حديث عبد الله بن مسعود في دفع الهم والحزن
التصنيفات
- فقه >> الأسرة >> المجتمع المسلم
المصادر
الوصف المفصل
- حديث
عبد الله بن مسعود في دفع الهم والحزن
- المقدمة
- المبحث الأول: الإيمان بتوحيد الله تعالى
- المبحث الثاني: الإيمان بقضاء الله وقدره
- المبحث الثالث: الإيمان بأسماء الله
تعالى
- المطلب الأول: وجوب إثبات الأسماء لله تعالى
- المطلب الثاني: أسماء الله تعالى توقيفية
- المطلب الثالث: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين
- المطلب الرابع: أسماء الله كاملة الحسن
- المطلب الخامس: أسماء الله تعالى معلومة المعاني
- المطلب السادس: وجوب تنزيه الله تعالى عن المماثلة
- المطلب السابع: الإيمان بآثار أسماء الله تعالى
- المبحث الرابع: دعاء الله تعالى والتوسل إليه
- المبحث الخامس: دواء الهموم والغموم والأحزان
- الخاتمة
حديث عبد الله بن مسعود في دفع الهم والحزن
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد:
فإن خاتم الأنبياء - محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم - قد أعطي (فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه)، ويتضح ذلك لكل من اقتفى أثره وتأمل سنته، كما كان صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على نجاة أمته، وسلامتها، واستقامتها، وتربيتها التربية النبوية القويمة، ويرشدها إلى ما فيه عزها وسعادتها، بسلامة أفرادها وحفظهم مما يكدر حياتهم من الأحزان والغموم والهموم، ليصبحوا في أتم استعداد لتحمل المسؤولية الشرعية في تحقيق العبودية لله وحده لا شريك له، والدعوة إلى دينه، والدفاع عن شرعه.
ومن تلك التوجيهات النبوية الشريفة: أحاديث كثيرة تدل على الدواء الناجع لعلاج الأمراض المختلفة التي تعتري الأرواح والأبدان، وقد لفت انتباهي أحدها، وهو حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ الذي سيأتي ذكره برواياته في التمهيد، وأوله: «ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال.....» الحديث، لفت انتباهي لاشتماله على مسائل عقدية عظيمة، هي من أصول الإيمان، وأركان الدين، فهو توجيه نبوي لكل من أراد النجاة في الدنيا والآخرة.
ولاشتمال هذا الحديث على تلك الأصول العقدية العظيمة، وعدم وجود أفراده بالشرح الذي يبرز ما فيه من مسائل مهمة تتعلق بأشرف العلوم، وأجلها قدرا، وأوجبها مطلبا، وهو علم التوحيد، وبخاصة أن من تعرض له أجمل في ذكر مسائله، وفي مواضع متفرقة، لهذا كله رأيت أن الحديث بحاجة ماسة إلى دراسة عقدية تبرز ما فيه من مسائل عظيمة، لاسيما أنه قد تناوله بالشرح من هو ليس على عقيدة السلف، فظهرت آثار ذلك في شرحه.
وقد بدأت البحث بمقدمة ذكرت فيها أهمية وسبب الكتابة في هذا الموضوع، ثم كتبت تمهيدا ذكرت فيه متن الحديث، ومكانته، وشرح مفرداته.
بعد ذلك قسمت البحث إلى خمسة مباحث، هي:
المبحث الأول: الإيمان بتوحيد الله تعالى، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الإيمان بربوبية الله وحده لا شريك له.
المطلب الثاني: الإيمان بألوهية الله تعالى وحده لا شريك له.
المبحث الثاني: الإيمان بقضاء الله وقدره، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: نوعا الحكم والفرق بينهما.
المطلب الثاني: لا يضاف الشر إلى الله تعالى.
المطلب الثالث: إثبات العدل لله تعالى، ونفي الظلم عنه.
المطلب الرابع: حكم الرضا بالقضاء والقدر.
المبحث الثالث: الإيمان بأسماء الله تعالى، وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: وجوب إثبات أسماء الله تعالى.
المطلب الثاني: أسماء الله تعالى توقيفية.
المطلب الثالث: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين.
المطلب الرابع: أسماء الله تعالى كاملة الحسن.
المطلب الخامس: أسماء الله تعالى معلومة المعاني.
المطلب السادس: وجوب تنزيه الله تعالى عن المماثلة.
المطلب السابع: الإيمان بآثار أسماء الله تعالى.
المبحث الرابع: دعاء الله تعالى والتوسل إليه، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: دعاء الله تعالى وحاجة الناس إلى ذلك.
المطلب الثاني: الحذر من دعاء غير الله تعالى.
المطلب الثالث: التوسل إلى الله تعالى وأنواعه المشروعة.
المبحث الخامس: دواء الهموم والغموم والأحزان.
ثم ختمت هذه الدراسة بخاتمة كتبت فيها أهم ما توصلت إليه إجمالا.
أسأل الله إخلاص النية له تعالى، وصواب العمل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
التمهيد
وفيه:
- متن الحديث.
- مكانة الحديث.
- شرح المفردات.
متن الحديث:
عن أبي سلمة الجهني، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ :
«ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا»([1]) قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ فقال: «بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها» ([2]). وبالإسناد نفسه مع اختلاف يسير في اللفظ ورد الحديث في موضع آخر من المسند بهذا النص: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحا». قالوا يا رسول الله، ينبغي لنا أنت نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: «أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن»([3]).
وفي بعض مصادر السنة سابقة الذكر، ورد النص «ما أصاب مسلما»([4])، كما في بعضها «ونور بصري» بدل «ونور صدري»([5]).
وجاء الحديث برواية أخرى عن أبي موسى ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من أصابه هم أو حزن فليدع بهؤلاء الكلمات: اللهم أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي» فقال رجل من القوم: يا رسول الله، إن المغبون لمن غبن هؤلاء الكلمات. قال: «أجل». قال: «فقولوهن وعلموهن، فإنه من قالهن، وعلمهن التماس ما فيهن أذهب الله كربه، وأطال فرحه»([6]).
مكانة الحديث:
حديث ابن مسعود هذا حديث عظيم، وكل أحاديث الرسول ﷺ عظيمة وشريفة، فقد اشتمل هذا الحديث على مسائل عقدية كبرى تعد أصولا عظيمة من: الإيمان بالله، وتوحيده بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، كما تضمن الإيمان بقضاء الله وقدره، وكمال عدله، والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والاستعانة به، والتوسل إليه بأسمائه الحسنى، والتعلق بكتابه العظيم الذي تضمن شفاء الصدور وجلاء القلوب.
ومن أدل الأدلة على عظم منزلة هذا الحديث، ومكانة هذا الدعاء: قول الرسول ﷺ، حيث سئل: "يا رسول الله ألا نتعلمها؟"، فقال: «بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها».
قال ابن القيم (ت 751هـ): "وأما حديث ابن مسعود: «اللهم إني عبد ابن عبدك» ففيه من المعارف الإلهية، وأسرار العبودية، ما لا يتسع له كتاب" ([7]).
وقال في موضع آخر: "..... فتضمن هذا الحديث العظيم أمورا من المعرفة والتوحيد والعبودية" ([8]).
تعريف الهم والغم والحزن:
المصائد والحبائل من الشبهات والشهوات والوساوس الشيطانية، وما قد يصاب به الإنسان من الهموم والغموم والأحزان هي ما يطلق عليه أمراض القلوب، التي إذا استولت على القلب أفسدته، فوجب على كل عبد أن يلجأ إلى الله، ويحقق العبودية له، ليسلم منها.
وهذا الحديث العظيم اشتمل على بعض تلك الأمراض الطارئة على العبد، "فقد استوعب أقسام المكروه الواردة على القلب" ([9])، كالهم والغم والحزن، وهي بلا شك من أعظم أمراض القلوب وأدوائها.
تعريف الهم:
الهم هو الحُزن، وجمعه هموم، وهَمَّه الأمر همَّاً ومهمة، وأهمَّه فاهتمَّ، واهتم به، ويقال أهمَّه الأمر إذا أقلقه وحزنه، والاهتمام: الاغتنام، ويقال: ما أهَمَّك؟: أي ما أحزَنَك؟ أو ما أقلقك؟ والمهمات من الأمور: الشدائد المحرقة، كما يقال: هَمَّه السُّقم يَهُمَّه: أذابه وأذهب لحمه، وهَمَّني المرض: أذابني ([10]).
قال ابن فارس (ت 395هـ): "هم: الهاء والميم أصل صحيح يدل على ذَوب وجَرَيَان ودبيب، وما أشبه ذلك، ثم يقاس عليه، منه قول العرب: همَّني الشَّيء: أذابني، وانهَمَّ الشحم: ذاب.....، وأما الهم الذي هو الحزن فعندنا من هذا القياس، لأنه كأنه لشدَّته يَهُمُّ، أي يذيب....، ومُهِمُّ الأمر: شديده، وأهمّني: أقلقني" ([11]).
تعريف الغم:
الغَمُّ هو الكَرب، جمعه غُمُوم، والغَمَّاء: كالغَمّ، وقد غَمَّه الأمر يغمّه غمًّا، فاغتمَّ وانغمَّ، والغُمَّى: الشديدة من شدائد الدهر.
يقال: غَمَّه فاغتمَّ وانغمَّ: أي أحزَنه.
وأصل الكلمة من التغطية، يقال غمَّه الشيء غمًّا: أي غطَّاه، وهو غُمَّة: أي حيرة ولَبس ([12]).
تعريف الحزن:
الحُزن والحَزَن، بالضم والفتح، نقيض الفرح، وهو خلاف السرور، والجمع أحزان، وقد حَزِن حَزَنًا وتحازَن وتحزَّن، ورجل حَزنان ومِحزان: شديد الحُزن، ويقال حَزَنَه الأمر يَحزُنُه حُزناً وأحزَنَه فهو مَحزون ومُحَزن وحَزِين وحَزِن، ويقال: أحزَنَه جعله حَزيناً، وحَزَنَه جعل فيه حُزَنا.
وقال بعض أهل اللغة: إن الحَزن إذا جاء منصوباً يفتح، وإذا جاء مرفوعاً أو مكسوراً يضم، واستشهد على ذلك بآيات من كتاب الله تعالى ([13]).
من التعريفات السابقة يتبين أن الهم والغم والحزن ألفاظ متقاربة في المعنى، إلا أن بعض أهل العلم فرقوا بينها، فقالوا:
- الهم يكون على مكروه يتوقع في المستقبل، يهتم به القلب.
- والحزن يكون على مكروه ماض، من فوات محبوب، أو حصول مكروه، إذا تذكره أحدث له حزنا.
- والغم يكون على مكروه حاصل في الحال، يوجب لصاحبه الغم ([14]).
قوله: «ناصيتي بيدك»:
الناصية هي مقدمة الرأس، وتطلق الناصية على الشعر الذي في مقدمة الرأس، وسمي الشعر ناصية لنباته في ذلك الموضع ([15]).
والمراد بقوله: «ناصيتي بيدك»: أي أنت المتصرف فيَّ، تملكني، وتدبرني، وتصرفني كيف تشاء، وبذلك يشعر الداعي بأنه تحت تصرف الواحد الأحد ([16]).
وقيل: خُصَّت الناصية - مع أن العبد كله بيد الله يصرفه كيف يشاء - لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصف إنسانا بالذل والخضوع، فيقولون: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، أي إنه مطيع له، يصرفه كيف يشاء، فخاطبهم بما يعرفونه في كلامهم ([17]).
قوله: «أو استأثرت به في علم الغيب عندك»:
الاستئثار في اللغة هو الانفراد بالشيء، يقال: استأثر بالشيء على غيره، إذا خص به نفسه وانفرد به ([18]).
فيكون معنى الحديث: انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالتسمي به، لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه([19]).
فهناك أسماء لله تعالى انفرد بعلمها، ولم يخبر بها أحدا من خلقه([20]).
قوله: «أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني»:
الربيع جزء من أجزاء السنة، وهو الفصل الذي ينتهي فيه النبات منتهاه، ويطلق عليه ربيع النبات، وكذلك يطلق على الفصل الذي تدرك فيه الثمار، وقد يطلق عليه ربيع الماء والأمطار، ويطلق الربيع على الخصوبة، والمطر، والساقية، وعلى اليوم الذي ليس فيه حر ولا برد ([21]).
وفي هذا الحديث قال: «أن تجعل القرآن ربيع قلبي»، جعله ربيعا له لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه، والمعنى: أن تجعل قلبي مرتاحا إلى القرآن، مائلا إليه، راغبا في تلاوته وتدبره، وأن تنوِّر به صدري، بما فيه من الآيات والمواعظ، ليسري هذا النور الإيماني إلى قلبي، وجميع جوارحي، وأن تجعله لحزني كالجلاء الذي يجلو ويزيل الطبوع والأصْدية، ليكون بمنزلة الدواء الذي يزيل الداء ويستأصله ([22]).
وفي رواية: «ونور بصري» أي أن يكون منور البصر والبصيرة، والنور مادة الحياة، وبه معاش العباد ([23]).
المبحث الأول
الإيمان بتوحيد الله تعالى
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الإيمان بربوبية الله وحده لا شريك له.
المطلب الثاني: الإيمان بألوهية الله وحده لا شريك له.
المبحث الأول: الإيمان بتوحيد الله تعالى
تضمن هذا الحديث الإقرار بتوحيد الله جل وعلا بربوبيته وأسمائه وصفاته، وألوهيته. وسأبحث ذلك في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: الإيمان بربوبية الله تعالى وحده لا شريك له:
دلَّ هذا الحديث العظيم على الاعتراف بربوبية الله جل وعلا، وملكه وتصريفه وتدبيره للخلق، فكل سائل يعترف بذلك حين يقول: «اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك»، فهو اعتراف منه بأن الله ربه، ومالكه ومالك آبائه وأجداده، وأن الخلق جميعا مربوبون مدبَّرون من الله جل وعلا، وفي قوله: «ناصيتي بيدك» إيمان بأن الله وحده المتصرف في العبد كيف يشاء، وأن العبد لا يملك من نفسه تصرفا إلا بإذن الله ومولاه سبحانه وتعالى.
يقول ابن القيم - رحمه الله - أن الداعي بهذا الحديث: "صدر سؤاله بقوله: «إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك»، وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته، إلى أبويه آدم وحواء، وفي ذلك تملق واستخذاء بين يديه، واعتراف بأنه مملوكه وآباؤه مماليكه... وفيه أيضا: أن مالي ونفسي ملك لك، فإن العبد وما يملك لسيده، وفيه أيضا: أنك أنت الذي مننت علي بكل ما أنا فيه من نعمة، فذلك كله من إنعامك على عبدك... ثم قال: «ناصيتي بيدك» أي أنت المتصرف في، تصرفني كيف تشاء، لست أنا المتصرف في نفسي، وكيف يكون له في نفسه تصرف من نفسه بيد ربه وسيده، وناصيته بيده، وقلبه بين أصبعين من أصابعه" ([24]) سبحانه وتعالى. وابن القيم ـ رحمه الله ـ يشير في عبارته الأخيرة إلى قوله ﷺ: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء»، ثم قال رسول الله ﷺ: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك»([25]).
ولاشك أن إيمان العبد بقوله ﷺ: «ناصيتي بيدك»، ومناجاة المسلم ربه بهذا الدعاء يجعله يشعر بأنه وجميع شؤونه تحت تصرف الواحد الأحد، وأن "موته وحياته، وسعاته وشقاوته، وعافيته وبلاءه، كله إليه سبحانه، ليس إلى العبد منه شيء، بل هو في قبضة سيده أضعف من مملوك ضعيف حقير، ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له، تحت تصرفه وقهره، بل الأمر فوق ذلك" ([26]).
ومن الإيمان بربوبية الله: الإيمان بأسمائه وصفاته، والذي دل عليه هذا الحديث، وقد أفردت الحديث عنه في المبحث الثالث.
المطلب الثاني: الإيمان بألوهية الله تعالى وحده لا شريك له:
الإيمان بربوبية الله تعالى يدل على ألوهيته جل وعلا، واستحقاقه للعبودية وحده لا شريك له، وهذا ما دل عليه هذا الحديث، إذ إن من آمن بوجود الله وربوبيته، وكمال تدبيره وتصريفه وملكه له ولآبائه وأجداده، بل وللخلق كلهم، فإن ذلك يلزم منه الذل والخضوع وصرف أنواع العبودية كلها للخالق العظيم وحده دون سواه، لأن "العبد ليس له غير باب سيده وفضله وإحسانه، وأن سيده إن أهمله، وتخلى عنه هلك، ولم يؤوه أحد ولم يعطف عليه، بل يضيع أعظم ضيعة، فتحت هذا الاعتراف أني لا غنى بي عنك طرفة عين، وليس لي من أعوذ به، وألوذ به غير سيدي الذي أنا عبده، وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبر مأمور منهي، إنما يتصرف بحكم العبودية، لا بحكم الاختيار لنفسه، فليس هذا شأن العبد، بل شأن الملوك والأحرار، وأما العبيد فتصرفهم على محض العبودية" ([27]).
فقول الداعي: «اللهم إني عبدك» التزام بعبودية الله تعالى من: المحبة، والخوف، والرجاء، والذل والخضوع، والإنابة، وغيرها من خصائص الألوهية، مما فيه امتثال لأوامر الله سبحانه، واجتناب لنواهيه، "ودوام الافتقار إليه، واللُّجْأ إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وعياذ العبد به، ولياذه به، وأن لا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفا ورجاء"([28]).
كما دل هذا الحديث على أن العبد يعترف بأنه عبد الله من جميع الوجوه، صغيرا وكبيرا، حيا وميتا، معافى ومبتلى، عبد لمولاه سبحانه وتعالى بالقلب واللسان والجوارح، يناجي ربه بجميع جوارحه، معترفا ومؤمنا بأني: "لا أتصرف فيما خولتني من إلي ونفسي إلا بأمرك، كما لا يتصرف العبد إلا بإذن سيده، وأني لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فإن صح له ذلك فقد قال إني عبد حقيقة"([29]).
كذلك قوله: «ناصيتي بيدك»، فمتى اعترف العبد وآمن بأن ناصيته، ونواصي آبائه وأجداده، ونواصي العباد كلهم بيد الله وحده يدبرهم ويملكهم، ويصرفهم كيف يشاء، من آمن بذلك صار فقره إلى ربه لازما له، وتعلق به وحده حبه ورجاؤه وخوفه، ولم يخف العبد بعد ذلك، ولم يرجهم، ولم ينزلهم "منزلة المالكين، بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين، المتصرف فيهم سواهم، والمدبر لهم غيرهم، ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم، ولم يعلق أمله ورجاءه بهم، فاستقام توحيده وتوكله وعبوديته، ولهذا قال هود لقومه: }إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [هود: 56].."([30])، أي ما من دابة إلا وهي تحت قهره وسلطانه، وهو الحاكم العادل الذي لا يجوز في حكمه، فإنه على صراط مستقيم، "وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة، ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جماد، لا تسمع ولا تبصر، ولا توالي ولا تعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له الذي بيده الملك، وله التصرف، وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه" ([31]).
المبحث الثاني
الإيمان بقضاء الله وقدره
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: نوعا الحكم والفرق بينهما.
المطلب الثاني: لا يضاف الشر إلى الله تعالى.
المطلب الثالث: إثبات العدل لله تعالى ونفي الظلم عنه.
المطلب الرابع: حكم الرضا بالقضاء والقدر.
المبحث الثاني: الإيمان بقضاء الله وقدره
المطلب الأول: نوعا الحكم والفرق بينهما:
دل هذا الحديث على الأصل السادس من أصول الإيمان، وهو الإيمان بقضاء الله وقدره، وذلك في قوله ﷺ: «ماض في حكمك، عدل في قضاؤك»، فدل على الإيمان بالقدر، والإيمان بأن الله عادل فيما قضاه ([32]).
وقوله: «ماض في حكمك»، أي نافذ في حكمك، وجارية علي إرادتك، وحكم الله تعالى نوعان: حكمه الديني الشرعي، وحكمه الكوني القدري، وهكذا هي إرادته سبحانه وتعالى.
أما الحكم الديني الشرعي، فهو يتضمن ما يحبه الله ويرضاه، فالحكم الديني الشرعي محبوب عند الله تعالى، ويرضاه سبحانه وتعالى، إذ إنه مقصود لذاته، فالله جل وعلا أراد الطاعة وأحبها، ورضيها، وشرعها، وهذا النوع متعلق بألوهية الله وشرعه، ولهذا فإنه لا يلزم وقوعه، فقد يقع ويمضي، وقد لا يقع. ومثل الحكم الديني من القرآن: قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ{ [المائدة: 1]، وقوله: }ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ{ [الممتحنة: 10].
وأما الحكم الكوني القدري، فقد يحبه الله ويرضاه، وقد لا يحبه ولا يرضاه، فالكافر والمسلم، والطاعات والمعاصي، كل ذلك تحت حكم الله تعالى وإرادته سبحانه، فهذا الحكم مقصود لغيره، فمثلا الله سبحانه وتعالى خلق إبليس، وسائر الشرور، والكفر والمعاصي، لتحصل بسببها محاب كثيرة، كالتوبة، والإنابة، والجهاد، وغير ذلك.
وهذا النوع متعلق بربوبية الله وخلقه، فإذا أراد تنفيذه وقع ومضى، ولا يمكن للعبد مخالفته، أما الحكم الديني الشرعي فقد يخالفه العبد ([33]). ومثال الحكم الكوني من القرآن: قوله تعالى: }فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ{ [يوسف: 80]، وقوله: }قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ{ [الأنبياء: 112].
يقول ابن القيم في شرحه لهذا الجزء من الحديث: "وفرق بين الحكم والقضاء، وجعل المضاء للحكم والعدل للقضاء، فإن حكمه سبحانه يتناوله حكمه الديني الشرعي، وحكمه الكوني القدري، والنوعان في العبد ماضيان فيه، وهو مقهور تحت الحكمين، قد مضيا فيه، ونفذا فيه شاء أم أبى، لكن الحكم الكوني لا يمكنه مخالفته، وأما الديني الشرعي فقد يخالفه" ([34]).
ومما تجدر الإشارة إليه أن الحكمين: الديني الشرعي، والكوني القدري، يجتمعان في حق المطيع ويمضيان فيه، فالذي يعمل الصالحات ويؤدي العبادات يجمع بينهما، لأن الصالحات وما شرعه الله من العبادات محبوبة له سبحانه، وقد رضيها وأمر بها، فهي شرعية دينية من هذا الوجه، وبهذا يجتمع الحكمان في حق العبد المطيع، وينفرد الحكم الكوني في كفر الكافر، مثلا، فكون الكفر وقع منه فهو يدل على أن الله حكم به وشاءه، لأنه لا يمضي شيء ويقع إلا بحكمه سبحانه وإرادته، وكون الكفر غير محبوب لله ولا مرضي له فهو يدل على أنه غير شرعي ولا ديني، فهو كوني فقط لحكم ومحبوبات أخرى، وينفرد الحكم الشرعي الديني في إيمان الكافر، مثلا، فكونه محبوبا لله تعالى فهو شرعي ديني، وكونه لم يق مع أن الله يحبه ويرضاه فهو غير كوني، بل شرعي فقط، لكونه محبوبا لم يقع ([35]).
وبهذا يتبين أن الحكم الكوني القدري أعم من حيث إنه يتعلق بما لا يحبه الله ولا يرضاه من الكفر والمعاصي، وأخص من حيث إنه لا يتعلق بإيمان الكافر، وطاعة العاصي، مثلا، أما الحكم الديني الشرعي فهو أعم من حيث تعلقه بكل ما هو مأمور به، محبوب لله، سواء وقع أم لم يقع، وأخص من حيث إن الواقع بالحكم الكوني القدري قد يكون غير مأمور به ولا محبوب له سبحانه وتعالى.
هذان هما نوعا حكم الله تعالى وإرادته، وهذه هي الفروق بينهما، وقد ضلت فرق وتخبطت ملل، حيث لم يفرقوا بين الحكمين ([36]).
مما سبق يتبين أن الله جل وعلا قد يحكم بأمر ويريد شيئا، وفي الوقت نفسه لا يرضاه ولا يحبه، فمن جعل الحكم والإرادة بمعنى المحبة والرضا "لزمه أن يكون الله سبحانه محبا لإبليس وجنوده، وفرعون، وهامان، وقارون، وجميع الكفار وكفرهم، والظلمة وفعلهم، وهذا كما أنه خلاف القرآن والسنة والإجماع المعلوم بالضرورة، فهو خلاف ما عليه فطر العالمين، التي لم تغير بالتواطؤ والتواصي بالأقوال الباطنة" ([37]).
فالمراد نوعان: مراد لنفسه، مطلوب محبوب لذاته، وما فيه من الخير، وما يترتب عليه من المصالح، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد.
والنوع الثاني: مراد لغيره، قد لا يكون مقصودا لذاته، ولا فيه مصلحة بالنظر إلى نفسه، وإنما هو وسيلة إلى مقصود آخر، فهو مكروه له من حيث ذاته ونفسه، مراد له من حيث قضائه، وإيصاله إلى مراده، فمثلا: الفساد، يريده الله ويقدره، وقد أخبر سبحانه أنه لا يحبه ولا يرضاه، كما قال تعالى: }وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ{ [البقرة: 205]، وإنما وقع بتقديره جل وعلا، مع أنه لا يحبه، لما يترتب عليه من مقصودات وحكم أخرى، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد والإصلاح، ونحو ذلك.
وبهذا نعلم أنه قد تجتمع إرادة الله تعالى لأمر مع بغضه وكراهته، وهذا يقع في المخلوق، ولله المثل الأعلى، فإن العبد يقطع المسافة الشاقة، وما فيها من العذاب الدنيوي لمراد آخر محبوب، كزيارة البيت العتيق، بل قد يبتر عضوا مريضا من بدنه إذا أيقن أن في بتره بقاء لحياته ([38]).
فأهل السنة يفرقون بين إرادة الله وبين محبته ورضاه، ويقولون: إنه وإن كان يريد المعاصي فهو لا يحبها ولا يرضاها، بل يبغضها ويسخطها وينهى عنها، وهذا قول السلف قاطبة ([39]).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ): "ومن المعلوم أنه قد دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة على أن الله يحب ويرضى ما أمر بفعله من واجب ومستحب، وإن لم يكن ذلك موجودا، وعلى أنه قد يريد وجود أمور يبغضها ويسخطها من الأعيان والأفعال، كالفسق والكفر" ([40]).
المطلب الثاني: لا يضاف الشر إلى الله تعالى:
الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء، فما من مخلوق إلا والله وحده خالقه وموجده ومريده، ومن ذلك إبليس والكفر والمعاصي، وغيرها من الشرور. إذا علم ذلك فهل يجوز نسبة الشر إلى الله تعالى؟
الجواب على ذلك هو ما ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يثني على ربه بدعاء الاستفتاح بقوله: «لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت»([41])، يقول ابن القيم في شرح الحديث: "فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه، بل كل ما نسب إليه فهو خير، والشر إنما صار شرا لانقطاع نسبته وإضافته إليه، فلو أضيف إليه لم يكن شرا، وهو سبحانه خالق الخير والشر، فالشر في بعض مخلوقاته، لا في خلقه وفعله، وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله، ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، وذلك خير كله، والشر وضع الشيء في غير محله، فإذا وضع في محله لم يكن شرا، فعلم أن الشر ليس إليه، وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك... فأسماؤه الحسنى تمنع نسبة الشر والسوء والظلم إليه، مع أنه سبحانه الخالق لكل شيء" ([42]).
فالله سبحانه وتعالى منزه عن الشر، ولا يضاف إليه سبحانه الشر بوجه من الوجوه، إذ إن الشر المحض لا خير فيه، فلا تجوز نسبته إلى الله تعالى البتة، فالله "لا يخلق شرا محضا من كل وجه، بل كل ما خلقه ففي خلقه حكمة، وإن كان في بعضه شر جزئي إضافي، وأما الشر الكلي المطلق من كل وجه فهو تعالى منزه عنه، وليس إليه"([43]).
يقول ابن أبي العز الحنفي (ت 792هـ): "ولهذا كانت العقوبات الموضوعة في محالها خيرًا في نفسها، وإن كانت شرا بالنسبة إلى المحل الذي حلت به، لما أحدثت فيه من الألم الذي كانت الطبيعة قابلة لضده من اللذة، مستعدة له، فصار ذلك الألم شرًا بالنسبة إليها، وهو خير بالنسبة إلى الفاعل، حيث وضعه في موضعه، فإنه سبحانه لم يخلق شرًا محضًا من جميع الوجوه والاعتبارات، فإن حكمته تأبى ذلك، فلا يمكن في جناب الحق تعالى أن يريد شيئا يكون فسادًا من كل وجه، لا مصلحة في خلقه بوجه ما، هذا من أبين المحال، فإنه سبحانه الخير كله بيديه، والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير، والشر إنما حصل لعدم هذه الإضافة والنسبة إليه، فلو كان إليه لم يكن شرًا، فتأمله، فانقطاع نسبته إليه هو الذي صيره شرًا.
فإن قيل: لم تنقطع نسبته إليه خلقا ومشيئة، قيل: هو من هذه الجهة ليس بشر، فإن وجوده هو المنسوب إليه، وهو من هذه الجهة ليس بشر، والشر الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه، والعدم ليس بشيء حتى ينسب إلى من بيده الخير" ([44]).
وقوله ﷺ: «ماض في حكمك عدل في قضاؤك» يتضمن أمرين مهمين:
الأول: الإيمان بمضاء حكمه جل وعلا في العبد.
الثاني: الإيمان بأن كل ما يقضيه الله تعالى خير وعدل، لا شر فيه ولا ظلم، وحمده سبحانه على ذلك.
"وهو سبحانه له الملك وله الحمد، وهذا معنى قول نبيه هود: }مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا{ ثم قال: }إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{، أي مع كونه مالكا قاهرا متصرفا في عباده، نواصيهم بيده، فهو على صراط مستقيم، وهو العدل الذي يتصرف به فيهم، فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله، وقضائه وقدره، وأمره ونهيه، وثوابه وعقابه، فخبره كله صدق، وقضاؤه كله عدل، وأمره كله مصلحة، والذي نهى عنه كله مفسدة، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته" ([45])، فلا يتصرف سبحانه وتعالى في تلك النواصي إلا بالعدل والحكمة والرحمة، لا يظلم أصحابها، ولا يعاقبهم بما لم يعملوه، ولا يهضم حسنات ما عملوه ([46]).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان كون الشر لا ينسب إلى الله تعالى: "والله تعالى وإن كان خالقا لكل شيء، فإنه خلق الخير والشر، لما له في ذلك من الحكمة التي باعتبارها كان فعله حسنا متقنا، كما قال: }الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ{ [السجدة: 7]، وقال: }صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ{ [النمل: 88]، ولهذا لا يضاف إليه الشر مفردًا، بل إما أن يدخل في العموم، وإما أن يضاف إلى السبب، وإما أن يحذف فاعله.
فالأول: كقول الله تعالى: }اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ{ [الزمر: 62]، والثاني: كقوله: }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ{ [الفلق: 1، 2]، والثالث: كقوله: }وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا{ [الجن: 10].
وإنما يذكر الشر في المفعولات، كقوله: }اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [المائدة: 98]..... وهذا لأن ما يخلقه من الأمور التي فيها شر بالنسبة إلى بعض الناس فله فيها حكمة، هو بخلقه لها حميد مجيد، له الملك وله الحمد، فليست بالإضافة إليه شرًا ولا مذمومة، فلا يضاف إليه ما يشعر بنقيض ذلك، كما أنه سبحانه خالق الأمراض والأوجاع، والروائح الكريهة، والصور المستقبحة، والأجسام الخبيثة كالحيات والعذرات، لما له في ذلك من الحكمة البالغة" ([47]).
وقرر هذه المسألة أبو عثمان الصابوني (ت 449هـ) فقال: "ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر، والنفع والضر بقضاء الله وقدره... ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم ـ مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه ـ أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، فيقال: يا خالق القردة والخنازير، والخنافس والجعلان، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله ﷺ في دعاء الاستفتاح: «تباركت وتعاليت والشر ليس إليك»، ومعناه ـ والله أعلم ـ والشر ليس مما يضاف إليك إفرادا وقصدا، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر، ويا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لهما جميعا، لذلك أضاف الخضر ـ عليه السلام ـ إرادة العيب إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله في قوله: }أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا{ [الكهف: 79]، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتهما إلى الله عز وجل فقال: }فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ{ [الكهف: 82]، ولذلك قال مخبرًا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: }وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{ [الشعراء: 80]، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه" ([48]).
والخلاصة أن تقدير الله تعالى كله خير، أما الشر الذي قد يوصف به القدر فهو شر بالنسبة لمقدور الله تعالى ومفعوله، ثم إن الشر الذي في المقدور ليس شرًا محضًا، بل هذا الشر قد ينتج عنه أمور هي خير، فتكون الشَّريَّة بالنسبة إليه أمرًا إضافيًا ([49]).
المطلب الثالث: إثبات العدل لله تعالى ونفي الظلم عنه:
ومما يجب الإيمان به من المسائل المتعلقة بالأصل السادس من أصول الإيمان، مما دل عليه الحديث: الإيمان بأن كل ما يقضيه الله سبحانه وتعالى، ويحكم به وينفذه، عدل من جميع الوجوه، بل هو في تمام العدل وكماله، وذلك مأخوذ من قوله ﷺ: «عدل في قضاؤك»، يقول ابن القيم: "ولما كان القضاء هو الإتمام والكمال، وذلك إنما يكون بعد مضيه ونفوذه، قال: «عدل في قضاؤك»، أي أن الحكم الذي أكملته وأتممته ونفذته في عبدك عدل منك فيه، وأما الحكم فهو ما يحكم به سبحانه، وقد يشاء تنفيذه، وقد لا ينفذه، فإن كان حكما دينيا فهو ماض في العبد، وإن كان كونيا فإن نفذه سبحانه مضى فيه، وإن لم ينفذه اندفع عنه، فهو سبحانه يقضي ما يقضي به، وغيره قد يقضي بقضاء ويقدر أمرا ولا يستطيع تنفيذه، وهو سبحانه يقضي ويمضي، فله القضاء والإمضاء، وقوله: «عدل في قضاؤك» يتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه، من: صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وتجاوز، وغير ذلك، قال تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{ [الشورى: 30]، وقال: }وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ{ [الشورى: 48]، فكل ما يقضى على العبد فهو عدل فيه"([50]).
وبهذا نعلم أن القضاء والقدر خير كله، وعدل من كل الوجوه، والله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ([51])، والله جل وعلا حكم عدل، يضع الأشياء مواضعها، فلا يضع سبحانه شيئا إلا في موضعه الذي يناسبه، ولا يفرق بين متماثلين، ولا يسوي بين مختلفين ([52]).
ومما يدل على وجوب تنزيه الله عن الظلم: حديث النبي ﷺ، فيما يرويه عن الله عز وجل أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظَّالموا .....» ([53]).
وقد ضلت طوائف وانحرفت فرق عن القول الحق في القضاء والقدر، وتنزيه الله تعالى عن الظلم ([54])، وهدى الله عز وجل أهل السنة والجماعة إلى الصراط المستقيم، فأثبتوا القدر والعدل لله تعالى، ونزهوه سبحانه عن الظلم، حيث فهموا أن معنى الظلم هو ما دلت عليه لغة العرب، وشهدت له النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، فالظلم عندهم "هو وضع الشيء في غير موضعه، كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له، وهذا قد نزه الله نفسه عنه في غير موضع من كتابه، وهو سبحانه وإن أضل من شاء، وقضى بالمعصية والغيِّ على من شاء، فذلك محض العدل فيه، لأنه وضع الإضلال والخذلان في موضعه اللائق به، كيف ومن أسمائه الحسنى العدل ([55])، الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق، وهو سبحانه قد أوضح السبل، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأزاح العلل، ومكن من أسباب الهداية والطاعة، بالأسماع والأبصار والعقول، وهذا عدله، ووفق من شاء بمزيد عناية، وأراد من نفسه أن يعينه ويوفقه، فهذا فضله، وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله، وخلى بينه وبين نفسه، ولم يرد سبحانه من نفسه أن يوفقه، فقطع عنه فضله، ولم يحرمه عدله، وهذا نوعان:
أحدهما: ما يكون جزاء منه للعبد على إعراضه عنه، وإيثار عدوه في الطاعة والموافقة عليه، وتناسي ذكره وشكره، فهو أهل أن يخذله ويتخلى عنه.
