×
قد هل أشرف الشهور.. بعد طول غياب.. وبعد شوق عظيم.. ذابت الأحداق في انتظاره.. وتمزقت المآقي على فراقه .. وها هو يقدم .. بين يديه العتق والرحمة والمغفرة من الله جل وعز..

 رمضان أمل وألم

محمد بن سرار اليامي


 بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

الحمد لله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183].

والصلاة والسلام على النبي القائل: «للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه»، والقائل: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» والقائل: «إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق, فلا يدخل منه غيرهم» أما بعد:

*فقد هل أشرف الشهور.. بعد طول غياب.. وبعد شوق عظيم.. ذابت الأحداق في انتظاره.. وتمزقت المآقي على فراقه .. وها هو يقدم .. بين يديه العتق والرحمة والمغفرة من الله جل وعز..

أتاك شهر السعد والمكرمات

فحيه في أجمل الذكريات

يا موسم الغفران أتحفتنا

أنت المنى يا زمن الصالحات

 أتى هذا الشهر ..بالأمل:

*أتى هذا الشهر.. ليقول للناس: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[الأعراف:56].

* أتى هذا الشهر.. ليغتسل العاصي من أدران الذنوب والخطايا.. بماء التوبة الطاهر النقي..

* أتى هذا الشهر.. ليقول للكون .. كل الكون .. ويقول للدنيا كل الدنيا .. أنا شهر العتق من النار .. فأين الفرار...

* أتى ليضعف الشهوة.. والخطرات الشيطانية .. فتشرق الروح.

* أتى ليذكر المسلم بإخوان له .. أضر بهم الجوع.. الدهر كله؛ فعليه أن يتذكر ما هم فيه من بؤس..

* أتى ليربي النفس، ويزكي القلب؛ أتى ليوحد الكلمة؛ فينساب المجتمع الإسلامي الكبير .. كنهر عذب مورود..

يسقي من ماء إخائه كل من كان متعطشا للم الشمل.. وتوحيد الصف.

* أتى هذا الشهر.. ليكون سلوة للنفوس..، أنسا للقلوب ..، روضة للعقول..، بلسما للهموم ..، عزاء لمن تلطخ بأوحال المعاصي، مفتاحا لمن أراد الطاعة .. مغلاقا على من أراد الشر والفساد..

* فهو يهيئ القلوب، والنفوس لتقبل على الطاعات.. وتبتعد عن الذنوب والمعاصي .. يقول ابن القيم – رحمه الله: (وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان، الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن الكريم في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان) .اهـ بتصرف.

***

 ماذا أقول عن رمضان؟!

*أحبتي.. أنا الآن أتكلم عن هذا الشهر وأحكامه، إنما أتكلم عن مدى وقع أيامه البيض في صفحاتنا السود.. نعم .. أتكلم عن تربيته لنا..

يا أهل الصيام.. ويا أهل القيام .. أبشروا، وأملوا من ربكم ما يسركم..

يا صائماً ترك الطعام تعففاً

أضحى رفيق الجوع واللأواء

أبشر بعيدك في القيامة رحمة

محفوفة بالبر والأنداء

*أن رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما لم تؤت الكبائر .. قل لي بربك .. أليست هذه بشرى؟!

*إن عاتقا حمل هموماً وغموماً .. وأحزاناً وآلاماً.. وذنوبا ومعاصي .. لعاتق منهك .. ضعيف .. يحتاج إلى العون .. والنصرة .. ولا يطلب العون, ولا النصرة إلا من الله سبحانه وتعالى..

*كم هو سعيد ذلك العبد حينما يلقي عن عاتقه هذه الهموم والغموم..

*كم هو سعيد حين تغمره رحمة أرحم الراحمين.. ويكون من المعتقين..

*أحبتي.. إن ميزان السعادة الحقيقية هو مدى طاعة العبد لربه..، فإذا أردت أن تقيس مدى سعادتك في حياتك .. فانظر إلى معدلات طاعتك لربك .. فإن كانت جيدة، فأنت سعيد .. وإن كانت غير ذلك .. فأنت ... (أترك الجواب لك).

