إغاثة الملهوف
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام.. مانح المواهب العظام.. والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام.. وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام.. وبعد:
أخي المسلم: إن للمكارم أبوابًا لا يلجها إلا أولئك الموفقون.. الذين فعل المحاسن عندهم ألذ من الماء البارد! وعكس هؤلاء؛ أولئك الذين فعل المكارم عندهم؛ كنقل جبل من مكانه!!
فهنيئًا لأولئك الذين ارتفعت هممهم.. حتى غدا فعل الجميل عندهم من أكبر الأشغال! فاكتسبوا بذلك رضا الله تعالى، وحسن الخلق..
فيا طالب الخيرات.. ويا ملتمس المنازل الساميات.. هلا وقفت معي عبر هذه الصفحات عند هذا الخلق الفريد؟!
إنه: (إغاثة المهلوف) و (إنعاش المكروب) و (إغاثة أهل الحاجات).
** الفرصة الغالية! **
أخي المسلم: ما إن يطلع فجر اليوم الجديد حتى تجتمع تلك الأفكار: كيف سيكون رزق هذا اليوم؟!
ما هو نصيبي في يومي هذا؟!
لا شك أن الناس يتفاوتون في تحصيل أرزاقهم.. فبينما تجد هذا يكدح، ويكد يومه كله؛ فتجده لا يحصل إلا ما يسد رمقه!
وتجد آخر: قليل الكد، ومع هذا يفيض ما يجده عن حاجته بقليل..
ونجد آخر: ساكنًا.. لا يكد، ولا يسيل له عرق؛ ومع هذا تجده غارقًا في الرزق الوفير! فسبحان الله مقسم الأرزاق!
فكم له من حكمة في ذلك؛ لا يدرك حقيقتها هذا الإنسان.. الضعيف.. العجول..
أخي المسلم: تصور نفسك محتاجًا.. ضعيفًا.. مهمومًا.. فأتاك من سد حاجتك، وأذهب ضعفك، وأدخل السرور في قلبك؛ فقل لي: كيف ستكون منزلته عندك؟!
جواب يعرفه كل عاقل!
أخي المسلم: أولئك هم الذين أسعدهم الله تعالى بقضاء حاجات العباد.. وإغاثة ملهوفهم.. والإحسان إلى ضعيفهم..
فما أغلاها من فرصة.. وما أعلاها من درجة.. وما أسعدهم ببشارة نبيهم ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دينًا». [رواه أبو الشيخ في الثواب/ صحيح الترغيب للألباني: 955].
وما أروع الحسن البصري رحمه الله، يوم أن قال: (لأن أقضى حاجة لأخي أحب إلي من عبادة سنة!).
ولم أر كالمعروف أما مذاقه | فحلو وأما وجهه فجميل |
وقال جعفر الصادق رحمه الله: (إن الله خلق خلقًا من رحمته برحمته لرحمته؛ وهم الذين يقضون حوائج الناس، فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن).
أخي المسلم: لقد كان الصالحون من هذه الأمة؛ إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق، وإغاثة ملهوفهم؛ فرحوا بذلك فرحًا شديدًا.. وعدوا ذلك من أفضل أيامهم!
فلله درهمّ! كم شيدوا من مكارم.. وكم بذلوا من معروف..
* كان سفيان الثوري رحمه الله، ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه! ويقول: (مرحبًا بمن جاء يغسل ذنوبي!).
* وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: (نعم السائلون، يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة! حتى يضعوها في الميزان).
أخي المسلم: كيف تجد قلبك إذا سألك سائل.. أو قرع بابك ملهوف؟!
ثم أخي هل فكرت يومًأ وأنت تتناول غداءك.. أو تشرب ماء باردًا.. أو تتقلب في وثير فراشك.. هل فكرت – أصلحك الله – في جوعى لا يجدون غذاءً مثل غذائك؟! أو ظمأى لا يجدون ماء باردًا مثل مائك؟! أو مشردين لا يجدون فراشًا وثيرًا مثل فراشك؟!
فكم من عبد بسط الله له في رزقه.. ولكن المسكين نسي جوع الجائعين.. وآلام المشردين.. وجزع الثكالى المحرومين.. وأنين الضعفاء المضرورين.. وبكاء اليتامى الخائفين..
اقض الحوائج ما استطعت | وكن لهمِّ أخيك فارج | |
فلخير أيام الفتى | يوم قضى فيه الحوائج |
** إلى من أراد الأمن غدًا!! **
أخي المسلم: هل تدري منزلة أولئك الذين يعينون الضعفاء غدًا؟!
هل تدري ما وعدهم الله تعالى على لسان نبيه ﷺ؟! فلتستمع إلى هذه البشارة!
قال رسول الله ﷺ: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه...» [رواه مسلم].
أخي المسلم: أرأيت إلى تلك البشارات المتتالية؟!
فما أحوجك غدًا إلى تفريج الكربات!
وما أحوجك غدًا إلى الأمن من الفزع الأكبر!
يوم لا ظل فيه إلا ما قدمته في دنياك من صالح الأعمال!
يوم لا أمن فيه؛ إلا لمن أمنه الله تعالى!
يوم يفر المرء فيه من أهله وعشيرته!
يوم لا ينفع فيه مال ولا جاه!
في ذلك اليوم ترى أهل البر والإحسان، في ظل ظليل.. وأمن.. وحبور..
فما أسعدهم من بين أهل الموقف.. وما أربح سعيهم في ذلك اليوم!
قال رسول الله ﷺ: «من سرَّه أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فلييسر على معسر، أو ليضع عنه» [رواه الطبراني في الكبير/ صحيح الترغيب للألباني: 912].
وقال النبي ﷺ: «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام» [رواه ابن حبان/ صحيح الترغيب للألباني: 618].
فأين أنت أخي المسلم غدًا من ذلك الثواب العظيم؟!
فهل يعجزك يا طالب الحسنات؛ أن تعين محتاجًا.. أو تغيث ملهوفًا؟!
هل يعجزك أن تمسح دمعة محزون بلقمة أو ثوب تقدمهما له؟!
أخي: أما سمعت بقصة ذلك الرجل؛ الذي كان يخفف ويتجاوز عمن اقترض منه؟!
أتدري كيف كانت نهاية قصته؟! فلتسمع القصة من أصدق صادق!
قال رسول الله ﷺ: «كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله؛ فتجاوز عنه» [رواه البخاري ومسلم] وفي رواية للبخاري: «فأدخله الله الجنة!».
فتأمل – هداني الله وإياك – كيف نال هذا الرجل؛ ذاك الثواب العظيم، مع قلة عمله!
أخي: أتذكر كم من المرات تجاوزت فيها عن معسر؟! أو كم من المرات أدخلت فيها السرور على قلب مدين لك؛ قائلاً: لقد عفوت لك ديني!
أخي المسلم: هذا باب من الخير من أعانه الله عليه؛ فقد أراد به كل خير.. فاسع أن تكون من أهله.. وما ذلك بصعب على راغب في الخير!
قال رسول الله ﷺ: «من سر أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة؛ فلينفس عن معسر، أو يضع عنه» [رواه مسلم].
وأخرى أيضًا بشر بها النبي ﷺ أولئك الذين يتسامحون في أخذ ديونهم..
قال رسول الله ﷺ: «من نفس عن غريمه، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة» [رواه البغوي في شرح السنة/ صحيح الترغيب للألباني: 911].
أخي المسلم: كم هو جميل بالمسلم أن يدخل السرور في قلب أخيه؛ فيفرج عنه كربة.. أو يسد له حاجة.. أو يضع عنه دينًا، أو يعفو له عنه..
قال علي بن عبد الله بن عباس: (إن اصطناع المعروف قربة إلى الله، وحظ في قلوب العباد، وشكر باق).
وقال الزهيري: (من زرع معروفًا حصد خيرًا، ومن زرع شرًا حصد ندامة).
وقالوا: (حصاد من يزرع المعروف في الدنيا اغتباط في الآخرة).
أخي المسلم: فلتعلم أن أهل الإحسان، وإغاثة الملهوف؛ هم الناجون غدًا.. الآمنون من روعات الفزع الأكبر.
وما هذه الأيام إلا معارة | ||||
فما اسطعت من معروفها فتزود | ||||
فإنك لا تدري بأية بلدة | ||||
تموت ولا ما يُحدث الله في غد | ||||
** هكذا تكون إغاثة الملهوف! **
أخي المسلم: فلتعلم أن أرفع الناس درجة في إغاثة المحتاجين، هو: من تفقد أخاه المحتاج قبل أن يأتيه فيسأله؛ فعلى المسلم أن يتفقد حال إخوانه وجيرانه؛ ولا يكون مثل ذلك الغافل؛ الذي بات شبعان وجاره جائع!
بل إن المسلم الصادق يتفقد حال إخوانه المسلمين أينما كانوا؛ فيتألم لألمهم.. ويحزن لحزنهم.. فتجده مسارعًا إلى إعانتهم.. وتفريج كرباتهم..
وتأمل في هذه القصة؛ والتي تخبرك عن همة الصادقين في إغاثة الملهوفين..
أتى رجل صديقًا له فدق عليه الباب، فخرج الصديق، وقال له: ما جاء بك؟
قال: علي أربعمائة درهم دين.
فوزن له صديقه أربعمائة درهم، وأعطاه إياها، ثم عاد وهو يبكي!
فقالت له امرأته: لم أعطيته إذ شق عليك؟!
فقال: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلى مفاتحتي!!
