الحفظ: أهميته - عجائبه - طريقته - أسبابه
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الحفظ: أهميته - عجائبه - طريقته – أسبابه
عبد القيوم السحيباني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أفضل الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن منزلة العلم لا تخفى، فهو من الشرف في المحل الأسمى، وله من الفضل الحظ الأوفى، والقدح المعلى.
والأدلة على فضله كثيرة، آيات كريمة، وأحاديث شريفة، وآثار موقوفة، وأقوال منقولة... لكن العلم لا يحصل إلا بالحفظ، فمن حفظ المتون حاز الفنون، ومن لم يحفظ الأصول حُرم الوصول. فمنزلة الحفظ من العلم أرفع منزلة.
بل الحفظ شرط للعلم، والشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
ولما كان للحفظ هذه المكانة، وتلك الأهمية، كتبت هذه الوريقات حثا لنفسي وإخواني طلاب العلم على حفظ العلم، فأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.
وقد جعلت هذا البحث في فصول تحتها مباحث، وإليك التفصيل:
الفصل الأول: أهمية الحفظ.
الفصل الثاني: عجائب الحفظ.
المبحث الأول: عجائب في سرعة الحفظ.
المبحث الثاني: عجائب في قوة الحفظ.
المبحث الثالث: عجائب في كثرة المحفوظ.
الفصل الثالث: طريقة الحفظ.
الفصل الرابع: أسباب الحفظ.
الأول: الدعاء.
الثاني: ترك المعاصي.
الثالث: الاهتمام.
الرابع: التعود.
الخامس: العمل به.
السادس: اختيار الوقت المناسب.
السابع: الحفظ في الصغر.
الثامن: المراجعة.
هذا ما تيسر ذكره، وأسأل الله جل جلاله أن يوفقنا لحسن العمل، والجد في الطلب واستغلال الوقت.
الفصل الأول
أهميــة الحفــظ
حفظ العلم في الصدر، من الأهمية بمكان، وبدونه لا يمكن لطالب العلم مواصلة الدرب، فقدر الطالب في العلم قدر حفظه من نصوص الكتاب والسنة والمتون العلمية واستحضار أقوال الأئمة فكلما زاد حفظه ارتفع قدره.
فقد قيل: من حفظ المتون حاز الفنون. وقيل: من حفظ الأصول ضمن الوصول.
والحفظ: أن يستظهر الكلام عن ظهر قلب، فيضبطه في صدره ويثبته، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء.
يقال: حفظ القرآن، آي: وعاه عن ظهر قلب([1]).
قال عبد الرحمن بن مهدي: الحفظ الإتقان([2]).
سأل مهنا أحمد: ما الحفظ؟ قال: الإتقان هو الحفظ([3]).
ولأهمية الحفظ، وعلو شأنه، أوصى به العلماء طلابهم، وأرشدوهم إليه، مبينين لهم أنه أنفع من مجرد جمع العلم في الدفاتر.
قال الأعمش: احفظوا ما جمعتم، فإن الذي يجمع ولا يحفظ كالرجل كان جالسًا على خوان يأخذ لقمةً لقمة فينبذها وراء ظهره فمتى تراه يشبع؟!([4]).
قال القاسم بن خلاد: قيل: الاحتفاظ بما في صدر الرجل أولى من درس دفتره، وحرف تحفظه بقلبك أنفع لك من ألف حديث في دفاترك ([5]).
قال العسكري: إذا كان ما جمعته من العلم قليلاً وكان حفظًا كثرت المنفعة به، وإذا كان كثيرًا غير محفوظ قلت منفعته ([6]).
بل لأهمية الحفظ، وكبير قدره، عده بعض العلماء العلم، دون سواه مما حوته بطون الكتب.
قال عبد الرزاق بن همام: كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علمًا ([7])، وأنشد:
وليس بعلم ما حوى القمطر | ||||
ما العلم إلا ما حواه الصدر ([8]) | ||||
والبيت للخليل([9])
قال هشام بن بشير: من لم يحفظ الحديث فليس هو من أصحاب الحديث، يجيء أحدهم بكتاب يحمله كأنه سجل مكاتب([10]).
قال محمد بن يسير الأزدي:
إذا لم تكن واعيًا حافظًا | ||||
فجمعك للكتب لا ينفع | ||||
أشاهد بالعي في مجلس | ||||
وعلمي في البيت مستودع ([11]) | ||||
قال بعضهم:
استودع العلم قرطاسًا فضيعه | ||||
بئس مستودع العلم القراطيس ([12]) | ||||
قال ابن عبد البر: ومما ينسب إلى منصور الفقيه من قوله:
علمي معي حيث ما يممت أحمله | ||||
بطني وعاء له لا بطن صندوق | ||||
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي | ||||
أو كنت في السوق كان العلم في السوق ([13]) | ||||
فائدة: هذان البيتان ذكرهما الخطيب ونسبهما لبشار ([14]).
قال صديق بن حسن القنوجي: وينبغي أن يحفظ ما كتبه من العلم، إذ العلم ما ثبت في الخواطر لا ما أودع في الدفاتر ([15]).
ومما يبرز أهمية الحفظ، ويظهر كبير شأنه، ما قد يحصل للكتب من أمور تتلفها، فيفقد ما فيها من العلم، إذا لم يكن محفوظًا في الصدر.
قال بعضهم ([16]):
عليك بالحفظ دون الجمع في كتب | ||||
فإن للكتب آفات تفرقها | ||||
الماء يغرقها، والنار تحرقها | ||||
والفأر يخرقها، واللص يسرقها | ||||
وقد حدث هذا لبعض أهل العلم، تلفت كتبهم لسبب ما، أو ابتعدوا عنها، فرجعوا إلى المحفوظ في الصدر، ومن هؤلاء:
1- أبو عمرو بن العلا (ت154) كانت كبته ملء بيت فاحترق، فكان جميع ما يؤخذ منه إلى آخر عمره من حفظه ([17]).
2- ابن أبي عاصم (ت287) قيل: ذهبت كتبه بالبصرة، في فتنة الزنج، فأعاد من حفظه خمسين ألف حديث ([18]).
3- أبو بكر محمد بن عمر الجعابي (ت355) يقول: دخلت الرقة وكان لي ثمة قمطران، فأنفذت غلامي إلى ذلك الرجل الذي كانت عنده الكتب، فرجع الغلام مغمومًا، فقال: ضاعت الكتب. فقلت: لا تغتم فإن فيها مائتي ألف حديث لا يشكل علي منها حديث لا إسنادًا ولا متنًا ([19]).
4- أبو عبد الله عبد الرحمن بن أحمد الختلي (ت335) دخل البصرة، وليس معه شيء من كتبه، فحدث شهورًا إلى أن لحقته كتبه فكان يقول: حدثت بخمسين ألف حديث من حفظي إلى أن لحقتني كتبي ([20]).
5- أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري (ت202) يقول: لا أبالي أن يسرق مني كتاب سفيان أني أحفظه كله ([21]).
الفصل الثاني
عجائب الحفظ
عجائب الحفظ كثيرة ومتنوعة، بعضها أعجب من بعض، لا تكاد ترى عجيبة من عجائبه إلا وتسمع بأعجب منها، والعجائب في الحفظ متنوعة، فمنها:
عجائب في سرعة الحفظ، وعجائب في قوته، وعجائب في كثرة المحفوظ.
ولقد ظهرت في الأمة الإسلامية نماذج كثيرة في كل نوع من هذه الأنواع، لذا أفردت مبحثًا لكل نوع، أذكر فيها ما وقفت عليه من ذلك.
وليس المقصود حصر كل ما ورد في ذلك، لعدم إمكانه، وقلة فائدته، بل المقصود ذكر أمثلة، وهذا كاف لشحذ الهمم، وإيقاظ العزائم، لسلوك الطريق، والتحلي بالصبر، والاتصاف بالحد، واستغلال الوقت.
المبحث الأول: عجائب في سرعة الحفظ.
المبحث الثاني: عجائب في قوة الحفظ.
المبحث الثالث: عجائب في كثرة المحفوظ.
المبحث الأول: عجائب في سرعة الحفظ.
لقد سجل التاريخ الإسلامي أمثلة عجيبة لأعلام الأمة الإسلامية في سرعة الحفظ، وقد تنوعت مواهبهم في ذلك، فمنهم من يحفظ من أول مرة، فليس بحاجة إلى إعادة وتكرار، ومن أمثلة هؤلاء:
1- عامر بن شراحيل الشعبي (ت104):
قال الشعبي:
ما وضعت سوداء في بيضاء قط، ولا حدثني أحد بحديث فاحتجت إلي أن يعيده علي ([22]).
2- قتادة بن دعامة السدوسي (ت118):
قال قتادة: ما قلت لمحدث – قط -: اعد علي، وما سمعت أذناي – قط – شيئًا إلا وعاه قلبي ([23]).
وقال: لزمت سعيد بن المسيب أربعة أيام يحدثني. فقال يومًا: ليس تكتب! فهل يصير في يديك شيء مما أحدثك به؟ قلت له: إن شئت حدثتك بما حدثتني به. قال: فأعدتها عليه. قال: فبقي ينظر إلي ويقول: أنت أهل أن تحدث فسل، فأقبلت أسأله ([24]).
قال أحمد بن حنبل: كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئًا إلا حفظه، قرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها ([25]).
3- محمد بن مسلم الزهري (ت125):
قال الزهري: ما استودعت قلبي شيئًا – قط – فنسيته ([26]).
وقال: ما استعدت حديثًا قط، ولا شككت في حديث قط، إلا حديثا واحدا، فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت ([27]).
4- سفيان بن سعيد الثوري (ت161):
قال سفيان الثوري: ما استودعت قلبي شيئًا قط فخانني ([28]).
وقال: ما استودعت أذني شيئًا قط إلا حفظته، حتى أمر بكذاب كلمة قالها ([29]) فأسد أذني مخافة أن أحفظها ([30]).
5- يزيد بن هارون (ت: 206):
قال يزيد بن هارون: سمعت حديث الفتون ([31]) مرة فحفظته، وأحفظ عشرين ألفا فمن شاء فليدخل فيها حرفا. قال الذهبي: حديث الفتون سبع ورقات سمعناه ([32]).
6- عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت216):
حكى أبو الحسن بن عمر بن بكير عن أبيه قال: كنا يومًا عند الحسن بن سهل، وبحضرته جماعة من أهل العلم منهم الأصمعي وأبو عبيدة والهيثم بن عدي وخلق كثير من الناس. وصاحب الحسن يعرض عليه الرقاع إلى أن وقع في خمسين رقعة، فلما فرغ من ذلك أقبل علينا، فقال: تذاكروا العلم. فتكلم أبو عبيدة والأصمعي والهيثم وجرير بن حازم، فالتجَّ المجلس بالمذاكرة إلى أن بلغوا إلى ذكر الحفاظ من أصحاب الحديث، فأخذوا في الزهري والشعبي وقتادة وشعبة.
فقال أبو عبيدة: وما الحاجة إلى هؤلاء، وما ندري أصدق الخبر عنهم أم كذب، وبالحضرة رجل يزعم أنه ما أنسي شيئًا قط، وأنه ما يحتاج أن يعيد نظره في دفتره، إنما هي نظرة واحدة ثم قد حفظ ما فيه. يعرض بالأصمعي.
فقال الحسن: نعم والله يا أبا عبيدة إنك لتجيء من هذا بما ينكر جدا.
فقال الأصمعي: نعم ما أحتاج أن أعيد النظر في دفتر، وما أنسيت شيئًا قط.
فقال الحسن: فنحن نجرب هذا القول، يا غلام: الدفتر الفلاني، فإنه جامع لكثير مما أسندناه وحدثناه. فمضى الغلام ليحضر الدفتر.
فقال الأصمعي: فأنا أريك أعجب من هذا، أنا أعيد القصص التي مرت بأسماء أصحابه وتوقيعاتك فيها كلها، وأمتحن ذلك بالنظر إليها. وقد كان عارض بتلك التوقيعات في وقت ذلك من حضر واستنصحوا. فاستدعى الحسن القصص.
فقال الأصمعي: القصة الأولى لفلان، قصة كذا وكذا، وقعت كذا وكذا. حتى أتى على سبع وأربعين قصة.
فقال الحسن: حسبك، الساعة والله تقتلك الجماعة بأعينها، يا غلام خمسين ألف درهم. ثم قال: يا غلام أن احملوها معه. فقال: تنعم بالحامل كما أنعمت بالمحمول.
فقال: هم لك ولست تنتفع بهم، قد اشتريتهم منك بعشرة آلاف درهم. فحملت معه الدراهم، وانصرف الباقون بالخيبة ([33]).
7- عبد الله بن هارون المأمون (ت218):
ركب الأمين والمأمون إلى عبد الله بن إدريس فأسمعهما مائة حديث، فقال المأمون: يا عم، إن أذنت لي أعدتها من حفظي. فأذن له، فأعادها من حفظه كما سمعها، فتعجب لحفظه ابنُ إدريس ([34]).
8- محمد بن إسماعيل البخاري (ت256):
قال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع؟
فقال لنا يوما – بعد ستة عشر يومًا – إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فاعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه.
ثم قال: أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد ([35]).
9- أبو زرعة الرازي (ت264):
قال أبو زرعة: ما سمعت أذني شيئًا من العلم إلا وعاه قلبي، وإني كنت أمشي في سوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنيات فأضع أصبعي في أذني مخاف أن يعيه قلبه ([36]).
10- أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت279):
قال أبو عيسى الترمذي: كنت في طريق مكة فكتبت جزئين من حديث شيخ، فوجدته فسألته وأنا أظن الجزئين معي، فأجابني فإذا معي جزءا بياض، فبقي يقرأ علي من لفظه، فنظر فرأى في يدي ورقا بياضا، فقال: أما تستحي مني؟ فأعلمته بأمري، وقلت: أحفظه كله. قال: اقرأ. فقرأته عليه، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيء.
فقلت: حدثني بغيره، فحدثني بأربعين حديثًا، وقال: هات، فأعدتها عليه ما أخطأت في حرف ([37]).
11- أبو الطيب المتنبي (ت354):
قال أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي: حدثني كتبي كان يجلس إليه المتنبي قال: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عبدان – يعني المتنبي – كان اليوم عندي وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعي – نحو ثلاثين ورقة – ليبيعه، فأخذ ينظر فيه طويلاً.
فقال له الرجل: يا هذا أريد أن أبيعه، فإن كنت تريد حفظه فهذا يكون بعد شهر.
فقال ابن عبدان: فإن كنت قد حفظته فما لي عليك؟ قال أهبه لك.
قال: فأخذت الدفتر من يده، فأقبل يقرأ علي إلى آخره، ثم استلبه فجعله في كمه، وقام، فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن، فمنعناه منه، وقلنا: أنت شرطت على نفسك ([38]).
12- علي بن عمر الدارقطني (ت385):
قال الأزهري: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجعل ينسخ جزءًا كان معه، وإسماعيل يملي، فقال الرجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ.
قال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، كم تحفظ أملى الشيخ؟ فقال: لا أحفظ!
قال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا، الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا. ومكر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه أو كما قال ([39]).
13- أبو العباس ابن تيمية (ت728):
قال جمال الدين السرمدي: من عجائب زماننا في الحفظ ابن تيمية كان يمر بالكتاب مرة مطالعة فينقش في ذهنه ([40]).
14- أبو المعالي محمد بن علي بن أبي العشائر الحلبي (ت789):
قيل: إنه حفظ سورة الأنعام – وهو شاب – من مرة واحدة([41]).
ومنهم من يحفظ قدرًا كثيرًا في وقت قليل، كمن حفظ القرآن الكريم في وقت قصير، فمن هؤلاء:
1- أبو وائل شقيق بن سلمة (ت82) تعلم القرآن في شهرين([42]).
2- محمد بن مسلم الزهري (ت125) حفظ القرآن في ثمانين ليلة([43]).
3- قال هاشم الكلبي: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن، فدخلت بيتا وحلفت أن لا أخرج حتى أحفظ القرآن، فحفظته في ثلاثة أيام. ونظرت يومًا في المرآة، فقبضت على لحيتي لآخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة ([44]).
4- طالب تركي يدرس في الجامعة استطاع أن يحفظ القرآن الكريم في سبعين يومًا فقط([45]).
5- قال الدويش: حدثني أحد المشايخ الحفاظ الذين يعتنون بحفظ القرآن الكريم وتعليمه أن رجلا حفظ القرآن في ثلاثة أشهر، كان يحفظ وهو يسقي أو يسني – كما يعرف ذلك كبار السن – فكان معه مصحفه وهو على دابته ذهابا وإيابا يحفظ حتى استطاع أن يحفظ القرآن في ثلاثة أشهر ([46]).
6- يذكر أحد المقرئين أن هناك من الشباب من حفظ القرآن في الإجازة الصيفية وحدها ([47]).
ومنهم من حفظ متونا كثيرة من السنة في وقت قصير، أو حفظ نصوصا أدبية، فمن هؤلاء:
1- قال قطب الدين بن اليونيني: عن أبيه – حفظ الجمع بين الصحيحين، وحفظ صحيح مسلم في أربعة أشهر، وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد، وحفظ ثلاث مقامات من الحريرية في بعض يوم([48]).
2- محمد بن عمر صدر الدين ابن الوكيل (ت: 716) حفظ المقامات في خمسين يوما، وديوان أبي الطيب في جمعة ([49]).
3- قال أبو القاسم التنوخي: سمعت أبي – ولي إذ ذاك خمس عشرة سنة – ينشد بعض قصيدة دعيل الطويلة التي يفخر فيها باليمن ويعدد مناقبهم – وهي نحو ستمائة بيت – فاشتهيت حفظها لما فيها من تفاخر اليمن أهلي. فقلت: يا سيدي ادفعها إلي حتى أحفظها، فدافعني فألححت عليه. فقال: كأني بك تأخذها فتحفظ منها خمسين بيتا أو مائة بيت وترمي بالكتاب. فقلت: ادفعها إلي، فأخرجها وسلمها إلي، فدخلت حجرة كانت برسمي من داره وخلوت فيها، ولم أتشاغل بيومي وليلتي بشيء عن حفظها، فلما كان في السحر كنت قد فرغت من جميعها وأتقنتها، فخرجت إليه غدوة على رسمي، فجلست بين يديه، فقال لي: كم حفظت من قصيدة دعبل؟ فقلت: قد حفظتها بأسرها. فغضب، وقد راماني قد كذبته، فقال: بها، فأخرجت الدفتر من كمي ففتحته ونظر فيه وأنا أنشد إلي أن مضيت في أكثر من مائة بيت، فصفح منها عدة أوراق وقال: أنشد من ها هنا فأنشدته إلى آخرها، فلما رأى من حسن حفظي ضمني إليه وقبل رأسي وعيني، وقال: بالله يا بني لا تخبر بهذا أحدًا، فإن أخاف عليك العين([50]).
ومنهم من يحفظ القدر الكثير في المجلس الواحد، فمن هؤلاء:
1- قيل لهشيم بن بشير: كم كنت تحفظ يا أبا معاوية؟ قال: كنت أحفظ في المجلس مائة حديث، ولو سئلت عنها بعد شهر لأجبت!([51]).
2- قال وكيع: ما كان أحد من أصحابنا أحفظ للحديث منه – يعني يحيى بن يمان – كان يحفظ في المجلس خمس مائة حديث ([52]).
3- أبو عبد الله اليونيني كان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثا ([53]).
