الإيمان بالكتب
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
الإيمان بالكتب
تأليف الشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله_صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً_.
أما بعد:
فهذه نبذة يسيرة عن الإيمان بالكتب، يلقى من خلالها نظرة عامة حول هذا الموضوع، وذلك من خلال الآتي:
• تعريف الكتب لغة وشرعاً.
• ما يتضمن الإيمان بالكتب.
• أهمية الإيمان بالكتب.
• أدلة الإيمان بالكتب.
• الغاية من إنزال الكتب.
• مواضع الاتفاق بين الكتب السماوية.
• مواضع الاختلاف بين الكتب السماوية.
• منزلة القرآن من الكتب المتقدمة.
• التوراة.
• التوراة الموجودة اليوم.
• الإنجيل.
• الإنجيل بعد عيسى_عليه السلام_.
• هل يسوغ لأحد اتباع التوراة أو الإنجيل بعد نزول القرآن ؟.
• ثمرات الإيمان بالكتب.
• ما يضاد الإيمان بالكتب.
• الطوائف التي ضلت في باب الإيمان بالكتب.
فلعل هذه الصفحات تعطي صورة عامة لهذا الباب.
وأخيراً أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي ص.ب: 460
www.toislam.net
تعريف الكتب لغة وشرعاً
الكتب في اللغة: جمع كتاب بمعنى مكتوب، مثل فراش بمعنى مفروش، وإله بمعنى مألوه، وغراس بمعنى مغروس.
ومادة (كتب) تدور حول الجمع والضم، وسمي الكاتب كاتباً؛ لأنه يجمع الحروف ويضم بعضها إلى بعض.
ومنه الكتيبة من الجيش سميت كتيبةً؛ لاجتماعها، وانضمام بعضها إلى بعض، ومنه تسمية الخياط كاتباً؛ لأنه يجمع أطراف الثوب إلى بعض، كما في مقامات الحريري( )، حيث قال ملغزاً:
وكاتبين وما خطت أناملهم
حرفاً ولا قرأوا ما خط في الكتب
ويَقْصدُ بهم الخياطين.
أما في الشرع: =فالمراد بها الكتب التي أنزلها الله_تعالى_على رسله؛ رحمة للخلق، وهداية لهم؛ ليصلوا بها إلى سعادة الدنيا والآخرة+( ).
ما يتضمن الإيمان بالكتب( )
1_الإيمان بأنها أنزلت من عند الله حقَّاً.
2_الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقرآن الذي نُزِّل على محمد"والتوراة التي أُنزلت على موسى"والإنجيل الذي نزل على عيسى_عليه الصلاة والسلام_والزبور الذي أوتيه داود_عليه السلام_.
وأما ما لم نعلمه من الكتب المنزلة فنؤمن به إجمالاً.
3_تصديق ما صح من أخبارها، كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يبدل، أو يحرف من الكتب السابقة.
4_العمل بما لم ينسخ منها، والرضا، والتسليم به، سواء فهمنا حكمته أم لم نفهمها.
وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم، قال_تعالى_: [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ] (المائدة: 48).
أي حاكماً عليه، وعلى هذا فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صح وأقره القرآن.
أهمية الإيمان بالكتب
الإيمان بالكتب أصل من أصول العقيدة، وركن من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان أحد إلا إذا آمن بالكتب التي أنزلها الله على رسله_عليهم السلام_.
وقد أثنى الله_عز وجل_على الرسل الذين يبلغون عن الله رسالاته فقال_عز وجل_: [الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ] (الأحزاب: 39).
كما أخبر_سبحانه_أن الرسول"والمؤمنون آمنوا بما أنزل من عند الله من كتب، قال_تعالى_[آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ] (البقرة: 285).
ومما يدل على أهميته أن الله أمر المؤمنين بأن يؤمنوا بما أنزله كما في قوله_تعالى_: [قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] (البقرة: 136).
ومما يدل على أهميته أن الله أهلك الأمم بسبب تكذيبهم برسالاته، كما أخبر الله عن صالح بقوله: [فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ] (الأعراف: 79).
