جامع الدعاء المستجاب
ليعلم العبد المسلم أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يفيد قطعًا ويقينًا أن الدعاء هو العبادة وأفضلها ، والعبد المؤمن في معية الله الخاصة إذا دعاه ، والدعاء يتفع مما نزل ومما لم ينزل ، وأن الله سبحانه حيي كريم يستحى أن يرفع العبد يديه فيردهما صفرًا خائبتين ، ,وبيان فضل الدعاء في الدنيا والآخرة، بأن العبد المسلم إذا دعا ربه له بها إحدى ثلاث ، أما أن يعجل له ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها ، وأن ليس شيئ أكرم على الله تعالى من الدعاء ، وأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء ،وغير ذلك من فضل الدعاء . ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله – حتى ندرك أهمية هذا الأمر: قَاعِدَة أساس كل خير أَن تعلم أَن مَا شَاءَ الله كَانَ ، وَمَا لم يَشَأْ لم يكن ، فتيقن حِينَئِذٍ أَن الْحَسَنَات من نعمه فتشكره عَلَيْهَا، وتتضرّع إِلَيْهِ أَن لَا يقطعهَا عَنْك ،وَأَن السَّيِّئَات من خذلانه وعقوبته ، فتبتهل إِلَيْهِ أَن يحول بَيْنك وَبَينهَا ، وَلَا يكلك فِي فعل الْحَسَنَات وَترك السَّيِّئَات إِلَى نَفسك . وَقد أجمع العارفون على أَن كل خير فأصله بِتَوْفِيق الله للْعَبد ، وكل شَرّ فأصله خذلانه لعَبْدِهِ ، وَأَجْمعُوا أَن التَّوْفِيق أَن لَا يكلك الله نفسك، وان الخذلان أَن يخلي بَيْنك وَبَين نَفسك ، فَإِذا كَانَ كل خير فأصله التَّوْفِيق وَهُوَ بيد الله لَا بيد العَبْد ، فمفتاحه الدُّعَاء والافتقار وَصدق اللجأ وَالرَّغْبَة والرهبة إِلَيْهِ ، فَمَتَى أعْطى العَبْد هَذَا الْمِفْتَاح فقد أَرَادَ أَن يفتح لَهُ ، وَمَتى أضلّه عَن الْمِفْتَاح بَقِي بَاب الْخَيْر مُرْتَجًا دونه. قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه : إِنِّي لَا أحمل هم الْإِجَابَة ، وَلَكِن هم الدُّعَاء، فَإِذا ألهمت الدُّعَاء ، فَإِن الْإِجَابَة مَعَه . وعَلى قدر نية العَبْد وهمته وَمرَاده ورغبته فِي ذَلِك ؛ يكون توفيقه سُبْحَانَهُ وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على الْعباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عَلَيْهِم على حسب ذَلِك ،فَالله سُبْحَانَهُ أحكم الْحَاكِمين وَأعلم الْعَالمين ، يضع التَّوْفِيق فِي موَاضعه اللائقة بِهِ ، والخذلان فِي موَاضعه اللائقة بِهِ ، هُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم ، وَمَا أُتِي من أُتِي إِلَّا من قِبَل إِضَاعَة الشُّكْر وإهمال الافتقار وَالدُّعَاء ، وَلَا ظفر من ظفر بِمَشِيئَة الله وعونه ، إِلَّا بقيامه بالشكر وَصدق الافتقار وَالدُّعَاء . ويقول مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشخير : قَالَ: تَذَاكَرْتُ: مَا جِمَاعُ الْخَيْرِ؟ فَإِذَا الْخَيْرُ كَثِيرٌ: الصِّيَامُ ، وَالصَّلَاةُ، وَإِذَا هُوَ فِي يَدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا أَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى مَا فِي يَدِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ تَسْأَلَهُ فَيُعْطِيَكَ ، فَإِذَا جِمَاعُ الْخَيْرِ: الدُّعَاءُ. وبين دفتي هذا الكتاب :" جامع الدعاء المستجاب " المكون من عشرة فصول كل ما يهم المسلم من أهمية وفضل أمر الدعاء ، وأسباب استجابته ، وموانعها ، ومواضعه ، وآدابه ، وجوامعه ، وغير ذلك ، راجيًا أن ينفعنا الله عز وجل بمحتواه وحتى يجعلنا سبحانه من مستجابي الدعاء ، لما فيه الخير لأنفسنا وأمتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه .