×
هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: من الكتب المهمة في التجويد، توخى فيه سهولة الأسلوب، ووضوح المعنى، وبسط الموضوع، وتقريب البعيد، وتجنب التعقيد.

 هداية القاري إلى تجويد كلام الباري

عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي

ترجمة الشيخ المؤلف عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي نوَّر الله مرقده

هو المقرىء الشهير، والعلامة التحرير، المحقق الشيخ عبدالفتاح بن السيد عجمي بن السيد العسس لقباً، المرصفي ولادة ونشأة، المصري موطناً، الشافعي مذهباً، ولد بمرصفا من أعمال محافظة القليوبية بجمهورية مصر العربية في 5 من شهر يونيو سنة 1923م.

نشأ شيخنا الجليل في أسرة علمية صالحة من أهل القرآن ولا شك أنَّ الشجر الطيب يبنت ثماراً طيبة بإذن الله. أما والده فكان من أهل القرآن وكان حافظاً مقرئاً للقرآن الكريم في بلدة مرصفا وتخرج على يده العلماء المراصفة في عصره، وكان والد شيخنا يقرأ من القراءات قراءة أبي عمرو البصري. أما شيخنا الجليل نوَّر الله مرقده فهو محقق في علم القراءات بلا منازع وعالم متبحر في علم الرسم والضبط، وكأنَّ الله خلقه لهذا العلم.

كان أسمر اللون ذا لحية بيضاء طويلة، كان صاحب نكتة ودعابة، إذا جالسه أحد لا يمل من حديثه، كان يمازح ضيفه وتلميذه رغم مرضه الشديد، لين العريكة، حلو الحديث، بسَّاماً، كريماً في بيته لأهل القرآن، شديد الخوف من الله، لا تأخذه في الله لومة لائم.

إذا جلس للإقراء كانت له هيبة، يعلوه الوقار والصمت، وإذا شرع في الحديث عن الروايات وطرقها كان بحراً دفاقاً، غيوراً على أهل القرآن والقراءات، وكان يرد على المخالفين للقراءات، كثير الترحم والتأدب مع العلماء السابقين، وكان يعجبني فيه حبه لمشايخه، وأدبه الرفيع معهم فكان لا يُذكر عالمٌ إلا ترحم عليه، كثير القراءة للقرآن، فكان رحمه الله يصلي كل يوم الوتر في بيته إحدى عشرة ركعة يقرأ فيهن جزأين من القرآن، وأما في شهر رمضان فكان يترك الإقراء ويعتكف على صلاته وتهجده فكان يصلي التراويح في بيته ويقرأ خمسة أجزاء في كل يوم، حقًّا هذه نعمة سبحان من وهبها لأهل القرآن.

حفظ القرآن على الشيخ زكي محمد عفيفي نصر وأتم حفظ القرآن ولم يتجاوز العاشرة من عمره، ثم دخل المدرسة الأولية في ذلك الوقت سنة 1934م التي تسمى بالإبتدائية، ثم تخرج من التعليم الأولي سنة 1939م وكان ترتيبه الأول في المحافظة كما أفادني حسب شهادته التي عنده.

أخذ التجويد عن الأستاذ رفاعي محمد أحمد المجولي، ثم قرأ بعدها ختمة كاملة لابن كثير على الشيخ رفاعي، ثم ختمة لحمزة من طريق الشاطبية وأجازه بهما، ثم التقى شيخنا نور الله ضريحه بالأستاذ المقرىء الشيخ حامد علي السيد الغندور فأخذ عليه القراءات الثلاث من طريق الدرة وقراءة حمزة ويعقوب ورواية حفص ورواية الأصبهاني عن ورش من طريق الطيبة وأجازه بذلك. ثم التقى شيخنا سنة 1935م بالعلامة محمد حسن الأنور شريف فأخذ عليه القراءات الثلاث عن طريق الدرة، ثم قرأ عليه خَتمة للقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة.

ثم ارتحل إلى المقرىء الشيخ محمد جمعة الباز وقرأ عليه القراءات الثلاث من طريق الدرة. ثم في عام 1953م التحق بالأزهر الشريف في قسم القراءات فحصل على إجازة التجويد وكان ترتيبه الأول في مصر. وبعد ثلاث سنوات حصل على الشهادة العالية في القراءات وكان ترتيبه الثالث، وواصل دراسته في قسم تخصص القراءات بكلية اللغة العربية حتى حصل على شهادة التخصص في القراءات وكان ترتيبه الثاني.

درس في الأزهر علوماً عدة وفنوناً شتى درس الشاطبية والدرة والطيبة والعقيلة ومورد الظمآن في علم رسم القرآن ودرس ناظمة الزهر في علم الفواصل وغيرها كالبلاغية والصرف والفقه والتفسير.

وفي أوائل سنة 1962م سافر شيخنا إلى ليبيا مدرساً في جامعة الإمام محمد بن علي السنوسي الإسلامية وظل مدرساً فيها ستة عشر عاماً إلى سنة 1977م. وفي هذه الآونة انتسب إلى الأزهر وحصل على الشهادة العالية الليسانس وتلقى عنه خلق كثيرون في ليبيا، أخذوا عنه التجويد والقراءات حتى إن شيخنا أفرد كتاباً خاصًّا لهم براوية قالون لأنهم يقرؤون بهذه الرواية.

والتقى شيخنا رحمه الله سنة 1972م بأعلى القراء إسناداً في هذا العصر المقرىء الكبير بالقاهرة شيخنا الشيخ أحمد عبدالعزيز الزيات فسح الله في عمره وقرأ عليه ختمة بالقراءات العشر من طريق الطيبة وأجازه، وبعدها قرأ ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة وأجازه.

وفي عام 1977م ودع ليبيا متوجهاً إلى المدينة المنورة على ساكنها أزكى الصلاة والسلام وعين معيداً في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سنة 1397هـ وانتفع منه خلق وطلاب كثيرون في الجامعة وغيرها.

وفي هذه الفترة أخرج شيخنا كتابه العجيب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" فجاء الكتاب حلواً حاوياً لشتى المسائل في علم التجويد، وما إن بزغ نجم هذا الكتاب حتى تلقاه الناس بالاهتمام، وأقبلوا عليه ينهلون من رحيقه، وينتفعون بما فيه من أحكام التلاوة التي قل أن نجدها في غيره ويدرك ذلك من يطالع الكتاب.

وتكريماً لجهوده في هذا الكتاب قررت إدارة مجلس الجامعة أن تكرم الشيخ فرفع الكتاب إلى المجلس الأعلى للجامعات ثم صدرت الموافقة في الأمر الملكي بتاريخ 6/2/1406هـ بترقية الشيخ عبدالفتاح المرصفي إلى درجة أستاذ في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، وعين عضواً في اللجنة العلمية لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف للإشراف على المصحف الشريف طباعة وتسجيلاً بأصوات أشهر القراء في المملكة العربية السعودية.

كان بيت الشيخ في المدينة المنورة حافلاً بالطلاب الذين يقرؤون عليه فكانوا يزدحمون على بيته رأيت ذلك بعيني، حتى كان بعضهم يقرأ عليه أثناء تناول الطعام. كان رحمه الله متضلعاً في العلم وكأنما ألين له العلم حتى استظهر متونه كلها حتى إن بعض المدرسين في الجامعة كانوا يأخذون عنه، ورغم مرضه الشديد كان يقرىء الطلاب ولا يمنع أحداً.

للشيخ مؤلفات كثيرة منها:

1- الطريق المأمون إلى أصول رواية قالون (مطبوع).

2- هداية القاري إلى تجويد كلام الباري (مطبوع).

3- شرح الدرة (مخطوط).

وأما الذين أخذوا عن الشيخ فأعداد كثيرة منهم:

1- الشيخ أحمد الزعبي الحسني أخذ عنه قراءة حفص من الشاطبية والدرة وأجازه بذلك كما قرأ عليه عقيلة أتراب القصائد في رسم المصاحف.

2- الشيخ عبدالرحيم البرعي أخذ عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة.

3- الشيخ محمد تميم الزعبي أخذ عنه القراءات العشر عن طريق الطيبة وقرأ عليه عقيلة أتراب القصائد وناظمة الزهر.

4- أحمد ميهان التهانوي الباكستاني أخذ القراءات الثلاث من طريق الدرة.

5- الشيخ إدريس عاصم من لاهور باكستان أخذ عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة.

6- الشيخ محمد إبراهيم الباكستاني أخذ القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة.

7- الشيخ عبدالرحيم محمد الحافظ العلمي من المدينة المنورة أخذ عنه رواية حفظ من الشاطبية وقرأ عليه القراءات السبع من طريق الشاطبية.

8- الشيخ عبدالناصر يوسف سلطان من المدينة المنورة قرأ عليه رواية حفص عن عاصم من طريق المصباح وأجازه بذلك.

9- الشيخ زايد الأذان من موريتانيا قرأ عليه القراءات السبع ووصل إلى سورة الأحزاب ولم يكمل حيث وافى الشيخ الأجل.

10- الشيخ يوسف شفيع قرأ عليه القراءات العشر الصغرى ووصل إلى سورة الأنبياء حيث توفي الشيخ.

11- الشيخ خالد محمد الحافظ العلمي قرأ عليه ختمة برواية حفص عن عاصم من الشاطبية وأجازه بذلك.

وهنالك خلق كثيرون أخذوا عن الشيخ

وفي يوم الأربعاء 17/6/1409هـ وبعد صلاة العصر كان يقرأ على الشيخ طالب من الإمارات المتحدة يدعى بلال فوصل إلى سورة الملك عند قوله تعالى: {إنَّ الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} وفجأة سكت قلب طالما خفق خاشعاً لربه، ووقف لسان طالما نطق ذاكراً ربه، وانتهت مسيرة شعلة كانت مضيئة، فانطفأت وتركت ضلالاً يافعة أسأل الله أن يبارك فيها.

وفي يوم الخميس 18/6/1409هـ صلي على الشيخ في الحرم النبوي الشريف بعد صلاة الفجر وسارت الجنازة حيث استقبل البقيع مقرىء العصر ووري حثمانه بين قبر سيدنا عثمان وشهداء الحرة رحمهم الله تعالى.

رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته ونور مرقده وجعل مع المقربين مقيله وسكناه. آمين.

وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصبحه آجمعين.

كتبه تلميذ الشيخ

أحمد الزعبي الحسني

وقد أخذ رؤوس الترجمة من إملاء الشيخ أثناء حياته

التقديم للكتاب لسماحة الشيخ حسنين محمد مخلوف

مفتي الديار المصرية سابقاً وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة زادها الله شرفاً وعزًّا

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، هدى للناس ورحمة، وبينات من الهدى والفرقان. وأمره بإبلاغه للعالمين، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على عبده وخاتم رسله المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين أجمعين إلى يوم الدين. "وبعد": فقد اقتضت رحمة الله تعالى بعباده إرسال الرسل دعاة إلى الحق والهدى والعلم والنور، مبشرين ومنذرين. وإنزال الكتب تبياناً لكل شيء وإحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها. والله تعالى بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير.

وكل ذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب، وقد ختم الله رسالاته بأفضل البشر محمد صلى الله عليه وسلم، أرسله مبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل إليه كتاباً عربيًّا مبيناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وجعله تفصيلاً لكل شيء، وتبياناً للحق وهدى ورحمة للعالمين، وحجة وبرهاناً على الجاحدين، وأمره بإبلاغه للناس كافة، فبلغه كلمة كلمة، وآية آية، وسورة سورة، حتى بلغت سوره مائة وأربعة عشرة سورة، وآياته ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، منها المكي والمدني، وأمر بكتابة كل كل ما أنزل إليه، فكتب الجميع بأمره في عهده صلى الله عليه وسلم. ثم كتبت المصاحف كلها طبق ذلك، وبعث الخليفه الثالث عثمان بن عفان بالمصاحف إلى أقطار الإسلام، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، للحفظ والتلاوة كما كان في العهد النبوي الشريف. فكان القرآن فيها الشمس المشرقة، والنور الوضاء، والهدى والحق والسبيل الأقوم، والصراط المستقيم في أمة الإسلام التي رضي الله لها الإسلام ديناً، قال تعالى: {ورضيت لكم الإسلام ديناً} وقال: {ومن يتبغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. وقد اهتم الجميع بتلاوة القرآن أكمل تلاوة وأجدرها كما تلقاها الصحابة الحفَّاظ على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تتابع المسلمون على هذا النهج القويم والصراط المستقيم قراءة وترتيلاً وتجويداً للتلاوة، وبلغت الأمة في كل ذلك الغاية القصوى في كل العصور حتى أصبح الأخذ بالتجويد وأحكامه وكيفيته حتماً لازماًن وعد من لم يجود قراءته - كما أثر عن الحفاظ المجودين - آثماً.

ومما أجمع عليه المسلمون في كل العصور وجوب تلاوة القرآن المجيد تلاوة مجودة كما رويت عن الصحابة ورواها الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وحرمة الهزرمة في التلاوة بحيث لا تستبين فيها الحروف و تكمل كمالها والواجب.

ولذلك اهتم علماء التجويد في كل العصور بالدعوة إلى وجوب تجويد القراءة وبيان الحروف وإخراجها من مخارجها الطبيعية وحسن النطق بها، وحرمة ما يخالف ذلك. وألفوا في ذلك المؤلفات العديدة مطولة ومختصرة لسهولة الوقوف على الأحكام وكيفية النطق بالحروف ومنها بين أيدينا الكثير الوافي.

وممن عنى بالدعوة إلى وجوب تجويد القرآن الكريم في تلاوته وحرمة الإخلال بالتلاوة وبيان المباحث الهامة في هذا العلم الجليل والشأن الخطير - أخونا العلامة الفاضل الكاتب المجيد والباحث المحقق الشيخ - عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي - المدرس بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالمدينة المنورة وفقه الله، فقد ألف كتابه القيم في هذا الشأن المسمى "هداية القارى إلى تجويد كلام الباري" عز وجل فجاء من خير ما أُلف في هذا الشأن العظيم جامعاً للمباحث الهامة في هذا العلم ببيان واضح وتحقيق دقيق وأسلوب متين واستقصاء للمباحث وتبيين لما يجب على التالي نحو الكتاب المبين في كل شئون التلاوة، فالحمد لله تعالى أجل الحمد وأوفاه. على ما وفقه له وأولاه. والشكر المزيد منا نحن القراء لأخينا العلامة الأستاذ المؤلف حفظه الله.

وإنا لنوصي إخواننا المسلمين القراء في كل البلاد الإسلامية أن يعنوا كل العناية بدراسة هذا المؤلَّف القويم ويستوعبوا مباحثه بدقة وإمعان، ويلتزموا النهج القويم الذي يشير إليه في التلاوة والتعليم والإرشاد في كل جهة وزمان ففي ذلك الخير العميم والنهج القويم السديد، ونسأل الله تعالى أن يجزيه عن كتاب الله تعالى خير الجزاء، وأن يوفقه لمتابعة نشره في كل الأمم الإسلامية، وأن يوفق المسلمين وخاصة القراء إلى الاستفادة منه، وأن يرشدوا أولادهم إلى الأخذ به في التلاوة.

والله تعالى كريم لا يضيع عمل عامل من ذكر وأنثى من المحسنين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

كتبه

حسنين محمد مخلوف

مفتي الديار المصرية سابقاً

وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر

وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة

تحريراً في 17 من ذي الحجة سنة 1399هـ بالمدينة المنورة.

كلمة شيخنا الأستاذ الجليل صاحب الفضيلة الشيخ أحمد عبدالعزيز أحمد محمد الزيات

المقرىء الكبير في هذا العصر وأعلى المقرئين إسناداً في مصر والمدرس بقسم تخصص القراءات بالأزهر سابقاً

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه "وبعد": فقد قرأ عليّ الأستاذ الفاضل الشيخ عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي ما تيسرت قراءته من كتابه المسمى "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" فرأيت فيه الفوائد الكثيرة التي تدل على اطلاعه الواسع. وهذا الكتاب بحق قد خدم القرآن الكريم حيث بين ما يجب على القارىء من انتهاج منهج السلف الصالح الذين كرسوا حياتهم على فهم الكتاب المبين ودراسة أحكامه التي تتبع في تلاوته وحرموا على التالي أن يخلط، ويقرأ قراءة خارجة عن السنن القويم، الذي عرف من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونقل إلينا بلا تحريف ولا تبديل، ولا تغيير حسب الآراء والأهواء. وإني لأشكر للأستاذ المرصفي ما انتهجه في الرد على أولئك الذين لم يعبؤوا بالتخليط والتركيب بل كان رأيهم على عكس ما عرف من كلام المتقدمين وصدق الله العظيم القائل: {إنَّا نَزَّلْنَا الذكر وإنا له لحافظون}. وما هذا العمل إلا أثر لهذا الحفظ الذي تكفل به رب العالمين.

ونرجو من الله العلي القدير أن ينفع بهذا الكتاب وبمؤلفه النفع العميم. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم والحمد لله رب العالمين.

أملاه

أحمد عبدالعزيز أحمد محمد الزيات

المقرىء بالقاهرة المحروسة

والمدرس بقسم تخصيص القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر سابقاً

تحريراً في ظهر يوم الخميس 27 من شعبان المبارك سنة 1400هـ

الموافق 10/7/1980م بالقاهرة

درب الأتراك بجوار الجامع الأزهر الشريف.

كلمة الأستاذ الجليل صاحب الفضيلة العلامة الشيخ حسين خطاب

شيخ القراء بدمشق الشام بالجمهورية العربية السورية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. وأنزل عليه الكتاب ولم يجعل له عوجاً بلسان عربي مبين هدى ورحمة للمتقين. والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخاتم أنبيائه المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الكرام البررة الذين حملوا أمانة القرآن الكريم سالمة نقية من كل زيف وأدوها كما تحملوها إلى أتباعهم حتى وصلت إلينا بالسند المتواتر النقي الشريف بارزة فيها معجزة قول الله العظيم: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.

وبعد: فقد شرفين الله تعالى بزيارة الحرمين الشريفين في غرة جمادى الأولى سنة 1400 هـ لأداء الزيارة والعمرة وأثناء وجودي بالمدينة المنورة أكرمني الله تعالى بالاجتماع بالأستاذ الفاضل المقرىء فضيلة الشيخ عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي وكان قد اختير للتدريس بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وذاكرته بعض الأحكام المتعلقة بعلوم القرآن ورواياته فأعجبت به وبصفاء ذهنه وحسن اتجاهه، وثباته على العهد الذي أخذه عليه أشياخه، وحرصه على نقاء الأمانة القرآنية التي شرفه الله بها، ونشاطه في بث هذا العلم ونشره تعليماً وتأليفاً، وقد أطلعني - حفظه الله - في المسجد النبوي الشريف على بعض مؤلفاته في علوم القرآن المطبوعة والتي هي تحت الطبع. أما المطبوع "فالطريق المأمون: إلى أصول رواية قالون" من طريق الشاطبية. وأما ما كان تحت الطبع فمسودة الكتاب الذي أسماه "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" فتصفحت فيه بعض المواضيع المتعلقة بعلم التجويد فوجدته كتاباً جامعاً مبسطاً ملمًّا بأبواب هذا الفن وقد جمع فيه ما تبعثر في كتب القدامى وناقش بعض النصوص للمؤلفين السابقين مناقشة علمية أدبية، وأبدى في ذلك رأيه الذي ألهمه الله أياه. وقد وجدت الأستاذ الجليل سماحة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً قد قرأه وقدم له تقديماً حسناً ورغَّب في قراءته عموم المسلمين لينتفعوا به في تلاوة الكتاب العظيم، وينطقوا بحروفه وكلماته بعيدة عن التحريف والتصحيف، فيتقربوا بذلك إلى الله وينالوا من لدنه الثواب والأجر الجزيل.

وقد ضممت صوتي إلى صوته مرغباً في قراءة هذا الكتاب الذي وضعه مؤلفه ليرد المسلمين عن اللحن والخطأ والتحريف في كتاب الله عز وجل إلى النطق به غضًّا طريًّا كما نزل. مع العلم أنه لا بد من الرجوع إلى التلقي من أفواه الشيوخ الذي هو الأصل في نقل القرآن الكريم، وما تسطير قواعد هذا الفن في بطون الأسفار وكتب التجويد القديمة والحديثة إلا للاستئناس بها، وأما إحكام النطق بألفاظ القرآن فمرده أولاً وآخراً إلى المشافهة والأخذ من أفواه المتقنين من مشايخ الإقراء. هذا وأرجو الله العظيم لفضيلة الشيخ عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي أن يزيده قوة ونشاطاً في نشر علوم القرآن والدفاع عنه ليدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه". وينال وسام الشرف الذي رفع رايته خاتم النبيين بقوله: "أشراف أمتي حملة القرآن". كما أسأله تعالى أن ينفع بعلومه وتآليفه المسلمين في الدنيا والآخرة. وأن يجزل له الأجر والثواب ويسدد خطاه إلى مافيه الصواب والله ولي التوفيق.

كتبه

خادم القرآن الكريم

حسين خطاب

شيخ القراء بدمشق

المدينة المنورة في يوم الأربعاء 2 من جمادى الأولى سنة 1400هـ.

كلمة الأستاذ الجليل فضيلة الشيخ عبدالرزاق علي موسى

من علماء الأزهر الشريف والمدرس بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى ونوراً. وجعله للعاملين دستوراً، وجعل له حلاوة وعليه طلاوة لمن تلاه حق التلاوة، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي الذي كان خُلُقُه القرآن، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان، ما اختلف الملوان، وتعاقب الجديدان. أما بعد.

فقد اطلعت على كتاب أخينا في الله تعالى العلامة المحقق المجيد، والفهامة المدقق الفريد صاحب الفضيلة الشيخ عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي بارك الله في عمره وعمله وأطال الانتفاع بعلمه الذي توفر على تصنيفه في علم التجويد ليستفيد منه المسلمون بما يقربهم إلى الله من تصحيح التلاوة على النحو المأثور والمسمى "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" فرأيته قد أحاط بمسائل التجويد علماً، وانتظمها بياناً وفهماً، ورأيت عظم الحاجة إلى مثله ليرجع إليه ويعود عليه... وإنه لمن نعم الله التي لا تحصى أن قيض لهذا المؤلَّف هذا العلامة. فقد صحبته ورأيت له مواقف مشهودة محمودة في نصرة القرآن الكريم والذود عن حياضه ودفع جهالات المغيرين عليه، وعادية الخائضين فيه بغير بينة ولا برهان، أعلى الله بها هامة الحق المأثور ودمدم بها على خواء الباطل المدحور، فكان للقرآن نصيراً، جزاه الله خير الجزاء، ومنَّ عليه بمزيد الفضل والآلاء. وقد نبه على سهو القدامى وخلط المحدثين. فأعلى راية الكتاب المبين. ودفع شُبَةَ المشكِّكين وأقام المتهوكين الحارئين على خير بينة وأوثق برهان بأوضح حجة وأظهر بيان، فكان بغية الملتمس، جعله الله في ميزان حسناته، وأعلى به درجاته، آمين. وفيه فرائد مدخرة، وفوائد معتبرة لا يقدرها قدرها إلا من رزقه الله التوفيق للاطلاع عليها في مواضعها منه فعنئذ يروي غليله ويشفي عليله ويهدي سبيله.

والحق أقول: إنه بتأليف هذا الكتاب برأ ذمة القراء والمقرئين. وتقر أرواحهم في قرارها المكين وهو ما نحمد الله عليه في المبتدأ والمنتهى. ونرجو أن يوفق للاطلاع عليه أهل النُّهى، وأن يجعله زاداً للمعاد في يوم النفاد لمؤلفه وكل من انتفع به بالاطلاع عليه. إنه ولي المؤمنين وهو يتولى الصالحين.

كتبه

عبدالرزاق علي موسى

مدرس القراءات وعلومها بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

تحريراً في الأحد الموافق أول محرم الحرام سنة 1401هـ

9 نوفمبر سنة 1980م بالمدينة المنورة.

كلمة صاحب الفضيلة الاستاذ الجليل الشيخ محمد تميم الزعبي

المقرىء بمدينة حمص بالجمهورية العربية السورية

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي هيأ في كل عصر من الأعصار من أوقف حياته لخدمة القرآن. والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير من نطق بالضاد.

وبعد: فإني قد تشرفت بالاطلاع على كتاب شيخنا الفاضل فضيلة الشيخ عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي الموسوم "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" فقرأت منه عدة مباحث فوجدته جامعاً لأمهات مسائل فن التجويد مستوفياً كل مسألة حقها ومستحقها يغني العالم عن النصب في تحقيق مسألة ما عويصة في هذا المجال، ويوفي بغرض المبتدىء بما يسد به رمقه من القواعد والأحكام وقد جمع - حفظه الله - شتات الأقوال ورتبها وأحسن. وردَّ سقيمها بالحجة وأوجز وما قصر.

فجاء كتاباً بتوفيق الله تعالى تبصرة للمتبدىء، وتذكرة للمنتهي مشتملاً على كل ما يحتاجه طالب علم التجويد من أبسط مسائله إلى أدقها ولا غرابة في ذلك فالمؤلف - حفظه الله وأدامه ذخراً للمسملين - محقق مدقق عرفته عن قرب أثناء قراءتي عليه القرآن الكريم بالقراءات العشر الكبرى من طريق طيبة النشر فما من مسألة من دقائق فن التجويد والقراءات إلا وله فيها باع. وله عليها اطلاع.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياه للعمل بكتابه وأن يخلص لوجهه الكريم أقوال الكل منا وأعماله. وهو المسئول سبحانه أن يخص بأزكى صلواته وأوفى سلامة نبينا وآله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه الفقير إلى رحمة الغني

محمد تميم الزعبي

تحريراً بالمدينة المنورة في الثالث من شعبان سنة 1400 هـ.

كلمة صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير والمقرىء الشهير الشيخ عامر السيد عثمان

شيخ عموم المقارىء بالديار المصرية حاليًّا والمستشار في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد حبيبنا وطبيب قلوبنا صلاة وسلاماً دائمين ما تعاقب الليل والنهار وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار.

وبعد:

فقد اطلعت على كتاب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" لمؤلفه الجهبذ العلامة الشيخ عبدالفتاح السيد عجمي الموصفي من علماء الأزهر الشريف فوجدته كتاباً مهذباً مبسطاً مرتباً قد جمع فيه أمهات المسائل التي يحتاجها طالب هذا الفن.

فقد جمع الأمور في مجاريها، وحاد عن الشطط في مراميها وصحح الخلط والأوهام ورد على من يقول بتركيب القراءات وخلط الروايات.

والحقيقية التي لا مرية فيها أن العالم الإسلامي كان ينتظر كتاباً يجمع مسائل التجويد واختلافات أهل الأداء من القراء والنجباء فجاء هذا الكتاب في حينه ووقته.

ومؤلف هذا الكتاب معروف بمؤلفاته وتضلعه في هذا الفن فهو محقق مفنن له قدم راسخة في فن القراءات والتجويد، وإن هذا الكتاب يوفر على المسلمين بشكل عام وطلاب هذا الفن بشكل خاص مؤنة الرجوع إلى المراجع القديمة والحديثة، فلدى اطلاعي على هذا الكتاب أدهشني ما فيه من نقولات وترتيبات لم أر أحداً جمعها ونسقها ورتبها على هذا الترتيب من علماء هذا الفن المتأخرين والمتقدمين، وخاصة ذكر الأعلام الذين ورد ذكرهم في الكتاب فترجم لهم بملحق خاص في آخره.

والله أسأل أن يجزي مؤلف هذا الكتاب خير الجزاء في يوم المعاد، وينفع به المسلمين آمين آمين.

كتبه

عامر السيد عثمان

تحريراً في يوم الأربعاء 21/8/1406هـ بالمدينة المنورة على ساكنها أزكى الصلاة والسلام.

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اصطفى من شاء من خلقه لحفظ كتابه، وجعلهم من جملة أوليائه وخواص أحبابه، ووعدهم على تلاوته الصحيحة والعمل بما فيه جزيل الثواب، وأعلى الدرجات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم العرض والحساب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أحب الأحباب إلى العزيز الوهاب، القائل: "أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه". والقائل: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".

والقائل: "إن الله تعالى أهلين من الناس أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذي نقلوا القرآن وحافظوا عليه ورتلوه كما أنزل، وعملوا بما فيه، فأحلوا حلاله، وحرَّموا حرامه، واهتدوا بهديه، وتخلقوا بآدابه، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.

"أما بعد" فيقول أفقر العباد وأحوجهم إلى الله عز شأنه عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي بلداً ومولداً، المصري وطناً الشافعي مذهباً، الأزهري تربية، لما تشرفت بتدريس علم التجويد بالمدارس القرآنية كمدرسة مدينة تاجوراء وترهونة وغيرهما من المدن الليبية إلى جانب قيامي بمواجب إلقاء دروس الوعظ والإرشاد بالجامعة الإسلامية بإقليم طرابلس الغرب بليبيا آنذاك، رأيت أن من الواجب عليَّ نحو القرآن الكريم، وأحكام تلاوته أن أكتب كتاباً في فن تجويد القرآن متوخياً فيه سهولة الأسباب ووضوح المعنى وبسط الموضوع، وتقريب البعيد، وتجنب التعقيد، ليكون للمبتدئين تبصرة، وللمنتهين تذكرة، وقد قيدت جل مسائله بشواهد من المنظوم تضمنت ما جاء في المتن المباركين متن المقدمة والجزرية للحافظ ابن الجزري ومتن تحفة الأطفال للعلامة الشيخ سليمان الجمزوري وغيرهما من المتون المعمول عليها في هذا الشأن. ومما أخذته عن شيوخي بالأزهر المعمور حالة الأداء ليعم النفع به ويسهل الاغتراف منه، فليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، فجاء بحمد الله كتاباً وافياً بالمقصود منه، جامعاً للفوائد المتعقلة بموضوعه، ولم أدخر جهداً في تنقيحه وتهذيبه وتحريره وتقريبه. تيسيراً لطلابه، ومع هذا فإني معترف بالتقصير أمام الأثبات النحارير، ولا أدَّعي السلامة فيه من العيوب؛ لأنه لا كمال إلا لله وحده علاَّم الغيوب، ولا عصمة إلا للأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولما فتح الله عليَّ بإتمام كتابته سميته آنذاك "طريق المريد إلى علم التجويد".

ثم إنني لما شرفتني العناية الإلهية بابتعاثي إلى "كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية" إحدى كليات الجامعة الإسلامية بطيبة مدينة رسول الله المنورة الزكية. على ساكنها أفضل الصلاة وأسنى التحية، لأقوم فيها بتدريس العشر القراءات على ما تواترت به الروايات، وما يتبعها من علوم فواضل كعلمي الرسم والضبط وعلم الفواصل "عد الآي" وكان إحكام هذا الأحكام متوقفاً على دراسة علم التجويد، الذي هو حق الله على العبيد إذا ذكروه بتلاوة القرآن المجيد، أعدت النظر في هذا المصنَّف وأجريْتُ عليه قلم التنقيح ليوافق مستوى طلاب الجامعة من الإجمال والتوضيح، والكناية والتصريح، والزيادة والإفادة فجاء - والفضل لله وحده - درة يتيمة في بابه، فريداً في استيعابه، في إيجازه وإطنابه.

والتزمت فيه التنبيه على سهو القدامى وخلط المحدثين من سائر ما اطلعت عليه إلا ما رأيت العزوف عن الوقوف عنده طويلاً أليق بحاله وأصلح لمآله لعدم اشتهاره أو لعدم تلقي الناس له بالقبول وقد قمت بذكر تراجم لجميع من أوردت ذكره من العلماء في أصل الكتاب. وجعلت ذلك في ملحق خاص بآخره ليكون أعون للطالب على معرفة أهل العلم الذين هم شهودنا ووسائطنا في نقل هذا العلم، وإليهم تنتمي الأقوال فيه وليكون أعون على الاستفادة من أهل العلم والاقتداء بهم واقتفاء سننهم، ولما أن أكمل الله لي منته، وأتم علي نعمته سميته حاليًّا "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يثيبني عليه - يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم - وأن ينفع به أهل القرآن، في كل زمان ومكان، إنه الجواد الكريم. الرؤوف الرحيم.

المؤلف

عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي

المدرس بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالمدينة المنورة

تم تبييضه مع الزيادة والتنقيح وذكر أعلامه بالمدينة المنورة في يوم الجمعة المبارك 27 من شوال سنة 1399 هـ. وتمت كتابته الأولى بمدينة تاجوراء - طرابلس - ليبيا في يوم السبت العاشر من جمادى الآخرة سنة 1383هـ الموافق 30/9/1963م.

مقدمة الكتاب

والمقصود منها ذكر التعريف بحفص وبشيخة الإمام عاصم - رضي الله تعالى عنهما - ثم ذكر الإسناد الذي أدَّى إليَّ رواية حفص عن عاصم ثم يتبع ذلك ذكر أشياء هامة ينبغي تقديمها على مباحث هذا الفن كما ينبغي للطالب معرفتها كذلك كمبادىء علم التجويد ومراتب القراءة وأركان القرآن الكريم إلى آخر ما هنالك، ولكل كلام خاص نوضحه في الفصول الآتية:

 ( الفصل الأول / في التعريف بحفص رضي الله عنه )

هو حفص بن سليمان ابن المغيرة أبو عمر بن أبي داود الأسدي الكوفي الغاضري البزاز ويعرف بحفيص، أخذ القراءة عرضاً وتلقيناً عن عاصم وكان ربيبه ابن زوجته.

قال الداني: وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة. ونزل بغداد فأقرأ بها وجاور مكة فأقرأ بها أيضاً، وقال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان. وقال أبو هشام الرفاعي: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم. وقال ابن المنادى: قرأ على عاصم مراراً وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم، وأقرأ الناس دهراً وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى علي - رضي الله عنه -.

وروى القراءة عنه عرضاً وسماعاً خلق كثير منهم: حسين بن محمد المروزي، وحمزة بن القاسم الأحول، وسليمان بن داود الزهراني، وحمدان بن أبي عثمان الدقاق، والعباس بن الفضل الصفار، وعبدالرحمن بن محمد بن واقد، وعمرو بن الصباح، وعبيد بن الصباح، وأبو شعيب القواس وغيرهم. ولد رضي الله عنه سنة 90 تسعين من الهجرة، وتوفي رحمه الله سنة 180هـ ثمانين ومائة على الصحيح، غفر الله له ولنا وللمسلمين قاطبة بمنه وكرمه آمين، انتهى ملخصاً من ابن الجزري غاية النهاية ج1 ص 254. طبعة الخانجي بمصر عام 1351هـ - 1932م.

 ( الفصل الثاني / في التعريف بالإمام عاصم الكوفي رضي الله عنه )

هو عاصم بن بهدلة أبي النجود بفتح النون وضم الجيم أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي الحناط بالمهملة والنون، شيخ الإقراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة وهو الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبدالرحمن السلمي في موضعه، جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان ثقة ضابطاً صدوقاً، وحديثه مخرج في الكتب الستة، وهو من التابعين، أخذ القراءة عرضاً على أبي عبدالرحمن السلمي وزر بن حبيش وغيرهما وروى عنه القراءة خلق كثير منهم أبان بن تغلب، وأبان بن يزيد العطار، وإسماعيل بن مجالد، والحسن بن صالح، وحفص بن سليمان، والحكم بن ظهير، وحماد بن زيد،وحماد بن أبي زياد، وحماد بن عمرو، وسليمان بن مهران الأعمش، وسلام بن سليمان أبو المنذر، وسهل بن شعيب، وأبو بكر شعبة بن عياش، والضحاك بن ميمون، وعمرو بن خالد وآخرون لا يُحصون. وروى عنه حروفاً من القرآن أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، والحارث بن نبهان، وحمزة الزيات، والمغيرة الضبي وغيرهم. وتوفي رحمه الله تعالى على ما صححه الحافظ ابن الجزري آخر سنة سبع وعشرين ومائة، ودفن بالسماوة في اتجاه الشام، رحمه الله رحمة واسعة، انتهى ملخصاً من ابن الجزري غاية النهاية ج1 ص 348 تقدم.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في ذكر الإسناد الذي أدى إِليَّ رواية حفص عن عاصم رضي الله عنهما )

أقول: قرأت القرآن الكريم من أوله إلى آخره برواية حفص عن عاصم عدة مرات على غير واحد من الثقات الجهابذة الأثبات، منهم شيخنا الموقر الأستاذ الكبير والعلم الشهير الشيخ زكي محمد عفيفي نصر المرصفي ابن العلامة المحقق الأستاذ الجليل الشيخ محمد عفيفي نصر المرصفي شيخ القراء والمقرئين في وقته ببلدنا مرصفا رحمهما الله تعالى. وشيخنا الموقر الشيخ رفاعي محمد أحمد المجولي المرصفي شيخ القراء والإقراء. بمرصفا رحمه الله تعالى... وشيخنا الفاضل الشيخ محمد الأنور حسن شريف المشهور بالحاج الأنور شيخ القراء والإقراء بمحافظة الشرقية رحمه الله تعالى. وشيخنا الفاضل الشيخ حامد علي السيد الغندور المقرىء الكبير بالسماعنة أطال الله حياته نفعاً للمسلمين وهو ابن العلامة المحقق الشيخ علي السيد الغندور شيخ القراء والإقراء في وقته بمحافظة الشرقية، وأستاذنا الجليل العلامة المحقق والمتقن المدقق شيخ شيوخ الإقراء في هذا العصر وأعلى القراء إسناداً في مصر صاحب الفضيلة الشيخ أحمد عبدالعزيز أحمد الزيات أطال الله حياته نفعاً للمسلمين وذخراً لكتاب ربّ العالمين.

أما أستاذنا الشيخ زكي محمد عفيف نصر المرصفي فقرأت عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم مرات من طريق الشاطبية وأخبرني أنه قرأها ضمن القراءات السبع من طريق الشاطبية على العلامة المحقق والمتقن المدقق الشيخ محمد أحمد شرع المرصفي شيخ القراء والإقراء في وقته بمرصفا.

وأما أستاذنا الشيخ رفاعي محمد أحمد المجولي المرصفي فقرأ عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم مرتين. الأولى: إفراداً. والثانية: جمعاً ضمن القراءات السبع من طريق الشاطبية. وأخبرني انه قرأها ضمن القراءات السبع من الطريق المذكور على الاستاذ الكبير والعلم الشهير الشيخ محمد أحمد شرع المرصفي المتقدم وأخذ العلامة الشيخ أبو شرع القراءات السبع من الشاطبية عن الأستاذ الكبير والعالم النحرير التقي الورع الشيخ ضيف الله سالم عامر الشبلنجي وهو "أي الشيخ ضيف الله" عن الأستاذ الفاضل الشيخ غنيم محمد غنيم وهو عن الأستاذ الفاضل الشيخ حسن الجريسي الكبير رضي الله عنه وهو عن خاتمة القراء المحقيين شمس الملة والدير، الشيخ أحمد الدُّريّ المالكي الشهير بالتهامي أحسن الله إليه.

وأما شيخنا الكبير فضيلة الشيخ محمد الأنور حسن شريف فقرأت عليه رواية حفص عن عاصم ضمن القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وأخبرني بأنه تلقى القراءات العشر من الطريق المذكور على الأستاذ الجليل الشيخ محمد الغريب المشهور بأبي قاعود. وأخبره بأنه تلقاها عن الأستاذ الكبير الشيخ عبدالعزيز مصطفى السحار المقرىء الشهير بالقاهرة المحروسة ثم أخذ أيضاً القراءات العشر من الطريق المذكور ثم من طريق طيبة النشر على الأستاذ الفاضل والمربي الكامل الذي فضله بين الورى مشهور الشيخ أحمد يوسف عجور المقرىء الكبير بالجامع الأحمدي بمدينة طنطا فأما الشيخ عبدالعزيز السحار فقد قرأ على الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسن الإبياري وهو "أي الشيخ الإبياري" عن الشيخ حسن الجريسي الكبير وهو عن العلامة المحقق والمتقن المدقق الشيخ محمد بن أحمد الشهير بالمتولي شيخ القراء والمقارىء بالديار المصرية في قوته وهو عن العلامة الفاضل الشيخ أحمد الدُّرّي المالكي الشهير بالتهامي المتقدم ذكره.

