×
مقالة مختصرة تبين بعض الأسباب الشرعية لحفظ النفس.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله العلي في عُلاه، مَن توكَّل عليه كفاه، ومَن أدام ذكره وقاه، ومَن دعاه أجابه وأعطاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا معبود بحق في الوجود سواه، عظمته في أرضه وسماه.

    وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله العبد الذليل لربه ومولاه، والمتبع لما يحبه ويرضاه، صلى الله وسلم عليه كلما حفظت النفس، وطهرت من الرجس وعلى آله وصحبه ومَن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

    أحبتي في الله: اتقوا الله الذي سخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. حفظكم عن أيْمانكم وعن شمائلكم بالكرام الكاتبين يحفظون أعمالكم }إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{ [ق:17، 18]. وحفظكم من بين أيديكم ومن خلفكم بالمعقبات الذين يحفظون أبدانكم }لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ [الرعد: 11]، وحفظكم في دينكم إذ فطركم على الإسلام }فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ [الروم: 30].

    وأنزل عليكم القرآن هدى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان، وأرسل إليكم الرسول شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

    وزيَّنكم بالعقول التي تدلكم على الخير وتحذركم من الشر، وجعل الدنيا دار ابتلاء واختبار، واستخلفكم فيها فينظر ماذا تعملون، وجعل الابتلاء فيها بالشر والخير، وما ابتلانا بالشر إلا لنتخذ الأسباب الواقية منه، ونصبر عليه عند نزوله ولغرض الحكمة الجليلة منه يقول حذيفة: «كان الناس يسألون عن الخير وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني».

    وابتلانا بالخير لنزداد منه ونشكر الله تعالى عليه، يقول تعالى: }وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{ [الأنبياء: 35]، ويقول ﷺ‬: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن». والله تعالى خَلَقَ الإنسان للابتلاء. يقول تعالى: }إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا{ [الإنسان: 2]. وبالابتلاء يتميز العمل الصالح من العمل السيئ. يقول تعالى: }تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{ [الملك: 1، 2].

    وبالابتلاء يظهر أهل الصلح من أهل الفساد، وأهل الصبر من أهل الجزع، وأهل الإيمان من أهل النفاق، يقول تعالى: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{ [محمد: 31].

    وأعظم الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل. سُئلاالنبي ﷺ‬ عن أي الناس أشد بلاء. قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الإنسان على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة وشدة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه» وكلما عظم البلاء عظم الجزاء. يقول ﷺ‬: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومَن سخط فله السخط».

    وطريق أهل الابتلاء طريق محفوف بالمكاره لينقوا من الدنيا ويخلصوا للآخرة، ولذا يقول ﷺ‬: «حفت الجنة بالمكاره»، وإن ممن ابتلانا الله بهم أعداء من الجن والإنس والدواب، وأذيتهم حاصلة للنفس والمال والأهل، يؤذون في النفس بالشتم والضرب والقتل ، ويؤذون في المال بأخذه من غير حقه وصرفه في غير حقه، ويؤذون في الأهل بالقذف والسحر والعين ونحو ذلك.

    وأذيتهم قوية دائمة مؤثرة فرَّقوا بها بين الإنسان وجسده، فأصبح بلا يد أو بلا رجل أو بلا عين أو بلا سمع، وفرَّقوا بها بين الإنسان وماله، فأصبح بلا مال يتكفف الناس فلا يعطونه شيئًا، وفرَّقوا بين الإنسان وأهله بالقذف والسحر والعين.

