×
نصيحة حول بعض المخالفات والتجاوزات التي بدت من بعض الزوجات على حين غفلة.. وتسببت في كثير من المشاكل في بعض الأسر.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    أما بعد: فإليك زوجتي أخط هذه المشكلات التي شملت مخالفات وتجاوزات بدت منك على حين غفلة.. فكانت في كثير من الأحيان تسبب قلقي وتؤرق راحتي.. وتسلب مني السكينة التي طالما وجدتها في حياتنا الزوجية.

    وما كتبت إليك هذه الشكاوى.. إلا تبصرة وتذكرة.. وتعاونًا على البر والتقوى.. وإليك ما بدا لي من أخطاء رأيتها.. من باب النصيحة ذكرها:

    أين حقي في الطاعة؟ فما عاد رأيي يحظى عندك باعتبار.. وما عدت أرى لقوامتي مكانًا في قلبك.. وكأن طاعتي وتقدير رأيي لم يوجبه عليك الشرع.. كيف ورسول الله ﷺ‬ يقول: «اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليهم، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع».

    [رواه الحاكم وانظر: السلسلة الصحيحة برقم: 288]

    فتأملي كيف قرن الله جل وعلا بين طاعة المرأة لزوجها.. وبين قبول الصلاة.. فإن في الاقتران بينهما دليل على عظم الذنب الذي تقترفه المرأة العاصية لزوجها في المعروف..

    ولست حينما أذكرك بواجب طاعتك للزوج أود أن أكون معجبًا برأيي.. أو مستبدًا.. أو طاغيًا.. كلا.. فلك علي حقوق كما لي عليك حقوق.. وما لم يتعارض حق الطاعة مع حق من حقوقك فهو واجب عليك بالإجماع.

    وتذكري أن الله جل وعلا لا يشرع لعباده إلا ما يصلح به دينهم ودنياهم.. وأنه هو سبحانه من أوجب على الزوجة طاعتها لزوجها.. وهو من أعطاه القوامة عليها.

    قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].

    والقانتات هن المطيعات لأزواجهن في المعروف.

    وروى حصين بن محصن قال: «حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله ﷺ‬ في بعض الحاجة، فقال: أي هذه أذات بعل؟ قلت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك أو نارك».

    [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي]

    وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت».

    [رواه أحمد وحسنه الألباني في " آداب الزفاف " ص686]

    وفي زماننا تسللت إلى ديارنا.. ثقافة لحرية المزعومة.. فكان من نفاثاتها وسمومها: تفلت الزوجات من قوامة أزواجهن... وفي ذلك من البلايا والمصائب ما لا يخفى على العاقل.

    فمتى كانت أحكام الشريعة تبدلها «الموضة الثقافية الزاحفة على العقول والبيوت.. وهل إذا اقتضت ثقافة الحرية المزعومة إلغاء بر الوالدين من قاموس الأحكام.. سوف تقدم على ذلك النساء أيضًا.

    وإذا كان الجواب: لا.. فإن طاعة الزوج أولى من طاعة الوالدين إذا تعارض أمر الزوج مع أمر الوالدين.

    يقول ابن تيمية رحمه الله: «{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}: يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقًا: من خدمة، وسفر معه، وتمكين له، وغير ذلك كما دلت عليه سنة رسول الله، فإن كل طاعة كانت للوالدين انتقلت إلى الزوج، ولم يبق للأبوين عليها طاعة: فتلك وجبت بالأرحام، وهذه وجبت بالعهود» [مجموع الفتاوى: 32، 160-261].

    واعلمي أيضًا.. أن خير النساء عند الله.. هي المطيعة القانتة.. والتي حينما سئل عنها رسول الله ﷺ‬ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره».

    [رواه الحاكم]

    القناعةَ القناعة: فإنما يعيب الزوجة مهما كان جمالها.. ونسبها جشاعتُها وقلة قناعتها.

    وإني لأرى في وجهك تجهمًا وفي تصرفاتك تسخطًا.. إذ لا أراك راضية عن مستوى عيشنا.. متطلعة حريصة.. شاكية سوء الأحوال.. كافرة بنعم الله جل وعلا.. ترين الكثير قليلاً.. والجليل ضئيلاً.. تنظرين إلى من فوقك لا من دونك.. وذاك هو الحرص المذموم الذي لا تذاق معه سعادة.. ولا تحلو معه عشرة.

    وإني لأذكرك بقول الرسول ﷺ‬: «لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه».

    [رواه الحاكم وهو في السلسلة الصحيحة برقم: 289]

    ثم إن الحرص وقلة القناعة من أسباب الشقاوة والتعاسة في الحياة؛ إذ القلب الحريص الذي لا قناعة فيه.. قلب فقير لا يغنيه شيء.