المبحث الثاني: عجائب في قوة الحفظ:
إن في الأمة الإسلامية رجالاً ضربوا أمثلة عجيبة في قوة الحفظ، تجد في هذه العجالة نبأ بعضهم:
1- قتادة بن دعامة السدوسي (ت118):
عن معمر قال قتادة لسعيد بن المسيب: يا أبا النضر خذ المصحف فامسك علي، فقرأ عليه سورة البقرة، فما أسقط منها واوًا ولا ألفًا ولا حرفًا. فقال: يا أبا النضر أحكمتُ؟ قال: نعم. قال: لأنا لصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة ([54]).
2- أبو نعيم الفضل بن دُكين (ت118):
قال أحمد بن منصور: خرجت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق خادما لهما، فلما عدنا إلى الكوفة، قال يحيى: أريد أن أختبر أبا نعيم. فقال أحمد: لا ترد، فالرجل ثقة. قال يحيى: لابد لي، فأخذ ورقة، فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم، وجعل على رأس كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه، ثم جاءوا إلى أبي نعيم، فخرج وجلس على دكان طين، وأخذ أحمد بن حنبل، فأجلسه عن يمينه، ويحيى عن يساره، وجلست أسفل الدكان.
ثم أخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة أحاديث، فلما قرأ الحادي عشر، قال أبو نعيم: ليس هذا من حديثي اضرب عليه.
ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت، فقرأ الحديث الثاني، فقال: ليس من حديثي فاضرب عليه.
ثم قرأ العشر الثالث وأبو نعيم ساكت، ثم قرأ الحديث الثالث، فتغير أبو نعيم، وانقلبت عيناه، وأقبل على يحيى فقال: أما هذا وذراع أحمد بيده – فأورع من أن يعمل هذا، وأما هذا – يريدني – فأقل من أن يفعل ذاك، ولكن هذا من فعلك يا فاعل.
ثم أخرج رجله فرفس يحيى، فرمى به من الدكان، وقام فدخل داره.
فقال أحمد: ألم أمنعك واقل لك إنه ثبت.
قال يحيى: والله لرفسته لي أحب إلي من سفرتي ([55]).
3- عاصم بن أبي النجود (ت128):
قال عاصم بن أبي النجود: مرضت سنتين، فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفًا ([56]).
4- طلحة بن عمرو (ت1252):
قال معمر: اجتمعت أنا وشعبة والثوري فقدم علينا شيخ فأملى علينا أربعة آلاف حديث عن ظهر قلب فما أخطأ إلا في موضعين لم يكن الخطأ منا ولا منه إنما الخطأ من فوق. فكان الرجل: طلحة بن عمرو ([57]).
5- وكيع بن الجراح (ت196):
قال وكيع بن الجراح: ما نظرت في كتاب منذ خمس عشرة إلا في صحيفة يوما، فنظرت في طرف منه، ثم أعدته مكانه ([58]).
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أوعى للعلم من وكيع، ولا أحفظ من وطيه، ما رأيت وكيعًا شك في حديث إلا يومًا واحدًا، ولا رأيت مع وكيع كتابا ولا رقعت قط ([59]).
قال ابن عمار: قلت لوكيع: عدوا عليك بالبصرة أربعة أحاديث غلطت فيها؟
قال: حدثتهم بعبادان بنحو من ألف وخمس مائة حديث، وأربعة أحاديث ليس بكثير في ألف وخمس مائة حديث ([60]).
6- علي بن المديني (ت234):
قال جعفر بن درستويه: أقعد علي بن المديني بسامرا على منبر فقال: يقبح بمن جلس هذا المجلس أن يحدث من كتاب، فأول حديث حدث من حفظه غلط فيه، ثم حدث سبع سنين من حفظه لم يخطئ في حديث واحد ([61]).
7- إسحاق بن راهويه (ت238):
قال أبو داود الخفاف: أملى علينا إسحاق بن راهويه أحد عشر ألف حديث من حفظه، ثم قرأها علينا فما زاد حرفا ولا نقص حرفًا ([62]).
قال إسحاق: كنت لا أكتب شيئًا إلا حفظته، وإني الآن لكأني أنظر إلى أكثر من سبعين ألف حديث في كتابي ([63]).
وقال إسحاق بن إبراهيم: أعرف مكان مائة ألف حديث، كأني أنظر إليها، وأحفظ منها سبعين ألف حديث من ظهر قلبي صحيحة، وأحفظ أربعة آلاف حديث مزورة.
فقيل: ما معنى حفظ المزورة؟ قال: إذا مر بي منها حديث في الأحاديث الصحيحة فليته منها فليا ([64]).
قال علي بن سلمة اللبقي: كان إسحاق – يعني ابن راهويه – عند الأمير عبد الله بن طاهر وعنده إبراهيم بن أبي صالح، فسأل الأمير إسحاق عن مسألة؟
فقال إسحاق: السنة فيها كذا وكذا، وكذلك يقول من سلط طريق أهل السنة، وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا: بخلاف هذا. فقال إبراهيم: لم يقل أبو حنيفة بخلاف هذا.
فقال إسحاق: حفظته من كتاب جده، وأنا وهو في كتاب واحد.
فقال إبراهيم: أصلحك الله كذب إسحاق على جدي.
فقال إسحاق: ليبعث الأمير إلي جزء كذا وكذا من جامعه.
فأتي بالكتاب، فجعل الأمير يقلب الكتاب، فقال إسحاق: عد من الكتاب إحدى عشرة ورقة، ثم عد تسعة أسطر، ففعل، فإذا المسألة على ما قال إسحاق.
فقال الأمير عبد الله بن طاهر: قد تحفظ المسائل، ولكني أعجب لحفظك هذه المشاهدة! فقال إسحاق: ليوم مثل هذا ([65]).
قال أحمد بن كامل: قال عبد الله بن طاهر: لإسحاق بن راهويه: قيل لي إنك تحفظ مائة ألف حديث؟ قال: (مائة ألف حديث) ما أدري ما هو؟ ولكني ما سمعت شيئًا قط إلا حفظته، ولا حفظت – قط – شيئًا فنسيته ([66]).
8- أحمد بن حنبل (ت241):
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام([67]).
9- أبو زُرْعة الرازي (ت264):
قال أبو زرعة: إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو، في أي ورقة هو، في أي صفحة هو، في أي سطر هو ([68]).
وقال أبو زرعة: أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{، وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث!([69]).
10- ابن أبي داود (ت316):
قال ابن أبي داود: حدثت من حفظي بأصبهان بستة وثلاثين ألفًا، ألزموني الوهم فيها في سبعة أحاديث، فلما انصرفت، وجدت في كتابي خمسة منها على ما كنت حدثتهم به ([70]).
11- أبو عمرو الزاهد المعروف بـ: غلام ثعلب (ت345):
حكى أبو القاسم علي بن الحسن عمن حدثه أن أبا عمر الزاهد كان يؤدب ولد القاضي فأملى يوما على الغلام نحوًا من ثلاثين مسألة في اللغة، وذكر غريبها، وختمها ببيتين من الشعر.
وحضر أبو بكر بن دريد، وابن الأنباري، وابن مقسم عند القاضي، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئًا، وأنكروا الشعر، فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها؟
فقال له ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن، ولست أقول شيئًا، وقال ابن مقسم مثل ذلك لاشتغاله بالقراءات، وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي عمر، ولا أصل لها ولا لشيء منها في اللغة، وانصرفوا.
فبلغ أبا عمر ذلك، فاجتمع مع القاضي، وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم له، ففتح القاضي خزانته، وأخرج له تلك الدواوين، فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة، ويخرج لها شاهدًا من بعض تلك الدواوين، ويعرضه على القاضي حتى استوفى جميعها، ثم قال: وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضي، وكتبهما القاضي بخطه على ظهر الكتاب الفلاني، فأحضر القاضي الكتاب، فوجد البيتين على ظهره بخطه، كما ذكر أبو عمر. وانتهت القصة إلى ابن دريد، فلم يذكر أبا عمر بلفظة حتى مات([71]).
12- أبو أحمد العسال (ت349):
قيل: إن أبا أحمد العسال أملى أربعين ألف حديث بأردستان، فلما رجع إلى بلده قابل ذلك فإذا به كما أملى ([72]).
13- ابن العميد محمد بن الحسين (ت360):
قال بعض الكتاب: كنا إذا دخلنا على أبي الفضيل بن العميد، رأينا إلى جانبه في مجلس العمل زهاء مائة مجلدة، فننكر ذلك، ففطن يومًا لإنكارنا فقال: إني أحفظ جميع ما في هذه الكتب، فإذا اشتغلت بالعمل عن درسها، أحضرتها عندي فكلما نظرت إليها، ذكرت محفوظي منها، فقام ذلك لي مقام الدرس. ثم قال لرجل منا: خذ أيها شئت. فأخذ الرجل منها كتابًا، وقال: هو الثاني من كتاب كذا. فابتدأ أبو الفضل فقرأ من أوله صدرًا، ثم وسطه، ثم من آخره. فتحقق عندنا أنه صدق ما قال، وعجبنا من حفظه وعنايته وحرصه ([73]).
14- الحسين بن أحمد بن بكير (ت388):
قال الأزهري: كنت أحضر عند أبي عبد الله بن بكير، وبين يديه أجزاء كبار فأنظر بعضها، فيقول لي: أيما أحب إليك تذكر لي متن ما تريد من هذه الأحاديث حتى أخبرك بإسناده، أو تذكرك لي إسناده حتى أخبرك بمتنه. فكنت أذكر له المتون فيخبرني بالأسانيد من حفظه، وفعلت هذا مرارًا كثيرة ([74]).
15- أبو إسماعيل الهروي (ت481):
قال أبو إسماعيل الهروي: أنا أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردًا. قال ابن طاهر: وما ذكر في مجلسه حديثًا إلا بإسناده، وكان يشير إلى صحته وسقمه ([75]).
أمثلة من المعاصرين:
1- الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله طلب أن يحضر له كتاب الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب فأحضر فقال: افتح صفحة كذا ـ وحدد رقمها ـ ثم قال: اقرأ سطر 12، ثم قال: اقرأ الهامش. ثم قال الشيخ: كتاب الإيمان آخر مرة قرأته منذ (40) عامًا، وحدد اسم القارئ ([76]).
