×
مقالة تبين معنى الصبر، وأنواعه، وبعض مفاتيح الفرج مثل: الدعاء، والتوكل على الله، وغيرها.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد..

    ما أحوجك أخي السجين إلى صبر يهون عليك مصابك، وييسر عليك أمرك، ويخفف من محنتك.

    والصبر- أخي السجين- هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن فعل ما يدل على اليأس والتسخط.

    الصبر- أخي السجين- يجعلك ساكنا في جو مضطرب مائج بأنواع الفتن والبلايا.

    الصبر يمدك بالأمل والرجاء والتفاؤل ، ويجعلك تتطلع إلى الفرج القريب في أحلك الظروف والمواقف والحوادث.

    واصبر على الدهر إن أصبحت منغمراً

    بالضيق في لجج تهوي الى لجج

    فما تجرع كأس الصبر معتصم

    بالله ألا أتاه الله بالفرج

    لا تيأسن إذا ما ضقت من فرج

    يأتي به الله في الروحات والدلج

    وإن تضايق باب عنك مرتتج

    فاطلب لنفسك بابا غير مرتتج

    أخي السجين:}أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ{ [النمل:62].

    من الذي يكشف الضر؟

    من الذي يزيل الهموم والغموم؟

    من الذي يغيث الملهوف؟

    من الذي ينجي من المهالك والحتوف؟

    من الذي ينصر المظلوم؟

    من الذي يرحم المكلوم؟

    من الذي يشفي السقيم؟

    من الذي يغفر الذنب العظيم؟

    من الذي بيده الإطلاق والفكاك؟

    إنه الله تبارك وتعالى.. إنه الواحد الأحد.. الفرد الصمد.. الذي لم يلد ولم يولد.. ولم يكن له كفوًا أحد..

    قال تعالى: }لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ{[النجم:58].

    وقال تعالى:}وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{ [الطلاق:2، 3]

    وقال تعالى: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{ [الطلاق:4].

    وقال تعالى: }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{ [الشرح: 5، 6].

    قال ابن عباس: لن يغلب عسر يسرين.

    فيا من وقعت في ضيق ، الجأ إلى الله ، فإن مع العسر يسراً.

    ويا من أصابتك الهموم والغموم والأحزان ، افزع إلى الرحيم الرحمن ، فإن مع العسر يسراً([1]).

    أخي!

    صبراً جميلاً ما أسرع الفرجا

    من صدق الله في الأمور نجا

    من خشي الله لم ينله أذى

    ومن رجاه كان حيث رجا

    أنواع الصبر

    الصبر - أخي- أنواع ثلاثة: صبر على طاعة الله ، وصبر عن معصية الله ، وصبر على أقدار الله ، ومرجع هذا أن الإنسان في هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال: بين أمر يجب عليه امتثاله ، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه ، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما ، وهو لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفا ، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها ، وهذه الثلاثة هي التي أوصى بها لقمان ابنه في قوله : }يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{[لقمان:17].

    فمعنى الصبر إذن: حبس النفس على طاعة الله ، وحبسها عن معصية الله, وحبسها إذا أصيبت بمصيبة عن التسخط وعن الجزع ومظاهره: من شق الجيوب، ولطم الخدود ، والدعاء بدعوى الجاهلية.

    الصبر على الطاعات

    أما الصبر على الطاعات فهو صبر على الشدائد ، لأن النفس بطبعها تنفر من كثير من العبادات ، لإيثارها الراحة والكسل، فالطاعة تحتاج إلى مجاهدة وصبر ، ولهذا قال النبي ﷺ‬ : «حفت الجنة بالمكاره» [متفق عليه] أي: الأمور التي تكرهها النفوس وتشق عليها.

    الصبر عن المعاصي

    الصبر عن المعاصي يكون بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله ، والنفس تحتاج إلى صبر ، لأن الشهوات محببة إلى النفوس ، ولذلك قال ﷺ‬ يكون بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله ، والنفس تحتاج إلى صبر ، لأن الشهوات محببة إلى النفوس ، ولذلك قال ﷺ‬ : «وحفت النار بالشهوات» [متفق عليه].

    الصبر على البلاء

    وأما الصبر على البلاء: فقد قال تعالى: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{[البقرة:155]. ويكون هذا الصبر بحبس اللسان، والقلب والجوارح عن الشكوى والتسخط وفعل ما يدل على الجزع وعدم الرضا([2]).

    السجن ليس نهاية الطريق

    لا تنظر - أخي- إلى سجنك على أنه موطنك الذي لابد أن تأوي إليه، وترجع إليه مهما تغربت عنه ، بل انظر إليه على أنه محطة عابرة نزلت فيها عن طريق الخطأ ، ولا يمكن أن تعود إليها مرة أخرى ، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

    ولا تنظر إلى سجنك على أنه أعظم المصائب التي لا يمكن الصبر عليها ، ولكن انظر إلى ما أصيب به غيرك ، فستجد أن مصيبتك تمثل نقطة في بحر بالنسبة لما أصيب به هؤلاء..

    أنت الآن في السجن.. ولكنك معافى في صحة جيدة، سليم الجوارح والأعضاء.. وسوف تخرج إن شاء الله قريبا.. فكيف بك لو كنت مشلولاً لا تغادر كرسيك المتحرك.. كيف لو أصبت في حادث فبترت أعضاؤك.. كيف لو أصبت بالأمراض الخبيثة التي لا يرجى منها الشفاء؟! كيف لو كان سجنك مدى الحياة؟ .. كيف لو كنت ممن حكم عليهم بالقتل قصاصاً أو تعزيراً.

    إذا استشعرت ذلك - أخي - فسوف تهون عليك مصيبتك، وتسهل عليك بليتك، وترضى عن ربك فيما قضى عليك وقدر.

    قال ابن الجوزي: (من نزلت به بلية فأراد تمحيقها، فليتصورها أكبر مما هي عليه تهن. وليتخايل ثوابها، وليتوهم نزول أعظم منها، يَرَ الربح في الاقتصار عليها. وليتلمح سرعة زوالها ، فإنه لولا كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة. وليعلم أن مدة مقامها عنده كمدة مقام الضيف، فليتفقد حوائجه في كل لحظة ، فيا سرعة انقضاء مقامه! ويا لذة مدائحه وبشره في المحافل ووصف المضيف بالكرام!

    فكذلك المؤمن في الشدة، ينبغي أن يراعي الساعات ، ويتفقد فيها أحوال النفس ، ويتلمح الجوارح ، مخافة أن يبدو من اللسان كلمة، أو من القلب تسخط ، فكأن قد لاح فجر الأجر ، فانجاب ليل البلاء، ومدح الساري بقطع الدجى ، فما طلعت شمس الجزاء ، إلا وقد وصل إلى منزل السلامة) ([3]).

    عجبا لأمر المؤمن

    عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير له، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له »[رواه مسلم].

    فمن مثلك أخي- إن كنت مؤمنا- والخير كله في كافة أحوالك ، ومختلف شؤونك ، إذا شكرت على السراء ، زادك الله من فضله، كما قال سبحانه: }لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ{ [إبراهيم: 7]، وأعطاك ثواب الشاكرين، كما قال: }وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ{ [آل عمران:145].

    وإذا صبرت على الضراء ، خفف الله عنك مصابك ، ورفع قدرك ، وأعطاك ثواب الصابرين . قال تعالى: }إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ{[المؤمنون:111].

    فلماذا تحزن أخي وفي كل ما يقدره الله عليك خير وأجر وفوز وفلاح.

    إن سجنك هذا يمكن أن يكون بداية انطلاقك نحو النجاح والهداية والاستقامة والعمل الصالح الذي ينفعك وينفع الناس ، فقد قال بعض السلف : إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة!!

    قالوا له:كيف؟

    قال: يعمل الحسنة, فلا يزال يتكبر بها ، ويتعاظم على عباد الله، ويدل بها على الله عز وجل، فلا تقبل منه حسناته، وترجح عليها سيئاته فيدخل النار!

    ويعمل السيئة فيظل نادماً خائفاً باكيا طالبا من الله الغفران ، فيغفر الله له ذنوبه ، ويبدل سيئاته حسنات فيدخل الجنة.

    فاجعل من سجنك- أخي - دليلاً لك إلى الجنة ، وإياك أن تصر على المعصية التي أوردتك هذا المورد, فتهلك مع الهالكين.

    انتظار الفرج

    أخي السجين..انتظار الفرج عبادة غفل عنها كثير من الناس، ففي الحديث عند الترمذي، عن النبي ﷺ‬ قال : «أفضل العبادة انتظار الفرج».

    تقول العرب: (إذا اشتد الحبل انقطع...)