    قال بعض السلف: «يا ابن آدم, إذا سلكت سبيل القناعة فأقل شيء يكفيك، وإلا فإن الدنيا وما فيها لا يكفيك».

    وأحسن منه قول النبي ﷺ‬: «لو أن لابن آدم واديًا من ذهب لتمنى أن يكون له اثنان، ولن يملأ عينه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» [رواه البخاري ومسلم].

    أين أنت من تلك المرأة الصالحة التي كانت إذا هم زوجها بالخروج من بيته قالت له: اتق الله، وإياك والكسب الحرام، فإنا نصبر على الجوع والضر، ولا نصبر على النار.

    يا رب شاكرة للزوج في اليسر

    وفي البلاء تسلي الزوج بالصبر

    تبش وجنتها في كل آونة

    إذا رأته تنير البيت بالبشر

    فزوجها ملك والشعب زوجته

    والبيت مملكة الأفراح والخير

    لمن تتزينين؟! فكلما أذن مؤذن بحفلة هنا.. أو اجتماع هناك... لممت الزينة وعدتها.. وأعددت للخروج عدته.. وكأنما تزفين عروسًا لأول مرة..

    وأنا لست أنتقد إظهار النعمة في الملبس حين حضور الاجتماعات.. ما دام لا يغضب الله.. لكنني أراك مقصرة في توجيه ما تملكينه من نعمة الجمال والزينة..

    فلست مخطئًا.. ولن أكون كذلك إذا قلت: إن زوجك هو أحق بزينتك من أخواتك.. بل إن التزين له من تمام طاعته وعشرته بالمعروف.. ومما يتحقق به مقصود النكاح الذي هو تحصيل العفة.. وصون النفس عن الشهوة..

    فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله ﷺ‬ فرأى في يدي فتحتا من وَرِق [وهي خواتم كبيرة من فضة يتختم بها النساء] فقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار».

    [رواه أبو داود]

    فهذا الحديث: «فيه بيان ما كانت عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الحرص على مراعاة جانب النبي ﷺ‬، وألا يجد منها إلا كل جميل طيب، ولذا كانت تحرص على أن تتزين لرسول الله ﷺ‬ بما جرت عادة النساء أن يتزين به.

    وفي هذا تنبيه للمتزوجات أن يحرصن على التزين لأزواجهن بما أباح الله، وكان من نصيحة أم المؤمنين لامرأة سألتها عن التزين للزوج أن قالت: «أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة، وإذا أمرك فتطيعينه، وإذا أقسم عليك فأبري به ولا تأذني في بيته لمن يكره» رواه عبد الرزاق في المصنف».

    [مقتطفات من بيت النبوة/ خالد الشايع ص51]

    بيتك.. بيتك.. والاستئذان واجب: ومما يضيق به صدري.. وتتأذى منه نفسي أن أراك كثيرة الرغبة في الخروج.. لا يسعك البيت على سعته.. ولا يهدأ لك بال حتى تبارحينه إلى الخارج.

    فمرة.. لأجل كماليات تشترينها.. ومرة لأجل زيارة.. ومرة... ومرة... وفي كل الحالات لست أرى موجبًا مقنعًا للخروج.

    فليتك تعلمين أن قرار المرأة في بيتها شرف لها.. وأنها واجب عليها المكوث فيه تعبدًا لله جل وعلا.. كما أمر فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}.. وأن مبارحة البيوت لا تكون إلا لحاجة وضرورة.

    قال ابن الجوزي رحمه الله: «وينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها؛ إن سلمت من الفتنة في نفسها لم يسلم الناس منها، فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة [لا توحي بالتزين والتجمل]، وجعلت طريقها في المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق، واحترزت من سماع صوتها، ومشت في جانب الطريق لا في وسطه.

    ثم إن خروجك إلى السوق.. كما فيه مخالفة للشرع إن لم توجبه الضرورة فيه أيضًا تضييع للمال.. وتبذير للنعمة.. وتفريط في المسؤوليات الحياتية المنوطة بك في البيت.

    وقرار المرأة في البيت يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها.. المتعددة الجوانب في البيت: زوجة وأما وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوقه من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل.

    وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ‬ قال: «المرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها».