    ولهم في أذيتهم للناس أساليب خفية لا يعلم بها الإنسان حتى يقع فيها، وحتى نتقي هذا الأذى ونسلم من هذا البلاء فإنه يجب أن نلزم الأسباب الشرعية التي نحفظ بها أنفسنا ونتحصن بها ضد عدونا، وقد أمرنا الله تعالى بحفظ النفس بكل وسيلة. يقول تعالى: }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ{ [البقرة: 195]، ويقول: }وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ{ [النساء: 29]، وقد عاقب مَن قتل نفسه بالنار ففي الحديث: «أن رجلاً جُرِحَ جرحًا فآلمه فحز يده حتى قطعها فما رقأ الدم حتى مات. قال الله: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة». وقال ﷺ‬ للثلاثة الذين قال أحدهم: أقوم الليل ولا أنام، وقال الآخر: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: لا أتزوج النساء، وهذه أعمال شاقة على النفس. فقال عليه الصلاة والسلام: «أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مني». وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد انقطع للعبادة وهجر أهله: «إن لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولزوجك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه».

    الأسباب الشرعية لحفظ النفس

    والأسباب الشرعية لحفظ النفس هي الطاعات، يقول ﷺ‬: «احفظ الله يحفظك»، منها ما يكون من القرآن، ومنها ما يكون من الأذكار، ومنها ما يكون من الدعاء، ومنها ما يكون من الصلاة، ومنها ما يكون من الصدقة، ومنها ما يكون من الأكل، وهي أسباب يومية يطلب من العبد أن يأتي بها كل يوم ليحفظ في يومه وليلته، وبحفظه في يومه وليلته يحفظ في عمره وفي عمله، ويحفظه في دنياه ويحفظه في عمله، ويحفظه في أخراه، فيسعد في الدنيا والآخرة.

    فأما الأسباب الحافظة من القرآن فمنها:

    * آية الكرسي: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ{ الآية [سورة البقرة: 255]، فإنها أعظم آية في كتاب الله، يقول ﷺ‬ لأبيّ بن كعب: «أي القرآن أعظم؟ قال: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{ فضرب ﷺ‬ على صدر أبيّ وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر».

    ويقول ابن مسعود عندما سأله عمر:« أيُّ القرآن أعظم؟ فقال: آية الكرسي» وهي حفظ للعبد في دنياه كما ورد في حديث أبي هريرة عندما جاءه الشيطان وهو يحرس زكاة الفطر ثلاث مرات، وأراد أن يرفعه للنبي ﷺ‬ فقال له:« إني أعلمك كلمات ينفعك الله بهن: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لا يزال عليك حافظ من الله، ولا يقربك شيطان»، وهي حفظ للعبد في أُخراه. ففي الحديث: «مَن قَرَأَ آية الكرسي بعد كل صلاة لم يبق بينه وبين الجنة إلا أن يموت».

    وعلى هذا فهي تُقْرَأ في اليوم والليل ست مرات: مرة عند النوم، وخمس مرات بعد الصلوات الخمس.

    * ومنها الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة }آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ...{ الآية. ففي الحديث: «مَن قرأهما في ليلة كفتاه» أي كفتاه من كل شيء، أو كفتاه من كل شيطان، أو كفتاه عن قيام الليل، أو كفتاه من كل شر.

    * ومنها: }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{ [الإخلاص: 1] فهي ثلث القرآن، وقد أحبَّها أحد الصحابة، فكان يقرأ بها في كل ركعة، فأحبَّه الله وأدخله الجنة، ومَن قرأها عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة، ويقرأ معها (المعوذتين) }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{ [الفلق: 1]، و }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{ [الناس: 1]، فما تعوَّذ المتعوذون بمثلها. روى معاذ بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله ﷺ‬ قال له: «قل»، قال: ما أقول؟ قال: «}قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح مرات- تكفيك من كل شيء». أي تكفيك من كل أذى وضرر، وتُحفظ بها في ليلك ونهارك، وفي سفرك وإقامتك، وفي نومك ويقظتك، وفي جميع أحوالك. وروى عبد الله بن خبيب قال: قال لي رسول الله ﷺ‬: «قل». فلم أقل شيئًا. قال: «قل». فلم أقل شيئًا. قال: «}قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{ والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء».

    وكان ﷺ‬ إذا نام جَمَعَ كفيه ثم قرأ فيهما }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{ والمعوذتين ثلاثًا ومَسَحَ بهما ما استطاع من جسده.