وأما أستاذنا الكبير فضيلة الشيخ أحمد عبدالعزيز أحمد محمد الزيات فقرأت عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم مرتين:

الأولى: جمعاً ضمن القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة. والثانية: جمعاً ضمن القراءات العشر من طريق طيبة النشر، وأخبرني بأنه قرأ القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة والطيبة على الأستاذ الكبير والعلم الشهير شيخ الإقراء بالقاهرة في وقته فضيلة الشيخ عبدالفتاح هندي، وأخبره بأنه أخذ القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة ثم من طريق الطيبة على الأستاذ الكبير والعالم النحرير الشيخ محمد أحمد الشهير بالمتولي السالف الذكر، وهو "اي الشيخ المتولي" عن الشيخ الكبير خاتم المحقيين الشيخ أحمد الدُّري المالكي الشهير بالتهامي المتقدم، وأخذ العلامة التهامي القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة ثم من طريق طيبة النشر عن الأستاذ الفاضل الشيخ محمد بن أحمد المعروف بسلمونة شيخ القراء والإقراء بالديار المصرية في زمانه، وهو عن السيد إبراهيم العبيدي، وهو عن مشايخ إجلاَّء منهم المتقن المحقق الشيخ عبدالرحمن الأجهوري المقرىء المالكي الأحمدي الأشعري المصري وطناً، والعمدة الفاضل المحقق السيد علي البدري، وأخذ الأجهوري والبدري عن جماعة من المحققين: منهم العلامة المحقق الشيخ أحمد الإسقاطي، وقرأ الإسقاطي على المحقق ابن الدمياطي، وقرأ ابن الدمياطي على العلامة المحقق العالم العامل والولي الكامل الشيخ أحمد البنا الدمياطي صاحب الإتحاف، وقرأ صاحب الإتحاف عن مشايخ أجلاَّء: منهم العلامة المحقق أبو الضياء الشيخ علي بن علي الشبراملسي، وقرأ الشبراملسي على العالم الفاضل الشيخ عبدالرحمن اليمني، وهو عن الشيخ أحمد ابن عبدالحق السنباطي، وهو عن المحقق الشيخ شحاذة اليمني، وهو عن الناصر الطبلاوي، وهو عن شيخ الإسلام والمسلمين أبي يحيى زكريا الأنصاري، وهو عن شيخه أبي النعيم رضوان العقبي، وهو عن الحافظ محمد بن محمد بن محمد الجزري، وهو عن الشيخ ابي محمد عبدالرحمن بن المبارك بن معالي البغدادي الواسطي ثم المصري، وهو عن الشيخ أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالخالق المصري المعروف بالصائغ، وهو عن شيخ الإقراء بمصر الإمام أبي الحسين عليّ بن شجاع المعروف بالكمال الضرير وبصهر الشاطبي، وهو عن قطب الزمان ومعدن العرفان الإمام أبي القاسم ابن فيرة الرعيني الشاطبي رضي الله عنه ونفعنا بعلمه، وهو عن الشيخ أبي الحسن علي بن هذيل بالأندلس، وهو عن أبي داود سليمان بن نجاح، وهو عن الحافظ أبي عمرو الداني.

قال الحافظ أبو عمرو الداني: وأما رواية حفص فحدثنا بها أبو الحسن طاهر بن غلبون المقرىء، قال حدثنا أبو الحسن عليّ بن محمد بن صالح الهاشمي الضرير المقرىء بالبصرة قال حدثنا أبو عباس أحمد بن سهل الأشناني، قال قرأت على أبي محمد عبيد بن الصباح، وقال قرأت على حفص، وقال قرأت على عاصم.

قال أبو عمرو الداني: وقرأت بها القرآن كله على شيخنا أبي الحسن، وقال لي قرأت بها على الهاشمي، وقال قرأت على الأشناني عن عبيد عن حفص عن عاصم، وقرأ عاصم على أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب السلمي وأبي مريم زر بن حبيش، وأخذ أبو عبدالرحمن عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبُي بن كعب وزيد بن ثابت وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ زر بن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمين جبريل عليه السلام عن رب العالمين جل جلاله وتقدست أسماؤه.

إسناد العلامة الشيخ أحمد يوسف عجور وهو الأستاذ الثاني للشيخ محمد الغريب المشهور بأبي قاعود المتقدم والذي قد وعدنا بذكره، فنقول:

وأما الشيخ احمد يوسف عجور فقد قرأ القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة والطبية على والده العالم الكبير والمقرىء الشهي الشيخ يوسف عجور كبير المقرئين في وقته وشيخ الإقراء بالجامع الأحمدي بطنطا، وهو أي "الشيخ يوسف عجور" أخذ القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة عن الأستاذ الشيخ علي صقر الجوهري المرحومي.

وأما أستاذنا الموقر الشيخ حامد علي السيد الغندور فقد قرأت عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، وكذلك رواية الأصبهاني عن ورش عن نافع، وقراءة حمزة ويعقوب والجميع من طريق طيبة النشر، وكذلك قرأت عليه القرآن الكريم بالقراءات الثلاث المتممة للقراءات العشر من طريق الدرة، وأخبرني بأنه أخذ القراءات الثلاثة ضمن القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة وكذلك رواية الأصبهاني عن ورش عن نافع ورواية حفص عن عاصم وقراءة حمزة ويعقوب من طريق طيبة النشر على الأستاذ الفاضل والمربي الكامل خاتمة المحقيين الشيخ إبراهيم أحمد سلام المالكي شيخ القراء والإقراء في وقته بالجامع الاحمدي بطنطا، وأخبره بأنه تلقى القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة والطيبة على الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد مصطفى مراد المرحومي، وهو "أي الشيخ أحمد مصطفى" أخذ القراءات العشر المذكورة آنفاً عن الأستاذ الكبير الشيخ على حسن أبو شبانة وهو عن الأستاذ الجليل الشيخ علي صقر الجوهري المرحومي المتقدم.

وأخذ العلامة الشيخ علي صقر الجوهري المرحومي عن الإمام الهمام علامة الأنام المحقق المدقق سيدي الشيخ مصطفى الميهي وهو عن والده العلامة المحقق الواصل سيدي الشيخ علي الميهي وعن سيدي سالم النبتيتي.

قال العلامة النبتيتي: أخذت جميع ذلك عن سيدي وأستاذي وعمدتي وملاذي خاتمة محقيي هذا الشأن سيدي الشيخ علي البدري الشافعي، وهو عن الشيخ أحمد الإسقاطي الحنفي رضي الله عنه، وقرأ العلامة الإسقاطي على الشيخ أبي السعود أبي النور، وعلى العلامة المحقق شمس الدين المنوفي، وعلى الشهاب أحمد البنا، وهم قرؤوا القرآن كذلك على الضياء سلطان بن أحمد المزاحي، وهو قرأ كذلك على العلامة سيف الدين بن عطاء الله الفضالي البصير بقلبه، زاد الشهاب البنا فقال وعلى النور عليّ بن عليّ الشبراملسي، وزاد الشيخ المنوفي فقال: وعلى النور عليّ بن إبراهيم الرشيدي المعروف بالخياط، وهم والشبراملّسي قرؤوا على الزين عبدالرحمن بن العلامة والشيخ شحاذة اليمني، وهو والفضالي قرآ على والده الشيخ شحاذة اليمني المذكور، وهو على العلامة ناصر بن سلام الطبلاوي، زاد الشيخ عبدالرحمن اليمني فقال: وقرأته كذلك على العلامة شهاب الدين أحمد بن الشرف عبدالحق بن محمد السنباطي الشافعي، والنور عليّ بن محمد بن خليل بن موسى بن غانم المقدسي الأنصاري الخزرجي الحنفي، وقرأ ابن عبدالحق على الجمال يوسف بن شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري الخزرجي، وهو والطبلاوي على المشهور من الإجازات شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري، وقرأ ابن غانم على الشرف بن عبدالحق السنباطي، والمحب أبي الجود محمد بن إبراهيم السمديسي الحنفي وهما وشيخ الإسلام قرؤوا على الشهاب أحمد بن أسد الأميوطي، زاد شيخ الإسلام فقال: وعلى الزين رضوان بن محمد بن يوسف والزين طاهر بن محمد بن عليّ النويري، والشهاب أحمد بن بكر بن يوسف القلقيلي المعروف بالأسكندري، وهو والأميوطي قرؤوا على الحافظ المتقن الثقة الضابط الشمس أبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري الدمشقي.

قال الحافظ ابن الجزري: وأما رواية حفص فحدثنا بها أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الفيرزأبادي بقراءتي عليه بسفح قاسيون، حدثنا علي بن أحمد فيما شافهني به، حدثنا أبو اليمن زيد بن الحسن، حدثنا عبدالله بن علي البغدادي، حدثنا الإمام أبو الفضل الشريف، حدثنا أبو عبدالله الكارزيني، أخبرني بها عالياً جدّ الشيخ أبو عليّ الحسن بن أحمد بن هلال قراءة مني عليه بالجامع الأموي بدمشق، عن أبي الحسن عليّ بن أحمد ابن أبي المكارم اللبّان عن أبي عليّ الحداد، عن أبي بردة المليخي قراءة قالا: حدثنا الشريف أبو الحسن علي بن محمد بن صالح الهاشمي بالبصرة حدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال: قرأت على أبي محمد عبيد بن الصبّاح قال: قرأت على حفص قال: قرأت على عاصم:

قال الحافظ ابن الجزري: وقرأت بها القرآن كله على عبدالرحمن بن أحمد بمصر، وقال لي قرأت بها على إبراهيم بن أحمد، وقال قرأت بها على زيد بن الحسن، وقال قرأت بها على سبط الخياط. وقال قرأت بها على الشريف أبي الفضل، وقال قرأت بها على الكارزيني، وقال قرأت بها على الهاشمي، وقال قرأت بها على أبي العباس أحمد بن سهل الأشناني، وقال قرأ على أبي محمد عبيد بن الصباح، وقال قرأت على حفص وقال قرأت على عاصم وتقدم سنده.

قلت: وقرأت القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم مرتين أخريين - بقسم القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر آنذاك - على غير واحد من الثقاب بأسانيدهم المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الأستاذ الكبير فضيلة الشيخ أحمد عبدالعزيز أحمد الزيات وتقدم سنده وفضيلة الشيخ حسن المري الذي قرأ على فضيلة الشيخ الزيات المتقدم وفضيلة الشيخ عبدالله البطران الذي أخذ عن العلامة المحقق الشيخ خليل الجنايني عن الإمام المتولي الذي تقدم سنده غير مرة.

فأما المرة الأولى: فقرأتها ضمن القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة في المرحلة الأولى التي بنهايتها يمنح الطالب "الشهادة العالية للقراءات" بعد اجتياز امتحانها.

وأما المرة الثانية: فقرأتها ضمن القراءات العشر الكبرى من طريق طيبة النشر في المرحلة الثانية وهي المسماة بقسم تخصص القراءات والتي بنهايتها يمنح الطالب "شهادة التخصص في القراءات" بعد احتياز امتحانها والحمد لله. قد منحني الله تعالى من فضله هاتين الشهادتين كما منحني من قبلهما شهادة "إجازة التجويد" من شعبة التجويد بالقسم المذكور فحمداً له تعالى وشكراً ونسأله تعالى المزيد من العلم والتوفيق في طلبه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم والحمد لله رب العالمين.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الرابع / في ذكر مبادىء علم التجويد )

ينبغي لكل من شرع في فن من الفنون أن يعرف مبادئه العشرة المشهورة ليكون على بصيرة في المشروع فيه، وحيث إن رسالتنا هذه خاصة بعلم التجويد فينبغي أن نتكلم على تلك المبادىء العشرة الخاصة به ليكون الطالب على علم بها فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون والقول:

الأول: حده: التجويد مصدر جود تجويداً، والاسم منه الجودة ضد الرداءة وهو في اللغة التحسين يقال جوَّد الرجل الشيء إذا أتى به جيداً ويستوي في ذلك القول والفعل.

. ويقال لقارىء القرآن الكريم المحسن لتلاوته: "مجوِّد" بكسر الواو إذا أتى بالقراءة مجوَّدة - بفتح الواو - الألفاظ بريئة من الجوْر والتحريف حال النطق بها. وفي الاصلاح: إخراج كل حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه ومستحقه - بفتح الحاء - من الصفات.

فحق الحرف من الصفات أي الصفات اللازمة الثابتة التي لا تنفك عنه بحال، كالجهر، والشدة، والاستعلاء، والاستفال، والإطباق، والقلقلة، إلى غير ذلك مما سنذكره مبسوطاً في موضعه..

ومستحقَّه أي من الصفات العارضة التي تعرض له في بعض الأحوال وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب كالترقيق والتفخيم، فإن الأول ناشىء عن صفة الاستفال والثاني ناشىء عن صفة الاستعلاء وكالإظهار والإدغام والإخفاء والمدر والقصر إلى غير ذلك مما سيأتي مفصلاً، مشروطاً بشروطه في محله إن شاء الله تعالى.

الثاني: موضوعه: هو الكلمات القرآنية من حيث إعطاء حروفها حقها ومستحقها كما مر من غير تكلف والا تعسف في النطق مما يخرج بها عن القواعد المجمع عليها. وزاد بعض أئمتنا - الحديث الشريف - إذ يرى تطبيق قواعد التجويد في قراءته والجمهور على أن موضوع التجويد هو القرآن الكريم فقط..

الثالث: ثمرته: هي صون اللسان عن اللحن في لفظ القرآن الكريم حال الأداء وكذلك الحديث الشريف عند من رأى ذلك، وقد تقدم ما عليه الجمهور في هذا الشأن..

الرابع: فضله: هو من أشرف العلوم وأفضلها لتعلقه بكلام الله تعالى..

الخامس: نسبته من العلوم: هو أحد العلوم الشرعية المتعلقة بالقرآن الكريم.

السادس: واضعه: أما الواضع له من الناحية العملية فهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نزل عليه القرآن من عند الله تعالى مجوَّداً وتلقاه صلوات الله وسلامه عليه من الأمين جبريل عليه السلام كذلك وتلقته عنه الصحابة وسمعته من فيه الشريف كذلك وتلقاه من الصحابة التابعون كذلك وهكذا إلى أن وصل إلينا عن طريق شيوخنا متواتراً ولا نكر هذا إلا مكابر أو معاند.

وأما الواضع له من ناحية قواعده وقضاياه العلمية ففيه خلاف فقيل أبو الأسود الدؤلي. وقيل أبو عبيد القاسم بن سلام. وقيل الخليل بن أحمد وقيل غير هؤلاء من أئمة القراءة واللغة.

السابع: أسمه: علم التجويد.

الثامن: استمداده: جاء من كيفية قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من كيفية قراءة الصحابة بمن بعده والتابعين وأتباعهم وأئمة القراءة إلى أن وصل إلينا بالتواتر عن طريق شيوخنا.

التاسع: حكم الشارع فيه هو الوجوب العيني على كل مكلَّف من مسلم ومسلمة يحفظان القرآن كله أو بعضه ولو سورة واحدة لثبوت ذلك بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.

وأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} أي اتله على تؤدة وطمأنينة وخشوع وتدبر مع مراعاة قواعد التجويد من مد الممدود وقصر المقصور وإظهار المظهر وإدغام المدغم وإخفاء المخفى إلى غير ذلك مما سيأتي مبسوطاً في مواضعه. وقد أخبر غير واحد من أئمتنا أنه صح عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} "الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف"أ هـ.

وإذا تأملنا في الآية الكريمة نجد أن الله تبارك وتعالى لم يقتصر على الأمر بالفعل في قوله عز شأنه: {وَرَتِّلِ} بل أكده بمصدر مؤكد للأمر وهو قوله سبحانه: {?لْقُرْآنَ} وهذا مما يفيد الاهتمام بشأنه والترغيب في ثوابه والعمل به.

هذا: والأمر في هذه الآية للوجوب كما هو الأصل في الأمر إلا أن تكون قرينة تصرفه عن هذا الوجوب إلى غيره من المعاني كالندب أو الإباحة أو التهديد... إلخ ولا قرينة هنا تصرفه عن الوجوب إلى غيره مما ذكر ونحوه فبقي على الأصل وهو الوجوب فتأمل.

وما الأمر بالترتيل هنا إلا لأن الترتيل صفة تكلم الله بالقرآن كما قال سبحانه وتعالى: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32)} وناهيك بهذا شرفاً وجلالاً.

وأما السنة: فكثيرة منها ما خرَّجه الحافظ السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور، وعزاه للطبراني في الأوسط وابن مردويه وسعيد بن منصور من حديث موسى بن يزيد الكندي رضي الله عنه قال: "كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرىء رجلاً، فقرأ الرجل: {إنَّما الصَّدقات للفُقَراءِ والمَسَاكينِ} مرسلة فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها النبي صلى الله عليه وسلم،ن فقال: وكيف أقرأكها؟ قال: أقرأنيها: {إنَّما الصَّدقاتُ للفُقراءِ والمساكينِ} فمدها أهـ فابن مسعود الذي هو أشبه الناس سمتاً ودلاًّ برسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجل أن يقرأ كلمة "الفقراء" من غير مد ولم يرخص له في تركه"، مع أن فعله وتركه سواء في عدم التأثير على دلالة الكلمة ومعناها، ولكن لأن القراءة سنة متَّبعة يأخذها الآخر عن الأول كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه. واستفاض النقل عنه بذلك؛ أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على الرجل أن يقرأ بغير قراءة النبي صلى الله عليه وسلم التي أقرأ بها أصحابه رضي الله عنهم جميعاً، فدل ذلك على وجوب تعلم التجويد واتباع أحكامه عند التلاوة، لدلالة مثل هذا النص بالجزء على الكل.

وسيأتي لهذا الحديث مزيد تفصيل في "باب المد والقصر" من هذا الكتاب إن شاء العزيز الوهاب سبحانه وتعالى. وهناك سنشير إلى تخريجه مستوفى.

وأما إجماع الأمة فقد قال العلامة الشيخ محمد مكي نصر في نهاية القول المفيد ما نصه: فقد اجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على وجوب التجويد من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا ولم يختلف فيه أحد منهم وهذا من أقوى الحجج أ هـ منه بلفظه ص (10).

العاشر: مسائله وهي قواعده كقولنا: كل نون ساكنة وقع بعدها حرف من حروف الحق يجب إظهارها ويسمى إظهاراً حلقيًّا، وكل حرف مد وقع بعده ساكن أصلي وصلاً ووقفاً يُمدَ مدًّا طويلاً ويسمى مدًّا لازماً وهكذا، وقد أشار إلى ما قدمنا في هذا الفصل الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*والأخْذُ بالتَّجويدِ حتمٌ لازمٌ * مَنْ لمْ يُجوِّدِ القرآنَ آثِمُ*

*لأنَّه بِه الإلهُ أنزلا * وهكذا مِنْه إلينَا وَصَلاَ*

*وهوَ ايضاً حليَةُ التِّلاوةِ * زينةُ الأداءِ والقراءةِ*

*وهو إعطاءُ الحروفِ حقَّها * من صفة لها ومُستحقَّها*

*ورد كلِّ واحد لأصلهِ * واللفظُ في نظيره كمثله*

*مكمَّلاً من غيرَ ما تَكَلُّف * باللطفِ في النُّطقِ بلا تعسُّفِ*

*وليس بينهُ وبين تركهِ * إلا رياضةُ امرىءٍ بفكِّهِ ا هـ*

(/)

________________________________________

 ( الفصل الخامس / في بيان مراتب القراءة )

تقدم أن فرضيَّة علم التجويد ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ومما ورد في هذا الشأن من الأدلة قول الله تبارك وتعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}.

والترتيل هو أحد مراتب القراءة الثلاث التي يجب على القارىء معرفتها وهي كما يلي:

الترتيل، والحدر، والتدوير.

أما الترتيل: فهو القراءة بتؤدة واطمئنان مع تدبر المعاني ومراعاة أحكام التجويد من إعطاء الحروف حقها من الصفات والمخارج ومد الممدود وقصر المقصور وترقيق المرقَّق وتفخيم المفخَّم مما يتفق وقواعد التجويد وهو أفضل المراتب الثلاث فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال جل شأنه: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}.

وأما لحدر: بسكون الدال، فهو الإسراع في القراءة مع المحافظة على قواعد التجويد ومراعاتها بدقة وليحترز القارىء حينئذ من بتر حروف المد وذهاب صوت الغنة واختلاس أكثر الحركات ومن التفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة.

وأما التدوير: فهو القراءة بحالة متوسطة بين مرتبتي الترتيبل والحدر مع المحافظة على قواعد التجويد ومراعاتها كذلك.

والمراتب الثلاث في الأفضلية على النحو التالي الترتيل فالتدوير فالحدر آخرها وقد نظم هذه المراتب صاحب تذكرة القراء فقال:

*الحدْرُ والترتيل والتدوير * والأوسط الأتم فالأخير*

والله تعالى أعلم.

(/)

________________________________________

( الفصل الخامس / في بيان مراتب القراءة )

تقدم أن فرضيَّة علم التجويد ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ومما ورد في هذا الشأن من الأدلة قول الله تبارك وتعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}.

والترتيل هو أحد مراتب القراءة الثلاث التي يجب على القارىء معرفتها وهي كما يلي:

الترتيل، والحدر، والتدوير.

أما الترتيل: فهو القراءة بتؤدة واطمئنان مع تدبر المعاني ومراعاة أحكام التجويد من إعطاء الحروف حقها من الصفات والمخارج ومد الممدود وقصر المقصور وترقيق المرقَّق وتفخيم المفخَّم مما يتفق وقواعد التجويد وهو أفضل المراتب الثلاث فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال جل شأنه: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}.

وأما لحدر: بسكون الدال، فهو الإسراع في القراءة مع المحافظة على قواعد التجويد ومراعاتها بدقة وليحترز القارىء حينئذ من بتر حروف المد وذهاب صوت الغنة واختلاس أكثر الحركات ومن التفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة.