2- حدثني إبراهيم بن ناصر السحيباني أنه قابل شابًا في الرياض عام 1414هـ تقريبًا وكان هذا الشاب يدرس في معهد الرياض العلمي في السنة الثانية المتوسطة، وكان يحفظ القرآن مع أرقام الآيات، يقول إبراهيم: كنت أذكر له الآية فيذكر لي رقمها، وأذكر له الرقم فيقرأ الآية. وكنت أسأل عن السورة من آخرها فأقول: ما آخر آية في سورة كذا؟ فيذكر لي. فأقول: ما الآية التي قبلها؟ فيذكر. قال إبراهيم: أنا كنت أسأله بنفسي.
3- قال محمد بن عبد الله الدرويش: كنت عضوًا في لجنة لامتحان الحفاظ في الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وكان ضمن المتقدمين غلام لم يتجاوز العاشرة قد حفظ القرآن كاملاً، فسألته أن يقرأ من مواضع تصعب على الحافظ فلم يخطئ في حرف واحد، بل كان أحد المتقدمين عمره سبع سنوات قد حفظه كاملاً. وشاب آخر عمره 12 عامًا يحفظ القرآن الكريم حفظًا متقنًا. فهو يحفظ الآية برقمها ([77]).
4- حدثني أبو سليمان خالد بن عبد الله في عام 1422هـ قال: قرأ علي أحد مدرسي جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمدينة النبوية من أول سورة البقرة إلى نهاية سورة الإسراء، حفظًا عن ظهر قلب، ومن دون سابق مراجعة، فلم يحصل منه خطأ ولا شك ولا تلعثم. قال: وكان ذلك في عام 1415هـ تقريبًا.
المبحث الثالث: عجائب في كثرة المحفوظ:
من العجائب في الحفظ كثرة المحفوظ، فمن الحفاظ من يحفظ قدرا كبيرًا، ولهم طرائق متنوعة في بيان قدر المحفوظ، وإليكم نبذًا من خبرهم في ذلك:
منهم: من يقدر حفظه بالآلاف أو مئات الآلاف من الأحاديث النبوية، ومن هؤلاء:
1- عبدان (ت136):
قال علي النيسابوري: فأما عبدان فكان يحفظ مائة ألف حديث ([78]).
2- إسماعيل بن عياش (ت182):
قال داود بن عمرو الضبي: كان إسماعيل – يعني ابن عياش – يحدثنا من حفظه، ما رأيت معه كتابا قط. فقال له عبد الله بن أحمد: أكان يحفظ عشرة آلاف حديث؟ فقال: وعشرة آلاف وعشرة آلاف ([79]).
3- عبد الرحمن بن مهدي (ت198):
قال عبيد الله بن عمر القواريري: أملى علي عبد الرحمن بن مهدي عشرين ألف حديث حفظًا ([80]).
4- أبو داود الطيالسي (ت204):
قال عمرو بن علي الفلاس: ما رأيت في المحدثين أحفظ من أبي داود الطيالسي! سمعته يقول: أسرد ثلاثين ألف حديث ولا فخر، وفي صدري أثنا عشر ألف حديث لعثمان البزي ما سألني عنها أحد من أهل البصرة فخرجت إلى أصبهان فبثثتها فيهم ([81]).
قال عمر بن شبة: كتبوا عن أبي داود الطيالسي أربعين ألف حديث وليس معه كتاب ([82]).
5- يزيد بن هارون (ت206):
قال يزيد بن هارون: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر، وأحفظ للشاميين عشرين ألف حديث لا أسأل عنها([83]).
6- أبو حفص ابن الطباع (ت224):
قال أبو داود: كان يحفظ نحوًا من أربعين ألف حديث ([84]).
7- أحمد بن حنبل (ت241):
قال أبو زرعة: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث. قيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب ([85]).
قال الذهبي: فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك. وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك([86]).
8- محمد بن إسماعيل البخاري (ت256):
قال محمد بن إسماعيل البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح ([87]).
9- أبو زرعة الرازي (ت264):
قال أبو يعلي أحمد بن علي بن المثنى: رحلت إلى البصرة ألقى المشايخ أبا الربيع الزهراني وهدبة بن خالد وسائر المشايخ، فبينا نحن قعود في السفينة إذا أنا برجل يسأل رجلاً فقال: ما تقول رحمك الله في رجل حلف بطلاق امرأته ثلاثا أنك تحفظ مائة تالف حديث؟ فأطرق رأسه مليًا ثم رفع، فقال: اذهب يا هذا فإنك بار في يمينك، ولا تعد إلى مثل هذا!! فقلت: من الرجل؟ فقيل لي: أبو زرعة الرازي([88]).
قال أبو القباني محمد بن جعفر بن حمكويه: سئل أبو زرعة الرازي: عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث؟ فقال: لا([89]).
قال أحمد بن حنبل: ما جاوز الجسر أحفظ من أبي زرعة، قد حفظ ستمائة ألف حديث([90]).
10- ابن عقدة (ت332):
قال ابن عقدة: أحفظ من الحديث بالأسانيد والمتون خمسين ومائتي ألف حديث، وأذاكر بالأسانيد، وبعض المتون والمراسيل والمقاطيع ست مائة ألف حديث.
قال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن سعيد (المعروف بـ ابن عقدة) يقول: أحفظ لأهل البيت ثلاث مائة ألف حديث ([91]).
قال ابن عقدة: دخل البريجي الكوفة، فزعم أنه أحفظ مني، فقلت: لا تطول، نتقدم إلي دكان وراق ونزن بالقبان من الكتب ما شئت ثم تلقي علينا فنذكره! قال: فبقي ([92]).
11- أبو محمد العسال (ت349):
قال أبو أحمد العسال: أحفظ في القراءات خمسين ألف حديث، ويقال: إنه أملى تفسيرا كبيرًا من حفظه ([93]).
12- أبو بكر الجعابي (ت355):
قال أبو بكر الجعابي: أحفظ أربع مائة ألف حديث، وأذاكر بست مائة ألف حديث ([94]).
13- إسماعيل بن يوسف:
إسماعيل بن يوسف كان يحفظ أربعين ألف حديث، ويذاكر بسبعين ألف حديث([95]).
ومنهم: من يقدر حفظه، بآلاف الأبيات من الشواهد النحوية، أو القصائد الشعرية، ومن هؤلاء:
1- علي بن المبارك الأحمر (ت194):
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: كان علي الأحمر يحفظ أربعين ألف بيت شاهدا في النحو سوى ما كان يحفظ من القصائد وأبيات الغريب([96]).
2- عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت216):
قال عمر بن شبة: سمعت ألأصمعي يقول: أحفظ ستين ألف أرجوزة([97]). وفي رواية قال: ستة عشر ألف أرجوزة ([98]).
قال العسكري: كان الأصمعي يحفظ اثنتي عشرة ألف أرجوزة، فيها ما كان عدد أبياته المائة والمائتين ([99]).
3- أبو تمام (ت232):
قيل: كان أبو تمام يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب ([100]).
4- أبو بكر الأنباري (ت328):
قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل (300.000) ثلاث مائة ألف بيت شاهدًا في القرآن ([101]).
5- أبو الفتح ابن العميد (ت366):
قال العسكري: كان يحفظ أكثر من مائتي ألف بيت ([102]).
6- أبو الفرج الشنبوذي (ت387):
قال أبو الفرج الشنبوذي: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقراءات([103]).
ومنهم من يقدر حفظه بالكتب، ومن هؤلاء:
1- أبو زكريا الفراء (ت 207):
قال سلمة: أملى الفراء كتبه كلها حفظًا ([104]).
2- أبو بكر الأنباري (ت 328):
ذكروا أنه يحفظ عشرين ومائة من تفاسير القرآن بأسانيدها([105]).
مرض أبو بكر بن الأنباري في زمن أبيه فقلق أبوه، وقال: كيف لا أقلق على من يحفظ جميع ما في هذه الصناديق من الكتب.
أملى ابن الأنباري من حفظه غريب الحديث وهو خمس وأربعون ألف ورقة، وكتاب شرح الكافي وهو ألف ورقة، وكتاب الأضداد ألف ورقة، والجاهليات سبعمائة ورقة([106]).
كان أبو بكر بن الأنباري يحفظ ثلاثة عشر صندوقًا([107]).
3- أبو عمر المعروف بغلام ثعلب (ت345):
قال أبو علي: من الرواة الذين لم نر قط أحفظ منهم أبو عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة، فيما بلغني، وجميع كتبه التي في أيدي الناس إنما أملاها بغير تصنيف([108]).
ومنهم: من يقدر حفظه بالزمن – الزمن الذي يقرأ فيه محفوظه – ومن هؤلاء:
1- الشعبي (ت104):
قال الشعبي: ما سمعت منذ عشرين سنة من رجل يحدث بحديث إلا وأنا أعلم به منه ([109]).
قال الشعبي: ما أروي شيئًا أقل من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شهرًا لا أعيد ([110]).
2- معمر بن راشد (ت153):
قال يحيى بن معين: قال هشام بن يوسف: أقام معمر عندنا عشرين سنة ما رأينا له كتاب. يعني كان يحدثهم من حفظه ([111]).
3- يونس بن حبيب النحوي (ت182):
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: اختلفت إلى يونس أربعين سنة كل يوم أملأ ألواحي من حفظه وأنصرف ([112]).
الفصل الثالث
طريقـة الحفـظ
أعلم – وفقني الله وإياك – أن من أراد أن يحفظ حفظًا متقنًا يبقى معه دهرًا طويلاً، فإنه ينبغي له أن يسلك هذه الطريقة – ألآتي ذكرها – وليس هناك طريقة غيرها – فيما أعلم – لمن أراد الحفظ الجيد، أما من يحفظ حفظًا مؤقتًا لغرض ما، فليس هذا الحديث له.
