توحيد الربوبية
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
توحيد الربوبية
تأليف الشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله_صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً_.
أما بعد:
فإن توحيد الربوبية مبحث مهم من مباحث العقيدة؛ ذلك أنه متعلق بأصل الأصول، وأوجب الواجبات وهو الإيمان بالله_عز وجل_فمما يتضمنه الإيمان بالله الإيمان بربوبيته، وتفرده بالخلق، والرزق، والتدبير.
ومما يدل على أهميته ما يثمره من الثمرات العظيمة؛ فالعلم به، والإيمان بمقتضاه يثمر إجلال الرب، وتعظيمه، ورجاءه، ومحبته والخوف منه إلى غير ذلك؛ فلا ينبغي التقليل من شأنه، ولا ترك الحديث عنه، كما لا ينبغي_في الوقت نفسه_أن يجعل الغاية في التوحيد، كما هو شأن أهل الكلام، بل إن الغاية في التوحيد هو توحيد الألوهية_كما سيأتي بيانه_.
ولعل فيما يلي من صفحات إيضاحاً لهذا المبحث، وذلك من خلال الوقفات التالية:
_تعريف توحيد الربوبية.
_معنى كلمة الرب.
_أسماء هذا النوع من التوحيد.
_أدلته.
_إنكار الربوبية.
_أنواع ربوبية الله على خلقه.
_توحيد الربوبية ليس هو الغايةَ في التوحيد.
_آثار توحيد الربوبية وفوائده.
_ما ضد توحيد الربوبية؟
_الفِرَق التي أشركت بالربوبية.
وأخيراً أسأل الله_تبارك وتعالى_أن ينفعنا بما نقول ونسمع، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وأن يغفر لنا زللنا وخطأنا، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي: ص.ب: 460
www.toislam.net
تعريف توحيد الربوبية
هو الإقرار الجازم بأن الله وحده ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكه، وأنه الخالق للعالم، المحيي المميت، الرزاق ذو القوة المتين، لم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، لا رادَّ لأمره، ولا معقب لحكمه، ولا مضاد له، ولا مماثل، ولا سمي، ولا منازع له في شيء من معاني ربوبيته ومقتضيات أسمائه وصفاته( ).
وهناك تعريف آخر مختصر وهو: توحيد الله بأفعاله.
أسماء هذا النوع من التوحيد
لهذا النوع من التوحيد أسماء أخرى منها:
1_توحيد الربوبية كما سبق.
2_التوحيد العلمي.
3_التوحيد الخبري.
4_توحيد المعرفة والإثبات.
5_التوحيد الاعتقادي.
معنى كلمة الرب
كلمة الرب في اللغة تطلق على عدة معانٍ.
قال ابن منظور: =الرب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبِّر، والمربي، والقيِّم، والمنعم+ .
وقال: =ولا يطلق غير مضاف إلا على الله_عز وجل_وإذا أطلق على غيره أضيف، فقيل: ربُّ كذا+ .
قال: =وقد جاء في الشعر مطلقاً على غير الله_تعالى_وليس بالكثير، ولم يذكر في غير الشعر+ ( ).
وقال: =ورب كل شيء: مالكه ومستحقه، وقيل: صاحبه.
ويقال: فلان رب هذا الشيء أي مِلْكُه له.
وكل من ملك شيئاً فهو ربه، يقال: هو ربُّ الدابة، ورب الدار، وفلان رب البيت، وهن ربات الحجال+ ( ).
أما الرب من حيث إنه اسم من أسماء الله فمعناه: من له الخلق والأمر والملك، قال_تعالى_:[أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ] (الأعراف: 54).
وقال: [ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ](فاطر:13).
قال ابن منظور: =الرب: هو الله_عز وجل_هو رب كل شيء، أي مالكه، وله الربوبية على جميع الخلق لا شريك له، وهو رب الأرباب، ومالك الملوك والأملاك+ ( ).
أدلة توحيد الربوبية
أدلة توحيد الربوبية كثيرة متنوعة، تدل على تفرد الله بالربوبية على خلقه أجمعين، فقد جعل الله لخلقه أموراً لو تأملوها حق التأمل وتفكروا بها_لَدَلَّتْهُمْ إلى أن هناك خالقاً مدبراً لهذا الكون.
والقرآن مليء بذكر الأدلة على ربوبية الله، فمن ذلك قوله_تعالى_:[ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ](الفاتحة: 2)، وقوله[ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ](الذاريات: 58)، وقوله:[إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ](يس: 82، 83)، وقوله:[إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ] (البقرة:164)، وقوله_تعالى_: [اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ](الروم: 40).
ومن الدلالات على ربوبية الله على خلقه مايلي:
1_دلالة الفطرة: ذلك أن الله_سبحانه_فطر خلقه على الإقرار بربوبيته، وأنه الخالق، الرازق المدبر، المحيي المميت؛ فالإيمان بالربوبية أمر جبلي مركوز في فطرة كل إنسان، ولا يستطيع أحد دفعه ولا رفعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =ولما كان الإقرار بالصانع فطريّاً كما قال ": =كل مولود يولد على الفطرة+ ( ) الحديث_فإن الفطرة تتضمن الإقرار بالله، والإنابة إليه، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي يعرف ويعبد+( ).
ولهذا فإن المشركين في الجاهلية كانوا مقرين بتوحيد الربوبية مع شركهم بالألوهية.
ومما يدل على ذلك ما هو مبثوث في ثنايا أشعارهم، ومن ذلك قول عنترة:
يا عبل أين من المنية مهربي
إن كان ربي في السماء قضاها( )
وقول زهير ابن أبي سلمى:
فلا تكتُمُنَّ الله ما في نفوسكم
ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يُؤَخر فَيُوضَعْ في كتاب فَيُدَّخرْ
ليوم الحساب أو يعجل فينقم( )
ولقد بين الله_سبحانه وتعالى_ذلك في القرآن كما في قوله:[وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ] (العنكبوت:61).
2_دلالة الأنفس: فالنفس آيةٌ كبيرةٌ من آيات الله الدالة على ربوبيته، ولو أمعن الإنسان النظر في نفسه وما فيها من العجائب لعلم أن وراء ذلك رباً حكيماً خالقاً قديراً.
قال_تعالى_:[وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ](التغابن: 3)، وقال:[وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)] (الشمس: 7).
3_دلالة الآفاق: كما قال سبحانه:[سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ](فصلت: 53).
فلو تأمل الإنسان الآفاق وما أودع الله فيها من الغرائب والعجائب_لأدرك أن هناك خالقاً لهذه الأكوان، وأنه عليم حكيم( ).
إنكار الربوبية
لم ينكرْ توحيدَ الربوبية أحدٌ من البشر، إلا طائفة من الشذاذ، المكابرين، المعاندين، المنكرين لما هو متقرر في فطرهم؛ فإنكارهم إنما كان بألسنتهم مع اعترافهم بذلك في قرارة أنفسهم.
ومن أشهر من عرف بذلك فرعون؛ الذي قال لقومه_كما أخبر الله عنه_: [أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى] (النازعات: 24)، وقال:[مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي](القصص: 38).
وكلامه هذا مجرد دعوى لم يَقُمْ عليها بينةٌ، ولا دليلٌ، بل كان هو نفسُه غير مؤمن بما يقول.
قال_سبحانه وتعالى_على لسان موسى_عليه السلام_: [لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً] (الإسراء:102).
وأخبر_عز وجل_وهو العليم بذات الصدور_أن كلام فرعون ودعواه لم يكن عن عقيدة ويقين، وإنما هو مكابرة وعناد، قال_تعالى_:[وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً](النمل: 14).
وممن أنكر ذلك_أيضاً_الشيوعيون، فلقد أنكروا ربوبية الله، بل أنكروا وجوده_سبحانه وتعالى_بناءً على عقيدتهم الخبيثة الفاجرة التي تقوم على الكفر بالغيب، والإيمان بالمادة وحدها.
وهم في الحقيقة لم يزيدوا على أن سموا الله بغير اسمه، بحيث ألَّهوا الطبيعة، ونعتوها بنعوت الكمال التي لا تليق بأحد إلا الله_عز وجل_، فقالوا: الطبيعة حكيمة، الطبيعة تخلق، إلى غير ذلك.
وكلامهم هذا باطل متهافت، بل إن أصحاب هذا المبدأ انشقوا على أنفسهم، ولعن بعضُهم بعضاً، وكَفَرَ بعضُهم ببعض.
أنواع ربوبية الله على خلقه
ربوبية الله على خلقه على نوعين:
1_الربوبية العامة: وهي لجميع الناس؛ بَرِّهم وفاجرِهم مؤمنِهم وكافرِهم؛ وهي خلقه للمخلوقين، ورزقُهم، وهدايتهم، لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
2_الربوبية الخاصة: وهي تربيته لأوليائه المؤمنين، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكملهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب؛ فإن مطالبهم كلَّها داخلةٌ تحت ربوبيته الخاصة( ).
توحيد الربوبية ليس هو الغاية في التوحيد
توحيد الربوبية حق، وأمره عظيم، ولا يصح إيمان العبد إذا لم يؤمن به، ولكن هذا النوع من أنواع التوحيد ليس هو الغايةَ التي جاءت بها الرسل، وأنزلت من أجلها الكتب، وليس الغايةَ التي من جاء بها فقد جاء بالتوحيد وكماله؛ ذلك أن الله أمر بعبادته التي هي كمال النفوس وصلاحها وغايتها، ولم يقتصد على مجرد الإقرار به كما هو غاية الطريقة الكلامية( ).