والثاني: أن لا يشاء له ذلك ابتداء، لما يعلم منه أنه لا يعرف قدر نعمة الهداية، ولا شكره عليها، ولا يثنى عليه بها، ولا يحبه، لا يشاؤها له لعدم صلاحية محله، قال تعالى: }وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ{ [الأنعام: 53]، وقال: }وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ{ [الأنفال: 23]، فإذا قضى على هذه النفوس بالضلال والمعصية كان ذلك محض العدل، كما إذا قضى على الحية بأن تقتل، وعلى العقرب، وعلى الكلب العقور، كان ذلك عدلا فيه، وإن كان محلوقا على هذه الصفة" ([56]).
وبهذا نعلم أن تقدير الله للذنوب والمعاصي، ثم العقاب عليها عدل منه سبحانه وتعالى، "فإنه وضع العقوبة، ووضع القضاء بسببها وموجبها في موضعه، فإنه سبحانه كما يجازي بالعقوبة في موضعها، فإنه يعاقب بنفس قضاء الذنب، فيكون حكمه بالذنب عقوبة على ذنب سابق، فإن الذنوب تكسب بعضها بعضا، وذلك الذنب السابق عقوبة على غفلته عن ربه، وإعراضه عنه، وتلك الغفلة والإعراض هي في أصل الجبلة والنشأة، فمن أراد أن يكمله أقبل بقلبه إليه، وجذبه إليه، وألهمه رشده، وألقى فيه أسباب الخير، ومن لم يرد أن يكمله تركه وطبعه، وخلى بينه وبين نفسه، لأنه لا يصلح للتكميل، وليس محله أهلا، ولا قابلا لما يوضع فيه من الخير"([57]) نسأل الله بمنه وكرمه الاستقامة على الرشد.
يقول ابن القيم: "وأما كونه تعالى جعل هذا مصلحا، وأعطاه ما يصلح له، وهذا لا يصلح فمنعه ما لا يصلح له، فذاك موجب ربوبيته وألوهيته وعلمه وحكمته، فإنه سبحانه خالق الأشياء وأضدادها، وهذا مقتضى كمال ظهور أسمائه وصفاته.
والمقصود أنه أعدل العادلين في قضائه بالسبب وقضائه بالمسبب، فما قضى في عبده بقضاء إلا وهو واقع في محله الذي لا يليق به غيره، إذ هو الحكم العدل، الغني الحميد" ([58]).
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) أن كل واحد من السراء والضراء "قد يكون في باطن الأمر مصلحة للعبد أو مفسدة له، وأنه إن أطاع الله بذلك كان مصلحة له، وإن عصاه كان مفسدة له"، وأن الناس في ذلك: "أربعة أقسام: منهم من يكون صلاحه على السراء، ومنهم من يكون صلاحه على الضراء، ومنهم من يصلح على هذا وهذا، ومنهم من لا يصلح على واحد منهما. والإنسان الواحد قد تجتمع له هذه الأحوال الأربعة في أوقات متعددة، أو في وقت واحد، باعتبارها أنواع يبتلى بها" ([59]).
ومما يدل على تنزيه الله تعالى عن الظلم من القرآن الكريم: قوله تعالى: }وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{ [الزمر: 69]، أي قضي بينهم بالعدل، وهم لا يظلمون، فدل على أن القضاء بينهم بغير العدل ظلم، والله منزه عنه ([60]).
وقوله تعالى: }وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا{ [الأنبياء: 47]، أي لا تنقص من حسناتها ولا تعاقب بغير سيئاتها، فدل على أن ذلك ظلم ينزه الله عنه ([61]).
وقوله تعالى: }قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ{ [ق: 28، 29]، أي لا تختصموا عندي، وقد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين، وقد قضيت ما أنا قاض، ولست أعذب أحدا بذنب أحد، ولكن لا أعذب أحدا إلا بذنبه، بعد قيام الحجة عليه ([62]).
وقوله تعالى: }وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{ [الأنعام: 164]، يقول ابن كثير (ت 774هـ): "إخبار عن الواقع يوم القيامة في جزاء الله تعالى وحكمه وعدله: أن النفس إنما تجازى بأعمالها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد، وهذا من عدله تعالى" ([63]).
وقوله سبحانه وتعالى: }وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ [الكهف: 49]، أي وجدوا ما عملوا من خير وشر حاضرًا أمامهم، فيحكم الله "بين عباده في أعمالهم جميعا، ولا يظلم أحدًا من خلقه، بل يعفو ويصفح ويغفر ويرحم، ويعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله، ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي، ثم ينجي أصحاب المعاصي، ويخلد فيها الكافرين، وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم" ([64])، إلى غير ذلك من الآيات التي تنزه الله تعالى عن الظلم.
والظلم الذي تنزه الله عنه، وحرمه على نفسه هو أنه سبحانه لا يحمل العبد سيئات غيره، ولا يعذبه بما لم تكسب يداه، ولا يهضم من حسناته شيئا، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا{ [طه: 112]، فالظلم هنا أن يحمل عليه سيئات غيره، والهضم أن يهضم حسناته ([65])، قال ابن كثير (ت 774هـ) في تفسير هذه الآية: "لما ذكر الظالمين ووعيدهم، ثنى بالمتقين وحكمهم، وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون، أي لا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم ... فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره، والهضم النقص" ([66]).
ومما يجب التنبيه عليه: أن الله تعالى قادر على الظلم، وهو سبحانه تركه وهو قادر عليه، لعدله جل وعلا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ): "بل الظلم مقدور ممكن، والله تعالى منزه لا يفعله لعدله، ولهذا امدح الله نفسه، حيث أخبر أنه لا يظلم الناس شيئا، والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه، لا بترك الممتنع" ([67])، ثم ساق أدلة من القرآن الكريم تدل على نفي الظلم عن الله تعالى، ثم قال: "وإنما نزه نفسه عن أمر يقدر عليه، لا عن الممتنع لنفسه، ومثل هذا في القرآن في غير موضع، مما يبين أن الله ينتصف من العباد، ويقضي بينهم بالعدل، وأن القضاء بينهم بغير العدل ظلم ينزه الله عنه، وأنه لا يحمل على أحد ذنب غيره" ([68]).
وفي موضع آخر قال: "وعلى هذا فعقوبة الإنسان بذنب غيره ظلم ينزه الله عنه، وأما إثابة المطيع ففضل منه وإحسان، وإن كان حقا واجبا بحكم وعده، باتفاق المسلمين، وبما كتبه على نفسه من الرحمة، وبموجب أسمائه وصفاته" ([69]).
والخلاصة أن كل حكم يمضيه سبحانه وتعالى، وكل مصيبة ينفذها، فهي عدل محض بمشيئة الله، لا جور فيها ولا ظلم، "وهذا يعم جميع أقضيته سبحانه في عبده، قضاءه السابق فيه قبل إيجاده، وقضاءه فيه المقارن لحياته، وقضاءه فيه بعد مماته، وقضاءه فيه يوم معاده، ويتناول قضاءه فيه بالذنب، وقضاءه فيه بالجزاء عليه، ومن لم يثلج صدره لهذا، ويكون له كالعلم الضروري لم يعرف ربه وكماله، ولا نفسه وعينه، ولا عدل في حكمه، بل هو جهول ظلوم، فلا علم ولا إنصاف" ([70]).
المطلب الرابع: حكم الرضا بالقضاء والقدر:
إذا كان كل شيء بقضاء الله وقدره، وحكمه سبحانه وتعالى ماض في عباده، وقدر سبحانه الطاعات، والمعاصي والشرور، والمصائب، وفي ذلك كمال عدله سبحانه وتعالى، فما حكم الرضا بما قدره جل وعلا وقضاه؟ وكيف نكره الكفر والمعاصي، وهي بقضاء الله وقدره؟
أجاب أهل العلم على ذلك بأن الحكم والقضاء نوعان:
النوع الأول: القضاء الذي هو وصفه سبحانه وتعالى وفعله ـ كعلمه وكتابته ومشيئته وخلقه ـ فالرضا به من تمام الرضا بالله ربا وإلهًا ومالكًا ومدبرًا، فقضاء الله هو فعل قائم بذات الله تعالى، متعلق به، فهو كله خير وعدل وحكمة، يجب الرضا به، فيجب الإيمان بقدر الله خيره وشره، والرضا به من الله تعالى، كما قال تعالى: }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{ [القمر: 49]، فالله وحده خالق كل شيء مخلوق، وما من شيء إلا والله وحده مقدره، من الإيمان والطاعات وسائر الخيرات، والكفر والمعاصي وسائر الشرور، وما ذلك إلا لحكم عظيمة وفوائد جليلة ([71]).
والنوع الثاني: المقضي، وهو المفعول المتعلق بالعبد، المنسوب إليه، وهو أقسام، ويختلف حكمه بحسب كل قسم، "فلسنا مأمورين أن نرضى بكل ما قضي وقدر، ولم يجيء في الكتاب والسنة أمر بذلك، ولكن علينا أن نرضى بما أمرنا بالرضا به" ([72]).
القسم الأول منها: القضاء الشرعي الديني، وهو طاعة الله ورسوله، فهذا يجب الرضا به، وهو من لوازم الإسلام، لأنه رضا بفعل أمر الله، وترك ما نهى عنه، ويتناول ما أباحه الله من غير تعد إلى المحظور ([73]).
ويدل على هذا القسم قوله تعالى: }وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ{ [التوبة: 62]، وقوله تعالى: }وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ{ [التوبة: 59]، دلت الآيتان على أن هذا الرضا واجب، وكذلك ذم الله من تركه بقوله تعالى: }وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ{ [التوبة: 58].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الرضا بما أمر الله به فأصله واجب، وهو من الإيمان، كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا»([74])، وهو من توابع المحبة" ([75]).
والقسم الثاني: القضاء الكوني، فمنه ما يجب الرضا به، كالنعم التي يجب شكرها، ومن تمام شكرها الرضا بها.
ومنه ما لا يجوز الرضا به، كالمعايب والذنوب التي يسخطها الله تعالى، فالكفر والفسوق والعصيان لا يجوز الرضا بها، لأن الله تعالى لا يرضاها، قال تعالى: }وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ{ [الزمر: 7]، وقال تعالى: }وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ{ [البقرة: 205]، وقوله: }فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ{ [التوبة: 96]، وقوله: }ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ [محمد: 28]، وقوله: }وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ{ [التوبة: 68]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، "فإذا كان الله سبحانه لا يرضى لهم ما عملوه، بل يسخطه ذلك، وهو يسخط عليهم، ويغضب عليهم، فكيف يسوغ للمؤمن أن يرضى ذلك، وأن لا يسخط ويغضب لما يسخط الله ويغضبه" ([76]).
ولهذا فإن المعايب والذنوب لها وجهان: وجه إلى العبد من حيث هي فعله، ووجه إلى الله تعالى من حيث إنه قضاها وقدرها، فهي مرضية من الوجه الذي يضاف به إلى الله تعالى، وغير مرضية من الوجه الذي يضاف به إلى العبد، إذ كونها شرا وقبيحة وسببا للذم والعذاب إنما هو من جهة كونها مضافة إلى العبد ([77]).
ومن القسم الثاني: تقدير المصائب، كالفقر والمرض والذل، ونحو ذلك من الآفات والمصائب، فالرضا بها مستحب في أحد قولي العلماء، وليس بواجب، وإنما الواجب هو الصبر ([78])، "ولهذا لم يجيء في القرآن إلا مدح الراضين، لا إيجاب ذلك، وهذا في الرضا بما يفعله الرب بعبده من المصائب، كالمرض والفقر والزلزال، كما قال تعالى: }وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ{ [البقرة: 177]، وقال تعالى: }أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا{ [البقرة: 214]، فالبأساء في الأموال، والضراء في الأبدان، والزلزال في القلوب" ([79]).
يقول السعدي (ت 1376هـ): "الذي أمرنا أن نرضى به: المصائب دون المعائب، فإذا أصبنا بمرض أو فقر، أو نحوهما، من حصول مكروه أو فقد محبوب، فيجب علينا الصبر، واختلف في وجوب الرضا، والصحيح استحبابه، لأنه لم يثبت ورود الأمر به على وجه الوجوب، لتعذره على أكثر النفوس، لأن الصبر حبس النفس عن التسخط، واللسان عن الشكوى، والأعضاء عن عملها بمقتضى السخط من: نتف الشعر، وشق الجيوب، وحثو التراب على الرؤوس، ونحوها، وذلك واجب مقدور.
أما الرضا الذي هو مع ذلك طمأنينة القلب عند المصيبة، وأن لا يكون فيه تمني أنها ما كانت، فهذا أصعب جدا على أكثر الخلق، فلهذا لم يوجبه الله ولا رسوله، وإنما هو من الدرجات العالية، وهو مأمور به أمر استحباب، وأما الرضا بالذنوب والمعايب فلم نؤمر بالرضا بها، ولم يأت نص صحيح، أو ضعيف في الأمر بها، فأين هذا من ذاك"([80]).
وإذا كان الرضا بالقضاء بالمصائب مستحبا، فكيف يجتمع مع كراهتها والنفرة منها؟ وكيف يرضى العبد بما هو مؤلم، ومعلوم أن المؤلم يقتضي البغض المضاد للرضا؟
وللجواب عن هذا الإشكال يقال: إن الشيء قد يكون محبوبا مرضيا من وجه، مكروها من وجه آخر، فمثلا الصائم يرضى بالصوم في اليوم الشديد الحر مع كراهته له لما فيه من العطش ونحو ذلك، وكجهاد الأعداء، يرضى العبد به لما فيه من الخير، وهو يكرهه لما فيه من التعرض لإتلاف النفس وألمها، ومفارقة المحبوب، قال تعالى: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ{ [البقرة: 216] ([81])، هذا في العبادات، وإذا أصيب العبد بمصيبة، فإنه وإن تألم وكره ما أصابه لما قد يكون فيه من التلف والألم إلا أنه يرضى به لكونه من تقدير الله، فالله لا يقدر إلا خيرا، ولما في المصائب والابتلاءات من تكفير الذنوب ورفع الدرجات، ونحو ذلك، وكذلك في الأمور الدنيوية، فإن المريض يشرب الدواء النافع الكريه ويرضى به لما فيه من الشفاء بإذن الله، مع كراهته له لسوء مذاقه ([82])، "ومتى قوي الرضا بالشيء انقلبت كراهته محبة، وإن لم يخل من الألم، فالألم بالشيء لا ينافي الرضا به، وكراهته من وجه لا تنافي محبته وإرادته والرضا به من وجه آخر" ([83]).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الله سبحانه وتعالى يفعل ما يفعله لما له في ذلك من الحكمة، وأن ما يضر الناس من المعاصي والعقوبات يخلقها لما له في ذلك من الحكمة... فالعبد يوافق ربه فيكره الذنوب ويمقتها ويبغضها لأن الله يبغضها ويمقتها، ويرضى بالحكمة التي خلقها الله لأجلها، فهي من جهة فعل العبد لها مكروهة مسخوطة، ومن جهة خلق الرب لها محبوبة مرضية.... والله تعالى إذا أرسل الكافرين على المسلمين فعلينا أن نرضى بقضاء الله في إرسالهم، وعلينا أن نجتهد في دفعهم وقتالهم، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر، وهو سبحانه خلق الفأرة والحية والكلب العقور، وأمرنا بقتل ذلك، فنحن نرضى عن الله إذ خلق ذلك، ونعلم أن له في ذلك حكمة، ونقتلهم كما أمرنا، فإن الله يحب ذلك ويرضاه"([84]).
وقول الداعي: «ماض في حكمك، عدل في قضاؤك»، هو إيمان بقدر الله وقضائه، وعدله سبحانه وتعالى، وحمده على ذلك، ورضا بما قدره وحكم به، "والرضا، وإن كان من أعمال القلوب، فكماله هو الحمد، حتى أن بعضهم فسر الحمد بالرضا، ولهذا جاء في الكتاب والسنة حمد الله على كل حال، وذلك يتضمن الرضا بقضائه.... والحمد على الضراء يوجبه مشهدان:
أحدهما: علم العبد بأن الله سبحانه وتعالى مستوجب لذلك، مستحق له لنفسه، فإنه أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل شيء، وهو العليم الحكيم، الخبير الرحيم.
والثاني: علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه، كما روى مسلم في صحيحه، وغيره عن النبي ﷺ أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»([85])، فأخبر النبي ﷺ أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له، قال تعالى: }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{ [إبراهيم: 5]، وذكرهما في أربعة مواضع من كتابه، فأما من لا يصبر على البلاء، ولا يشكر على الرخاء، فلا يلزم أن يكون القضاء خيرًا له" ([86])، وإذا كان المؤمن يعلم أن القضاء خير له إذا كان صبارًا شكورًا، يكون قد رضي بما هو خير له، ثم إذا كان القضاء مع الصبر خيرًا له، فأن يكون مع الرضا أتم وأكمل ([87]).
والمؤمن إنما فارق الكفر بالإيمان بالله وبرسله، وبتصديقهم فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا، واتباع ما يرضاه الله ويحبه، دون ما يقضيه ويقدره من الكفر والفسوق والعصيان ولكي يرضى بما أصابه من المصائب، ولا بما فعله من المعاصي والمعايب، فهو من الخطايا والذنوب يستغفر، وعلى الابتلاءات والمصائب يصبر، كما قال تعالى: }فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ{ [غافر: 55]، وقال تعالى: }وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا{ [آل عمران: 120]، وقال: }وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{ [آل عمران: 186]، وقال: }إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{ [يوسف: 90]، فالمؤمن يجمع بين طاعة الله تعالى والصبر على المصائب ([88]).
فالدين هو موافقة ربنا في محبوباته من الإيمان والطاعة، مع فعلها، وموافقته سبحانه في مكروهاته من الكفر والفسوق والعصيان، مع تركها، قال تعالى: }إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ{ [الزمر: 7]، فالله جل وعلا لم يرض لنا أن نكفر ونعصي، فعلينا أن نوافق ربنا في محبوباته ومرضياته، ومكروهاته ومسخوطاته ([89]).
المبحث الثالث
الإيمان بأسماء الله تعالى
وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: وجوب إثبات أسماء الله تعالى.
المطلب الثاني: أسماء الله تعالى توقيفية.
المطلب الثالث: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين.
المطلب الرابع: أسماء الله تعالى كاملة الحسن.
المطلب الخامس: أسماء الله تعالى معلومة المعاني.
المطلب السادس: وجوب تنزيه الله تعالى عن المماثلة.
المطلب السابع: الإيمان بآثار أسماء الله تعالى.
المبحث الثالث: الإيمان بأسماء الله تعالى
يدل هذا الحديث العظيم على أن لله جل وعلا أسماء، سمى بها نفسه، أو أنزلها في كتابه، أو علمها أحدا من خلقه، أو استأثر بها في علم الغيب عنده.