    [رواه البخاري ومسلم]

    أين مظاهر المودة؟ فطالما افتقدت منك.. الكلمات الحانية.. وعبارات الود والمحبة.. وما تطيب به النفس من حسن المقال والفعال.. فقد أضحت حياتنا جافة.. خالية من المشاعر والعواطف، وما يوجب السكينة التي هي جوهر العشرة الزوجية.. ألا فاعلمي أن الزوج أحوج إلى العواطف منه إلى الطعام.. إذ متى سكنت نفسه وطابت.. كان أثر ذلك على شخصيته وسعادته وجسمه.. أبلغ مما يحدثه أجود الطعام.

    فلابد للزوجة أن تدرك مراد الزوج منها:

    إنه يريد منها الابتسامة المشرقة، والأنوثة المرهفة، وصدق الكلام.. وصفاء الإحساس، ورقة الشعور، وبراءة الصمت، يريد منها طلة تستعذبه.. وتغسله من أدران الإرهاق اليومي، يريدها رفيقة رقيقة، ودودة لطيفة، تفهم بالإشارة حسه.. وتبهج بالنضارة نفسه.. وتذهب بسكينتها بأسه.. وتأملي في قوله ﷺ‬: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».

    ففي قوله «الودود الولود» جمع بين سكينة الود التي مصدرها الزوجة.. ورحمة الولد.. التي يمن الله بها على الزوجين.. وهما ما تضمنه قول الله جل وعلا: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

    فإن لم تكن المرأة ودودة مع زوجها، فهي ولابد حمل تنوء بحمله العصبة..

    غيرتك أرقتني.. فأنا أقدر لك ما فيك من غيرة، وأراها مظهرًا من مظاهر الود والمحبة والتوحد في الحياة الزوجية.. لكنني أشعر أنها تحولت إلى ريبة وشك وسوء ظن.. أشعر أنها تحاصرني.. وتطاردني وتشكك في أفعالي وأقوالي..

    لقد أصبحت غيرتكم تؤرقني.. وتفسد ودي.. إذ لم أعد أحتمل تلك التساؤلات.. والاتهامات.. تارة بالكلمات.. وتارة بالنظرات.. وتارة بالهمز وتارة بالهمس.

    فليس من الغيرة المحمودة أن تعملي وساوس الشيطان.. وكلام الفتان في اتهامي.. ثم تقلبين البيت إلى جحيم تؤججه الأسئلة الحادة.. والانطواء.. والتجهم.. والشكوى!

    إني أراك تجهدين نفسك.. وتصنعين بخيالات الغيرة أحزاناً وهموماً وهمية.. ثم تقحمينني في ظلماتها الحالكة.. فإذا بيتا وحياتنا يقتمها السواد.. وأني أذكرك بقول رسول الله ﷺ‬: «إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي بحب الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير ريبة».

    وقال ابن حجر رحمه الله: «وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم، إما بالزنا مثلا، وإما بنقص حقها، وجوره عليها لضرتها، وإيثارها، فإذا تحققت ذلك أو ظهرت القرائن، فهي غير شرعية.

    فلو وقع ذلك بمجرد التوهم من غير دليل فهي الغيرة في غير ريبة» [فتح الباري 9/237].

    أنت.. ولعنة الملائكة:

    وها هنا.. أسطر لك حديثين عن رسول الله ﷺ‬ حيث قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، فبات غضبان: لعنتها الملائكة حتى تصبح»، وفي رواية: «حتى ترجع».

    [رواه البخاري ومسلم]

    وقال ﷺ‬ أيضًا: «إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور» [رواه الترمذي].

    وفي هذين الحديثين من بيان الأمر ووضوحه.. ما يغني عن الكلام.

    لماذا ترفضين التعدد؟..

    فكلما هممت بذكره.. ثارت منك ثورة غضب.. تنتفخ لها أوداجك.. ويشتد فيها حجابك.. وكأنني هممت بأمر سوء مكروه..

    أوليس في شرع الله ما يدل على الجواز؟!

    {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.

    وكيف ترفضين أمرًا شرعه الله، ولم يكن رضاك به شرطًا في دينه؟

    نعم.. إنني أقدر لك ما في طبيعة النساء من غيرة.. لكن غيرتهن تعذر ما لم تتطاول على حقوق أزواجهن.. وقد رأيت غيرتك في هذا الأمر تجاوزت حدها.. هضمت حقًا شرعيًا ثابتًا بالإجماع.

    للبيوت أسرار:

    وكشفها من أقبح الأفعال التي تهدد استقرارها بل وتوجب لها الدمار..

    وعن أسماء بنت يزيد أنها قالت: كنت عند رسول الله ﷺ‬ والرجال والنساء قعود فقال: «لعل رجلاً يقول ما يفعله بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها!» فأرم القوم (أي: صمتوا).

    فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهن يفعلن! وإنهم ليفعلون!

    قال: «فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون» [رواه أحمد].

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومسلم.