×
خطبة جمعة بالمسجد النبوي، ألقاها فضيلة الدكتور عبد المحسن القاسم أثابه الله في يوم ٢٧ ذو القَعدة ١٤٣٦هـ، يتحدث فيها الشيخ عبد المحسن القاسم عن فضل عشر ذي الحجة وأنه قد أقسمَ اللَّهُ بلياليها فقال: {وَالفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، وهي من أيَّام اللَّه الحُرُم، وخاتمةُ الأشهر المعلومات التي قال اللَّه فيها: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}، نهارُها أفضلُ من نهار العشر الأواخر من رمضان؛ قال ﷺ: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا: أَيَّامُ العَشْرِ» (رواه ابن حبَّان)، وفضيلةُ عشر ذي الحِجَّة؛ لمكان اجتماع أُمَّهات العبادة فيها – من الصَّلاة، والصِّيام، والصَّدقة، والحجِّ -، ولا يتأتَّى ذلك في غيرِها.

فضلُ عشْر ذي الحِجَّة([1])

إنَّ الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّهِ من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يَهده اللَّه فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّداً عبده ورسوله، صلَّى اللَّهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أمَّا بعدُ:

فاتَّقوا اللَّه - عبادَ اللَّه - حقَّ التَّقوى، وراقبوه في السِّرِّ والنَّجوى.

أيُّها المسلمون:

يصطفي اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ ما يشاء ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾، فاصطفى مِنَ الملائكةِ رُسلاً ومن النَّاس، واختارَ من الكلام ذِكْرَهُ، ومِن الأرضِ بيوتَه، واجتبَى مِن الشُّهُور رمضانَ والأشهرَ الحرم، وقد كانت الجاهليَّة تَزيد في الأيام وتؤخِّر اتِّباعاً لهواها، فكان صيامهم في غير ميعاده، وحجُّهم في غير زمانِه، وتفضَّل اللَّه على هذه الأمَّة بِبِعْثة نبيِّنا محمَّدٍ ﷺ، وقد اسْتَدَارَ الزَّمَان كما كان، ووقعت حَجَّته في ذي الحجَّة، وقال في خطبته: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» (متفق عليه)، فاستُوفي العدد، وصحَّ الحساب، وعاد الأمر على ما سبق من كتاب اللَّه الأول.

والتَّفاضل بين اللَّيالي والأيَّام داعٍ لاغتنام الخيرِ فيها، ونبيُّنا ﷺ حثَّ على اغتنام نِعمٍ هي زائلةٌ لا محالة؛ فقال: «اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» (رواه النسائي).

وقد أظلَّتْنا عشرُ ذي الحِجَّةِ، أقسمَ اللَّهُ بلياليها فقال: ﴿وَالفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، وهي من أيَّام اللَّه الحُرُم، وخاتمةُ الأشهر المعلومات التي قال اللَّه فيها: ﴿الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾، نهارُها أفضلُ من نهار العشر الأواخر من رمضان؛ قال ﷺ: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا: أَيَّامُ العَشْرِ» (رواه ابن حبَّان)، وفضيلةُ عشر ذي الحِجَّة؛ لمكان اجتماع أُمَّهات العبادة فيها - من الصَّلاة، والصِّيام، والصَّدقة، والحجِّ -، ولا يتأتَّى ذلك في غيرِها.

وكلُّ عملٍ صالحٍ فيها أحبُّ إلى اللَّه من نفس العمل إذا وقع في غيرها؛ قَالَ ﷺ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامِ العَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ العَمَلِ فِي هَذِهِ، قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الجِهَادُ؛ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» (رواه البخاري)، قال ابن رجبٍ رحمه الله: «وقد دلَّ هذا الحديث على أنَّ العمل في أيَّام العشر أحبُّ إلى اللَّه من العمل في أيَّام الدُّنيا من غير استثناء شيء منها»، وقد كان السَّلف رحمهم الله يجتهدون في الأعمال الصَّالحة فيها، «كان سعيد بن جُبَير رحمه الله إذا دخلت عشرُ ذي الحِجَّة اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقْدَرُ عليه».

ومن فضل اللَّه وكرمه: أن تنوَّعت فيها الطَّاعات، فممَّا يُشرع فيها: الإكثارُ من ذكر اللَّه؛ قال سبحانه: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾، قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «هي أيَّام العَشْر»، وذِكْرُهُ سبحانه فيها من أفضل القربات؛ قال النَّبيُّ ﷺ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ العَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ العَشْرِ؛ فَأكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» (رواه أحمد)، قال النَّوَوِي رحمه الله: «يُستحبُّ الإِكثارُ من الأذكار في هذه العَشْر زيادةً على غيرها، ويُستحبُّ من ذلك في يوم عرفة أكثرُ من باقي العَشْر»، وأفضل الذِّكر: تلاوةُ كتاب اللَّه فهو الهُدى والنُّور المبين.

والتَّكبيرُ المطلقُ في كلِّ وقتٍ من الشَّعائر في عشر ذي الحِجَّة، «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ، يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا» (رواه البخاري)، ويُشرع التَّكبيرُ المقيَّد عقب الصَّلواتِ، من فجرِ عرَفَةَ للحُجَّاجِ وغيرهم، قال شيخُ الإسلام رحمه الله: «أصحُّ الأقوال في التَّكبير- الَّذي عليه جمهور السَّلف والفقهاء والصَّحابة والأئمَّة -: أن يُكبَّر من فجر عرفة إلى آخر أيَّام التَّشريق عَقِب كلِّ صلاة».

وممَّا يُستحبُّ في العشر: صيامُ التِّسعة الأولى منها، قال النَّوَوِي رحمه الله: «إنَّهُ مُستحبٌّ استحباباً شديداً»، والصَّدقةُ عملٌ صالحٌ، بها تُفرَّج كروب وتزول أحزان، وخير ما تكون في وقت الحاجة وشريف الزَّمان.

والتَّوبةُ منزلتها في الدِّين عاليةٌ؛ فهي سببُ الفلاحِ والسَّعادة، أوجبَها اللَّهُ على جميع الأُمَّة من جميع الذُّنوب، فقال لمن ادَّعى له صاحبةً وولداً: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾، وقال للمؤمنين: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وكان النَّبيُّ ﷺ يسأل اللَّه في اليوم مئة مرةٍ أنْ يتوبَ عليه؛ قال النَّبيُّ ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي اليَوْمِ إِلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ» (متفق عليه)، ونحنُ إلى التَّوبةِ أحوج، وخيرُ الأيَّامِ على العبدِ يومُ توبتِهِ؛ قال النَّبيُّ ﷺ لكعب بن مالكٍ رضي الله عنه: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» (متفق عليه)، وما أجملَ التَّائبَ يتوبُ في أحبِّ الأيامِ إلى اللَّه! ومَنْ صَدَق في توبته؛ علا في الدَّرجات، وبدَّلَ اللَّه سيِّئاتِهِ حسنات.

وفي أيام عشر ذي الحِجَّة: حجُّ بيت اللَّه الحرام، أحدُ أركانِ الإسلام، ومبانيهِ العِظام، قال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، وقال النَّبيُّ ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ؛ فَحُجُّوا» (رواه مسلم)، وهو من أفضل الأعمال عند اللَّه، سُئل النَّبيُّ ﷺ: «أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ» (متفق عليه)، والحجُّ المبرورُ جزاؤُه الجنَّة، به تُحطُّ الذُّنُوبُ والخطايا؛ قال النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ حَجَّ البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ - من ذنوبه - كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (متفق عليه)، والعاجزُ عن الحجِّ لعُذرٍ شريكٌ للحُجَّاج في الأُجورِ إذا صدقت نيَّتُه، ورُبَّما سبق السَّائرُ بقلبه السَّائرينَ بأبدانهم.

وفي العَشْر يومُ عرفةَ، صيامُهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضية والباقية، و«مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» (رواه مسلم).

وفيها يومُ النَّحْر؛ أفضل أيام المناسك، وأظهرُها، وأكثرُها جمعاً، وهو يوم الحجِّ الأكبر، قال سبحانه: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ﴾، وهُو أعظمُ الأيَّامِ عندَ اللَّه؛ قال النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ: يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ» (رواه أبو داود)، وهو أحدُ عِيدَيِ المسلمين، يومُ فرحٍ وسرورٍ بأداء ركنٍ من أركان الإسلام، وقد يَغفُل الناس مع سرورهم عن ذكر اللَّه، فكان الذِّكرُ في أيَّامها فاضلاً، قال سبحانه: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ وهي: أيام التَّشريق، وقال النَّبيُّ ﷺ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ: أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لِلَّهِ» (رواه مسلم)، قال ابن حجرٍ رحمه الله: «وقد ثبتتِ الفضيلة لأيَّام العَشْر، فتثبت بذلك الفضيلةُ لأيَّام التَّشريق».

وفي أيَّام النَّحرِ والتَّشريق عِبادةٌ مالِيَّةٌ بدنيَّةٌ هي من أحبِّ الأعمال إلى اللَّه، قَرَنَهَا اللَّهُ بالصَّلاة؛ فقال سبحانه: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، وقد حثَّ اللَّه على الإخلاص في النَّحر، وأن يكون القصدُ وجهَ اللَّه وحده، لا فخرَ ولا رياءَ ولا سُمعةَ ولا مجرَّدَ عادة، فقال سبحانه: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم﴾، و«ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» (متفق عليه)، والأملحُ: الأسودُ الذي يعلُو شعرَهُ بياضٌ، والأقرن: ذو القرون.

ولا بأس أن يَقْتَرِضَ الرَّجُل ليُضحِّيَ، ويحتسبُ الخُلْف من اللَّه، ولا يتذمَّرُ من غلاء ثمنها؛ فثوابُها عند اللَّه عظيم، ومَنْ أراد أن يُضَحِّيَ حَرُمَ عليهِ في العَشْرِ أن يأخذَ مِن شعرِه أو أظفارِهِ شيئاً، قال النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئاً حَتَّى يُضَحِّيَ» (رواه مسلم).

وللحجِّ حِكمٌ عظيمة، وغاياتٌ جميلة، ومقاصدُ نبيلةٌ في الدِّين والدُّنيا، والمعاش والمعاد، وأوَّل تلك الحكمِ: تحقيقُ التَّوحيد، فشعار الحجَّاج: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» (متفق عليه)، ومن تمامه: تجريدُ الإخلاص للَّه، والمتابعةُ لرسوله ﷺ، قال سبحانه: ﴿وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، وقال النَّبيُّ ﷺ: «لِتَأْخُذُوا - عنِّي - مَنَاسِكَكُمْ» (رواه مسلم)، ومِنْ حِكَمِ الحج: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ﴾ في الدُّنيا بما يصيبونه من خيرات، وفي الآخرة بدخول الجنَّات ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾.

والحجُّ تذكيرٌ بالرَّحيل عن هذه الدُّنيا؛ فزمنه آخرُ أيَّام العام، وأدَّاهُ النَّبيُّ ﷺ في آخر حياتِهِ وودَّع فيهِ صحابتَه، وأكمَلَ اللَّهُ له فيه الدِّين، وأَنزل عليه يومَ عرفةَ ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾.

وبعدُ، أيُّها المسلمون:

فالسَّعيدُ مَن اغتنم مواسمَ الشُّهورِ والأيَّامِ والسَّاعات، وتقرَّب إلى مولاهُ بما فيها من وظائف الطَّاعات، فعسى أن تُصيبَه نفحةٌ من تلك النَّفحات، فيسعدَ سعادةً يأمن بعدها من النَّار وما فيها من اللَّفحات، ويفوزَ بجنةٍ عرضُها الأرضُ والسَّموات.

أعوذ باللَّه من الشَّيطان الرَّجيم

﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا باللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾.

بارك اللَّه لي ولكم في القرآن العظيم …

الخطبة الثانية

الحمد للَّهِ على إحسانه، والشُّكر له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّداً عبده ورسوله، صلَّى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً مزيداً.

أيُّها المسلمون:

المعاصي سببُ البُعدِ عن اللَّه كما أنَّ الطَّاعاتِ سببُ القُرْبِ منه، فالذُّنوب شُؤْمٌ على الأفراد والمجتمعات؛ قال سبحانه: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾، ويَعْظُم خطرُ المعاصي بارتكابها في مواسم الرَّحمةِ والخيرات؛ قال سبحانه: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، قال قتادة رحمه الله: «الظُّلمُ في الأشهرِ الحُرُمِ أعظم خطيئةً ووِزراً من الظُّلم فيما سواها، وإنْ كان الظُّلمُ على كلِّ حالٍ عظيماً، ولكنَّ اللَّه يُعظِّم من أمرِهِ ما شاء».

وكما أنَّ الذَّنبَ فيهنَّ جُرمٌ عظيم، فالعملُ الصَّالح والبِرُّ فيها أجرُه كبير، فاغتنموا مواسم النَّفحاتِ ورفع الدَّرجات، وابتعدوا عمَّا يَحجُب مغفرةَ اللَّه في مواسم الرَّحماتِ وغيرها.

ثمَّ اعلموا أنَّ اللَّه أمركم بالصَّلاة والسَّلام على نبيِّه …


([1]) ألقاها الشيخ د. عَبْدُ المُحْسِنِ بْنِ مُحَمَّدٍ القَاسِمِ وَفَّقَهُ اللَّهُ، يوم الجمعة، السابع والعشرون من شهر ذي القَعدة، سنة ست وثلاثين وأربع مئة وألف من الهجرة، في مسجد الرَّسول ﷺ.