وهذا يتضمن عدة أمور، أجملها في سبعة مطالب:
المطلب الأول: وجوب إثبات الأسماء لله تعالى
دل كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ على أن لله عز وجل أسماء حسنى، فوجب على كل مسلم أن يؤمن بذلك، ويثبت له سبحانه من الأسماء ما أثبته لنفسه في كتابه العزيز، وما أثبته له رسوله ﷺ .
ومن أدلة ذلك في كتاب الله: قوله جل وعلا: }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{ [الأعراف: 180]، وقوله تعالى: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ [طه: 8]، وقوله: }سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{ [الأعلى: 1]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ثبوت الأسماء لله سبحانه.
كما جاء في كتاب الله العزيز تفصيل لذكر أسمائه سبحانه وتعالى في آيات كثيرة جدا، منها قوله تعالى: }بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{ ([90])، وقوله: }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{ [الفاتحة: 2، 3]، وقوله: }هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{ [الحشر: 23]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي ذكر فيها اسم لله أو ختمت به.
أما الأدلة من السنة الشريفة فكثيرة أيضا، منها حديث هذا البحث، والشاهد منه قوله ﷺ: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمت أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، وقوله ﷺ: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ـ ثلاث مرات ـ فيضره شيء»([91])، وقوله: «إن الله هو السلام»([92])، وقوله: «إن الله جميل يحب الجمال»([93]).
وغير ذلك كثير من الأحاديث التي ثبت فيها الاسم لله تعالى جملة وتفصيلا ([94]).
فيجب على كل مسلم أن يصف الله - سبحانه وتعالى - بما وصف الله به نفسه، لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله، قال تعالى: }أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ{ [البقرة: 140]، وبما وصفه به رسوله ﷺ، لأنه لا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله ﷺ الذي قال في حقه ([95]): }وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{ [النجم: 3، 4].
فالأصل في باب الأسماء والصفات أن يطلق على الله منها ما أطلقه على نفسه، أو أطلقه عليه رسوله ﷺ، نفيا وإثباتا، فيثبت له ما أثبته لنفسه، وينفى عنه ما نفاه عن نفسه في الكتاب والسنة ([96]).
فالله سمى نفسه بأسماء حسنى، ووصف نفسه بصفات جلال وكمال، فكيف يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين يدي رب السماوات والأرض، ويقول: هذا الذي سميت به نفسك ووصفتها به لا يليق بك، ويلزمه من النقص كذا وكذا، فأنا أُؤوِّله وألغيه، وآتي ببدله من تلقاء نفسي من غير استناد إلى كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن نفى عن الله اسما أو وصفا أثبته لنفسه، فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله تعالى ([97]).
ومما يجب الإيمان به: أن الله تكلم بأسمائه وسمى بها نفسه، فقد دل الحديث على أن الله جل وعلا تكلم بأسمائه، وسمى بها نفسه، وفي هذا دلالة على أن أسماء الله غير مخلوقة، "ولهذا لم يقل: بكل اسم خلقته لنفسك، ولو كانت مخلوقة لم يسأله بها، فإن الله لا يقسم عليه بشيء من خلقه، فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم، وأيضا فإن أسماءه مشتقة من صفاته، وصفاته قديمة قائمة به، فأسماؤه غير مخلوقة .... فقوله في الحديث: «سميت به نفسك» ـ ولم يقل: خلقته لنفسك، ولا قال: سماك به خلقك ـ دليل على أنه سبحانه تكلم بذلك الاسم، وسمى به نفسه، كما سمى نفسه في كتبه التي تكلم بها حقيقة بأسمائه" ([98]).
وقد رد الإمام الدارمي (ت 280هـ) على من زعم أن أسماء الله مخلوقة، وكان مما قاله: "وأي تأويل أوحش مما يدَّعي رجل أن الله كان ولا اسم له؟! ما يدَّعي هذا مؤمن، ولن يدخل الإيمان قلب رجل حتى يعلم أن الله لم يزل إلهاً واحداً بجميع أسمائه وجميع صفاته، لم يحدث له منها شيء، كما لم تزل وحدانيته" ([99]).
فمن زعم أن الله سبحانه وتعالى كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه اسما، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم فقد وقع في أعظم الضلال والإلحاد ([100]).
ومن المسائل ذات العلاقة بهذا المطلب مسألة: الاسم هل هو المسمى؟ أو غيره؟ وهي من المسائل الحادثة التي لم يؤثر فيها نص من كتاب ولا سنة، ولهذا كره السلف الخوض فيها، وإنما كتب عليها من كتب لما رأى خوض المبتدعة وغلطهم فيها، فانبرى رادًا عليهم، مبينا للحق، قامعا للبدعة.
قال الطبري (ت 310هـ): "وأما القول في الاسم: أهو المسمى؟ أم غير المسمى؟ فإنه من الحماقات الحادثة، التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع، فالخوض فيه شين، والصمت عنه زين" ([101]).
وذكر الطبري أن أول من تحدث في هذه المسألة، ممن يعتد بقوله، الإمام أحمد بن حنبل، رادا على المبتدعة الخائضين فيها بالباطل ([102])، مع كراهته ـ رحمه الله ـ للخوض فيها، لكونها حادثة، قليلة الفائدة ([103]).
ولهذا فإني سأختصر الحديث في هذه المسألة مبينا القول الحق فيها، معرضا عن قول المبتدعة ولغطهم، وشبههم، كما هو منهجي في هذا البحث.
فالحق هو التفصيل فيها، فلا يقال بأن الاسم هو عين المسمى، ولا يقال بأنه غيره. ولم يرد في ذلك كتاب ولا سنة، إذ إن هذا اللفظ من الألفاظ المجملة المحتملة، فلا يثبت ولا ينفى بإطلاق، إذ لابد من توضيح المراد.
قال ابن القيم في توضيح الحق في مسألة إطلاق الاسم: "طالما غلط الناس في ذلك وجهلوا الصواب فيه، فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، واستوى الله على عرشه، وسمع الله ورأى وخلق، فهذا المراد به المسمى نفسه.
وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحمن من أسماء الله، والرحمن وزنه فعلان، والرحمن مشتق من الرحمة، ونحو ذلك، فالاسم ها هنا للمسمى، ولا يقال: غيره، لما في لفظ الغير من الإجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه اسما، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد" ([104]).
فالقول الصحيح: أن الاسم للمسمى، وهو دليل عليه، وعلم عليه، ولا يقال بأنه عين المسمى، أو غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الذين يقولون: إن الاسم للمسمى، كما يقوله أكثر أهل السنة فهؤلاء وافقوا الكتاب والسنة والمعقول" ([105])، ثم استدل بقوله تعالى: }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ [الأعراف: 180]، وقوله: }أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ [الإسراء: 110]، وبقوله ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسما»([106])، وقوله ﷺ: «إن لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب»([107]).
ثم قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مبينا قول أكثر أهل السنة في هذه المسألة: "وإذا قيل لهم: أهو المسمى أم غيره؟ فصلوا، فقالوا: ليس هو نفس المسمى، ولكن يراد به المسمى، وإذا قيل: إنه غيره بمعنى أنه يجب أن يكون مباينًا له، فهذا باطل، فإن المخلوق قد يتكلم بأسماء نفسه، فلا تكون بائنة عنه، فكيف بالخالق، وأسماؤه من كلامه، وليس كلامه بائنا عنه، ولكن قد يكون الاسم نفسه بائنا، مثل أن يسمي الرجل غيره باسم، أو يتكلم باسمه، فهذا الاسم نفسه ليس قائما بالمسمى، لكن المقصود به المسمى، فإن الاسم مقصوده إظهار المسمى وبيانه" ([108]).
المطلب الثاني: أسماء الله تعالى توقيفية
ومعنى ذلك أنه لا مجال للاجتهاد في أسماء الله، بل يجب الوقوف على ما ورد في الشرع الحنيف، فما ثبت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ من الأسماء له سبحانه وجب إثباته، كما لا يصح أن يثبت له جل وعلا من الأسماء غير ما ورد به الشارع.
قال ابن قدامة المقدسي (ت 620هـ): "ومذهب السلف ـ رحمة الله عليهم ـ الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله، وعلى لسان رسوله، من غير زيادة عليها، ولا نقص منها" ([109]).
ويفهم هذا الأمر ـ أعني مسألة التوقيف في أسماء الله تعالى ـ من قوله ﷺ: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، إذ لا مجال للعقول مهما بلغت أن تثبت لله تعالى اسما لم يرد في الشرع ذكره، لأن مدار إثبات الأسماء والصفات لله تعالى أو نفيها عنه على النقل، ولا مجال للعقل فيها، نعم العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، فمثلا: العقل يدرك أن الرب لابد أن يكون كامل الصفات، لكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة بعينها أو ينفيها، أو يثبت كل اسم حسن لله تعالى، لكن يثبت أو ينفي على سبيل العموم أن الرب لابد أن يكون كامل الصفات، سالما من النقص، وكل اسم أو صفة ثابتة لله في الكتاب والسنة فإن العقل لا يعارضها، بل يدل عليها، لكونها كاملة الحسن ([110]).
ولهذا أنكر إبراهيم عليه السلام على أبيه عبادته ما لا يسمع ولا يبصر، كما أخبر الله عنه بقوله: }يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ{ [مريم: 42]، إذ العقل يدرك أنه لابد أن يكون الرب سميعا بصيرا، كما يدرك أنه لابد أن يكون خالقا، لأن الله تعالى قال: }أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ{ [النحل: 17] ([111]).
فرب السماوات والأرض يستحيل عقلا أن يسمي نفسه أو يصفها بما يلزمه محذور، أو يلزمه محال، أو يؤدي إلى نقص، "كل ذلك مستحيل عقلا، فإن الله لا يصف نفسه إلا بوصف بالغ من الشرف والعلو والكمال ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، على حد قوله: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: 11] ([112]).
يقول الشاطبي (ت 790هـ): "العقل لا يُجعل حاكما بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق، وهو الشرع، بل الواجب أن يقدم ما حقه التقديم، وهو الشرع، ويؤخر ما حقه التأخير، وهو نظر العقل، لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكما على الكامل، لأنه خلاف المعقول والمنقول" ([113]).
المطلب الثالث: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين
لم يرد في كتاب الله تعالى، ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن أسماء الله تعالى محصورة بعدد معين، بل دل حديث هذا البحث على أن أسماءه سبحانه وتعالى غير محصورة، والشاهد منه قوله ﷺ: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، فهذه العبارة الأخيرة، أعني قوله: «أو استأثرت به في علم الغيب عندك» تدل دلالة صريحة على عدم معرفة أحد من الخلق بجميع أسماء الله تعالى، بل عدم حصر أسمائه جل وعلا بعدد معين، إذ كيف لأحد أن يعلم ما استأثر الله به في علم الغيب عنده سبحانه.
قال الخطابي (ت 388هـ) بعد أن ساق الحديث السابق: "فهذا يدلك على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه، ولم يظهرها لهم" ([114]).
وقال ابن القيم (ت 751هـ): "الأسماء الحسنى لا تدخل تحت الحصر، ولا تحدد بعدد، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما في الحديث الصحيح: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه، فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه، فتعرف به إلى عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه، فلم يطلع عليه أحد من خلقه، ولهذا قال: «استأثرت به» أي انفردت بعلمه، وليس المراد انفرداه بالتسمي به، لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه" ([115]).
ثم استدل ابن القيم ـ رحمه الله ـ على أن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تحد بعدد، يقول النبي ﷺ في حديث الشفاعة: «فيفتح عليَّ من محامده ما لا أحسنه الآن»([116])، وقوله ﷺ: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»([117])، ثم بين وجه الاستدلال قائلا: "وتلك المحامد هي تفي بأسمائه وصفاته" ([118]).
وقال في موضع آخر: "وقوله: «أو استأثرت به في علم الغيب عندك» دليل على أن أسماءه أكثر من تسعة وتسعين، وأن له أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها غيره" ([119]).
وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) بهذا الحديث على تنزيه الله تعالى، ثم قال: فبين أن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك ولا نبي"([120]).
وقال ـ رحمه الله ـ في موضع آخر، مستدلا على عدم حصر أسماء الله تعالى، بحديث البحث، وقوله ﷺ: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»: "فأخبر أنه ﷺ لا يحصي ثناء عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصي الثناء عليه، لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه" ([121]).
فهذا الحديث دال على أن أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام، هي:
الأول: ما أنزل سبحانه وتعالى في كتابه، فمن تعلم كتاب الله، وتتبع آياته، فإنه قادر على استخراج أسمائه تعالى المنزلة فيه.
الثاني: ما علمه أحدا من خلقه، من ملائكته أو غيرهم.
الثالث: ما استأثر به في علم الغيب عنده، فلم يطلع عليه ملكا ولا نبيا، ولا أحدا من خلقه.
وهذه الأقسام تفصيل لقوله: «سميت به نفسك»، ومن هنا نعلم أن لله تعالى أسماء لا يستطيع البشر إحصاءها، لأن الله استأثر بعلمها أو علمها بعض خلقه، ولم ينزلها في كتابه ([122]).
إشكال وإزالته:
قد يتبادر لذهن قارئ الحديث في أول وهلة أن ما أنزله الله في كتابه أو علمه أحدا من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده، قسيم لما سمى به نفسه، وذلك للعطف بـ (أو)، في قوله: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك».
قد يتبادر هذا الإشكال إلى فهم بعض القراء، مع أنه في الحقيقة ليس قسيما لما سمى به نفسه، وإنما هو تقسيم وتفصيل له، مثل أن يقال: سميت به نفسك فأنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، فإن هذه الأقسام الثلاثة تفصيل لما سمى الله به نفسه ([123]).
وقد أجاب ابن القيم على هذا الإشكال بقوله: "وجواب هذا الإشكال: أن (أو) حرف عطف، والمعطوف بها أخص مما قبله، فيكون من باب عطف الخاص على العام، فإن ما سمى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده، فيكون عطف كل جملة منها من باب عطف الخاص على العام.
فإن قيل: المعهود من عطف الخاص على العام أن يكون بالواو دون سائر حروف العطف؟
قيل: المسوغ لذلك في الواو هو تخصيص المعطوف بالواو بالذكر بالواو لمرتبة من بين الجنس، واختصاصه بخاصة تميزه منه حتى كأنه غيره، أو إرادة لذكره مرتين: باسمه الخاص، وباللفظ العام، وهذا لا فرق فيه بين العطف بالواو أو بـ (أو)، مع أن في العطف بـ (أو) على العام فائدة أخرى، وهي بناء الكلام على التقسيم والتنويع، كما يبني عليه بـ (إما)، فيقال: سميت به نفسك، فإما أنزلته في كتابك، وإما علمته أحدا من خلقك" ([124]).
القول بأن أسماء الله تعالى محصورة بعدد:
ما سبق تقريره من أن أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين هو القول الحق الذي دلت عليه النصوص الشرعية الثابتة، وهو ما قال به جمهور أهل العلم، إلا أن بعضهم قال بخلاف ذلك، فقرر بأن أسماءه سبحانه محصورة بعدد معين، وممن قال بهذا القول: ابن حزم (ت 456هـ)، حيث قرر: "بأن له عز وجل تسعة وتسعين اسما، مائة غير واحد، وهي أسماؤه الحسنى، من زاد شيئا من عند نفسه فقد ألحد في أسمائه، وهي الأسماء المذكورة في القرآن والسنة .... وقد صح أنها تسعة وتسعين اسما فقط، ولا يحل لأحد أن يجيز أن يكون له اسم زائد، لأنه عليه السلام قال: مائة غير واحد" ([125])، هذا ما قاله ابن حزم مستدلا بقوله ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر»([126]).
وقد رد ابن حجر (ت 852هـ) على ما ذكره ابن حزم، فقال: "وهذا الذي قاله ليس بحجة على ما تقدم، لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها، فمن ادعى على أن الوعد وقع لمن أحصى زائدا على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هناك اسم زائد" ([127]).
وقال ابن القيم: "قوله عليه السلام: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» لا ينفي أن يكون له غيرها، والكلام جملة واحدة، أي له أسماء موصوفة بهذه الصفة، كما يقال: لفلان مائة عبد أعدهم للتجارة، وله مائة فرس أعدها للجهاد، وهذا قول الجمهور" ([128]).
وقال ابن كثير: "ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسعة وتسعين"، ثم استدل على قوله بحديث عبد الله بن مسعود، أعني حديث موضوع هذا البحث ([129]).
فيكون المراد من الحديث: أن في أسمائه تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، كما يقول القائل: إن لي ألف درهم أعددتها للصدقة، إن كان ماله أكثر من ذلك، "والله في القرآن قال: }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{ فأمر أن يدعى بأسمائه الحسنى مطلقا، ولم يقل: ليست أسماؤه الحسنى إلا تسعة وتسعين اسما، والحديث قد سلم معناه، والله أعلم" ([130]).
وقال أبو سليمان الخطابي (ت 388هـ) في شرح حديث: «إن لله تسعة وتسعين اسما»: "فيه إثبات هذه الأسماء المحصورة بهذا العدد، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص بالذكر لهذه الأسماء، لأنها أشهر الأسماء، وأبينها معاني وأظهرها.
وجملة قوله: «إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة» قضية واحدة لا قضيتان، ويكون تمام الفائدة في خبر إن في قوله: «من أحصاها دخل الجنة» لا في قوله: «تسعة وتسعين اسما»، وإنما هو بمنزلة قولك: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، وكقولك: إن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه، وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب، وإنما دلالته: أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أرصده عمرو من الثياب للخلع مائة ثوب، والذي يدل على صحة هذا التأويل: حديث عبد الله بن مسعود ...." ([131]) يشير إلى حديث دفع الهم والحزن، موضوع هذا البحث.
وقال النووي (ت 676هـ): "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود هذا الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء" ([132]).
وقال الشوكاني (ت 1250هـ): "قوله: «أسألك بكل اسم هو لك» فيه دليل على أن لله سبحانه وتعالى أسماء غير التسعة والتسعين.... قوله: «أو استأثرت به» الاستئثار: الانفراد بالشيء: أي انفردت بعلمه عندك، لا يعلمه إلا أنت" ([133]).
