الصوم دنيا ودين
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الصوم دنيا ودين
مقدمة
الحمد لله الذي فرض علينا الصيام لنكون أتقياء فقال تعالى:" يا أيها الذين امنوا كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة: 183) و الصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء الذي حكى عن ربه في شأن الصيام قوله تعالى " كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به و الصيام جُنَّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم. إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه" (متفق عليه).
و الصلاة و السلام على آله الطيبين و صحابته المكرمين ومن سار على سنته إلى يوم الدين... وبعد.
فإن شهر رمضان المبارك موسم عبادات متنوعة من صيام وقيام وتلاوة قرآن و صدقة وإحسان وذكر ودعاء واستغفار وسؤال جنة و النجاة من النار.
فالموفق من حفظ أوقاته في ليله ونهاره و شغلها فيما يسعده ويقربه إلى ربه على الوجه المشروع بلا زيادة ولا نقصان, ومن المعلوم لكل مسلم أنه يشترط لقبول العمل الإخلاص لله تعالى. والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم, لذا يجب على المسلم أن يتعلم أحكام الصيام من أركان وشروط صحة وواجبات وما شابه و كذا يتعلم من يباح له الفطر ومن لا يباح, و ما هي آداب الصيام وحكمة مشروعيته، وما الذي يستحب للصائم أن يفعله، و ما هي الأشياء التي تفسد الصيام و يفطر بها الصائم، و ما هي أحكام القيام و غير ذلك مما يتعلق بهذه الفريضة العظيمة.
إن شهر رمضان هو شهر انتصار الإنسان بكل ما تحمل الكلمة من معنى فهو انتصار على الشيطان وانتصار على الشهوات، انتصار نفخة الروح على طين الأرض.
رمضان فرصة لتغيير شخصيتنا إلى الأفضل لتحويلها إلى شخصية ودودة أكثر اجتماعية و أكثر تديناً وأكثر تلاحماً وترابطاً مع أفراد الأسرة بل والمجتمع و الأمة بأسرها .
رمضان شهر الجود وطيب النفس وليس شهر خمول وكسل وضيق صدر وضجر, إن رمضان مِنَّةُ الله تعالى على عباده ففيه تضاعف الحسنات و تمحى السيئات وترفع الدرجات تتوجه فيه نفوس المؤمنين إلى مولاها لتحصل لها التذكية حيث" قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" (الشمس: 9-10).
إن الله عز وجل قد رغب المؤمنين في الصيام بقوله " وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون" (البقرة: 184) وأرشدهم إلى شكره على فرضه عليهم بقوله تعالى " ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون" (البقرة:185) و حببه إليهم وخففه عليهم لئلا تستثقل النفوس ترك العادات و هجر المألوفات فقال تعالى " أياماً معدودات" (البقرة: 184) و رحمهم ونأى بهم عن الحرج و الضرر فقال سبحانه وتعالى " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة: 185).
فلا عجب في أن تُقْبِل قلوب المؤمنين في هذا الشهر على ربهم الرحيم يخافونه من فوقهم و يرجون ثوابه و الفوز العظيم.
لأجل هذا كله وغيره رغبت إدارة الثقافة الإسلامية في أن تشارك في شيء من فضائل هذا الشهر المبارك فكانت هذه الرسالة الميسرة التي ترسم شيئاً من بركات هذا الشهر للناس لعل الجميع ينال منها.
فصل في خصائص شهر رمضان
لشهر رمضان خصائص كثيرة يمتاز بها عن سائر شهور السنة نذكر منها:-
أولاً: أن الله سبحانه وتعالى أنزل فيه القرآن الكريم قال سبحانه: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" (البقرة:185).
والقرآن الكريم لا شك أنه دستور هذه الأمة, وهو الكتاب المبين, والصراط المستقيم, وهو الهدى لمن تمسك به, والفاصل بين الحق والباطل, والجِدُّ ليس بالهزل.
ثانياً: تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار, وتصفد فيه مردة الشياطين وعصاتهم فلا يصلون ولا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل, مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء, وغلقت أبواب جهنم, وسلسلت الشياطين", وفي رواية:"إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة" رواه البخاري.
ثالثاً: تضاعف فيه الحسنات لحديث سلمان مرفوعاً "الفريضة فيه تعدل سبعين فريضة فيما سواه....الحديث" رواه ابن خزيمة في صحيحه "وقد سئل عليه الصلاة والسلام أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان" رواة الترمذي والبيهقي.
رابعاً: أن من فطر فيه صائماً فله مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء" رواه الترمذي وغيره.
خامساً: أن فيه أكلة السحور التي هي ميزة صيامنا عن صيام الأمم السابقة فضلاً عن كونها مباركة حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "فَصْل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" رواه مسلم.
وأمره عليه الصلاة والسلام "تسحروا فإن في السحور بركة" متفق عليه.
سادساً: كثرة نزول الملائكة فيه حيث قال تعالى:"تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" (القدر:4).
سابعاً: أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, وهي الليلة المباركة التي يكتب الله تعالى فيها ما سيكون خلال السنة فمن حُرِم أجرها فقد حُرِم خيراً كثيراً, قال تعالى"إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين, فيها يفرق كل أمر حكيم" (الدخان: 3-4)
وقال عليه الصلاة والسلام في شأن فضلها: "فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" رواه أحمد والنسائي.
وقد بين عليه الصلاة والسلام أن من قامها إيماناً واحتساباً نال الغفران حيث قال "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه وقال: "من قامها ابتغاءها, ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" رواه احمد.
ثامناً: أن العمرة فيه تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: "عمرة في رمضان تعدل حجة" أو قال "حجة معي".
تاسعاً: أنه سبب من أسباب تكفير الذنوب والخطايا قال عليه الصلاة والسلام : "الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" رواه مسلم.
عاشراً: أن فيه صلاة التراويح حيث يجتمع المسلمون رجالاً ونساءً في بيوت الله تعالى لأدائها. فضلاً عن حصول الغفران بفعلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قام رمضان إيماناً واحتساباً, غُفِر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
الحادي عشر: أن رغبة الناس في فعل الخير فيه تكون أكثر وهذا مشهد ملحوظ حيث يقبل الناس على المساجد وقراءة القرآن والذكر والصدقة وفعل الطاعات ولقد كان النبي جواداً وكان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان كما ثبت ذلك عنه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان" متفق عليه.
الثاني عشر: أنه الشهر الذي اختصه الله تعالى لنفسه حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" متفق عليه.
الثالث عشر: يبشر الصائم كل يوم في نهاية صيامه ببشرى تفرحه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه" متفق عليه.
الرابع عشر: خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك لقوله صلي الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" متفق عليه.
الخامس عشر: تأكد مشروعية الاعتكاف فيه حيث كان النبي صلي الله عليه وسلم"يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً" رواه البخاري.
فصل في حكمة مشروعية الصيام
على ضوء الحكمة العامة للتشريع وهي ربط الخالق بالمخلوق, وإعداد الإنسان لتحقيق خلافته في الأرض بالأخلاق الشخصية والاجتماعية, يمكن توضيح الحكمة من الصيام فيما يأتي:
أولاً: الصيام فيه تقديم رضا الله سبحانه وتعالى على النفس, وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب, وبالوجود النوعي بالامتناع عن الشهوة الجنسية ابتغاء وجه الله وحده الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات, ومن هنا كان ثوابه عظيماً, يوضحه ويبين علته قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم يضاعف, الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" متفق عليه.
· وفي الصوم إحساس بنعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يُحْرَم منها ونفسه تائقة إليها, فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في فترة الصيام.
· وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية, ونعمة الهداية المحمدية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك بها "لعلكم تشكرون" (البقرة: 185).
· وفي فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يُرَدّ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم, الصائم حتى يفطر أو حين يفطر, والإمام العادل, ودعوة المظلوم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان.
· ولعل مما يشير إلى الإغراء في الصيام توسط قوله تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" (البقرة: 185) بين آيات الصيام.
ثانياً: في الصيام تخليص للإنسان من رق الشهوة والعبودية للمادة, وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها, وإشعار الإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيشون معهم. وهذا جهاد شاق يعوّد الصبر والتحمل ويعلم قوة الإرادة, ومضاء العزيمة, ويعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحياة بحلوها ومرها وسائر متقلباتها ليجعل منه رجلاً كاملاً في عقله وقلبه وجسمه, يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة.
وقد شر ع النبي صلى الله عليه وسلم الصوم علاجاً لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج ففي الحديث: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" متفق عليه.
والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جنة قوية تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم" متفق عليه.
والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيرها الغرائز.
والصيام أيضاً يعوّد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب, وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه, ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق.
إن الصيام إلى جانب ما فيه من صحة النفس فيه صحة البدن أيضاً وقد أسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها الصحية.
والصوم يعوّد النظام والتحري والدقة, وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معين وحرمة الإفطار قبل حلول موعده قال تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (البقرة: 187).
كما أن في الصيام الصادق اقتصاداً وتوفيراً يفيد منه الصائم, وتفيد أسرته, وتفيد الأمة.
ثالثاً: الجوع والعطش حين يحس بهم الصائم تتحرك يده فتمتد بالبر والخير للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش, ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر, وكانت شعيرة يوم العيد هي زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التي تلقاها في شهر رمضان, ولهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم.
والصيام الكامل عن كل المشتهيات يكف الإنسان عن الكذب والزور وسائر المحرمات وفي الحديث: "ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.
والصيام يعود الإخلاص في العمل ومراقبة الله في السر والعلن, وإذا كان هذا طابع الإنسان في كل أحواله أتقن عمله وأنجز ما يوكل إليه من المهمات على الوجه الأكمل, وعف عن الحرام أياً كان نوعه, وعاش موفقاً.
فصل في آداب الصيام
للصيام آداب كثيرة حثت عليها الشريعة, ودعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وعمل بها الصحابة الكرام والسلف الصالح رضوان الله عليهم جميعاً نذكر منها:
أولاً: التزام السمت الحسن, وضبط النفس واستعمال السكينة, وإظهار الخُلُق الكريم في التعامل مع الخَلْق وفي هذا يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم" (متفق عليه).
حيث واحدةتذكيراً لنفسه والأخرى تذكيراً لخصمه, كما أن ذلك مقياس لدرجه تأثير الصوم فيه.
ثانياً: الحرص على اجتناب جميع المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب والفحش من القول أو الفعل والنظر المحرم وغير ذلك من المنهيات فربما ذهب بأجر صيامه كله وقد قال عليه الصلاة والسلام: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع" رواه بن ماجه بسند صحيح, وقال أيضاً: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث" رواه البخاري, والرفث هو الوقوع في المعاصي بالمفهوم الشامل للكلمة, وقال أيضاً: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.
ثالثاً: الجود بالعلم والمال والجاه والبدن والخلق من أسباب دخول الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...وكان أجود ما يكون في رمضان..الحديث" رواه البخاري.
رابعاً: الجمع بين الصيام والإطعام لأن هذا من أسباب دخول الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام والآن الكلام, وتابع الصيام, وصلى بالليل والناس نيام" رواه أحمد وابن خزيمة.
وقد آثر عدد من السلف –رحمهم الله- الفقراء على أنفسهم بطعام إفطارهم, منهم عبد الله بن عمر, ومالك بن دينار, وأحمد بن حنبل, وغيرهم وكان عبد الله بن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.
خامساً: عدم الإكثار من الطعام والشراب وأنواع الملذات التي عادة ما تكون في رمضان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه" رواه الترمذي. فالعاقل هو الذي يأكل ليحيا لا أن يحيا ليأكل, وإن خير المطاعم ما استُخْدمِت, وشرها ما خدمت, وقد انغمس كثير من الناس في صنع أنواع الطعام, وتفننوا في الأطباق حتى ذهب ذلك بوقت ربات البيوت والخادمات وأبعدهن عن العبادة وصار ما ينفق من أموال على الأطعمة أضعاف ما كان ينفق في العادة وأصبح الشهر شهر التخمة والسمنة وأمراض المعدة ونتج عن ذلك الكسل عن صلاة التراويح حتى إن بعضهم يخرج من أول ركعتين فيضيع على نفسه خيراً كثيراً.
سادساً: الحرص على السحور وتأخيره لأن بعض الناس يسهر حتى وقت متأخر من الليل ثم ينام فلا يستطيع القيام للسحور, وبعضهم يتناول سحوره قبل أن ينام مبكراً في ذلك , وكل هذا وإن كان مباحاً إلا أنه خلاف توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "تسحروا فإن في السحور بركة" رواه البخاري, وقال أيضاً: "لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر وأخروا السحور" رواه البخاري وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى التسحر بالتمر في حديثه الذي يقول فيه "نعم سحور المؤمن التمر" رواه أبو داود.
سابعاً: تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" البخاري.
ويستحب الفطر على رطبات فإن لم يجد رطبات فتميرات فإن لم يجد فحسوات من ماء ويكون هذا قبل الصلاة لحديث الترمذي "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم تكن رطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء".
ويستحب له أن يقول بعد إفطاره ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" رواه أبو داود.
ثامناً: تهيئة الأجواء العامة والنفوس للعبادة والإسراع إلى التوبة والإنابة, والفرح بدخول الشهر وإتقان الصيام والخشوع في التراويح وعدم الفتور في العشر الأواسط, وتحري ليلة القدر, ومواصلة ختمة بعد ختمة مع التباكي والتدبر, وعمرة رمضان تعدل حجة, والصدقة في الزمان الفاضل مضاعفة والاعتكاف في رمضان مؤكد.
فصل في الصيام وانخفاض المزاج
إن من أسباب تعكر مزاج بعض الصائمين وانخفاض معنوياتهم عند الصيام هو وجود قدر من القلق النفسي لديهم, والخوف الغامض من أن يعانوا من امتناعهم عن الطعام والشراب, وأن عليهم الانتظار إلى المغرب, وهذا القلق ينبغي ألا يكون, خاصة إن علم أنه يستطيع أن يفطر متى بلغ به الجهد حداً لا يطيقه وله أن يفطر إن أصابه من الألم أو المرض ما يستلزم تناوله للأدوية سواء منها المسكنة للألم أو المعالجة للداء والرخصة قائمة, والصائم حُرٌّ في الأخذ بها طالما أن مرضه لا يشكل ضرراً على صحته, فما جعل الله تعالى علينا في الدين من حرج, وما دام الأمر كذلك فلا يقلق الإنسان من الصيام ولا من عواقبه وليستعن بالله تعالى.
ومن أسباب تعكر المزاج أيضاً والكسل أن بعض الصائمين أيضاً يقضون الليل في السمر واللهو والأكل والشرب حتى إذا اقترب الفجر تسحروا وناموا, فما تبقى لهم من الليل وحتى موعد الذهاب للعمل لا يكفيهم لاستعادة نشاطهم فيذهبون إلى أعمالهم مرهقين, وتكون ساعات العمل بالنسبة لهم شاقة ومزعجة وذلك نتيجة لنقص النوم لا لوجود الصيام.
ومن أسباب تعكر المزاج أيضاً ضعف استحضار أجر الصائمين وغياب الاحتساب عند بعضهم نظراً لتعودهم على الحصول الفوري على الأجر وهذا غير موجود من وجهة نظره في الصيام, بل إنه يجد أنه يدفع ولا يأخذ فيجد العمل ثقيلاً عليه, فيقوم به وهو نكد معكر غير مرتاح لا مع نفسه فقط بل مع الآخرين, وخاصة إن ترافق مع ذلك ما يسمى بعضات الجوع في المعدة الذي عادة ما يصاحبه التوتر النفسي والعصبية حيث يفسر المختصون ذلك بأن المعدة بعد أن تفرغ من الطعام الذي كان فيها ويمضي على فراغها عدة ساعات تبدأ فيها تقلصات شديدة تسمي "انقباضات الجوع" وتترافق مع الإحساس النفسي بالجوع وتكون هذه التقلصات في المعدة على أشدها مع الشباب والشابات ذوي الصحة الجيدة, حيث تكون المعدة لديهم نشيطة, وانخفاض سكر الدم يزيد من انقباضات الجوع هذه كثيراً فإذا طال جوع الإنسان صارت انقباضات الجوع مؤلمة وسميت عضات الجوع وهي تظهر عادة بعد 12 إلى 24 ساعة من آخر وجبة, وتختلف من شخص إلى آخر, أما إذا كان الجائع في مجاعة واستمر جوعه فإن عضات الجوع تبلغ أقصى مدى لها خلال 3 إلى 4 أيام ثم تضعف بالتدريج في الأيام التالية حتى وإن استمرت المجاعة, ويتلاشى معها الإحساس بالجوع.
