فضائل شهر الصوم
التصنيفات
- فقه >> العبادات >> حكم الصيام وفضله
- دراسات إسلامية >> مناسبات دورية >> شهر رمضان >> فضل رمضان
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمـة
الحمد لله القائل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{، والصلاة والسلام على من قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى بوم الدين.
وبعــد:
فالصيام عبادة عظيمة, تتقرب بها المسلمة إلى الله، وذلك بترك شهوات النفس من شراب وطعام ونكاح وغيره، وهو من العبادات الجليلة التي تُقدم فيها المسلمة رضا مولاها على طلب شهوتها وهواها.
ولِشرف الصيام ومكانته عند الله, اختصه - سبحانه, وتعالى - لنفسه من بين سائر العبادات. قال ﷺ: «يقول الله – عز وجل: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام, فإنه لي: وأنا أجزي به...» [متفق عليه].
وبين يديك - أختي المسلمة - هذا الكتاب المرسوم بـ"فضائل شهر الصوم" علَّ الله أن ينفع به، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
والحمد لله رب العالمين.
من فضائل الصيام
1- الصوم ومغفرة الذنوب:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
وهذا بشرط أن تُجنب الكبائر من الذنوب؛ فالكبائر لا يكفرها إلا التوبة؛ لقول الرسول ﷺ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» [رواه مسلم].
2- الصوم جُنة من النار, ووقاية من الشهوات:
عن جابر – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «الصوم جنة، يُستجنُّ بها العبد من النار» [رواه الطبراني]، وقال رسول الله ﷺ: «من صام يوما في سبيل الله؛ باعد الله وجهه من النار سبعين خريفا» [متفق عليه].
كل هذا الفضل العظيم يُدرك بصيام يوم واحد، فكيف بمن صامت شهر رمضان، وصامت الأيام الفاضلة في سائر العام؟!.
وكذلك الصيام حماية ووقاية من الوقوع في الشهوات؛ لذلك أرشد المصطفى ﷺ - وهو الناصح الشفيق- الشباب العاجز عن الزواج بالصيام، فقال ﷺ: «يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة, فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع, فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» [متفق عليه].
3- الصوم والشفاعة:
قال رسول الله ﷺ: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه. قال: فيشفعان» [رواه الإمام أحمد].
4- أدرك الباب:
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة بابا يُقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يُقال: أين الصائمون يوم القيامة؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق, فلم يدخل منه أحد» [متفق عليه].
فاحرصي أختي المسلمة بأن تكوني من القائمات لذاك الباب، وذلك بالمحافظة على الصيام الفرض، وصيام النوافل المستحبة.
5- فرحة الصائمات:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه» [متفق عليه].
فرحة عند فطرها: وذلك بعد أن مَنَّ الله عليها بإكمال الصيام, وإباحة ما كان عليها مُحرَّما من الأكل والشرب وغيره.
فرحة عند لقاء ربها: وذلك إذا وجدت ثواب الصيام مُدخرا لها عند ربها. قال تعالى: }يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا{ [آل عمران: 30].
6- الصائمة وريح المسك:
قال رسول الله ﷺ: «والذي نفس محمد بيده؛ لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» [متفق عليه].
إن تلك الرائحة المستقذرة الكريهة عند الناس – وهي بسبب خُلُوّ المعدة من الطعام - محبوبة إلى رب الجنة والناس – سبحانه وتعالى - ولا يمنع من السواك للصائمة بعد الزوال، فهو أمر مستحب على القول الراجح.
فضل صلاة التراويح
عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه». ومعنى قوله: «إيمانا» أي: (إيمان بالله, وبما أعده من الأجر والثواب)، وقوله: «احتسابا» أي: (طلب ذلك الأجر والثواب من الله تعالى، أي: لا رياء ولا سمعة).
فصلاة التراويح في رمضان سُنَّة مؤكدة, حث عليها, ورغَّب فيها الرسول المصطفى ﷺ.
ملاحظات عند ذهاب النساء إلى المساجد
سيلاحظ على بعض الأخوات في رمضان حين يأتين إلى المساجد عدة ملحوظات منها:
1- خروج بعض النساء إلى المسجد وهن متعطرات، وهذا فيه مخالفة لما أمر به النبي ﷺ, ويحدث بسببه فتنة للرجال, قال ﷺ: «أيما امرأة استعطرت, فمرت على قوم ليجدوا ريحها, فهي زانية» [رواه أحمد والترمذي].
2- إظهار بعض مفاتنهن؛ بلبس الثوب الضيق أو وجود فتحة في أسفل ثوبها تبدو ساقيها أو لبس العباءة القصيرة أو كشف وجهها.
والمسلمة مأمورة بالتستر والحجاب الكامل لجميع جسدها؛ لأنها إذا لم تلتزم بذلك فقد عصت الله ورسوله، وحصل بسبب ذلك فتنة عظيمة، وشر كبير، من لفت أنظار الرجال، وجرأتهم عليها إلى غير ذلك.
3- اصطحاب الأطفال معهن إلى المسجد, مما يؤدي إلى إزعاج المصلين، حيث يجتمع عدد كبير من الأطفال, فيلعبون في المسجد، ويزعجون المصلين بأصواتهم، ولا يراعون حرمة المسجد، مما يؤدي إلى التشويش على المصلين، وانشغالهم عن عبادتهم.
كما يلاحظ على بعض الأخوات أنها ربما أتت برضيعها, وتركته على الأرض، وانشغلت بصلاتها, وطفلها يبكي بكاء شديدا, ربما أثر عليه, وأزعج المصلين، فنقول لهذه الأخت: لو صليت في منـزلك لكان خيرا لك.
4- جلوس بعض الأخوات بين الركعات يتحدثن في أمور الدنيا، حتى إذا قرب الركوع قامت فركعت، وهذا خطأ، حيث لم تدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام، ولم تقرأ الفاتحة، وانشغلت بغير عذر شرعي، وسبب ذلك جهلها بدين ربها.
5- يلاحظ على صفوف النساء عدم إتمامها، وعدم التراص فيها، بل قد يوجد فرجات في الصف الأول. فالأَوْلى إتمام الصف الأول فالأول، إذا عزل النساء عن الرجال، وأن تلصق الأخت منكبها بمنكب أختها، وكعبها بكعب أختها، ومتى وجدت صفا أعوج أقامته وسوته، فإن صفوف النساء كصفوف الرجال، إذا صلوا جماعة؛ لعموم الأدلة.
6- حضور بعض النساء مع السائق، وربما جلست في الكرسي الأمامي بحجة أنه سائق، وهذا خطأ، وفيه مخالفة شرعية, وخلوة بهذا الأجنبي، فهي تريد أن تحصل على مستحب, وترتكب بسببه محذورا شرعيا، وأمرا خطيرا.
فالأولى أن يأتي معها محرم لها أو يأتي بها أحد محارمها، وإلا جلست في دارها كما قال النبي ﷺ: «وبيوتهن خير لهن».
7- بعد انقضاء الصلاة تجلس بعض الأخوات – هداهن الله - يتحدثن بالقيل والقال، وربما جر الكلام إلى محرم من الحديث في أعراض الناس، والغيبة والنميمة، بل قد ترتفع الأصوات حتى يسمع الرجال حديثهن، وهذا من الخطأ.
فالأولى للأخت المسلمة إذا انتهت من صلاتها، أن تنصرف مباشرة إلى منـزلها أو إلى سيارتها، ولا تتأخر إلا من عذر، كما كانت نساء الصحابة رضي الله عنهن.
وإذا خرجت, فلا تختلط بالرجال، بل تكون بعيدة عنهم([1]).
فضل قراءة القرآن في رمضان
إن قراءة القرآن الكريم هي التجارة الرابحة – مع الله تعالى - التي لا خسارة فيها؛ لقول الرسول ﷺ: «من قرأ حرفا من كتاب الله, فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول }الم{ حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» [صحيح رواه الترمذي]، وقوله ﷺ: «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» [رواه مسلم]، وقوله ﷺ: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة...» [متفق عليه].
لذلك يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة: «اقرأ, وارتقِ, ورتل, كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها» [رواه الترمذي].
ويتأكد هذا الفضل العظيم لتلاوة القرآن في شهر رمضان؛ لأنه شهر القرآن. قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ{ [البقرة: 185].
وقد كان رمضان مخصصا لتدارس القرآن بين جبريل – عليه السلام - ومحمد ﷺ، في كل سنة، كما في الصحيحين عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال: (كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان, فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة) [متفق عليه].