وأما التدوير: فهو القراءة بحالة متوسطة بين مرتبتي الترتيبل والحدر مع المحافظة على قواعد التجويد ومراعاتها كذلك.

والمراتب الثلاث في الأفضلية على النحو التالي الترتيل فالتدوير فالحدر آخرها وقد نظم هذه المراتب صاحب تذكرة القراء فقال:

*الحدْرُ والترتيل والتدوير * والأوسط الأتم فالأخير*

والله تعالى أعلم.

(/)

________________________________________

 ( الفصل السادس / في معرفة أركان القرآن الكريم )

تقدم أن الأخذ بقواعد التجويد واجب شرعي في قراءة القرآن الكريم يثاب القارىء بفعلها ويأثم بتركها، ولا يكفيه مجرد العلم بها من الكتب، بل لا بد له من الرجوع إلى الشيوخ المتقنين الآخذين ذلك عن أمثالهم المتصل سندهم برسول الله صلى الله عليه وسلم: والأخذ عنهم والسماع من أفواههم لأن هناك أموراً لا تُدرَك إلا بالسَّماع منهم ورياضة اللسان عليها المرة تلو المرة أمامهم كالروم والإشمام والإدغام والإخفاء والمد والقصر والإمالة والتسهيل إلىآخر ما هنالك. وبهذا يكون القارىء سليم النطق حسن الأداء بعيداً عن اللحن. بخلاف من أخذ من الكتب وترك الرجوع إلى الشيوخ فإنه يعجز لا محالة عن الأداء الصحيح ويقع في التحريف الصريح الذي لا تصح به القراءة ولا توصف به التلاوة ولله در القائل:

*من يأخُذِ العلمَ عن شيخ مُشافهةً * يكن عن الزيغ والتصحيف في حَرَم*

*ومن يَكُنْ آخذاً للعلم من صُحُفٍ * فعلمُهُ عند أهل العلمِ كالعَدَمِ*

والأخذ عن الشيوخ هو أحد أركان القرآن الثلاث التي يجب على القارىء معرفتها وهي كما يلي:

الأول: موافقة القراءة لوجه من وجوه العربية ولو ضعيفاً.

الثاني: موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالاً. ومعنى الاحتمال هنا أي ما يحتمله رسم المصحب الشريف كقراءة من قرأ "ملك" في قوله تعالى: {مَـ?لِكِ يَوْمِ ?لدِّينِ} بالألف فإنها كتبت في عموم المصاحف العثمانية بغير ألف فاحتملت الكتابة أن تكون مالك بالألف وفعل بها كما فعل باسم الفاعل في نحو قادر وصالح مما حذفت منه الألف اختصاراً فهذا موافق للرسم تقديراً.

وحينئذ فلا بد للقارىء من معرفة طرف من علم الرسم كمعرفة المقطوع والموصول والثابت والمحذوف من حروف المد وما كتب بالتاء المجرورة والمربوطة ليقف على المقطوع في محل قطعه وعلى الموصول عند انقضائه وعلى المرسوم بالتاء المجرورة تاء حسب الرواية وبالمربوطة هاء بالاتفاق وعلى الثابت من حروف المد بإثباته وعلى المحذوفة منها بحذفه مما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.

الثالث: صحة السند وهذا الركن شرط صحة للركنين السابقين وهو أن يأخذ القارىء القراءة عن شيخ متقن فطن لم يتطرق إليه اللحن واتصل سنده برسول الله صلى الله عليه وسلم فإن اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة كانت القراءة شاذة ولو كانت من قراءات الأئمة السبعة المجمَع على صحتها وتواترها.

وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في طيبة النشر بقوله رحمه الله تعالى:

*فَكُلُّ ما وافق وَجْهَ نحوِ * وكان للرسم احتمالاً يحوِي*

*وصحَّ إسناداً هو القرآنُ * فهذه الثلاثةُ الأركانُ*

*وحيثما يختلُّ ركنٌ أثْبِتِ * شُذوذهُ لو أنهُ في السبعة*

(/)

________________________________________

 ( الفصل السابع / في معرفة اللحن والمقصود منه هنا وحكمه )

يَرِدُ اللحن في لغة العرب على عدة معان والمقصود به هنا الخطأ والميل عن الصواب في القراءة وينقسم إلى قسمين: جلي - أي ظاهر - وخفيّ - أي مستتر - ولكل منهما حد يخصه وحقيقة يتميز بها عن الآخر.

فالجلي: هو خلل يطرأ على الألفاظ فيخل بعرف القراءة سواء أخل بالمعنى أم لم يخل.

فالأول: كتغيير حركة باخرى كضم التاء أو كسرها من نحو: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ?لْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ?لضَّآلِّينَ} و {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ?لْقِتَالَ} أو فتحها أو كسرها من نحو {مَا قُلْتُ لَهُمْ} أو تحريك السواكن كتحريك الميم بالفتح من نحو {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ?لْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ?لضَّآلِّينَ}. {وَلاَ حَرَّمْنَا} أو إبدال حرف بحرف كإبدال الطاء دالاً أو تاء وذلك بترك إطباقها واستعلائها نحو {يَطْبَعُ} إلى غير ذلك مما يغير المعنى.

والثاني: كرفع الهاء من قوله تعالى: {?لْحَمْدُ للَّهِ} أو تحريك الدال بالضم من قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}. وسمي هذا اللحن جليًّا لأنه خلل ظاهر يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم وحكمه التحريم بالإجماع.

والخفي: هو خلل يطرأ على الألفاظ فيخل بالعرف دون المعنى.

وسمي خفيًّا لاختصاص معرفته بعلماء القراءة دون غيرهم وهو نوعان:

الأول: مثاله ترك الإدغام في موضعه وكذلك الإظهار والإقلاب والإخفاء وترقيق المفخم وعكسه وتخفيف المشدد كذلك وقصر الممدود ومد المقصور والوقف بالحركة كاملة في غير الوقف بالروم إلى غير ذلك مما هو مخالف لقواعد هذا الفن.

الثاني: وهو لا يعرفه إلا مهرة القراء وحذاقهم ومثاله تكرير الراءات وتطنين النونات وتغليظ اللامات في غير محله وترقيقها كذلك ترعيد الصوت بالمد وبالغنة وكذلك ترك الغنة أو الزيادة على مقدارها أو النقص عنه وكذلك الزيادة في مقدار المد أو النقص عنه إلى غير ذلك مما يخل باللفظ ويذهب برونقه وحسن طلاوته.

والحكم في هذا اللحن بنوعيه التحريم أيضاً خلافاً لما ذكره مُلاًّ علي القاري في شرحه على المقدمة الجزرية حيث قال في النوع الأول: "ولا شك أن هذا ا لنوع مما ليس بفرض عين يترتب عليه العقاب الشديد وإما فيه خوف العقاب والتهديد" أهـ.

وقال في النوع الثاني: "ولا يتصور أن يكون فرض عين يترتب العقاب على فاعله لما فيه من حرج عظيم".

قال في نهاية القول المفيد: وقال البركوي في شرحه على الدر اليتيم: "تحرم هذه التغييرات جميعها لأنها وإن كانت لا تخل بالمعنى لكنها تخل باللفظ لفساد رونقه وذهاب حسنه وطلاوته" أ هـ بحروفه. قلت: والصواب ما قاله البركوي عليه رحمه الله؛ لأن القارىء إذا قرأ بترك الإظهار والإدغام والقلب والإخفاء وبترك المد في موضعه والقصر كذلك... إلخ فماذا بقي من أحكام التجويد؟ وكيف توصف التلاوة بعد ذلك بالصحة؟ إن ترك هذه الأحكام لا يتفق وقواعد التجويد المجمع عليها بين عامة المسملين. وقد تقدم إجماع الأمة على ذلك. والأمة كما هم متعبَّدون بإقامة حدود القرآن متعبَّدون كذلك بإقامة حروفه وتصحيح ألفاظه، وإقامة الحروف وتصحيحها لا يقومان إلا بتطبيق أحكام التجويد كاملة من إظهار المظهَر وإدغام المدغَم...إلخ.

انظر إلى قول الحافظ ابن الجزري في النشر: "ولا شك أن هذه الأمة كما هم متعبَّدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده متعبَّدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها" أهـ منه بلفظه قلت:ويؤخذ من عبارة الحافظ ابن الجزري هذه أنه لا بد من الأخذ بجميع أحكام التجويد كاملة حال أداء القرآن ولا يجوز العدول عنها إلى غيرها لأنه وصف إقامة الحروف وتصحيحها بالصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية ولم نسمع بل ولم يوجد نص يدل دلالة واضحة أو غير واضحة على أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بترك الإظهار أو الإدغام... إلخ ما تقدم بل دلت النصوص والأدلة على أنها كانت قراءة محكمة مجوَّدة كما علمها إياه جبريل عليه السلام على هذه الكيفية المعروفة ثم تلقاها عنه صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم ثم من بعدهم التابعون ثم أتباعهم ثم أئمة القراءة ثم من بعدهم أمم وخلائق لا يُحصَوْن عدداً في جميع الأعصار والأمصار إلى أن وصل إلينا بهذه الصفة بطريق التواتر الذي يستفاد منه القطع واليقين، وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لأحد كائناً من كان أن يحيد عن هذه الصفة قيد أنملة فمن تركها وتحول إلى غيرها أو رغب عنها فهو معتد أثيم مستحق للعقاب لتركه واجباً شرعيًّا، ويحضرني الآن فتوى لشيخ الإسلام في وقته العلامة المحقق شيخ شيوخنا الشيخ ناصر الدين الطبلاوي حيث و ُجِّه إليه سؤال في هذا الشأن وأجاب عليه رحمه الله وإليك نص السؤال والإجابة عليه كما أوردهما صاحب نهاية القول المفيد: "هل يجب إدغام النون الساكنة التنوين في حروف الإدغام وإظهارهما عند حروف الإظهار وإخفاؤهما عند حروف الإخفاء وقلبهما عند حرف الإقلاب أم لا؟ وإذا كان واجباً فهل يجب على مؤدب الأطفال تعليمهم ذلك؟ وهل المد اللازم والمتصل كذلك؟ وإذا قلتم بالوجوب في جميع ذلك فهل هو شرعي يثاب فاعله ويأثم تاركه ويكون تركه لحناً؟ أو صناعي فلا ثواب لفاعله ولا إثم على تاركه ولا يكون تركه لحناً؟ وماذا يترتب على تارك ذلك؟ وإذا أنكر شخص وجوبه فهل هو مصيب أو مخطىء؟ وماذا يترتب عليه في إنكار ذلك؟ أفتونا أثابكم الله.

فأجاب بقوله: الحمد لله الهادي للصواب نقول بالوجوب في جميع ذلك من أحكام النون الساكنة والتنوين والمد اللازم والمتصل، ولم يرد عن أحد من الأئمة أنه خالف فيه، وإنما تفاوت مراتبهم في المد المتصل مع اتفاقهم على أنه لا يجوز قصره كقصر المنفصل في وجه من الوجوه، وقد أجمع الفقهاء والأصوليون على أنه لا يجوز القراءة بالشاذ مع وروده في الجملة، فما بالك بقراءة ما لم يرد أصلاً وقد نص الفقهاء على أنه أذا ترك شدة من الفاتحة كشدة الرحمن منها بأن جزم اللازم وأتى بها ظاهرة فلا تصح صلاته، ويلزم من عدم الصحة التحريم لأن كل ما أبطل الصلاة حرم تعاطيه ولاعكس، وقد قال ابن الجزري في التمهيد: ما قرىء به وكان متواتراً فجائز وإن اختلف لفظه، وما كان شاذًّا فحرام تعاطيه، وما خالف ذلك فكذلك ويكفر متعمده. فإذا تقرر ذلك فترك ما ذكر ممتنع بالشرع وليس للقياس فيه مدخل بل محض اتباع، وقد قال العلامة ابن الجزري:

*والأخذُ بالتجويدِ حتمٌ "لازمٌ" * من لم يجوِّد القرآنَ آثمُ*

فيجب على كل عاقل له ديانة أن يتلقاها بالقبول عن الأئمة المعتبرين، ويرجع إليهم في كيفية أدائه لأن كل فن يؤخذ عن أهله فاعتن به ولا تأخذ بالظن ولا تنقله عن غير إهله، ويجب على المعلم للقرآن من فقيه الأولاد وغيره أن يعلم تلك الأحكام وغيرها مما أجمع القراء على تلقيه بالقبول لأن كل ما أجمع عليه القراء حرمت مخالفته. ومن أنكر ذلك أي مما تقدم كله فهو مخطىء آثم يجب عليه الرجوع عن هذا الاعتقاد، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، انتهى بحروفه.

"قلت": ومما يجدر ذكره في هذا المقام أيضاً ما كان من أمر سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حينما كان يقرىء رجلاً قوله الله تعالى: {إِنَّمَا ?لصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَ?لْمَسَاكِينِ} الآية فلم يمد الرجل لفظ الفقراء فأوقفه ابن مسعود عن القراءة وقال له ما معناه: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له الرجل: كيف أقرأكها يا أبا عبدالرحمن فقال: أقرأنيها {إِنَّمَا ?لصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَ?لْمَسَاكِينِ} فمدها. فإذا تأملنا هذا الحديث وألقينا عليه نظرة فاحصة عابرة نجد أن ابن مسعود وهو الصحابي الجليل لم يسمح للرجل في عدم مد لفظ الفقراء وهذا شيء لا يغير المعنى وأوقفه عن القرءاة ثم عاد وقرأ لفظ الفقراء ممدوداً. وما ذاك إلا لأن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ هذا اللفظ ممدوداً على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما علم من الحديث. فما بالك بالقراءة التي فيها ترك الإظهار والإدغام والإخفاء... إلى آخر ما تقدم فهذا شيء لا يصح فعله بحال.

هذا. وما ذكرنا من أدلة على تحريم اللحن الخفي بنوعيه هو الصواب وإن لم يكن من أدلته إلا ما جاء عن سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لكفى. ولا التفات إلى ماذكره العلامة مُلاَّ علي القاري في شرحه على المقدمة الجزرية ومن حذا حذوه وبالله التوفيق، اللهم سامحنا وتجاوز عن تقصيرنا وألهمنا رشدنا وارزقنا تلاوة كتابك على النحو الصحيح الذي يرضيك وترضى به عنا ياذا الجلال والإكرام. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد النبي العربي الأمي وعلى آله وصحبه والتابعين وعلى سائر النبيين والمرسلين وآلهم والحمد لله رب العالمين.

(/)

________________________________________

 ( الباب الأول / في مخارج الحروف )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

مما لا يخفى أن هذا الباب وكذلك باب الصفات الذي سنذكره بعد من أهم مباحث هذا الفن بل إن كل مسائله أو جلها منحصرة فيهما وإذا كان كذلك فيجب إتقان كل منهما قبل البدء في مباحثه، ولذا افتتحنا بهما كتابنا هذا بعد المقدمة، وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*إذْ واجبٌ عليهمُ محتَّمُ * قبل الشروع أولاً أن يعلمُوا*

*مخارج الحروفِ والصفاتٍ * ليلفظُوا بأفصحِ اللُّغاتِ*

هذا: والمخارج جمع مخرج ومعناه في اللغة: اسم لموضع خروج الحرف أو هو عبارة عن الحيّز المولِّد للحرف.

وفي الاصطلاح: محل خروج الحرف - أي ظهوره - الذي ينقطع عنده صوت النطق به فيتميز به عن غيره كما سيأتي.

والحروف: جمع حرف وهو في اللغة طرف الشيء.

وفي الاصطلاح: صوت معتمداً على مقطع "أي مخرج" محقق أو مقدر فالمخرج المحقق أن يكون معتمداً على جزء معين من أجزاء الحلق أو اللسان أو الشفتين. والمقدر هو الهواء الذي في داخل الحلق والقم وهو مخرج حروف المد الثلاثة. وذلك لأنها لا تعتمد على شيء من أجزاء الفم بحيث ينقطع عند ذلك الجزء ولهذا قبلت الزيادة على مقدار الطبيعي كما ستقف على ذلك قريباً إن شاء الله تعالى. والمراد بالحروف هنا الحروف الهجائية أو حروف التهجي التي هي: أ با تا ثا إلى الياء لا حروف المعاني المذكورة في علم العربية كباء الجر وسين التنفيس وهمزة الاستفهام. إلخ.

هذا: ويعرف مخرج الحرف بأن يسكن أو يشدد ويدخل عليه همزة الوصل محركة بأي حركة كانت فحيث ينتهي صوته فثم مخرجه المحقق وحيث يمكن انقطاع الصوت فثم مخرجه المقدر. وهذا خاص بمخرج حروف المد الثلاثة.

ثم اعلم أن مخارج الحروف نوعان:

الأول: المخارج العامة.

الثاني: المخارج الخاصة.

أما المخارج العامة فهي ما اشتمل الواحد منها على مخرج واحد فأكثر.

وأما المخارج الخاصة فهي ما اشتمل الواحد منها على مخرج واحد فقط، وقد يخرج منه حرف واحد أو حرفان أو ثلاثة ولا أكثر من ذلك.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول / في بيان اختلاف علماء القراءة واللغة في عدد مخارج الحروف )

اختلف علماء القراءة واللغة في عدد المخارج على ثلاثة مذاهب:

الأول: مذهب سيبويه ومن تبعه كالإماميين الجليلين الشاطبي وابن بريّ رضي الله عنهما. ومخارج الحروف عند هؤلاء ستة عشر مخرجاً فقد أسقطوا مخرج الجوف الذي هون مخرج حروف المد الثلاثة ووزعوا حروفه على مخارج الحلق واللسان والشفتين فجعلوا مخرج "الألف" من أقصى الحلق مع الهمزة و"الياء"من وسط اللسان مع الياء المتحركة أو الساكنة بعد فتح و"الواو" من الشفتين مع الواو المتحركة أو الساكنة بعد فتح كذلك.

الثاني: مذهب الفراء والجرمي وقطرب وابن كيسان ومن تبعهم وعدد المخارج عندهم أربعة عشرة مخرجاً فقد أسقطوا مخرج الجوف ووزعوا حروفه كما تقدم في مذهب سيبويه وموافقيه ثم جعلوا مخرج اللام والنون والراء مخرجاً واحداً وهو طرف اللسان مع ما يحاذيه ويعم المخارج على هذين المذهبين أربعة مخارج عامة وهي الحلق واللسان والشفتان والخيشوم. ففي الحلق ثلاثة مخارج وفي اللسان عشرة على المذهب الأول وثمانية على المذهب الثاني وفي الشفتين مخرجان. وفي الخيشوم واحد.

الثالث: مذهب الخليل بن أحمد شيخ سيبويه ومن تبعه من المحققين كالحافظ ابن الجزري وغيره. وعدد المخارج عند أصحاب هذا لمذهب سبعة عشر مخرجاً فقد أثبتوا مخرج الجوف في مكانه وجعلوا حروف المد فيه ثابتة لم توزع كما وزعت فيما سبق وكذلك أثبتوا لكل من اللام والنون والراء مخرجاً سيأتي بيان كل منها في محله من الباب. والمختار من هذه المذاهب الثلاثة هو مذهب الخليل بن أحمد وهو الذي عليه الجمهور واختاره الحافظ ابن الجزري وإليه أشار في المقدمة الجزرية والطيبة بقوله رحمه الله:

*مخارج الحروف سبعة عشر * على الذي يختاره من اختبر ا هـ*

هذا: وتنحصر المخارج على هذا المذهب في خمسة مخارج عامة وهي:

الجوف والحلق واللسان والشفتان والخيشوم فيخرج من الجوف مخرج واحد ومن الحلق ثلاثة، ومن اللسان عشرة، ومن الشفتين اثنان، ومن الخيشوم واحد.

ثم إن حصر المخارج فيما تقدم ذكره إنما هو على وجه التقريب وإلا فالتحقيق أن لكل حرف مخرجاً خاصًّا به يخالف مخرج الآخر وإلا لكان إياه.

وفي هذا المعنى يقول العلامة ابن عبدالرزاق في تذكرة القراء رحمه الله:

*والحصرُ تقريبٌ وبالحقيقهْ * لكل حرفٍ بقعة دقيقهْ*

*إذ قال جمهور الورى ما نصُّهْ * لكلِّ حرفٍ مخرجٌ يخصُّهْ*

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني / في بيان تفصيل المخارج )

وتفصيلنا لهذه المخارج سيكون إن شاء الله تعالى حسبما جاء في المذهب الثالث الذي هو سبعة عشرة مخرجاً وفقاً لما عليه الجمهور ولما ذكره الحافظ ابن الجزري في الطيبة والمقدمة الجزرية كما أنه سيكون حسب ترتيب المخارج الخمسة العامة والمتضمنة للسبعة عشرة مخرجاً الخاصة فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون والقول:

المخرج الأول: الجوف - أي جوف الحلق والفم - وهو في اللغة الخلاء. وفي الاصطلاح الخلاء الداخل في الفم. ويخرج منه مخرج واحد هو مخرج حروف المد الثلاثة، وهي الألف ولا يكون ما قبلها مفتوحاً دائماً كقال. والواو الساكنة المضموم ما قبلها كقولوا. والياء الساكنة المكسور ما قبلها كقيل، وهذه الحروف ليس لها حيز محقق تنتهي إليه كما لسائر الحروف غيرها بل تنتهي بانتهاء الصوت ولذا قبلت الزيادة على المد الطبيعي كما سيأتي في مراتب المد.