والخلاصة: أنه لا دليل على حصر أسماء الله بعدد معين، بل قد دل الدليل على عدم حصرها، كما هو حديث عبد الله بن مسعود، موضوع هذا البحث، وأيضا فإن الأسماء في الكتاب والسنة أكثر من العدد الذي حصروها فيه، أعني التسعة والتسعين([134]).
وقال ابن حجر (ت 852هـ): "ذهب جمهور أهل العلم إلى أن أسماء الله الحسنى لا تنحصر في هذه العدَّة، وأنها أكثر من ذلك" ([135]).
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الذين جمعوا تسعة وتسعين اسما من أسماء الله "اعتقدوا هم وغيرهم أن الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة، ليست شيئا معينا، بل من أحصى تسعة وتسعين اسما من أسماء الله دخل الجنة"، ثم قال رحمه الله: "فإن الذي عليه جماهير المسلمين أن أسماء الله أكثر من تسعة وتسعين" ([136])، وقال في موضع آخر: "والصواب الذي عليه جمهور العلماء أن قول النبي ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» معناه: إن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسما" ([137])، ثم استشهد بحديث: «أسألك بكل اسم هو لك....» الحديث.
مما سبق يتبين أن في المسألة قولين:
أحدهما: القول بأن أسماء الله تعالى محصورة في عدد معين، وهو تسعة وتسعين اسما، وهذا القول مرجوح، لعدم الدليل الصريح، ولمخالفته للأدلة الصحيحة الصريحة.
الثاني: قول جمهور العلماء بأن أسماء الله غير محصورة بعدد معين، وهو القول الصحيح، لموافقته للأدلة الصحيحة الصريحة التي سبق ذكر بعضها.
وهناك قول ثالث ([138]) يوافق قول جمهور العلماء في أن أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين، إلا أنه يرى أن أسماء الله التي في الكتاب والسنة محصورة في تسعة وتسعين اسما، قال ذلك محاولة منه الجمع بين النصوص التي تدل على أن أسماء الله غير محصورة، والدليل الذي فيه: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر»، ويعترض على هذا القول بأن الأسماء التي في الكتاب والسنة أكثر من العدد الذي حصروها فيه، كما أنه ليس في حديث التسعة والتسعين تصريح بحصرها في العدد المذكور ([139]).
وحيث لم يسلم القولان الأول والثالث أمام الاعتراضات، لم يبق إلا القول الثاني، فيتعين ترجيحه، لسلامة أدلته، وهو ـ كما أسلفت قول جمهور العلماء، بل نقل النووي اتفاق العلماء عليه ([140]).
المطلب الرابع: أسماء الله كاملة الحسن
يجب الإيمان بأن أسماء الله تعالى حسنى، بالغة في الحسن كماله وغايته، لا نقص فيها بأي وجه من وجوه النقص، قال تعالى: }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ [الأعراف: 180]، وهذا الحسن في أسماء الله يكون باعتباره كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال ([141]).
فأسماء الله تعالى تتضمن صفات الكمال المطلق له سبحانه ([142]).
قال ابن القيم: "أسماؤه سبحانه وتعالى كلها أسماء مدح وثناء وتمجيد، ولذلك كانت حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، ونعوته كلها نعوت جلال، وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل" ([143]).
ويقول في موضع آخر: "صفات الله كلها صفات كمال محض، فهو موصوف من الصفات بأكملها، وله من الكمال أكمله، وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته، هي أحسن الأسماء وأكملها، فليس في الأسماء أحسن منها، ولا يقوم غيرها مقامها، ولا يؤدي معناها" ([144]).
وقبل ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الكمال ثابت لله، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تبارك وتعالى، يستحقه بنفسه المقدسة" ([145]).
وفي موضع آخر قال ـ رحمه الله ـ: "وأسماؤه تتضمن صفاته، ليست أسماء أعلام محضة، كاسمه: العليم، والقدير، والرحيم، والكريم، والمجيد، والسميع، والبصير، وسائر أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى، وهو سبحانه مستحق للكمال المطلق" ([146]).
ومن الأدلة أيضا على أن أسماء الله حسنى: قوله تعالى: }قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ [الإسراء: 110]، وقوله سبحانه: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ [طه: 8]، وقوله: }هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [الحشر: 24].
يقول ابن الوزير (ت 840هـ): "والحسنى جمع الأحسن، لا جمع الحسن، وتحت هذا سر نفيس، وذلك أن الحسن من صفات الألفاظ، والأحسن من صفات المعاني، فكل لفظ له معنيان: حسن وأحسن، فالمراد الأحسن منهما، حتى يصبح جمعه على حسنى، ولا يفسر بالحسن منهما إلا الأحسن لهذا الوجه" ([147]).
فأسماء الله جل وعلا تدل على صفات كماله، فهي مشتقة من الصفات، فتكون أسماء وأوصافا، وبذلك تكون حسنى، إذ لو كانت ألفاظا فقط لا معنى لها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح وحمد وثناء ([148]).
يقول السعدي (ت 1376هـ): في تفسير قوله تعالى: }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{: "هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه، بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن، وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى، فإنها لو دلت على غير صفة ـ بل كانت علما محضا ـ لم تكن حسنى، وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال، بل إما صفة نقص أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح، لم تكن حسنى، فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها، مستغرق لجميع معناها، وذلك نحو (العليم) الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، و (كالرحيم) الدال على أن له رحمة عظيمة واسعة لكل شيء، و (كالقدير) الدال على أن له قدرة عامة، لا يعجزها شيء، ونحو ذلك، ومن تمام كونها حسنى أنه لا يدعى إلا بها" ([149]).
ويقول محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393هـ): "الإنسان إذا سمع وصفا وصف به خالق السماوات والأرض نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ فليملأ صدره من التعظيم، فيجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون القلب منزها معظما له جل وعلا، غير متجنس بأقذار التشبيه، فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليها به نبيه ﷺ، والشر كل الشر في عدم تعظيم الله، أو أن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيضطر المسكين أن ينفي صفة الخالق بهذه الدعوى الكاذبة" ([150]).
المطلب الخامس: أسماء الله تعالى معلومة المعاني
إن أسماء الله تعالى معلومة الألفاظ والمعاني، مجهولة الكيفيات، فأسماؤه سبحانه لها معان حقيقية معلومة، فكل اسم له معنى يخصه غير معنى الاسم الآخر، إلا أننا لا نعلم كيفية ذلك الاسم، كما لا نعلم كيفية ذاته وصفاته، وكل ما ورد في الكتاب والسنة من أسماء وصفات الله تعالى نؤمن بألفاظها ومعانيها، ونمرها بلا كيف، إذ نفوض علم الكيفيات إلى الله جل وعلا ([151]).
كما يجب الإيمان بأن أسماء الله أعلام وأوصاف، فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وهي أوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني ([152]).
وبهذا يجب إثبات كل اسم ورد لله تعالى على أنه حقيقة وليس مجازا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ): "وقد اتفق جميع أهل الإثبات على أن الله حي حقيقة، عليم حقيقة، قدير حقيقة، سميع حقيقة، بصير حقيقة" ([153])، وهكذا يقال في سائر أسماء الله عز وجل، حيث يجب أن نؤمن بأن نصوصها من النصوص المحكمة، إذ هي في غاية البيان والوضوح، وليست من المتشابه أو ما يقبل النسخ.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر: "ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأفصح الخلق في البيان والتعريف، والدلالة والإرشاد" ([154]).
ويقول ابن القيم (ت 751هـ): "ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها، قال تعالى: }وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الأعراف: 180]، ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها، وأثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله... وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله، أو سمعه، أو بصره، أو قوته، أو عزته، أو عظمته: انعقدت يمينه وكانت مكفرة، لأن هذه صفات كماله التي اشتقت منها أسماؤه، وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات، لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها، فلا يقال: يسمع ويرى.... فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها، وأيضا فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت جامدة كالأعلام المحضة، التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قام به، فكانت كلها سواء، ولم يكن فرق بين مدلولاتها، وهذا مكابرة صريحة، وبهت بين، فإن من جعل معنى اسم القدير هو معنى اسم السميع، البصير،.... فقد كابر العقل واللغة والفطرة، فنفي معاني أسمائه من أعظم الإلحاد فيها، فالإلحاد: إما بجحدها وإنكارها، وإما بجحد معانيها وتعطيلها، وإما بتحريفها عن الصواب، وإخراجها عن الحق بالتأويلات الباطلة، وإما بجعلها أسماء لهذه المخلوقات المصنوعات" ([155]).
ويقول الشنقيطي (ت 1393هـ): "واعلموا أن آيات الصفات كثير من الناس يطلق عليها اسم المتشابه، وهذا من جهة غلط، ومن جهة قد يسوغ، كما يثبته الإمام مالك بن أنس، أما المعاني فهي معروفة عند العرب، [وأما الكيفية فهي مجهولة]، كما قال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب" ([156]).
كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، واطرده في جميع الصفات، لأن هذه الصفات معروفة عند العرب، إلا أن ما وصف به خالق السماوات والأرض منها أكمل وأجل وأعظم، من أن يشبه شيئا من صفات المخلوقين، كما أن ذات الخالق جل وعلا حق، والمخلوقين لهم ذوات، وذات الخالق جل وعلا أكمل وأنزه وأجل من أن تشبه شيئا من ذوات المخلوقين" ([157]).
المطلب السادس: وجوب تنزيه الله تعالى عن المماثلة
ومما يتضمنه الإيمان بأسماء الله تعالى: وجوب تنزيهه سبحانه وتعالى عن مماثلة المخلوقين، قال تعالى: }هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا{ [مريم: 65]، وقال: }فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ{ [النحل: 74]، وقال: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: 11]، فيجب إثبات الأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة لرب العالمين، مع وجوب تنزيهه جل وعلا عن مماثلة أحد من خلقه، إذ إن إثباتها لا يقتضي المشابهة أو المماثلة من أي وجه من الوجوه([158]).
كما أن نفي أسماء الله الثابتة له سبحانه، أو نفي شيء منها، أو نفي معانيها، يعد من أعظم الإلحاد فيها، قال تعالى: }وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الأعراف: 180]، كما يعد قولا على الله بغير علم، وقد نهينا عنه، قال تعالى: }قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ [الأعراف: 33].
قال ابن القيم مبينا حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى: "وحقيقة الإلحاد فيها: العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها، وإخراج حقائق معانيها عنها، هذا حقيقة الإلحاد، ومن فعل ذلك فقد كذب على الله" ([159]).
وقال ـ رحمه الله ـ في نونيته:
"أسماؤه أوصاف مدح كلها " | ||||
مشتقة قد حملت لمعان | ||||
إياك والإلحاد فيها إنه | ||||
كفر معاذ الله من كفران | ||||
وحقيقة الإلحاد فيها الميل بالإ | ||||
شراك والتعطيل والنكران" ([160]) | ||||
ويقول نعيم بن حماد (ت 228هـ): "من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه" ([161]).
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية مذهب السلف في أسماء الله وصفاته فيقول: "ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء، لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقية، وله أفعال حقيقية، فكذلك له صفات حقيقية، وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، فيعطلوا أسماءه الحسنى، وصفاته العليا، ويحرفوا الكلم عن مواضعه، ويلحدوا في أسماء الله وآياته" ([162]).
وقد أخبر الله عن نعيم الجنة، وأن فيها "ما له شبه في الدنيا، كأنواع المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وغير ذلك" إلا أن حقائق ما في الجنة أعظم من حقائق ما في الدنيا، "بما لا يعرف قدره، وكلاهما مخلوق، فإذا كان هذان المخلوقان متفقين في الاسم، مع أن بينهما في الحقيقة تبيانا لا يعرف قدره، فمن المعلوم أن ما يتصف به الرب من صفات الكمال مباين لصفات خلقه أعظم من مباينة مخلوق لمخلوق" ([163]).
يقول محمد الشنقيطي (ت 1393هـ): "ومن آمن بصفات ربه جل وعلا، منزها ربه عن مشابهة صفاته لصفات الخلق، فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل، وهذا التحقيق هو مضمون قوله: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: 11]، فهذه الآية فيها تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات، ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع، ذلك لأن الله قال: }وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{، بعد قوله: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{، ومعلوم أن السمع والبصر، من حيث هما سمع وبصر، يتصف بهما جميع الحيوانات، فكأن الله يشير للخلق أن لا ينفوا عنه صفة سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر، وأن ذلك تشبيه، بل عليهم أن يثبتوا له صفة سمعه وبصره على أساس: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{.
فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله، والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم، وكل هذا حق ثابت لاشك فيه، إلا أن صفة رب السماوات والأرض أعلى وأكمل من أن تشبه صفات المخلوقين، لا مناسبة بين صفة الخالق، وبين صفة المخلوق، فصفة الخالق لائقة بذاته، وصفة المخلوق مناسبة لعجزه وافتقاره، وبين الصفة والصفة من المخالفة كمثل ما بين الذات والذات" ([164]).
المطلب السابع: الإيمان بآثار أسماء الله تعالى
إن من أهم ما يتضمنه الإيمان بأسماء الله تعالى: الإيمان بآثارها في الخلق والأمر، قال ابن القيم: "من كان له نصيب من معرفة أسمائه الحسنى، واستقرأ آثارها في الخلق والأمر، رأى الخلق والأمر منتظمين بها أكمل نظام، ورأى سريان آثارها فيهما" ([165]).
ويبين ارتباط الخلق والأمر بأسماء الله الحسنى فيقول: "العلم بالأسماء الحسنى أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقا له تعالى، أو أمرا، إما علم بما كونه، أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه" ([166]).
ومن أمثلة آثار أسماء الله تعالى: ما أشار إلى شيء منها ابن القيم عندما تحدث عن آثار اسم الله "الرحيم"، فقال: "فانظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة، فبرحمته أرسل إلينا رسوله ﷺ، وأنزل علينا كتابه، وعلمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبصرنا من العمى، وأرشدنا لصالح ديننا ودنيانا، وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار" ([167]).
وقال في موضع آخر: "والأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني من موجبات العلم بها، والتحقق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح" ([168]).
ثم ذكر أمثلة لتلك الثمرات والآثار، فقال: "فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة، يثمر له عبودية التوكل عليه باطنا، ولوازن التوكل وثمراته ظاهرا. وعلمه بسمعه تعالى وبصره، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة، في السماوات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور: يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطنا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته: توجب له سعة الرجاء، ويثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه. وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه: تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعا من العبودية الظاهرة هي موجباتها. وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلا،: يوجب له محبة خاصة، بمنزلة أنواع العبودية، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها، فخلقه سبحانه وأمره هو موجب أسمائه وصفاته في العالم وآثارها ومقتضاها" ([169]).
وإن أعظم ثمرة لمعرفة أسماء الله تعالى هي معرفة الرب جل وعلا، وذكره، "وكلما كانت حاجة الناس إلى معرفة الشيء وذكره أشد وأكثر، كانت معرفتهم به وذكرهم له أعظم وأكثر، وكانت طرق معرفته أكثر وأظهر، وكانت الأسماء المعرفة له أكثر، وكانت على معانيه أدل، فالمخلوق الذي يتصوره الناس ويعبرون عنه أكثر من غيره تجد له الأسماء والصفات عندهم ما ليس لغيره، كالأسد، والداهية، والخمر، والسيف، ونحو ذلك، فلكل من هذه المسميات في اللغة من الأسماء أسماء كثيرة، وهذا الاسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الآخر، كما يقولون في السيف: صارم، ومهند، وأبيض، وبتار، ومن ذلك أسماء الرسول ﷺ، وأسماء القرآن.... ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه، وله سبحانه في كل لغة أسماء، وله في اللغة العربية أسماء كثيرة" ([170]).
ومن آثار الإيمان بأسماء الله تعالى: الدعاء والتوصل إلى الله جل وعلا بها، وهو أعظم أنواع التوسل، فالمسلم يدعو الله بكل اسم له سبحانه دعاء عبادة، ويسأله سبحانه دعاء مسألة لجلب نفع، أو دفع ضر، كما في هذا الحديث الذي فيه توسل إلى الله تعالى لدفع الهموم والغموم والأحزان، ولجعل القرآن ربيعا للقلوب ونورا للصدور.
المبحث الرابع
دعاء الله تعالى والتوسل إليه
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: دعاء الله تعالى وحاجة الناس إلى ذلك.
المطلب الثاني: الحذر من دعاء غير الله تعالى.
المطلب الثالث: التوسل إلى الله تعالى وأنواعه المشروعة.
المبحث الرابع: دعاء الله تعالى والتوسل إليه
المطلب الأول: دعاء الله تعالى وحاجة الناس إلى ذلك
تضمن هذا الحديث مسألة من الدين عظيمة، ألا وهي دعاء الله وطلبه والتوسل إليه، ولعظم أمر هذه المسألة عند الله جل وعلا فقد أمر بها في آيات كثيرة، وحث عليها رسوله ﷺ ـ قولا وعملا وتقريرا ـ في أحاديث عديدة.
ومن ذلك قوله تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ [غافر: 60]، وقوله: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{ [البقرة: 186]، وقال ﷺ: «الدعاء هو العبادة»([171]).
كما أن الله سبحانه أمر بأن لا يدعا إلا بأسمائه الحسنى، قال تعالى: }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{ [الأعراف: 180].
نوعا الدعاء:
ودعاء الله جل وعلا نوعان:
1- دعاء المسألة والطلب: وهو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره، أو دفعه.
ودعاء المسألة بأسماء الله هو سؤال الله في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، والتوسل إليه سبحانه بأسمائه، مثل أن يقول الداعي: اللهم ارحمني يا رحمن، واغفر لي يا غفور، ونحو ذلك ([172]).
ومن أدلة هذا النوع من الدعاء: قوله تعالى: }رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ{ [آل عمران: 8]، وحديث: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»([173]).
2- دعاء العبادة والثناء: وهو التعبد لله سبحانه وتعالى، والثناء عليه بأسمائه وصفاته، فكل اسم يتعبد به بما يقتضيه ذلك الاسم.
ومن أدلة هذا النوع: قوله تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ [غافر: 60]، وقوله: }إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا{ [النساء: 117]، ويدل على ذلك قوله ﷺ: «الدعاء هو العبادة»، فمثلا: الغفور يدل على المغفرة، وحينئذ تعرض لمغرفة الله عز وجل بكثرة التوبة والاستغفار ([174]).