    والمعنى: إذا تأزمت الأمور ، فانتظر فرجا ومخرجاً..

    وقد قيل:

    اشتدي أزمة تنفرجي

    قد آذن صبحك بالبلج

    أخي!

    صبح المهمومين والمغمومين لاح ، فانتظر الصباح ، وارتقب الفتح من الفتاح. قال تعالى: }أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ{[هود:81].

    قال الشاعر:

    سأصبر للزمان وإن رماني

    بأحداث تضيق بها الصدور

    وأعلم أن بعد العسر يسراً

    بدور به القضاء المستدير

    وفي الحديث الصحيح: «أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء».

    قال تعالى: }حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ{ [يوسف:110].

    وقال تعالى: }إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{ [الأعراف: 56].

    وفي الحديث الصحيح: «واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً».

    قال الشاعر:

    إذا تضايق أمر فانتظر فرجاً

    فأقرب الأمر أدناه من الفرج([4])

    وقال آخر:

    رأيت العسر يتبعه يسار

    وقول الله أصدق كل قيل

    فلا تجزع وإن أعسرت يوما

    فقد أيسرت في دهر طويل

    ولا تظن بربك ظن سوء

    فإن الله يأتي بالجميل

    السجن بين المحنة والمنحة

    أخي السجين! إذا نظرت إلى السجن على أنه محنة فقط، أورثك ذلك الهموم والغموم وضيق الصدر ، ولكني أدعوك إلى تجاوز هذه النظرة الضيقة، وذلك بأن تنظر إليه على أنه منحة وتفضل من الله عز وجل عليك.

    قد تستغرب -أخي - هذا الكلام ، ولكن دعني أشرح لك مرادي ، وأبين لك مقصدي.

    ماذا لو تركك الله عز وجل سائرا في طريق الغواية والضلال حتى مت على ذلك؟!

    ماذا لو كانت نهايتك رصاصات أطلقها عليك رجال الأمن وأنت تقاومهم؟

    ألست الآن في السجن تقرأ هذا الكلام ، وتراجع نفسك وحساباتك؟

    ألا يمكن الآن أن تقرر تغيير مسار حياتك ، وتصبح إنساناً صالحاً نافعاً لدينه وأمته؟

    أليس وجودك في السجن هو السبب في هذا التفكير والتغيير؟

    أليس حرمانك من الحرية يدفعك إلى المحافظة عليها بعد خروج من السجن؟! إذن فالسجن ليس شرا محضا ، بل قد يكون فيه من الخير ما ينفع صاحبه في دنياه وآخرته.

    مفاتيح الفرج والنجاة

    قال ابن القيم رحمه الله: (أساس كل خير أن تعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن... فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه، فتشكره عليها، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك.

    وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد ، وكل شر فأصله خذلانه لعبده.

    وأجمعوا على أن التوفيق هو : ألا يكلك الله إلى نفسك ، وأن الخذلان هو : أن يخلي بينك وبين نفسك.

    فإذا كان كل خير فأصله التوفيق ، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار ، وصدق اللجوء، والرغبة والرهبة إليه ، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح ، فقد أراد أن يفتح له ، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجا دونه) ([5]).

    فابحث -أخي- عن مفاتيح الفرج والنجاة، واجتهد في الحصول عليها، ومن تلك المفاتيح : الدعاء ، والافتقار، وصدق اللجوء، والرغبة والرهبة ، والتوكل على الله ، والصبر، والصلاة ، وذكر الله عز وجل والصلاة على رسوله ﷺ‬، كل ذلك من مفاتيح الفرج والنجاة، نسال الله أن يفرج عنك ما أنت فيه ، وأن يجعل لك بعد عسرك يسراً , وأن يهون عليك ما أنت فيه، ويكتب لك به المثوبة والأجر.

    هون عليك فكل الأمر ينقطع

    وخل عنك عنان الهم يندفع

    فكل هم له من بعده فرج

    وكل أمر إذا ما ضاق يتسعُ

    إن البلاء وإن طال الزمان به

    فالموت يقطعه أو سوف ينقطع([6])

    ***

    ([1]) أفضل العبادات انتظار الفرج ص(2 ، 3).

    ([2]) وبشر الصابرين ص (3-9) باختصار.

    ([3]) صيد الخاطر (133 ، 134).

    ([4]) لا تحزن ص (109 ، 110).

    ([5]) الفوائد ص (145).

    ([6]) بهجة المجالس (1/182).