وقد أشار إلى هذا المخرج الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*فألِفُ الجوْف وأُختاها وهي * حروفُ مدٍّ للهواءِ تَنْتَهي*

المخرج الثاني: الحلق: ويخرج منه ثلاثة مخارج لستة أحرف وهي:

الأول: أقصاه - أعني أبعَدهُ مما يلي الصدر ويخرج منه حرفان: الهمزة فالهاء.

الثاني: وسطه ويخرج منه حرفان العين فالحاء المهملتان.

الثالث: أدناه أعني أقربه مما يلي الفم ويخرج منه حرفان الغين فالخاء المعجمتان، وقد أشار إلى مخارج الحلق الثلاثة الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*ثم لأقصى الحلقِ همزٌ هاءُ * ثمَّ لوسطهِ فعيْنٌ حَاءُ*

*أدْنَاهُ غَيْنٌ خاؤُها...... * ... ... ... ...*

المخرج الثالث: اللسان ويخرج منه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفاً وتنحصر في أربعة مواضع منه وهي: أقصاه ووسطه وحافته وطرفه. ففي أقصاه مخرجان لحرفين. وفي وسطه مخرج واحد لثلاثة أحرف. وفي حافته مخرجان لحرفين. وفي طرفه خمسة مخارج لأحد عشر حرفاً وها هي على النحو التالي:

الأول: أقصى اللسان أعني أبعده مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك الأعلى ويخرج منه حرف واحد وهو القاف.

الثاني: أقصى اللسان من أسفل مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى تحت مخرج القاف قليلاً ويخرج منه حرف واحد وهو الكاف وهو أقرب إلى مقدم الفم من القاف وأبعد من الحلق.

الثالث: وسط اللسان وما يليه من الحنك الأعلى ويخرج منه مخرج واحد لثلاثة أحرف وهي الجيم فالشين فالياء. ونعني بالياء هنا غير المدية وهي المتحركة مطلقاً أو الساكنة بعد فتح كخير وشيء ويَوَدُّ.

أما الياء المدية وهي الساكنة إثر كسر كقيل فتقدم أنها تخرج من جوف الحلق على مذهب الجمهور وعلى غيره من وسط اللسان مع المتحركة والساكنة إثر فتح.

الرابع: إحدى حافتي اللسان وما يليها من الأضراس العليا التي في الجانب الأيسر أو الأيمن. ويخرج منها حرف واحد وهو الضاد المعجمة وخروجها من الحافة اليسرى أكثر وأيسر. من اليمنى أصعب وأقل. ومن الحافتين معاً أقل وأعسر وهذا ما أشار إليه الإمام الشاطبي بقوله:

*... ... وهو لَدَيْهما * يعزُّ وباليمنى يكون مُقلَّلا اهـ*

قال في نهاية القول المفيد: و كان صلى الله عليه وسلم يخرجها من الجانبين وقيل: كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخرجها من الجانبين أيضاً وبالجملة فهي أصعب الحروف مخرجاً وأشدها على اللسان ولا يمكن ضبط مخرجها إلا بالمشافهة. قال الحافظ ابن الجزري في التمهيد: واعلم أن هذا الحرف ليس من الحروف حرف يعسر على اللسان غيره والناس يتفاضلون في النطق به أهـ.

الخامس: أدنى حافتي اللسان أي أقربها إلى مقدم الفم بعد مخرج الضاد مع ما يليها من اللثة "أي لحمة الأسنان العليا" ويخرج منه حرف واحد وهو اللام وليس في الحروف أوسع مخرجاً منه. وخروج اللام من الحافة اليسرى أقل وأعسر ومن اليمنى أكثر وأسهل على العكس من الضاد، وخروجها من الحافتين معا عزيز وصعب كما في الضاد. قال العلامة المارغني في النجوم الطوالع: "ويتأتى إخراج اللام من كلتا الحافتين إلا أن إخراجها من الحافة اليمنى أمكن بخلاف الضاد فإنها من اليسرى أمكن" أهـ.

السادس: طرف اللسان تحت مخرج اللام قليلاً وما يحاذيه من لثة الثنيتين العُلْيَيَيْن ويخرج منه حرف واحد وهو النون الساكنة المظهرة ولو تنويناً والمدغمة في مثلها وكذلك المتحركة مشددة كانت أو مخففة.

وخرج بهذا القيد: النون المخفاة والمدغمة مطلقاً في غير مثلها. فأما النون المخفاة فتتحول من طرف اللسان إلى قرب مخرج ما تخفى عنده من الحروف: وأما المدغمة مطلقاً أي بالغنة أو بغيرها في غير مثلها فتتحول أيضاً من طرف اللسان إلى مخرج ما تدغم فيه نفسه من الحروف وهذا هو الصواب خلافاً لمن قال بأن مخرج النون في هاتين الحالتين يتحول من طرف اللسان إلى الخيشوم ولمن قال بخروج المشددة من الخيشوم كذلك وسيأتي في باب الغنة ما يوضح ذلك إن شاء الله تعالى.

السابع: طرف اللسان مع ظهره بالقرب من مخرج النون وما يحاذيه من لثة الثَّنيتَين العُلْيَيَيْن أيضاً ويخرج منه حرف واحد وهو الراء ومن هنا يتضح أن النون والراء اشتركتا في المخرج من طرف اللسان وما يحاذيه من لثة الثَّنيتَين العُلْيَيَيْن إلا أن الراء أدخل إلى ظهر اللسان من مخرج النون. وهذا هو الفرق بينهما فاعرفه.

هذا: وما ذكرناه من أن لكل من اللام والنون والراء مخرجاً مستقلاً هو ما قال به الجمهور خلافاً للفراء وموافقيه حيث قالوا: إن مخرج الحروف الثلاثة واحد وهو طرف اللسان وما يحاذيه كما تقدم والتحقيق ما قال به الجمهور لأن طرف اللسان غير ظهره وحافته غيرهما. وقد أشار الإمام ابن برِّي إلى مذهب الفراء والجمهور معاً بقوله رضي الله عنه:

*واللامُ من طرفه والرَّاء * والنون هكذا حكى الفرَّاءُ*

*والحقُّ أنَّ قد تناهى * له من الحافة من أدناها*

*والراءُ أدخَلُ إلى ظهر اللسانْ * من مخرج النُّون فدونك البيان اهـ*

الثامن: طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا ويخرج منه ثلاثة أحرف: الطاء فالدال المهملتان فالتاء المثناة فوق.

التاسع: طرف اللسان ومن فوق الثنايا السفلى مع إبقاء فرجة قليلة بين طرف اللسان والثنايا عند النطق ويخرج منه ثلاثة أحرف: الصاد فالزاي فالسين.

العاشر: طرف اللسان وأطراف الثانيا العليا أي رؤسها ويخرج منه ثلاثة أحرف: الظاء فالذال المعجمتان فالثاء المثلثة وهذه الأحرف الثلاثة هي التي جرت عادة المعلمين لكتاب الله تعالى على النصح بإخراج اللسان عند النطق بها.

وإلى هنا انتهى كلامنا على مخارج اللسان العشرة وتسمى كلها لسانية لخروجها من اللسان في الجملة وإن كان يشاركه فيها غيره كما مر توضيحه فتأمل. وقد أشار إلى مخارج اللسان العشرة الحافظ ابن الجزري في الطيبة والمقدمة الجزرية بقوله:

*... ... ... والقافُ * أقصى اللسانِ فوقُ ثمَّ الكافُ*

*أسفلُ والوسْطُ فجيمُ الشين يا * والضَّاد من حافتهِ إذْ ولِيَا*

*لاضراس من أيسرَ أو يُمناها * واللامُ أدناها لمُنتهاها*

*والنُّون من طرفهِ تحتُ اجْعَلُوا * والرَّا يُدانيهِ لظَهْرِ أدْخَلُوا*

*والطاءُ والدالُ وتَا مِنْهُ ومنْ * عُليا الثَّنايا والصفيرُ مُستكِنْ*

*منهُ ومنْ فوق الثنايا السُّفلى * والظاءُ والذالُ وثا للعُليَا*

منْ طَرَفيْهِما......

المخرج الرابع: الشفتان: ويخرج منهما مخرجان لأربعة أحرف فيخرج من الأول حرف واحد ومن الثاني ثلاثة وهما على النحو التالي:

الأول: باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا ويخرج منه الفاء.

الثاني: ما بين الشفتين معاً ويخرج منه ثلاثة أحرف وهو الواو والباء الموحدة والميم لكن بانطباقهما في الميم والباء وانفتاحهما في الواو أو انضمامهما وانطباق الشفتين في الباء أقوى من انطباقهما في الميم ونعنى بالواو هنا الواو غير المدية وهي المتحركة مطلقاً أو الساكنة بعد فتح كخوف.

أما الواو المدية وهي الساكنة بعد ضم كقولوا فتقدم أنها تخرج من جوف الحلق على مذهب الجمهور وعلى غيره من بين الشفتين مع المتحركة والساكنة إثر فتح.

المخرج الخامس والأخير: الخيشوم وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم. وقيل هو أقصى الأنف ويخرج منه مخرج واحد: هو مخرج الغنة أي صوتها لا حروفها كما سيأتي في مبحثها.

وقال بعضهم: وتكون (أي الغنة) في النون والميم السكانتين حالة الإخفاء أو الإدغام بالغنة فإن مخرج هذين الحرفين في هذه الحالة يتحول من مخرجه الأصلي الذي هو طرف اللسان بالنسبة لنون وبين الشفتين بالنسبة للميم إلى الخيشوم على القول الصحيح هذا بعض ما قاله أئمتنا في هذا المقام. ويؤخذ منه أن مخرج النون والميم حال تحريكهما بالتخفيف أو بالتشديد أو حال سكونهما مع الإظهار يكون من طرف اللسان بالنسبة للنون ومن بين الشفتين بالنسبة للميم وهو كذلك. وللكلام صِلة تأتي في البحث الخاص بالغنة بعون الله تعالى. وقد أشار إلى مخرجي الشفتين ومخرج الخيشوم الحافظ ابن الجزري في الطيبة والمقدمة والجزرية بقوله:

*... ... ومنْ بطنِ الشِّفَهْ * فالفا معَ اطرافِ الثَّنايَا المُشْرِفهْ*

*للشفتين الواوُ باءُ ميمُ * وغُنَّةٌ مخرَجُها الخيشومُ*

وإلى هنا انتهى كلامنا على مخارج الحروف على مذهب الجمهور مع التنبيه على مذهب الغير والله أعلم.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في ألقاب الحروف )

وهي عشرة ألقاب لقبها بها الخليل بن أحمد في أول كتاب العين وهي مشتقة من أسماء المواضع التي تخرج منها، وإليك بيانها:

الأول: الحروف الجوفية وهي حروف المد الثلاثة - الألف - ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً - والواو - الساكنة المضموم ما قبلها - والياء - الساكنة المكسور ما قبلها ويجمع الكل لفظ (نوحيها) ولقبت بذلك لخروجها من جوف الحلق كما مر وتلقب أيضاً بالمدية لامتداد الصوت بها كما سيأتي الكلام عليها في موضعه، وتلقب أيضاً بحروف العلة لما يعتريها من القلب والإبدال والإعلال كما تقرر في فن الصرف.

قال في نهاية القول المفيد: "وهو بالصوت أشبه فلولا تَصَعُّدُ الألف وتسفّل الياء واعتراض الواو بين التصعُّد والتسفُّل لما تميزت عن الصوت المجرد" أهـ بحروفه وقال بمعناه ملا علي القاري.

الثاني: الحروف الحلقية وهي الهمزة والهاء والعين والحاء المهملتان والغين والخاء المعجمتان ولقبت بذلك لخروجها من الحلق كما تقدم فإن روعي ما جاء في مذهبي سيبويه والفراء فتصير الحروف الحلقية سبعة أحرف بإضافة ألف المد إليها حيث قالا بخروجها من أقصى الحلق مع الهمزة.

وفي ذلك يقول الإمام ابن بري في الدرر وهو ممن أخذ بمذهب سيبويه:

*فالهاءُ والهمزةُ ثمَّ الألفُ * من آخر الحلقِ جميعاً تُعرفُ*

*والعين من وسطهِ والحاءُ * والغين من آخره والخاءُ أهـ*

الثالث: الحروف اللهوية وهما حرفان: القاف والكاف ويقال لهما: اللهويان نسبة إلى "اللهاة" بفتح اللام وهي اللحمة المشرفة على الحلق.

الرابع: الحروف الشجرية بسكون الجيم وقد اختلف العلماء في حروف هذا اللقب فذهب البعض إلى أن حروفه ثلاثة، وذهب البعض الآخر إلى أنها أربعة. واختلف القائلون بالأحرف الثلاثة فذهب بعضهم إلى أنها الجيم والشين والياء. وذهب غيرهم إلى أنها الجيم والشين والضاد بإسقاط الياء.

أما القائلون بالأحرف الأربعة فهي عندهم: الجيم والشين والياء والضاد، واختلف قول الحافظ ابن الجزري فقال في النشر: إن الحروف الشجرية الجيم والشين المعجمة والياء غير المدية أهـ. وقال في التمهيد: الشجرية وهي ثلاثة أحرف: الجيم والشين والضاد أهـ. فأسقط الياء وفي المسألة كلام كثير غير ما ذكرنا وقد أتينا بما يلائم المبتدئين وفيه الكفاية إن شاء الله. هذا والمراد بالياء في كل ما ذكر الياء غير المدية.

أما هي فقد تقدم أنها تخرج من الجوف. وسواء قلنا بأن الأحرف الشجرية ثلاثة أو أربعة فإن اعتبرنا مذهبي سيبويه والفراء فتصير الأحرف الشجرية أربعة بالنسبة لمن قال إنها ثلاثة وتصير خمسة بالنسبة لمن قال إنها أربعة وذلك بإضافة الياء المدية إليها حيث قالا بخروجها من وسط اللسان مع الياء المتحركة مطلقاً والساكنة إثر فتح كما مر في المخارج. ولقبت هذه الأحرف بالشجرية لخروجها من شجر الفم وهو ما بين وسط اللسان وما يقابله من الحنك الأعلى في قول. وقيل غير ذلك، وبالله التوفيق.

الخامس: الحروف الذلقية بفتح اللام وسكونها وهي اللام والنون والراء ولقبت بذلك لخروجها من ذلق اللسان وهو طرفه وقال في الرعاية: سماهن الخليل بذلك لأنه نسبهنَّ إلى الموضع الذي يخرجن منه. ومخرجهن من طرف اللسان وطرف كل شيء ذلقه أهـ.

السادس: الحروف النطعية بكسر النون وفتح الطاء وهي الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة فوق قال العلامة المارغني في النجوم الطوالع: وتسمى هذه الأحرف الثلاثة نطيعة لمجاورة مخرجها نطع غار الحنك الأعلى وهو سقفه لا لخروجها منه كما قيل، والنطع بكسر النون وإسكان الطاء وفتحها ما ظهر من الحنك الأعلى فيه آثار كالتحزيز كما في القاموس أهـ.

السابع: الحروف الأسلية وهي الصاد والسين المهملتان والزاي ولقبت بذلك لخروجها من أسلة اللسان أي طرفه لا مستقره كما قيل وتسمى حروف الصفير أيضاً كما سيأتي بيانه في مبحث الصفات.

الثامن: الحروف اللثوية وهي الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة ولقبت بذلك لخروجها من قرب اللثة لا منها:

التاسع: الحروف الشفوية أو الشفهية وهي الفاء والواو غير المدية والباء الموحدة والميم ولقبت بذلك لخروجها من الموضع الذي تخرج منه وهو باطن الشفة السفلى بالنسبة للفاء وللشفتين معاً بالنسبة لغيرها في الجملة.

فإن روعي ما قاله سيبويه والفراء فتصير الحروف الشفوية خمسة أحرف بإضافة الواو المدية إليها حيث قالا بخروجها من الشفتين مع المتحركة فتنبه.

العاشر: الحروف الهوائية وهي حروف المد الثلاثة التي تقدم ذكرها في الحروف الجوفية ولقبت بذلك لانتشار هوائها في الفم حال النطق بها حتى يمر على جيمع المخارج فهي باعتبار المد هوائية وباعتبار مخرجها من الجوف جوفية وهذا هو السبب في تلقيبها بهذين اللقبين فتأمل والله الموفق.

وقد نظم هذه الألقاب العشرة غير واحد من الفضلاء وإليك أسهلها وأخصرها لصاحب لآلىء البيان فقال:

*وأحرفُ المدَّ إلى الجوفِ انتمت * وهكذا إلى الهواء نُسبتْ*

*وأحرف الحلقِ أتتْ حلقيَّهْ * والقاف والكاف معاً لهويَّهْ*

*والجيم والشين وياء لقِّبتْ * مع ضادها شجرية كما ثبتْ*

*واللام والنون ورا ذلقيَّهْ * والطاءُ والدالُ وتا نطعيَّهْ*

*وأحرفُ الصَّفير قلْ أسْليَّهْ * والظاءُ والذالُ وثا لثويَّة*

*والفا وميمُ با واوٌ سُمِّيتْ * شفوية فتلك عشرة أتتْ أهـ*

والله تعالى أعلى وأعلم.

(/)

________________________________________

 ( الباب الثاني / في صفات الحروف )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

الصفات جمع صفة وهي في اللغة ما قام بالشيء من المعاني حسيًّا كان كالبياض والصفرة والحمرة واللمس أو معنويًّا كالعلم والأدب. وفي الاصطلاح كيفية تعرض للحرف عند النطق به كجريان النفس في الحروف المهموسة وعدم جريانه في الحروف المجهورة وما إلى ذلك مما سيأتي مفصلاً.

ولمعرفة هذا الباب فوائد مهمة وجليلة منها:

1- تمييز الحروف المشتركة في المخرج إذ لولاها لكانت تلك الحروف حرفاً واحداً فمن ذلك: الطاء المهلمة فلولا انفرادها بالاستعلاء والإطباق والجهر لكانت تاءاً لاتفاقهما في المخرج. والذال المعجمة لولا الاستفال والانفتاح اللذان فيها لكانت ظاءاً معجمة لاتفاقهما في المخرج أيضاً. والحاء المهملة والهاء والثاء المثلثة لولا اختلافهن في المخرج لكن حرفاً واحداً لاتفاقهن في الصفات.

2- تحسين لفظ الحروف المختلفة في المخرج.

3- معرفة قوي الحروف وضعيفها ليعلم ما يجوز فيه الإدغام وما لا يجوز إلى غير ذلك من الفوائد.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول / في أقوال العلماء في عدد صفات الحروف )

اختلف العلماء في عدد صفات الحروف فأنْهاهَا بعضهم إلى أربع وأربعين صفة وبعضهم إلى أربع وثلاثين صفة. وبعضهم إلى أربع عشرة صفة وبعضهم زاد على ما ذكر وبعضهم نقص.

والقول المشهور عند الجمهور هو سبع عشرة صفة وهو الذي اختاره الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية والطيبة وتابعه على ذلك شارحو المقدمة والطيبة وغيرهما وذِكْرُنا للصفات في كتابنا هذا سيكون إن شاء الله تعالى على القول الأخير الذي هو سبع عشرة صفة وفقاً لما عليه الجمهور ولما ذكره الحافظ أبن الجزري في مقدمته وطيبته فنقول وبالله التوفيق:

تنقسم الصفات إلى قسمين:

الأول: الصفات الأصلية - اللازمة.

الثاني: الصفات العرضية.

أما الصفات العرضية فهي الملازمة للحرف لا تفارقه بحال من الأحوال كالجهر والاستعلاء والإطباق والقلقلة.

وأما الصفات العرضيَّة فهي التي تعرض للحرف في بعض الأحوال وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب كالتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام والمد والقصر وسنتكلم على هذا القسم بعد الانتهاء من الكلام على الصفات اللازمة إن شاء الله تعالى.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني / في الكلام على الصفات الأصلية اللازمة )

تنقسم الصفات الأصلية إلى قسمين أيضاً: قسم له ضد وهو خمس وضده كذلك وتسمى هذه الصفات ذوات الأضداد. وقسم لا ضد له وهو سبع. وفيما يلي الكلام على كل قسم بانفراد:

الكلام على الصفات ذوات الأضداد

والصفات ذوات الأضداد عشر وهي كالآتي:

الجهر وضده الهمس. والرخو وضده الشدة والتوسط معاً. والاستفال وضده الاستعلاء. والانفتاح وضده الإطباق. والإصمات وضده الإذلاق.

