة الثانية قرأه عليَّ بنفسه في الباحة عام 1420ه، والمرة الثالثة في مدينة الرياض، وقد وصل إلى نهاية كتاب الزكاة، وبدأ في الصيام إلى الحديث رقم 676 [حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: ((من لم يُبَيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له))([5]).
6 - قرأ عليَّ كتاب ((منهاج السالكين وتوضيح الفقه في الدين)) للعلامة السعدي رحمه الله، وصل فيه إلى نهاية كتاب الزكاة قبل موته رحمه الله.
7 - قرأ عليَّ كتاب ((كشف الشبهات)) كاملاً، للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، واستمع لشرحه.
8 - سَمِعَ ثلاثة الأصول للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، خمس مرات، مع شرحها.
9 - قرأ عليَّ ((الدروس المهمة لعامة الأمة)) للإمام ابن باز رحمه الله مرتين، ولم يكمل الثانية؛ لموته رحمه الله.
10 - حفظ عليَّ الرحبية في الفرائض إلى باب الحساب عام 1420ه، وراجعها مرات.
11 - قرأ عليَّ ((الفوائد الجلية في المباحث الفرضية)) للعلامة ابن باز رحمه الله إلى باب الحساب.
12 - قرأ عليَّ ((الدرر البهية في المسائل الفقهية)) للإمام الشوكاني إلى نهاية كتاب الحج، وذلك عام 1422ه في مدينة الباحة قبل وفاته رحمه الله بأشهر.
13 - سَمِعَ ((العقيدة الواسطية مع شرحها)) ثلاث مرات: الأولى سمعها من الشيخ الدكتور حمد الشتوي في الطائف عام 1420ه، والثانية والثالثة سمعها في دروسي في الرياض.
14 - سَمِعَ ((القواعد الخمس الكبرى)) من الدكتور علي بن راشد الدبيان، وذلك في الطائف عام 1420ه.
15 - سَمِعَ الفرائض إلى باب الحساب من الشيخ بدر الجويان، وذلك في الطائف عام 1420ه.
16 - له ثلاثة بحوث مفيدة:
الأول: الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة، وقد طُبع ولله الحمد ثلاث طبعات:الطبعة الأولى سبعة آلاف نسخة، والطبعة الثانية عشرة آلاف نسخة، والطبعة الثالثة عشرون ألف نسخة، ولله الحمد.
الثاني: غزوة فتح مكة في السنة المطهرة، وقد طبع والله الحمد.
الثالث: أبراج الزجاج في سيرة الحجاج، وقد طبع ولله الحمد.
17 - وُجد له تعليقات مفيدة على بعض كتبه التي قرأها في الحلقات العلمية - رحمه الله - منها ما وُجد على كتاب منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين للعلامة السعدي رحمه الله، فقد كتب الابن عبد الرحمن - رحمه الله - على مقدمة هذا الكتاب الكلمة المفيدة الآتية:
أ - فضل العلم:
1- العلم إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
2- العلم يبقى والمال يفنى.
3- العلم لا يتعب صاحبه في الحراسة.
4- العلم يوصل إلى أن يكون صاحبه من الشهداء على الحق.
5- أهل العلم أحد صنفي ولاة الأمر.
6- لم يرغِّب النبي ﷺ في أن يغبط أحدٌ أحداً على شيء إلا على العلم [صاحب القرآن الذي يعمل به]،وصاحب المال [الذي ينفقه في الحق].
7- العلم طريق إلى الجنة.
8- من وُفِّق للعلم فقد أراد الله به خيراً.
9- إن الله يرفع صاحب العلم بعلمه.
ب - آداب طالب العلم:
1- الإخلاص لله سبحانه.
2- ينوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه، وعن غيره.
3- ينوي بذلك الدِّفاع عن الدين بالعلم.
4- العمل بالعلم.
5- العبادة مبنية على: الإخلاص، والمتابعة للنبي ﷺ .
6- الدعوة إلى العلم.
7- الصبر على التعلم.
جـ - عقبات في طريق العلم:
1- فساد النية.
2- حب الشهرة.
3- التفريط في حلقات العلم.
4- التذرّع بكثرة الأشغال.
5- التفريط في طلب العلم في الصغر.
6- العزوف عن طلب العلم.
7- تزكية النفس.
8- عدم العمل بالعلم.
9- اليأس [واحتقار الذات].
10- التسويف في طلب العلم([6]).
أسأل الله بوجهه الكريم أن يجعل العمل بهذه الآداب والفضائل في موازين حسنات الابن عبد الرحمن، فإنه جواد كريم.
وهناك تعليقات أخرى على بعض كتبه رحمه الله تعالى.
وكان رحمه الله تعالى يحضر جميع دروسي التي تُلقى في جامع علي بن أبي طالب t في إسكان طريق الخرج، وفي جامع الفاروق المذكور آنفاً، وكانت الدروس ولله الحمد في: العقيدة، والحديث، والفقه، والتفسير، وكان يستمع لإذاعة القرآن الكريم، وخاصة قبل أن ينام، وكان من الصغر يحب الاطلاع، وزيارة المكتبات، وشراء الأشرطة والكتيبات النافعة، وقد عُيّن مؤذناً لجامع الفاروق بإسكان أفراد القوات المسلحة في 14/6/1421ه، وقد أعطاه الله جمال الصوت وحُسنه في القراءة والأذان، فارتاح الناس له وأحبوه في الله تعالى، وقد أخبرني الثقات من جماعة الجامع أنهم كانوا يخشعون عندما يصلي بهم عبد الرحمن في الصلوات الجهرية؛ لحسن صوته، وذلك عندما أسافر؛ لأني إمام الجامع المذكور.
وكان يُدرِّس القرآن الكريم للطلاب في الجامع الذي يؤذّن فيه، حيث كلفه مدير مدرسة جامع علي بن أبي طالب t لتحفيظ القرآن الكريم الشيخ خالد بن ضيف الله البلادي حفظه الله، فأسند إليه تدريس حلقة مستقلة [حلقة الإمام الذهبي رحمه الله].
وتلاميذه في هذه الحلقة هم:
1- إبراهيم بن عبد الله بن حسين القحطاني.
2- إبراهيم بن محمد بن سعيد القرني.
3- إبراهيم بن حسن بن محمد عسيري.
4- أحمد بن فايع بن محمد عسيري.
5- أحمد بن محمد بن عوضة عسيري.
6- أحمد بن محمد بن زين الدين.
7- أحمد بن عبد الرحمن بن سالم السريحي.
8- ثامر بن مصلح بن عطا الله العنزي.
9- سلطان بن ناصر بن مسفر الغامدي.
10- خالد بن علي بن مرعي القرني.
11- سلطان بن محمد بن علي عسيري.
12- سلمان بن عبد الله الأسمري.
13- بدر بن سلمان الشهري.
14- عبد الله بن علي بن عبد الله العمري.
15- محمد بن أحمد بن محمد المجرشي.
16- أنور بن حنتول بن يحيى سرحي.
17- مجاهد بن صالح بن حمدان العمري.
وكان الطلاب يحبونه في الله تعالى ويجلُّونه؛ لحُسن خُلُقه، وإحسانه إليهم.
وقد أمَّ الناس في صلاة العشاء والتراويح في مسجد الزبير بن العوام t، بإسكان طريق الخرج، ثلاث سنوات: 1420ه، 1421ه، وسبع عشرة ليلة من رمضان عام 1422ه؛ حيث توفي رحمه الله بعد صلاة التراويح في هذه الليلة.
رابعاً: الحِكَمُ التي كتبها رحمه الله قبل وفاته:
رسائل هاتفية أرسلها عبد الرحمن رحمه الله تعالى بهاتفه الجوال إلى جوال: زميله الشاب الصالح، أيمن بن عبد الله العاصمي قبل وفاته بيوم أو يومين 14-15 رمضان 1422ه كما يقول: الأخ أيمن، وكانت وفاة عبد الرحمن وأخيه بعد صلاة العشاء والتراويح ليلة الأحد 17/9/1422ه.
الرسالة الأولى يقول فيها: ((المستأنس بالله: جنته في صدره، وبستانه في قلبه، ونزهته في رضى ربه)).
الرسالة الثانية قال فيها: ((اللهمّ إنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألك)).
الرسالة الثالثة: قال: ((فائدة: العزة في القناعة، والذلّ في المعصية، والهيبة في قيام الليل))([7]).
كما سبق وأن أرسل رسالة مكتوبة بخطّ يده لأيمن العاصمي قبل وفاته بحوالي شهرين تقريباً قال: بسم الله الرحمن الرحيم، الأخ أيمن ... حفظه الله:
حسبك خمسة:
إذا ما مات ذو علم وتقوى | فقد ثلمت من الإسلام ثلمة | |
وموت الحاكم العدل المولَّى | بحكم الشرع منقصة ونقمة | |
وموت العابد القوّام ليلاً | يناجي ربه في كل ظلمة | |
وموت فتى كثير الجود مَحْلٌ | فإن بقاءه خصب ونعمة | |
وموت الفارس الضرغام هدم | فكم شهدت له بالنصر عزمة | |
فحسبك خمسة يُبكى عليهم | وباقي الناس تخفيف ورحمة | |
وباقي الناس هم همج رعاع | وفي إيجادهم لله حكمه ([8]) |
وقد وجد مكتوباً على الغلاف الداخلي من كتاب أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك للإمام ابن هشام رحمه الله تعالى، المقرر عليه في كلية الشريعة بخط يده رحمه الله يقول:
عرفت أن الحياة رحلة وطريق | فأحسنت اختيار الرفيق وتوليت القيادة |
وكان الابن عبد الرحمن يقول الشعر، وقد وجد من شعره بعض الأبيات في جوال زميله الشاب الصالح ياسر بن محمد الحقيل، أرسل إليَّ بها، وهي خمسة وأربعون بيتاً، وهذا نصّ بعضها في رسالة الأخ ياسر إليَّ، قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الرسائل التي كانت بيني وبين عبد الرحمن - رحمه الله - وقد رمزت للتي كتبها عبد الرحمن بـ(ع)، والتي أرسلتها له بـ(ي).
ي - ألا فَارْدُدْ سَرِيعاً دُونَ خوفٍ | فخَيْرُ الرَّدِّ عَاجِلُهُ المُبِينا | |
ع - أنا لا أرهب الرَّدَّ المُقَفَّى | ولا أخشى سُبَابَ الشِّعْرِ فِينا | |
ع - ألا فانْشُرْ سَلامي في رُبَاكُم | وعَطِّر صحْبَنَا بالياسَمِينا | |
ي - قد انتشَرَ السَّلامُ كَخَيْرِ غَيثٍ | وعَمَّ العِطْرُ أرْجَاءَ المدينه | |
ع - رأيتُ الوُدَّ يَتْبَعهُ انقِطَاعٌ | وخَيْرُ الوُدِّ ما يُفشِي السَّكينه | |
ي - ألا فاعمَلْ حِسَاناً ما استطعتَ | فَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ سَكَنَ المدينه | |
ي - رسولُ الله يُرفلُ في رُبَاهَا | ومَسْجِدُهُ نَحِنُّ له حَنِينَا | |
ع - ولا تَنْسَ بِمَكَّةَ خَيْرَ بَيْتٍ | يطُوفُ به صِحَابٌ تابعونا | |
ي - ولا تنسَ بنجدٍ خيرَ قومٍ | همُ للدِّينِ خيرُ الخَادِمِينا | |
ع - تَمَنَّ الخيرَ تكسَبْ مُجْتَناهُ | ولوْ طَالَتْ عواقِبُهُ سِنينا | |
ع - رأيتُ العِلْمَ لا يأتي رِجالاً | همُ في الصُّبْحِ شرُّ النَّائمينا([9]) | |
ي -ألا فَاغْضُضْ بِطَرْفِكَ عَنْ مَرِيضٍ | بكُلِّ الَّليلِ إكثارُ الأنِينَا |
قال الأخ ياسر: من آخر الرسائل التي أرسلها إليَّ عبد الرحمن كانت تهنئة بشهر رمضان وهي (بنسيم الرحمة، وعبير التوبة، ورجاء المغفرة، وبعد الزحمة أقول كل عام وأنت بخير) وكانت بتاريخ يوم الجمعة 1/9/1422هالموافق 16/11/2001م.
كتبه ياسر بن محمد الحقيل
بتاريخ 25/1/1423ه
زميل عبد الرحمن رحمه الله في ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم، ثم في كلية الشريعة، والمدرس في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في جامع القدس بحي القدس بالرياض.
خامساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:
* وكان رحمه الله تعالى: يأمر أهل بيتنا بالمعروف وينهاهم عن المنكر إذا رأى شيئاً، وأخبرني بعض الأهل بعد موت عبد الرحمن رحمه الله أنه كان إذا لاحظ عليهم شيئاً أخذهم على انفراد، ونصحهم سراً.
* وأخبرتني والدته جبر الله قلبها وربط عليه؛ ]لِتَكُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ[([10]) أن عبد الرحمن رحمه الله رأى بعض أهل البيت أخطأ فشرب بشماله، فقال: ((هذا لا يجوز، ألا تحبون الجنة، وتخافون من النار؟))، وقد أثر ذلك في نفوسهم بعد موته رحمه الله تعالى.
* كما أخبرني الأخ زمراوي محمد خيري السوداني، وفقه الله، أنه كان سائراً مع الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى، فرأى الابن عبد الرحمن رجلاً يقرأ مجلة فيها صور غير مناسبة، فنصحه وقال له: ((ما وجدت شيئاً تقرأه غير هذا؟)).
* وأخبرني الشاب سعيد بن أحمد بن سعيد الشهري قال: الله يرحم عبدالرحمن قد نصحني أن أحفظ القرآن عندما سألته عن تفسير آية قبل ثلاث سنوات، فأخبرني بتفسيرها، ثم قال: ((احفظ القرآن)).
* وأخبرني زائد بن سعد الدوسري([11]) بقوله: كنت مارّاً بسيارتي، فمررت بعبد الرحمن رحمه الله وهو أمام باب بيته، يريد أن يذهب إلى الصلاة، فسلّمت عليه، وكنت أستمع إلى شريط أغنية في سيارتي، فرد عليَّ السلام ونصحني بقوله: ((الغناء حرام لا يجوز سماعه وأنت في شهر عظيم)). قال الأخ زائد: وكان ذلك في رمضان قبل وفاة عبد الرحمن - رحمه الله - بيومين، وقد تركت الغناء بسبب نصيحة عبد الرحمن، وإذا ملتُ إلى الغناء أخذت شريط أمراض القلوب واستمعت إليه.
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - قد رأى رجلاً من المصلين ضرب ولده على وجهه، وكان رجلاً صالحاً، فقال له الابن عبد الرحمن: لا يجوز الضرب على الوجه، فما كان من هذا الرجل إلا أن قال لعبد الرحمن: جزاك الله خيراً، وقبَّل رأس عبد الرحمن، وكنت حاضراً شاهداً.
* كان بعض المشايخ يشرح حديث التشهد، فقال الشيخ: ((والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين))، فردّ عليه الابن عبد الرحمن فقال: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) ليس فيها واو، فقبَّل هذا الشيخ يد الابن عبد الرحمن ودعا له، ولم يخطئ الشيخ مرة أخرى في إضافة الواو.
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - يدرِّس في الجامع في تحفيظ القرآن، فرأى كثيراً من طلاب التحفيظ يسبلون الثياب، فأفزعه ذلك، وطلب من مدير المدرسة الشيخ خالد البلادي - حفظه الله - أن ينصح الطلاب عن طريق المكبرات في الجامع، ويحذّرهم من الإسبال، وخاصة لأنهم يتعلمون القرآن الكريم، فأخذ الشيخ خالد المكبّر وحذّرهم من الإسبال، أخبرني بذلك الشيخ خالد البلادي، والأخ هانئ بن نايف الربيعي.
* أخبرني الأخ عبد الله بن علي بن عبد الله القرني أنه طلب من الابن عبدالرحمن رحمه الله أن يكتب له موعظة قصيرة يعظ فيها زملاء الأخ عبد الله غير المستقيمين في الثانوية وفي غيرها، قال الأخ عبد الله: ((فوافق عبد الرحمن رحمه الله إلا أنه كان مشغولاً، ثم ذكَّرته مرات))، فقال عبدالرحمن رحمه الله: ((سأكتبها إن شاء الله، ولكن لا أستطيع أن أطبعها على جهاز الكمبيوتر لأني مشغول، ولكني سأعطيها عبد الرحيم يطبعها لك)).
قال الأخ عبد الله: ((فكتبها عبد الرحمن رحمه الله بخطّ يده ثم سلَّمها لشقيقه عبد الرحيم رحمه الله، فطبعها عبد الرحيم رحمه الله على الكمبيوتر ثم سلّمها لي، وهذا نصّها:
((بسم الله الرحمن الرحيم
** أخي الحبيب، حاول أن تجيب على هذه الأسئلة بكل صراحة؟
س/ كم مضى من عمرك؟ وهل الباقي من عمرك أكثر أم أقل؟
وحاول أن تحسب عمرك بالساعات والدقائق حسب المعادلة الآتية:
العمر بالسنوات×360=(العمر بالأيام) × 24 =(العمر بالساعات).