إن الجوع هو الإحساس الذي يدعو إلى تناول الطعام, وقد وجد العلماء في الدماغ مركزاً صغيراً جداً إذا ما تنبه أحس الإنسان بالجوع وأقبل على الطعام وإذا ما حزبه المرض أو استأصله الجراح فإن الحيوان يفقد الرغبة في الطعام نهائياً ويموت جوعاً رغم أن الطعام أمامه وعليه فليست المبالغة في الجوع والعطش هي الغرض من الصوم, إنما المطلوب مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات ولو سبق هذا الامتناع وجبة جيدة تعين عليه وتخفف مشقته لما قلل ذلك من ثواب الصائم بل على العكس فإن السحور يجلب المزيد من الثواب لأنه سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
وما دمنا في دائرة الطب الرمضاني, وعادة ما يصاحب رمضان نوع من السهر خاصة في العشر الأواخر منه حيث قيام الليل فلا بأس أن نتعرف على بعض الفوائد الطبية في هذا المجال فتحت عنوان "نوم الليل ونمو الهرمونات".
يقول المختصون ما ملخصه:
لقد خلق الله النهار لننشط فيه ونبتغي من فضل الله, وخلق الليل لنسكن فيه ونهجع, والنوم نعمة من نعم الله علينا, إذ في النوم راحة لجهازنا العصبي والهضمي, لو حرم الإنسان من النوم لبضعه أيام فإن عمل الدماغ لديه يضطرب , وفي النوم ترميم لما اهترأ من جسم الإنسان كما يتم النمو خلاله أيضاً, وخاصة نوم الليل, حيث تزداد الهرمونات التي تنشط النمو والترميم أثناء الليل, وتزداد في النهار بدلاً عنها هرمونات منشطة من أجل العمل والحركة, في النهار يغلب معدل الاهتراء في الجسم معدل الترميم والبناء, قال تعالى: "هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون" (يونس: 67).
لكن الله تعالى أثنى على المتقين بأنهم كانوا قليلاً من الليل يهجعون. قال تعالى: "إن المتقين في جنات وعيون(15) آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين(16) كانوا قليلاً من الليل مايهجعون(17)وبالأسحار هم يستغفرون(18) وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" (الذاريات:15-19).
وهنا يثور في الذهن تساؤل, لقد اختار الله الليل ليكون وقت الاستغراق في العبادة لكن هل يكون ذلك على حساب صحة الإنسان العقلية؟
ونحن نعلم كم هو مفيد نوم الإنسان في الليل؟
والجواب أنه لن يكون ذلك أبداً فقد كشفت دراسات الأطباء النفسيين في السنين الأخيرة, أن حرمان المريض المصاب بالاكتئاب النفسي من النوم ليلة كاملة وعدم السماح له بالنوم حتى مساء اليوم التالي, هذا الحرمان من النوم له فعل عجيب في تخفيف اكتئابه النفسي وتحسين مزاجه, ثم أجريت دراسات أخرى فوجدوا أنه لا داعي لحرمان المريض من النوم ليلة كاملة كي يتحسن مزاجه, إنما يكفي حرمانه من نوم النصف الثاني من الليل لنحصل على القدر نفسه من التحسن في حالته: " كانوا قليلاً من الليل يهجعون(17)وبالأسحار هم يستغفرون(18)" (الذاريات: 17/18), إذن لقيام الليل والتهجد جائزة فوريه وهي اعتدال وتحسن في مزاج القائمين والمتهجدين في صحتهم النفسية.
فصل في نور الصيام
الشعر ديوان العرب, وكانت أسواق الشعر تقام في الجاهلية, وكان للرسول شعراء مشهورون منهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة, والشعر راحة للنفس, وبهجة للفؤاد خاصة في المديح حيث يجلي الحقائق بأوضح من النثر ويحرك المشاعر ويستثير العواطف ومن أجل ذلك أحببنا ألا نخلي هذا البحث من جمال الشعر، وقد اخترنا قصيدة للشاعر محمد التهامي يقول فيها:
الصوم للحيران طوق نجــاة وطريقـه الهادي إلى الجنات
وعليه معراج اليقين إلى الهدى يمـتد فوق مهـالك الشهوات
ويطهر الإنسان حـتى إنــه روح يكاد يضيء في الظلمات
ويرى على نور الحقيقة عالماً متألق الأعماق والجنبات
فيه الحياة تراجعت أدرانها وتطهرت من حمأة النزوات
وغدت كدار الخلد طيب ريحها نفس الملائك طاف بالرحمات
إن ضاقت الدنيا وقل ضياؤها ومضت مسالكها إلى العثرات
وتنوعت فيها الكروب وعبئت ترمي قلوب الناس بالحسرات
وتزيد في ليل العذاب شجونه تنساق أمواج من النكبات
وتهيل فوق النيّرات غبارها فترد نور الكون للظلمات
فإذا بخطو السائرين على اللظى يمتد في درب من الجمرات
زكي الصيام لها عزيمة صابر يمشي على رمضائها بثبات
* * * * *
يسعى ويؤمن أن ربك قـادر والنصر بالصبر الجميل موات
مهما طوانا الليل في أعماقـه فالفجر منتظر على العتبات
ولنا بموصول الكفاح خلاصنا يـأتي بما نبغيه من ثمرات
وصيامنا يحيي موات حياتنـا ويدق نبض الروح في العزمات
ويضيء في كل الدروب علامة تهدي بها ما اعوج من خطوات
ويعيد في غبش الحياة بريقهـا لتـرى وتمعن صادق النظرات
فتهم تكتسح الطريق وتستـوي تطوي الذي قد فات من وقفات
يارب في ألق الصيام ونـوره وطهـارة الأنفاس في الصلوات
أدعوك من قلب لفرط صفائــه تـــتطهر الدعوات بالعبرات
ومما قيل في ليلة القدر قصيدة للشاعر عبد الرحمن البجاوي يقول فيها:
ليلة القدر
يا ليلة القدر طوفي ملء دنيانــا وكبري في رحاب الكون إعلانا
وهللي فَرِحةً بالنور منطلقــــاً وَحْـياً يضيء هذي النفس إيمانا
وأذني في ليالي العشر مشرقــة فطـالما اشتاقت الأرواح ريحاناً
في موسم الخير يهمي في جوانحنا فيـضاً ترقرق حتى فاض هتانا
وعانقي مهجة ظمأى لمعرفـــة لمّا تزل في ضمير الغيب كتمانا
تسامقت في معاني النور موقنــة إن الحـروف تزيد العقل تبيانا
ولم تزل تتحدى العلم مؤتلقـــا إذ رام بـين قضاء الله "كيوانا"
سبحان من جعل الآيات معجـزة لأحــمد الخير إذ واتته قرآنا
ونودي: اقرأ, فلبت كل خافقــة وجـاء "جبريل" بالآيات برهاناً
في ليلة قدّر الخلاق طلعتـــها فضـوّأ الأفق للساعين شكرانا
واستيقظ الكون لما طاف طائفـها وظل يرجو من الرحمن غفرانا
فكم تمزق أبنائي, وما برحــوا يكــيد بعضهمو للبعض ألوانا
وذبح الحرم الأقصى, وكم هتكت أعراضـنا, واستبد الليل طوفانا
إنا إلى الله ندعو أن يؤلفنــــا ويجمع الشمل بين الروض أفنانا
في ليلة القدر حيث العرش تحمله مــلائك لله تـسبيحاً وعرفانا
ونسأل العون في عصر تحركـه أطماع باغين مـا لانوا لشكوانا
ولن نمل دعاء الله ناصـــرنا في ليلة القدر حيث النور وافانا
فصل في بعض المسائل من فقه الصيام المسافر:
- يشترط للفطر في السفر: أن يكون المسافر سيقطع مسافة الفطر وهي على خلاف بين أهل العلم محصورة ما بين الثمانين كيلومتر أو ما يعتبره العرف سفراً.
- وأن يجاوز البلد وما اتصل من بنائها حقيقة أو حكماً "كمطار مثلاً" وقد منع أهل العلم الإفطار قبل مغادرة البنيان, وذهب بعض السلف إلى جوازه ما دام قد تجهز وعقد النية وشرع فيه.
- وألا يكون سفره في معصية, فإن كان سفر معصية فلا حق له في الرخصة عند جمهور أهل العلم.
- وألا يكون قد قصد بسفره التحايل على الفطر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه.
- ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة سواء كان قادراً على الصيام أم عاجزاً, وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق, بحيث لو كان مسافراً في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر.
- ومن عزم على السفر في رمضان فإنه لا ينوي الفطر حتى يسافر لأنه قد يعرض له ما يمنعه من السفر.
- وإذا غربت الشمس فأفطر على الأرض ثم أقلعت الطائرة فرأى الشمس لم يلزمه الإمساك لأنه أتم صيام يومه كاملاً فلا سبيل إلى إعادته للعبادة بعد فراغه منها.
- أما إذا أقلعت الطائرة قبل غروب الشمس وأراد إتمام الصيام أي صيام ذلك اليوم في السفر فلا يفطر إلا إذا غربت الشمس في المكان الذي هو فيه في الجو.
- ومن وصل إلى بلد ونوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام وجب عليه الصيام عند جمهور أهل العلم وعليه إتمام الصلاة.
- ومن ابتدأ الصيام وهو مقيم ثم سافر أثناء النهار جاز له الفطر لأن الله تعالى جعل مطلق السفر سبباً في الرخصة بقوله تعالى: "ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة: 185).
- ويجوز أن يفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه كالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين وأصحاب سيارات الأجرة والطيارين والموظفين ولو كان سفرهم يومياً وعليهم القضاء.
- وإذا قدم المسافر أثناء النهار ففي وجوب الإمساك عليه خلاف مشهور بين العلماء, والأحوط له أن يمسك حرمة للشهر لكن عليه القضاء أمسك أو لم يمسك.
- وإذا ابتدأ الصيام في بلد وسافر إلى بلد صاموا قبلهم أو بعدهم فإن حكمه حكم من سافر إليهم فلا يفطر إلا بإفطارهم حتى وإن زادوا عن ثلاثين يوماً لقوله صلى الله عليه وسلم: "الصوم يوم تصومون والإفطار يوم تفطرون" رواه أصحاب السنن.
- وإن نقص صومه عن تسعة وعشرين يوماً فعليه إكماله بعد العيد إلى تسعة وعشرين يوماً لأن الشهر الهجري لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.
المريض:
- كل مرض خرج به الإنسان عن حد الصحة يجوز أن يفطر به, والأصل في ذلك قوله تعالى: " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة: 185).
- أما الشيء الخفيف كالسعال والصداع فلا يجوز الإفطار بسببه.
- وإذا أغمي على الصائم أثناء النهار ثم أفاق قبل الغروب أو بعده فصيامه صحيح, ما دام أصبح صائماً, وإذا طرأ عليه الإغماء من الفجر إلى المغرب فالجمهور على عدم صحة صومه, أما قضاء المغمى عليه فهو واجب عند جمهور العلماء مهما طالت مدة الإغماء.
- ومن أرهقه جوع مفرط أو عطش شديد وخاف على نفسه الهلاك أو ذهاب بعض الحواس بغلبة الظن لا الوهم أفطر وقضى لأن حفظ النفس واجب ولا يجوز الفطر لمجرد الشدة المحتملة أو التعب أو خوف المرض متوهماً.
- وأما أصحاب المهن الشاقة لا يجوز لهم الفطر وعليهم نية الصيام من الليل فإن كان يضرهم ترك الصنعة وخشوا على أنفسهم التلف أثناء النهار ولحق بهم مشقة عظيمة اضطرتهم إلى الإفطار فإنهم يفطرون بما يدفع المشقة ويمسكون إلى الغروب-لحرمة اليوم- ثم يقضون بعد ذلك. وليست امتحانات الطلاب عذراً يبيح الفطر في رمضان, ولا يجوز طاعة الوالدين في الإفطار لأجل الامتحان لأنه طاعة في معصية, ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
- وأما المريض الذي يرجى برؤه فيفطر وعليه القضاء ولا يجزئه الإطعام, وأما المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه, وكذا الكبير العاجز يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من قوت البلد "أي ما يعادل كيلو ونصف تقريباً من الأرز" ويجوز أن يجمع الفدية فيطعم المساكين في آخر الشهر, ويجوز أن يطعم مسكيناً كل يوم.
- والمريض الذي ينتظر الشفاء فأفطر ثم مات أثناء مرضه وقبل أن يتمكن من الإطعام فليس عليه ولا على أوليائه شيء.
- ومن مرض ثم شفي وتمكن من القضاء فلم يقض حتى مات أخرج من ماله طعام مسكين عن كل يوم, وإن رغب أحد أقاربه أن يصوم عنه صح ذلك لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه".
الكبير والعاجز والهرم
العجوز والشيخ الفاني الذي فنيت قوته وأصبح كل يوم في نقص إلى أن يموت لا يلزمهما الصوم ولهما أن يفطرا ما دام الصيام يجهدهما ويشق عليهما, وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول في قوله تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" (البقرة: 184).
ليست بمنسوخة, هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً. رواه البخاري.
وأما من سقط تمييزه وبلغ حد الخرف فلا يجب عليه ولا على أهله شيء بسقوط التكليف, فإن كان يميز أحياناً ويهذي أحيانا وجب عليه الصوم حال تمييزه ولم يجب حال هذيانه.
ومن كان سبب فطره ظاهراً كالمرض فلا بأس أن يفطر ظاهراً ومن كان سبب فطره خفياً كالحائض فالأولى أن يفطر خفية خشية التهمة.
من أحكام الصيام للمرأة
- المرأة الشابة التي بلغت فخجلت وكانت تصوم أيام عادتها فهي آثمة وعليها التوبة وقضاء الأيام التي صامتها أثناء حيضها خجلاً.. وإن زعمت أنها لا تعرف عدد الأيام التي تركتها على وجه التحديد صامت حتى يغلب على ظنها أنها صامت الأيام التي حاضت فيها ولم تقضها وفي وجوب إخراج كفارة التأخير خلاف عند أهل العلم.
- ولا تصوم الزوجة غير رمضان وزوجها حاضر إلا بإذنه.
- الحائض إذا رأت القصة البيضاء –وهو سائل أبيض يدفعه الرحم بعد الحيض- التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت تنوي الصيام من الليل وتصوم, وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه فإن خرج نظيفاً صامت, فإذا رجع دم الحيض أفطرت ولو كان دماً يسيراً أو كدرة فإنه يقطع الصيام ما دام قد خرج في وقت العادة.
- وان استمر انقطاع الدم إلى المغرب وكانت قد صامت بنية من الليل صح صومها, والمرأة التي أحست بانتقال دم الحيض ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس صح صومها وأجزأها يومها.
- والحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلاً فنوت الصيام ثم طلع الفجر قبل اغتسالها فمذهب العلماء كافة صحة صومها.
- والمرأة التي تعرف أن عادتها تأتيها غداً تستمر على نيتها وصيامها ولا تفطر حتى ترى الدم.
- ودم الاستحاضة لا يؤثر في صحة الصوم.
- وإذا أسقطت الحامل جنيناً متخلقاً أو ظهر فيه تخطيط لعضو كرأس أو يد فدمها دم نفاس.
- أما إذا كان ما سقط علقة أو مضغة لحم لا يتبين فيه شيء من خلق الإنسان فدمها دم استحاضة وعليها الصيام إن استطاعت وإلا أفطرت وقضت وكذلك إن صارت نظيفة بعد التنظيف صامت.
- والنفساء إن طهرت قبل الأربعين صامت واغتسلت للصلاة ،فإن رجع إليها الدم في الأربعين أمسكت عن الصيام لأنه نفاس، وإن استمر بها الدم بعد الأربعين نوت الصيام واغتسلت –عند جمهور أهل العلم- وتعتبر ما استمر استحاضة إلا إن وافق وقت حيضها المعتاد فهو حيض.
- والمرضع إذا صامت بالنهار ورأت في الليل نقطاً من الدم وكانت طاهرة بالنهار فصيامها صحيح.
- الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض فيجوز لهما الإفطار وليس عليهما إلا القضاء سواء خافتا على نفسيهما أو ولديهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع على المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم" رواه الترمذي.
- والحامل إذا صامت ومعها نزيف فصيامها صحيح ولا يؤثر على صحة صيامها.
- المرأة التي وجب عليها الصوم إذا جامعها زوجها في نهار رمضان برضاها فحكمها حكمه على قول بعض أهل العلم, وأما إن كانت مكرهة فعليها الاجتهاد في دفعه ولا كفارة عليها.
- ولا يشترط لقضاء الصيام الواجب على المرأة إذن الزوج.
- وإذا شرعت المرأة في قضاء الصيام الواجب فلا يحل لها الإفطار إلا من عذر شرعي, ولا يحل لزوجها أن يأمرها بالإفطار وهي تقضي وليس له أن يجامعها وليس لها أن تطيعه في ذلك.
- والأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها وترضى بما كتب الله عليها ولا تتعاطى ما تمنع به الدم وتقبل ما قبل الله منها من الفطر في الحيض والقضاء بعد ذلك وهكذا كانت أمهات المسلمين ونساء السلف.
- بالإضافة إلى أنه قد ثبت بالطب ضرر كثير من هذه الموانع, وابتليت كثير من النساء باضطراب الدورة بسبب ذلك, فإن فعلت المرأة وتعاطت ما تقطع به الدم فارتفعت وصارت نظيفة وصامت أجزأها ذلك.