ثم أعلم – رعاك الله – أن هذه الطريقة مستفادة من أقوال السلف وتطبيقاتهم، أولئك الأعلام الذين سبق ذكر طرف من عجائبهم في الحفظ قوة، وكثرةً، لتعلم أن ذلك الحفظ القوي، من هذه الطريقة، فمن أراد درجتهم في قوة الضبط، فليسلك سبيلهم في طريقة الحفظ.
وقبل ذكر هذه الطريقة ينبغي التنبيه إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى صبر وجلد، وطول نفس، فلا يستعجل النتائج، ولا يمل لطول الوقت، بل يصبر ويعلم أنه على خير عظيم، لأن هذا الوقت الطويل الذي يقضيه في طلب العلم لا يذهب هدرًا بل يؤجر عليه إذا صلحت النية.
وبعد – أيها الموفق – فإنه لابد في الحفظ من أمرين:
الأمر الأول: تقليل الكمية المراد حفظها.
الأمر الثاني: التكرار.
الأمر الأول: تقليل الكمية المراد حفظها:
ينبغي لمن أراد حفظ نص ما أن يقسم هذا النص على الأيام، بحيث يحفظ كل يوم جزءًا معينًا، ويكون هذا الجزء قليلاً، ولا يكثر على نفسه فتمل أو تكل، فقد قيل: من رام العلم جملة ذهب عنه جملة. وقيل ازدحام العلم مضلة الفهم.
وثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل». متفق عليه ([113]).
قال الخطيب البغدادي: وينبغي له أن يتثبت في الأخذ ولا يكثر، بل يأخذ قليلاً قليلاً حسب ما يحتمله حفظه، ويقرب من فهمه فإن الله تعالى يقول: }وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا{ [الفرقان: 32]([114]).
وقال: أعلم أن القلب جارحة من الجوارح تحتمل أشياء، وتعجز عن أشياء، كالجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل، ومنه من يعجز عن عشرين رطلاً.
وكذلك منهم من يمشي فراسخ في يوم ولا يعجزه، ومنهم من يمشي بعض ميل فيضر ذلك به.
ومنهم من يأكل الطعام أرطالاً، ومنهم من يتخمه الرطل فما دونه.
فكذلك القلب: من الناس من يحفظ عشر ورقات في ساعة، ومنهم من لا يحفظ نصف صفحة في أيام، فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ عشر ورقات تشبها بغيره لحقه الملل، وأدركه الضجر، ونسي ما حفظ، ولم ينتفع بما سمع.
فليقتصر كل امرئ من نفسه على مقدار يبقى فيه ما لا يستفرغ كل نشاطه، فإن ذلك أعون له على التعليم من الذهن الجيد والمعلم الحاذق ([115]).اهـ.
قال الزرنوجي: قال مشايخنا رحمهم الله: ينبغي أن يكون قدر السبق للمبتدى قدر ما يمكن ضبطه بالإعادة مرتين بالرفق، فقد قيل السبق حرف، والتكرار ألف ([116]).اهـ.
قال يونس بن يزيد: قال لي ابن شهاب: يا يونس لا تكابر العلم فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي([117]).
وقال يونس: سمعت الزهري يقول: إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة غلبك، ولم تظفر منه بشيء، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذًا رفيقا تظفر به ([118]).
قال الخليل بن أحمد: اجعل تعليمك دراسة لك، واجعل مناظرة العلم تنبيهًا بما ليس عندك، وأكثر من العلم لتعلم، وأقلل منه لتحفظ([119]).
قال ابن الصلاح: وليكن تحفُّظه للحديث على التدرج قليلاً قليلاً مع الأيام والليالي فذلك أحرى بأن يُمتَّع بمحفوظه. وممن ورد ذلك عنه حفاظ الحديث المتقدمين: شعبة، وابن علية، ومعمر([120]).
أمثلة من تطبيقات أهل العلم لهذا الأمر:
هذه بعض الأمثلة من الحياة العلمية لسلف الأمة، تظهر لك كيف كانوا يحرصون على التزام هذا الأمر في أنفسهم ومع طلابهم، حرصًا على الإتقان.
1- عن ميمون أن ابن عمر رضي الله عنهما تعلم سورة البقرة في أربع سنين ([121]). وقيل: إنه مكث على سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها ([122]).
2- قال أبو عبد الرحمن السلمي: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرمها وأمرها ونهيها ([123]).
3- قال أبو العالية: تعلموا القرآن خمس آيات فإنه أحفظ لكم، فإن جبريل u كان ينزل به خمس آيات خمس آيات ([124]).
4- قال سفيان الثوري: كنت آتي الأعمش ومنصورا فأسمع أربعة أحاديث أو خمسة، ثم أنصرف كراهية أن تكثر وتفلت ([125]).
5- قال أبو بكر بن عياش: قرأت القرآن على عاصم بن أبي النجود فكان يأمرني أن أقرأ كل يوم آية لا أزيد عليها، ويقول: إن هذا أثبت لك. فلم آمن أن يموت الشيخ قبل أن أفرغ من القرآن فما زلت أطلب إليه حتى أذن لي في خمس آيات كل يوم ([126]).
فهذا عاصم يلزم أبا بكر بهذه الطريقة، ويأمره بتقليل القدر المحفوظ، ليصل إلى درجته في الإتقان، كما وصفه عاصم بقوله: مرضت سنتين، فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفًا ([127]).
انظر إلى هذا الضبط العجيب، بعد سنتين لا يستذكر حفظ القرآن فيهما لمرضه، يقرأه فلا يخطئ في حرف.
ولقد أنتجت هذه الطريقة ثمارها، فها هو أبو بكر يقول: فلقد فارقت عاصمًا، وما أسقط من القرآن حرفًا ([128]).
6- جاء أبو حنيفة إلى حماد بن أبي سليمان فقال له: ما جاء بك؟ قال: أطلب الفقه. قال: تعلم كل يوم ثلاث مسائل، ولا تزد عليها شيئًا، حتى يتفق كل شيء من العلم، فتعلم، ولزم الحلقة حتى فقه، فكان الناس يشيرون إليه بالأصابع ([129]).
7- قال شعبة: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين فيحدثني، ثم يقول: أزيدك؟ فأقول: لا حتى أحفظهما وأتقنهما ([130]).
نعم إنه يريد أن يصل إلى درجة قتادة في الإتقان، عن معمر قال قتادة لسعيد بن المسيب: يا أبا النضر خذ المصحف فامسك علي، فقرأ عليه سورة البقرة، فما أسقط منها واوا ولا ألفًا ولا حرفًا. فقال: يا أبا النضر أحكمت؟ قال: نعم. قال: لأنا لصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة ([131]).
7- ذكر بعض طلبة العلم عن أحدهم أنه كان يحفظ في كل يوم نصف بيت من الألفية فبقي في حفظ الألفية ثمان سنوات.
الأمر الثاني: التكرار:
إذا عمل مريد الحفظ بالأمر الأول وهو تقليل المادة المحفوظة يوميًا، فينبغي له كذلك أن يكرر هذا النص مرات كثيرة جدًا، فإن الحفظ لا يثبت إلا بالتكرار، فمن أراد أن يبقى حفظه مدة طويلة فليكثر من إعادته وتكراره.
قال ابن الجوزي: الطريق في إحكام المحفوظ كثرة الإعادة، والناس يتفاوتون في ذلك: فمنهم من يثبت معه المحفوظ مع قلة التكرار، ومنهم من لا يحفظ إلا بعد التكرار الكثير، فينبغي للإنسان أن يعيد بعد الحفظ ليثبت معه المحفوظ ([132]).
وقال: قد كان خلق كثير من سلفنا يحفظون الكثير من الأمر، فآلى الأمر إلى أقوام يفرون من الإعادة إلى الكسل، فإذا احتاج أحدهم إلى محفوظ لم يقدر عليه.
ولقد تأملت على المتفقهه أنهم يعيدون الدرس مرتين أو ثلاثًا، فإذا مر على أحدهم يوما نسي ذلك، وإذا افتقر إلى شيء من تلك المسألة في المناظرة لم يقدر على ذلك، فذهب زمان الأول ضائعًا، ويحتاج أن يبتدئ الحفظ لما تعب فيه أولاً، السبب أنه لم يحكمه([133]).اهـ.
قال الزرنوجي: وينبغي لطالب العلم أن يعد ويقدر لنفسه تقديرًا في التكرار فإنه لا يستقر في قلبه حتى يبلغ ذلك المبلغ. وينبغي لطالب العلم أن يكرر سبق الأمس خمس مرات، وسبق اليوم الذي قبل الأمس أربع مرات، والسبق الذي قبله ثلاث مرات، والذي قبله اثنين، والذي قبله مرة واحدة. فهذا أدعى إلى الحفظ ([134]). اهـ.
عقد الخطيب في كتابه (الجامع) فصلاً فقال: تكرير المحفوظ على القلب.
ثم ذكر فيه قول علقمة: أطيلوا كر الحديث لا يدرس.
وقول سفيان: اجعلوا الحديث حديث أنفسكم، وفكر قلوبكم، تحفظوه ([135]).
قال الحسن: بن أبي بكر النيسابوري: لا يحصل الحفظ حتى يعاد خمسين مرة ([136]).
وقال: إن فقيهًا أعاد الدرس في بيته مرارا كثيرة، فقالت: عجوز – في بيته -: قد والله حفظته أنا! فقال: أعيديه. فأعادته. فلما كان بعد أيام، قال: يا عجوز، أعيدي ذلك الدرس. فقالت: ما أحفظه. قال: أنا أكرر الحفظ لئلا يصيبني ما أصابك ([137]).
قال ابن جبرين: الغالب أن من حفظ سريعًا بدون تكرار فإنه ينسى سريعًا، ولقد كان الكثير من الطلاب قديمًا يكرسون جهودهم في الحفظ، حتى كان أحدهم يقرأ الحديث أو الباب مائة مرة، حتى يرسخ في ذاكرته، ثم بعد ذلك يكررون ما حفظوه ([138]).
