وصايا مهمة للحجاج
التصنيفات
- فقه >> العبادات >> الحج والعمرة فضائل وأحكام >> صفة الحج
المصادر
الوصف المفصل
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وصايا مهمة للحُجَّاج"، والتي أعطى فيها بعض النصائح النافعة والمهمة لكل حاجٍ ومُعتمرٍ وزائرٍ، مُقدِّمًا لذلك بذكر بعض فضائل الحج، ثم أشاد في ختام خطبته بجهود المملكة العربية السعودية في خدمة الحُجَّاج وتيسير جميع الإمكانات التي بدورها تُعين الحاج على إكمال حجه، وإتمام نُسُكه.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه، أحمده حمدًا لا انقطاع لراتبه، ولا إقلاع لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سميعٌ لراجيه، قريبٌ ممن يُناجيه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله أتمُّ البرية خيرًا وفضلاً، وأطيبهم فرعًا وأصلاً، وأعلاهم منزلةً وأجرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه حبل الهدى وينبوع التقى، صلاةً تبقى وسلامًا يَتْرَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله فإن تقواه أفضل مُكتسب، وطاعته أعلى نسب.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
جعل الله الكعبة البيتَ الحرام قيامًا للناس ومثابة، وجعله لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قبلة، حرمُ الله الذي أوسعه كرامةً وبهاءً، وعظمةً وقداسةً وجلالاً، وها هم حُجَّاج بيت الله الحرام، وقد تكاملت وفودهم، واجتمعت حشودهم، الإيمان يحدوهم، والشوق يدعوهم، يؤمُّون البيت العتيق، ويُلبُّون من كل فجٍّ عميق، ويثوبون من كل ناحيةٍ وطريق، ويأتون من كل طرفٍ سحيق، يرجون ما عند الله من الثواب، قد سعوا لكرمه، ونزلوا بحرمه، وهو الكريم الوهاب، الرحيم التواب، لا يُخيِّب من رجاه، ولا يرُدُّ من دعاه.
الحُجَّاج والعُمَّار وفد الله، دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم، والحجُّ يهدِم ما قبله، ومن حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كما ولدَتْه أمه، والحجة المبرورة ليس لها ثوابًا إلا الجنة، وما من مُلبٍّ يُلبِّي إلا لبَّى ما عن يمينه وشماله من حجرٍ أو شجرٍ أو مَدَر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا.
ومن طاف بالبيت وصلَّى ركعتين كان كعتق رقبة، ومن طاف بالبيت أسبوعًا - أي: سبعة أشواط - لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه خطيئة، وكتب له بها حسنة، ومسح الحجر والركن اليماني يحُطُّ الخطايا حطًّا.
وأخرج ابن حبان والبيهقي والطبراني، وحسَّنه في "صحيح الجامع" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً من الأنصار سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما له في حجِّه من الثواب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما خروجك من بيتك تؤمُّ البيت الحرام؛ فإن لك بكل وطأةٍ تطؤها راحلتُك يكتبُ الله لك بها حسنة، ويمحو عنك سيئة، وأما وقوفك بعرفة؛ فإن الله - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا فيُباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا من كل فجٍّ عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي، ولم يروني،فكيف لو رأوني. فلو كان عليك مثل رمل عالجٍ أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك، وأما رميُك الجمار؛ فإنه مذخورٌ لك، وأما حلقُك رأسك؛ فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طُفتَ بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدَتْك أمك».
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ما أعظمه من تكريم، وما أجلَّه من ثوابٍ عظيم.
أيها الحُجَّاج والعُمَّار والزوَّار:
العقيدة جمَعَتكم، ولُحمة الدين نظَمَتكم، فتراحموا وتعاطفوا وتعاونوا، ولا تدافعوا، ولا تزاحموا، ولا تقاتلوا، ارحموا الضعيف، وأرشدوا الضال، وساعدوا العاجز المحتاج،عليكم بالطمأنينة والتأني، والوداعة والوقار، والخشوع والسكينة، واسألوا عما أشكل، واستفتوا عما أقفل، فإنما شفاء العِيِّ السؤال، وصونوا حجَّكم عما لا يليق به من البدع والخرافات والمُحدثات، ولا تمحنوا لأموات، ولا ترجوا شفاءً من رُفات، ولا تتبرَّكوا بجدارٍ أو باب، ولا تتمسَّحوا بمنبرٍ أو محراب، وجانِبوا المعاصي والآثام، وحاذِروا السباب والتنابز بالألقاب، وإياكم والجدال والمراء والمُلاحاة، والمنازعة والتلاسُن والخِصام، واللَّظَى من الكلام، وأكثِروا من التوبة والاستغفار، وأظهِروا التذلُّل والانكسار، والندامة والافتقار، والحاجة والاضطرار؛ فإنكم في مساقط الرحمة، ومواطن القبول، ومظِنَّات الإجابة والمغفرة والعتق من النار.