وأما الصفات التي لا ضد لها فسبع كما مر وهي: الصفير، والقلقلة، واللين، والانحراف، والتكرار، والتفشي، والاستطالة. وسنتكلم أولاً علىكل صفة وضدها على حدة إلى أن تنتهي ذوات الأضداد ثم نعقب بالكلام على الصفات السبع التي لا ضد لها فنقول وبالله التوفيق.

الصفة الأولى: الهمس وهو في اللغة الخفاء.

وفي الاصطلاح ضعف التصويت بالحرف لضعف الاعتماد عليه في المخرج حتى جرى النفس معه فكان فيه همس أي خفاء ولذا سمي مهموساً وحروفها عشرة جمعها الحافظ ابن الجزري في المقدمة والطيبة في قوله: "فحثه شخص سكت" وهي الفاء والحاء والثاء المثلثة والهاء والشين والخاء والصاد والسين والكاف والثاء المثناة فوق.

الصفة الثانية: الجهر وهو ضد الهمس ومعناه في اللغة الإعلان والإظهار. وفي الإصطلاح قوة التصويت بالحرف لقوة الاعتماد عليه في المخرج حتى منع جريان النفس معه فكان فيه جهر أي إعلان وإظهار ولذا سمي مجهوراً وحروفه تسعة عشر حرفاً وهي الأحرف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الهمس العشرة السابقة ويؤخذ من التعريف الاصطلاحي لصفتي الجهر والهمس أن الفرق بينهما قائم على عدم جريان النفس في الأول وجريانه في الثاني، كما يؤخذ أيضاً أن الحروف الهجائية موزعة على الصفتين فما كان من حروف (فحثه شخص سكت) فهو من صفة الهمس وما كان من غيرها فهو من صفة الجهر.

الصفة الثالثة: الشدة والتوسط. فالشدة معناها في اللغة القوة وفي الاصطلاح لزوم الحرف لموضعه لقوة الاعتماد عليه في المخرج حتى حبس الصوت عن الجريان معه فكان فيه شدة أي قوة ولذا سمي شديداً وحروفها ثمانية جمعها الحافظ ابن الجزري في المقدمة والطيبة في قوله: "أجد قط بكت" وهي الهمزة والجيم والدال والقاف والطاء والباء الموحدة والكاف والتاء المثناة فوق.

والتوسط: أي بين الشدة والرخو معناه في اللغة الاعتدال وفي الاصطلاح كون الحرف بين الصفتين (أي بين صفة الشدة و صفة الرخو الآتية بعد) بحيث يكون عند النطق به ينحبس بعض الصوت معه ويجري بعضه ولذا سمي متوسطاً. وحروفه خمسة جمعها الحافظ ابن الجزري في المقدمة والطيبة في قوله: "لن عمر" وهي اللام والنون والعين والميم والراء.

الصفة الرابعة: الرخو وهو ضد الشدة والتوسط ومعناه في اللغة اللين وفي الاصطلاح ضعف لزوم الحرف لموضعه لضعف الاعتماد عليه في المخرج حتى جرى معه الصوت فكان فيه رخو أي لين ولذا سمي رخواً. وحروفه ستة عشر حرفاً وهي الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الشدة الثمانية المتقدم ذكرها وحروف التوسط الخمسة السابق ذكرها كذلك.

ويؤخذ مما سبق توضيحه أن الحروف الهجائية موزعة على صفة الشدة والتوسط والرخو فما كان من حروف "أجد قط بكت" فهو من صفة الشدة وما كان من حروف "لن عمر" فهو من صفة التوستط وما ليس منهما فهو من صفة الرخو كما يؤخذ أيضاً من التعريف الاصطلاحي للصفات الثلاث ونعني بها الشدة والتوسط والرخو أن الفرق بينهن قائم على حبس جريان الصوت في الأولى وجريانه في الثالثة وعدم كمال جريانه في الثانية بمعنى أن الصوت لم يجر في حروف التوسط كجريانه مع الرخو ولم ينحبس كانحباسه مع الشدة، وإليك بعضاً من الأمثلة ليظهر لك الفرق بينهن فإذا وقفت على الدال والجيم من نحو {مُّهْتَدٍ} {وَ?لْحَجِّ} ترى أن الصوت انحبس ولم يخرج لأن الدال والجيم من حروف الشدة. وإذا وقفت على السين و الفاء من نحو {?لْمَسِّ} {أُفٍّ} ترى أن الصوت قد جرى جرياناً ظاهراً وذلك لأن السين والفاء من حروف الرخو. وإذا وقفت على اللام والنون من نحو {قُلْ} و{يَكُنْ} ترى أن الصوت لم ينحبس عند النطق بهذين الحرفين كانحباسه مع الشدة ولم يجر معهما كجريانه مع الرخو ومن ثم سميت بحروف التوسط أو الحروف البينية وهذه الأمور كلها مدركة بالحس بأدنى تأمل، والله أعلم.

الصفة الخامسة: الاستعلاء وهو في اللغة الارتفاع وفي الاصطلاح ارتفاع اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بالحرف فيرتفع الصوت معه ولذا سمي مستعلياً وحروفه سبعة جمعها الحافظ ابن الجزري في المقدمة والطيبة في قوله: "خص ضغط قظ" وهي الخاء والصاد والضاد والغين والطاء والقاف والظاء".

الصفة السادسة: الاستفال وهو ضد الاستعلاء ومعناه في اللغة الانخفاض وقيل الانحطاط. وفي الاصطلاح انخفاض اللسان أو انحطاطه عن الحنك الأعلى عند النطق بالحرف فينخفض معه الصوت إلى قاع الفم ولذا سمي مستفلاً وحروفه أثنان وعشرون حرفاً وهي الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الاستعلاء السبعة المتقدمة. ومن هنا يؤخذ أن حروف الهجاء موزعة على الصفتين فما كان من حروف "خص ضغط قظ" مستعل وما كان من غيرها فهو مستفل. كما يؤخذ أيضاً من التعريف الاصطلاحي لهاتين الصفتين أن الفرق بينهما قائم على ارتفاع اللسان بالحرف إلى الحنك الأعلى عند النطق به أو انخفاضه عنه فما كان من الحروف مرتفع مع اللسان فهو مستعل وما كان منها منخفض معه فهو مستفل. ويترتب على صفة الاستفال الترقيق لحروفها كما يترتب على صفة الاستعلاء التفخيم لحروفها وسيأتي مزيد بيان لهذا.

الصفة السابعة: الإطباق ومعناه في اللغة الالتصاق. وفي الاصطلاح انطباق طائفة - أي جملة - من اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بالحرف وانحصار الصوت بينهما ولذا سمي مطبقاً وحروفه أربعة وهي: (الصاد والضاد والطاء والظاء) وأقوى حروف الإطباق الطاء المهملة لجهرها وشدتها وأضعفها الظاء المعجمة لرخاوتها، وأما الصاد والضاد فمتوسطتان. ومعنى انطباق اللسان أي قربه من الحنك الأعلى عند النطق بهذه الأحرف زيادة عن قربه منه عند غيرها من حروف الاستعلاء المتقدمة.

واعلم أن الإطباق أبلغ وأخص من الاستعلاء فكونه أبلغ لأن اللسان عند النطق بحروفه يرتفع بها إلى الحنك الأعلى وينطبق بخلاف الاستعلاء فإن اللسان يرتفع بحروفه فقط ولا ينبطق بها ولذا خصت حروف الإطباق من بين حروف الاستعلاء بتفخيم أقوى كما سيأتي. وكون الإطباق أخص من الاستعلاء لأنه يلزم من الإطباق الاستعلاء ولا يلزم من الاستعلاء الإطباق فكل مطبق مستعل وليس كل مستعل مطبقاً.

الصفة الثامنة: الانتفاح وهو ضد الإطباق ومعناه في اللغة الافتراق. وفي الاصطلاح انفتاح ما بين اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف فلا ينحصر الصوت بينهما ولذا سمي منفتحاً وحروفه خمسة وعشرون حرفاً وهي الحروف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الإطباق الأربعة التي تقدمت.

ويؤخذ من هذا أن حروف الهجاء موزعة على الصفتين فما كان من حروف الإطباق الأربعة فمطبق وما كان من غيرها فمنفتح كما يؤخذ أيضاً من التعريف الاصطلاحي لصفتي الإطباق والانفتاح أن الفرق بينهما قائم على انطباق اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بالحرف وانفتاحه عنه فما انطبق معه اللسان إلى الحنك الأعلى فمطبق وما انفتح اللسان عن الحنك الأعلى فمنفتح.

الصفة التاسعة: الذلاقة ومن معانيها في اللغة الفصاحة والخفة وفي الاصطلاح الاعتماد عند النطق بالحرف على ذلق اللسان والشفة وقيل غير ذلك وحروفها ستة جمعها الحافظ ابن الجزري في المقدمة والطيبة في قوله: "فِرَّ مِنْ لُبِّ" وهي الفاء والراء والميم والنون اللام والباء الموحدة. وسميت بذلك لذلاقتها أي خفتها وسرعة النطق بحروفها لأن بعضها يخرج من ذلق اللسان اي طرفه وهو الراء واللام والنون وبعضها يخرج من ذلق الشفة وهو الفاء والباء والميم وكما تسمى بالذلاقة تسمى بالحروف المذلقة وبحروف الإذلاق وكلها ألفاظ مترادفة.

الصفة العاشرة: الإصمات وهو ضد الذلاقة ومعناه في اللغة المنع وفي الاصطلاح منع حروفه من أن يبنى منها وحدها في كلام العرب كلمة رباعية الأصول أو خماسية لثقلها على اللسان فلا بد من أن تكون في الكلمات الرباعية الأصول أو الخمايسة حرف من الحروف المذلقة لتعدل خفته ثقل حرف الإصمات ولهذا سميت بالحروف المصمتة. وأما كلمة عسجد اسم للذهب وعسطوس بفتح العين والسين اسم شجر فقيل إنهما غير أصليين في كلام العرب بل ملحقان به وقيل شاذان وقيل غير ذلك واعلم أن صفة الإذلاق وضدها صفة الصمت لا دخل لهما في تجويد الحروف.

هذا: وحروف الإصمات ثلاثة وعشرون حرفاً هي الباقية من حروف الهجاء بعد الحروف الستة المتقدمة للذلاقة. ويؤخذ من هذا أن حروف الهجاء موزعة على صفتي الذلاقة والإصمات فماكان من حروف "فر من لب" فمذلق وما كان من غيرها فمصمت.

وهنا قد انتهى كلامنا على الصفات العشر ذوات الأضداد وهي التي أشار إليها الحافظ ابن الجزري في المقدمة والطيبة بقوله:

*صفاتُها جهرٌ ورخوٌ مستفل * منفتح مصمتةٌ والضدَّ قُلْ*

*مهموسُها (فحثَّهُ شخصٌ سكت * شديدها لفظٌ (أحد قط بَكَتْ)*

وبين رخو والشديد (لن عُمَرْ) * وسبعُ عُلْوٍ (خُصَّ ضغطٍ قظْ) حصرْ*

وصادُ ضاد طاءُ ظاءٌ مُطبقهْ * وَ (فِرَّ مِنْ لبِّ) الحروف المذلَقَهْ*

الكلام على الصفات التي لا ضد لها

وهي سبع كما مر آنفاً وفيما يلي تفصيلها واحدة واحدة:

الصفة الأولى: الصفير ومن معانيه في اللغة - حدة الصوت - وفي الاصطلاح حدوث صوت زائد يخرج من بين الشفتين يشبه صوت الطائر عند النطق بحروفه الثلاثة التي هي الصاد والزاي والسين ولذا سميت بحروف الصفير. وأقوى تلك الحروف في الصفير الصاد لاستعلائها وإطباقها ثم الزاي لجهرها ثم السين لهمسها.

الصفة الثانية: القلقلة ومن معانيها في اللغة: التحريك والاضطراب وفي الاصطلاح اضطراب اللسان بالحرف عند النطق به ساكناً حتى يسمع له نبرة قوية وحروفها خسمة جمعها الحافظ ابن الجرزي في مقدمته وطيبته بقوله: (قطب جد) وهي القاف والطاء والباء الموحدة والجيم والدال المهملة وسميت بذلك لأنها حال سكونها تتقلقل عند خروجها حتى يسمع لها نبرة قوية - أي صوت عال - وذلك لأن من صفاتها الشدة والجهر فالشدة تمنع الصوت أن يجري معها والجهر يمنع النفس أن يجري معها كذلك. فلما امتنع جريان الصوت والنفس مع حروفها احتيج إلى التكلف في بيانها بإخراجها شبيهة بالمتحرك.

والقلقلة صفة لازمة لحروفها الخمسة المذكورة آنفاً ولا فرق بين أن يكون الساكن منها موصولاً نحو {يَقْبَلُ} {يَطْبَعُ} {يَبْدَأُ} {يَجْمَعُ} {وَيَدْرَؤُاْ} أو موقوفاً عليه سواء أكان مخففاً أم مشدداً بالمخفف نحو {فَوَاقٍ} {?لصِّرَاطِ} {?لأَحْزَابُ} {أَزْوَاجٌ} {?لْمِهَادُ (56)} والمشدد نحو {?لْحَقُّ} {وَتَبَّ} {وَ?لْحَجِّ} {أَشَدَّ}. و القلقلة في الساكن الموقوف عليه بنوعيه أبين من الساكن الموصول. وفي هذا يقول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية:

*وبيَّن مقلقلاً إنْ سكَنَا * وإن يكنْ في الوقفِ كان أبْينا*

ثم اعلم أن القلقلة لم تكن قاصرة على ما تقدم من كونها في الساكن بأنواعه المتقدمة بل في المتحرك من حروفها قلقلة كذلك لأنها لا تنفك عنها ساكنة كانت أو متحركة ولكونها من الصفات اللازمة لها ولتعريفها باجتماع صفتي الشدة والجهر كما تقدم فأصلها ثابت في المتحرك أيضاً وإن لم تكن ظاهرة إلا أنها أقل من الساكن غير الموقوف عليه كما أن أصل الغنة ثابت في النون والميم الساكنتين المظهرتين والمتحركتين الخفيفتين، وبهذا يتبين أن مراتب القلقلة أربع وهي على النحو التالي:

الأولى: الساكن الموقوف عليه المشدد نحو {بِ?لْحَقِّ}.

الثانية: الساكن الموقوف عليه المخفف نحو {مُّحِيطٌ}.

الثالثة: الساكن الموصول وهو المعروف بالأصلي نحو {يَجْمَعُ}.

الرابعة: المتحرك مطلقاً كالطاء والباء من نحو {طَبَعَ}.

فالقلقلة في الساكن المشدد الموقوف عليه أقوى منها في الساكن المخفف الموقوف عليه. وفي الساكن المخفف الموقوف عليه أقوى منها في الساكن الموصول. وفي الساكن الموصول أقوى منها في المتحرك الذي فيه أصل القلقلة فقد وإن لم تكن ظاهرة فتأمل.

أقسام القلقلة وكيفية أدائها

تنقسم القلقلة في غير المتحرك من حروفها الذي فيه أصل القلقلة فقط ثلاثة أقسام صغيرة وكبيرة وأكبر:

فالصغيرة: ما كان وجودها في الساكن الموصول كقاف {وَيَقْدِرُ}.

والكبيرة: ما كانت في الساكن الموقوف عليه المخفف كدال {?لسُّجُودِ}.

والأكبر ما كانت حاصلة في الساكن الموقوف عليه المشدد كقاف {أَشَقُّ}.

أما كيفية أدائها فقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من قول والمشهور منها قولان:

الأول: أن الحرف المقلقل يتبع حركة ما قبله ويستوي في ذلك ما كان سكونه موصولاً أو موقوفاً عليه مخففاً كان أو مشدداً.

فإن كان ما قبله مفتوحاً نحو {لِيَقْطَعَ} {وَ?لْحَجِّ} فقلقلته للفتح أقرب.

وإن كان ما قبله مكسوراً نحو {قِبْلَةً} فقلقلته للكسر أقرب.

وإن كان مضموماً نحو {مُّقْتَدِرٍ} فقلقلته للضم أقرب. هذا هو القول المشهور وعليه الجمهور وانظر جهد المقل وشرحه للمرعشي.

الثاني: أن الحرف المقلقل يكون للفتح أقرب مطلقاً سواء أكان قبله مفتوحاً أم مكسوراً أم مضموماً.

وقد أشار بعضهم إلى هذا القول بقوله:

*وقلقلةً قرِّبْ إلى الفتح مُطلقاً * ولا تتبعنها بالذي قبلُ تجْمُلا*

كما أشار العلامة السمنودي في لآلىء البيان إلى القولين معاً مرجحاً الإتباع لما قبله ومبيناً تعريف كل من القلقلة الكبيرة والأكبر بقوله حفظه الله:

*قلقلةٌ قطبُ جدٍ وقُرِّبتْ * للفتحِ والأرجحُ ما قبلُ اقْتَفَتْ*

*كبيرةٌ حيث لدى الوقفِ أتتْ * أكبرُ حيثُ عند وقف شُدِّدتْ أهـ*

هذا وذكر صاحب العميد قولاً ثالثاً في كيفية أداء القلقلة حاصلة أن حروف القلقلة تتبع حركة ما بعدها من الحروف لتتناسب الحركات. وهو قول من الأقوال الواردة في غير القولين المشهورين.

قلت: وإن صح هذا القول فيمكن تطبيقه على الساكن الموصول فقط نحو {يُبْدِىءُ} لأن الساكن الموقوف عليه كحرف الدال في نحو قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لا يتأتى فيه إتباعه لما بعده لذهاب حركة ما بعده بسبب الوقف عليه فتنبه.

ومما يجب معرفته والتنبيه عليه في كيفية أداء القلقلة أن حروفها الخسمة اجتمع فيها ماهو متصف بصفة الاستعلاء وهو القاف. وما هو متصف بصفة الإطباق وهو الطاء. وما هو متصف بصفة الاستفال وهو باقي الحروف الخمسة. ولكل مراعاة في الأداء ففي حروف الاستفال تؤدى القلقلة بمراتبها السابقة مرققة لأن حروف الاستفال حكمها الترقيق كما سيأتي بيانه في موضعه. وفي حرفي الاستعلاء والإطباق تؤدى القلقلة فيهما بمراتبها السابقة مفخمة لأن حروف الاستعلاء حكمها التفخيم كما سنوضحه بعد، ويلاحظ هنا أن تفخيم الطاء يكون أقوى من تفخيم القاف لأن حروف الإطباق في التفخيم أقوى من حروف الاستعلاء كما هو مقرر. فاحفظ ذلك جيداً واعمل به في الأداء فقد أوضحنا لك هذا المقام توضيحاً كاملاً فاحرص عليه فقد لا تجده مجموعاً في غيره والله ولي التوفيق.

الصفة الثالثة: اللين وهو في اللغة السهولة وقيل في معناه ضد الخشونة. وفي الاصطلاح خروج الحرف من مخرجه من غير كلفة على اللسان وله حرفان: الواو والياء والساكنتان المفتوح ما قبلهما نحو {?لْخَوْفُ} {?لْبَيْتِ} وسيما بذلك لخروجهما بلين وعدم كلفة على اللسان ولهذين الحرفين كلام خاص وهام للغاية سنأتي عليه إن شاء الله تعالى في باب المد والقصر.

الصفة الرابعة: الانحراف وهو في اللغة الميل. وفي الاصطلاح ميل الحرف بعد خروجه من مخرجه حتى يتصل بمخرج غيره. وله حرفان اللام والراء على الصحيح وسمي حرفاه بذلك لاحرافهما عن مخرجهما حتى اتصلا بمخرج غيرهما فاللام فيها انحراف إلى طرف اللسان والراء فيها انحراف إلى ظهره وميل قليل إلى جهة اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاماً.

الصفة الخامسة: التكرير وهو في اللغة إعادة الشيء وأقله مرة وفي الاصطلاح ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالحرف. وله حرف واحد وهو الراء وسمي بذلك لارتعاد طرف اللسان عند النطق به. ومعنى وَصْف الراء بالتكرير أنها قابلة له وليس المراد منه الإتيان به كما هو ظاهر وإنما المراد به التحرز منه واجتنابه وخاصة إذا كانت الراء مشددة فالواجب على القارىء حينئذ إخفاء هذا التكرير لأنه متى أظهره فقد جعل من الراء المشددة راءات ومن المخففة راءين والتكرير في المشددة أحوج إلى الإخفاء من التكرير في المخففة. ولهذا أمر الحافظ ابن الجزري في المقدمة بإخفاء تكرير المشدد بقوله:

*... ... ... * واخْفِ تكريراً إذا تُشَدِّدُ*

وخلاصة القول أن الغرض من معرفة صفة التكرير للراء ترك العمل به عكس ما تقدم في الصفات وما هو آت بعد إذ الغرض منها العمل بمقتضاها. وطريقة إخفاء التكرير في الراء كما قال الجعبري إنه يلصق اللافظ ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقاً محكماً مرة واحدة بحيث لا يرتعد لأنه متى ارتعد حدث من كل مرة راء أهـ بتصرف من النجوم الطوالع.