أمثلة تطبيق هذا الأمر عند أهل العلم:
1- قال ابن مفلح: روي عن الزهري أنه كان يرجع إلى منزله وقد سمع حديثًا كثيرا، فيعيده على جارية له من أوله إلى آخره كما سمعه، ويقول لها: إنما أردت حفظه. وكان غيره يعيده على صبيان المكتب ليحفظه ([139]).
2- قال أبو الوليد: قال لي حماد بن زيد: إذا خالفني شعبة في حديث صرت إلى قوله. قلت: كيف يا أبا إسماعيل؟ قال: إن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث عشرين مرة، وأنا أرضى أن أسمعه مرة([140]).
3- قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: لو لم نكتب الحديث خمسين مرة، ما عرفناه ([141]). وقال مجاهد بن موسى: كان يحيى بن معين يكتب الحديث نيفا وخمسين مرة ([142]).
4- قال أبو إسحاق الشيرازي: كنت أعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغت منه أخذت قياسًا آخر، وهكذا. وكنت أعيد كل درس ألف مرة، فإذا كان في المسألة بيت يستشهد به، حفظت القصيدة ([143]).
وأثمر هذا التكرار ثمرته فقد قيل: إن أبا إسحاق كان يحفظ مسائل الخلاف كما يحفظ أحدكم الفاتحة ([144]).
5- سئل بكر بن محمد البخاري عن مسألة، فقال: هذه المسألة أعدتها في برج من حصن بخارى أربع مائة مرة. وكان إذا طلب المتفقه منه الدرس ألقى عليه من أي موضع شاء من غير مطالعة كتاب ([145]).
6- إسماعيل بن محمد بن إسماعيل يقال أقرأ المقنع مائة مرة ([146]).
ومن أمثلة المعاصرين:
7- سمعت الشيخ عبد الرحمن الفريان يقول: كنت أيام الطلب في الصغر أكرر الدرس من القرآن ثمانين مرة. فقال لي الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله: كرر مائة مرة فقلت: هذا كثير.
8- حدثني بعض الشناقطة في المسجد النبوي: أنهم إذا أرادوا حفظ درس كرروه مائة مرة.
أيها الموفق: لقد كان أهل العلم يلزمون أنفسهم بالتكرار، ويحتالون عليها لإذهاب الملل عنها، ومن أمثلة ذلك:
قال الكيا الهراسي: كانت في مدرسة سرهنك بنيسابور قناة لها سبعون درجة، وكنت إذا حفظت الدرس أنزل القناة وأعيد الدرس في كل درجة مرة في الصعود والنزول.
قال: وكذا كنت أفعل في كل درس حفظته ([147]).
وفي بعض الكتب أنه – الكيا – كان يكرر الدرس على كل مرقاة من مراقي درج المدرسة النظامية بنيسابور سبع مرات، وأن المراقي كانت سبعين مرقاة ([148]). أي: يكرر الدرس (490) مرة.
وحدثني علي بن عبد الرحمن السحيباني أنه قابل في (موريتانيا) بعض الشناقطة ممن حفظه متقن، فسأله عن طريقته في المراجعة فقال: أكرره على الجهات ثمانين مرة، يتجه نحو الشرق فيقرأ ثمانين مرة، ثم يتجه نحو الغرب فيقرأ ثمانين مرة، وكذا باقي الجهات.
فأنظر كيف يحتالون في إذهاب الملل عن النفس، وإلزامها بالعدد المطلوب تكراره، فهذا يقرأ الدرس على كل درجة، وذاك يكرره على كل جهة، من أجل إبعاد الملل والسآمة، لأنه لو جلس في بيته وأراد أن يكرر هذا العدد لمل وسأم، وربما لم يكمل كل هذا العدد.
تنبيهات:
أولاً: يجب على من أراد الحفظ أن يصحح ما يقرؤه قبل حفظه تصحيحًا متقنًا، ولا يحفظ شيئًا قبل تصحيحه، لأنه يقع في التحريف والتصحيف ([149]).
ثانيًا: ينبغي للدارس أن يرفع صوته في درسه حتى يسمع نفسه، فإن ما سمعته الأذن رسخ في القلب، ولهذا كان الإنسان أوعى لما يسمعه منه لما يقرأه.
قال الزبير بن بكار: دخل علي أبي وأنا أروي في دفتر ولا أجهر، أروي فيما بيني وبين نفسي.
فقال لي: إنما لك من روايتك هذه ما أدى بصرك إلى قلبك، فإذا أردت الرواية فانظر إليها واجهر بها، فإنه يكون لك ما أدى بصرك إلى قلبك، وما أدى سمعك إلى قلبك ([150]).
قال العسكري: حكي لي عن أبي حامد: أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم، فإنه أثبت للحفظ وأذهب للنوم. وكان يقول: القراءة الخفية للفهم، والرفيعة للحفظ والفهم ([151]).
قال الزرنوجي: وينبغي ألا يعتاد المخافتة في التكرار، لأن الدرس والتكرار ينبغي أن يكونا بقوة ونشاط، ولا يجهر جهرا يجهد نفسه كيلا ينقطع عن التكرار، فخير الأمور أوسطها ([152]). اهـ.
الفصل الرابع
أسباب الحفظ
هذه بعض الأسباب المعينة على الحفظ، وليس ذكرها هنا على سبيل الحصر، لكن لعل هذه هي أهم أسباب الحفظ.
وقد حرصت عند ذكر كل سبب على بيان إفادة أهل العلم منه، وما لم أذكره من أسباب فلعدم أهميته في نظري، أو يكون مما فات سهوًا.
والله أسأل أن ينفعني به ومن بلغ.
الأول: الدعاء.
الثاني: ترك المعاصي.
الثالث: الاهتمام.
الرابع: التعود.
الخامس: العمل به.
السادس: اختيار الوقت المناسب.
السابع: الحفظ في الصغر.
الثامن: المراجعة.
الأول: الدعاء:
الدعاء سبب لكل خير، ومفتاح لكل باب، به تجلب المنافع، وتدفع المكروهات، }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60] فهذا وعد من الله بالإجابة }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا{ [النساء: 122]، فاحرص – يا طالب العلم – على دعاء الله جل جلاله فإنه دعائه خير محض، وغنم بللا غرم، وهو أيسر سبب، وأسرع سبيل، صاحبه رابح على كل حال.
قال ابن حجر: وأنا شربته مرة – يعني ماء زمزم – وسألت الله – وأنا حينئذ في بداية طلب الحديث، ثم حججت بعد مدة تقرب من عشرين سنة، وأنا أجد من نفسي المزيد على تلك المرتبة، فسألته أعلى منها، فأرجو الله أن أنال ذلك ([153]).
ومن هنا ينبه على ما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ماء زمزم لما شرب له» أخرجه ابن ماجه ([154]).
وقد كان أهل العلم يحرصون على الشرب منه، وسؤال الله تعالى ما ينفعهم من خيري الدنيا والآخرة.
ومتى توجه العبد إلى ربه جل وعلا بإخلاص وصدق حاضر القلب أجيب دعائه، وكم داع أخلص لله مع ذل وخشوع وبكاء استجيب له.
قال خلف بن محمد بن الفضل: سمعت أبي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل u فقال لها: يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك – أو كثرة دعائك – فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره ([155]).
الثاني: ترك المعاصي:
من أهم الأسباب المعينة على حفظ العلم الشرعي اجتناب المعاصي، وقد كثر السلف في التنبيه على هذا الأمر، فمن ذلك:
قال عبد الله بن مسعود t: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه للخطيئة كان يعملها. أخرجه الدارمي ([156]).
قال على بن خشرم: ما رأيت بيد وكيع كتابا قط، إنما هو حفظ، فسألته عن أدوية الحفظ؟ فقال: إن علمتك الدواء استعملته؟ قلت: أي والله! قال: ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ ([157]).
قال بعضهم:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي | ||||
فأومأ لي إلى ترك المعاصي | ||||
وقال بأن حفظ الشيء فضل | ||||
وفضل الله لا يدركه عاصي ([158]) | ||||
قال بشر بن الحارث: إن أردت أن تلقن العلم فلا تعص ([159]).
قال يحيى بن يحيى: سأل رجل مالك بن أنس: يا أبا عبد الله هل يصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: إن كان يصلح له شيء فترك المعاصي([160]).
قال الضحاك بن مزاحم: ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه، لأن الله تعالى يقول: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{ [الشورى: 30] وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب([161]).
الثالث: الاهتمام:
إن الاهتمام للشيء، والحرص عليه، واشتغال الفكر به، ييسر حفظه، وهذا أمر ظاهر حتى في حاجات المرء الشخصية، فما كان منها محل اهتمامه، فإنه قل أن ينساه.
قال سفيان: اجعلوا الحديث: حديث أنفسكم، وفكر قلوبكم، تحفظوه ([162]).
قال البخاري: لا أعلم شيئًا أنفع للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر ([163]).
النهمة: بلوغ الهمة في الشيء، ومنه (النهم من الجوع)، ومنه الحديث: «منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا»([164]).
ثم قال البخاري: وذاك أني كنت بنيسابور مقيمًا، فكان ترد إلي من بخارى كتب، وكن قرابات لي يقرئن سلامهن في الكتب، فكنت اكتب كتابا إلى بخارى، وأردت أن أقرئهن سلامي، فذهب علي أساميهن حين كتبت كتابي، ولم أقرئهن سلامي، وما أقل ما يذهب عني من العلم ([165]).
قلت: تأمل هذه القصة التي ذكرها البخاري في نفسه، فإنه نسي أسامي قرابات له، وهو القائل: تذكرت يومًا أصحاب أنس فحضرني في ساعة ثلاثمائة نفس ([166]).
ولما قيل له: أنت الذي يقول: إني أحفظ سبعين ألف حديث! قال: نعم، وأكثر. ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ([167]).
فمع سعة حفظه وقوته ينسى أسماء بعض قراباته من النساء، وهو القائل: ما أقل ما يذهب عني من العلم. ومرجع ذلك كله إلى الاهتمام فلشدة اهتمامه للعلم قل ما يفوته منه، ولقلة اهتمامه لأسماء تلك النسوة ذهب عليه أسماؤهن، حتى لم يقدر على استذكار وقت حاجة إليهن.
قال العسكري: والحفظ لا يكون إلا مع شدة العناية، وكثرة الدرس، وطول المذاكرة ([168]).
الرابع: التعود:
قد يجد الإنسان صعوبة في الحفظ أول أمره، لكن مع تمرين النفس عليه يسهل، فكثرة التمرين على الحفظ، تزيد الحافظة قوة وسرعة.
قال الزهري: إن الرجل ليطلب وقلبه شعب من الشعاب، ثم لا يلبث أن يصير واديا، لا يوضع فيه شيء إلا التهمه ([169]).
قال العسكري: يريد أن أول الحفظ شديد، يشق على الإنسان، ثم إذا اعتاد سهل. ومصداق ذلك ما أخبرنا به الشيخ أبو أحمد الصولي عن الحارث بن أسامة قال: كان العلماء يقولون: كل وعاء أفرغت فيه شيئًا فإنه يضيق، إلا القلب فإنه كلما أفرغ فيه أتسع.
قال العسكري: وكان الحفظ يتعذر علي حين ابتدأت ثم عودته نفسي إلي أن حفظت قصيدة قريبًا من مائتي بيت في ليلة ([170]).
الخامس: العمل به:
مما يثبت العلم العمل به، فإذا عمل بما علمه ازداد ذلك العلم رسوخًا، وإلى هذا نبه أهل العلم، فمن ذلك:
قال الشعبي: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به ([171]). ومثله عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ([172]).
قال سفيان الثوري: يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل([173]).
قال وكيع بن الجراح: إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به([174]).
قال ابن عثيمين: ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم وضبطه: أن يهتدي الإنسان بعلمه، قال الله تعالى: }وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ{ [محمد: 17] وقال: }وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى{ [مريم: 76] فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظًا وفهمًا لعموم قوله }زَادَهُمْ هُدًى{. اهـ ([175]).
السادس: اختيار الوقت المناسب:
من الأسباب المعينة على الحفظ، أن يختار وقتًا مناسبًا للحفظ، وقد ذكر العلماء أي الساعات أفضل، فمما قالوه في ذلك:
قال الخطيب: اعلم أن للحفظ ساعات ينبغي لمن أراد التحفظ أن يراعيها، فأجود الأوقات الأسحار، ثم بعدها وقت انتصاف النهار، وبعدها الغدوات دون العشيات، وحفظ الليل أصلح من حفظ النهار ([176]).
قال أحمد بن الفرات: لم نزل نسمع شيوخنا يذكرون أشياء في الحفظ، فأجمعوا أنه ليس شيء أبلغ فيه إلا كثرة النظر. وحفظ الليل غالب على حفظ النهار. قال: وسمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: إذا هممت أن تحفظ شيئًا فنم، وقم عند السحر، فأسرج وانظر فيه، فإنك لا تنساه بعد إن شاء الله ([177]).
قال الخطيب البغدادي: إنما اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب، فإن خلوه يسرع إليه الحفظ. ولهذا قال حماد بن زيد – لما قيل له -: ما أعون الأشياء على الحفظ؟ قال: قلة الغم. وليس يكون قلة الغم إلا مع خلو السر وفراغ القلب، والليل أقرب الأوقات من ذلك.
السابع: الحفظ في الصغر:
إن من أسباب ثبات المحفوظ، أن يكون الحفظ في أيام الصغر، وقد أشار أهل العلم إلى ذلك، فمن كلامهم عنه:
1- قال قتادة: الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر ([178]).
2- قال معمر: سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعت في تلك السنين إلا وكأنه مكتوب في صدري ([179]).
3- قال علقمة بن قيس: ما حفظت وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة ([180]).
4- قال الحسن: طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر([181]).
فهذه الأقوال فيها تنبيه للآباء والأولياء والمربين أن يعتنوا بأبنائهم ومن تحت ولايتهم ومن يقومون بتربيتهم عناية خاصة في وقت الصغر، ويجتهدوا في تحفيظهم ما ينفعهم، لأن الحفظ في هذا أثبت، وهذه ساعة متى فرط فيها لا يمكن استدراكها.
الثامن: المراجعة.
من أسباب ثبات المحفوظ ودوامه بعد حفظه، مراجعته مرة بعد أخرى، ولأهمية هذا الأمر فقد أوصى به السلف y وحثوا عليها، فمن أقوالهم:
قال علي بن أبي طالب: تذاكروا هذا الحديث، فإن لا تفعلوا يدرس ([182]).
قال ابن مسعود: تذاكروا الحديث، فإن حياته مذاكرته ([183]).
قال الزهري: إنما يذهب العلم النسيان، وترك المذاكرة ([184]). وعمن الحسن نحوه ([185]).
قال علقمة: أطيلوا ذكر الحديث لا يدرس ([186]).
قال إبراهيم الأصبهاني: كل من حفظ حديثا فلم يذاكر به، تفلت منه ([187]).
قال الخليل بن أحمد: ذاكر بعلمك تذكر ما عندك، وتستفد ما ليس عندك ([188]).
قال عبد الله بن المعتز: من أكثر مذاكرة العلماء لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم ([189]).
أيها الموفق: إذا لم يجد الطالب من يذاكره العلم، فينبغي له أن يحدث به من عنده ولو لم يكن أهلا لذلك.
قال إبراهيم النخعي: من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به، ولو أن يحدث به من لا يشتهيه، فإنه إذا فعل ذلك كان كالكتاب في صدره ([190]).
وكان الزهري يرجع إلى منزله وقد سمع حديثا كثيرًا فيعيده على جارية له من أوله إلى آخره كما سمعه ويقول لها: إنما أردت أن أحفظه ([191]).
قال زياد بن سعد: ذهبنا مع الزهري إلى أرضه بالشغب، فكان يجمع الأعاريب فيحدثهم يريد الحفظ ([192]).
كان عطاء الخرساني إذا لم يجد أحدا يحدثه أتى المساكين فحدثهم، يريد بذلك الحفظ ([193]).
وكان خالد بن يزيد إذا لم يجد أحدا يحدثه يحدث جواريه، ثم يقول: إني لأعلم أنكن لستن بأهل. يريد بذلك الحفظ ([194]).
وإسماعيل بن رجاء كان يجمع صبيان الكتاب يحدثهم لئلا ينسى حديثه ([195]).
قال الخطيب: وإذا لم يجد الطالب من يذاكره، أدام ذكر الحديث مع نفسه، وكرره على قلبه، ثم ذكر بإسناده إلى معاذ بن معاذ أنه قال: كنا بباب ابن عون، فخرج علينا شعبة – وقد عقد بيديه جميعًا – فكلمه بعضنا فقال: لا تكلمني فإني قد حفظت عن ابن عون عشرة أحاديث، أخاف أن أنساها ([196]).
قال جعفر المراغي: دخلت مقبرة بتستر فسمعت صائحًا يصيح:
والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ساعة طويلة، فكنت أطلب الصوت، إلى أن رأيت ابن زهير وهو يدرس مع نفسه من حفظه حديث الأعمش([197]).
هذا ما يسر الله تعالى جمعه، بفضله ومنه، فله الحمد كله، أولاً وأخرا، ظاهرًا وباطنًا.
تم الفراغ منه صباح الاثنين الثامن من شهر جمادى الآخرة لعام 1422هـ. بالمدينة النبوية.
([1]) المصباح المنير ص55.
([2]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/13).
([3]) الآداب الشرعية (2/119).
([4]) الجامع لأخلاق الراوي (2/248).
([5]) الجامع للخطيب (2/266).
([6]) الحث على طلب العلم ص74.
([7]) الجامع للخطيب (2/250).
([8]) الحث على حفظ العلم لابن الجوزي ص25-26.
([9]) انظر: جامع بيان العلم ص115.
([10]) الكامل لابن عدي (1/95).
([11]) الجامع لأخلاق الراوي (2/251-525).
([12]) جامع بيان العلم ص116.
([13]) جامع بيان العلم ص116.
([14]) الجامع لأخلاق الراوي (2/250)
([15]) أبجد العلوم لصديق حسن (1/244).
([16]) تحصين القبيح وتقبيح الحسن للثعالبي ص84.
([17]) الحث على طلب العلم ص74.
([18]) تذكرة الحفاظ (2/641).
([19]) الحدائق لابن الجوزي (1/27)، والحث على حفظ العلم ص61، والسير (16/89).
([20]) الحث على حفظ العلم ص45. وانظر: السير (15/436).
([21]) تذكرة الحفاظ (1/357).
([22]) الحث على طلب العلم ص71، 72. والحث على حفظ العلم ص49.
([23]) تذكرة الحفاظ (1/123)، سير أعلام النبلاء (5/276). والحث على حفظ العلم ص54.
([24]) حلية الأولياء (2/333).
([25]) سير أعلام النبلاء (5/276).
([26]) حلية الأولياء (2/364)، الجامع للخطيب (2/264)..
([27]) حلية الأولياء (2/363)، الجامع للخطيب (2/253). الحث على حفظ العلم ص55.
([28]) المجروحين لابن حبان (1/50) والسير (7/236).
([29]) كذا في المطبوع! ولعل فيه تصحيف، صوابه: بكلمة قالها كذاب. أو نحوه، وعلى كل فالمعنى ظاهر، والحمد لله.
([30]) الحث على حفظ العلم ص39.
([31]) أخرجه النسائي في الكبرى ح11326، (6/396).
([32]) تاريخ بغداد (14/340)، تذكرة الحفاظ (1/320). وانظر: السير (9/363) وفيه: حديث الصور. وانظر تعليق المحقق.
