×
حث الإسلام على التعاون والتوادّ بين المسلمين؛ حتى يصبح المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد، ومن تلك الأسباب المعينة على توادّ المسلمين فيما بينهم، الإحسان إلى الجار، وهذه المقالة تبين منزلة الإحسان إلى الجار، وكيف يكون، مع نصيحة مختصرة إلى من آذى جاره

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله تعالى المتفضل على الدوام.. جزيل المنن والإنعام.. والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.. وعلى آله وأصحابه أهل الوفا.. وبعد:

    أخي المسلم: إن من المعاني السامية؛ التي نجدها في ديننا الحنيف: الحث على التعاون، والتوادّ بين المسلمين؛ حتى يصبح المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد..

    وإلى هذا المعنى أشار رسول الله ﷺ‬ يوم أن قال: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [رواه البخاري ومسلم].

    أخي المسلم: من تلك الأسباب المعينة على توادّ المسلمين فيما بينهم: (الإحسان إلى الجار).

    فتصور أيها العاقل لو أن أي واحد أحسن إلى جيرانه، وأحسنوا هم إليه، وتخلق المسلمين كلهم بهذا الخلق؛ كيف سيكون حال المجتمع الإسلامي؟!

    لا شك أنه سيسعد بذلك؛ وتسوده نفحات العافية؛ فترى أفراده: متعاونين.. متراحمين.. متعاطفين..

    ** الإحسان إلى الجار دليل على صدق المسلم **

    أخي المسلم: الإحسان إلى الجار؛ برهان ودليل على صدق التعامل مع الله تعالى؛ وهو خلق لا يقوم به إلا أولئك الذين تحلوا بالفضائل ومكارم الأخلاق..

    وذلك لأن فعل الإحسان لا يطيقه إلا من كان سهل الخلق.. محبًا للفضائل..

    وعكس هذا من تراه كارهًا للإحسان، وفعل المكارم؛ فلن تجده إلا لئيمًا.. محبًا لسفساف الأمور!

    وتعال معي إلى هذه الوصية النبوية الغالية، ولتتأمل في حروفها بفؤادك!

    قال رسول الله ﷺ‬: «كن ورعًا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلمًا» [رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق/ السلسلة الصحيحة: 930].

    أخي المسلم: كما رأيت أن النبي ﷺ‬ جعل الإحسان إلى الجار؛ من علامات صدق الإسلام..

    ونفهم من ذلك أن أذى الجار ينافي الإسلام!

    قال رسول الله ﷺ‬: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» [رواه البخاري ومسلم، «واللفظ لمسلم»].

    قال ابن أبي جمرة رحمه الله: (حفظ الجار من كمال الإيمان).

    وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (ثلاثة أخلاق كانت في الجاهلية مستحسنة، والمسلمون أولى بها؛ أولها: لو نزل بهم ضيف لاجتهدوا في بره، والثاني: لو كانت لواحد منهم امرأة كبرت عنده لا يطيقها، ويمسكها مخافة أن تضيع، والثالث: إذا لحق بجارهم دين، أو أصابه شدة أو جهد؛ اجتهدوا حتى يقضوا دينه، وأخرجوه من تلك الشدة).

    أخي المسلم: إحسانك إلى جارك؛ دليل على كرم أخلاقك.. وصدق إسلامك.. فهل أنت يا ترى من أولئك المحسنين إلى جيرانهم؟ أو من أولئك الذين يؤذون جيرانهم؟!

    فكن ذلك الحريص على التخلق بمحاسن الأخلاق.. الساعي إلى إخلاص دينه لله تعالى..

    جاورت شيبان فاحلولى جوارهم

    إن الكرام خيار الناس للجار

    * * *

    ** كيف يكون الإحسان للجار؟ **

    أخي المسلم: الإحسان يكون بأمور كثيرة، وسأذكر لك أهمها.. ثم بعدها حاسب نفسك؛ أين أنت منها؟!