س/ ماذا فعلت في هذه الساعات الماضية من عمرك؟ وهل أنت مستعد للقاء الله بهذه الأعمال؟؟)).
سادساً: أخلاقه العظيمة رحمه الله تعالى:
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - لا يقهقه إذا ضحك، وإنما يبتسم ابتساماً بدون قهقهة مدة حياته - رحمه الله -.
* كان رحمه الله بارّاً بوالديه لا يعصي لهما أمراً، وكان يخفض جناحه لأمه كثيراً، ويكرمها أكرمه الله بالفردوس الأعلى من الجنة في أعلى منازل الشهداء، وكان إذا نادته أمه أو ناداه أبوه أجاب بقوله: ((لبيك))، وإذا ذهب إلى المدرسة أو الكلية طلب من أمه الدعاء، فإذا دعت له قال أحياناً: هل هذا الدعاء من قلبك؟ ثم يُقبّل رأسها أحياناً إذا ذهب، وإذا رجع من الدراسة، وإذا كنت في مكتبتي الخاصة دخل عليّ وسلّم ثم مدّ يده للمصافحة، وربما قبل رأسي أحياناً.
* كان الابن عبد الرحمن سليم الصدر، فلا يحمل الحسد، ولا البغضاء لأحد من الناس، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنه كان يرسل لزميله في الصف الثالث الثانوي محمد حسان بشور بعض الفوائد، ويرسل له محمد عن طريق الناسوخ بعض الفوائد كذلك، ومحمد حسان هذا هو الذي ينافسه على الترتيب الأول في الصف الثالث ثانوي، فشكرتهما على ذلك الخلق الكريم.
* كان رحمه الله يبغض الغيبة، ولا ينقل النميمة، وقد قال في مقابلة أجرتها معه ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم حينما وُجِّه له أسئلة منها: ((كلمة عتاب توجهها لصديق؟))، فقال: ((أولئك الأصدقاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم، أنصحهم أن يبتعدوا عن ذلك)).
* وكان رحمه الله يهتمّ بأمور المسلمين ويرحمهم، وكان يؤلمه ما يحصل للإخوة في فلسطين، والشيشان، وغيرهما من بلدان المسلمين، وقد كان يستمع الأخبار في المذياع من إذاعة القرآن الكريم، وقد قال في المقابلة التي أجرتها معه ثانوية أبي عمرو لتحفيظ القرآن الكريم حينما وُجِّه له أسئلة منها: ((موقف معبِّر أثَّر في حياتك؟))، فقال: ((الحملة الروسية اللعينة على جمهورية الشيشان!)).
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - في المجالس الخاصة والعامّة التي يحضرها لا يتكلّم إلا بخير أو يصمت، ولا يثرثر، بل يلزم السكوت، وإذا أعجبه شيء تبسَّم، وإذا سُئل عن شيء أجاب بهدوءٍ وأدب.
* كان إذا سار في طريقه إلى المسجد لا ينظر يمنة ولا يسرة، فلا ينظر في المارِّين ولا في السيارات العابرة، وإنما كان ينظر أمامهُ، ويمضي في سيره، وقد أخبرني الشيخ سالم بن عامر الشهري مؤذِّن مسجد عمر بن عبد العزيز بإسكان أفراد القوات المسلحة، أنه كان يمرُّ على سيارته في الطريق العام، ويرى عبد الرحمن - رحمه الله - يسير إلى الجامع فيحبّ أن يسلّم على عبد الرحمن - رحمه الله - مع الإشارة باليد، ولكن يقول: إن عبد الرحمن - رحمه الله - سائر في طريقه لا ينظر يمنةً ولا يسرةً، لا إلى سيارات ولا إلى غيرها، وهكذا أخبرني الشيخ سالم بن علي الخشرمي الشهري إمام مسجد خالد بن الوليد بإسكان أفراد القوات المسلحة، يقول: ((إذا مررت مع الشارع العام على سيارتي ورأيت عبد الرحمن في طريقه إلى الجامع، فأريد السلام عليه مع الإشارة؛ لأنه لا يسمعني، ولكنه لا ينظر إليّ، ولا إلى أحد من المارّين، وإنما يمشي وينظر أمامه!)).
* وكذلك إذا كان داخل المسجد لا ينظر يمنة ولا يسرة، ولا يكثر الالتفات، بل يؤذن، ثم يصلي تحية المسجد، ثم يقرأ القرآن يراجعه.
* كان عبد الرحمن - رحمه الله - يصلي الرواتب كاملة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، ويصلي أربعاً قبل العصر نافلة، ويصلي ركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وكان يحافظ على صلاة الوتر، وركعتين قبل الفجر، وكنت أشاهده يخشع في صلاته ولله الحمد، وقد أخبرني الشيخ حسن بن شريف المشيخي أنه شاهد عبد الرحمن - رحمه الله - يبكي في دعاء القنوت في رمضان خلف الشيخ خلوفة بن محمد الشهري القاضي بمحكمة الطائف الآن، وقد كان الشيخ خلوفة يُؤذِّن في جامع الفاروق، ويُصلِّي بالناس التراويح في غيابي، وكان عُمْرُ عبدالرحمن اثني عشر عاماً آنذاك تقريباً، فقد كان صغير السن، ومع ذلك يحصل له هذا الخشوع رحمه الله تعالى.
* وكان رحمه الله يصوم مع رمضان ستّاً من شوال، ويصوم يوم عاشوراء مع يوم قبله ويوم بعده أو يصوم يوماً قبله، ويصوم تسعة أيام من العشر الأول من ذي الحجة.
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - يراجع القرآن كثيراً ولله الحمد، وقد أخبرني أنه يراجع كل يوم جزأين بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس؛ لأنه كان يُؤذِّن في جامع الفاروق كما تقدم، أما قبل ذلك فكان يراجع على المدرسين تسميعاً، ويُسمِّع القرآن كاملاً في إجازة الصيف مرات عديدة، وشارك في مسابقات كثيرة، وفاز فيها، جعل الله ذلك كله في موازين حسناته.
* كان - رحمه الله - يحافظ على أذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وأذكار المساء بعد صلاة المغرب، وخاصة: سيد الاستغفار، وآية الكرسي، والمعوذات الثلاث، ثلاث مرات، و((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)) ثلاث مرات، وغير ذلك، كما يحافظ على أذكار أدبار الصلوات ولله الحمد والمنّة.
* كان رحمه الله يحب الاطلاع والقراءة والاستماع لسيرة النبي ﷺ، وكذلك قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد اشترى قصص الأنبياء من القرآن الكريم للشيخ حسن أيوب، وهو لا يزال في الصف السادس ابتدائي، وعمره تقريباً اثنا عشر عاماً، وقد كرّر استماع هذه الأشرطة أكثر من مرة، وكانت تشتمل على قصة عشرين نبيّاً في عشرين شريطاً، وقد طلب مني أن اشتري له كتاب الشجرة النبوية في سيرة خير البرية ﷺ، لابن عبد الهادي المقدسي (ابن المبرّد)، 840-909ه، فلم يدخل هذا الكتاب مكتبتي لولا الله ثم الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى، وقد اشترى قبل موته بشهر أو شهرين كتاب: استجلاب ارتقاء الغرف بحبِّ أقرباء الرسول ﷺ وذوي الشرف، للحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي [831-902ه] بتحقيق ودراسة خالد بن أحمد الصمِّي بابطين.
* وقد أخبرني الأخ هانئ بن نايف الربيعي أنه استمع لعبد الرحمن رحمه الله وهو يشرح لطلاب حلقته التي يُدرِّسُ فيها القرآن الكريم سيرة النبي ﷺ بأسلوب جميل مفيد.
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - يتضرع إلى الله ويدعوه، ومن ذلك أني كنت أشاهده يدعو بين الأذان والإقامة أحياناً بعد أن يصلي السنة الراتبة ويرفع كفيه، وكان في كل ليلة من العشر الأواخر من رمضان من كل سنة، قبل الفجر بساعة أو ساعتين، يأخذ كتاب الدعاء من الكتاب والسنة ويرفع كفيه ويستقبل القبلة، ويدعو حتى ينهي هذا الكتاب من أوله إلى آخره، وقد أخبرني الابن عبد العزيز أن عبد الرحمن دعا بكل ما في هذا الكتاب مرتين يوم عرفة حينما حج - رحمه الله - سنة 1420ه، وقد كان مرافقاً لي مع التوعية الإسلامية في الحج في ذلك العام المذكور، وكان قد تولَّى الأذان في مركز التوعية الإسلامية رقم 7 يوم التروية وأيام التشريق، وطلب مني ألا نتعجل بالسفر إلى الرياض، فتأخرنا إلى اليوم الرابع عشر، لرغبته - رحمه الله - وأخيه عبد العزيز.
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - كريماً في غير إسراف ولا مخيلة، يظهر ذلك في إكرامه لإخوته، وأمه، وكذلك لزملائه، وقد كان بعض الأهل يقول له في ذلك، ويأمره بالاقتصاد، فكان يردُّ عليهم بقوله: ((الدنيا فانية)).
* كان يساعدني رحمه الله، ومن ذلك أنه في صغره وهو يدرس في الصف الثالث المتوسط، وعمره خمسة عشر عاماً، ساعدني في كتابة كثير من مراجع رسالة الدكتوراه، وكان ذلك بالتعاون أيضاً مع الابن عبدالعزيز، وذلك عام 1418ه.
* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - فصيح اللسان، قد أعطاه الله ﷻ الفصاحة في الكلام والقراءة، حتى إن من سمعه يقرأ يعجب من فصاحته وسليقته العربية، وقد كان يُحضر لي أي حديث أطلب إحضاره من فهارس كتب السنة؛ لذكائه وفطنته - رحمه الله تعالى - وقد كان من أسباب ذلك - بعد توفيق الله تعالى - عنايته باللغة العربية التي يدرسها في المدرسة، ومن أمثلة ذلك أنه عندما حصل على شهادة الصف السادس الابتدائي احتفظ بقواعد اللغة العربية للصف الرابع، والخامس، والسادس، وجعلها في رفٍّ من أرفف مكتبتي الخاصة، فسألته عن ذلك؟ فأجاب: لكي أراجعها، ثم راجعها وأبقاها في موضعها رحمه الله تعالى.
* وقد أجرت معه مدرسة ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم مقابلة عام 1421ه تقريباً هذا نصها:
الاسم؟ عبد الرحمن بن سعيد بن علي القحطاني.
الصف الدراسي: ثانوي ثانوي / أ .
جدولك اليومي؟
- الاستيقاظ لصلاة الفجر، ومن ثم أرجع للبيت، وأرتّب أمور المدرسة.
- الذهاب للمدرسة.
- الرجوع للمنزل، وتناول الغداء، ثم النوم قليلاً.
- صلاة العصر، ثم مراجعة ما تيسّر من القرآن.
- بعد المراجعة قراءة بعض الكتب.
- صلاة المغرب، ثم المذاكرة، وحل الواجبات إن وجدت.
- صلاة العِشاء، ثم العَشاء وسماع بعض البرامج [مثل برنامج نور على الدرب، والأخبار من إذاعة القرآن الكريم، واستماع قراءة القرآن من الإذاعة، وبعض الخطب].
موقف معبِّر أثَّر في حياتك؟: الحملة الروسية اللعينة على جمهورية الشيشان.
رأيك في النشاط غير المنهجي؟: ممتاز بدرجة أولى، ولابد منه والاهتمام به مثل الاهتمام بالحصص الدراسية [يعني رحمه الله العناية بالقراءة في الكتب، والرسائل النافعة غير المواد الدراسية].
كلمة شكر تهديها لعزيز؟: أشكر وزارة المعارف؛ لما يبذلونه من جهد ومن ذلك تطوير الكتب الدراسية، حتى إن شكل الكتاب وتنسيقه وطباعته تفتح نفس الطالب للمذاكرة.
كلمة عتاب توجهها لصديق؟: ((أولئك الأصدقاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، أنصحهم بأن يبتعدوا عن ذلك)).
* لا أعرف أحداً من عباد الله المؤمنين عرف عبد الرحمن إلا أحبَّه في الله تعالى، وقد تأثّر جميع السكان الذين سمعوا أذانه في صلاة الجمعة والصلوات الأخرى وقراءته؛ حتى بعض العمال انصرفت نفسه عن الطعام أياماً لفراق عبد الرحمن وأذانه، وقراءته، وكان هؤلاء السكان يقول لي بعضهم: يا شيخ سعيد لا تظن أنك فقدت عبد الرحمن وحدك؟ بل كلنا فقدناه!
كان ذكيّاً، ومن ذلك معرفته بمواقع الكتب في مكتبتي الخاصة، حيث لم تكن مرتبة، فإذا فقدت كتاباً ناديت عبد الرحمن، وطلبت إحضاره، فيبحث عنه فوراً ويخرجه جزاه الله عني خيراً وأسكنه الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء، ومن الأمثلة على ذكائه - رحمه الله - أنه عندما وُلد شقيقه عبد الرحيم - رحمه الله - قال عبد الرحمن - وعمره آنذاك ست سنوات - قال: ]بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم[ ثم سكت وفكَّر، ثم قال: ]الرَّحْمـنِ[ أنا عبد الرحمن، و]الرَّحِيمِ[ هذا سمُّوه عبدالرحيم، فسميته عبد الرحيم لهذا السبب.
ومما يدل على ذكائه - رحمه الله - أنه كان في صغره قبل أن يحفظ القرآن بعد أن سجّل في السنة الأولى ابتدائي يعدّ سور القرآن عدّاً وسرداً، فيقول: سورة الفاتحة، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة.... إلى أن يصل سورة الناس، فيعدّ مائة وأربع عشرة سورة بدون توقف!
* وكان يحب أن تكون كتبه منفردة عن مكتبتي، فاختار لها مكاناً صغيراً في زاوية مكتبتي، وكان يجمع كتبه فيها.
وكان قبل موته - رحمه الله - إذا رأى كتاباً جديداً ألفته ثم نشر قال: ((هذا ولد جديد)).
* كان يستيقظ وقت الاختبارات في ثالث ثانوي وفي السنة الأولى في كلية الشريعة قبل الفجر بساعتين أو ساعة، ثم يتوضأ ويذهب إلى الجامع ويصلي ما تيسَّر، ثم يذاكر ويراجع، فإذا نادى بالأذان صلى ركعتي الفجر، ثم يقرأ القرآن.
* وُجد عنده أشرطة محاضرات علمية في سيارته أثناء الحادث وفي أمتعته، وكان عددها مائة شريط، وكلها نافعة جداً، ووجد مجموعة من المصاحف المسجل عليها القرآن كاملاً لعدة قرّاء، كما وجد في سيارته أثناء الحادث شريط قرع أبواب السماء للشيخ بدر بن نادر المشاري، ونشرة عن التوبة قبل الممات، ونشرات مفيدة أخرى رحمه الله تعالى، وجعل هذا الحادث شهادة له ولشقيقه عبد الرحيم ينالان بها أعلى منازل الشهداء.
كما أسأل الله تعالى أن يجزي كل من علَّمه خيراً، وأن يجمعنا وإياه وإياهم وشقيقه عبد الرحيم في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء مع الأنبياء والصديقين والشهداء.
سابعاً: وفاته مع شقيقه وسيرة عبد الرحيم رحمهما الله: توفي رحمه الله تعالى عن عمر يبلغ 18 ثماني عشرة سنة وتسعة أشهر، بعد إمامته للناس، في صلاة العشاء والتراويح، في مسجد الزبير بن العوام t، بإسكان طريق الخرج ليلة الأحد السابع عشر من رمضان عام 1422ه، مرّ على حيِّ العزيزية لقضاء بعض الأغراض، ثم رجع؛ لِيُدْرِكَ حلقته التي يُدَرِّسُ فيها القرآن الكريم للطلاب في مسجده الذي يؤذّن فيه [جامع الفاروق بإسكان أفراد القوات المسلحة بطريق الخرج]، وفي طريقه إلى طلابه الذين يعلّمهم القرآن قدَّر الله الرحيم، الحكيم، العليم، أن يحصل له حادث مروري، وكان بصحبته شقيقه عبد الرحيم الذي وُلد في اليوم السادس عشر من ربيع الأول عام 1410ه، وكان قد صلَّى خلف شقيقه عبدالرحمن صلاة العشاء والتراويح في الليلة نفسها، وكان عبد الرحيم رحمه الله، قد نشأ على ما نشأ عليه أخوه عبد الرحمن - رحمه الله - من التوحيد، وطاعة الله ورسوله، والتأدّب بآداب الإسلام، ولله الحمد والمنّة، وقد درس الابن عبد الرحيم - رحمه الله - في السنة التمهيدية عام 1415ه، وعمره خمس سنوات، ودخل حلقات تحفيظ القرآن الكريم في جامع أفراد القوات المسلحة، ثم دخل في المدرسة الابتدائية [مدرسة الإمام حمزة لتحفيظ القرآن الكريم] في حي الغبيراء بمدينة الرياض في بداية العام الدراسي 1416ه، وتخرّج منها عام 1422ه، وكان يدرس في الفترة الصباحية في المدرسة، وفي الفترة المسائية بعد العصر في حلقات تحفيظ القرآن الكريم في جامع الفاروق المذكور، على الشيخ: حافظ قاري غلام محمد بن فيض الله - جزاه الله خيراً -.
ثم دخل المتوسطة الثانية لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرياض، وذلك في 13 من جمادى الثاني عام 1422ه، فدرس بها بقية جمادى، ورجب، وشعبان، وستة عشر يوماً من رمضان رحمه الله رحمة واسعة.
وكان الابن عبد الرحيم رحمه الله يحفظ من القرآن سبعة عشر جزءاً: من سورة الرعد إلى سورة الناس، ولله الحمد والمنة، وقد راجع هذه الأجزاء مرات كثيرة جداً على شيخه المذكور، وعلى الشيخ زمراوي محمد خيري، والشيخ سخاوة حسين، والشيخ مأمون الرشيد - جزاهم الله خيراً -.
وكان الابن عبد الرحيم رحمه الله يحب أن يرافقني، وقد كان يحضر معي الدروس عند سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - ليلة الإثنين وفجر الخميس وليلة الجمعة في الجامع الكبير من كل أسبوع، وذلك في آخر حياة شيخنا - رحمه الله - عام 1418، 1419ه.
وكان الابن عبد الرحيم - رحمه الله - يحضر دروسي في جامع الفاروق حتى توفي رحمه الله.
وكان الابن عبد الرحيم رحمه الله طائعاً لوالديه، ويرحم أمه كثيراً، ويُحسن إليها، أحسن الله إليه وأنزله الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء، وقد أخبرتني والدته - ربط الله على قلبها؛ ]لِتَكُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ[([12]): أن عبد الرحيم إذا رجع إليها من المدرسة يعطيها أحياناً بعض الحلوى هديةً لها؛ لحبه لها جمعه الله وإيَّاها وشقيقه وإيَّايَ ووالدينا وجميع المؤمنين الصادقين المخلصين في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء مع النبيين والصديقين والشهداء.
وكان الابن عبد الرحيم كريماً يكرم أمه، وإخوانه، وأخواته من المال الذي أعطيه من أجل الانتفاع به أثناء المدرسة، وأخبرني الشيخ زمراوي محمد خيري أن عبد الرحيم كان يكرمهم بعد انتهاء الدراسة في التحفيظ ببعض العصيرات، ووصفه بالكرم فقال: ((كان عبد الرحيم كريماً رحمه الله)).
وكان الابن عبد الرحيم لا يقهقه؛ بل كان يبتسم في وجه كل من قابله، وقد أخبرني بعض الأساتذة في مدرسة الإمام حمزة لتحفيظ القرآن الكريم أن عبد الرحيم وأخاه عبد السلام يبتسمان كثيراً، وقال: قد سمَّيناهما: ((المبتسمان))!.
وكان الابن عبد الرحيم قد أخذ زاوية صغيرة من مكتبتي الخاصة، وكلما ألّفت كتاباً أخذ نسخة وجعلها في هذه الزاوية، ومات - رحمه الله - ومؤلفاتي في مكتبته الصغيرة التي تتكون من رفٍّ واحد؛ لحبه للاطلاع على كتبي خاصة، غفر الله له، وجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء مع النبيين والصديقين والشهداء.
وكان الابن عبد الرحيم يصوم رمضان منذ السنة السادسة من عمره، ويتبعه ستّاً من شوال، ويصوم يوم عاشوراء ويوماً قبله وربما صام يوماً قبله ويوماً بعده، وكان يصوم مع شقيقه عبد الرحمن - رحمه الله - تسعة أيام من عشر ذي الحجة، وكان يحافظ على السنن الرواتب وصلاة الوتر.
وكان الابن عبد الرحيم - رحمه الله - في العشر الأواخر من رمضان من كل عام يأخذ كتاب الدعاء من الكتاب والسنة قبل الفجر بساعة أو ساعتين من كل ليلة، ويستقبل القبلة، ويرفع كفيه، ويدعو حتى ينهي الكتاب من أوله إلى آخره، رحمه الله تعالى.
وأخبرني الشيخ حافظ قاري غلام محمد فيض الله الذي كان يُحفِّظ الابن عبد الرحيم القرآن الكريم، وكان مع ذلك يذهب بالابن على سيارته إلى المدرسة أيضاً، قال: كنت واقفاً عند الإشارة المرورية يوماً وعبد الرحيم - رحمه الله - معي في السيارة، فرأى رجلاً يشرب الدخان ففتح عبد الرحيم - رحمه الله - زجاج السيارة وقال: ((الدخان حرام)) أي ينصح شارب الدخان.
وأخبرني الأخ أيمن بن عبد الله العاصمي أنه كان يوم جمعةٍ في الجامع، وعبد الرحيم رحمه الله بجانبه، وكل منهما يقرأ سورة الكهف، وبعد أن أنهيا سورة الكهف تكلّم الأخ أيمن مع الابن عبد الرحيم، قال أيمن: فقال عبد الرحيم رحمه الله: ((لم يبق من خروج الخطيب إلا خمس دقائق، دعنا نستغلّها في التسبيح حتى يخرج علينا الخطيب))، قال الأخ أيمن: ((فسبح عبد الرحيم، وسبّحت حتى خرج الخطيب)).
وأخبرتني والدة عبد الرحيم - رحمه الله - وجمع بينها وبينه في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء، فقالت: إن عبد الرحيم يوم الخميس الموافق ثلاثة عشر من رمضان قبل أن يُتوفَّى بثلاثة أيام آلمته أسنانه، فلم يستطع أن ينام، فجاءت إليه والدته بحبوب مهدئة للآلام وماءٍ، فطلبت منه أن يفطر؛ لأنها تعتقد أنه غير مُكلَّفٍ؛ حيث يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة ونصفاً فقط؛ ولرحمتها له؛ لأنه لم ينم من الألم الشديد في ضرسه، ولكنه امتنع ولم يفطر، فقال له شقيقه عبد الرحمن - رحمه الله -: لا تفطر يا عبد الرحيم، فقال عبد الرحيم - رحمه الله -: ((تُعلِّمني؟)) أي أنا لا أفطر.
وقد سَمِعَ مني الابن عبد الرحيم رحمه الله ثلاثة الأصول للإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وحفظ أهم ما فيها، وسمع الدروس المهمة لعامة الأمة مرتين وحفظ أهم ما فيها؛ لكنه لم يكمل المرة الثانية؛ لموته رحمه الله.
وكنت إذا سألته عن شروط لا إله إلا الله أجاب بالأبيات التي نظمها الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - فإذا قلت: يا عبد الرحيم كم شروط لا إله إلا الله وما عددها؟ فيقول رحمه الله: ثمانية:
العلم، واليقين، والقبول | والانقياد فادرِ ما أقول | |
والصدق، والإخلاص، والمحبة | وفقك الله لِمَا أحبه |
ثم يقول: والكفر بما يُعْبَد من دون الله.
وقد أخبرني الابن عبد الله، وعبد السلام، وعبد الرزاق أن الابن عبد الرحيم - رحمه الله - كان يردّد هذه الأبيات قبل موته فيقول:
إنما الدنيا فناء | ليس للدنيا ثبوت | |
إنما الدنيا كبحرٍ | يحتوي سمكاً وحوت | |
ولقد يكفيك منها | أيها الطالب قوت | |
فاغتنم وقتك فيها | قبل ما فيها يموت | |
إنما الدنيا كبيت | نسجته العنكبوت |
رحمه الله ورفع منزلته وجمعنا وإياه وشقيقه في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء؛ فإن هذا الاجتماع الذي لا فراق بعده.
ولم يكن للابن عبد الرحيم رحمه الله ما لشقيقه عبد الرحمن من المواقف والمناقب؛ لأن الابن عبد الرحيم صغير السن، فقد كان عمره اثنتي عشرة سنة وستة أشهر تماماً بلا زيادة ولا نقص، بينما عمر عبدالرحمن رحمه الله ثمانية عشر عاماً وتسعة أشهر وتسعة عشر يوماً بلا زيادة ولا نقص.
وكان عبد الرحيم رحمه الله يَدْرُسُ في التحفيظ في نفس الجامع الذي يُدَرِّسُ فيه شقيقه، ولكنه عند مُدَرِّسٍ آخر، وقد توفي عبد الرحمن وعبدالرحيم في ساعة الحادث المذكور، وهما في طريقهما إلى حلقات القرآن الكريم: الابن عبد الرحمن؛ ليعلّم في حلقة الإمام الذهبي، وعبدالرحيم يتعلّم في حلقة الإمام ابن ماجه، رحمهما الله.
وقد صلَّى عليهما جمع كبير من الناس بعد صلاة الظهر يوم الأحد السابع عشر من رمضان سنة 1422ه، في جامع الراجحي بالربوة بمدينة الرياض، وكان دفنهما بمقبرة النسيم، رحمهما الله تعالى.
أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، الرؤوف، الرحيم، الكريم، المنّان، أن يُدخلهما الفردوس، ويجعل هذا الحادث شهادة لهما، وأن يبلّغهما أعلى منازل الشهداء؛ فإنه I على كل شيء قدير، وهو ذو الجود والإحسان، والفضل والامتنان، لا يُسأل عما يفعل تبارك وتعالى.
كما أسأله بوجهه الكريم أن يجمع بينهما وبين والديهما في ذاك المكان العظيم؛ فإن هذا هو الاجتماع الذي فراق بعده.
والحمد لله على كل حال، وعلى قدره وقضائه، واختياره، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في يوم الخميس الموافق 26/10/1422ه
ثامناً: ما قاله عنه: العلماء، ومعلموه، وزملاؤه:
أ - ما قاله العلماء، وطلاب العلم وبعض الأساتذة:
1 - ( 1 ) الحمد لله على قدره وقضائه واختياره لعبده بقلم الشيخ العلامة: عبد الله بن صالح القصير.
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. أما بعد:
فقد عرفت الأخ في الله عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله تعالى - من خلال حضوره لدروسي، وقراءته عليَّ في كتاب التوحيد، في دورة الدروس العلمية المقامة في مسجد جامع خادم الحرمين الشريفين في منطقة الباحة عام 1420ه، وقد ظهر لي من الأخ عبد الرحمن رحمه الله تعالى:
1- الحرص على طلب العلم الشرعي.
2- التحلي بأخلاق طالب العلم.
3- ينطبق عليه وصف النبي ﷺ لأحد الأصناف السبعة الذين يظلم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله بقوله ﷺ: ((وشاب نشأ في عبادة الله))([13]).
أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً.
والحمد لله على قدره وقضائه واختياره لعبده، وأسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته، وأن يجعله ذخراً لوالديه، وأن يعوضهما خيراً، والحمد لله أولاً وآخراً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
وكتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
عبد الله بن صالح القصير
2 - ( 2 ) علوُّ الهمةِ وصِدقُ العزيمةِ
بقلم الشيخ: عبد الله بن عبد العزيز بن إبراهيم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن على كل مسلم أن يعلم - في ضوء الوحي - الغاية التي يريد بلوغها في هذه الحياة، وأن يسلك السبيل الموصلة إليها، ويأخذ بالأسباب المعينة على ذلك.
ومن المعلوم أن الحكمة العظمى من خلق الثقلين هي عبادة الله ﷻ وحده على بصيرة، ولا سبيل إلى هذا إلا بالعلم النافع، فإنه الهدى الذي أرسل الله به نبيه محمداً ﷺ: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْـهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ[([14])، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، وإدراك هذا يقتضي أن يعتني كل لبيب بتزكية نفسه تَزْكِيةً فِعْليَّة بتلقِّي العلم الموروث عن نبينا عليه الصلاة والسلام، والعمل بمقتضى هذا العلم، وأن يبادر ذلك في سن الشباب حيث تكون قدرته على الأمرين أقوى؛ ولأن الاشتغال بهما في هذا السن من أعظم أسباب الاستقامة والتثبيت، وأهم طرق الوقاية من الطيش والمزالق، وإن المسلم ليغتبط حين يرى عدداً من شباب المسلمين سلَّمهم الله من الوقوع فيما وقع فيه لداتهم، واشتغل به أترابهم من توافه الأمور، وأضاعوا فيه أفضل مراحل الأعمار، فانصرفت تلك الثُّلة الموفقة إلى الاشتغال بالمعالي، والاجتهاد في تحصيل المكرمات مستعينة بالله تعالى، وناظرة إلى ما يؤول إليه هذا من حسن النتائج، ومحمود العواقب، غير ملتفتة إلى ما تدعو إليه النفس الأمّارة بالسوء، الحرُون عن الخير البطيئة عن فعله، وما تميل إليه من إيثار الراحة والركون إلى الدعة، واستثقال الجد والمثابرة، واستطالة طريق المجد المؤثَّل، ولا عابئة بما يعين النفس الضعيفة على صاحبها من الالتفات إلى اشتغال الناس بالمحقرات، وموافقة مشتهيات النفوس، ولا مكترثة بتخذيل المثبّطين، وثني المخذّلين، بل يحملها توفيق الله وعونه، ثم علوّ الهمة وصدق العزيمة على بذل الأوقات، واستسهال الصعاب، من أجل ما يرضاه الله ويحبه من الاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح، فهمّة هذه الثُّلة عمارة الوقت بمحبوبات الله ﷻ المتنوعة، مراعية في ذلك ترتيبها وفقاً لما جاء في الشرع من البداءة بالأهم قبل المهم، وتقديم الواجبات على المستحبات والمندوبات، والله المسؤول أن يأخذ بأيدي هذه الثلة، ويبلغهم مراداتهم الحسنة، ويصلح لنا ولهم المقاصد والنيات والأقوال والأعمال، وأن يوفق سائر شباب المسلمين ليحذوا حذوهم، ويسيروا في ركبهم ليجنوا ثمرات ذلك الحسنة حالاً ومآلاً عاجلاً وآجلاً.
هذا وإن من نماذج تلك الثلة - فيما أحسب - الابن عبد الرحمن بن سعيد بن علي القحطاني - يرحمه الله - فقد كان له نصيب من علو الهمة وصدق العزيمة كانا له بعد توفيق الله - ذي الحول والطول، والإفضال والإنعام - عوناً على تحصيل عدد من محابّ الله ومراضيه، أولها بعد أداء الفرائض حفظ القرآن الكريم وتعاهده ومراجعته، والالتحاق بمدارسه التي تعنى بتعليمه وعلومه، ثم تعليمه الآخرين، يلي ذلك العناية بالعلوم الشرعية الأخرى عن طريق القراءة على والده وعلى غيره، وحضور بعض حلق العلم، والانتظام بكلية الشريعة بالرياض إلى جانب الإسهام في نصح الآخرين وتوجيههم.
اشتغل يرحمه الله بما حقَّه أن يكون شاغل كل شاب مسلم يقفو أثر السلف الصالح الذين تخرجوا في مدارس العلم الموروث عن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم، فأدرك طرفاً صالحاً حتى وافاه الأجل وهو في مضمار التنافس في محاب الله، وبقي له من الذكر والخبر ما يحفز نفوس الشباب على التشمير فيما نافس فيه، فإني أراه شاباً نشأ في طاعة الله ﷻ، وكان يقرأ عليَّ في القواعد الحسان لابن السعدي، ولئن كان آلمني خبر وفاته يرحمه الله، فقد سرّني ما عرفته عنه من أخبار في مجال الدعوة والمناصحة.
وما المرء إلا حديث بعده | فكن حديثاً حسناً لمن روى |
أسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته، ويظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يبارك في إخوانه وفي سائر شباب المسلمين، وأن يجعلهم مفاتيح خير لأمة الإسلام، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قاله الفقير إلى ربه
عبد الله بن عبد العزيز بن إبراهيم الخضير
3 - ( 3 ) يا فتى الطُّهرِ طِبتَ حيّاً وميّتاً
بقلم الشيخ: محمد بن أحمد الفراج
أخي الكريم/ أبا عبد الرحمن: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد:
سمعت كغيري نبأ وفاة ابنيك رحمهما ربهما، وآجرك فيهما، ولا أراك مكروهاً بقية عمرك المبارك، ولا فجعك في نفس وحبيب، وحضرت للعزاء كغيري، ولكن الشيء الذي بقي علمه مطويّاً عني هو هذا التميز الذي كان عليه فقيدك عبد الرحمن منذ صغره، قرأت الأسطر التي كتبتها في مقدمة كتابه، واستعرضت كتابه - رحمه الله - فأوجد لديّ شعوراً هائلاً ترجمت بعضه بهذه الأبيات:
1 - هل لِقَلبٍ مِنَ الهُمُومِ عميدِ | يُسْعِف الفِكر في عَزاءِ سعيدِ | |
2 - في مُصَابِ الفتى الهُمام ويوفي | حقَّ ذي العزم والبيانِ السَّديدِ | |
3 - يقفُ الشِّعرُ حائراً كلُّ بَحْرٍ | يُعلِن العَجزَ عن رثاءِ الفقيدِ | |
4 - إنَّ عبدَ الرَّحمن بدرُ تمامٍ | فجأةً غابَ عن سماءِ الوجودِ | |
5 - ودّع الصَّحبَ تاركاً كلَّ جَفنٍ | يَتَلظَّى مِنْ حرقة التَّسهيدِ | |
6 - لوْعَةٌ في الُفؤادِ من وَحْشةِ البينِ | وحُزنٌ ودمْعَةٌ في الخُدودِ | |
7 - ما دَرَى قَبْرهُ ولا دافِنُوهُ | أيَّ شهمٍ قد غيَّبُوا في اللحودِ | |
8 - أيَّ نبلٍ قد ودَّعُوا وذَكاءٍ | وكريمٍ مِنَ الخِصَال وَجُودِ | |
9 - وشبابٍ في الرَّوعِ حَامَتْ عليهِ | حائِماتٌ أظفارُها من حديدِ | |
10- ما لقلبي كقطعةٍ من جَليدٍ | ولعَيني كصخرةِ الجلمودِ | |
11- تقصِفُ الحادثاتُ شَرقاً وغَرباً | وجَنُوباً وشَمالاً كالرُّعُودِ | |
12- وأرَانا وكُلّنا في سُباتٍ | وسُعارٍ على الدَّنايا شديدِ | |
13- كلّ يومٍ نرى مُصاباً جديداً | في حبيبٍ أو والدٍ أو وليدِ | |
14- كم رسولٍ قد أرسلَ الموتَ فينا | ونذيرٍ محذّرٍ وبريدِ | |
15- والمنايا لنا بكلِّ طريقٍ | راصِدات يرمقنَنَا من بعيدِ | |
16- وأرانا على الرَّزايا مُكبِّين | سُكارَى متاعِها المعبودِ | |
17- يا فتىً فتَّ موته كلَّ قلبٍ | إذ مُصاب التُّقاة قرحُ الكُبُودِ | |
18- غيرُ مأسوفَة الزَّوالِ حياةٌ | زلتَ عنها وعيشِها المَنْكُودِ | |
19- ما رأينا من أهلها غيرَ لُؤم | ونفاقِ مخادعٍ وكُنودِ | |
20- يذهبُ الصَّالِحونَ عنها وتُبقي | كلّ نذلٍ وفاجرٍ وبليدِ | |
21- في قليلٍ من الصلاحِ عزيز | في غريبٍ مِنَ الأنامِ شريدِ | |
22- يا فتى الطّهر طِبتَ حيّاً ومَيْتاً | وتسامَيْتَ في مَرَاقي الصُّعُودِ | |
23- ناشئاً في عبادةِ الله ترجو | مِنْحةَ الرّبّ في ظلالِ الوَدُودِ | |
24- لكأنّي بالذِّكرِ صارَ أنيساً | لك في القبرِ والكتابِ المجيدِ | |
25- وكأنِّي أرى خيالَكَ طَيفاً | مُشرقَ الوَجهِ في سَماءِ الخُلودِ | |
26- وكأنّي بِكَ ازدَريتَ حياةَ | الذُّلِّ والعيشَ في رباقِ العبيدِ | |
27- فابتدَرتَ الهِلال لله تَعْدُو | عَدْوَ صَبٍّ لم ينتظِرْ يومَ عِيدِ | |
28- أيُّ عيدٍ يُسرُّ فيه ذليلٌ | لصليبٍ وحفنةٍ من يهودِ | |
29- شَرِبوا الذُّلَّ باليدين ونامُوا | ملء جفنٍ وكلبُهم بالوَصِيدِ | |
30- باسِطٌ فوقهم ذِراعيهِ قَهْراً | غاصبٌ منهم ديارَ الجُدودِ | |
31- عائِثٌ في البلادِ قتلاً وأسراً | محكمٌ قبضةَ العدوّ اللدودِ | |
32- فلِهَذا وغيرِهِ وكثير | يا فتى قد مَلَلْتَ عيش الرّقودِ | |
33- فإلى الله والجِنَان وحورٍ | وقُصُور وظلّها الممدودِ | |
34- في رياضٍ من النَّعيم فِساح | وشُهودٍ من الإلهِ مزيدِ | |
35- وجِوَار من النبيين طُوبَى | لجوارِ الكليم مُوسى وهُودِ | |
36- وجِوار النَّبيِّ والصَّحب سَعدٍ | وعليّ وعامرٍ وسعيدِ |
أخوك الوادُّ
محمد بن أحمد الفراج
4 - ( 4 ) أنتم شهداء الله في الأرض
بقلم الشيخ سعيد بن فيصل بن شائع القحطاني
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير؛ محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، أما بعد:
فهذه كلمة مختصرة في بعض ما أعرفه عن الشاب الصالح: عبدالرحمن بن سعيد بن علي بن وهف - رحمه الله، ورفع درجته في عليين، وجعله وأخاه عبد الرحيم في جنات ونهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر -. وجعل والديه ممن قال الله فيهم: ]وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْـحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ[([15])، وممن قال الله فيهم: ]أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا[([16]).
فإن عبد الرحمن عرفته منذ زمن، ورأيت فيه خصالاً عظيمة لم أرها في كثير من شباب هذا العصر.
منها أنني كلما زرت والده وجدت عبد الرحمن - رحمه الله - إما في المسجد في حلقة القرآن الكريم، أو في المسجد يراجع حفظه، أو يُدرِّس في المسجد لكتاب الله تعالى، أو ذاهباً إلى المسجد؛ ليؤذن للصلاة، وما رأيته في السفر إلا حاجّاً أو معتمراً مع والده، وما سألت عنه إلا جاءني الخبر بأن عبد الرحمن في حلقة علم، أو دورة علمية مع والده في الإجازات الصيفية، يلازم والده في الدروس والمحاضرات، فكان يسرني ذلك كثيراً، وكان أملي في الله عظيماً أن يكون عبد الرحمن ممن قال فيهم النبي ﷺ من حديث أبي هريرة المتفق على صحته: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((شاب نشأ في عبادة الله تعالى))([17]). الحديث، وممن قال فيهم النبي ﷺ في الحديث الطويل الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة t وفيه: ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة))([18]) الحديث. وكأنه يتمثل قول القائل:
دع التّكاسُل في الخيرات تطلبها | فليس يسعدُ بالخيرات كسلانُ |
ومنها أنه كان ذا خُلقٍ حسن رحمه الله،وأملي في الله عظيمٌ أن يكون ممن قال فيهم النبي ﷺ:((إن من أحبّكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً))([19]).وممن قال فيهم ﷺ:((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً))([20]).
ومنها أنني لم أره يوماً من الأيام يميل إلى ما يميل إليه الصبيان من اللعب، فما رأيته يلعب مطلقاً رحمه الله.
ومنها أنني ما سمعت أحداً ذكره صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى إلا أثنى عليه خيراً: حيّاً وميتاً - رحمه الله -.
ومنها أنه كان من خلقه الحياء، وقد قال النبي ﷺ: ((الحياء لا يأتي إلا بخير))([21]). ولمسلم: ((الحياء خير كله))([22]).
فنصيحتي لإخواني الشباب الرجوع إلى الله، والاستفادة من كتاب عبد الرحمن، ومن أخلاقه وسيرته - رحمه الله - قبل أن يأتي أحدهم الموت وهو على غير طاعة الله تعالى.
فبادر مادام في العمر فسحةٌ | وعَدلك مقبول وصرفك قيم | |
وجد وسارع واغتنم زمن الصِّبا | ففي زمن الإمكان تسعى وتغنمُ |
أسأل الله أن يغفر لعبد الرحمن وأخيه، وأن يجعلهما من السعداء ويجمعنا وإياهما ووالديهما في أعلى عليين، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
قاله كاتبه: سعيد بن فيصل بن شايع القحطاني
مدرسة الإمام مسلم الثانوية
لتحفيظ القرآن الكريم بالحرس الوطني
في26/1/1423ه
5 - ( 5 ) صاحب الروح الطيبة والسيرة العطرة
بقلم د. سعد بن علي بن وهف القحطاني
الأستاذ بجامعة الملك سعود
إلى أخي الودود أبي عبد الرحمن: وفقه الله، وربط على قلبه، وبرد حرارة مصيبته، وكسانا وإياه حلل الكرامة يوم القيامة.
أخي...
حسبك مما فقدت من ثمرات الأفئدة ما أعده الله لك ولأمثالك في بيت الحمد في الجنة إن شاء الله تعالى.
وحسبك أيضاً أنهما هجرا ضنك الدنيا إلى جنة عرضها السموات والأرض إن شاء الله تعالى.
فإلى جنة الخلد يا عبد الرحمن إن شاء الله تعالى، صاحب الروح الطيبة، والسيرة العطرة، والمواهب المتعددة، التي كانت سرّاً كامناً لم يكتشفها الناس إلا بعد رحيلك، وهذا هو حال العظماء من الرجال، لا تعرف مكانتهم إلا بعد أن يشعر الناس بالفراغ الذي تركه رحيلهم، ولئن كنا اليوم نبكي موتك فسنظلّ نذكر الأثر الطيّب الذي تركته في نفوسنا، حتى يجمع الله بيننا وبينك في الجنة إن شاء الله تعالى، وعزاؤنا فيك أنك متّ عزيزاً، شهماً.
أطاب النفس أنك مت موتاً | تمنته البواقي والخوالي | |
رحلت ولم تر يوماً كريهاً | تسرُّ النفسُ فيه بالزوال |
وإلى عبد الرحيم تلك الزهرة التي لم تكد تتفتح، أقول فيك ما قاله المتنبي في ابن سيف الدولة:
فإن تك في قبر فإنك في الحشا | وإن تك طفلاً ففعلك ليس بالطفل | |
ومثلك لا يُبكى على قدر سنه | ولكن على قدر العزيمة والأصل |
اللهم ألهم والديهما الصبر والاحتساب، واجعلهما لهما حجاباً من النار، واجمعنا وإياهم جميعاً في الفردوس الأعلى في أعلى علّيين في جنات ونَهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
كتبه أخوك ومودّك أبو عبد العزيز
ب - ما قالـه معلمـوه:
6 - ( 1 ) - دمعة على فراق أبي سعيد
بقلم الشيخ عادل بن عبد الرحمن السنيد
لست من أرباب البيان، ولا روّاد البلاغة حتى أُسطّر كلمات تليق بأبي سعيد، ولكنها نبضات قلب محب ومشاعر أبت إلا أن تخرج في أي قلب كانت.
عبد الرحمن: اسم يتجلجل صداه في مسامعي، وتدوي معانيه في خاطري، فلا أملك إلا أن أسترجع بأدمعي، غابت شمسك يا أبا سعيد، وأفل نجمك، وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.
عبد الرحمن: عندما تتراءى صورته أمامي أذكر معاني:
القناعة، الحرص على هداية الناس، لين الجانب، دماثة الأخلاق، صفاء النفس، نقاء السريرة، بذل النصيحة، حمل هم الآخرة، المسارعة إلى خدمة الآخرين.
أبا سعيد: يتجاذبني شعوران متناقضان:
شعور بالفرحة والسرور؛ لأن ذكرك حَسَنٌ، وسيرتُك عطرَة، ولله الحمد، وأنتم شهداء الله في أرضه.
وشعور بالحزن والأسى إذا تذكرت أن عيني لن تكتحل برؤيتك في الدنيا بعد اليوم:
أأحبابنا إن الصحاب كثير | وأنتم رأس وعين كاهل |
أسأل الله أن يجمعنا وإياك ووالدينا وجميع المسلمين في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن ينزلنا منازل الشهداء آمين، آمين، آمين.
أبا سعيد لا أقول وداعاً، ولكن إلى اللقاء في الجنة - إن شاء الله -.
أبو عبد الإله: عادل السنيد
مدرس القرآن الكريم والقراءات بثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض
فجر الأحد 10/1/1423ه
7 - ( 2 ) ورحل ... عبد الرحمن !!!
بقلم الشيخ بدر بن ناصر العواد
ربما كانت هذه الكلمة هي الكلمة الأولى التي صكَّت أذني، فكنتُ على موعد مع الحزن الآسر، لم يَدُرْ في خَلَدِي يوماً ما أن أقفَ في لحظة صمتٍ خاشعةٍ لأستعيدَ شريطَ الذكريات الجميلةِ معه بعدما لحق بركب الموتى.
كم عجيب هو الموت، لحظاتٌ فقط ويصبح الإنسان خَبَراً في ذمَّة كان، طرفة عين - لا أكثر - هي الخيط الرقيق الفاصل بين الحياة والموت!!!
في مثل هذا الموقف الحزين يضجُّ في أروقة دماغك ألفُ سؤال حائر عن الموت وما بعده، ويتدفّقُ شلالٌ من الحزن في جنبات قلبك، ويلوح أمامَ ناظريكَ إعصارٌ من الأسى، يعصف بأحاسيسك، ويأخذك بعيداً إلى ما وراء الوراء!!!
عبد الرحمن ... مَنْ عبدُ الرحمن ؟؟؟
وجهٌ يهمي بالطُّهر كإشراقة الفجر النَّدي، وصدرٌ لا مكان فيه لغير المحبة والمصافاة، وثغرٌ سكَنَت فيه ابتسامةٌ عذبةٌ أبَتْ أن ترحلَ عنه!
لم يكن عبد الرحمن بالنسبة لمعلميه مجرَّدَ طالب في مدرسة تعجُّ بالمتميزين كهذه، بل كان طالباً من الطراز الأول... التزامٌ جادٌّ، واهتمامٌ بالتحصيل العلمي، وعزمٌ متوهِّجٌ لم يستطع الكَلَلُ أن يَفُتَّ في عَضُدِه.
وليس غريباً أن يكون من تربَّى في محاضنِ القرآن الكريم، ونهل من ينابيعِ السنة النبوية الشريفة؛ بارّاً بوالديه، مسكوناً بهموم أمته، متميزاً بين لدَاتِه.
وإن أنسَ فلا أنسى ما كان يتحلَّى به من أدبٍ رفيعٍ، وروحٍ مرحةٍ داخلَ فصله، ونَهمٍ معرفيٍّ يحدوه في الفُسَحِ إلى إغراقي بوابلٍ من الأسئلة.
لقد مضى إلى ربِّه بعدما نقش اسمه بحروفٍ من نورٍ في ذاكرة من عرفوه، وستبقى ذكراه العَبقَة أنشودةً حلوةً على كل الشِّفاه... و((الذِّكْرُ للإنسانِ عُمْرٌ ثاني)).
بدر بن ناصر العواد
مدرس العلوم الشرعية بثانوية أبي عمرو البصري
لتحفيظ القرآن الكريم
8 - ( 3 ) ورحل عبد الرحمن
بقلم الشيخ محمد بن عبد العزيز الغامدي
سطرت يراع عبد الرحمن - رحمه الله - هذه الكلمات قبل أن يغادر هذه المدرسة متخرجاً بتميز علمي وخُلقي.
لقد مضى عبد الرحمن، وبقيت ذكرياته.
وما هذه الكلمات إلا جزء من هذه الذكريات، كتبها ولم يكن يدر بخلده حينها أنها ستبقى ذكرى من بعده يقلبها معلموه وزملاؤه.
غادرنا عبد الرحمن وهو يقول: (بعد مغادرتي للمدرسة على خير إن شاء الله)، وأقلّ من عام، وإذا به يغادر ليس المدرسة فحسب بل الدنيا كلها، وهو على خير إن شاء الله.
مضى عبد الرحمن ... ونحن لم نمض بعد.
وغادر عبد الرحمن ... ونحن لم نغادر بعد ...
يا ترى ... كيف كانت أمانيه قبل أن يمضي؟
وما آماله وأحلامه قبل أن يغادر؟
لقد مضت تلك الأماني معه وغادرت تلك الآمال والأحلام إلى حيث غادر... لكن... قل لي بربك: ما مصير أمانينا وآمالنا؟
هل سندركها؟ أم ستخترمها المنون؟
اسأل نفسك... والحر تكفيه الإشارة.
اللهم حرِّم وجه عبد الرحمن على النار... وارفع درجته في دار القرار... في جنة ونهر... في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
محمد بن عبد العزيز الغامدي
مدرس العلوم الشرعية
في ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض
ج - قـال عنـه زمـلاؤه:
9 - ( 1 ) عاجل بشرى المؤمن
بقلم زميله بكلية الشريعة:
عادل بن عبد الله المطرودي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إلى فضيلة الشيخ د. سعيد بن علي القحطاني - حفظه الله ورعاه -
فقد سرّني وأثلج صدري ذلك البحث القيِّم لحميد الشِّيَم ابنكم عبد الرحمن قدَّس الله روحه، ونوّر ضريحه، والذي أسأل الله أن يجعله من الباقيات الصالحات.
ثم إني بحكم دراستي مع عبد الرحمن - رحمه الله- لعدّة أشهر في كلية الشريعة أحببت أن أكتب عنه هذه الكلمات، فأقول وبالله أستعين:
كان رحمه الله حريصاً على طلب العلم، كثير السؤال لأهل العلم، وقد كنت أمازحه فقلت له ذات مرة: أسئلتُك أسئلةُ فقيه؟ فقال لي: ((الله يسمع منك)).
وكان لا يستحيي في السؤال لسان حاله كما قال الشاعر:
العلم حربٌ للفتى المتعالي | كالسيل حربٌ للمكان العالي |
وكان رحمه الله ينفع إخوانه كثيراً، وكان كثيرٌ من الزملاء يأخذون ما يفوتهم من التعليقات منه رحمه الله.
وقد التقيت به يوماً في أحد ممرات الكلية فقال لي: انظر إلى هذه الرسالة - رسالة وصلت إليه خطأ عن طريق الجوال أُرسلت لشخصٍ، فأخطأ المرسل فوقعت في جوال عبد الرحمن - رحمه الله - فيها عبارات كفرية والعياذ بالله، فقال: ما رأيك فيها؟ فقلت له: إن صاحبها على خطر عظيم، فقال لي: ((إني قد اتصلت به ونصحته فشتمني وسبَّني هداه الله)).
وكان رحمه الله على خلق عظيم، ولا أذكر أني شهدت منه خلقاً ذميماً - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته -.
وختاماً أُوصيكم بالصبر والاحتساب وأبشركم بأن عبد الرحمن كان ولا يزال محل ثناء زملائه، وإخوانه في الكلية، وهذا من عاجل بشرى المؤمن، أسأل الله أن يغفر لي، ولعبد الرحمن، ولأخيه، ولوالديه، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه
عادل بن عبد الله المطرودي
الرياض 15/1/1423ه
كلية الشريعة قسم الشريعة
10 - ( 2 ) أعظم الأماني الشهادة في سبيل الله تعالى
بقلم: زميله بكلية الشريعة:
عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سليمان الشبيب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا بعض ما أعرفه عن أخي وصديقي الأخ الفاضل عبدالرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله - فأقول: كانت بداية معرفتي للأخ عبد الرحمن هي بداية دراستي في الجامعة، ومن العجيب أنه على الرغم من قصر المدة التي تعرَّفت فيها على الأخ عبد الرحمن - رحمه الله - إلا أنه كان بيننا من الألفة والمحبة حتى كأنني أعرفه قبل عدة سنوات، وذلك لما يتحلّى به من حسن الخلق، وبشاشة الوجه، وكان الأخ عبد الرحمن ذا علمية جيدة، وقد عرفت ذلك من مناقشاته الجيدة للمشايخ في قاعة الكلية، وتعليقاته المفيدة على بعض كتبه، وقد كنت يوماً من الأيام أتأمل في شباب القاعة، وأتخرص من هو الذي سيخدم الدين؟ فكنت أنظر إلى الأخ عبد الرحمن، وأتوسّم فيه سمات القضاة، فقد كان حكيماً ذا سمت حسن، وقد كان - رحمه الله - يهتم بأحوال المسلمين، خاصة إخواننا في أفغانستان، وقد كان يخبرني ببعض أخبارهم، ويأتي ببعض المجلات التي تهتم بقضاياهم، وكان يزرع في نفسي أن النصر للمسلمين مهما حصل من الضعف في بعض الأوقات، وكنا نناقش في يوم من الأيام بعض أحوال المسلمين، فقال: ((إن من أعظم الأماني عندي أن أذهب إلى ساحة الوغى ثم أقتل في سبيل الله تعالى)).
فرحم الله الأخ عبد الرحمن، وجعلني وإياه ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فقد كنا متحابين في الله تعالى، فرحمه الله رحمة واسعة، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير.
محبه: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سليمان الشبيب
12/1/1423ه
جامعة الإمام - كلية الشريعة - قسم الشريعة - الرياض
11 - ( 3 ) الأمر بالمعروف مع سعة الصدر
بقلم زميله:
محمد بن حسان بن محمد بن بشُّور السوري
الحمد لله الذي جعل لكل أمر علامة، ولكل شيء نهاية، ]إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[([23]) فسبحانه مدبر الأمور، يصرفها كما يشاء وهو العليم الحكيم، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام، أما بعد:
فهذه النقاط فقط ذكريات صديق حبيب، أمارات النور برقت على جبينه، فكنَّا ندرس سويّاً في المدرسة، فكان - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة نحن ووالديه ووالدينا وجميع المسلمين - آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، فإذا رأى صديقاً تبدو عليه أمارات السوء أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، وكان رحمه الله محبّاً للاطلاع يشغل فراغه بما يفيده، فإذا كان لدينا حصة فراغ، أو لم يحضر المعلم، أو شرح الدرس وبقي جزء من الحصة استغلها بما يفيده كمراجعة ما يحفظ من كتاب الله تعالى، أو قراءة كتاب مفيد، أو غير ذلك مما يفيده.
وكان رحمه الله واسع الصدر لا يحمل الحقد على أي صديق، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، أنه إذا قال له شخص: فلان قال كذا وكذا عنك، قال له: لا تظن بأخيك ظنّاً سيئاً، وكنَّا في يوم من الأيام نذاكر مادةً علينا فيها اختبار في الصف الثالث ثانوي، وقبل الاختبار نتبادل المعلومات يُذَكِّرني وأُذَكِّره، وكان يقول لي: يا محمد توكل على الله، ولا تحمل همَّ الاختبار.
وكما كان أيضاً طموحاً للأعلى، فقد كان رحمه الله يحب الخط العربي والشعر، فقد كان رحمه الله يسلينا أحياناً في الفصل ببعض أشعاره اللطيفة، وكان يحب الاطلاع في الكتب، فقد كان أيضاً مُثَقَّفاً حريصاً على سماع أخبار المسلمين في الراديو، فكنت أسأله عن بعض ما جرى فيجيبني، وأخيراً كما قال الشاعر:
إذا لم نلتقِ في الأرض يوماً | وفرَّق بيننا كأس المنونِ | |
فموعدنا غداً في دارِ خُلدٍ | بها يحيى الحنون مع الحنونِ |
وقد قلت هذه الكلمات في عبد الرحمن - رحمه الله - الآتي نصها:
فقدتك والذكرى مُؤرّقة | من صميم فؤادي | |
فقدتك ومدامعي تلوح | سيلاً على أجفاني | |
فقدتك والخيال أذكرني | جوهراً كالياقوت والمرجانِ | |
االله من رجعة نلتقي | بها في الجناني | |
محبة في الله صادقة | معلناً بها في صفحاتي |
اللهم ارحمه رحمةً واسعة، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ونحن ووالديه ووالدينا وجميع المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد بن حسان بن محمد بن بشور
حرر في يوم السبت 23/1/1423ه
زميله ومحبه في الله تعالى في ثالث ثانوي لتحفيظ القرآن الكريم
مدرسة أبي عمرو البصري (سابقاً)
12 - ( 4 ) عبد الرحمن لم تمت أخلاقه وبقيت معالمها
بقلم زميله: ياسر بن محمد بن سليمان الحقيل
عندما مات عبد الرحمن تحركت المشاعر، وجاشت القرائح، مات إلا أن أخلاقه لم تمت، وبقيت معالمها واضحة جلية في نفوس زملائه، وأصحابه، وفي نفوس كل من تعامل معه، وكان مما جاشت به القريحة هذه الأبيات:
الفاجعـة
1- هَزَّ الجميعَ رَنينُ ذا الجوالِ | في هجعةِ الليلِِ البهيمِ الخالي | |
2-فرَدَدتُ كي تبقى الفجيعة في الورى | هل مات حقّاً ذا الصديق الغالي | |
3- هل مات حقّاً ابن قحطانٍ وما | عجبٌ هنا فالموتُ ليسَ بسالي | |
4- فُجِعَ الجميعُ بموتِهِ ولعلَّهُ | في موتهِ عظةٌ لغيرِ مبالي | |
5- فُجِعَ الصَّحابةُ قبلَنا بمصيبةٍ | موتِ الرَّسولِ فداهُ كلُّ المالِ | |
6- قد ماتَ إلا أن ذكراهُ بقتْ | رغمَ السنين وعبرَ ذي الأجيالِ | |
7- فلَنعمَ ذي الذِّكرى وأيضاً أنْعِمَنْ | بذوي العقولِ عقولِ خيرِ رجالِ | |
8- يا أيُّها العبد لرحمن السَّما | وسِعَتْكَ رحمةُ ربِّنا المتعالي | |
9- فلعلَّ يجمعُنا الإلهُ معاً هناك | بجنةِ الفردوسِ والإجلالِ | |
10- فيها الذي لا شيءَ من عينٍ رأت | والحورُ فيها ينتظرنَ الغالي | |
11- يا من سمعتَ قصيدتي ووعيتَها | هلاّ اتعظتَ بقاطعِ الآمالِ | |
12- الموتُ قد يأتي عليك بغفلةٍ | فتقول ربي أخِّرَنْ آجالي | |
13- تمَّ الكلامُ وبعدهُ صلُّوا على | خيرِ الخليقة سيدِ الأبطالِ | |
14- والآلِ والصَّحْبِ الكرامِ ومن مضى | في سُنَّةِ الهادي بغيرِ جِدالِ |
قاله وكتبه
أبو عبد الرحمن
ياسر بن محمد بن سليمان الحقيل
كلية الشريعة بالرياض
حرر في يوم الأربعاء
27/1/1423ه
بسم الله الرحمن الرحيم
13-(5) يا رب فارحمه ووسِّع قبره وانشر له نوراً بكل مكان
بقلم زميله بكلية الشريعة: عبد الرحمن بن حمود بن سعد البدراني:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فعندما توفي الزميل العزيز عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله تعالى - جاشت المشاعر، فكتبت قصيدة طويلة في رثائه رحمه الله تعالى، ولكن قدَّر الله ﷻ أن تُفقد هذه القصيدة كلها، وبحثت عنها كثيراً فلم أجدها، فالله المستعان، ولكن يحضرني منها بالمعنى الأبيات الآتية:
1- ما للهداة قضوا ولاتَ مُخْبرٌ | عن حالهم بعد المكان الثانِ | |
2- كان (ابن وهفٍ) للأذان مرجِّعٌ | والآن في قبرٍ وفي أكفانِ | |
3- يا مرسل البَسَماتِ في القاعات يا | ذا الهمة العليا من الإخوانِ | |
4- نزل القضاءُ عليك بعد تراوُح | وتروّحٍ هذا خِتامُ مُعانِ | |
5- نزل القضاءُ وكان قصدُك حلقةً | للذِّكرِ والتعليم للقرآنِ | |
6- والله لن أبكيك بل أبكي على | من مات في فِسْقٍ وفي طغيانِ | |
7- يا صاحب الدين المتينِ يَزينُهُ | خُلُقُ الذي قد سار للرحمنِ | |
8- ولسانه في عفةٍ عن كل ما | يأباه ذو تقوى وذو إيمان([24]) | |
9- ما زلتُ أشهد نطقه ودُعابَه الـ | الأشياخَ في أدبٍ وفي إحسانِ | |
10- قد قلَّ في أقرانه مَنْ شِبْهَهُ | فالحمد قبلُ وبعد للمنانِ | |
11- أرثيه ثم أقول معتذراً له | وُفِّقْتَ حين تركت دار هوانِ([25]) | |
12- إني أعزِّي والداً فيه وقد | عزَّيتُ فيه يراعتي وبناني | |
13- عزيتُ فيه الصحب ثم إليكمو | أُهدي نصيحةَ مشفقٍ ولهانِ | |
14- يا إخوتي هذي المنايا دأبُها | فقد الحبيب ومُوْجِعُ الهُجرانِ | |
15- هلاّ اعتبرنا في فناءٍ قد سَرَى | في الناس منذُ الخلقِ للأكوانِ | |
16- هذي الحياةُ متاعبٌ ومصاعبٌ | شَمِّر هُديت إلى ادِّكارِ معانِ | |
17- ثم السؤال من الإله بفضلهِ | أن يرحم الأخَ (عابد الرحمنِ) | |
18- فهو الكريمُ كذا الرحيمُ بِخَلْقه | وهو القديرُ وواسع الغفرانِ | |
19- يا ربِّ فارحَمْهُ ووسِّع قَبْرَهُ | وانشر لَهُ نُوراً بِكُلِّ مكانِ | |
20-وافسح له في لَحْدِهِ أُفُقَ المدى | وافْرُجْ له فُرُجاً من الرضوانِ | |
21-رَوْحٌ وريحانٌ عذوقُ ثِمَارِها | والحورَ أوْلِ زميلنا القحطاني | |
ثُمَّ الصلاةُ على النّبيِّ محمّدٍ | ما صَوَّتَ القُمْري على الأغصانِ |
وكتبه: عبد الرحمن بن حمود بن سعد البدراني.
بسم الله الرحمن الرحيم
14 - ( 6 ) الخشوع والإخبات لله تعالى
بقلم الشيخ المعبِّر حسن بن شريف المشيخي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا شك بأنني آخر من كتب من الإخوة المشايخ، والدعاة، وطلبة العلم، وأظن ذلك لحكمة أرادها الله تعالى، فمنذ ساعة وفاة أبناء الشيخ سعيد، وأنا أريد أن أكتب ما أجده من خواطر تجاه عبد الرحمن وعبدالرحيم - رحمهما الله - لكنني لم أتمكن من ذلك للانشغال ببعض البحوث العلمية، فإذا تذكَّرتهما لُـمْتُ نفسي على التقصير، ثم أعوضهما بالدعاء والإلحاح على الله ﷻ أن يغفر لهما، ويرفع درجاتهما، ولا شك أن ذلك أنفع لي ولهما، وسأكتفي بأحدهما إذ أن الآخر مازال دون التكليف أثناء وفاته، وإن كان قد حفظ ما يقارب سبعة عشر جزءاً، فأسال الله له رفعة الدرجات، وسأقتصر هنا على صاحب هذا المؤلف القيم/ عبدالرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني، ففي ليلة الأحد السابع عشر من رمضان لعام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين للهجرة ذهل الصغار لما رأوا الكبار جادوا بمدمع وبكاء، رحل ابنا الشيخ سعيد بن وهف في لحظة لا أحد يتوقع ذلك، لكن المولى - جل وعلا - أراد ذلك، فله الحمد على ما قضى وأحكم وأبرم.
مضى ابن سعيد حيث لم يبق مشرق | ولا مغرب إلا وله فيه مادح | |
وكنت أعلم عن جميل صفاته | كما ولكن غيبتها الصفائح | |
وأصبح في لحدٍ من الأرض ميتاً | وكان به حيّاً تضيق الصحاصح | |
وما نحن من رزءٍ وإن جلَّ نجزع | ولا بسرورٍ بعد فقده نفرح |
لقد كان شابّاً صالحاً محبوباً، يعلوه وقار العلماء، وفي مُحيّاه ملامح العظماء، وكما أحبه الصغار والكبار في حياته، فلقد بكى عليه القوم بعد وفاته، ولكن يا ترى هل كان سبب تلك المحبة كتاب الله ﷻ الذي قد حواه في صدره حفظاً وإتقاناً وعملاً وتعليماً، فهو وإن كان صغيراً فهو يتمتع بهمَّة الكبار، وبراءة الصغار؛ مما جعله أنموذجاً غريباً يتحيَّر فيه المتأمِّل لتلك الأعمال، فقد بكت السارية التي كان يسند الصغير ظهره عليها، نعم، فقد بكت بحرقة وحسرة وألم... نعم وما يدريك... أم يا ترى كان سبب ذلك التحاقه بكلية الشريعة التي قد أجاد معظم مناهجها على يد والده من سنٍّ مبكرٍ، أم أن سبب ذلك تعيينه مُؤذِّناً في ذلك الجامع الذي يؤمُّه والده، والذي يتنافس على ذلك الجامع طلبة العلم، ولقد شاهدت ذلك الصغير يتنافس مع بعض طلبة العلم، وكم كانت دهشتي عندما علمت أنه هو الفائز، لكن كل ذلك وغيره لم يكن هو السبب الرئيس في انشراح صدر ذلك الشاب، وحبه للعلم، وانطلاق لسانه بالشعر، إضافة إلى ما عنده من القرآن والحكمة، ولم يكن سبب ذلك الأذان الذي يصدح في الوقت تماماً، والذي يدفع كل من يصل إليه صوته إلى فتح النوافذ، والاستماع إلى ذلك الأذان العجيب، وأنا من هؤلاء، وليس سبب حب الجميع له بسبب حضوره المبكر للجامع قبل مواعيد الأذان عندما كان يسلك ذلك الرصيف الطويل من منزل والده إلى الجامع دون أن يلتفت يمنة أو يسرة أبداً، حتى إنني أضطر أحياناً لاستخدام منبه السيارة حتى يلتفت فألقي عليه السلام.
ولكن السبب سأورده لكم، ليس إلا خوفاً من الإطالة عليكم، إن السبب هو خشوعه وإخباته لله والرغبة فيما عند الله - جل وعلا - من سن مبكر، وإليكم شاهد على ما أقول:
عندما كان عمره اثني عشر عاماً تقريباً، وبالتحديد في شهر رمضان، وكان مؤذن الجامع في ذلك الوقت أحد القضاة، وكان الشيخ يُقدم ذلك القاضي أحياناً في بعض ركعات صلاة التراويح أو القيام، بناءً على طلب القاضي من أجل ترسيخ الحفظ لبعض الأجزاء، وكنت أَصُفُّ أنا وذلك الصغير عبد الرحمن - رحمه الله - ومن معنا من المصلين في صلاة التراويح أو القيام، وفي إحدى الليالي عندما كان يؤمّنا ذلك القاضي، وكنت شارد الذهن في تلك اللحظة، لم يردني إلى استحضار القلب في الصلاة إلا أزيز غريب من جانبي الأيسر، فشردت بالذهن مرة أخرى، ولكن داخل المسجد، وبالتحديد من جانبي الأيسر، وإذا بذلك الغلام الصغير قد أغرق وجهه وصدره ومكان سجوده بالدموع من بداية صلاته، ولكنه في النهاية لم يستطع أن يتمالك نفسه، فغلبه البكاء وارتفاع الصوت، فهل بكيت أخي في مثل هذا الموقف وقد شاب عارضاك؟ وماذا كنت تعمل في ذلك السن؟ رحم الله عبد الرحمن رحمة واسعة:
فلئن حسنت فيه المراثي بذكرها | فلقد حسنت من قبل فيه المدائح |
ولهذا ليس بغريب أن يصلي عليه ذلك الجمع العظيم من الناس، ويشيعه إلى القبر أعداد هائلة من الناس، ومنهم العلماء، وأساتذة الجامعات، وطلبة العلم، وقد رأيتهم بعيني يتنافسون للإمساك بالنعش:
وليس صرير النعش ما يسمعونه | ولكنه أصلُب قوم تقصفُ | |
وليس نسيم المسك ريا حنوطه | ولكنه ذاك الثناء المخلفُ |
أما لسان حالهم فيقول:
فلن أرتجي في الموت بعدك طائلاً | ولا أتقي للدهر بعدك من خطب |
اللهم ما تلا من قرآن فارفع درجته، وزكِّه به، وما صلَّى من صلاة فتقبلها منه، وما تصدَّق أو تُصدِّق عنه بصدقة فنمِّها له، اللهم أقِلْ عثرته، واعفُُ عن زلته، وعده بحلمك، فإنه لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، وأنت واسع المغفرة، اللهم أجر والديه في مصيبتهما، وأعقب لهما خيراً منها في الدنيا والآخرة، إنك يا رب ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
قاله وكتبه/ حسن بن شريف المشيخي
11/7/1423ه
بسم الله الرحمن الرحيم
15 - ( 7 ) حكـم وفوائـد عظيمـة
بقلم زميله عبد الحليم بن محمد فاروق الأفغاني
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
أما بعد: فإن الأخ الزميل عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله رحمة واسعة - كان من زملائي الأخيار في كلية الشريعة، وكان خلوقاً قلَّ أمثاله، وكان متواضعاً متمسكاً بالقيم الدينية والمبادئ الإسلامية، وكان ملتزماً في أمور الشرع لا يخاف في الله لومة لائم، وكان هَمُّهُ الأكبر طلب العلم الصحيح النافع، وكان مخلصاً صادقاً وأميناً، وكثير الصمت إلا في موضع الحق، هكذا أحسبه والله حسيبه، وآخر ما قابلته في المسجد الجامع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عند صلاته لسنة الراتبة بعد الظهر يوم السبت الموافق 16/9/1422ه، وكان من آخر الكلمات التي قالها لي قوله - رحمه الله -: ((إني قد اشتقت إلى الجهاد في سبيل الله تعالى))، ثم استأذن مني وقال: سأحضر غداً إن شاء الله للدرس في الكلية؛ لأن هذا اليوم هو آخر أيام الدراسة للفصل الأول من العام الدراسي، ولكن الله I قبضه في اليوم نفسه الذي قابلته فيه بعد إمامته للناس في صلاة العشاء والتراويح، فأسأل الله أن يحقق له أمنيته ويجعله شهيداً في سبيل الله تعالى.
وقد استفدت وسمعت منه الوصايا والفوائد الآتية:
1 - رافقته في سيارته - رحمه الله - مرة، وكان يقرأ عن ظهر قلب حفظاً أثناء قيادته للسيارة، وأظن أنه يقرأ من سورة الفرقان، وبعد القراءة سألني عن حزبي اليومي من القرآن الكريم؟ فأخبرته بأني أقرأ كذا وكذا([26])، فقال لي: أنت عندك فراغ كثير كان ينبغي أن تقرأ أكثر من هذا.
ومن أقواله الحكيمة التي استفدتها منه - رحمه الله -:
2- آفة العلم نسيانه.
3- المرء يقيس على نفسه.
4- اطلب الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار.
5- إن الذنوب تميت القلوب، وتكون سبباً للشقاء.
6- راحة القلوب في قراءة القرآن، وقرة العيون في الصلاة.
7- التوكل على الله يسهِّل ويزيل العقبات في طريق الوصول إلى الأمنية.
8- عن المَرْءِ لا تسأل وسل عن قرينه | فكل قرين بالمقارن يقتدي |
9 - ابتغِ فيما أعطاك الله الدار الآخرة.
10 - لا يسع المسلم الناس بماله، ولكن يسعهم ببسط الوجه، وحسن الخلق.
11 - احفظ مني ثلاثاً: ثم قال:
أ - من سمات الكرام: العفو، والوفاء.
ب - ومن سمات الأغنياء الأتقياء: الجود، والسخاء.
ج - ومن سمات الأعزاء: احترام الآخرين.
وكل هذه الحكم والفوائد استفدتها وكتبتها بالمعنى مما قاله الزميل عبد الرحمن رحمه الله تعالى.
اللهم ارحمه، اللهم ارحمه، ونوِّر له في قبره، وافسح له فيه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه: عبد الحليم بن محمد فاروق الأفغاني
25/3/1423ه
زميلـه في كليّـة الشـريعة
الجنة والنار
من الكتاب والسنة المطهرة
إعداد
عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى
1403-1422هـ
تحقيق
د. سعد بن علي بن وهف القحطاني
مقدمة المؤلف رحمه الله تعالى
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فهذا بحث عن الجنة والنار، جمعته من عدة مراجع، وكتبت ما كان منها مهمّاً، وقد قمت فيه بتعريفٍ، ووصفٍ، و[بيانِ] طريق الوصول، لكلٍّ: من الجنَّة والنَّار.
وأهمّيّة هذا الموضوع تكمن في أن الإنسان له مصير سواء: الجنة أم النار، ولا بد من توضيح العاقبة، ووصفها، نسأل الله الجنة، ونعوذ به من النار.
وسبب اختياري لهذا الموضوع: الحث على الأعمال الموصلة للجنة، والترهيب من الأعمال الموصلة للنار.
وقد قسمت هذا الموضوع إلى الطريقة البحثيّة الآتية:
الباب الأول: الجنة والنار (تعريف وبيان).
الفصل الأول: تعريف الجنة والنار وذكر أسمائهما.
المبحث الأول: تعريف الجنة وذكر أسمائها.
المبحث الثاني: تعريف النار وذكر أسمائها.
الفصل الثاني: هل الجنة والنار موجودتان الآن ؟
المبحث الأول: إثبات وجود الجنة.
المبحث الثاني: إثبات وجود النار.
الباب الثاني: نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار.
الفصل الأول: نعيم أهل الجنة.
المبحث الأول: النعيم النفسي.
المبحث الثاني: النعيم الحسي.
الفصل الثاني: عذاب أهل النار.
المبحث الأول: العذاب النفسي.
المبحث الثاني: العذاب الحسي.
الباب الثالث: الطريق إلى الجنة، والنجاة من النار.
الفصل الأول: الطريق إلى الجنة، وأسباب دخولها.
المبحث الأول: أسبابٌ موصلةٌ إلى الجنة.
المبحث الثاني: الدخول إلى الجنة برحمة الله لا بالعمل.
الفصل الثاني: الطريق إلى النار، والنجاة منها.
المبحث الأول: الأسباب الموصلة إلى النار.
المبحث الثاني: كيف نقي أنفسنا وأهلينا من النار ؟
ولله الحمد لم تواجهني صعوبات تذكر، بل كان البحث ممتعاً ومفيداً. وأتقدم بالشكر الجزيل بعد شكر الله إلى الأستاذ الفاضل وفقه الله الأستاذ/ محمد السليم، أسعده الله في الدنيا والآخرة على ما قام به من جهود موفقة، والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
الباحث
عبد الرحمن بن سعيد القحطاني
[حرر في أوائل عام 1422ه]
الباب الأول الجنة والنار: (تعريف وبيان)
الفصل الأول: تعريف الجنة والنار، وذكر أسمائهما.
المبحث الأول: تعريف الجنة، وذكر أسمائها.
المبحث الثاني: تعريف النار، وذكر أسمائها.
الفصل الثاني: هل الجنة والنار موجودتان ؟ وأين مكانهما ؟
المبحث الأول: إثبات وجود الجنة والنار.
المبحث الثاني: إثبات مكان الجنة والنار.
الفصل الأول تعريف الجنة والنار، وذكر أسمائهما
المبحث الأول: تعريف الجنة، وذكر أسمائها:
الجنة لغة: البستان، ومنه الجنان، والعرب تسمي النخيل: جنّة([27]).
وفي مختار القاموس:الجنَّة:الحديقة ذات الشجر والنخل،وجمعها: جنان([28]).
والجنة في الاصطلاح: هو الاسم العام المتناول لتلك الدار [التي أعدها الله لمن أطاعه]، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم، واللذة، والبهجة والسرور، وقرة العين([29]).
أما أسماء الجنة، فيقول ابن القيم رحمه الله: في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقاتها: ((ولها عدة أسماء، باعتبار صفاتها، ومسماها واحد باعتبار الذات، فهي مترادفة من هذا الوجه، [وتختلف باعتبار الصفات، فهي متباينة من هذا الوجه]، وهكذا أسماء الرب ـ، وأسماء كتابه، وأسماء رسله، وأسماء اليوم الآخر، وأسماء النار))([30]).
ومن أسماء الجنة:
1 - الجنة: [قال الله تعالى: ]ادْخُلُواْ الْـجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[]([31]).
2 - دار السلام: قال سبحانه: ]وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[([32]). وقال تعالى: ]لـَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[([33]). [فهي دار سلام من كل بليَّة وآفة]([34]).
3 - دار الخلد: قال الله تعالى:]ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْـخُلُودِ[([35]) ([36]).
4 - دار المقامة، قال الله تعالى: ]الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الـْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ[([37]).
5 - جنة المأوى، قال الله تعالى: ]عِندَهَا جَنَّةُ الـْمَأوَى[([38]).
6 - جنات عدن، قال ﷻ: ]جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا[([39]) ([40]).
7 - الفردوس، قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ كَانَتْ لـَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً[([41]) ([42]).
8 - جنات النعيم، قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لـَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ[([43]) ([44]).
9 - المقام الأمين، قال الله تعالى: ]إِنَّ الـْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ[([45]) ([46]).
10- مَقْعَد صدقٍ،قال الله : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ( )( ).
المبحث الثاني: تعريف النار وذكر أسمائها:
النار لغة: [تقال للهب الذي يبدو للحاسة، وللحرارة المجردة، وللحرارة المحرقة، ولنار جهنم المذكورة في قوله تعالى: ]النَّارُ وَعَدَهَا الله الَّذِينَ كَفَرُوا[]([47])، جمعها: أنْوُرٌ ونيران، وأنيار([48]).
والنار في الاصطلاح: هي التي أعدها الله سبحانه لمن عصاه، قال الله سبحانه: ]وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([49]).
وقال تعالى: ]إِنَّ الله لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لـَهُمْ سَعِيرًا[([50]).
- ومن أسماء النار نعوذ بالله منها:
[1 - النار، قال الله تعالى: ]النَّارُ وَعَدَهَا الله الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[]([51]).
2 - جهنم، قال الله ﷻ: ]إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا، لِلْطَّاغِينَ مَآبًا[([52]).
3 - الجحيم، قال الله سبحانه: ]وَبُرِّزَتِ الْـجَحِيمُ لـِمَن يَرَى[([53]).
4 - السعير، قال الله سبحانه: ]وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ[([54]).
5 - سقر، قال تعالى: ]وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [([55]).
6 - الحُطمة، قال الله سبحانه: ]كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْـحُطَمَةِ[([56]).
7 - الهاوية، قال ﷻ: ]وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ*فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ*نَارٌ حَامِيَةٌ[([57]) ([58]).
الفصل الثاني هل الجنة والنار موجودتان؟ وأين مكانهما؟
المبحث الأول: إثبات وجود الجنة والنار:
من ذلك حديث أنس t عن الرسول ﷺ [في قصة الإسراء]: ((ثم انطلق بي جبريل حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هي، قال: ثم دخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ([59]) اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك))([60]).
[وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((لـَمّا خلق الله الجنة والنار أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: انظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فجاء فنظر إليها، وإلى ما أعد الله لأهلها فيها... ثم قال: اذهب إلى النار فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً..]([61]).
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله: ((والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً، ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكلٌّ يعمل لما قد فرغ له، وصائرٌ لما خُلق له، والخير والشر مقدران على العباد))([62]).
ومن الأحاديث الدالة على وجود الجنة الآن:
[حديث] كعب بن مالك t قال: قال رسول الله ﷺ : ((إنما نسمة المؤمن طائرٌ يعْلُقُ في شجر الجنة، حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه))([63]) ([64]).
المبحث الثاني: مكان الجنة والنار:
[1 - مكان الجنة]
يقول الله سبحانه: ]كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ[([65]).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الجنة. وقيل: عليون: في السماء السابعة تحت العرش([66]).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: ((والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو، وكلما علا الشيء وارتفع، عَظُم واتسع؛ ولهذا قال الله ـ معظّماً أمره، ومُفخِّماً شأنه: ]وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ[([67]).
وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ]وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[([68]). ]رِزْقُكُمْ[: يعني المطر، ]وَمَا تُوعَدُونَ[ يعني الجنة))([69])([70]).
[ 1 ] مكان النـار:
يقول الله I: ]كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ*كِتَابٌ مَّرْقُومٌ[([71]). وقد ذكر [الإمام] ابن كثير، و[الإمام] البغوي، و[الإمام] ابن رجب، آثاراً تُبيّن وتذكر أن سجين تحت الأرض السابعة، أي تحت سبع أراضين. [كما أن الجنة فوق السماء السابعة]([72]).
اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار([73]).
الباب الثاني نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار
الفصل الأول: نعيم أهل الجنة.
المبحث الأول: النعيم النفسي.
المبحث الثاني: النعيم الحسي.
الفصل الثاني: عذاب أهل النار.
المبحث الأول: العذاب النفسي.
المبحث الثاني: العذاب الحسي.
الفصل الأول نعيم أهل الجنة
المبحث الأول: النعيم النفسي:
عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ : ((إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟! فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربِّ، وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟! فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً))([74]) ([75]).
المبحث الثاني: النعيم الحسي لأهل الجنة
[1 - أنهار الجنة]
يقول الله I: ]مَثَلُ الـْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْـمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لـَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلـَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[([76]).
تفسير الآية:
]مَّثَلُ الْـجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْـمُتَّقُونَ[: أي صفتها.
]فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ[ [أي غير متغير ولا مُنتن].
]وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ[: لذيذة للشاربين لم تدنسها الأرجل ولم تدنسها الأيدي.
]وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلـَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ[: أي مَن كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار؟؟([77]) ([78]).
[2، 3] الحور العين، ومساكن أهل الجنة:
يقول الله سبحانه: ]فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لـَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ[([79]).
ويقول الله سبحانه: ]وَحُورٌ عِينٌ*كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْـمَكْنُونِ*جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[([80]).
ويقول سبحانه: ]مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ[([81]).
ويقول رسول الله ﷺ : ((في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن))([82]).
ويقول الله سبحانه في وصف مساكن وغرف الجنة: ]لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لـَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله الْـمِيعَادَ[([83]).
قال ابن كثير رحمه الله: ((أخبر ﷻ عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة، وهي القصور الشاهقة، ]مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ[، طباق فوق طباق، مبنيات محكمات، مزخرفات، عاليات))([84]).
وعن أبي مالك الأشعري t عن رسول الله ﷺ قال: ((إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلّى بالليل والناس نيام))([85]).
وفي حديث أبي هريرة t: [أنهم سألوا رسول الله ﷺ عن بناء الجنة؟ فقال] عليه الصلاة والسلام: ((لَبِنةٌ من فضة، ولَبِنةٌ من ذهب، ومِلاطها([86]) المسك الأذفرُ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ، وتُربَتُها الزعفران، من يدخلها: ينعم ولا يبأس، ويخلدُ ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم))([87]).