([33]) الحث على حفظ العلم ص47، 48.
([34]) تذكرة الحفاظ (1/281)، البداية والنهاية (14/14).
([35]) الحث على حفظ العلم ص55، 56. والسير (12/408).
([36]) تاريخ بغداد (10/333).
([37]) تذكرة الحفاظ (2/635).
([38]) تاريخ بغداد (4/103)، تاريخ الإسلام (26/102).
([39]) السير (16/453).
([40]) البدر الطالع (1/70).
([41]) الدرر الكامنة (4/86).
([42]) السير (4/163).
([43]) تذكرة الحفاظ (1/110).
([44]) الحث على حفظ العلم ص65.
([45]) حفظ القرآن الكريم للدويش ص48.
([46]) حفظ القرآن الكريم للدويش ص49.
([47]) انظر: حفظ القرآن الكريم للدويش ص49.
([48]) تذكرة الحفاظ (4/1440).
([49]) الدرر الكامنة (4/119).
([50]) الحث على حفظ العلم ص51.
([51]) الكامل لابن عدي (1/95)، والحث على حفظ العلم ص65.
([52]) تهذيب الكمال (32/58)، الكاشف (3/273).
([53]) تذكرة الحفاظ (4/1440).
([54]) الحلية (2/334)، سير أعلام النبلاء (5/272).
([55]) السير (10/148).
([56]) سير أعلام النبلاء (5/258).
([57]) كتاب الحدائق لابن الجوزي (1/24)ز
([58]) تهذيب الكمال (30/477).
([59]) تهذيب الكمال (30/471).
([60]) تهذيب الكمال (30/477).
([61]) الجامع لأخلاق الراوي (2/13).
([62]) الحدائق لابن الجوزي (1/25).
([63]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب (2/253).
([64]) الجامع للخطيب (2/254).
([65]) تاريخ بغداد (6/353).
([66]) تاريخ بغداد (6/354).
([67]) السير (11/ 186).
([68]) تاريخ بغداد (10/332).
([69]) الحدائق لابن الجوزي (1/26).
([70]) السير (13/224) وانظر: الحث على حفظ العلم ص44.
([71]) تاريخ بغداد (2/358)، والحث على حفظ العالم ص60. والسير (15/512).
([72]) تذكر الحفاظ (3/887).
([73]) الحث على طلب العلم ص69.
([74]) الحق على حفظ العلم ص35.
([75]) ذيل طبقات الحنابلة (1/58).
([76]) انظر الإمام ابن باز دروس ومواقف وعبر للسدحان ص27-28.
([77]) حفظ القرآن الكريم للدويش ص44.
([78]) الحث على حفظ العلم ص43، تذكرة الحفاظ (2/689).
([79]) تذكرة الحفاظ (1/254).
([80]) كتاب الحدائق لابن الجوزي (1/24)، تذكرة الحفاظ (1/330)
([81]) كتاب الحدائق لابن الجوزي (1/24).
([82]) كتاب الحدائق لابن الجوزي (1/25)، والحث على حفظ العلم ص38.
([83]) تاريخ بغداد (14/339-340)، تذكرة الحفاظ (1/318).
([84]) تهذيب الكمال (26/263)، تذكرة الحفاظ (1/411).
([85]) تاريخ بغداد (4/419-420)، الحدائق لابن الجوزي (1/25).
([86]) السير (11/187).
([87]) السير (12/415).
([88]) الحدائق لابن الجوزي (1/26).
([89]) الحدائق لابن الجوزي (1/26).
([90]) الحث على حفظ العلم ص44.
([91]) تاريخ بغداد (5/16-17)، والسير (15/346-347).
([92]) تذكرة الحفاظ (3/840)، والسير (15/346-347).
([93]) تذكرة الحفاظ (3/887).
([94]) الحث على حفظ العلم ص62، السير (16/90).
([95]) الحث على حفظ العلم ص31.
([96]) تاريخ بغداد (12/104).
([97]) الحث على حفظ العلم ص46.
([98]) تهذيب التهذيب (2/622).
([99]) الحث على حفظ العلم ص79.
([100]) السير (11/68).
([101]) الحث على حفظ العلم ص58، وتذكرة الحفاظ (3/842-843).
([102]) الحث على حفظ العلم ص79.
([103]) تاريخ بغداد (1/272).
([104]) السير (10/120).
([105]) الحث على حفظ العلم ص58، وتذكرة الحفاظ (3/842-843).
([106]) الحث على حفظ العلم ص58-59.
([107]) الحدائق لابن الجوزي (1/27)، وتذكرة الحفاظ (3/843)
([108]) تاريخ بغداد (2/357)، والحدائق لابن الجوزي (1/27).
([109]) تذكرة الحفاظ (1/88).
([110]) تذكرة الحفاظ (1/84).
([111]) السير (7/8).
([112]) كتاب الحث على طلب العلم للعسكري. ص70، وفيات الأعيان (7/244).
([113]) صحيح البخاري ح5861، وصحيح مسلم ح782.
([114]) الفقيه والمتفقه (2/101).
([115]) الفقيه والمتفقه (2/107).
([116]) تعليم المتعلم طريق التعلم ص32-33. ط. مكتبة القاهرة.
([117]) جامع بيان العلم وفضلة ص168.
([118]) حلية الأولياء (4/364).
([119]) جامع بيان العلم ص206.
([120]) علوم الحديث ص227.
([121]) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/123).
([122]) الجامع لأحكام القرآن (1/40).
([123]) الجامع لأحكام القرآن (1/39).
([124]) حلية الأولياء (2/219).
([125]) فتح المغيث (3/316).
([126]) طبقات الحنابلة (1/42).
([127]) سير أعلام النبلاء (5/258).
([128]) سير أعلام النبلاء (8/503).
([129]) الفقيه والمتفقه (2/101).
([130]) السير (7/225-226).
([131]) الحلية (2/334)، سير أعلام النبلاء (5/272).
([132]) الحث على حفظ العلم ص21.
([133]) الحث على حفظ العلم ص12.
([134]) تعليم المتعلم طريق التعلم ص41. ط. مكتبة القاهرة.
([135]) الجامع لأخلاق الراوي (2/226).
([136]) الحث على حفظ العلم ص21.
([137]) الحق على حفظ العلم ص21.
([138]) كيف تطلب العلم؟ حوار مع فضيلة الشيخ العلامة د. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين. إعداد: عيسى بن سعد آل عوشن. ص31.
([139]) الآداب الشرعية (2/120).
([140]) السير (7/219).
([141]) السير (11/84).
([142]) السير (11/92).
([143]) طبقات الشافعية (4/218).
([144]) طبقات الشافعية (4/222).
([145]) الحث على حفظ العلم ص32، السير (19/416).
([146]) ذيل طبقات الحنابلة (2/409).
([147]) طبقات الشافعية (7/232).
([148]) طبقات الشافعية (7/232).
([149]) انظر: تذكرة السامع والمتكلم ص121-122.
([150]) الجامع للخطيب 2/266.
([151]) الحث على طلب العلم ص72.
([152]) تعليم المتعلم طريق التعلم ص41. ط. مكتبة القاهرة.
([153]) جزء في حديث «ماء زمزم لما شرب له» لابن حجر، ص37.
([154]) السنن ح3062. وللحديث شواهد من حديث ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، ومعاوية، وقد تكلم ابن حجر على كل واحد من هذه الشواهد ثم قال: فمرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به، على ما عرف من قواعد أئمة الحديث. ص32 المصدر السابق.
([155]) كرامات أولياء الله عز وجل للالكائي ص247.
([156]) سنن الدارمي ح376، (1/117)، الجامع للخطيب 2/258 وانظر الفوائد ص147.
([157]) الجامع للخطيب (2/258)، وهذا اللفظ في سير أعلام النبلاء (9/151)، تهذيب الكمال (30/480).
([158]) الجامع لأخلاق الراوي (2/258).
([159]) الجامع للخطيب (2/258).
([160]) الجامع للخطيب (2/258).
([161]) فضائل القرآن لابن كثير ص138.
([162]) الجامع لأخلاق الراوي (2/266).
([163]) السير (12/406)، هدي الساري ص487-488.
([164]) النهاية (5/138).
([165]) السير (12/406).
([166]) هدي الساري ص488.
([167]) السير (12/417).
([168]) الحث على طلب العلم ص67.
([169]) الحث على طلب العلم ص71.
([170]) كتابه: الحث على طلب العلم ص71.
([171]) جامع بيان العلم ص291.
([172]) الجامع للخطيب (2/259).
([173]) جامع بيان العلم ص290.
([174]) علوم الحديث لابن الصلاح ص223.
([175]) ص63 كتاب العلم لابن عثيمين، إعداد: فهد السليمان.
([176]) الفقيه والمتفقه (2/103).
([177]) الجامع لأخلاق الراوي (2/265).
([178]) سير أعلام النبلاء (5/275).
([179]) سير أعلام النبلاء (7/6).
([180]) جامع بيان العلم ص136، حلية الأولياء (2/101)، السير (4/55).
([181]) جامع بيان العلم ص135.
([182]) تدريب الراوي 2/597.
([183]) تدريب الراوي 2/597.
([184]) حلية الأولياء (3/364).
([185]) جامع بيان العلم ص174.
([186]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/238 و 2/266)، والآداب الشرعية (2/119).
([187]) الجامع لأخلاق الراوي (1/238).
([188]) الجامع لأخلاق الراوي (2/274).
([189]) الجامع لأخلاق الراوي (2/276).
([190]) الجامع لأخلاق الراوي (2/278).
([191]) الآداب الشرعية (2/119).
([192]) الجامع لأخلاق الراوي (2/268-269).
([193]) جامع بيان العلم ص179.
([194]) جامع بيان العلم ص179.
([195]) جامع بيان العلم ص179.
([196]) الجامع (1/238-239).
([197]) الجامع لأخلاق الراوي (2/267).