    فمن هذه الخصال التي يكون بها المرء محسنًا لجاره:

    * إكرامه والبشاشة في وجهه:

    وإكرام الجار يكون بالاحتفال بلقياه، وإذا دخل منزلك؛ قمت بخدمته وأظهرت السرور، والبشاشة بزيارته..

    قال رسول الله ﷺ‬: «خير الأصحاب عند الله تعالى؛ خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره» [رواه الترمذي وأحمد وغيرهما/ السلسلة الصحيحة: 103].

    * تفقد أموره وخاصة إذا كان من المحتجين:

    إن مما ينبغي على المسلم أن يكون واقفًا على أحوال جاره، سائلاً عنه، ويتأكد ذلك؛ إذا كان جاره من الضعفاء المحتاجين؛ فيصله بإحسانه وبره..

    قال رسول الله ﷺ‬: «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه» [رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني والحاكم/ السلسلة الصحيحة: 149].

    * الإهداء له وإن كان غنيًا:

    فإن التهادي بين المسلمين من أسباب الألفة والمحبة، وإذا كان بين الجيران؛ كان أدعى لألفتهم ومودتهم..

    قال النبي ﷺ‬: «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة» [رواه البخاري ومسلم].

    ومعنى (فرسن شاة): العظم قليل اللحم.

    بل ينبغي للجار أن يهدي إلى جاره ويحسن إليه؛ حتى ولو كان الجار كافرًا..

    فعن مجاهد قال: كنت عند الله عبد الله بن عمرو وغلامه يسلخ شاة، فقال: يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي. فقال رجل من القوم: آليهودي أصلحك الله؟! قال: إني سمعت النبي ﷺ‬ يوصي بالجار؛ حتى خشينا أو رئينا أنه سيورثه!

    * حفظ الجار في عرضه وماله:

    يتهاون الكثيرون في ذلك؛ فيطلع على عورات جاره وحرمه، وإذا وجد فرصة في مال أو عرض انتهكه.

    وهذا من أعظم الأذى للجار، ومنكر عظيم؛ وهو خلاف ما أرشدت إليه تعاليم الإسلام.

    وقد شدد النبي ﷺ‬ في ذلك تشديدًا عظيمًا، فاسمع قوله في ذلك..

    سأل رسول الله ﷺ‬ أصحابه عن الزنا. قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله. فقال: «لأن يزني الرجل بعشرة نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره»! وسألهم عن السرقة، قالوا: حرام، حرمها الله عز وجل ورسوله. فقال: «لأن يسرق من عشرة أهل أبيات؛ أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره»! [رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد/ السلسلة الصحيحة: 65].

    أخي المسلم: إن حفظ الجار في ماله وعرضه من المكارم؛ التي كان الأوائل يفتخرون بها، ويرونها من معالي الأمور.. واسمع إلى شاعرهم حين يقول:

    والجار لا تذكر كريمة بيته

    واغضب لكلب الجار إن هو أغضبا

    احفظ أمانته وكن عزًا له

    أبدًا وعما ساءه متجنبا

    كن لينا للجار واحفظ حقه

    كرما ولا تك للمجاور عقربا

    * الصبر على أذى الجار:

    قد يبتلى المسلم بجار غير صالح؛ تصل إليه منه عقاربه وأذاه، فماذا يجب على المسلم والحالة هذه؟!

    الواجب على المسلم أن يصبر على أذى جاره، ويداريه بالإحسان مهما أمكن؛ حتى يفوز هو بالحمد دونه، ولا يجاريه في أذاه وسفهه، وهذا من الإحسان إليه..

    جاء رجل إلى ابن مسعود t، فقال له: إن لي جارًا يؤذيني، ويشتمني، ويضيق علي.

    فقال ابن مسعود: «اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه».

    وقال الحسن البصري رحمه الله: «ليس حسن الجوار كف الأذى؛ حسن الجوار الصبر على الأذى!».