الصفة السادسة: التفشي ومن معانيه في اللغة الانتشار وفي الاصطلاح انتشار الريح في الفم عند النطق بالحرف. وله حرف واحد على الصحيح وهو الشين وسمي بذلك لانتشار الريح في الفم عند النطق به حتى اتصل بمخرج الظاء المعجمة.

الصفة السابعة: الاستطالة وهي في اللغة الامتداد. وفي الاصطلاح امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها وهي صفة لحرف واحد وهو الضاد المعجمة وسمي بذلك لاستطالته مخرجاً وصوتاً حتى اتصل بمخرج اللام. وهنا انقضى كلامنا على الصفات السبع التي لا ضد لها والتي أشار إليها الحافظ ابن الجزري في المقدمة والطيبة بقوله:

*صفيرُها صادٌ وزايٌ سينُ * قلقلةُ قطبُ جدٍ واللينُ*

*واوٌ وياءُ سكَنَا وانفَتَحَا * قبلَهُما والانحرافُ صُحِّحَا*

*في اللام والرَّا وبتكريرٍ جُعِلْ * وللتَّفَشِّي الشِّينُ ضادٌ اسْتُطِلْ أهـ*

تتمة في صفتي الخفاء والغنة: زاد كثير من الأئمة صفتين أخريين من الصفات اللازمة التي لا ضد لها على الصفات السبع التي تقدم الكلام عليها وهي صفة الخفاء والغنة. وفيما يلي الكلام عليهما.

أما الخفاء: فهو في اللغة الاستتار، وفي الاصطلاح خفاء صوت الحرف، وحروفه أربعة وهي: حروف المد الثلاثة المتقدمة غير مرة والهاء وسميت بذلك لأنها تخفى في اللفظ إذا اندرجت بعد حرف قبلها.

أما الخفاء في حروف المد فلسعة مخرجها لأنه مقدر كما تقدم في المخارج ولذا قويت بالمد عند الهمز.

وأما الخفاء في الهاء فلاجتماع صفات الضعف فيها ولذا قويت بالصلة إذا كانت ضميراً.

وأما الغنة: فهي في اللغة صوت في الخيشوم وعرفها شيخ شيوخنا العلامة الشيخ عبدالحق البنهاوي في بهجة الصبيان بأنها في اللغة صوت أغَنّ لا عمل للسان فيه أهـ ومن معانيها في الاصطلاح صفة لازمة للنون ولو تنويناً والميم سكنتا أو تحركتا ظاهرتين أو مدغمتين أو مخفاتين وسيأتي استيفاء الكلام عليها في بابها المعد لها قريباً إن شاء الله تعالى.

والحق أن هاتين الصفتين ينبغي إلحاقهما بالصفات السبع التي لا ضد لها لأن الغنة صفة لازمة للنون والميم من كل الأحوال كما تقدم. مثلُها مثلُ صفة القلقلة بالضبط لأنها لا تنفك عن حروفها حتى في حال تحركها كما سبق وكذلك صفة الخفاء لما ذكر. وبإلحاق صفتي الخفاء والغنة بالصفات السبع التي لا ضد لها تصير تسعاً يضاف إليها ذوات الأضداد العشر فتصير تسع عشرة صفة كلها صحيحة ومشهورة والله أعلم.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في تقسيم الصفات بالنسبة إلى القوة والضعف )

تنقسم الصفات التي سبق ذكرها إلى ثلاثة أقسام: قوية وضعيفة ومتوسطة.

فالصفات القوية إحدى عشرة صفة وهي: الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة و الانحراف والتكرير والتفشي والاستطالة والغنة.

والصفات الضعيفة ست وهي: الهمس والرخاوة والاستفال والانتفاح واللين والخفاء.

والصفات المتوسطة ثلاث وهي: الإصمات والذلاقة والبينية - أي التي بين الرخاوة والشدة - وقد نظمها صاحب لآلىء البيان فقال:

*ضعيفها همسٌ ورخو وخَفَا * لينٌ انفتاحٌ واستفال عُرفا*

*وما سِوَاها وصْفُهُ بالقُوَّةِ * لا الذَّلْق والإصْماتِ والبينِيَّةِ أهـ*

هذا: وباعتبار تقسيم الصفات إلى هذا التقسيم تنقسم الحروف الهجائية كذلك إلى أقسام ثلاثة: قوية وضعيفة ومتوسطة، وذلك حسبما يتصف به الحرف من الصفات القوية أو الضعيفة أو المتوسطة.

فالحرف الذي جمع كل صفات القوة كالطاء المهملة كان قويًّا.

والحرف الذي جمع كل صفات الضعف كالهاء كان ضعيفاً.

والحرف الذي جمع بين صفات القوة والضعف كاللام والغين كان متوسطاً وهكذا دواليك.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الرابع / في معرفة كيفية استخراج صفات كل حرف بمفرده )

إذا أردت ذلك فخذ الحرف الذي تريد استخراج صفاته ومُرَّ به أولاً على حروف صفة الهمس "فحثه شحص سكت" فإن وجدته فيها فأثبت له صفة الهمس وإن لم تجده فيها فهو في حروف الجهر وهناك يأخذ صفة الجهر. ثم مر به على حروف الشدة التي هي: "أجد قط بكت" وعلى حروف التوسط التي هي: "لن عمر" فإن كان في حروف الشدة فهي صفته. وإن كان في حروف التوسط فهي صفته وإن لم يكن فيها فهو في حروف الرخاوة وحينئذ فهي صفته.

ثم مُرَّ به على حروف الاستعلاء التي هي: "خص ضغط قظ" فإن كان فيها فهي صفته وإن لم يكن فيها ففي حروف الاستفال وحينئذ فصفته الاستفال.

ثم مرَّ به على حروف الإطباق الأربعة التي هي: "الصاد والضاد والطاء والظاء" فإن كان واحدها فصفته الإطباق وإلا ففي حروف الانتفاح وعندئذ فهو منفتح.

ثم مر به على حروف الذلاقة التي هي: "فِرَّ مِنْ لُبّ" فإن كان منها فيه صفته. وإن لم يكن منها ففي حروف الإصمات وحئنئذ فهو مُصْمَتٌ ومن ثم يتم لكل حرف من حروف الهجاء خمس صفات ألبتَّة من الصفات ذوات الأضداد. وذلك لأن الحرف لا يتصف بصفة وضدها في آن واحد فلا يكون مستعليا مستفلاً مثلاً ثم مُرَّ ثانياً بهذا الحرف بعينه على الصفات السبع التي لا ضد لها فإن كان موجوداً في واحدة منها فقط فأثبت له هذه الصفة وأضفها إلى الصفات الخمس المتقدمة وحنيئذ يكمل لهذا الحرف ست صفات وإن كان هذا الحرف موجوداً في صفتين منها فأثبت له هاتين الصفتين أيضاً وأضفهما إلى الصفات الخمس المتقدمة وهنا يتم للحرف سبع صفات وهذا لا يكون إلا في حرف واحد وهو الراء.

وإذا لم يكن الحرف الممرور به موجوداً في الصفات السبع فليس له إلا الصفات الخمس السابقة المستفادة من ذوات الأضداد ليس غير ومن ثم يتضح جليًّا أن الحرف لا يتصف بأكثر من السبع ولا ينقص عن الخمس فالحرف المتصف بالصفات السبع هو الراء ولا ثاني له في الحروف على المعتمد فهو جهريٌّ متوسط مستفل منفتح مذلق منحرف مكرَّر ومثال ما له ست صفات من الحروف حرف الضاد فهو جهريٌّ رخويٌّ مستعلٍ مطبق مصمت مستطيل. ومثال ما له خمس صفات حرف الهمز فهو جهري شديد مستفل منفتح مصمت.

ولا يخفى عليك بعد هذا التوضيح قاعدة استخراج صفات كل حرف من الحروف على حدة فتأملها والله المرشد والمعين.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الخامس / في توزيع الصفات على الحروف الهجائية حسب ترتيبها في المخارج )

تقدم في الفصل السابق كيفية استخراج صفات كل حرف بمفرده والآن نوضح لك صفات كل حرف على حدة حسب ترتيبها في المخارج لتكون على بصيرة بها فنقول وبالله التوفيق:

أما حروف المد الثلاثة: فتتصف بخمس صفات وهي: الجهر والرخاوة والاستفال والانفتاح والإصمات، وإذا اعتبرنا صفة الخفاء فيكون اتصافها بست صفات والواجب اعتبار هذه الصفة كما أسلفنا.

وأما الهمزة: فتتصف بخمس صفات وهي: الجهر والشدة والاستفال والانفتاح والإصمات.

وأما الهاء: فتتصف بخمس صفات وهي الهمس والرخاوة والاستفال والانفتاح والإصمات وإذا اعتبرنا صفة الخفاء وهذا هو الواجب فيكون اتصافها بصفات ست فتأمل.

وأما العين المهملة: فتتصف بخمس صفات وهي: الجهر والتوسط بين الشدة والرخاوة والاستفال والانفتاح والإصمات.

وأما الحاء المهملة: فتتصف بصفات خمس وهي: الهمس والرخاوة والاستفال والانفتاح والإصمات.

وأما الغين المعجمة: فتتصف بخمس صفات وهي: الجهر والرخاوة والاستعلاء والانفتاح والإصمات.

وأما الخاء المعجمة: فهي متصفة بخمس صفات وهي: الهمس والرخاوة والاستعلاء والانفتاح والإصمات.

وأما القاف: فقد اتصفت بست صفات وهي: الجهر والشدة والاستعلاء والانفتاح والإصمات والقلقلة.

وأما الكاف: فقد اتصفت بخمس صفات وهي: الهمس والشدَّة، والاستفال، والانتفاح، والإصمات.

وأما الجيم: فتتصف بصفات ست وهي: الجهر، والشدة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، والقلقلة.

وأما الشين: فتتصف بست صفات وهي: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، و الإصمات، والتفشي.

وأما الياء المثناة تحت: فالمراد بها هنا الياء المتحركة مطلقاً أو الساكنة بعد فتح، فالمتحركة تتفق مع المدية في صفاتها الخمس التي تقدمت وإليكها مرة أخرى: الجهر، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، وأما الياء المتحركة إثر فتح نحو {لاَ ضَيْرَ} فصفاتها ست وهي: الخمس التي تقدمت للمتحركة والمدية والسادسة صفة اللين فتنبه.

وأما الضاد المعجمة: فتتصف بست صفات وهي: الجهر، والرخاوة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والاستطالة.

وأما اللام: فقد اتصفت بست صفات وهي: الجهر، والتوسط، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق، والانحراف.

وأما النون: فتتصف بخمس صفات وهي: الجهر، والتوسط بين الرخاوة والشدة، والاستفال، والانفتاح، والذلاقة، ثم هناك صفة سادسة للنون وهي الغنة وهذه يجب إضافتها لها بجانب صفاتها الخمس لأنها من الصفات اللازمة كما تقدم وإن لم تكن مذكورة في المقدمة والطيبة فهي مذكورة في غيرهما من الكتب المعمول عليها كما أسلفنا.

وأما الراء: فمتصفة بسبع صفات على المعتمد وهي: الجهر، والتوسط، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق، والانحراف، والتكرار.

وأما الطاء المهملة: فهي متصفة بست صفات وهي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والقلقلة.

وأما الدال المهملة: فهي متصفة بست صفات وهي: الجهر، الشدة، والاستفال، والانفتاح والإصمات، والقلقلة.

وأما التاء المثناة فوق: فتتصف بخمس صفات وهي: الهمس، والشدة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات.

وأما الصاد المهملة: فمتصفة بست صفات وهي: الهمس، والرخاوة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والصفير.

وأما الزاي: فتتصف بست صفات وهي: الجهر، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، والصفير.

وأما السين: فقد اتصفت بست صفات وهي: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، والصفير.

وأما الظاء المشالة: فهي متصفة بخمس صفات وهي: الجهر، والرخاوة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات.

وأما الذال المعجمة: فتتصف بخمس صفات وهي: الجهر، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات.

وأما الثاء المثلثة: فمتصفة بخمس صفات وهي: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات.

وأما الفاء: فقد اتصفت بصفات خمس وهي: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق.

وأما الواو: فالمقصود منها هنا الواو غير المدية وتشمل المتحركة مطلقاً والساكنة إثر فتح فالمتحركة متفقة مع المدية في صفاتها الخمس والتي هي: الجهر، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، وأما الواو الساكنة إثر فتح كـ{خَوْفٍ} فتتصف بست صفات الخمس المتقدمة للمتحركة والمدية والسادسة اتصافها باللين فتأمل.

وأما الباء الموحدة: فقد اتصفت بصفات ست وهي: الجهر، والشدة، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق، والقلقلة.

وأما الميم: فهي متصفة بخمس صفات وهي: الجهر، والتوسط، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق. وهناك صفة سادسة لها أيضاً وهي الغنة وتقدم أنها من الصفات اللازمة التي لا ضد لها ولا يعكر علينا عدم ذكرها في الجزرية والطيبة ونحوهما فقد عدها جمع من العلماء كما أسلفنا، والآن قد انقضى كلامنا على توزيع الصفات على موصوفاتها. وإذا تأملنا هذا التوزيع يظهر لنا بوضوح أن هناك حروفاً اتفقت مع حروف أخرى في الصفات سواء اتفق على تلك الصفات أو اختلف فيها فمن ذلك حروف المد الثلاثة اتفقت في صفاتها الخمس أو الست إن قلنا بصفة الخفاء والواو والياء المتحركتان مطلقاً اتفقتا مع حروف المد الثلاثة في غير صفة الخفاء.

وكذلك الواو والياء اللينتان اتفقتا في صفاتهما الست.

وكذلك التاء المثناة فوق والكاف اتفقتا في صفاتهما الخمس.

وكذلك الثاء المثلثة والحاء والمهملة اتفقتا في الصفات الخمس. وأيضاً الجيم والدال المهلمة فقد اتفقتا على صفاتهما الست وعندنا أيضاً النون والميم اتفقتا في صفاتهما الخمس أو الست إن قلنا بالغنة لأنها صفة لازمة للنون الميم مطلقاً كما أسلفنا والقول بالغنة هنا واجب لأن الغنة لا تنفك عن النون والميم بحال حتى في حال إظهارهما وتحركهما مع التخفيف كما سيأتي ذلك في المبحث الخاص بالغنة وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل السادس / في الكلام على الصفات العرضية )

سبق أن قلنا في أول الباب إن الصفات العرضية هي التي لم تكن ملازمة للحرف في كل حال بل تعرض له في بعض الأحوال وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب كالتفخيم والترقيق فإن التفخيم في الأصل ناشىء عن حروف الاستعلاء. والترقيق ناشىء عن حروف الاستفال كما سيأتي بيان ذلك مفصلاً في موضعه قريباً.

وقد حصر العلماء هذه الصفات في إحدى عشرة صفة وهي: التفخيم، والترقيق، والإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء، والمد، والقصر، والتحريك، والسكون، والسكت. كما حكاه بعضهم. وقد نظمها غير واحد من الأفاضل الأعلام.

وإليك أسهلها وأخصرها للعلامة السمنودي في لاَلىء البيان قال حفظه الله ونفع بعلمه المسلمين:

*إظهارٌ ادغام وقلبٌ وكذا * إخفا وتفخيمٌ ورقٌّ أُخِذا*

*والمدُّ والقصرُ مع التحرُّكِ * وأيضاً السُّكون والسَّكْتُ حُكي اهـ*

وهذا: وسنتكلم على هذه الصفات في الأبواب التي نتعرض لها في هذا الكتيب إنشاء الله تعالى: ولنبدأ الآن بصفتي التفخيم والترقيق فنقول وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الباب الثالث / في التفخيم والترقيق )

( معنى التفخيم والترقيق لغة واصطلاحاً )

التفخيم معناه في اللغة التسمين. وفي الاصطلاح هو عبارة عن تسمين الحرف بجعله في المخرج جسيماً سميناً وفي الصفة قويًّا ويرادفه التغليظ إلا أن التفخيم غلب استعماله في الراءات والتغليظ غلب استعماله في بعض اللامات. والترقيق ضدهما وهو في اللغة التنحيف.

وفي الاصطلاح هو عبارة عن تنحيف الحرف بجعله في المخرج نحيفاً وفي الصفة ضعيفاً.

والحروف الهجائية بالنسبة للتخيم والترقيق ثلاثة أقسام:

الأول: ما يفخم قولاً واحداً بدون استثناء شيء منها.

الثاني: ما يرقق قولاً واحداً بدون استثناء شيء منها كذلك.

الثالث: ما يرقق تارة ويفخم أخرى لسبب من الأسباب.

ولكل قسم كلام خاص نوضحه في الفصول الآتية:

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول / في الكلام على الحروف المفخمة قولاً واحداً )

الحروف المفخمة وجهاً واحداً هي حروف الاستعلاء السبعة والمتقدمة والمجموعة في قول الحافظ ابن الجزري: "خص ضغط قظ" بدون استثناء شيء منها إلا أن التفخيم فيها ليس في مرتبة واحدة بل يتفاوت وذلك حسبما يتصف به الحرف من الصفات القوية والضعيفة فكلما كان الحرف متصفاً بالصفات القوية كان في التفخيم أقوى من الحرف الذي قلب فيه صفات القوة ولهذا كانت حروف الإطباق الأربعة المتقدمة والتي هي: "الصاد والضاد والطاء والظاء" أقوى من باقي حروف الاستعلاء لما اتصفت به من كثرة الصفات القوية: الأمر الذي جعلها تختص بتفخيم أقوى من باقي حروف الاستعلاء.

وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*وحرف الاستعلاءِ فخِّمْ واخْصُصَا * الإطباق أقوى نحو قال والعَصَا أهـ*

ومما تقدم يتضح أن حروف الاستعلاء في القوة على هذا الترتيب الطاء المهملة فالضاد المعجمة فالصاد المهملة فالظاء المشالة فالقاف فالغين فالخاء. وإنما كانت الطاء أعلاها لا تصافها بكل صفات القوة التي لم تجتمع في غيرها من باقي الحروف السبعة إذ هي مجهورة شديدة مستعلية مطبقة مصمتة مقلقلة. وإنما كانت الخاء أقلها لاتصافها بكل صفات الضعف إلا صفة الاستعلاء.

هذا: وللتفخيم مراتب نوضحها فيما يلي:

مراتب التفخيم وأقوال العلماء فيها وضوابطها

مراتب التفخيم خمس لكل حرف من حروف الاستعلاء السبعة على ما اختاره الحافظ ابن الجزري وها هي على النحو التالي:

المرتبة الأولى: وهي الحروف التي تَمكَّن "أي قوي" فيها التفخيم وهي المفتوحة التي بعدها ألف نحو {طَابَ} {وَضَاقَ} {صَابِراً} {يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ?للاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ?لْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ?للَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} {يُقَاتِلُونَ} {غَآئِبِينَ (7)} {خَآئِبِينَ (127)} ويلحق بهذه المرتبة الراء المفتوحة التي بعدها ألف {يُرَآءُونَ (6)} نبه على ذلك العلامة الشيخ محمد مصطفى الحمامي في كتابه سراج المعالي وقال صاحب انشراح الصدور: الراء واللام حال تفخيمهما يتبعان حروف الاستعلاء لشبههما بها أهـ. المرتبة الثانية: وهي دون الأولى في القوة وهي المفتوحة التي ليس بعدها ألف نحو {طَبَعَ} {وَضَرَبَ}{وَصَدَقَ} {ظَلَّ} {وَقَتَلَ} {وَغَفَرَ} {وَخَلَقَ}.

المرتبة الثالثة: وهي دون الثانية في القوة وهي المضمومة نحو {وَطُبِعَ} {صُرِفَتْ} {وَضُرِبَتْ} {يَظُنُّونَ} {قُتِلَ} {غُلِبَتِ} {خُلِقَتْ}.

المرتبة الرابعة: وهي الساكنة نحو {يَطْبَعُ} {يَضْرِبُ} {أَصْبَرَهُمْ} {يَظْلِم} {يَقْتُلْ} {يَغْلِبْ} {يَخْلُقُ}. وفي هذه المرتبة تفصيل وهو: إن كان الحرف المفخم ونعني به الساكن وقع بعد فتح فيعطى تفخيم المفتوح الذي ليس بعده ألف كما في الأمثلة المذكورة، وإن قوع بعد ضم فيعطى تفخيم المضموم نحو {وَيُطْعِمُونَ} {مُّقْمَحُونَ (8)} وإن وقع بعد كسر فيعطى تفخيماً أدنى مما قبله مضموم نحو {إِطْعَامُ} {نُّذِقْهُ} ولم يوضح أئمتنا في الحرف المفخم الساكن إثر كسر أكثر من هذا فيما وقفت عليه من مراجع. ولكن يؤخذ من تمثيلهم بكلمتي {?قْرَأْ} {نُذِقْهُ} ومن قولهم يعطى في التفخيم تفخيم المكسور؛ لأنه لم يكن هناك مرتبة أقل منه وفي الوقت نفسه لم يكن هناك أدنى من المضموم إلا المكسور.