ونوعا الدعاء متلازمان، ذلك أن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره أو دفعه ـ كما سبقت الإشارة إلى هذا قبل قليل ـ "وكل من يملك الضر والنفع فهو المعبود حقا، والمعبود لابد وأن يكون مالكا للنفع والضر، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا.... وهذا في القرآن كثير بين أن المعبود لابد أن يكون مالكا للنفع والضر، فهو يدعا للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعا خوفا ورجاء دعاء العبادة، فعلم أن النوعين متلازمان، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة، وعلى هذا فقوله تعالى: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ{ يتناول نوعي الدعاء، وبكل منهما فسرت الآية: قيل: أعطيه إذا سألني، وقيل: أثيبه إذا عبدني" ([175]).
حاجة الناس إلى دعاء الله تعالى وخطورة الغفلة عنه:
حاجة الناس إلى الدعاء عظيمة، وضرورتهم إليه كبيرة، فهو من أنفع الأسباب وأقواها في جلب المنافع ودفع المضار، كيف وهو مطلب شرعي، وأمر إلهي: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60]؟! وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من لم يدع الله سبحانه غضب عليه»([176]).
يقول ابن أبي العز الحنفي (ت 792هـ): "والذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وسائر أهل الملل وغيرهم: أن الدعاء من أقوى الأسباب في طلب المنافع، ودفع المضار"([177]).
ويقول ابن القيم (ت 751هـ): "والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن... ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء"([178]).
ثم ذكر ـ رحمه الله ـ أن للدعاء مع البلاء ثلاثة مقامات:
الأول: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون الدعاء أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفا.
الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه ([179]).
ومن منافع الدعاء العظيمة: اعتراف العبد وإيمانه بربوبية الله تعالى، وأنه سميع قريب، عليم رحيم كريم، وإقراره بفقره وحاجته إليه، واضطراره إلى ربه ومولاه وحده لا شريك له ([180]).
فالدعاء سبب عظيم من أسباب جلب المطلوب ودفع المكروه، بل من أهم الأسباب وأرجاها، وهو متحقق بوعد الله سبحانه وتعالى بذلك، قال تعالى: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ{ [البقرة: 186]، فعلى العبد المسلم أن يعلق قلبه بالله وحده، ويصدق معه، ويلجأ إليه في السراء والضراء، حبا ورجاء وخوفا.
ولا تتخلف إجابة الدعاء إلا بسبب يقتضي ذلك: "إما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا، فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة من: أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة واللهو وغلبتها عليها.
ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد، ويستبطيء الإجابة، فيستحسر، ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرا، أو غرس غرسا، فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه، تركه وأهمله.
والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، السلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما، لا آفة به، والساعد ساعدا قويا، والمانع مفقودا، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة لم يحصل الأثر" ([181]).
بهذا نعلم أن الدعاء سبب عظيم لنيل المطلوب من جلب نفع أو دفع ضر، والسبب له شروط وموانع، فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب، وإلا فلا يحصل ذلك المطلوب، وهكذا سائر الكلمات الطيبات، من الأذكار المأثورة؛ فإنها بمنزلة الآلة في يد الفاعل؛ تختلف باختلاف قوته، وما يعينها، وقد يعارضها مانع من الموانع ([182]).
ودليل كون الاستعجال والعدوان في الدعاء مانعا من موانع الإجابة: قوله ﷺ: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل؛ يقول دعوت فلم يستجب لي»([183])، وقوله: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء»([184]).
ودليل خطورة الغفلة عند الدعاء: قوله ﷺ: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه»([185]).
ودليل أثر أكل الحرام وشربه: قوله ﷺ: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: }يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ{، وقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ{، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشبه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك»([186]).
المطلب الثاني: الحذر من دعاء غير الله تعالى
وليحذر المسلم من أن يفزع إلى غير الله تعالى، لا في السراء ولا في الضراء، لا إلى ولي، أو شيخ، أو قبر، أو غير ذلك مما قد يلجأ إليه الجهلة والمحرومون؛ فإن "المؤمن يرجو ربه، ويخافه، ويدعوه مخلصا له الدين، وحق شيخه عليه أن يدعو له، ويترحم عليه، فإن أعظم الخلق قدرا هو رسول الله ﷺ، وأصحابه أعلم الناس بأمره وقدره، وأطوع الناس له، ولم يكن يأمر أحدا منهم عند الفزع والخوف أن يقول: يا سيدي يا رسول الله، ولم يكونوا يفعلون ذلك، لا في حياته، ولا بعد مماته، بل كان يأمرهم بذكر الله ودعائه، والصلاة والسلام عليه، ﷺ " ([187])، كما كان يرشدهم إذا أصابهم الهم والحزن إلى التعلق بالله، والالتجاء إليه، ودعائه، والتوسل إليه؛ ومن ذلك قوله ﷺ: «ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكانه فرجا»، قالوا: يا رسول الله: أفلا نتعلمهن، قال: «ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن».
فلا مفزع إلا إلى الله وحده لا شريك له، ولا ملجأ إلا إليه، ولا نجاة من الفتن والنوائب إلا بالتعلق به وحده، "وأما الرجل إذا أصابته نائبة، أو خاف شيئا فاستغاث بشيخه، يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع، فهذا من الشرك، وهو من جنس دين النصارى؛ فإن الله هو الذي يصيب بالرحمة، ويكشف الضر... فإذا قال القائل: أنا أدعو الشيخ ليكون شفيعا لي: فهو من جنس دعاء النصارى لمريم والأحبار للرهبان"([188])؛ يقول الله سبحانه وتعالى: }وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ{ [يونس: 107].
فكيف يعدل من ينتسب إلى دين الإسلام عما شرعه الله ورسوله إلى بدع ما أنزل الله بها من سلطان، تضاهي دين المشركين من النصارى وأشباههم؟! ([189]).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "مطلوب العبد إذا كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى؛ مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافيته، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، أو غفران ذنبه، أو دخول الجنة أو نجاته من النار، أو أن يتعلم القرآن والعلم، أو يصلح قلبه، ويحسن خلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك؛ فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لا لملك، ولا نبي، ولا شيخ ـ سواء كان حيا أو ميتا ـ: اغفر ذنبي، ولا: انصرني على عدوي، ولا: اشف مريضي، ولا: عافني وعافي أهلي ودوابي، وما أشبه ذلك، ومن سأل ذلك مخلوقا، كائنا من كان، فهو مشرك بربه، من جنس المشركين، الذين يعبدون الملائكة والأنبياء التماثيل التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه.
وأما ما يقدر عليه العبد، ويجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض، فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهيا عنها" ([190]).
ويقال لمن يدعو غير الله فيما لا يقدر عله إلا الله: "أنت دعوت هذا، فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك، وأقدر على عطاء سؤالك، أو أرحم بك من ربكن فهذا جهل، وضلال، وكفر، وإن كنت تعلم أن الله أعلم، وأقدر، وأرحم، فلماذا عدلت عن سؤاله إلى غيره؟".
فإن قال هذا الجاهل: "هذا إذا دعا الله أجاب دعاءه أعظم مما يجيبه إذا دعوته أنا"، قيل له: لا يجوز أن تطلب منه الفعل، ولا تدعوه، ولكن تطلب منه أن يدعو لك؛ فإن هذا مشروع في الحي فقط، "وأما الميت من الأنبياء والصالحين، وغيرهم، فلم يشرع لنا أن نقول: ادع لنا، ولا اسأل لنا ربك، ولا نحو ذلك؛ لم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد في ذلك الحديث" ([191]).
المطلب الثالث: التوسل إلى الله تعالى وأنواعه المشروعة
تعريف التوسل وأقسام الوسيلة:
التوسل والوسيلة: الرغبة، والطلب، والقربة، والواسطة، وما يتوصل به إلى الشيء، ويتقرب به إليه، وجمعها: وسائل، والواسل: الراغب، يقال: وسل، وتوسل إلى الله تعالى توسيلا: عمل علا تقرب به إليه، فالواسل هو: الراغب، إلى الله عز وجل، والوسيلة هي: التوصل إلى الشيء برغبة، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة ([192]).
والوسيلة تنقسم إلى قسمين:
1) الوسيلة الكونية: وهي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود، بخلقته التي خلقها الله عليها، وهي مشتركة بين الخلق جميعا ـ المؤمن والكافر ـ مثل الماء: وسيلة إلى الري. والطريق الصحيح لمعرفة صحة الوسيلة الكونية: النظر السليم والحس والتجربة، بحيث يثبت تحقيقها للمطلوب، أو يغلب على الظن، بشرط أن لا تكون ممنوعة شرعا.
2) الوسيلة الشرعية: وهي كل سبب يوصل إلى المقصود، عن طريق ما شرعه الله تعالى، وجاء في كتابه وسنة نبيه ﷺ، وهي خاصة بالمؤمن، مثل اتباع السيئة الحسنة: وسيلة إلى محو السيئة. والطريق لمعرفة مشروعية هذه الوسيلة هو الكتاب والسنة، فلا يشترط فيها إلا ثبوتها بالشرع ([193]).
أنواع التوسل المشروع:
دل الحديث على مشروعية التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، والشاهد منه قوله: «اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلبي» الحديث.
ففيه توسل إلى الله جل وعلا بربوبيته وأسمائه وصفاته، وهذا النوع من أنفع أنواع التوسل، بل هو أعظم ما يسأل الله تعالى به، وأحب الوسائل إلى الله، وأقربها تحصيلا للمطلوب ([194])؛ وذلك أن التوسل المشروع إلى الله سبحانه ثلاثة أنواع فقط، وهي ما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، وما عداها من التوسلات فباطل.
وهذه الأنواع الثلاثة هي:
النوع الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته: مثل أن يقول المتوسل: "أسألك بكل اسم هو لك أن تجعل القرآن ربيع قلبي" أو يتوسل إلى الله باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العليا؛ مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم أن ترحمني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي وترحمني، ونحو ذلك ([195])، ومن هذا النوع: التوسل في حديث هذا البحث.
وأدلة مشروعية هذا النوع كثيرة جدا في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، ومن ذلك: قوله تعالى: }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{ [الأعراف: 180]، أي ادعوا الله بأسمائه دعاء العبادة ودعاء المسألة ([196]).
وقوله: }وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ{ [النمل: 119]، فهو سأل الله تعالى وتوسل إليه بصفة من صفاته وهي الرحمة.
وقوله: ﷺ: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحييني ما علمت الحياة خيرا لبي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي...»([197]).
وقد سمع ﷺ رجلا يقول في تشهده: "اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم"، فقال ﷺ: «قد غفر له، قد غفر له»([198])، إلى غير ذلك من النصوص الشرعية الكثيرة.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الخلق كلهم يسألون الله، فالسؤال كقول السائل لله: أسألك بأن لك الحمد، أنت الله المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ فهذا سؤال الله تعالى بأسمائه وصفاته، وليس ذلك إقساما عليه؛ فإن أفعاله هي مقتضى أسمائه وصفاته، فمغفرته ورحمته من مقتضى اسمه الغفور الرحيم، وعفوه من مقتضى اسمه العفو" ([199])، وفي موضع آخر ذكر اتفاق الأئمة "على أن الله يسأل ويقسم عليه بأسمائه وصفاته، كما يقسم على غيره بذلك؛ كالأدعية المعروفة في السنن" ([200]).
ويقول ابن القيم (ت 751هـ): "فيذكر لهم من أوصاف كماله، ونعوت جلاله ما يجذب قلوبهم إلى المبادرة إلى دعوته، والمسارعة إلى طاعته، والتنافس في القرب منه... وأمر عباده أن يسألوه بأسمائه وصفاته، ففتح لهم باب الدعاء، رغبا ورهبا، ليذكره الداعي بأسمائه وصفاته، فيتوسل إليه بها، ولهذا كان أفضل الدعاء وأجوبه ما توسل فيه الداعي إليه بأسمائه وصفاته... وأحب ما دعاه الداعي به أسماؤه وصفاته..." ([201])، ثم استدل ـ رحمه الله ـ بأدلة من الكتاب والسنة، وذكر منها حديث هذا البحث ([202]).
ويقول في موضع آخر: "ذكر الله عز وجل، والثناء عليه: أنجح ما طلب به العبد حوائجه، وهذه فائدة من فوائد الذكر والثناء؛ أنه يجعل الدعاء مستجابا، فالدعاء الذي يقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته، وافتقاره، واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل؛ فإنه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله، وعرض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته، فهذا المقتضى منه، وأوصاف المسئول مقتضى من الله، فاجتمع المقتضى من السائل، والمقتضى من المسئول في الدعاء، وكان أبلغ وألطف، وأتم معرفة وعبودية" ([203]).
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قدمه المتوسل: مثل أن يقول: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك اغفر لي، أو أن يقول: اللهم بمحبتي لرسولك واتباعي له أدخلني الجنة، ونحو ذلك؛ كأن يذكر المتوسل إلى الله عملا صالحا، ثم يتوسل به إلى الله في دعائه ([204]).
ومن أدلة مشروعية هذا النوع: قوله تعالى: }الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{ [آل عمران: 16].
وقوله: }رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ{ [آل عمران: 53]، وقد سمع النبي ﷺ رجلا يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد" فقال: «قد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب»([205])، فهذا الداعي جمع بين التوسل بعمله الصالح والتوسل بأسماء الله وصفاته.
ومن أدلة هذا النوع أيضا: قصة الثلاثة الذين آووا إلى غار، فدخلوه، فانحدرت صخرة، فسدت عليهم الغار، فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة، حتى انفجرت الصخرة، فخرجوا يمشون ([206]).
والتوسل بالأعمال الصالحة واتباع الشرع الحنيف من أفضل أنواع التوسلات المشروعة، بل هو أفضلها، بعد التوسل بأسماء الله وصفاته؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "لو سأل الله بإيمانه بمحمد ﷺ، ومحبته له وطاعته له، واتباعه له، لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضي إجابة الدعاء، بل هذا أعظم الأسباب والوسائل، والنبي ﷺ بين أن شفاعته في الآخرة تنفع أهل التوحيد، لا أهل الشرك" ([207]).
ويقول ابن القيم في حديثه عن سورة الفاتحة: "ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، ونيله أشرف المواهب، علم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده، ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء" ([208]).
النوع الثالث: التوسل إلى الله تعالى بدعاء عبد صالح: مثل أن يذهب المسلم إلى عبد ذي صلاح وفضل وتقوى، فيطلب منه أن يدعو له ([209]).
ويشهد لهذا النوع خبر الرجل الذي دخل يوم الجمعة والرسول ﷺ يخطب، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، وانقطعت السبل، فادع الله لنا أن يسقينا، فرفع ﷺ يديه يدعو، فما وضعهما حتى ثار السحاب ومطر الناس. وفي الجمعة التي بعدها دخل ذلك الرجل أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فادع الله يحبسه لنا، فرفع ﷺ يديهن فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» ودعا ﷺ حتى انكشفت السحب ([210]).
ومن الأدلة: ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا ﷺ فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال فيسقون ([211]).
ومراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا، فيدعو لنا، وإنا بعد وفاته ﷺ نتوسل إليك بدعاء عم نبينا، فنطلب منه أن يدعو لنا ([212]).
هذه هي أنواع التوسل المشروع، فلا يجوز أن يتوسل لجلب نفع أو دفع ضر إلا إلى الله وحده، ولا يجوز أن يتوسل إليه إلا بما شرع؛ يقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: "وبالجملة، فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل في الرغبة والرهبة؛ مثل دعائهم عند الاستسقاء لنزول الرزق، ودعائهم عند الكسوف، والاعتداد لدفع البلاء، وأمثال ذلك؛ إنما يدعون في مثل ذلك الله وحده، لا يشركون به شيئا؛ لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله عز وجل، بل كان المشركون في جاهليتهم يدعون الله بلا واسطة، فيجيبهم، أفتراهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان" ([213]).
المبحث الخامس
دواء الهموم والغموم والأحزان
المبحث الخامس: دواء الهموم والغموم والأحزان
يعلمنا الرسول ﷺ أفضل دواء، وأنجع علاج للهموم والغموم والأحزان؛ وهو الالتجاء إليه سبحانه وتعالى، والتوسل إليه بأسمائه، ودعاؤه جل وعلا أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.
وقوله: «أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري» يجمع أصلين عظيمين: الربيع والنور، وهما الحياة والهداية؛ فإن الربيع هو المطر الذي يحيي الأرض، فينبت الربيع، فتصبح الأرض حية بمائها وربيعها، والإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان ويميل إليه، فالمسلم يدعو الله أن يجعل القرآن ربيع قلبه، يعيش في قراءته وحفظه وتدبره والعمل به، في خصوبة وحياة وربيع، ليرتاح قلبه بذلك، كما يدعو الله أن يجعل القرآن نورا له بمنزلة الشمس التي تستنير بها الأرض، فهو بهذا يتوسل إلى الله بربوبيته، وعبوديته له، وبأسمائه وصفاته أن يجعل القرآن حياة ونورا لقلبه، والحياة والنور جماع الخير كله ([214]).
يقول ابن القيم (ت 751هـ): "وقوله: «أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري»: الربيع المطر الذي يحيي الأرض؛ شبه القرآن به لحياة القلوب به، وكذلك شبهه الله بالمطر، وجمع بين الماء الذي تحصل به الحياة، والنور الذي تحصل به الإضاءة والإشراق، فتضمن الدعاء أن يحيي قلبه بربيع القرآن، وأن ينور به صدره، فتجتمع له الحياة النور" ([215]).
وقال في موضع آخر: "ثم سأله أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان، وكذلك القرآن ربيع القلوب، وأن يجعله شفاء همه وغمه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية وغيرها، فأحرى بهذا العلاج إذا صدق العليل باستعماله أن يزيل عنه داءه، ويعقبه شفاء تاما، وصحة وعافية، والله الموفق" ([216]).
وعند التأمل في هذا الحديث يتبين أن من أعظم الأدوية في دفع الهموم والغموم والأحزان ما يلي:
1) الاعتقاد الجازم بوحدانية الله تعالى بربوبيته، وتدبيره وملكه وتصريفه.
2) الاعتقاد الجازم بوحدانية الله تعالى في ألوهيته؛ فهو وحده المستحق للعبادة بأنواعها.
3) تنزيه الله تعالى عن أن يظلم عبده، وأنه سبحانه متصف بالعدل الكامل.
4) التوسل إلى الله جل وعلا بأحب الأشياء إليه، وهو أسماؤه وصفاته.
5) الاستعانة به وحده، وإقرار العبد له بالرجاء.
6) تحقيق التوكل عليه، والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده؛ يصرف كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.
7) أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان، وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات، وأن يتسلى به عن كل فائت، ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفى به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه.
8) تلاوة القرآن، وحفظه، وتدبره، والعمل به، واتباع ما فيه([217]).
وتأمل المثل الذي ضربه الله تعالى ليتبين لك أثر الحياة الإيمانية، والنور الرباني؛ وذلك في قول الله تعالى: }أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا{ [الأنعام: 122]؛ فهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتا، أي في الضلالة هالكا حائرا، فأحياه الله؛ أي أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله، }وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ{؛ أي يهتدي كيف يسلك، وكيف يتصرف به، والنور هو القرآن... }كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ{ أي الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، }لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا{ أي لا يهتدي إلى منفذ، ولا مخلص مما هو فيه" ([218])، وقيل: المراد بالنور: الهدى والإيمان، وقيل: الإسلام، "والكل صحيح" كما قد قيل بأن الآية نزلت في حادثة معينة، "والصحيح أن الآية عامة، يدخل فيها كل مؤمن وكافر" ([219]).
ووصف الله القرآن الكريم بأنه روح ونور في قوله تعالى: }وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا{[الشورى: 52]، فالمراد بقول: }رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا{ أي القرآن الكريم، وهو الذي قال فيه سبحانه وتعالى: }جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا{، فالقرآن روح ونور للعباد ([220])، "روح تحصل به الحياة، ونور تحصل به الهداية، فأتباعه لهم الحياة والهداية، ومخالفوه لهم الموت والضلال" ([221]).
وهنا لطيفة ذكرها ابن القيم في الفرق بين أن يكون القرآن ربيع القلب، وأن يكون نور الصدر؛ وهي أنه: "لما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه إلى القلب؛ لأنه قد حصل لما هو أوسع منه، ولما كانت الحياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب، تسري الحياة منه إلى الصدر ثم إلى الجوارح، سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها.
ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل أن يكون ذهابها بالقرآن، فإنها أحرى أن لا تعود، وأما إذا ذهبت بغير القرآن، من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد، فإنها تعود بذهاب ذلك" ([222]).
ولابن القيم كلام جميل يلخص فيه فوائد الذكر وآثاره في كلام موجز؛ فيقول: "والمقصود أن الذكر ينور القلب والوجه والأعضاء، وهو نور العبد في دنياه، وعلى حسب نور الإيمان في قلب العبد تخرج أعماله وأقواله ولها نور وبرهان، حتى إن من المؤمنين من يكون نور أعماله إذا صعدت إلى الله تبارك وتعالى كنور الشمس، وهكذا نور روحه إذا قدم بها على الله عز وجل، وهكذا يكون نوره الساعي بين يديه على الصراط، وهكذا يكون نور وجهه في القيامة، والله تعالى المستعان، وعليه الاتكال" ([223]).
والقلب إنما خلق لمعرفة فاطره، وتوحيده، ومحبته، والتوكل عليه، ولا نعيم له ولا حياة إلا بذلك، وهو بمنزلة الغذاء والصحة والحياة له، فإذا فقد غذاءه وصحته وحياته فالهموم والغموم والأحزان مسارعة إليه من كل صوب، والأمراض قادمة عليه من كل اتجاه، وأعظمها: الشرك والكبائر وسائر الذنوب والمعاصي، وعلاجه يكون بالأدوية الإلهية والتوجيهات النبوية؛ وأعظمها توحيد الله والتوكل عليه، والتوسل إليه، والاعتصام بكتابه وسنة رسوله ([224]).
فالاعتصام بالقرآن العظيم ـ تلاوة وحفظا وعملا ـ والتوسل إلى الله بأن يجعله ربيع القلب، ونور الصدر، وجلاء الحزن، وذهاب الهم والغم، هو أعظم دواء، وأنجح دافع لما قد يقع على القلب من الأمراض والعوارض؛ يقول الله عز وجل: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ{ [يونس: 57].
ويقول سبحانه: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا{ [الإسراء: 82]، وقال: }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى{ [فصلت: 44].
فالقرآن الكريم شفاء لما في الصدور من أمراض الشبهات والشكوك والريب، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، وأمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع؛ فإن ما فيه من التوحيد والأحكام، والمواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وكذلك ما فيه من البراهين، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين، وإذا سلم القلب وصح من مرضه تبعته الجوارح كلها؛ فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده؛ فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة، وذلك للمؤمنين به، المتبعين لما فيه، العاملين بأوامره ونواهيه، وأما الظالمون بعدم الإيمان به، وترك اتباع ما فيه، فلا يزيدهم إلا خسارا بقيام الحجة عليهم؛ فالشفاء الذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب من الشبه والشهوات، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها ([225]).
يقول ابن كثير: "يقول الله تعالى مخبرا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد ﷺ ـ وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه، تنزيل من حكيم حميد ـ: إنه شفاء ورحمة للمؤمنين؛ أي يذهب ما في القلوب من أمراض؛ من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل؛ فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة، وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به، وصدقه، واتبعه؛ فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك، فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعدا وكفرا، والآفة من الكافر لا من القرآن" ([226]).
ويقول السعدي (ت 1376هـ): "قال: }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{ أي: يهديهم لطريق الرشد والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة، وشفاء لهم من الإسقام البدنية والأسقام القلبية؛ لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق، وأقبح الأعمال، ويحث على التوبة النصوح، التي تغسل الذنوب، وتشفي الصدور" ([227]).
فقوله: «أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري» يتضمن التوسل إلى الله لتحصيل النافع السار من الحياة والنور، وقوله: «وجلاء حزني وذهاب همي وغمي» يتضمن إزالة المؤذي الضار من الأحزان والهموم والغموم، فتضمن الحديث أصول الخير كلهن ودفع الشر.
والأمراض التي جاء ذكرها في الحديث هي من أعظم أمراض القلب وأدوائه، كيف لا وهي تجمع الحزن على مكروه ماض، وغم على مكروه حاصل حاضر، وهم على مكروه يتوقع في المستقبل، وكلها أمراض تجتمع على النفس والعقل والقلب؟! ([228]).
وهذه الأمراض تمثل ما يسمى اليوم بالأمراض النفسية، وقد أطلق عليها بعض الناس أمراض العصر، لكثرتها وانتشارها، وكون الواقع المعاصر وما فيه أحد أسباب هذه الأمراض، إذا صادف قلبا خاويا من التوحيد والذكر والاستغفار.
بل وإن كان سبب بعض الأمراض النفسية مرض عضو من أعضاء البدن، أو سحرا، أو عينا، أو مسا، إلا أنه يصحبها حزن وهم وغم، فتصبح مرضا نفسيا، ويصبح المريض حزينا مغموما مهموما.
ولخطورة هذه الأمراض وشدتها، فقد اجتهد الناس في معرفة أدويتها، وطرق علاجها، والتخلص منها، فتنوعت في ذلك طرقهم، وتباينت تباينا كبيرا، فأصبح كل أحد يسعى للتخلص منها بما يظن أو يتوهم أنه يخلصه منها.
والعجيب في أمر بعض الناس أنه يسعى للتخلص من هذه الأمراض بالتداوي منها بأنواع من المحرمات والمعاصي، من الكبائر والصغائر؛ كالجهال الذين يتداوون، أو يوصون بالتداوي باستماع الأصوات المطربة كالموسيقى وآلات اللهو والأغاني، أو باللهو واللعب، أو بتناول المحرمات أكلا وشربا، ونحو ذلك مما يزيد الأمراض النفسية تعقيدا، ويبعد عن الأسباب الصحيحة للعلاج ([229]).
يقول ابن القيم: "الغم والهم والحزن أمراض القلب، وشفاؤها بأضدادها، من الفرح والسرور، فإن كان ذلك بحق اشتفى القلب وصح وبرئ من مرضه، وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر ولم يزل، وعقب أمراضا هي أصعب وأخطر" ([230]).
إن العلاج الناجع لهذه الأمراض القلبية والنفسية هو ما ذكره خالق هذه الأمراض، وبارئ هذه الأبدان والأرواح؛ خالق الكون، ومدبره، ومالكه. إن مصدر العلاج وأسه وحقيقته في قوله تعالى: }فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{ [محمد: 19]؛ إنه التوحيد والاستغفار.
يقول ابن القيم بعد أن ذكر من يعالج بالأدوية المحرمة: "وكلهم قد أخطأ الطريق إلا من سعى في إزالتها بالدواء الذي وصفه الله لإزالتها، وهو دواء مركب من مجموعة أمور، متى نقص منها جزء نقص من الشفاء بقدره، وأعظم أجزاء هذا الدواء هو التوحيد والاستغفار" ([231]).
ثم بين ـ رحمه الله ـ كيف أن التوحيد والاستغفار يزيل الهموم والغموم والأحزان، فقال: "فالتوحيد يدخل العبد على الله، والاستغفار والتوبة يرفع المانع، يزيل الحجاب الذي يحجب القلب عن الوصول إليه، فإذا وصل القلب غليه زال عنه همه وغمه وحزنه، وإذا انقطع عنه حضرته الهموم والغموم والأحزان، وأتته من كل طريق، ودخلت عليه من كل باب، فلذلك صدر هذا الدعاء المذهب للهم والغم والحزن بالاعتراف له بالعبودية حقا، منه ومن آياته. ثم أتبع ذلك باعترافه بأنه في قبضته وملكه، وتحت تصرفه؛ بكون ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، كما يقتاد من أمسك بناصيته شديد القوى؛ لا يستطيع إلا الانقياد له. ثم أتبع ذلك بإقراره له بنفاذ حكمه فيه، وجريانه عليه، شاء أم أبى، وإذا حكم فيه بحكم لم يستطع غيره رده أبدا، وهذا اعتراف لربه بكمال القدرة عليه، واعتراف من نفسه بغاية العجز والضعف، وكأنه قال: "أنا عبد ضعيف مسكين، يحكم فيه قوي قاهر غالب، وإذا حكم فيه بحكم مضى حكمه فيه ولابد". ثم أتبع ذلك باعترافه بأن كل حكم وكل مصيبة ينفذها فيه هذا الحاكم، فهو عدل محض بمشيئته؛ لا جور فيها ولا ظلم بوجه من الوجوه، فقال: «ماض في حكمك، عدل في قضاءك»، وهذا يعم جميع أقضيته سبحانه في عبده" ([232])، فمن كان هذا إيمانه ويقينه، وصدق توكله ولجوئه إلى خالقه، وتسليمه بقضائه وقدره، مع فعل الأسباب المشروعة، فما ظنك بحاله؟ وكيف ستكون نفسيته؟ إنه وبلا شك سيعيش هنيئا، مدافعا للهموم والغموم والأحزان، وسعيدا باتباعه لذكر الله، في سعة وانشراح، وتأمل قول الله تعالى في وصف المعرضين عن ذكر الله: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى{ [طه: 124 - 126].
والضنك هو: الضيق والشدة والبلاء؛ فمن أعرض عن ذكر الله بأسمائه وصفاته وأوامره ونواهيه، ونعمه، وأعرض عن كتابه فلم يتله، ولم يتدبره، ولم يعمل به، فإن حياته ومعيشته لا تكون إلا مضيقة عليه، منكرة، معذبا فيها، قيل: في البرزخ، والصحيح أنها تتناول معيشته في الدنيا، وفي البرزخ؛ فإنه يكون في ضنك في الدارين، وفي الآخرة يحشر أعمى، وينسى في العذاب، وهذا عكس أهل الذكر والإيمان والاتباع؛ فإن حياتهم في الدنيا في سعادة وفلاح، فحياتهم أطيب الحياة، ولهم في البرزخ، وفي الآخرة أفضل الثواب ([233]).
وتأمل قوله الله تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].
وقوله: }فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً{ فسرها بعض العلماء بالرزق الحلال الطيب، وبعضهم فسرها بالقناعة، وبعضهم بالسعادة، وبعضهم بالرزق الحلال والعبادة في الدنيا والانشراح بها، "والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله" ([234]).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا، وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، من ذكر أو أنثى، من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله وأن هذا العمل بالمأمور به مشروع من عند الله، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت" ([235]).
هذه هي أنجع الأدوية التي يجب أن تستعمل لإزالة الهموم والغموم والأحزان، ولا يعني ذلك إهمال الأدوية الحسية من العقاقير الطبية التي يوصي بها الطبيب الماهر الموثوق؛ فإن لهذا أثرا فاعلا محسوسا في إزالة كثير من الأمراض؛ فهي سبب من الأسباب التي قدرها الله تعالى لإزالة الأمراض.
ومما يجب أن يعلم أن المرض نوعان:
1) مرض قد لا يتألم به صاحبه؛ كمرض الشبهات والشهوات، مع أنه أعظم النوعين ألما، ولكن لفساد القلب وغفلته لا يحس بالألم، ولأن غلبة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم، وهذا أخطر النوعين وأشدهما، وعلاجه بما جاءت به الرسل ودعا إليه أتباعهم؛ فهم وحدهم أطباء هذا النوع من الأمراض، لا غير.
2) مرض مؤلم؛ كالهم والغم والحزن، والأمراض البدنية على اختلافها، وهذا النوع قد يزول بأدوية طبيعية؛ كإزالة أسبابه، أو المداواة بما يضاد تلك الأسباب، وما يدفع موجبها مع قيامها، بالعقاقير الطبية والأدوية الحسية المجربة، وأفضل علاج وأنجعه هو دعاء الخالق والتوسل إليه مع اتباع ما جاء في كتابه وسنة رسوله ﷺ ([236]).
الخاتمة
الحمد لله الذي أعان على إتمام هذا البحث، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وخاتم الأنبياء والمرسلين.
وبعد:
فإنه من خلال دراسة هذا الحديث العظيم، وهذا التوجيه النبوي الكريم، تبين ما يلي:
1- حرص الرسول ﷺ على توجيه العباد في السراء والضراء.
2- أن أعظم ما يحفظ العباد، ويعينهم على السلامة من الأدواء، هو توحيد الله تعالى بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.
3- أفضل الطرق، وأنجح السبل في تقويم الناس هو تربيتهم على التعلق بالله وحده والإيمان بقضائه وقدرته.
4- الله سبحانه وتعالى موصوف بالعدل الكامل المطلق؛ فهو سبحانه لا يظلم أحدا، مع قدرته سبحانه على ذلك.
5- حكم الله تعالى ماض في عباده؛ لا يرد قضاؤه، وكل ما يقضيه خير، فلا يضاف إليه الشر جل وعلا.
6- أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين، وهي توقيفية؛ لا مجال للاجتهاد فيها، ومن أسمائه سبحانه ما استأثر بعلمه في علم الغيب عنده جل وعلا.
7- أسماء الله تعالى كاملة الحسن، معلومة المعاني، لا تماثل أسماء وصفات المخلوقين، ولا نعلم كيفياتها؛ فكما أن لله ذاتا لا تشبه المخلوقين، فكذلك له أسماء وصفات لا تشبه أسماءهم وصفاتهم.
8- دعاء الله تعالى، والالتجاء إليه، والتوسل إليه بأسمائه وصفاته أعظم أسباب الشفاء من الأمراض، وأصدق الأدوية وأنفعها.
9- وجوب الحذر من دعاء غير الله تعالى، والبعد عن التوسلات غير المشروعة، فمن وقع في شيء من ذلك فقد ضل وهلك.
10- القرآن الكريم ربيع للقلوب، ونور للصدور، وجلاء للأحزان، وذهاب للغموم والهموم؛ وذلك لمن آمن به وبما فيه، وقرآه، وتدبره، عمل به، واتبع من أنزل عليه، عليه الصلاة والسلام، بإخلاص لله تعالى.
11- ينبغي لمن سمع كلمات هذا الحديث أن يتعلمها؛ متابعة لتوجيه رسول الله ﷺ .
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يرزقني إخلاص النية وصواب العمل، وهذا جهدي في ذكر ما تضمنه هذا الحديث من مسائل عقدية، مع اعتراف بالضعف والتقصير، وصلى الله على نبينا محمد.
([1]) كذا في هذا الرواية (فرجا) بالجيم المعجمة، وهي رواية الإمام أحمد في المسند 1/391، ووردت عنده (1/452) وفي سائر روايات وطرق الحديث (فرحا) بالحاء المهملة.
([2]) رواه الإمام أحمد في مسنده 1/391، وأبو يعلى (5927)، والطبراني في الكبير (10352)، وابن حبان في صحيحه (2372)، والحاكم في مستدركه 1/509، وقال: "حديث صحيح على شرط مسلم، إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه من أبيه" وتعقبه الذهبي بقوله: "وأبو سلمة لا يدري من هو، ولا رواية له في الكتب الستة"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/136، وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبي سلمة الجهني، وقد وثقه ابن حبان"، وأورده شيخ الإسلام ابن تيمية في: الكلم الطيب ص58 ، 59 من رواية أحمد وابن حبان في صحيحه، وأقره، وصححه ابن القيم في شفاء العليل 2/749 ، 750، كما صححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 5/226 ح 3712، وذكر أن الحديث سالم من الإرسال، وأن أبا سلمة هو موسى بن عبد الله أو ابن عبد الرحمن الجهني، وهو ثقة، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/383 ح119، وأجاب عما ذكره الحاكم عن الإرسال بقوله: "هو سالم منه، فقد ثبت سماعه منه بشهادة جماعة من الأئمة، منهم: سفيان الثوري، وشريك القاضي، وابن معين، والبخاري، وأبو حاتم"، كما أجاب عما ذكره الذهبي بقوله: "وليس في الرواة من اسمه موسى الجهني إلا موسى بن عبد الله الجهني، وهو الذي يكنى بأبي سلمة، وهو ثقة من رجال مسلم ...".
([3]) مسند الإمام أحمد. 1/452، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 6/153، ح (4318): "إسناده صحيح، وهو مكرر (3712) بهذا الإسناد"، والمنذري في الترغيب والترهيب، كتاب البيوع، الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور، ح (6)، 2/616.
([4]) الطبراني في الكبير (10352).
([5]) الطبراني في الكبير (10352، ومسند أبي يعلى (5297).
([6]) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (341)، الهيثمي في مجمع الزوائد 10/136 ، 137، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/386 شاهدا لرواية عبد الله بن مسعود، ثم قال: "وجملة القول: إن الحديث صحيح من رواية ابن مسعود وحده، فكيف إذا انضم إليه حديث أبي موسى رضي الله عنهما".
([7]) زاد المعاد 4/189.
([8]) الفوائد ص22.