أضف إلى ذلك أن المشركين كانوا مقرين به كما مر، ومع ذلك لم يدخلهم في الإسلام؛ لأن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يكفي وحده، بل لا بد من توحيد الألوهية.
ثم إن توحيد الربوبية مركوز في الفطر كلها، فلو كان هو الغاية لما كان هناك حاجة من إرسال الرسل وإنزال الكتب.
آثار توحيد الربوبية وثمراته
للإيمان بالربوبية آثار عظيمة، وثمرات كثيرة، فإذا أيقن المؤمن أن له ربّاً خالقاً هو الله_تبار ك وتعالى_وأن هذا الرب هو رب كلِّ شيءٍ ومليكُه وهو مصرف الأمور، وأنه هو القاهر فوق عباده، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض_أَنِسَت رُوحُه بالله، واطمأنت نفسه بذكره، ولم تزلزله الأعاصير والفتن، وتوجه إلى ربه بالدعاء، والالتجاء، والاستعاذة، وكان دائماً خائفاً من تقصيره، وذنبه؛ لأنه يعلم قدرة ربه عليه، ووقوعه تحت قهره وسلطانه، فتحصل له بذلك التقوى، والتقوى رأس الأمر، بل هي غاية الوجود الإنساني( ).
ولهذا قال": =ذاق طعم الإيمان من رضي الله ربَّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً+ ( ).
ومن ثمراته أن الإنسان إذا علم أن الله هو الرزاق، وآمن بذلك، وأيقن أن الله بيده خزائن السموات والأرض، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع_قطع الطمع من المخلوقين، واستغنى عما بأيديهم، وانبعث إلى إفراد الله بالدعاء والإرادة والقصد.
ثم إذا علم أن الله هو المحيي المميت، النافع الضار، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن أمره كلَّه بيد الله_انبعث إلى الإقدام والشجاعة غير هياب، وتحرر من رق المخلوقين، ولم يعد في قلبه خوف من سوى الله_عز وجل_.
وهكذا نجد أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية.
والكلام في مقتضيات الربوبية وما تثمره من ثمرات يفوق الحصر والعد، وما مضى إنما هو إشارات عابرة يقاس عليها غيرُها.
ما ضد توحيد الربوبية
يضاد توحيد الربوبية الإلحاد، وإنكار وجود الرب_عز وجل_.
ويضاده_أيضاً_اعتقاد متصرف مع الله_عز وجل_في أي شيء؛ من تدبير الكون، من إيجاد، أو إعدام، أو إحياء، أو إماتة، أو جلب خير، أو دفع شر، أو غير ذلك من معاني الربوبية، أو اعتقاد منازع له في شيء من مقتضيات أسمائه وصفاته، كعلم الغيب، أو كالعظمة، والكبرياء، ونحو ذلك( ).
وكما يضاده_أيضاً_اعتقاد مشرع مع الله_عز وجل_لأنه هو الرب وحده، وربوبيته شاملة لأمره الكوني والشرعي.
الفرق التي أشركت بالربوبية( )
هناك أقوامٌ أشركوا بالربوبية، وفِرَقٌ أشركت به، ومن هؤلاء:
1_المجوس: =الأصلية+ قالوا بالأصلين: النور والظلمة، وقالوا: إن النور أزليٌّ، والظلمة محدثة.
2_الثنوية: =أصحاب الاثنين الأزلييّن+ : يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس الذين قالوا بحدوث الظلام، لكن قالوا باختلافهما في الجوهر، والطبع، والفعل، والخبر، والمكان، والأجناس، والأبدان، والأرواح، ولم يقولوا بتماثلهما في الصفات والأفعال، كما ترى، وإن قالوا بتساويهما في القدم.
3_المانوية: =أصحاب ماني بن فاتك+ : قالوا: إن العَالَمَ مصنوع من أصلين قديمين، ولكن قالوا باختلافهما في النفس، والصورة، والفعل، والتدبير.
4_النصارى: =القائلون بالتثليث+ : فالنصارى لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضها عن بعض، بل هم متفقون على أنه صانع واحد يقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، ويقولون: واحد بالذات ثلاثة بالأقنوم.
أما الأقانيم فإنهم عجزوا عن تفسيرها.