    * الكف عن أذى الجار:

    إن من الأمور القبيحة؛ أن يؤذي الجار جاره، وفي ذلك الإثم العظيم.. وأما من أمسك عن أذى جاره؛ فهو المحسن حقًا..

    قال النبي ﷺ‬: «والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن!» قيل: من يا رسول الله؟!

    قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» [رواه البخاري].

    قال الحافظ ابن حجر في الفتح: زاد أحمد والإسماعيلي: قالوا: وما بوائقه؟ قال: «شره»!

    والبوائق، مفردها بائقة: وهي الداهية والشيء المهلك.

    وتأمل معي هذه القصة البديعة؛ والتي تدلك على علو الهمة في كف الأذى عن الجار..

    شكا بعضهم كثرة الفئران في داره، فقيل له: لو اقتنيت هرًا؟

    فقال: أخشى أن يسمع الفأر صوت الهر، فيهرب إلى دور الجيران، فأكون قد أحببت لهم ما لا أحب لنفسي!

    * وأخيرًا أخي المسلم ألخص لك ذلك كله بعبارات مختصرة من كلام نصر بن محمد السمرقندي؛ حيث قال رحمه الله: (تمام حسن الجوار في أربعة أشياء:

    أولها: أن يواسيه بما عنده. والثاني: أن لا يطمع فيما عنده.

    والثالث: أن يمنع أذاه عنه. والرابع: أن يصبر على أذاه).

    أخي المسلم: تلك بعض الأمور؛ التي بها تكون من المحسنين إلى جيرانهم؛ فاجعل ذلك نصب عينيك..

    وكن: (فلانا المحسن إلى جاره).

    ولا تكن: (فلانا المسيء لجارهَ).

    ** إلى من آذى جاره! **

    أخي المسلم: هذه كلمات أعظ بها أولئك الذين عميت أعينهم عن مكارم الأخلاق؛ فتخلقوا برذيلها!

    إلى أولئك الذين تعرضوا لغضب الله ولعنته!

    إلى هؤلاء أقول: هل تعلمون أن أذى الجار سبب في غضب الله تعالى؟!

    هل تعلمون أن أذى الجار سبب في لعنة الله تعالى؟!

    هل تعلمون أن أذى الجار سبب في عدم قبول العمل الصالح؟!

    وأعظمها! هل تعلمون أن أذى الجار سبب في دخول النار؟!

    قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (فأما أذى الجار فمحرم، فإن الأذى بغير حق محرم لكل أحد، ولكن في حق الجار هو أشد تحريمًا).

    * فيا من آذيت جارك.. وأغضبت ربك! تأمل متعظًا في هذه القصة؛ والتي تصور لك حال الذين يؤذون جيرانهم..

    شكا رجل إلى النبي ﷺ‬ جاره، فقال: (احمل متاعك، فضعه على الطريق، فمن مر به يلعنه»! فجعل كل من مر به يلعنه، فجاء إلى النبي ﷺ‬ فقال: ما لقيت من الناس!

    فقال: «إن لعنة الله فوق لعنتهم»! ثم قال للذي شكاه: (كفيت) أو نحوه. [رواه البخاري في الأدب المفرد/ تصحيح الألباني: 125].

    * فيا من آذيت جارك؛ هذه قصة أخرى؛ وهي أشد من ألأولى! وهي عظة لك.. ولن تجد أشد عظة منها!

    عن أبي هريرة t قال: قيل للنبي ﷺ‬: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله ﷺ‬: «لا خير فيها هي من أهل النار»! قال: وفلانة تصلي المكتوبة، وتتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحدًا. فقال رسول الله ﷺ‬: «هي من عاقبة ذلك؟!

    فما قولك في ذنب يدخل أهل الجنة» [رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد وغرهما/ السلسلة الصحيحة: 190].

    فيا من آذيت جارك أرأيت صاحبه النار؟!

    فلتتق الله ربك أيها المؤذي لجاره! ولتعلم أنك غدًا؛ واقف بين يديه تعالى.. فماذا أنت قائل؟!

    وبأبي عذر أنت معتذر؟!

    أتظن نفسك ناجيًا من عذابه، وقد رأيت عاقبة تلك المرأة التي كانت تؤذي جيرانها؟!

    فاسع اليوم لخلاص نفسك.. ولا تغفل! ومن يطيق عذاب الله تعالى؟!

    فهلا كنت أيها المحروم كما قال الأول:

    ناري ونار الجار واحدة

    وإليه قبلي تنزل القدر

    ما ضر جارًا لي أجاوره

    أن لا يكون لبابه ستر

    أغضي إذا ما جارتي برزت

    حتى يواري جارتي الخدر

    فيا أيها المؤذي لجاره! أتدري ماذا يعني ذلك؟!

    اعلم أن من آذى جاره؛ إنما هو متخلق بشر الخصال:

    أولاً: إن ذلك تخلق بأخلاق اللئام!

    ثانيًا: لا حظ له في أخلاق أهل المكارم ومعالي الأمور.

    ثالثًا: اختياره رذائل الأخلاق على فاضلها!

    رابعًا: سعيه إلى هلاك نفسه بنفسه!

    فأفق أيها المؤذي لجاره.. واعلم أنك لن تجني إلا سيئ الفعال.. ورذائل الأخلاق!

    ** فضائل الإحسان إلى الجار **

    اعلم أيها الموفق؛ أن المحسن لجاره؛ فائز بخير غنيمة.. وحائز على أغلى جائزة!

    وإليكم يا طالب الفضائل هذه الفضائل يتلو بعضها بعضًا؛ كدر نظمه خيط!

    * المحسن إلى جاره فائز برضا الله تعالى..

    * المحسن إلى جاره فائز بدخول الجنة..

    * المحسن إلى جاره متخلق بأخلاق الكرام وأهل الفضائل..

    * المحسن إلى جاره اختار محاسن الأخلاق ونبذ رذائلها..

    * الإحسان إلى الجار دليل على صدق الإيمان بالله تعالى..

    * الإحسان إلى الجار دليل على كمال العقل ورجاحته..

    * المحسن إلى جاره محبوب لجيرانه وإخواته..

    * المحسن إلى جاره فائز بالذكر الحسن في حياته وبعد موته..

    * وأخيرًا فلتعلم يا من حباك الله بهذه الخصلة الجميلة؛ أنك في حياتك الدنيا بين سعادتين: فعلك للجميل، وربحك محبة الخلق.

    وفي يوم القيامة؛ أنت أيضا بين سعادتين: فوزك برضا الله تعالى! ودخولك الجنة!

    فتأمل أيها العاقل! أترى لنفسك أن تستبدل ذلك بشيء دونه؟!

    ولتعلم أيضا: أن أيام الدنيا قليلة.. والكل راحل عنها.. فما فائدة التنافس في الزائل؟!!

    وإذا تأملت في حال الخاسرين؛ فما أوردهم تلك المهالك؛ إلا حبهم للدنيا، وتنافسهم في حطامها!

    فيا طالب الفضائل؛ عِظ نفسك اليوم، قبل يوم لا تنفعك فيه الموعظة!

    واربح الفضائل اليوم، قبل يوم لا تربح فيه إلا ما قدمت!

    ثم بعد! فإن اللبيب من اتعظ بغيره.. فلا تتركن خلقا حسنًا أنت فيه؛ لما ترى من خلق سيئ في غيرك..

    ثم الله أرجوه؛ أن يهديني وإياك لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.. وأن يعيذني وإياك من سيئ الأخلاق، فإنه لا يصرف سيئها إلا هو..

    والحمد لله تعالى.. وصلاتي وسلامي على النبي محمد، وآله وصحبه والتابعين.

    * * *