ويقول ابن القيم رحمه الله في نونيته [في صفة عرائس الجنة وحسنهن]:
حُفَّت بذاك الحجر والأركان | يا من يطوف الكعبة الحصن التي | |
ومحسر مسعاه لا العلمان | ويظل يسعى دائماً حول الصفا | |
والخيف يحجره عن القربان | ويروم قربان الوصال على منى |
إلى أن قال رحمه الله:
محبوبها من سائر الشبان | من قاصرات الطرف لا تبغي سوى | |
والطرف في ذا الوجه للنسوان | وقصرت عليه طرفها من حسنه |
إلى أن قال رحمه الله:
مقصورة فهما إذاً صنفان | هذا وليس القاصرات كمن غدت | |
جردن عن حسن وعن إحسان | يا مطلق الطرف المعذب في الألى |
إلى أن قال رحمه الله:
اختر لنفسك يا أخا العرفان | فاسمع صفات عرائس الجنات ثم | |
ومحاسناً من أجمل النسوان([88]) | حور حسان قد كملن خلائقاً |
يقول الشارح رحمه الله: قال الله تعالى: ]وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ[([89]) الحور: جمع حوراء وهي: المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء، شديدة سواد العين، التي يحار الطرف فيها من رقَّة الجلد، ومن صفاء اللون، [قاله: مجاهد، والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين، وهو شدة بياضها مع قوة سوادها، فهو يتضمّن الأمرين))]([90]) ([91]).
[4، 5] أَكلُ أهل الجنة، وشرابهم:
يقول الله I: ]وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِـحَاتِ أَنَّ لـَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَـهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([92]).
كما قال I: ]إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ*وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنينَ}([93]).
وقال سبحانه: ]وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَـحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ[([94]).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ : ((يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخّطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك، يُلهَمون التسبيح والتحميد كما يُلهَمون النَّفَس))([95]) ([96]).
الفصل الثاني عذاب أهل النار
المبحث الأول: العذاب النفسي:
يقول الله I: ]وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَـمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْـحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِـمِينَ لَـهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[([97]) ([98]).
[و] من أعظم عذاب أهل النار حجابهم عن ربهم I، قال سبحانه: ]كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّـَمَحْجُوبُونَ*ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْـجَحِيمِ*ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ[([99]).
المبحث الثاني: العذاب الحسي لأهل النار:
من أعظم عذابهم، العذاب المتواصل للكفار والمنافقين، قال تعالى: ]إِنَّ الْـمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ*لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ[([100]). وقال I: ]فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا[([101]).
[و] قال I: ]وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[([102]).
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ((وسقوا فيها ماءً حميماً)) أي حارّاً جدّاً([103]).
ومن عذاب أهل النار: الجحيم، والزقوم:
يقول I: ]إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْـمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْـحَمِيمِ*خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْـجَحِيمِ*ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْـحَمِيمِ*ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[([104]).
قال السعدي رحمه الله: (( لَـمَّا ذكر يوم القيامة، وأنه يفصِلُ بين عباده فيه، ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهم الآثمون بفعل الكفر والمعاصي، وأن طعامهم ]شَجَرَةَ الزَّقُّومِ[، شرّ الأشجار، وأفظعها، وأن طعامها ]كَالْـمُهْلِ[، أي كالصديد المنتن، خبيث الريح والطعم، شديد الحرارة، يغلي في بطونهم. ]كَغَلْيِ الْـحَمِيمِ[: ويُقال للمعذَّب: ]ذُقْ[ هذا العذاب الأليم، والعقاب الوخيم، ]إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[ أي بزعمك أنك عزيزٌ ستمتنع من عذاب الله، وأنك الكريم على الله، لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبيّن لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس([105])([106]).
الباب الثالث الطريق إلى الجنة، والنجاة من النار
الفصل الأول: الطريق إلى الجنة، وأسباب دخولها.
المبحث الأول: الأسباب الموصلة إلى الجنة.
المبحث الثاني: الدخول إلى الجنة برحمة الله لا بالعمل.
الفصل الثاني: النجاة من النار، وأسباب دخولها.
المبحث الأول: الأسباب الموصلة إلى النار.
المبحث الثاني: كيف نقي أنفسنا من عذاب الله.
الفصل الأول الطريق إلى الجنة، وأسباب دخولها
المبحث الأول: أسباب دخول الجنة:
1 - الطريق إلى الجنة: هو طاعة الله ورسوله ﷺ ، قال الله سبحانه: ]وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[([107]).
2 - طلب العلم النافع ((علم الكتاب والسنة)).
3 - الإيمان والعمل الصالح. ومن الأعمال الصالحة:
أ - القيام بأركان الإسلام [وأركان الإيمان] على الوجه الأكمل.
ب – حسن الخلق، وصلة الأرحام، والصدقة على الفقراء والمساكين، وإكرام الضيف، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة.
ومن الأسباب الموصلة للجنة:
- برّ الوالدين.
- ذكر الله تعالى.
- الرحمة.
- إفشاء السلام.
رحمة الضعفاء والمساكين، ومساعدة الناس في الدَّين([108]).
المبحث الثاني: دخول الجنة برحمة الله لا بالعمل
[عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ : ((قاربوا وسدِّدوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله)) قالوا: يا رسول الله، ولا أنت؟ قال: ((ولا أنا إلاّ أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل))([109]).
وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي ﷺ قال: ((سدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لا يُدخِل أحداً الجنة عملُهُ)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلاّ أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة)) وفي لفظ: ((واعلموا أن أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ))([110]).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته، وأما قوله تعالى: ]ادْخُلُواْ الْـجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[([111])، ]وَتِلْكَ الْـجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[([112])، ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصحّ أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الأحاديث، ويصحّ أنه دخل بالأعمال بسببها، وهي من الرحمة، والله أعلم] ([113]).
الفصل الثاني النجاة من النار، وأسباب دخولها
المبحث الأول: الأسباب الموصلة إلى النار:
الأسباب الموصلة إلى النار، والعياذ بالله، كثيرة جداً، وجامعها: ((معصية الله ورسوله ﷺ )).
[قال الله تعالى: ]وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ[]([114])، ومنها على وجه الإيجاز:
1 – الإشراك بالله تعالى.
2 – التكذيب بالرسل.
3 – الكفر.
4 – الحسد.
5 – الظلم.
6 – الخيانة.
7 – قطيعة الرحم.
8 – البخل والشح.
9 – الرياء.
10 – النفاق.
11 – الأمن من مكر الله.
12 – اليأس من روح الله.
13 – جميع كبائر الذنوب التي وردت في الكتاب والسنة، وغير ذلك([115]).
المبحث الثاني: كيف نقي أنفسنا وأهلينا من النار؟
قال الله I: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[([116]).
[قال العلامة السعدي رحمه الله: ((أي يا مَنْ منَّ الله عليهم بالإيمان قوموا بلوازمه وشروطه، و]قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا[ موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالاً، ونهيه اجتناباً، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل، والأولاد بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلاّ إذا قام بما أمر الله به في نفسه وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات، والأولاد، وغيرهم ممن هو تحت ولايته، وتصرّفه، ووصف الله النار بهذه الأوصاف؛ ليزجر عباده عن التهاون بأمر الله))...]([117]).
وقال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[([118]) ثم ذكر سبحانه:
1 – ]تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ[.
2 – ]وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[.
إذن فهذان سببان لدخول الجنة بإذن الله، والنجاة من عذابه، نعوذ بالله من عذابه، ونسأله الجنة([119]).
[قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين الكريمتين: ((هذه وصيّة، ودلالة وإرشاد، من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين؛ لأعظم تجارة، وأجلّ مطلوب، وأعلى مرغوب، يحصل بها النجاة من العذاب الأليم، والفوز بالنعيم المقيم، وأتى بأداة العرض الدالة على أن هذا أمر يرغب فيه كل متبصر، ويسمو إليه كل لبيب، فكأنه قيل: ما هذه التجارة التي هذا قدرها؟ فقال: ]تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ[ ومن المعلوم أن الإيمان التام هو التصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، ومن أجلِّ أعمال الجوارح: الجهاد في سبيل الله؛ فلهذا قال: ]وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ[ بأن تبذلوا نفوسكم ومهجكم لمصادمة أعداء الإسلام، والقصد نصر دين الله، وإعلاء كلمته، وتنفقون ما تيسّر من أموالكم في ذلك المطلوب؛ فإن ذلك ولو كان كريهاً للنفوس، شاقّاً عليها؛ فإنه: ]خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[]([120]).
ومن الأسباب الواقية من النار:
العمل بطاعة الله، والابتعاد عن ما يغضبه ـ: فإذا أطاع الإنسان ربّه، وابتعد عما يُنهى عنه، فإنه قد عمل الأسباب [والقبول والتوفيق بيد الله] I، نسأل الله الكريم من فضله.
وللاستزادة من الأسباب الواقية انظر كتب أهل العلم التي كتبوها في ذلك. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه([121]).
الخاتمـة
الحمد لله أولاً وآخراً، وله الحمد من قبل ومن بعد، لقد انتهيت من إعداد هذا البحث وهو يحتوي على الجنة و النار بين تعريف وذكر أسمائهما وذكر نعيم الجنة وعذاب النار، والأسباب الموصلة إليهما.
ومن أبرز النتائج التي توصلت إليها: هي جمع بعض الأدلة والتعاريف وصفة الجنة والنار بشكل مختصر؛ ليسهل على القارئ الوصول [إلى ما يريده من الترغيب في الجنة، والترهيب من النار] بشكل سريع.
وأما التوصيات والاقتراحات فهي:
أولاً: الوصية بتقوى الله تعالى؛ للحصول على جنته والنجاة من ناره.
ثانياً: أوصي بالكتابة في موضوع الجنة والنار بشكل أوسع من هذا؛ لكي يتيح لمن أراد التوسع في [العلم النافع: الاستزادة من الخير والفضل العظيم].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة [والسلام] على نبينا محمد [وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين].
([1]) سورة آل عمران، الآية: 185.
([2]) نقل من خطه رحمه الله على الغلاف الداخلي من الكتاب المذكور.
([3]) كل اسم أمامه نجمة فهو زميل لعبد الرحمن رحمه الله في ثانوية أبي عمرو لتحفيظ القرآن الكريم، ثم في كلية الشريعة، قسم الشريعة.
([4]) سورة القصصِ، الآية: 56 .
([5]) رواه الخمسة.
([6]) وهذه الفضائل والآداب ملخص لما في كتاب العلم للعلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
([7]) نقلت جميع هذه الرسائل، من جوال الأخ الشاب الصالح أيمن بن عبد الله العاصمي وفقه الله.
([8]) وجدنا هذه الرسالة بخط يد الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى، وعليها توقيعه، وهي محفوظة عند الأخ أيمن العاصمي وفقه الله تعالى.
([9]) قال الأخ ياسر أرسلها إلي عبد الرحمن رحمه الله عندما كنت غائباً يوماً عن الدراسة في الجامعة بسبب المرض.
([10]) سورة القصص، الآية: 10.
([11]) وقد توفي زائد رحمه الله في حادث مروري في أول شهر رجب عام 1423ه.
([12]) سورة القصص، الآية: 10.
([13]) متفق عليه: البخاري، برقم 1423، ومسلم، برقم 1031.
([14]) سورة التوبة، الآية 33.
([15]) سورة الطور، الآية: 21.
([16]) سورة الفرقان، الآية: 75
([17]) متفق عليه، وتقدم تخريجه.
([18]) أخرجه مسلم، برقم 2699.
([19]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 6735، الترمذي، برقم 2018، وابن حبان، برقم 485، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 791.
([20]) أخرجه الترمذي، برقم 1162)، وقال: حسن صحيح، وابن حبان، برقم 4176)، والبيهقي فى شعب الإيمان، 1/61 ، وقال عنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 284 : ((حسن صحيح)).
([21]) متفق عليه: البخاري، برقم 6117، ومسلم، برقم 37.
([22]) صحيح مسلم، برقم 37.
([23]) سورة يس، الآية: 82.
([24]) كان يدرسنا في الكلية بعض المدرسين الأجانب، وبعضهم كان قليل تدين، وفي عقيدته أشعرية، فكان الطلاب يبدون تضجرهم منهم، وكنت ألاحظ الأخ عبد الرحمن - رحمه الله - ممسكاً عن الكلام فيهم، ويذكر أن شرحهم حسن، ويدعو لهم، ويأمرنا أن نستفيد مما عندهم مما ينفع، ونترك بدعتهم وضلالاتهم.
([25]) اقتبس هذا البيت من بيت لأبي الحسن التهامي.
([26]) وقد سألت الأخ عبد الحليم فاروق عن حزبه الذي قاله للابن عبد الرحمن - رحمه الله - فقال: قلت له: أقرأ في اليوم جزءاً واحداً، وفي رمضان ثلاثة أجزاء في اليوم، ولله الحمد.
([27]) محمد بن أبي بكر الرازي. مختار الصحاح، ص48 [وانظر: لسان العرب لابن منظور، 13/99، ومفردات القرآن للأصفهاني، ص204].
([28]) الطاهر أحمد الزاوي، مختار القاموس، 117 .
([29]) وأصل اشتقاق هذه اللفظة من: الستر، والتغطية، ومنه سُمِّي الجنين؛ لاستتاره في البطن، ومنه سُمِّي البستان: جنة؛ لأنه يستر داخله بالأشجار، ويغطيه، ولا يستحقّ هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار، مختلف الأنواع. انظر: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم، ص111 .
([30]) العلامة ابن القيم. حادي الأرواح، ص111 .
([31]) سورة النحل، الآية: 32 .
([32]) سورة يونس، الآية: 25 .
([33]) سورة الأنعام، الآية: 127 .
([34]) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ص113 .
([35]) سورة ق، الآية: 34 .
([36]) سميت بذلك؛ لأن أهلها لا يظعنون عنها أبداً، قال تعالى: ]عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[ [هود: 108]: والمعنى غير مقطوع، كما قال سبحانه: ]إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ[ [ص: 54]. وقال: ]وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ[ [الحجر: 48].
([37]) سورة فاطر، الآية: 35 .
([38]) سورة النجم، الآية: 15 .
([39]) سورة مريم، الآية: 61 .
([40]) جنات عدن: أي من الإقامة والدوام، يقال: عَدَن المكان إذا أقام به، فهي جنات إقامة. حادي الأرواح، ص114 .
([41]) سورة الكهف، الآية: 107 .
([42]) والفردوس: هو البستان الذي يجمع كل شيء يكون في البساتين؛ فتح الباري، لابن حجر، 6/13، والقاموس المحيط، ص725، والفردوس اسم يُقال على جميع الجنة، ويُقال على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنان. حادي الأرواح لابن القيم، ص116، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((والجنة مقبَّبَة أعلاها أوسعها، ووسطها هو الفردوس، وسقفه العرش كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: ((إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة)) [البخاري، برقم 2790، ورقم 7423]. حادي الأرواح، ص84 .
([43]) سورة لقمان، الآية: 8 .
([44]) وهذا اسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول، والمشروب، والملبوس، والصور، والرائحة الطيبة، والمنظر البهيج، والمساكن الواسعة، وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن. حادي الأرواح، ص116 .
([45]) سورة الدخان، الآية: 51 .
([46]) المقام: موضع الإقامة، والأمين: الآمن من كل سوءٍ، وآفة، ومكروه، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كله. حادي الأرواح، ص116 .
([47]) سورة الحج، الآية: 72 .
([48]) القاموس المحيط، ص628، 630، والمعجم الوسيط، 2/292، ومفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص828. والطاهر الزاوي، مختار القاموس، ص624 .
([49]) سورة البقرة، الآية: 39 .
([50]) سورة الأحزاب، الآية: 64 .
([51]) سورة الحج، الآية: 72 .
([52]) سورة النبأ، الآيتان: 21- 22 .
([53]) سورة النازعات، الآية: 36 .
([54]) سورة الشورى، الآية: 7 .
([55]) سورة المدثر، الآيتان: 27- 28 .
([56]) سورة الهمزة، الآية: 4 .
([57]) سورة القارعة، الآيات: 8 – 11 .
([58]) وقال الله تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ[ [إبراهيم: 28، 29] قال ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن العظيم، 2/539: ((وأما دار البوار فهي جهنم))، وأشار إلى ذلك الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره، 3/53 .
([59]) الجنابذ: هي القباب، واحدتها جنبذة، ووقع في كتاب الأنبياء من صحيح البخاري كذلك، وفي هذا الحديث دلالة لمذهب أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان، وأن الجنة في السماء. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 3/579 .
([60]) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، برقم 349، وكتاب الأنبياء، برقم 3342، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله ﷺ إلى السموات، برقم 162 .
([61]) الترمذي، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في أن الجنة حفّت بالمكاره، وحفّت النار بالشهوات، برقم 2560، والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله، برقم 3772، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/20، وفي صحيح النسائي، 3/5 .
([62]) أبو جعفر الطحاوي. متن العقيدة الطحاوية، ص12 .