فأين أنت أخي من هذه الأخلاق السامية؟!
فكم في مجتمعنا من أولئك المحتاجين الذين لا يسألون الناس، ولا يمدون أيديهم؛ عفة.. وحياءً..
فحري بأمثال هؤلاء أن يتفقدهم الناس.. ويكفونهم ذل السؤال..
وما أحسن ما قاله معمر رحمه الله: (من أقبح المعروف أن تحوج السائل إلى أن يسأل وهو خجل منك، فلا يجئ معروفك قدر ما قاسى من الحياء، وكان الأولى أن تتفقد حال أخيك وترسل إليه ما يحتاج، ولا تحوجه إلى السؤال).
ثم أخي هل تعلم أن من عباد الله من حبب إليه تفريج الكربات؛ حتى يرى أن من سأله حاجة؛ فكأنما هو المحسن إليه!
لأن صاحب الحاجة؛ سبب في جلب الأجر والثواب إليك.. فهو محسن إليك من حيث لا تشعر!
عن الفضيل بن عياض، قال: ذكروا أن رجلاً أتى رجلاً في حاجة له، فقال: خصصتني بحاجتك؛ جزاك الله خيرًا، وشكر له!.
وقيل لأبي عقيل البليغ: كيف رأيت مروان بن الحكم عند طلب الحاجة إليه؟ قال: رأيت رغبته في الإنعام فوق رغبته في الشكر! وحاجته إلى قضاء الحاجة أشد من حاجة صاحب الحاجة!.
أخي المسلم: فليكن عونك للمحتاجين؛ غايتك منه: طلب ثواب الله تعالى.. والإحسان إلى أخيك المسلم.. وتفرج كربته..
ولا تجعل همك: حب الشهرة.. أو طلب الشكر، وذكر الناس..
وإذا أقدمت على فعل المعروف بهذه النية؛ رأيت الثمرات الطيبة لإحسانك في الدنيا قبل الآخرة..
وإذا كان يوم القيامة؛ فما أعده الله تعالى من الثواب لأهل الإحسان أعظم..
** كلمات أهديها إلى كل صاحب مال **
إلى كل صاحب مال يرجو أن ينتفع بماله يوم لا ينفع مال ولا بنون!
إلى كل صاحب مال يريد الربح الباقي الدائم!
إلى كل صاحب مال يريد البضاعة التي لا تخسر!
إلى كل صاحب مال يحب أن يضع ماله في مكان أمين.. حريز لا تصل إليه الأيدي!
إلى كل صاحب مال يحب أن يكون ماله غدًا حجابًا له من النار!
إلى كل صاحب مال يحب أن لا يكون ماله غدًا حسرةً عليه!
إليك أهدي هذه الكلمات:
* فلتتق الله تعالى في مالك، ولتعلم أن هذا المال أمانة عندك؛ فإن قمت بحقه بورك لك فيه، وإلا محقت بركته، وكان وبالاً عليك يوم القيامة!
* ولتعلم أخي أن المال بلاء، وامتحان، حتى يرى الله تعالى أين تضعه؟ فلا يرين الله منك إلا ما يرضيه.
* إذا أديت زكاة مالك؛ فتلؤدها وأنت طيب النفس راضيًا.
* حاول أخي أن تعود نفسك كثرة الإنفاق والتصدق.. فإنك إن فعلت ذلك؛ فقد قدمت مالك أمامك في دار ستسر غدًا بها إذا رأيت ربح ذلك..
* أخي: إذا دخلت قبرك فلن يتبعك إلا صالح عملك.. فهل يسرك أن تأتي ربك تعالى خالي اليدين، وكان بإمكانك أن تقدم صالحًا؟!
* المال ظل زائل.. فحاول أن تجعل منه ظلاً دائمًا في يوم لا يظلك إلا عملك!
* ولتعلم أن فضل المال؛ إنما يكون إذا بذلته في وجوه الخير.. وأنفقته في الطاعات..
* أخي: لا تكن عبدًا خادمًا للمال.. ولكن اجعل المال عبدك.. وخادمك فيما تريده..
وأخيرًا أخي: حاول أن تضع أموالك دائمًا، فيما يعود نفعه على الضعفاء والمحتاجين.. ولتتحر في ذلك؛ حتى يصل مالك إلى مستحقيه..
أخي المسلم: إغاثة الملهوفين وظيفة كل مسلم؛ يبذل فيها ما يستطيع، وليس ذلك خاصًا بالأغنياء وحدهم؛ فالمسلم يحسن إلى أخيه بما يستطيعه، ولو بالكلمة الطيبة..
ووفقني الله وإخوتي المسلمين إلى سبل مرضاته.. وأعانني وإياهم على طاعاته.. وأقر أعيننا بنعيم جناته..
والحمد لله تعالى.. والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه..
* * *