كذلك من أنكر شيئاً مما أنزل الله فهو كافر كما قال_تعالى_: [وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً] (النساء:136).
أدلة الإيمان بالله
لقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على الإيمان بالكتب فمن ذلك قوله_تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ] (النساء: 136) وقوله_تعالى_: [وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ] (الشورى: 15).
وقال_عليه الصلاة والسلام_كما في حديث جبريل المشهور عندما سأله عن الإيمان قال:=أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله+الحديث( ).
الغاية من إنزال الكتب( )
أنزلت الكتب السماوية كلُّها لغايةٍ واحدةٍ، وهدف واحد وهو أن يُعْبَدَ الله وحده لا شريك له، ولتكون منهج حياة للبشر الذين يعيشون في هذه الأرض، تقودهم بما فيها من هداية إلى كل خير، ولتكون روحاً ونوراً تحيي نفوسهم، وتكشف ظلماتها، وتنير لهم دروب الحياة كلها.
مواضع الاتفاق بين الكتب السماوية( )
تتفق الكتب السماوية في أمور عديدة منها:
1_وحدة المصدر: فمصدرها واحد؛ فهي منزلة من عند الله، قال_تعالى_: [الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ](آل عمران:1_4).
2_وحدة الغاية: فالكتب السماوية غايتها واحدة، فهي كلها تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى دين الإسلام؛ فالإسلام هو دين جميع الرسل، قال_تعالى_[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ](النحل: 36).
وقال_تعالى_: [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ] (آل عمران: 19).
والإسلام هو الدين الذي أُمِر به إبراهيم_عليه السلام_[إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ](البقرة: 131).
وقال موسى_عليه السلام_لقومه: [يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ](يونس: 84).
والحواريون قالوا لعيسى_عليه السلام_: [آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] (آل عمران: 52).
فالغاية_إذاً_هي الدعوة إلى دين الإسلام، وإلى عبادة الله وحده لا شريك له.
3_مسائل العقيدة: فالكتب اشتملت على الإيمان بالغيب، ومسائل العقيدة، كالإيمان بالرسل، والبعث والنشور، والإيمان باليوم الآخر إلى غير ذلك.
فمسائل العقيدة من باب الأخبار التي لا تنسخ.
4_القواعد العامة: فالكتب السماوية تقرر القواعد العامة، التي لابد أن تعيها البشرية؛ كقاعدة الثواب والعقاب، وهي أن الإنسان يحاسب بعمله، فيعاقب بذنوبه وأوزاره، ولا يؤاخذ بجريرة غيره، ويثاب بسعيه، وليس له سعي غيره كما قال_تعالى_[أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى] (النجم: 36_41).
ومن ذلك الحث على تزكية النفس، وبيان أن الفلاح الحقيقي لا يتحقق إلا بتزكية النفس بالطاعة لله، والعبودية له، وإيثار الآجل على العاجل.
قال_تعالى_: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى] (الأعلى: 14_19).
ومن تلك القواعد أن الذي يستحق وراثة الأرض هم عباد الله الصالحون؛ [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ] (الأنبياء: 105).
ومن ذلك أن العاقبة للتقوى وللمتقين، كما قال_تعالى_: [وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى] (طه: 132)، وقال: [وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] (الأعراف: 128).
5_العدل والقسط: وهذا من مواطن الاتفاق؛ فجميع الأنبياء_عليهم السلام_حملوا ميزان العدل والقسط، قال_تعالى_: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ](الحديد: 25).
6_محاربة الفساد والانحراف: وهذا ما اتفقت عليه الرسالات؛ سواء كان الفساد عقدياً أو خلقياً، أو انحرافاً عن الفطرة، أو عدواناً على البشر، أو تطفيفاً في الكيل والميزان، أو غير ذلك.
7_الدعوة إلى مكارم الأخلاق: فالكتب كلها دعت إلى مكارم الأخلاق، كالعفو عن المسيء، وكالصبر على الأذى، وكالقول الحسن، وبر الوالدين، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، وإكرام الضيف، والتواضع، والعطف على المساكين، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق.