([9]) شفاء العليل 2/750.
([10]) انظر: لسان العرب 3/831، والصحاح 5/2061، والقاموس المحيط 4/192.
([11]) معجم مقاييس اللغة ص1016 ، 1017.
([12]) انظر: لسان العرب 2/1019، والقاموس المحيط 4/157، والمصباح المنير 454.
([13]) انظر: لسان العرب 1/627، والصحاح 5/2098، والقاموس المحيط 4/213.
([14]) انظر: شفاء العليل 2/750، والفوائد ص26، والتعريفات ص100.
([15]) انظر: لسان العرب 3/652، والجامع لأحكام القرآن 5/37.
([16]) انظر: الفوائد ص22 ، 23.
([17]) انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/37.
([18]) انظر: لسان العرب 1/20.
([19]) انظر: بدائع الفوائد 1/183، وفتح المجيد 2/741.
([20]) سيأتي تفصيل لهذه المسألة بأدلتها في ثنايا هذا البحث.
([21]) انظر: لسان العرب 1/1110 – 1113.
([22]) انظر: المصدر السابق 1/1110، والنهاية في غريب الحديث والأثر ص342، وشفاء العليل 2/760.
([23]) انظر: تحفة الذاكرين ص247 ، 248.
([24]) الفوائد، ص22 ، 23.
([25]) الحديث أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء ح2654.
([26]) الفوائد، ص23.
([27]) المصدر السابق ص22.
([28]) المصدر السابق، الصفحة نفسها.
([29]) المصدر السابق، ص23.
([30]) انظر: الفوائد ص23 وزاد المعاد 4/189.
([31]) تفسير القرآن العظيم 2/1416.
([32]) انظر: شفاء العليل 2/753.
([33]) انظر منهاج السنة النبوية 3/156 ، 157، وشفاء العليل 2/767 ، 768، والقول المفيد على كتاب التوحيد 2/261 ، 262.
([34]) الفوائد، ص23 ، 24، وانظر التحفة العراقية في أعمال القلوب ص33 – 35.
([35]) انظر: منهاج السنة النبوية 3/180 – 183، و 5/1360، وشفاء العليل 2/767، وشرح العقيدة الواسطية للفوزان ص42 ، 43.
([36]) انظر: الاستقامة 2/77 ، 78، وشرح العقيدة الطحاوية ص324، وشفاء العليل 2/765، ومنهاج السنة النبوية 7/72 ، 73، والتحفة العراقية في أعمال القلوب ص35 – 37.
([37]) شفاء العليل 2/765.
([38]) انظر: شفاء العليل 1/189، 190 و 2/765 ، 767، ولوامع الأنوار البهية 1/339 – 342.
([39]) انظر منهاج السنة النبوية 3/15، وعقيدة السلف وأصحاب الحديث ص285، 286.
([40]) التحفة العراقية في أعمال القلوب ص83.
([41]) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح771.
([42]) شفاء العليل 2/509 ، 510 ، 512.
([43]) شفاء العليل 2/485، وانظر شرح العقيدة الطحاوية ص331.
([44]) شرح العقيدة الطحاوية ص331 ، 332.
([45]) الفوائد ص23، وانظر بدائع الفوائد 1/180.
([46]) انظر: شفاء العليل 2/754، وزاد المعاد 4/189 ، 190.
([47]) منهاج السنة النبوية 3/142 – 144.
([48]) عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص284 ، 285.
([49]) انظر: شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ص54 – 56.
([50]) الفوائد ص24، وانظر شفاء العليل 2/753.
([51]) انظر: لسان العرب، مادة ظلم، 2/649.
([52]) انظر: جامع الرسائل ص123 ، 124.
([53]) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم ح2577.
([54]) لم أذكر الفرق المخالفة، لأني رأيت أن يكون هذا البحث تقريرا للقول الحق، دون ذكر للمخالفين وشبههم.
([55]) لم يثبت أن (العدل) من أسماء الله تعالى، وليس على ذلك دليل صحيح، انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 2/262.
([56]) الفوائد، ص25، وانظر: شفاء العليل 2/755 ، 756.
([57]) شفاء العليل 2/755 ، 756.
([58]) المصدر السابق، 2/756.
([59]) انظر: قاعدة في المحبة ص242 ، 243.
([60]) انظر: منهاج السنة النبوية 1/135، وتفسير القرآن العظيم 4/2460.
([61]) انظر: منهاج السنة النبوية 1/136.
([62]) انظر: تفسير القرآن العظيم 4/2665.
([63]) انظر: تفسير القرآن العظيم 2/1094.
([64]) انظر: تفسير القرآن العظيم 3/1726.
([65]) انظر: منهاج السنة النبوية 1/135، وشرح العقيدة الطحاوية ص660.
([66]) انظر: تفسير القرآن العظيم 3/1830، وانظر 2/1094، وانظر: شفاء العليل 2/754.
([67]) منهاج السنة النبوية 1/135، وانظر 3/21 ، 22.
([68]) منهاج السنة النبوية 1/136، وانظر: شفاء العليل 2/754.
([69]) المصدر السابق 2/309 ، 310.
([70]) شفاء العليل 2/752 ، 753، وانظر: 2/754 ، 755.
([71]) انظر: منهاج السنة النبوية 3/15 ، 39، والاستقامة 2/125 ، 126، وشفاء العليل 2/763.
([72]) الاستقامة 2/125، وانظر: منهاج السنة النبوية 3/205، وشرح العقيدة الواسطية ص669.
([73]) انظر: الاستقامة 2/73، والتحفة العراقية في أعمال القلوب ص48.
([74]) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي الكبائر ح34، وفي لفظ (رسولا) بدل (نبيا).
([75]) التحفة العراقية في أعمال القلوب ص48.
([76]) الاستقامة 2/75 ، 76، وانظر: شفاء العليل 2/762.
([77]) انظر: الاستقامة 2/126، وشرح العقيدة الطحاوية ص336.
([78]) انظر: الاستقامة 2/74، وشفاء العليل 2/762 ، 763.
([79]) التحفة العراقية في أعمال القلوب ص48.
([80]) الدرة البهية شرح القصية التائية ص51 ، 52، وانظر منهاج السنة النبوية 3/26 ، 203 ، 204.
([81]) انظر: شفاء العليل 2/763، ومنهاج السنة النبوية 3/208.
([82]) انظر: شفاء العليل 2/763، ومنهاج السنة النبوية 3/208.
([83]) شفاء العليل 2/763.
([84]) منهاج السنة النبوية 3/207 ، 208.
([85]) هذا حديثان أدخلهما شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ بعضهما في بعض، فالشطر الأول أخرجه الشهاب القضاعي في مسنده من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ ، ولفظه: «عجبا لأمر المؤمن فوالله لا يقضي الله قضاء إلا كان خيرا له» [مسند الشهاب القضاعي 1/348، رقم 596]. والحديث الآخر أخرجه مسلم وأحمد من حديث صهيب رضي الله عنه عن النبي ﷺ ، ولفظ مسلم هو: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، رقم 2999، وأحمد في المسند: 6/15].
([86]) التحفة العراقية في أعمال القلوب، ص49 ، 50 ، 51.
([87]) انظر: المصدر السابق، ص53 ، 54.
([88]) انظر: الاستقامة 2/79 ، 80.
([89]) انظر: الدرة البهية شرح القصيدة التائية، ص52، وانظر: منهاج السنة 3/26 ، 206.
([90]) آية جاءت في أول كل سورة ماعدا سورة التوبة، كما أنها جزء من الآية 30 من سورة النمل.
([91]) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى، ح 3388، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، ح 5088، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/391.
([92]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، ح831، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، ح402.
([93]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، ح91.
([94]) انظر كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/204 – 215.
([95]) انظر منهج ودراسات لآيات الصفات ص10.
([96]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 3/2 ، 3 و 4/182.
([97]) انظر: القواعد الطيبات في الأسماء والصفات ص44 ، 45، ومنهج دراسات لآيات الصفات ص10 ، 11.
([98]) شفاء العليل 2/757 ، 758.
([99]) رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد ص13، وانظر ص10 – 12 من المصدر نفسه.
([100]) انظر: شفاء العليل 2/758.
([101]) صريح السنة ص26.
([102]) انظر: المصدر السابق ص25 ، 26.
([103]) انظر: طبقات الحنابلة 2/270 ، 299.
([104]) شفاء العليل 2/757 ، 758، وانظر بدائع الفوائد 1/16 – 18.
([105]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 6/206 ، 207.
([106]) سيأتي تخريجه في المطلب الثالث.
([107]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله ﷺ ح3532، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في أسمائه ﷺ ح2354.
([108]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 6/207، وانظر رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المرسي العنيد ص264، وشرح العقيدة الطحاوية ص102.
([109]) ذم التأويل ص11، وانظر شأن الدعاء ص111.
([110]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص6، وشرح العقيدة الواسطية ص62 – 64، وكتاب الصواعق المرسلة 3/909.
([111]) انظر للاستزادة في هذه المسألة كتاب الصواعق المرسلة 3/914 – 917.
([112]) انظر: منهج ودراسات لآيات الصفات ص37.
([113]) انظر: الاعتصام 2/325 ، 326.
([114]) شأن الدعاء ص25، ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، وأقره، انظر: مجموع الفتاوى 22/485 ، 468، وانظر رد ابن حجر على من قال بأن أسماء الله محصورة بعدد معين، في فتح الباري 11/220 ، 221.
([115]) بدائع الفوائد 1/183، وانظر تيسير العزيز الحميد ص579، وفتح المجيد 2/741.
([116]) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: }وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ ح7440، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ح193.
([117]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود ح222.
([118]) انظر: بدائع الفوائد 1/183، وزاد المعاد 4/190.
([119]) شفاء العليل 2/758.
([120]) منهاج السنة النبوية 2/160.
([121]) درء تعارض العقل والنقل 3/333 ، 335.
([122]) انظر: بدائع الفوائد 1/183، وشفاء العليل 2/756 ، 757، وأسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة ص42.
([123]) انظر: شفاء العليل 2/756.
([124]) شفاء العليل: 2/756 ، 757.
([125]) المحلى 1/36.
([126]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدة ح6410، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها ح2677.
([127]) فتح الباري شرح صحيح البخاري 11/221، وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 22/481 – 486.
([128]) شفاء العليل 2/758، وانظر: بدائع الفوائد 1/183.
([129]) تفسير القرآن العظيم 2/1184.
([130]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 22/486، وانظر درء تعارض العقل والنقل 3/332 ، 333.
([131]) شأن الدعاء ص 23 – 25، وانظر لمعة الاعتقاد بشرح ابن عثيمين ص22.
([132]) صحيح مسلم بشرح النووي 17/5.
([133]) تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين ص247 ، 248.
([134]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 22/482، والعواصم والقواصم 7/228، وأسماء الله الحسنى ص132.
([135]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 11/220.
([136]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 6/380 – 382.
([137]) در تعارض العقل والنقل 3/332.
([138]) انظر أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة ص45 ، 46.
([139]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/380 – 382 ، 22/482، والعواصم والقواصم 7/228، وشفاء العليل 2/758.
([140]) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 17/5، ودرء تعارض العقل والنقل 3/332، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 11/220.
([141]) انظر: نقض تأسيس الجهمية 2/11، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص6 ، 7 وأسماء الله الحسنى ص52 ، 68.
([142]) انظر: درء تعارض العقل والنقل 5/52 ، 53، ومدارج السالكين 1/28 ، 29.
([143]) مدارج السالكين 1/125، وانظر بدائع الفوائد 1/190.
([144]) بدائع الفوائد 1/190، وانظر تيسير العزيز الحميد ص572.
([145]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/71، وانظر 5/26 ، 27.
([146]) منهاج السنة النبوية 2/160.
([147]) إيثار الحق على الخلق ص166.
([148]) انظر: مدارج السالكين 1/28.
([149]) تيسير الكريم الرحمن ص309 ، 310.
([150]) منهج ودراسات لآيات الصفات ص36 ، 37، والقواعد الطيبات في الأسماء والصفات ص75.
([151]) انظر: ذم التأويل ص27، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/338، ومدارج السالكين 3/359.
([152]) انظر: التدمرية ص100 ، 101، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص8.
([153]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/196.
([154]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/26، وانظر 33/117.
([155]) مدارج السالكين 1/28 ، 29 ، 30.
([156]) أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/325 ، 326، وذكره الذهبي في العلو ص141 ، 145، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 664
([157]) منهج ودراسات لآيات الصفات ص38 ، 39.
([158]) انظر: التوحيد ص15 – 17، والتدمرية ص21 ، 22 و 39 – 79.
([159]) مدارج السالكين 1/30.
([160]) القصيدة النونية ص154.
([161]) انظر: كتاب العلو 116، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 5/263، وشرح العقيدة الطحاوية، ص85، وسير أعلام النبلاء 10/610.
([162]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/26 ، 27، وانظر ص263.
([163]) انظر: منهاج السنة النبوية 2/157 – 159.
([164]) منهج ودراسات لآيات الصفات ص11 ، 12.
([165]) طريق الهجرتين وباب السعادتين ص130.
([166]) بدائع الفوائد 1/163.
([167]) مختصر الصواعق المرسلة 2/317.
([168]) مفتاح دار السعادة 2/127.
([169]) المصدر السابق، ص127 ، 128.
([170]) درء تعارض العقل والنقل 3/330 ، 331.
([171]) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء ح1479، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة المؤمن ح3247، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجة، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء ح 3828، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/324 ح 3247، وصحيح الجامع 1/641 ح3407.
([172]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 10/237، وبدائع الفوائد 2/3 ، 4 ، والقول المفيد على كتاب التوحيد 2/316.
([173]) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب 85، ح3513، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك 1/530، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/446، ح3513.
([174]) انظر: درء تعارض العقل والنقل 1/297، والقول المفيد على كتاب التوحيد 2/315 ، 316.
([175]) بدائع الفوائد 2/3 ، 4، وانظر 1/180، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 10/237، ودرء تعارض العقل والنقل 1/297.
([176]) أخرجه ابن ماجة، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء ح3827، والإمام أحمد في مسنده 2/477، والحاكم في المستدرك 1/491، وصححه، ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني في السلسلة الصحيحة 6/323، ص2654: حديث حسن.
([177]) شرح العقيدة الطحاوية ص676.
([178]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص4.
([179]) انظر: المصدر السابق، الصفحة نفسها.
([180]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص680، ومدارج السالكين 3/102 ، 103.
([181]) كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص3، 5، 8.
([182]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص683.
([183]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ح6340، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب بيان أن يستجاب للداعي مالم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي ح2735.
([184]) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب بيان أنه يستجاب للدعاء ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي ح2735.
([185]) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب 66، ح3479، وقال هذا حديث غريب لا تعرفه إلا من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/493، الهيثمي في مجمع الزوائد 10/148، وقال: إسناد حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/434.
([186]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ح1015.
([187]) اللمعة في الأجوبة السبعة ص55.
([188]) اللمعة في الأجوبة السبعة، ص54، 55.
([189]) انظر: المصدر السابق، ص58.
([190]) اللمعة في الأجوبة السبعة، ص22، 23.
([191]) انظر: المصدر السابق ص34 – 37.
([192]) انظر: لسان العرب 3/927، والنهاية في غريب الحديث والأثر ص972.
([193]) انظر: التوسل أنواع وأحكامه ص16 – 22.
([194]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/218، وشفاء العليل 2/758، وزاد المعاد 4/90، والفوائد ص26، وكتاب الصواعق المرسلة 3/911.
([195]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/206، والتوسل أنواعه وأحكامه ص31 – 34.
([196]) انظر: تيسير الكريم الرحمن ص310.
([197]) أخرجه النسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، ح1304، والحاكم في المستدرك 1/524، وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/279 ح1301.
([198]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الدعاء، ح1493، والترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات ح3475 وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، ح3857، وأحمد في المسند 4/338، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/432، ح3475.
([199]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/206، والتوسل والوسيلة ص54.
([200]) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/772، وانظر ص773.
([201]) كتاب الصواعق المرسلة، 3/910، 911، 913.
([202]) انظر: الصواعق المرسلة، 3/910 – 914.
([203]) الوابل الصيب، ص117.
([204]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/210، والتوسل والوسيلة ص56، 57، والتوسل أنواعه وأحكامه ص34 – 40.
([205]) سبق تخريجه قبل قليل، ص101 هامش 3.
([206]) انظر القصة في صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار ح3465، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال ح2743.
([207]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/212.
([208]) مدارج السالكين 1/23.
([209]) انظر: التوسل والوسيلة ص103، 104، والتوسل أنواعه وأحكامه ص40 – 45.
([210]) أخرجه الحديث بتمامه: البخاري في صحيحه، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة ح1014، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء ح897.
([211]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام للاستسقاء إذا قحطوا ح1010.
([212]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/201، 224، 225، وشرح العقيدة الطحاوية ص299.
([213]) اللمعة في الأجوبة السبعة 72، 73.
([214]) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ص342، وشفاء العليل 2/760.
([215]) الفوائد ص26.
([216]) زاد المعاد 4/190، وانظر شرح الشوكاني للحديث في تحفة الذاكرين ص247، 248.
([217]) انظر: تحفة الذاكرين للشوكاني، ص184.
([218]) تفسير القرآن العظيم 2/163، 164، والوابل الصيب ص63، 64.
([219]) انظر: الجامع لأحكام القرآن 7/57، وتفسير العظيم 2/164.
([220]) انظر: تفسير القرآن العظيم 4/124.
([221]) شفاء العليل 2/760، وانظر الوابل الصيب ص63 – 81.
([222]) الفوائد ص26.
([223]) الوابل الصيب ص81.
([224]) انظر: زاد المعاد 4/185، 186.
([225]) انظر: تفسير القرآن العظيم 2/1380، ورسالة في أمراض القلوب ص44، 92، 93، وتيسير الكريم الرحمن ص367، 465.
([226]) تفسير القرآن العظيم 3/1689.
([227]) تيسير الكريم الرحمن ص751.
([228]) انظر: شفاء العليل 2/750، 760.
([229]) انظر: شفاء العليل 2/750، 751.
([230]) انظر: رسالة في أمراض القلوب ص19.
([231]) شفاء العليل 2/751.
([232]) شفاء العليل، 2/752، 753.
([233]) انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب ص59.
([234]) انظر: المصدر السابق ص59، وتفسير القرآن العظيم 2/566.
([235]) تفسير القرآن العظيم 2/566.
([236]) انظر: رسالة في أمراض القلوب ص18، 19.