وقولهم هذا متناقض أيما تناقض وتصوره كافٍ في رده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_: =ولهذا قال طائفة من العقلاء: إن عامة مقالات الناس يمكن تصورُها إلا مقالة النصارى، وذلك أن الذين وضعوها لم يتصوروا ما قالوا، بل تكلموا بجهل، وجمعوا في كلامهم بين النقيضين ولهذا قال بعضهم: لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا عن أحدَ عشرَ قولاً.
وقال آخر: لو سألت بعض النصارى وامرأته وابنه عن توحيدهم لقال الرجل قولاً، وامرأته قولاً آخر، وابنه قولاً ثالثاً+( ).
وقال ابن القيم_رحمه الله تعالى_ في معرض رده عليهم: =أما خبر ما عندكم أنتم فلا نعلم أمةً أشدَّ اختلافاً في معبودها منكم؛ فلو سألت الرجل، وامرأته، وابنته، وأمه، وأباه، عن دينهم لأجابك كلٌّ منهم بغير جواب الآخر+ ( ).
بل قيل فيهم: =لو توجهت إلى أي نصراني على وجه الأرض، وطلبت منه أن يصور لك حقيقة دينه، وما يعتقده في طبيعة المسيح تصويراً دقيقاً_لما استطاع ذلك ( ).
هذا وقد بيَّن الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) ما عندهم من التناقض، وكذلك الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (محاضرات في النصرانية).
5_القدرية: هم في الحقيقة مشركون في الربوبية، وهذا لازم لمذهبهم؛ لأنهم يرون أن الإنسان خالقٌ لفعله، فهم أثبتوا لكل أحد من الناس خَلْقَ فعله.
والخلق إنما هو مما اختص الله به، قال_تعالى_[وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ](الصافات: 96).
وأفعال العباد لا يخرجها شيء من عموم خلقه_عز وجل_( ).
6_الفلاسفة الدهرية: في قولهم في حركة الأفلاك بأنها تسعة، وأن التاسع منها وهو الأطلس يحرك الأفلاك كلها، فجعلوه مبدأ الحوادث، وزعموا أن الله يحدث ما يقدره في الأرض.
7_عبدة الأصنام من مشركي العرب وغيرهم: ممن كانوا يعتقدون أن الأصنام تضر وتنفع، فيتقربون إليها، وينذرون لها، ويتبركون بها.
8_غلاة الصوفية: لغلوهم في الأولياء، وزعمِهم أنهم يضرون، وينفعون، ويتصرفون في الأكوان، ويعلمون الغيب، ولقولهم بوحدة الوجود، وربوبيةِ كلِّ شيءٍ( ).
9_الروافض: لقولهم بأن الدنيا والآخرة للإمام، يتصرف بها كيف يشاء، وأن تراب الحسين شفاءٌ من كل داء، وأمانٌ من كل خوف، ولقولهم: إن أئمتهم يعلمون الغيب، ويعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا بإذنهم.
وهذا باطل، وبطلانه لا يحتاج إلى دليل، بل إن فساده يغني عن إفساده( ).
10_النصيرية: لقولهم بألوهية علي بن أبي طالب÷وبأنه المتصرف بالكون، لوصفهم إياه بأوصاف لا يجوز أن يوصف بها أحد إلا الله_عز وجل_مع اختلاف أقوالهم في هذا؛ فبعضهم يقول: إنه يسكن في الشمس ويُسَمَّون بـ: الشمسية.
وبعضهم يقولون: إنه يسكن في القمر، ويُسَمَّون بـ: القمرية.
وبعضهم يقولون: إنه يسكن في السحاب، ولذا إذا رأوا السحاب قالوا: السلام عليك يا أمير النحل( ).
11_الدروز: لقولهم بألوهية الحاكم بأمر الله العبيد، وغلوهم فيه، ووصفِه بأوصافٍ لا تليق إلا بالله وحده، كقولهم عنه: =إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور+( ).
12_من يعتقدون تأثير النجوم والكواكب والأسماء: وذلك كحال الذين يتتبعون الأبراج ويقولون_رجماً بالغيب_إذا ولد فلان في البرج الفلاني أو الشهر الفلاني أو اليوم الفلاني، أو كان اسمه يبدأ بحرف كذا أو كذا_فسيصيبه كذا وكذا، ويضعون عليها دعاياتٍ تقول: مِنْ شهر ميلادك تعرف حظك، أو من اسمك تعرف حظك.
كل ذلك شرك في الربوبية؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيبِ، والغيبُ لا يعلمه إلا الله وحده لا شريك له.
13_القانونيون: الذين يَصدون ويصدفون عن شرع الله، والذين يحكمون الناس بالقوانين الوضعية، التي هي من نحاتة أفكارهم، وزبالة أذهانهم.
فهؤلاء محاربون لله، منازعون له في ربوبيته وحكمه وشرعه( ).