    وعلى هذا فتقرأ هذه السورة في اليوم والليلة ثنتا عشرة مرة: ثلاث في الصباح، وثلاث في المساء، وثلاث عند النوم، وثلاث بعد الظهر، وبعد العصر، وبعد العشاء.

    وأما الأسباب الحافظة من الأذكار فلأن الله تعالى يقول: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ{ [البقرة: 152]، ويقول في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه».

    ومن الأذكار الحافظة بإذن الله تعالى:

    * قول: «لا إله إلا الله وحده لا شرك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» في اليوم والليلة مائة مرة. ففي الحديث: «مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. في يوم مائة مرة، فكأنما أعتق عشر رقاب، وكُتِبَت له مائة حسنة، ومُحِيَت عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل منه إلا مَن عمل أكثر من عمله».

    * ومنها: قول: «بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله» عند الخروج من المنزل، فقد قال ﷺ‬: «مَن قال – يعني إذا خرج – (بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله) يُقال له: هُديت وكُفيت ووُقيت، ويتنحى عنه الشيطان، ويقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لي بإنسان قد هُدي وكُفي ووُقي».

    * ومنها: قول «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» إذا دخل المسجد، فإذا قال ذلك. قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم.

    * ومنها: قول: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» ثلاث مرات في الصباح، وثلاث مرات في المساء. يقول ﷺ‬: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، لم يضره شيء».

    * ومنها: قول: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق». يقول ﷺ‬: «مَن نَزَلَ منزلاً فقال: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) لم يضره شيء ما دام في ذلك المنزل حتى يرتحل».

    وجاء رجل إلى رسول الله ﷺ‬ فقال: يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. فقال: «أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق- لم تضرك».

    وروي أن رجلاً نام تحت شجرة وقال: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» وكان بجانبه ثعبان فحُفِظَ منه ولم يؤذه بشيء، وجاءت عقرب فقتلت الثعبان وعادت إلى مكانها ولم تضر هذا الرجل بشيء؛ لأنه لمَّا نزل ذاك المنزل قال: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق».

    * ومن الأسباب الحافظة بإذن الله تعالى (الدعاء) فإن الله تعالى يقول: }ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60]، ويقول ﷺ‬: «لا يغني حذر من قدر، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» وقد روى ابن كثير أن رسول الله ﷺ‬ لمَّا أرسل حذيفة إلى قريش في الأحزاب دعا له بقوله: «اللهم احفظه من يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فلم يضره شيء».

    وفي قصة غلام الأخدود الذي أراد ذو نواس التخلص منه وقتله فحمله إلى أعلى جبل ليهلكه،قال الغلام الصالح: (اللهم اكفنيهم بما شئت)، فتزلزل الجبل بالكفار فهلكوا، وسلم الغلام فحمله آخرون إلى البحر فقال: (اللهم اكفنيهم بما شئت) فغرقت السفينة بمن فيها، ونجا الغلام من الغرق، وهكذا يحفظ الله أولياءه ويدافع عنهم.

    ويذكر أن الحجاج استدعى الحسن البصري عندما أنكر عليه بعض المنكرات وأمره بالمعروف، وأراد قتله فدعا الحسن البصري بدعاء حفظه الله بذاك الدعاء إذ قال: (يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي، اقلب غضبه عليَّ بردًا وسلامًا كما قلبت النار بردًا وسلامًا على إبراهيم). فاستجاب الله له وأذلَّ الحجاج، وحفظ الحسن يرحمه الله.

    قال أبو هريرة: مَن رُزِقَ الشكر لم يُحْرَم الزيادة، ومَن رُزِقَ الدعاء لم يُحْرَم الإجابة، ومَن رُزِق التوبة لم يُحْرَم العفو، ومَن رُزِقَ الصبر لم يُحْرَم الأجر، ومَن رُزِقَ الاستغفار لم يُحْرَم المغفرة.

    وقد دعا ذو النون في بطن الحوت وهو في ظلمات ثلاث فقال: }لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ{ [الأنبياء: 87]، فاستجاب الله له ونجَّاه من الغم }وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ{ [الأنبياء: 88].

    * ومن الأسباب الحافظة بإذن الله تعالى: الصلاة،وأجلها وأعظمها الصلوات الخمس؛ لأن الصلوات الخمس كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر، وما أصاب الإنسان من مصيبة فمن نفسه، فإذا سلم من المعاصي سلم من المصائب، ومن أهم الصلوات: صلاة الفجر؛ لأنها لأهل الإيمان خاصة، يقول ﷺ‬: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوًا».

    وهي حفظ لصاحبها في الليل، وحفظ له في النهار. يقول ﷺ‬: «مَن صلَّى الفجر – وفي رواية - في (جماعة) فهو في ذمة الله حتى يُمسي» أي في حفظه ورعايته وكفالته، فلا يصيبه أذى، ويقول: «ومَن صلَّى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله»، ومَن قام الليل فليله محفوظ.

    * ومنها التقرُّب إلى الله بالنوافل من الصلاة الراتبة قبل وبعد الصلوات المفروضة وهي ثنتا عشرة ركعة، وصلاة الليل ونحوها. ففي الحديث: «وما يزال يتقرَّب إليَّ عبدي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبْصِر به، ورجله التي يمشي بها»، ويقول ﷺ‬ في قيام الليل: «فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومرضاة ربكم، ومنهاة عن الإثم ومغفرة للذنب ومطردة لداء الجسد».

    * ومنها صلاة الضحى أربع ركعات من أول النهار، يقول تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم، اجعل لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره».

    وقد أورد ابن كثير أن رجلاً استأجر بغلة من الشام فقال لصاحبها: إننا سنمضي من مكان كذا، فمضى به من مكان غير مسلوك، وإذا به يرى جماجم الرجال قد امتلأ بها الوادي. قال اللص: أتدري مَن هؤلاء؟ قال: لا. قال: هؤلاء قتلتهم جميعا، وإني لقاتلك، قال: خُذ ما على البغلة ودعني، قال: إني قاتلك لا محالة، قال: فاتركني أُصلي ركعتين، قال: عجِّل، فلمَّا كبَّر المكروب تكبيرة الإحرام نسي القرآن كله من هول الموقف ولم يتذكر منه إلا قول الله تعالى: }أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ{ [النمل: 62] فرددها وإذا بذاك الفارس قد أقبل ورمى اللص فقتله. قال المكروب: مَن أنت. قال: أنا رسول مَن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

    * ومن الأسباب الحافظة بإذن الله تعالى (الصدقة): يقول الرسول ﷺ‬ لمعاذ: «ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»، ويقول: «والصدقة تطفئ غضب الرب»، ويقول: «والصدقة تدفع ميتة السوء»، ويقول: «داووا مرضاكم بالصدقة». فهي حفظ للنفس كالذي تصدَّق وهو مريض بالسرطان فعوفي، وحفظ في المال، وحفظ في البدن، وحُفِظَ في الولد.

    وقد تصدَّق رجل بثلث ماله وأكل ثلثه وزرع ثلثه فحفظ الله ماله بالصدقة إذ هلكت المزارع إلا مزرعته، وأنزل الله عليها الماء.

    وتصدَّق أبو الحارث الأوسي على فقير فحفظ الله له دينه وهداه بعد الضلال واستقام بعد الانحراف.

    وتصدَّقت امرأة بقرص خبز فحفظ الله ولدها من الأسد إذ تركه بعد تمكنه منه.

    وعمومًا فإن الأعمال الصالحة حافظة للعبد بإذن الله، يقول ﷺ‬: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» الحديث.

    اللهم اهدنا الصراط المستقيم، واحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، واحفظ لنا دنيانا التي فيها معاشنا، واحفظ لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، إنك خير حافظ وأنت أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    * * * *