تذكَّروا جلالة المكان، وشرف الزمان، تلقَّى الله دعاءكم بالإجابة، واستغفاركم بالرضا، وحجَّكم بالقبول، وجعل سعيكم مشكورًا، وذنبكم مغفورًا، وحجَّكم مبرورًا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
يوم عرفة يومٌ شريف كريم، وعيدٌ لأهل الموقف عظيم، يومٌ تُعتق فيه الرقاب، يومٌ تُسمع فيه الدعوات وتُجاب، يومٌ كثُر خير الله فيه وطاب، وما من يومٍ أكثر من أن يُعتِق الله - عز وجل - فيه عدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟
وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، فأكثِروا فيه من الابتهال والدعاء، والتضرُّع والثناء، وأظهِروا الرغبة والإلحاح والاضطرار، وحاذِروا فيه قُربان الذنوب والأوزار.
ويُستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج بها، وصيامه يُكفِّر السنة الماضية والباقية.
ويُستحبُّ التكبير عقِب الصلوات المفروضات من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، والمسبوق ببعض الصلاة يُكبِّر إذا فرغ من قضاء ما فاته، ويُكبِّر الحُجَّاج ابتداءً من صلاة الظهر يوم النحر.
أيها الحُجَّاج والعُمَّار والزوَّار:
المملكة العربية السعودية جزيرة الإسلام، ودار السلام، وموطن السنة، ومأرِز الإيمان، شرَّفها الله بخدمة الحرمين الشريفين، والمدينتين المُقدستين، ورعاية الحجيج، وقد قامت بفضل الله ومنته بجميع الإمكانات والخدمات لراحتكم وكمال حجِّكم ونُسُككم، فالتزموا - رعاكم الله - بالأنظمة والتعليمات، والنصائح والإرشادات، وكونوا عونًا لرجال الأمن والعاملين في القطاعات الخدمية في الحج، واعلموا أن الالتزام بالنظام في الحج واجبٌ شرعي، ومطلبٌ ديني لا يجوز الإخلال به أبدًا.
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون من جنِّه وإنسه -، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على نبينا وسيدنا محمد بشير الرحمة والثواب، ونذير السطوة والعقاب، الشافع المُشفَّع يوم الحساب، اللهم وارضَ عن جميع الآل والأصحاب، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا كريم يا وهاب.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، وأصلِح له بطانته يا رب العالمين.
اللهم واجزِ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده ونائبه الثاني خير الجزاء وأوفاه على ما يقومون به من أعمال جليلةٍ عظيمة لخدمة الحرمين الشريفين، والمشاعر المُقدَّسة، وحُجَّاج بيت الله الحرام.
اللهم وفِّق رجال الأمن والعاملين في الحج وأعِنهم وسدِّدهم واجزهم خير الجزاء يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وادفع عنا شر الكائدين، ومكر الماكرين، وعدوان المعتدين يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا قوي يا عزيز، يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، يا قوي يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم احفظ الحُجَّاج والزوَّار والمُعتمرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والزوَّار والمُعتمرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والزوَّار والمُعتمرين، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم حقِّق لهم من الآمال مُنتهاها، اللهم حقِّق لهم من الآمال أعلاها، ومن الخيرات أقصاها، واجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا يا رب العالمين.
اللهم أعِدهم إلى ديارهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أنت المدعوّ بكل لسان، المقصود في كل آن، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم اسقِنا غيثًا مُغيثًا، وحَيًا ربيعًا، وجَدًا مُطبِقًا، غدَقًا مُغدِقًا مُونِقًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا مُرتِعًا مُربِعًا، سائلاً مُسبِلاً مُجلِّلاً، دَيْمًا درورًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير رائف.
اللهم أنزِل في أرضنا زينتها، وأنزِل علينا في أرضنا سكَنَها، اللهم اسقِنا الغيث، اللهم اسقِنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم جُد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضَّل علينا بغيثك وامتنانك.
اللهم لا تردنا خائبين، وأنت الغني عن العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.