***

 رمضانيات:

*هذه رمضانيات لكل مسلم، ومسلمة .. يحتاج إليها الشيخ الكبير والشاب الطرير، والحدث الصغير ..، والأم والأخت، والبنت ..، والزوجة ..، نقبس منها.. من منهل عذب مورود ..، من سيرة المعصوم وسنته - صلى الله عليه وسلم -.

*كان من هدية عليه الصلاة والسلام تحري رؤية الهلال ..، وقد أمر المسلمين .. أن يصوموا لرؤية الهلال .. وأن يفطروا لرؤيته.

*كان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور.. فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله: «تسحروا, فإن في السحور بركة».

*كان عليه الصلاة والسلام يأمر بتعجيل الفطور، فكان يفطر قبل أن يصلي المغرب، كما يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد.

*كان يسافر في رمضان، ويصوم ويفطر في السفر، وكان يغزو ويجاهد في رمضان، ولا دل على ذلك من (بدر الكبرى)؛ وكان عليه الصلاة والسلام يعتكف في العشر الأواخر من رمضان.

 رمضان والأسرار:

*شرع الصيام لمقاصد وحكم عظيمة .. فهو يضعف الشهوة، ويذكر المسلم بإخوانه، ويربي النفوس، ويزكي القلوب، ويغض الأبصار .. ويحفظ الجوارح..لماذا؟!

لأنه سر بين العبد وبين ربه جل وعز .. ففي الصحيح أن الله جل وعز يقول: «كل عمل ابن آدم له, إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به»، ولأنه انتصار يحققه الإنسان على هواه، وتفوق يقدمه المؤمن في سجلاته.. فهو نصف الصبر.. وشحنة من الجهاد.

***

 فاذكروني أذكركم:

*أخي الصائم.. أختي الصائمة..

أتدرون عن طعم القرآن في رمضان..، إن القرآن في رمضان له في النفوس إيحاء خاص..، ومشاعر عجيبة .. يحركها كتاب الله .. في نفوس أهل الإيمان .. أتدرون لماذا؟

لأنه يعيد ذكرى نزوله، وأيام تدارسه، وأوقات عناية السلف به .. يعيد أوقات دوي كدوي النحل في البيوت من قراءة القرآن.

سمعتك يا قرآن والليل غافل

سريت تهز القلب سبحان من أسرى

فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها

وطفنا ربوع الكون نملؤها أجرًا

*يتطاول النهار.. وتمتد الساعات، في نهار رمضان، فيقل عليها المؤمن بسكين الذكر فيتركها شذر مذر ... نعم: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:7]. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، كمثل الحي والميت » فكيف بمن يذكر ربه, وهو صائم قائم.. نعم, والله, إن (المفردون) لفي فوز عظيم.

*إن مما ينبغي على المسلم فعله.. هو ذكر الله ذكراً مشروعاً .. كما أمر ربنا جل وعز .. نعم .. ذكر مع كل نفس ..، ذكر مع كل همسة ولحظة ..، ذكر مع كل حركة وسكنة .. ذكر حسن .. خالص لوجه الله جل وعز .. ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28].

***


 الإحسان في رمضان:

*أما البذل في رمضان.. وما أدراك ما البذل.. ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة:110] إن الصيام.. يدعو الصائم إلى إعطاء الجائع .. وسد فاقة المحتاج .. نعم يوجد من لا يؤويه بيت .. يوجد من لا يجد ما يفطر أو يتسحر به .. نعم .. يوجد من لا يجد كسرة الخبز, ولا حفنة التمر..

فمن لهم غيرك أيها المسلم؟! صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من فطر صائما كان له مثل أجره، دون أن ينقص من أجر الصائم شيئا» فهل تريل أن تصوم رمضان مرات عديدة، في شهر واحد.

فأنفق ينفق عليك.. واعلم أن شق التمرة قد يحول بينك وبين النار – بإذن الله – نعم..

لقد كانت مساجد السلف تمتلئ بالطعام المقدم للفقراء وعابري السبيل..

فلا نجد جائعا, ولا محتاجاً .. لماذا؟!

لأنهم كانوا يريدون ما عند الله، فهل تريد ذلك ؟!

*فلا شيء في رمضان أحق بالإكثار منه من الصدقات والذكر..

*ولا شيء أحق بالإمساك ..، والتقييد من اللسان، والصمت حكمة, وقليل فاعله.

لسانك لا تذكر به عورة امرئ

فكلك عورات, وللناس ألسن

نعم.. إن حصائد الألسن .. عظيمة .. وعواقب إطلاقها وخيمة ..، والله يقول: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق:18].

*فيصوم البطن عن الحرام، من ربا ورشوة وقمار..، وغيرها .. في رمضان وفي غيره .. ويصوم اللسان عن الغيبة والنميمة، والكذب، والحلف بغير الله .. وغيرها .. في رمضان وفي غيره ..، وتصوم العين عن النظر إلى الحرام في رمضان وغيره ..، ويصوم القلب عن التعلق في من سوى الله في الحياة كلها .. فإن فعل ذلك العبد .. كان صائماً حقا ..، طائعاً صدقا..، محبا لله ..، ولما عند الله ..

 من علامات حب الله:

*إذا علم ما سبق، فإن لمحبة الله عشر علامات, من فعلها فقد أحب الله:

1- محبة كلامه الذي تكلم به.

2- محبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه.

3- الغيرة على محارم الله.

4- التشرف بولاية الله تعالى.

5- الأمر بالمعروف بالمعروف، والنهي عن المنكر بالمعروف.

6- الاجتماع بالصالحين، وحب الأخيار، ومجالستهم.

7- التقرب إلى الله بالنوافل.

8- تقديم حب الآخرة الباقية على الدنيا الفانية.

9- التوبة النصوح، وترك المعاصي والرجوع إلى الله.

10- تمني الشهادة في سبيل الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾[التوبة:11].

 رمضان ..أمل

*أحبتي.. يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر:53]..، وهذا الشهر هو موسم عظيم للتوبة والمغفرة .. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».

فسبحان من يعطي ونخطئ دائماً

ولم يزل مهما هفا العبد عفا

يعطي الذي يخطئ ولا يمنعه

جلاله عن العطا لذي الخطا

*فكفارة الذنب .. التوبة منه ..، وعدم الإصرار عليه .. والاعتراف به ..، والاستغفار منه .. والندم عليه ...

*قال جل وعز: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾بآل عمران: 135].

*فرغم أنفه .. ثم رغم أنفه .. من أدرك رمضان فلم يغفر له .. لماذا؟! .. لأنه فرصة .. قد لا تتكرر مرة أخرى .. بل قد لا تعود أبداً..

والسؤال الذي كان يراودني، منذ أن وضعت قلمي على ورقتي، أرقم هذه العبارات والجمل .. هو ..

متى يتوب من لم يتب في رمضان؟!

متى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان؟! متى .. متى ..

*أحبتي: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾[النحل:92].

*إن شهراً هذه خصائصه.. وصفاته .. لحقيق بأن يذرف الدمع على فراقه.. وتتفتت الأكباد عند وداعه..

 رمضان .. والآلام:

*لقد دار الدهر دورته ..، ومضت الأيام تلو الأيام..، وإذا بشهرنا تغيض أنواره .. وتبلى أستاره .. ويأفل نجمه بعد أن سطع ..، ويظل ليله بعد أن لمع ..، ويخيم السكون على الكون .. بعدما كان الوجود كل الوجود يستعد ويتأهب للقاء هذا الضيف الكريم..

أنا لا أدري, وأنا أرقم هذه الجمل .. أؤهنئكم بحلول عيد الفطر المبارك ..، أم أعزيكم بفراق شهر العتق والغفران..

إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع .. وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون..

***

 لحن الخلود:

إن قلبي ليملي على بناني عبارات الأسى واللوعة، فتكتب البنان بمداد المدامع لحن الخلود، وتأبى الكلمات أن تستلقي على صفحات دفاتري..

إلا حينما أعظها بواحدة .. حينما أعظها بان الله .. قد جعل من سننه في هذه الحياة .. أن للشمل التمام والافتراق ..

ستر السنا وتحجبت شمس الضحى

وتغيبت بعد الشروق بدور

ومضى الذي أهوى, وجرعني الأسى

وغدت بقلبي جذوة وسعير

يا ليته لما نوى عهد النوى

وافى العيون من الظلام نذير

ناهيك ما فعلت بماء حشاشتي

نار لها بين الضلوع زفيرُ

انقضى رمضان .. ويا ولهي عليه .. انقضت أيامه ولياليه .. ذهب .. ليعود على من بقي .., وليودع من كان أجله قد حان .. نعم .. ذهبت يا رمضان .. فجرت المدامع ..

يا راحلاً وجميل الصبر يتبعهُ

هل من سبيل إلى لقياك يتفق

ما أنصفتك دموعي, وهي داميةٌ

ولا وفي لك قلبي, وهو يحترقُ

نعم.. انقضى رمضان .. ولكن ..  ماذا بعده؟!

***

 إن عمل المؤمن لا ينقضي أبدًا:

*انقضى رمضان ..، وقد اعتاد كثير من أبنائه الصلاة مع جماعة المسلمين..

فيا من ألف الحق .. تمسك به هديت ..، واستمر عليه .. نعم .. اجعل رمضان كقاعدة تنطلق منها للمحافظة على الصلاة في باقي الشهور .. نعم, اجعل رمضان منطلقا لترك الذنوب والمعاصي .. عَلَّ الله جل وعز أن يغفر لك بما قدمت ..، وإياك ثم إياك من أن تكون من عباد رمضان..

*إن من علامات قبول العمل المواصلة فيه، والاستمرار عليه .. فاحكم أنت على صيامك .. هل هو مقبول أم مردود .. نعم, احكم أنت ..

***

 خواطر صائم في لحظات الوداع:

*أخي الصائم .. أختي الصائمة:

إن لحظات الوداع لحظات لا تنسى ..، ولوعتها لوعة لا تبلى .. حرقة الوداع تلهب الأحشاء ..، ودموعه تحرق الوجنات بحرارة العبرات..

لم يبكني إلا حديث فراقكم

لما أسر به إلى مودعي

هو ذلك الدر الذي أودعتم

في مسمعي أجريته من مدمعي

*فيا من صام لسانه في رمضان عن الغيبة والنميمة والكذب واصل مسيرتك ..، وجد في الطلب .. ويا من صامت عينه في رمضان عن النظر المحرم .. غض طرفك ما بقيت .. يورث الله قلبك حلاوة الإيمان ما حييت ..

*ويا من صامت أذنه في رمضان عن سماع ما يحرم من القول، وما يستقذر .. من سماع غيبة ..، أو نميمة ..، أو غناء ..، أو لهو .. اتق الله .., ولا تعد ..، اتق الله، ولا تعد ..

*ويا من صام بطنه في رمضان عن الطعام ..، وعن أكل الحرام .. اتق الله في صيامك ..، ولا تذهب أجرك بذنبك ..، وإياك ثم إياك من أكل الربى ..، فإن آكله محارب لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - .. فهل تطيق ذلك ..

*ويا من صام بطنه .. تذكر إخواناً لك في رمضان وغيره .. يبيتون على الجوع ..، والعري .. ولا يجد أحدهم ما يسد به جوعته، ولا فاقة عياله .. تذكر أنهم ينتظرون منك .. نعم .. منك أنت, ومن أمثالك من يمد لهم يد العون، والمساعدة.

***

 حان الوداع

وأخيراً أخي الصائم .. أختي الصائمة..

*إن العيد على الأبواب ..، وإن رمضان آذن بوداع ..، وكم هي شاقة هذه الكلمة (وداع) ..، ولكنني أسأل الله الكريم رب العرش العظيم .. أن يعيده علينا وعلى سائر المسلمين أياما عديدة .. وأزمنة مديدة .. وقد تحقق للأمة الإسلامية ما تصبو إليه من عز وتمكين، وسؤدد في العالمين.. إن الله ولي ذلك، والقادر عليه..

يا لائمي في البكا زدني به كلفا

واسمع غريب أحاديث وأشعار

ما كان أحسننا والشمل مجتمع

منا المصلي, ومنا القانت القاري

وفي التراويح للراحات جامعة

فيها المصابيح تزهو مثل أزهار

شهر به يعتق العصاة, وقد

أشفوا على جرف من حصة النار

فابكوا على ما مضى في الشهر, واغتنموا

ما قد بقي، فهو حق عنكم جاري

 فرحة العيد:

إلى كل صائم وصائمة .. أوجه هذه العبارات .. عل الله جل وعز أن يكتبها في ميزان الحسنات .. أقول:

أخي .. أخي: حينما تشرق شمس صباح العيد ..، فيجتمع الشمل..، ويلبس الجديد ..، ويؤكل ما لذ وطاب ..

تذكروا ذلكم الطفل اليتيم .. الذي ما وجد والداً يبارك له بالعيد ..، ولا يقبله، ولا يمسح على رأسه..

قتل أبوه في جرح من جراح هذه الأمة ..، وتذكروا تكلم الطفلة الصغيرة .. حينما ترى بنات جيرانها يرتدين الجديد ..، وهي يتيمة الأب..

إنها تخاطب فيكم مشاعركم ..، وأحاسيسكم .. إنها تقول لكم:

أنا طفلة صغيرة ..، ومن حقي أن أفرح بهذا العيد .. نعم .. من حقي أن أرتدي ثوبا حسناً لائقاً بيوم العيد .. من حقي .. أن أجد الحنان والعطف .. أريد قبلة من والدي..، ومسحة حانية على رأسي .. أريد حلوى ..، ولكن السؤال المر.. الذي لم أجد له جواباً حتى الآن هو .. أين والدي ؟ أين والدي ؟ أين والدي ؟!

*فيا أخي .. ويا أختي .. قدموا لأنفسكم، واجعلوا فرحة هذا العيد المبارك .. تعم أرجاء عالمنا الإسلامي..

فها هي المبرات ..، ودور الصدقات، ولجان الإغاثة، والمساعدات .. مشروعة أبوابها ..، فهلموا إليها .. وما تقدموا لأنفسكم تجدوه عند الله.

والله يرعاكم ويتولانا وإياكم، جعل الله صيامنا وصيامكم مقبولاً، خالصاً لوجهه الكريم..

***

 مشاريع الإحسان .. في رمضان:

*أخي .. أختي .. إن شهراً هذا ألم الفراق والحرقة عليه لشهر حقيق بأن يغتنم..، ويستثمر ..، كل هذا للفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، وهنا مقترحات دعوية في هذا الشهر .. عل الله جل وعز أن يجعلها مفتاحا لكما في الخير .. آمين ..، وقبل ذكرها لا بد من التعريج على أمور مهمة منها:

أولاً: لا تكن كصاحب الجراب ([1])، فالإخلاص لله جل وعز وفي الدعوة وشتى الأمور مطلوب, فلا قبول إلا به وبالمتابعة للمعصوم عليه الصلاة والسلام.

ثانيا: أن يحمل المسلم في يديه المشعل الذي حمله خير الورى عليه الصلاة والسلام (حنيفاً مسلماً).

ثالثا: أن يعبد الناس لله لا لغيره سبحانه.

رابعا: أن يحمل هماً وصداعاً وصوتاً يرن في رأسه..، وذلك الهم، والصداع، والصوت هو: متى يرى هذه الأمة منيبة إلى ربها, عائدة إليه, تائبة له سبحانه ..، وهو يطمع أن يكون ممن يرتفع هذا الدين على أشلائه ..، ودموعه، وبذله وأكتافه..

خامسا: دخول الجنة ليس بالمجان .. (إنما بالقول والاعتقاد والعمل) الصحيح، والبذل، والتضحية من الأموال، والأوقات وغيرها.

سادساً: أن يستشعر أحدنا أنه مسئول أمام الله عن أهله، وأهل حيه، وجماعة مسجده، وأقاربه (وأنذر عشيرتك الأقربين).

سابعاً: أن ينسى الشاب الهزائم النفسية، ويرميها وراء ظهره، ويقبل على الدعوة بعين ملؤها التفاؤل والفرح، وأن المستقبل لهذا الدين، شاء من شاء وأبى من أبى.

ثامناً: تربية النفس تربية جادة على حب الجنة حبا يجعلها تسلك كل وسيلة شرعية للوصول لهذه الجنة..، وبعد هذا, وما تقدم نشرع في المراد وبالله التوفيق والسداد..

*حتى نغتنم رمضان لا بد وأن نستفيد مما يلي, وهي مشاريع مطروحة في هذا الشهر الكريم:

1- درس نسائي يقوم به بعض طالبات العلم في مصلى النساء.

2- إفطار جماعي في مسجد الحي، فبتقارب الأبدان تقترب القلوب.

3- مسابقة للمسجد (مسابقة الأسرة المسلمة).

4- مسابقة نسائية.

5- حلقة بعد صلاة العصر لكبار السن لتعليم ما تيسر من القرآن. ولو كانت الحلقة لضبط سورة الفاتحة فقط للكبار لكفى بذلك خيراً.

6- بين التراويح كلمات تلقى من الأئمة، والدعاة، والوعاظ، لاجتماع المسلمين والمسلمات.

7- الشباب أصحاب التلاوة الجيدة، والحفظ المتقن يقومون بصلاة التراويح بعد الاتفاق مع الإمام، من باب التنويع على جماعة الحي، ومن باب تدريب الشباب الناشئ على خدمة المسلمين.

8- الكتابة في مواضيع مختلفة عن (العبودية – الإخلاص – آداب الصيام – لماذا الصوم – الصوم الحقيق – صوم القلوب – الزاد في رمضان – كيفية استغلال رمضان– كيفية ختم القرآن في رمضان أكثر من مرة – كيف تصوم في شهر واحد خمس مرات لهذا الشهر).

9- رحلة عمرة جماعية لجماعة مسجد الحي.

10- يجعل هناك جوائز للشباب الصغار المحافظين على الصلوات مع المسلمين، ويدخل فيها التراويح على أن تجعل جوائز سخية لهم، يأخذونها في نهاية الشهر الكريم.

11- دورة علمية في (كيف تكون صائما حقاً)، يعلم فيها الجاهل، ويذكر فيها الغافل.

12- مشروع هدية رمضان بمناسبة حلول هذا الشهر الكريم تقدم هدية لسكان الحي أو لجماعة المسجد، وتحتوي على:

أ- شريط للرجال.

ب- شريط للشباب.

جـ- شريط للنساء.

د- شريط للأطفال.

هـ- مجلة نسائية.

و- مجلة أسرية.

مع نشرة عن فتاوى في رمضان، أو أحكام تهم المسلمين عامة، ويهتم فيها بالانتقاء الحسن، ففي إدخالها للبيوت نفع عظيم, وخير عميم.

13- كلمة بعد صلاة العصر أو بين الأذان والإقامة للنساء خاصة, ولعموم المسلمين.

14- اعتكاف جماعي، ليحصل التآلف, وتتحقق المحبة، ويتعاون المسلم مع إخوانه.