وفي العام الذي توفي فيه رسول الله ﷺ عارضه جبريل – عليه السلام - القرآن مرتين.
قال الزهري – رحمه الله: (إذا دخل رمضان, فإنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام). وكان الإمام مالك - رحمه الله - إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث, وأقبل على قراءة القرآن الكريم من المصحف.
ملاحظة:
إن بعض الناس يظنون أن ختم القرآن مقصود لذاته، فيهُذُّ الواحد منهم القرآن هَذَّ الشعر، بدون تدبره، ولا خشوع، ولا ترقيق للقلب، ولا وقوف عند المعاني، بل همُّه الوصول إلى آخر السورة, أو آخر الجزء، أو آخر المصحف.
ولا شك أن القرآن ليس لهذا أُنزل؛ فإن الله – تعالى - يقول في هذا الكتاب الكريم نفسه: }كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ{، }وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا{.
فمن الخطأ أن يحمل أحدنا الحماسُ إذا سمع الآثار عن السلف التي تفيد أنهم يختمون القرآن كل يومين مرة، أو كل يوم مرة، فيقول: لا بد أن أقتدي بهم، ويمضي بهذا القرآن هذا، غير متمعن, ولا متدبر، ولا مراع لأحكام التجويد أو مخارج الحروف الصحيحة.
إن كون العبد يقرأ بعضا من القرآن، جزءا، أو حزبا، أو سورة – بتدبر وتفكر - خير من أن يختم القرآن كاملا بدون أن يعي شيئا منه([2]).
فضل العمرة في رمضان
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي ﷺ لما رجع من حجة الوداع، قال لامرأة من الأنصار اسمها أم سنان: «ما منعك أن تحجي معنا؟» قالت: أبو فلان - زوجها - له ناضحان، حج على أحدهما، والآخر نسقي عليه. فقال لها النبي ﷺ: «فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة» أو قال: «حجة معي» [رواه البخاري ومسلم].
وهو - والله - فوز عظيم أن تكوني كمن حج مع الرسول ﷺ، كما هو المفهوم من ظاهر الحديث.
مخالفات في العمرة للنساء
1- اعتقاد بعض الناس أنه لا بد من صلاة مخصوصة للإحرام.
2- اعتقاد بعض النساء بأن ثوب الإحرام لا بد له من لون خاص كالأخضر أو الأسود. وإنما تُحْرِم في ثيابها العادية.
3- ترك بعض النساء الإحرام عند المرور بالميقات إذا كانت حائضا ظنا منها أن الإحرام يُشترط له الطهارة.
4- مزاحمة النساء للرجال في الطواف خاصة عند تقبيل الحجر الأسود.
5- تقبيل الركن اليماني, والمشروع استلامه فقط.
6- تخصيص دعاء معين لكل شوط.
7- الاعتقاد بوجوب الطهارة للسعي.
8- ترك الدعاء عند بداية كل شوط للسعي.
9- رفع اليدين والإشارة بهما عند التكبير لكل شوط في السعي بدل الدعاء.
10- إسراع بعض النساء في السعي عند العلمين الأخضرين.
11- التطوع بالسعي قياسا بالطواف على الكعبة.
تنبيه مهم:
إن بعض المعتمرين يهملون أهليهم الذين استرعاهم الله إياهم، فقد يُسافر الأب والأم إلى مكة للعمرة، ويتركان أولادهما – من أجل الدراسة - في بلدهم، فيقضي الولدان نصف رمضان أو أكثر في مكة، والأولاد طوال هذه المدة بدون رقيب، وقد يكونون من الصغار الذين لا يُدركون، أو من المراهقين الذي يخشى أن ينـزلقوا في مزالق كبيرة – ذكور أو إناثا - بسبب استفزاز شياطين الجن والإنس لهم. وكفى بالمرء إثما أن يُضيع من يعول!
وقد يحدث الخطأ بصورة أخرى، وهي أن كثيرا من الناس يسافرون بأهليهم إلى مكة، ثم يعتكف الأب في الحرم، أو يقضي غالب وقته فيه، ويغفل تماما عن مراقبة أبنائه وبناته، تاركا لهم الحبل على الغارب؛ فينتج عن ذلك من المساوئ ما يندى له الجبين. ومن مظاهر ذلك: ما رأيناه ورآه غيرنا في أطهر بقعة من التبرج, وتضييع الحشمة لدى بعض البنات، خاصة أن منهن بنات لأسر محافظة.