([63]) أخرجه أحمد في المسند، 3/455، وهو في النسخة المحققة، 25/57، برقم 1578 بلفظه، والنسائي، كتاب الجنائز، باب أرواح المؤمنين، برقم 2073 بلفظ: ((إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتى يبعثه الله ﷻ إلى جسده يوم القيامة)). وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4271، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/445، وفي صحيح ابن ماجه، 2/423، وفي الأحاديث الصحيحة، 2/720، برقم 995، وقال الإمام ابن كثير في تفسيره، 4/302 بعد ذكر إسناد الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن شهاب،عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه: ((وهذا إسناد عظيم، ومتن قويم)).
([64]) وحديث عبد الله بن مسعود t، وفيه: ذكر الشهداء، وأن: ((أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل))، [مسلم برقم 1887، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة)) [البخاري، برقم 1379، ومسلم، برقم 2866، وذكر الإمام ابن القيم أن عرض المقعد لا يدل على أن الأرواح في القبر، ولا على فنائه، بل على أن لها اتصالاً به يصح أن يعرض عليها مقعدها، فإن للروح شأناً آخر، فقد تكون في الرفيق الأعلى، وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلم المسلم على صاحبه ردّ عليه السلام، وهي في مكانها هناك. شرح السيوطي لسنن النسائي، 4/109 .
([65]) سورة المطففين، الآيتان: 18- 19 .
([66]) تفسير البغوي، 4/460، وتفسير ابن كثير، 4/487 .
([67]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 4/ 487 .
([68]) سورة الذاريات، الآية: 22 .
([69]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 4/236 .
([70]) وقد تقدم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه، برقم 2790، و7423، قوله ﷺ: ((إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن...)).
([71]) سورة المطففين، الآيات: 7-9 .
([72]) انظر:تفسير البغوي، 4/458-459، وتفسير ابن كثير، 4/485-486، والتخويف من النار لابن رجب، ص62-63، وكذلك ذكر الإمام ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ص82-84.
([73]) أسأل الله العظيم بوجهه الكريم، أن يستجيب دعوة المؤلف، وأن يبلغه وشقيقه الذي توفي معه أعلى منازل الشهداء؛ فإنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأن يجمعهما مع والديهما في ذاك المكان العظيم.
([74]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6549، ومسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، فلا يسخط عليهم أبداً، برقم 2829 .
([75]) ومن النعيم النفسي ما جاء في حديث أبي سعيد t أنه ((يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، ويقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، فيُؤمَر به فيُذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت))، [مسلم، برقم 2849]، وفي حديث عبد الله بن عمر نحوه، وقال: ((فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم))، [مسلم، برقم 1850].
ومن أعظم النعيم النفسي النظر إلى وجه الله الكريم؛ لقول الله تعالى: ]لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْـحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [ [يونس: 26]. فالحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وقوله تعالى: ]لَـهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ[ [ق: 35]. والمزيد هو النظر إلى وجه الله الكريم، وقوله تعالى: ]وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[ [القيامة: 22- 23]. وفي الحديث: ((فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم ﷻ)) [مسلم، برقم 181].
([76]) سورة محمد، الآية: 15 .
([77]) تفسير البغوي، 4/181، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 4/177 .
([78]) ومن أنهار الجنة: نهر الكوثر الذي أُعطيه النبي ﷺ: حافتاه قباب اللؤلؤ، [وفي رواية: حافتاه قباب الدُّر المجوّف] [البخاري، برقم 4964، و6581]. أما حوض النبي ﷺ فهو في عرصات القيامة: عرضه مسيرة شهر، وطوله مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وطعمه أحلى من العسل، عدد آنيته كنجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً [البخاري، برقم 6579، ومسلم، برقم 2292].
وسوف يأتي اليوم الذي يُذاد عن هذا الحوض من يُذاد، نسأل الله العافية، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: ((ليردنَّ عليّ أناس من أصحابي))، وفي رواية: ((أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقاً سُحقاً لمن غيَّر بعدي))، وقال ابن عباس: سُحقاً: بُعداً [البخاري، برقم 6583، ومسلم، برقم 2292].
([79]) سورة الرحمن، الآية: 56 .
([80]) سورة الواقعة، الآيات: 22-24 .
([81]) سورة الطور، الآية: 20 .
([82]) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الرحمن، برقم 4879، ومسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب في صفة خيام أهل الجنة، برقم 2838، وفي رواية لمسلم: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤة واحدةٍ مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً))، ولا منافاة بين طولها وعرضها في الروايتين، فعرضها في مساحة أرضها ستون ميلاً، وطولها في السماء ستون ميلاً في العلو، فطولها وعرضها متساويان. [شرح النووي على صحيح مسلم، 17/175].
([83]) سورة الزمر، الآية: 20 .
([84]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 4/672 .
([85]) أحمد في المسند، 5/343، وابن حبان (موارد)، برقم 641، والترمذي عن علي t في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة غرف الجنة، برقم 2527، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/7، وفي صحيح الجامع، 2/220، برقم 2119 .
([86]) مِلاطها: الطين الذي يملط به الحائط: أي يخلط به. انظر: النهاية في غريب الحديث، 4/357 .
([87]) الترمذي، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها، برقم 2526، وأحمد، 2/305، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/311 .
([88]) شرح قصيدة ابن القيم لأحمد بن عيسى، 2/542-548 .
([89]) سورة الطور، الآية: 20 .
([90]) أحمد بن عيسى، شرح قصيدة ابن القيم، 2/548 .
([91]) ولا شك أن صفات الحور العين في الأحاديث كثيرة، وكذلك صفات مساكن أهل الجنة ومن ذلك على وجه الاختصار ما يأتي:
أما صفات الحور العين، فقد جاء فيها حديث أبي هريرة t، أن رسول الله ﷺ قال: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دُرِّيّ في السماء إضاءة، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان يُرى مُخُّ سُوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب))، [البخاري، برقم 3246، 3254، 3327، ومسلم، واللفظ له، برقم 2834]، وجاء في حديث أنس t: ((ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطّلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولَـنَصِيفُها على رأسها – يعني خمارَها – خير من الدنيا وما فيها))، [البخاري، برقم 6568، ورقم 2796]، وعن عبد الله بن مسعود t عن النبي ﷺ قال: ((أول زمرة يدخلون الجنة كأنّ وجوههم ضوء القمر ليلةَ البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دُرّيّ في السماء، لكل رجل منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حُلّة، يُرى مُخُّ سُوقهما من وراء لحومِهِما، وحُللهما، كما يُرى الشَّرابُ الأحمرُ في الزجاجة البيضاء))، [الطبراني في المعجم الكبير، 1/160، برقم 10321، وقال ابن القيم في كتابه حادي الأرواح، ص346: ((وهذا الإسناد على شرط الصحيح))، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/411: ((وإسناد ابن مسعود صحيح)) بعد أن نسبه إلى معجم الطبراني الأوسط فقط ((برقم 4897 مجمع البحرين))] وغير ذلك كثير في السنة المطهرة.
وأما مساكن أهل الجنة وقصورهم فقد جاء فيها أحاديث كثيرة، منها حديث أبي هريرة t، أن النبي ﷺ رأى امرأة وقصراً من ذهب لعمر في الجنة، [البخاري، برقم 3242، ورقم 7024، ومسلم، برقم 2394-2395]. وجاء جبريل u، إلى النبي ﷺ وأمره أن يبشّر خديجة ببيت في الجنة من قصبٍ، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ)) [البخاري، برقم 3820، ومسلم، برقم 2432] وقوله: ((من قصب: أي من لؤلؤة مجوّفة واسعة كالقصر المنيف، وقيل: بيت من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت [فتح الباري لابن حجر، 7/138]. وثبت عن عثمان t عن النبي ﷺ أنه قال: ((من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة)) [مسلم، برقم 533، واللفظ له، والبخاري، برقم 450]. وثبت في حديث أم حبيبة رضي الله عنها: ((ما من مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلا بُنِيَ له بيت في الجنة)) [مسلم، برقم 728]، وفسرها الترمذي بأنها السنن الرواتب.
وأصحاب الغرف لهم مكانة عالية في الجنة، ولهذا جاء في حديث أبي سعيد الخدري t أن رسول الله ﷺ قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدرّي الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم))، قالوا: يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم، قال: ((بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدّقوا المرسلين))، [مسلم، برقم 2831].
([92]) سورة البقرة، الآية: 25 .
([93]) سورة المرسلات، الآيات: 41-44 .
([94]) سورة الواقعة، الآيتان: 20- 21.
([95]) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب صفات الجنة وأهلها، وتسبيحهم فيها، برقم 2835 .
([96]) ونعيم أهل الجنة لا يحصيه إلا الله ﷻ، كما في حديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: ((يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرأوا إن شئتم: ]فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لـَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ [)) [البخاري، برقم 3244، ومسلم، برقم 2824، والآية: 17 من سورة السجدة].
وفي حديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشدّ كوكب دُرّيٍّ في السماء إضاءة: لا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يتفلون، ولا يمتخّطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة الأنجوم عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء))، وفي لفظ: ((... ولكل واحد منهم زوجتان، كل واحدة منهما يُرى مخُّ ساقها من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد))، [البخاري، 3245، 3246، 3254، 3327، ومسلم، برقم 2834].
وأبواب الجنة ثمانية، ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام [مسلم، برقم 234، ورقم 2967].
وأول من يدخل الجنة فيستفتح فتفتح له أبوابها محمد ﷺ، [مسلم، برقم 196، 197] .
درجات الجنة أعلاها الوسيلة، وهي للنبي محمد ﷺ، وهي أقرب الدرجات إلى العرش، وهي أقرب الدرجات إلى الله تعالى [مسلم، برقم 384، وحادي الأرواح لابن القيم، ص99] والفردوس؛ لقول النبي ﷺ : ((إن في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن))، [البخاري، 2790، 7423]، وفي حديث أبي سعيد t: أنه يقال لصاحب القرآن يوم القيامة إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)) [أحمد في المسند، 3/40]، وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارقَ، ورتِّل كما كنت تُرتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) [الترمذي، برقم 3003، وأحمد، 2/192، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/10].
والخلاصة أن أهل الجنة: لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ويقال لأدناهم منزلة: ((ولك ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك)) [انظر: سورة الزخرف، الآيات: 70-73، ومسلم، برقم 189].
وأعظم النعيم نظر المؤمنين إلى وجه الله تعالى؛ لحديث صهيب t: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا، وتدخلنا الجنة وتنجِّنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم ﷻ)) [مسلم، برقم 181].
([97]) سورة إبراهيم، الآية: 22 .
([98]) وأحال الابن عبد الرحمن رحمه الله على كتاب الفوز العظيم للاستفادة من آيات أخرى، ومنها قول الله تعالى: ]أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ*قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ*رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِـمُونَ* قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ*إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ*فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ*إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ[ [المؤمنون: 105-111]. وقال ﷻ: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَـمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ*قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ*ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْـحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ[ [غافر: 10-12]، وقال الله تعالى: ]وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِـخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ*قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ[ [غافر: 49، 50]، وقال سبحانه: ]وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ*لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْـحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ[ [الزخرف: 77، 78]. وقال الله تعالى: ]وَنَادَى أَصْحَابُ الْـجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظَّالـِمِينَ[ [الأعراف: 44]. وقال الله ﷻ: ]وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْـجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْـمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ*الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَـهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[ [الأعراف: 50، 51].
([99]) سورة المطففين، الآيات: 15-17 .
([100]) سورة الزخرف، الآيتان: 74- 75 .
([101]) سورة النبأ، الآية: 30 .
([102]) سورة محمد، الآية: 15 .
([103]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص786 .
([104]) سورة الدخان، الآيات: 43-49 .
([105]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، ص774 .
([106]) ولا شك أن عذاب النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وبيّنه رسوله ﷺ إنذاراً للناس، وتحذيراً لهم، قال الله تعالى: ]فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ[ [البقرة: 24]. وقال تعالى: ]فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى*لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى*الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى[ [الليل: 14-16]. والنبي ﷺ أنذر وحذّر من النار، ومن ذلك قوله: ((أنا آخذ بحُجَزكم عن النار، هلمَّ عن النار هلمَّ عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها)) [مسلم، 2284].
· ومن تحذير الله ﷻ بيانه لأبوابها بقوله: ]وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَـمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ*لَـهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ[ [الحجر: 43-44].
· وبيَّن أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وبيّن النبي ﷺ أن عمق النار في دركاتها سبعون عاماً يقول: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)) [مسلم، برقم 2844].
· وبيَّن ﷺ أن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً. [مسلم، برقم 213].
· وأخبر ﷺ أنه: يُؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرّونها [مسلم، برقم 2842].
· وأهل النار ]يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْـحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْـجُلُودُ[ [الحج: 19، 20]. ]وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ[ [إبراهيم: 49، 50].
· والله ﻷ جعل جسم الكافر في النار عظيماً؛ ليزداد عذابه، ففي حديث أبي هريرةt يرفعه: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) [البخاري، برقم 6552، ومسلم، برقم 2852]. وقال ﷺ: ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاث))، [مسلم، برقم 2851].
· وأهل النار يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا هو الخسران المبين. نعوذ بالله من ذلك.
· ومن عذاب أهل النار قوله الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[ [النساء: 56]، وقوله سبحانه: ]يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ[ [الأحزاب: 66].
· وقال الله ﻷ: ]يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ[ [القمر: 48].
· وفي الحديث: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم، يُسمَّى بولس، تعلوهم نارُ الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخَبَال)) [الترمذي، برقم 2623، وأحمد، 2/189، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/304].
· وفي حديث عبد الله بن قيس t يرفعه: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع، [الحاكم، 4/605، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، 4/245، برقم 1679].
· وعذاب أهل النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وأكثر رسوله ﷺ في سنته كذلك. نسأل الله الفردوس، ونعوذ به من النار.
([107]) سورة النساء، الآية: 13 .
([108]) ويجمع أسباب دخول الجنة: طاعة الله ورسوله كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى. ومن ذلك: الصدق في القول والعمل، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، والإحسان إلى الجيران، واليتامى، وتخفيف الكرب عن المكروب من المسلمين، والتيسير على المعسر، وستر المسلم وإعانته، والإخلاص لله، والتوكل عليه، والمحبة له ولرسوله ﷺ، وخشية الله، ورجاء رحمته، والتوبة إليه، والصبر على حكمه، والشكر لنعمه، وقراءة القرآن، ودعاء الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله للكفار والمنافقين، وأن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عن من ظلمك، والعدل في جميع الأمور، وعلى جميع الخلق، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، والدعوة إلى الله، والنصيحة: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال التي هي أعمال أهل الجنة، وبرحمة الله ثم بها يصل العبد إلى جنات النعيم، وذلك الفوز العظيم. [انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/422-423].
([109]) مسلم،كتاب صفات المنافقين،باب لن يدخل الجنة أحد بعمله بل برحمة الله تعالى،برقم 2816.
([110]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، برقم 6464، و6467، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى، برقم 2818 .
([111]) سورة النحل، الآية: 32 .
([112]) سورة الزخرف، الآية: 72 .
([113]) شرح النووي على صحيح مسلم، 17/116 .
([114]) سورة النساء، الآية: 14 .
([115]) ومن ذلك أيضاً: الفجور، وعمل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والغدر، والجبن عن الجهاد، والفخر، والبطر عند النعم، واعتداء حدود الله، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، ورجاء المخلوق دون الخالق، والتوكل على المخلوق دون الخالق، ومخالفة الكتاب والسنة، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، وعمل السبع الموبقات، وإعطاء الرشوة، والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، وشرب الخمر، والكبر، والخيلاء، والسرقة، واليمين الغَموس، وتشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمنّ بالعطية، وإنفاق السلعة بالحلف الكاذبة، وتصديق الكاهن والمنجم، والتصوير لذوات الأرواح، واتخاذ القبور مساجد، والنياحة على الميت، وإسبال الإزار للرجال، ولبس الحرير أو الذهب للرجال، وأذى الجار، وإخلاف الوعد، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال [وانظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/423-424، والكبائر للذهبي، وتنبيه الغافلين لابن النحاس].
([116]) سورة التحريم، الآية: 6 .
([117]) تفسير السعدي، ص874 .
([118]) سورة الصف، الآيتان 10- 11 .
([119]) اللهم استجب للمؤلف هذا الدعاء، وأدخله الجنة، وأعذه من النار!.
([120]) تفسير السعدي، ص860 .
([121]) من أعظم أسباب الوقاية من النار: العمل بأسباب دخول الجنة، والابتعاد عن أسباب دخول النار، وقد تقدّمت في الفصلين السابقين كما ذكرها الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى. والله أسأل أن يتقبل منه هذا البحث، وأن يرفع به درجاته في الفردوس في أعلى درجات الشهداء؛ فإنه سبحانه أكرم الأكرمين، وهو ذو الجود والإحسان بمنّه وكرمه، وإحسانه ورحمته. وصلى الله وسلّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.