8_كثير من العبادات: فكثير من العبادات التي نقوم بها كانت معروفة عند الرسل وأتباعهم، كالصلاة، والزكاة، قال_تعالى_: [وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ] (الأنبياء: 73).
وإسماعيل_عليه السلام_[وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ] (مريم: 55)، وقال الله لموسى_عليه السلام_[فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي] (طه: 14)، وقال عيسى_عليه السلام_: [وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً] (مريم: 31).
والصوم_كذلك_مفروض علينا كما هو مفروض على من قبلنا، قال_تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ] (البقرة: 183).
والحج كذلك، كما في قول الله_تعالى_لإبراهيم_عليه السلام_[وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً] (الحج: 27).
وقد جعل الله لكل أمة مناسكها وعبادتها، قال_عز وجل_: [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ](الحج: 34).
مواضع الاختلاف ( )
تختلف الكتب السماوية في الشرائع، فشريعة عيسى تخالف شريعة موسى_عليهما السلام_في بعض الأمور، وشريعة محمد"تخالف شريعة موسى وعيسى_عليهما السلام_في أمور.
قال_تعالى_:[لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً](المائدة: 48).
وليس معنى ذلك أن الشرائع تختلف اختلافاً كلياً؛ فالناظر في الشرائع يجد أنها متفقة في المسائل الأساسية، وقد مر بنا شيء من ذلك، فالاختلاف بينها إنما يكون في التفاصيل.
فعدد الصلوات، وأركانها، وشروطها، ومقادير الزكاة، ومواضع النسك، ونحو ذلك_قد تختلف من شريعة إلى شريعة، وقد يُحِل الله أمراً في شريعة لحكمة، ويحرمه في شريعة أخرى لحكمة يعلمها_عز وجل_ولا يلزم أن نعلمها، ومن الأمثلة على ذلك مايلي:
1_الصوم: فقد كان الصائم يفطر في غروب الشمس، ويباح له الطعام، والشراب، والنكاح إلى طلوع الفجر ما لم ينم، فإن نام قبل الفجر حرم عليه ذلك كله إلى غروب الشمس من اليوم الثاني، فخفف الله عن هذه الأمة، وأحله من الغروب إلى الفجر، سواءً نام أم لم ينم، قال_تعالى_: [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ](البقرة: 187).
2_ستر العورة حال الاغتسال: لم يكن واجباً عند بني إسرائيل، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: =كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده+( ).
3_الأمور المحرمة: فمما أحله الله لآدم تزويج بناته من بنيه، ثم حرم الله هذا بعد ذلك.
وكان التسري على الزوجة مباحاً في شريعة إبراهيم، وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرى بها على سارة.
وقد حرَّم الله مثل هذا على بني إسرائيل في التوراة.
وكذلك الجمع بين الأختين كان سائغاً، وقد فعله يعقوب فتزوج بابنتي خاله: ليَّا، وراحيل؛ وهما أختان ثم حُرِّمَ عليهم في التوراة.
ومما حرَّمه الله على اليهود ما قصه علينا في سورة الأنعام، قال_تعالى_: [وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ](الأنعام: 146).
ثم جاء عيسى_عليه السلام_فأحل لبني إسرائيل بعض ما حرم عليهم.
وجاءت الشريعة الخاتمة لتكون القاعدة: إحلال الطيبات وتحريم، الخبائث.
ومما تميزت به الشريعة الخاتمة أنها عامة لجميع الناس إلى قيام الساعة، بخلاف الشرائع الأخرى، فهي خاصة بقوم دون قوم، أو فترة دون فترة.
منزلة القرآن من الكتب المتقدمة ( )
القرآن آخر الكتب السماوية وهو خاتمها، وهو أطولها، وأشملها، وهو الحاكم عليها.
قال الله_تعالى_: [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ] (المائدة: 48).
وقال_تعالى_: [وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (يونس: 37).
وقال: [مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] (يوسف: 111).
قال أهل التفسير في قوله_تعالى_[وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ]: مهيمناً وشاهداً على ما قبله من الكتب، ومصدقاً لها؛ يعني يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف، وتبديل، وتغيير، ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير.
ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ممن لم ينقلب على عقبيه كما قال_تبارك وتعالى_: [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ](القصص:52 ، 53 ).
فالقرآن هو رسالة الله لجميع الخلق، وقد تكفل_سبحانه_[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] (الحجر: 9).
ولا يقبل الله من أحد ديناً إلا ما جاء في هذا القرآن العظيم.
قال الشيخ ابن سعدي_رحمه الله_في قوله_تعالى_: [وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ]:=أي مشتملاً على ما اشتملت عليه الكتب السابقة وزيادة في المطالب الإلهية، والأخلاق النفسية؛ فهو الكتاب الذي يتبع كل حق جاءت به الكتب، فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه.
وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو مردود قد دخله التحريف والتبديل، وإلا لو كان من عند الله لم يخالفه+( ).
التوراة
التوراة هي الكتاب الذي أنزله الله على موسى_عليه السلام_والتوراة كتاب عظيم اشتمل على النور والهداية كما قال_تعالى_: [إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ](المائدة: 44).
وقال_تعالى_: [ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ] (الأنعام: 154).
وكثيراً ما يقرن الله_عز وجل_في القرآن بين التوراة والقرآن؛ وذلك لأنهما أفضل كتابين أنزلهما الله على خلقه.
هذه باختصار هي حقيقة التوراة التي أنزلت على موسى_عليه السلام_.
التوراة الموجودة اليوم( ):
أما التوراة الموجودة اليوم فهي ما يطلق على الشريعة المكتوبة، كما يطلق لفظ (التلمود) على الشريعة الشفهية.
والتوراة الموجودة اليوم تشتمل على خمسة أسفار وهي:
1_سفر التكوين: ويتحدث هذا السفر عن خلق العالم، وظهور الإنسان، وطوفان نوح، وولادة إبراهيم إلى موت يوسف_عليه الصلاة والسلام_.
2_سفر الخروج: ويتحدث عن حياة بني إسرائيل في مصر، منذ أيام يعقوب إلى خروجهم إلى أرض كنعان مع موسى ويوشع بن نون.
3_سفر اللاويين: نسبة إلى لاوي بن يعقوب، وفي هذا السفر حديث عن الطهارة، والنجاسة، وتقديم الذبائح، والنذر، وتعظيم هارون وبنيه.
4_سفر العدد: يحصي قبائل بني إسرائيل منذ يعقوب، وأفرادَهم ومواشيهم.
5_سفر التثنية: وفيه أحكام، وعبادات، وسياسة، واجتماع، واقتصاد، وثلاثة خطابات لموسى_عليه السلام_.
هذه هي التوراة الموجودة اليوم، وكل عاقل منصف_فضلاً عن المسلم المؤمن_يعلم براءة التوراة التي أنزلها الله على موسى_عليه السلام_مما هو موجود في التوراة اليوم، وذلك لأمور عديدة منها:
1_ما حصل للتوراة من الضياع والنسخ والتحريف والتدمير، فلقد حُرِّف فيها، وبُدِّل، وضاعت، وتعرضت لسبع تدميرات، منذ عهد سليمان_عليه السلام_(945) قبل الميلاد إلى أن حصل التدمير السابع عام 613م مما يدل على ضياعها وانقطاع سندها.
2_ما تشتمل عليه من عقائد باطلة لا تمت إلى ما جاء به المرسلون بأدنى صلة.
3_اشتمالها على تنقص الرب_جل وعلا_وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم:=إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب+.
ومن ذلك قولهم:=إن الله ندم على خلق البشر لما رأى من معاصيهم، وأنه بكى حتى رمد فعادته الملائكة+.
تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
4_اشتمالها على سب الأنبياء والطعن فيهم، ومن ذلك قولهم:=إن نبي الله هارون صنع عجلاً، وعبده مع بني إسرائيل+.
وقولهم:=إن لوطاً شرب خمراً حتى سكر، ثم قام على ابنتيه فزنى بهما الواحدة تلو الأخرى+.