حقا إن اصطحاب الأبناء إلى البلد الحرام أمر طيب، فيه تربية لهم، وتمكين لهم من إدراك فضيلة الزمان والمكان، ومضاعفة الحسنات، فإذا كان الأب رجلا حازما يستطيع أن يحافظ على رعيته, فحبذا ذاك، وأما إن كان عاجزا عن رعايتهم ومراقبتهم، وضبط تصرفاتهم، فليبق في بيته؛ طلبا للسلامة من الفساد والضرر البالغ، الذي قد يلحق برعيته؛ فيرجع بوزرهم بدلا من الرجوع بالثواب المضاعف([3]).
فضل العشر الأواخر من رمضان
عن عائشة – رضي الله عنها - قالت: (كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) [رواه البخاري].
وعنها رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) [رواه مسلم].
فالعشر الأواخر لها مزية خاصة عن باقي الليالي، وقد كان نبينا محمد ﷺ يُعظم هذه الليالي المباركة, ويقوم بأعمال وعبادات لا يقوم بها في غيرها.
فحري بالمؤمنة أن تستغل هذه الليالي الطيبة المباركة بالطاعات لرب الأرض والسماوات، وذلك بكثرة الصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الله سبحانه وتعالى.
ويكفي هذه الليالي المباركة أن فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، ليلة عظيمة حظيت بها أمة محمد ﷺ من دون الأُمم السابقة.
والمحرومة من فاتتها هذه العشر, وهي في غفلة عنها سواء بالتسكُّع في الأسواق أو العكوف على الفضائيات, أو مجالس الغيبة والنميمة، ولربما لا تدركها – هذه المسكينة - في الأعوام المقبلة لموت أو غيره.
فضل ليلة القدر
قال الله تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{ [سورة القدر].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه...» [متفق عليه].
هذه الليلة الشريفة التي شمر لها القائمون، ومن أجلها اعتكف الصائمون، ليلة هي خير من ألف شهر، فُضلت بها أمة محمد ﷺ من دون الأمم، ففي موطأ الإمام مالك بسند مرسل: (أن رسول الله، ﷺ، أُرِيَ أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته، ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر.
فالفائزة من فازت بتلك الليلة, وحصلت على عظيم الثواب والأجر، وغُفر لها ما تقدمن من الذنب.
فهذه الليلة المباركة: أرجى ما تكون في العشر الأواخر، وهي في الأوتار منها آكد، لما ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «التمسوها في العشر الأواخر، في الوتر». وهي أرجى ما تكون في ليلة سبع وعشرين، وهو قول أكثر الصحابة – رضوان الله عليهم - وجمهور العلماء، فقد كان أُبي بن كعب – رضي الله عنه - يحلف بالله أنها ليلة سبع وعشرين.
فضل الصدقة في رمضان
عن عدي بن حاتم أن النبي ﷺ قال: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه, فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه, فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه, فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار, ولو بشق تمرة» [متفق عليه].
ففضل الصدقة عظيم عند الله، فهي دليل صِدق الإيمان "والصدقة برهان"، كما أنها تُطفئ غضب الرحمن سبحانه وتعالى. وفي شهر الصوم ينبغي أن تُضاعف الصدقات؛ اقتداء برسول الله ﷺ، الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كما في حديث ابن عباس.
فائدة:
إنما كان جوده ﷺ في رمضان خاصة مُضاعفا، لأسباب ثلاثة:
1- لمناسبة رمضان، فإنه شهر تُضاعف فيه الحسنات، وتُرفع الدرجات، فيتقرب العباد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات.
2- لكثرة قراءته ﷺ للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة تحث على الإنفاق في سبيل الله، والتقلل من الدنيا، والزهد فيها، والإقبال على الآخرة، فيكون في ذلك تحريك لقلب القارئ نحو الإنفاق في سبيل الله تعالى.
وحري بكل من يقرأ القرآن يُكثر من الصدقة في سبيل الله.
3- لأنه ﷺ كان يلقى جبريل – كما تقدم - في كل ليلة من رمضان، ولقاؤه إياه هو من مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان، وتحث الإنسان على الطاعات، كان النبي ﷺ يُكثر من الصدقة في رمضان. [دروس رمضان ووقفات للصائمين].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.