15- حلقة تلاوة الجزء, وتكون بعد الفجر.

16- الزيارات بعد التراويح، ففيها جمع للصف، وتوحيد للكلمة، وانتفاع بمشورة، وتثبيت على الحق بإذن الله.

17- القهوة بين التراويح أثناء الكلمة المعدة.

18- اجعل من قدرك مدخلاً إلى الجنة، فاحرص على تفطير الصائم.

19- جلسة جماعية بعد الفجر لشباب المسجد يتخللها (تلاوة قرآن – قراءة في باب فقهي – حفظ قرآن – حفظ بعض المتون).

20- انتداب شباب قادرين على نفع المسلمين، ويحبون ذلك لبعض القرى المجاورة للمنطقة، ليصلوا بالناس التراويح، ويفقهوهم في أمور دينهم، وعقيدتهم، ولو في الأسبوع مرة واحدة.

21- جمع الملابس القديمة من كل بيت، والذهاب بها للمغسلة لغسلها وكيها, ثم إهدائها للفقراء قبل العيد بيومين أو ثلاثة، على أن تكون صالحة للاستعمال وجيدة، وإن كان الجديد أفضل وأولى وأحسن وأكمل، ولا ننسى: ﴿حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾.

22- الشريط [الدعوي]، لا ينزل من سيارة الصالحين، ففيه نفع وخير كثير بإذن بالله, وكم عرفنا من شباب تاب بسبب شريط سمعه في رحلة أو في سيارته, وهم كثير.

23- القارورة الفواحة في الجيب الفواح، فلا تنزل زجاجة العطر، ولو كان رخيص الثمن من جيبك بتطييب مدخن، أو عاص لكسب قلبه، ومناصحته بالحسنى.

24- إهداء السواك، ففي ذلك إحياء لسنة المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.

25- (كروت أذكار الصباح والمساء) تهدي لكل مسلم ومسلمة، فثمنها زهيد، وأجرها عظيم، خصوصاً في هذا الشهر الفضيل.

26- يوضع (صندوقات) في المسجد، واحد في مصلى النساء، والآخر في مسجد الرجال حول الأبواب لجمع الفتاوى، والإجابة عنها من كلام أهل العلم، أو طرق المواضيع المهمة منه.

27- لوحتان لنشرات أسبوعية تعلق إحداها عند الرجال، والثانية عند النساء، ويتولى مجموعة من الشباب إعدادها، وتجهيزها، والمحافظة عليها، وكذلك اللوحة النسائية يتولى ذلك مجموعة من الشابات.

28- (رف) في مسجد الرجال باسم (خذ نسختك) من فتاوى تهم المجتمع (فتاوى هيئة كبار العلماء), ورف عند النساء لفتاوى نسائية مهمة لنساء الأمة.

29- ولبدنك عليك حق (أمسية رياضية للشباب).

30- تذكر مواسم الخيرات وأنها ستمر، فحينما يربي الشاب نفسه على استغلالها, سينجح, ويفلح بإذن الله...

تمت الرسالة على ما فيها من خلل ونقص واضح للمتأمل، فما كان فيها من صواب فمن الله وحده.. وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان.. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

*تمت مراجعة الرسالة وتبييضها في حرم الله الآمن بجوار بيت الله العتيق في ليلة الجمعة الموافق  6/7/1420هـ راجياً من الله قبولها في صالح الأعمال إنه ولي ذلك والقادر عليه.

قاله بلسانه وكتبه ببنانه

راجي عفو ربه وغفرانه

محمد بن سرار بن علي اليامي

ص.ب:122586 – الرياض: 11731.



([1]) وصاحب الجراب هذا حمله على ظهره مدة من الزمن، وقد أثقل الجراب كاهله، وقد قطع الظمأ عنقه ، وعندما توسط الصحراء، فتح الجراب يريد الماء، فإذا في جرابه حجر . فالذي خسر الإخلاص من أول الطريق حري بالإفلاس في آخره.