وقولهم:=إن سليمان_عليه السلام_ارتد في آخر عمره، وعَبَدَ الأصنام، وبنى لها المعابد، إلى غير ذلك من مخازي إخوان القردة+( ).
5_اشتمالها على المغالطات والمستحيلات والمتناقضات.
6_أن المعركة التي قامت بين التوراة وحقائق العلم الحديث أثبتت ما في التوراة من الأخطاء العلمية.
ومن تلك الكتب التي تكلمت على هذا الموضوع كتابان هما: (أصل الإنسان) و (التوراة والإنجيل والقرآن) لعالم فرنسي اسمه (موريس بوكاي) حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه، بل سجل شهادات تفوق سبق القرآنُ فيها العلمَ بألف وأربعمائة عام( ).
الإنجيل
هو الكتاب العظيم الذي أنزله الله على عيسى_عليه السلام_متمماً للتوراة، ومؤيداً لها، وموافقاً لها في أكثر الأمور الشرعية، يهدي إلى الصراط المستقيم، ويبين الحق من الباطل، ويدعو إلى عبادة الله وحده دون من سواه.
هذا هو الإنجيل الذي أنزل على عيسى_عليه السلام_.
وبعد موت عيسى_عليه السلام_دخل التحريف الإنجيل فَغُيِّر فيه، وبدِّل، وزيد فيه، ونقص.
الإنجيل بعد عيسى_عليه السلام_:
الكتاب المقدس لدى النصارى يشمل التوراة والأناجيل، ورسائل الرسل.
وتسمى التوراة العهد القديم، وتسمى الأناجيل، ورسائل الرسل العهد الجديد.
فالعهد الجديد_إذاً_هو الذي يشتمل على أناجيلهم، والأناجيل المعتبرة عند النصارى أربعة هي:
1_إنجيل يوحنَّا. 2_إنجيل مرقُس.
3_إنجيل مَتَّى. 4_إنجيل لُوقا.
وهناك أناجيل أخرى مثل إنجيل برنابا، وأناجيل أخرى أهملت.
هذا وقد بيَّن كثير من العلماء المسلمين قديماً وحديثاً ومن علماء النصارى الذين دخلوا في الإسلام، أو المتحررين منهم من ربقة التقليد_عدم صحة هذه الأناجيل الموجودة في أيدي النصارى، ووجهوا إليها انتقادات كثيرة، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_في كتابه: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وابن القيم_رحمه الله تعالى_في كتابه: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.
ومن العلماء المحدثين الشيخ رحمة الله الهندي_رحمه الله تعالى_في كتابه: إظهار الحق، والشيخ محمد أبو زهرة_رحمه الله تعالى_في كتابه: محاضرات في النصرانية، ومن علماء النصارى الذين أسلموا إبراهيم خليل أحمد كما في كتابه: محاضرات في مقارنة الأديان.
وفيما يلي إجمال لبعض الأمور التي تبين بطلان الأناجيل الموجودة بأيدي النصارى اليوم وعدم صحتها:
1_أن هذه الأناجيل التي بأيدي النصارى لم يُمْلِها عيسى_عليه السلام_ولم تنزل عليه وحياً، ولكنها كتبت بعده.
2_ما وقع في الأناجيل من تلاعب النساخ، وتبديلهم وتحريفهم.
3_اشتمالها على المتناقضات، والاختلافات، وقد أحصى الشيخ رحمة الله الهندي_في آخر كتابه إظهار الحق_أكثر من مائة اختلاف بين هذه الأناجيل.
4_انقطاع السند في نسبتها لكتابها.
5_اشتمالها على تنقص الرب_جل وعلا_وعلى نسبة القبائح للأنبياء_عليهم السلام_.
6_اشتمالها على العقائد الباطلة المخالفة للنقل والعقل.
7_تعارضها مع الحقائق العلمية، كما أثبت ذلك عدد من العلماء؛ منهم موريس بوكاي وقد مر معنا ذلك قريباً.
8_زد على ذلك أن تلك الأناجيل_وبغض النظر عن كونها محرفة_تخلو من أي تصور محدد لنظام سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو علمي.
هل يسوغ لأحد اتباع التوراة أو الإنجيل بعد نزول القرآن ؟
لا يسوغ لأحد ذلك؛ للاعتبارات السابقة، ولأنها_وعلى فرض صحتها_كانت خاصة لأمة معينة، ولفترة محددة، ولأنها نسخت بالقرآن الكريم.
ومن هنا يتبين بطلان هذه الكتب، وعدم جواز العمل بها إلا ما أقره القرآن، ويتبين لنا ضلال اليهود والنصارى وبطلان مزاعمهم، كيف وقد قال":=لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار+( ).
ثمرات الإيمان بالكتب ( )
الإيمان بالكتب يثمر ثمراتٍ جليلةً منها:
1_العلم بعناية الله؛ حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به.
2_العلم بحكمة الله؛ حيث شرع لكل قوم ما يناسبهم، ويلائم أحوالهم.
3_التحرر من زبالات أفكار البشر بهدي السماء.
4_السير على طريقٍ مستقيمةٍ واضحةٍ لا اضطراب فيها ولا اعوجاج.
5_الفرح بذلك الخير العظيم [قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ](يونس: 58).
6_شكر الله على هذه النعمة العظيمة.
7_التحرر من التخبط الفكري والعقدي.
ما يضاد الإيمان بالكتب
يضاد الإيمان بالكتب تكذيبها، والكفر بها، وتحريفها.
كما يضادها: الإعراضُ عن القرآن، وادعاء نسخه، والتحاكم إلى غيره، وادعاء نقصه، ومضاهاته، ومعارضته.
الطوائف التي ضلّت في باب الإيمان بالكتب
هناك طوائف كثيرة ضلت في هذا الباب منها:
1_اليهود: وذلك بتكذيبهم للقرآن، وتكذيبُهم للقرآن هو في الحقيقة تكذيب لجميع الكتب السماوية.
2_النصارى: يقال عنهم ما قيل عن اليهود، وقد مر الحديث عنهما.
3_الرافضة: وذلك بادعائها أن القرآن ناقص ومحرّف، وأن القرآن الكامل مع الغائب الذي سيخرج في آخر الزمان من سرداب سامراء. . !
ثم إنهم ضلوا في هذا الباب بسبب جعلهما في الجفر والجامعة مصدراً للتلقي عندهم.
وضلوا أيضاً في تأويل القرآن حيث أغرقوا في الباطنية في تأويله( ).
4_البابية والبهائية: وذلك بادعائها نسخ القرآن الكريم، والشريعة الإسلامية بشريعة الباب والبهاء( ).
5_التيجانية: وذلك بتفضيلها أورادَها وأذكارَها_كصلاة الفاتح_على القرآن الكريم حيث قالوا: إن قراءة صلاة الفاتح مرة واحدة أفضل من قراءة القرآن ستة آلاف مرة( ).
6_غلاة الصوفية عموماً: وذلك بادعائهم العلم اللَّدُنِّي الذي يوحى إليهم، ويغنيهم عن القرآن كما يزعمون.
ثم إن مصدر التلقي عندهم ليس القرآن والسنة بل يقوم على الرؤى والأحلام، والكشف، وغير ذلك( ) مما يخالف ما جاء في القرآن.
7_النصيرية والدروز وسائر الفرق الباطنية: وذلك بانحرافهم في تأويل القرآن، وإغراقهم في التأويل الباطني، وإخراج القرآن عن معانيه وحقائقه الصحيحة، وكذلك ادعاء بعضهم نسخ الإسلام كما يقول علي ابن الفضل الباطني_قبحه الله_:
تولي نبي بني هاشم
وهذا نبي بني يعرب
لكل نبي مضى شرعةٌ
وهذي شريعة هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة
وفرض الصيام فلم نتعب
إلى آخر ذلك الكفر الصراح البواح( ).
8_المشرعون والقانونيون: الذين أعرضوا عن تحكيم القرآن، وعارضوه بزبالات أفكارهم، زاعمين أنه لا يناسب العصر الحديث، ولا يفي بحاجاته.