ومن ثمن يتضح أن حرف التفخيم الساكن الواقع إثر فتح يكون في التفخيم ملحقاً بالمفتوح الذي ليس بعده الف في المرتبة الثانية التي سبق الكلام عليها. والحرف الساكن الواقع إثر ضم يكون في التفخيم ملحقاً بالمضموم في المرتبة الثالثة. والحرف الساكن الواقع إثر كسر يكون في التفخيم ملحقاً بالمكسور في المرتبة الخامسة والأخيرة الآتية بعد. وقد صرح بذلك العلامة المتولي في الساكن عموماً بقوله رحمه الله:

*فما أتَى من قبلهِ من حركَهْ * فافرضْهُ مشكلاً بتلك الحركة أهـ*

المرتبة الخامسة: وهي المكسورة نحو {طِبَاقاً} {ضِرَاراً} {صِرَاطاً} {ظِلاًّ} {قِتَالاً} {غِشَاوَةٌ} {خِفَافاً} وهذه المرتبة هي أضعف المراتب الخمس في التفخيم. وذكر فيها صاحب الجواهر الغوالي تفصيلاً حاصله أن حروف الإطباق الأربعة مفخمة. حسب مرتبتها وهي الآخيرة. وحروف الاستعلاء فقط وهي الثلاثة الباقية مرفقة وإليك قوله في متنه:

*... ... ... ... * مكسورهُ رَقِّقْ سِوَى ما أطبقا أهـ*

قلت: وليس المراد من الأمر بالترقيق في قوله: "رقق" الترقيق الحقيق الآتي بعد في حروف الاستفال. إنما هو تفخيم بالنسبة لحروف الاستفال وسماه أئمتنا التفخيم النسبي وإليه أميل لأن حروف الاستعلاء لا ترقق مطلقاً. وإن كان التفخيم في تلك الحروف الثلاثة أعني (القاف والغين والخاء) في أدنى منزلة كما مر فهي مفخمة على كل حال بالنسبة للحروف المستفلة المرققه الآتية بعد.

وفي هذه المسألة يقول شيخ مشايخنا العلامة المتولي رحمه الله:

*فهي وإنْ تَكُنْ بأدْنضى منزِلَهْ * فخيمةٌ قَطْعاً من المستفلَهْ* *فلا يُقَال إنَّها رقيقَهْ * كضِدِّها تلك هي الحقيقهْ أهـ* توضيح: تقدم في المرتبة الرابعة من مراتب التفخيم ما يفيد أن حرف التفخيم الساكن المكسور ما قبله يعطى في التفخيم حكم الحرف المكسور في المرتبة الخامسة والأخيرة. كما تقدم أيضاً في المرتبة الخامسة أن حرف الاستعلاء المكسور فيه تفصيل وهنو إذا كان مطبقاً فيفخم حسب مرتبته. وإذا كان مستعلياً فقط ونعني به - القاف والغين والخاء - فيفخم تفخيماً نسبيًّا وعلى هذا الضوء يمكن ضبط الحرف المفخم الساكن إثر كسر سواء كان مطبقاً نحو {فِطْرَتَ} أو مستعلياً نحو {يَزِغْ}. فالمطبق يفخم لأنه في حال الكسر مفخم حسب مرتبته. والمستعلي يفخم تفخيماً نسبيًّا لأنه في حالة الكسر يكون كذلك كما مر ويشهد بذلك النطق بكلمتي {إِطْعَامُ} و{مِصْرَ} و{أَفْرِغْ} و{إِخْوَاناً} فنجد أن التفخيم حسب مرتبته ظاهر في الطاء والصاد بخلاف الغين والخاء فإن أصل التفخيم فقط وهذا واضح بأدنى تأمل ثم إن الكسر الذي قبل الغين والخاء الساكنتين يستوي فيه الأصلي والعارض فالأصلي نحو {أَفْرِغْ} {وَإِخْوَانَكُمْ} والعارض نحو {إِلاَّ مَنِ ?غْتَرَفَ} {وَلَـ?كِنِ ?خْتَلَفُواْ} ولا يضر وجود حرف الاستعلاء بعد الغين في نحو {لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} فكل هذا يفخم تفخيماً نسبيًّا: أما حرف الاستعلاء الذي بعد الغين فيعطى حكمه حسب مرتبته. ويلحق بالغين والخاء الساكنتين إثر كسر في التفخيم النسبي الغين والخاء السكانتان للوقف الواقعتان بعد الياء اللَّينَة نحو {زَيْغٌ} و{شَيْخٌ} أما إذا وصلتا فينزلان منزلتهما في المرتبة الثالثة لأنهما أصبحتا مضمومتين: وأما من فخم الغين والخاء الساكنتين المكسور ما قبلهما أو الساكنتين للوقف المسبوقتين بالياء اللينة تفخيماً قويًّا كما سمعنا ورأينا فقد أخطأ إذ يخرجهما بذلك التفخيم القوي عن المرتبة المخصصة لهما.

هذا: ويستثنى من التفخيم النسبي الخاء الساكنة الواقعة بعد كسر المجاورة للراء المفخمة فلتفخيم الراء تفخم الخاء تفخيماً قويًّا ليحصل التناسب بينهما وذلك في كلمة "إخراج" حيث وقعت في التنزيل كقوله تعالى: {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً (18)} ونحرها.

وفي هذه المسألة يقول شيخ مشايخي الإمام المتولي - رحمه الله -:

*وخاءُ إخراج بتفخيمٍ أتت * من أجل راءٍ بعدها إذْ فخِّمتْ أهـ*

ويلحق بخاء إخراج الخاء من "اخرج" في قوله تعالى: {وَقَالَتِ ?خْرُجْ عَلَيْهِنَّ}.

وصفوة القول فيما تقدم من تفصيل في المرتبة الأخيرة أن حروف الاستعلاء فقط ونعني بها - القاف والغين والخاء - تفخم تفخيماً نسبيًّا في حالتين:

الأولى: إذا كانت ساكنة بعد كسر مطلقاً نحو {قِيلَ} {وَغِيضَ} {وَخِيفَةً}.

الثانية: إذا كانت ساكنة بعد كسر مطلقاً نحو {نُّذِقْهُ} {يَزِغْ} {وَلَـ?كِنِ ?خْتَلَفُواْ}. أو إذا كانت الغين والخاء ساكنتين للوقف وقبلهما ياء لينة نحو {زَيْغٌ} و{شَيْخٌ} ويستثنى من ذلك الخاء من "إخراجاً" و"قالت اخرج" كما مر توضيحه. وما عدا هاتين الحالتين فتفخم بحسب مراتبها المتقدمة آنفاً.

وقد نظم مراتب التفخيم الخمس غير واحد من أئمتنا وإليك أوضحها لصاحب الجواهر الغوالي قال رحمه الله تعالى:

*مراتبُ التفخيم خمسٌ حقِّقتْ * حروفه قظ خُصَّ ضغط جُمِعتْ*

*فالأول المفتوح بعْدَه أَلف * والثاني مفتوح وذا بلا ألِفْ*

*كذلك المضمومُ الإسكان ارْتَقَى * مكسورَه رقِّق سِوَى ما أطْبقَا أهـ*

وإلى هنا انقضى كلامنا في توضيح مراتب التفخيم فاحرص عليها جيداً فقد لا تجها مجموعة في غيره والله يرشدنا وإياك إلى الصراط السوي.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني / في الكلام على الحروف المرققه قولاً واحداً )

الحروف المرفقة قولاً واحداً هي حروف الاستفال وهي الحروف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الاستعلاء السبعة المتقدم ذكرها غير مرة باستثناء ألف المد والراء واللام من لفظ الجلالة خاصة في بعض الأحوال كما سيأتي إلا أن هناك حروفاً مستفلة فيها الترقيق آكد لأن اللسان قد يسبق إلى تفخيمها.

فمن هذه الحروف الهمزة عند الابتداء في لفظ الحمد وكذلك إذا جاورت العين المهملة في لفظ {أَعُوذُ}. والهاء من لفظ {اهْدِنَا} وكذلك لفظ الجلالة "الله" وحاصله أن الهمزة ترقق مطلقاً سواء كانت همزة وصل مبتدأ بها أو همزة قطع مرققة وجوباً سواء جاورها حرف مفخم أو مرقق.

ومنها اللام في غير لفظ الجلالة الآتي ذكرها بعد وهي في خمسة مواضع: لام الجر الداخلة على لفظ الجلالة نحو {وَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى} واللام في لفظ {لَنَا} ومن لفظ {وَلْيَتَلَطَّفْ} لمجاورتها الطاء المفخمة مع المحافظة على سكون اللام الأولى مرققة واللام من "على" في نحو قوله تعالى: {وَعَلَى? ?للَّهِ قَصْدُ ?لسَّبِيلِ} لمجوارتها لام الجلالة المفخمة. واللام من "وَلاَ" في قوله تعالى: {وَلاَ الضَّآلِّينَ} من قوله {صِرَاطَ الَّذِينَ} الآية ونحوها. وحاصله أن اللام مرققه وجوباً فيما ذكر ونحوه لا مطلقاً كما تقدم في الهمزة إذ أن هناك لامات مفخمة وجوباً للكل كاللام من لفظ الجلالة الواقعة بعد الفتح والضم كقوله تعالى: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} كما سيأتي ذلك قريباً ومفخمة جوازاً في نحو لفظ "الطلاق". البقرة الآية 229. في رواية ورش من طريق الأزرق بالشروط المذكورة في كتب القراءات.

ومنها الميم الأولى والثانية من {مَخْمَصَةٌ} لمجاورتهما الخاء والصاد المفخمتان.

ومنها الباء الموحدة في أربع كلمات باء {بَرْقٌ} لمجاورتها الراء المفخخة وباء {وَبَاطِلٌ} لمجاورتها الطاء المفخمة أيضاً وباء {بِهِمُ} {وَبِذِي} لمجاورتهما الرخوى. ثم إن الترقيق للباء والميم ليس قاصراً على ذكر من الأمثلة بل هو عام في كل باء وميم حيث وقعتا ولكن لا يبالغ في ترقيق الباء لئلا تصير كأنهم ممالة كما يفعله الكثير من القراء. ومما يجب مراعاته في الباء وكذلك الجيم بالإضافة إلى الترقيق فيهما: الحرص على صفتي الشدة والجهر اللتين فيهما ضمن ما اتصفتا به من الصفات لئلا تشتبه الباء بالفاء والجيم بالشين.

فالباء في نحو قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ?للَّهِ وَ?لَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ}. وقوله عز شأنه: {وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ}.

والجيم نحو قوله تعالى: {اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ} ونحو قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} وقوله سبحانه: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ومما يجحب مراعاته أيضاً في الباء والجيم بجانب ما تقدم تبيين صفة القلقلة حال سكونها وخاصة في الوقف. وتقدم الكلام مستوفياً على ذلك في موضعه فارجع إليه إن شئت.

ومما يجب البيان فيه بجانب الترقيق الحاء الأولى والثانية من لفظ {حَصْحَصَ ?لْحَقُّ} لمجاورتهما الصاد المفخمة. وكذلك لفظ {أَحَطتُ} ولفظ الحق في نحو قوله: {?لْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} لمجاورتهما الطاء والقاف المفخمتان.

ومما يجب البيان فيه بجانب الترقيق السين من كلمة {مُّسْتَقِيمٍ} لمجاورتهما التاء الشديدة وكذلك من كلمتي {يَسْطُونَ} و{يَسْقُونَ} لمجاورتهما الطاء والقاف المفخمتان.

ثم إن التبيين للسين ليس قاصراً على هذه الأمثلة بل هو عام في سين سواء كانت ساكنة أو متحركة وسواء جاورت حرفاً مفخماً أو مرققاً نحو {بَصْطَةً} و{مَسْطُوراً} و{?لقِسْطَاسِ} و{تَسْتَطِع} و{تَسْطِع} و{أَقْسَطُ} و{الْمُقْسِطِينَ} و{يَسْجُدُ} وما إلى ذلك.

قال الحافظ ابن الجزري في التمهيد وإذا أتى لفظ هو بالسين يشبه لفظاً هو بالصاد وجب بيان كل وإلا التبس نحو {وَأَسَرُّواْ} و{أَصَرُّواْ} و{يُسْحَبُونَ} و{يُصْحَبُونَ} و{يُسَبِّحُونَ} و{تُصْبِحُونَ} و{قَسَمْنَا} و{قَصَمْنَا}.

فلا بد من بيان صفيرها في انسفالها أهـ بلفظه.

وقد أشار إلى ما تقدم ذكره الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*فَرَقِّقَنْ مُسْتَفِلاً مِنْ أحْرُفِ * وحَاذِرَنْ تفخيمَ لفظِ الألِفِ*

*وهمز الحمد أعودُ اهْدِنا * الله ثُمَّ لامِ لله لَنَا*

*وليتلطلفْ وعلى الله ولاَ ألضْ * والميم من مخمصة ومنْ مَرَضْ*

*وباءَ بَرْقٍ باطل بهمْ بذِي * فاحرص على الشدَّةِ والهجر الذي*

*فيها وفي الجيم كحبّ الصَّبْر * رَبوةٍ اجتُثَّت وحِجُّ الفجْر*

*وبيِّنَنْ مقلقلاً إن سَكَنَا * وإن يَكُنْ في الوقفِ كان أبْينا*

*وحاءٌ حصحص أحطت الحق * وسين مستقيمٌ يَسْطُوا يَسْقُوا*

ومما يجب مراعاته بجانب الترقيب أيضاً الحرص على سكون اللام وإظهارها نحو {جَعَلْنَا} {وَأَنزَلْنَا} {وَأَرْسَلْنَا} ونحو {ضَلَلْنَا} وذلك لأن اللسان يسرع إلى إدغامها في النون لما بينهما من التقارب أو التجانس وكذلك النون الساكنة من نحو {أَنْعَمْتَ} ونحوها من كل نون ساكنة أتى بعدها حرف حلقي كما سيأتي بيانه في موضعه.

وكذلك الغين الساكنة من نحو {الْمَغْضُوبِ} احترازاً من تحريكها وهو لحن فظيع ولا يخفى أن الغين هنا مفخمة من المرتبة الثانية لسكونها بعد فتح كما مر آنفاً فتنبه.

ومما يجب مراعاته بجانب الترقيق أيضاً تخليص انفتاح الذال المعجمة من {مَحْذُوراً} في قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} لئلا تشتبه بالظاء من محظوراً في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} وذلك لأن الذال والظاء يخرجان من مخرج واحد وكذلك تخليص انفتاح السين من لفظ عسى في نحو قوله تعالى: {وَعَسَى? أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} لئلا تشتبه بالصاد من عصى في نحو قوله تعالى: {فَعَصَى? فِرْعَوْنُ ?لرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً (16)} وذلك لأن السين والصاد يخرجان من مخرج واحد أيضاً ولا يتميز كل حرف اتفق مع حرف في المخرج كهذه الأحرف إلا بتمييز الصفة فسين عسى وذال محذوراً منفتحتان وصاد عصى وظاء محظوراً مطبقتان فينبغي أن يتخلص كل حرف من الآخر بانفتاح الفم في الانفتاح وانطباقه في الانطباق. وكذلك يفعل في كل حرفين متفقين في المخرج ومختلفين في الصفة.

ومما يجب مراعاته بجانب الترقيق مراعة صفة الشدة التي في الكاف والتاء المثناة فوق وذلك بمنع جريان النفس معهما مع ثباتهما في مخرجيهما قويتين فالكاف نحو {بِشِرْكِكُمْ} و{مَّنَاسِكَكُمْ} و{مَا سَلَكَكُمْ} و{إِنَّكَ كُنتَ} والتاء المثناة فوق نحو قوله تعالى: {?لَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ?لْمَلا?ئِكَةُ طَيِّبِينَ} ونحو فتنة في قوله تعالى: {وَ?تَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ?لَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} وما إلى ذلك.

وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الحزرية بقوله:

*وحْرً على السُّكون في جَعَلْنا * أنعمتَ والمغْضُوب مع ضَلَلْنَا*

*وخلِّص انْفتاحَ محذوراً عسى * خوْف اشْتِبَاهِهِ بمحظراً عَصَى*

*وراعِ شِدَّةً بكاف وَبتَا * كشرْكِكُمْ وتَتَوَفَّى فِتْنَتَا أهـ*

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في الكلام على الحروف المرققة تارة والمفخمة أخرى )

وهذه الأحرف ثلاثة - الألف المدية - واللام من لفظ الجلالة خاصة والراء. وهن من حروف الاستفال ولكل كلام خاص نوضحه فيمايلي:

الكلام على الألف المدية وأحكامها

أما الألف المدية كـ{جَآءَ} {وَقَالَ} فلا توصف بتفخيم ولا بترقيق بل تابعة لما قبلها تفخيماً وترقيقاً: فإن وقعت بعد مفخم فخمت نحو {ضَاقَ} و{طَالَ} و{?لرَّاشِدُونَ} {وَقَالَ ?للَّهُ}. وإن وقفت بعد مرفقق رققت مثل {جَآءَ} و{شَآءَ} و{بِسْمِ ?للَّهِ ?لرَّحْمَـ?نِ ?لرَّحِيمِ} وما إلى ذلك وهذا هو المعنى المراد من قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية:

*... ... ... * وحَاذرن تفخيم لفظ الألفِ*

فأكد التحذير من تفخيمها إذا جاورت حرفاً مستقلاً.

أما إذا جاورت حرفاً مستعلياً فالأمر على العكس.

الكلام على اللام من لفظ الجلالة وأحكامها

أما اللام من لفظ الجلالة وإن زيد عليه الميم في آخره فتفخم لكل القراء إذا وقعت بعد فتحة خالصة سواء كانت حقيقة أو حكماً أو بعد ضمه.

أما وقوعها بعد الفتح الحقيقي فكثير نحو {شَهِدَ ?للَّهُ} {قَالَ عِيسَى ?بْنُ مَرْيَمَ ?للَّهُمَّ رَبَّنَآ} {لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ ?للَّهُ} {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ?للَّهِ}. وأما وقوعها بعد الفتح الحكمي ففي لفظي {ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} و{آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} على كلا الوجهين أي الإبدال والتسهيل بين بين وذلك لأن اللام هنا لم تقع بعد فتح حقيقي كما نحو {قَالَ ?للَّهُ} وإنما وقعت بعد الهمزة المبدلة ألفاً في وجه الإبدال وبعد الهمزة المسهلة في وجه التسهيل والألف المبدلة في حكم الفتحة لأنها مبدلة من همزة الوصل المفتوحة في الأصل وكذلك الهمزة المسهلة فإنها في حكم المتحركة بالفتح أيضاً فلهذا فخمت اللام في اللفظين على كلا الوجهين بلا خلاف للجميع.

وأما وقوعها بعد الضم فكثير كالفتح الحقيقي نحو {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ?للَّهِ} {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ} {رُسُلُ ?للَّهِ} {قَالُواْ ?للَّهُمَّ}.

فإذا ابتدىء باسم الجلالة فخمت لامه أيضاً لأن من شرط تفخيم اللام فيه تقدم الفتح عليها ولو في لفظ الجلالة نفسه كقوله تعالى: {?للَّهُ لا? إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ ?لْحَيُّ ?لْقَيُّومُ}.

هذا: ويجب الاحتراز من تفخيم الهاء من لفظ الجلالة في نحو {إِنَّ ?للَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199)} {وَلَـ?كِنَّ ?للَّهَ سَلَّمَ} فإنه خطأ ينزه عنه الاسم الكريم وكثيراً ما يقع فيه بعض القراء، وقد أشار إلى شرطي التفخيم في لام لفظ الجلالة الحافظ ابن لجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*وفَخَِّ اللاَّمَ من اسْمِ الله * عن فتْحٍ أو ضَمٍّ كَعَبْدُ الله اهـ*

كما أشار إلى ذلك الإمام ابن بري في الدرر بقوله رضي الله عنه:

*وفُخِّمَتْ في الله واللَّهُمَّهْ * للْكُلِّ بَعْدَ فتْحة أو ضمَّة اهـ*

وفهم من قول هذه الإمامين وفخم اللام وكذلك وفخمت إلخ أن هذه اللام لو وقعت بعد كسرة رققت للجميع وهو كذلك بشرط أن تكون الكسرة خالصة سواء كانت متصلة أو منفصلة أصلية كانت أو عارضة نحو {بِ?للَّهِ} {وَللَّهِ} {يَتْلُونَ آيَاتِ ?للَّهِ} {مَّا يَفْتَحِ ?للَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} {قُلِ ?للَّهُمَّ} {أَحَدٌ (1) ?للَّهُ ?لصَّمَدُ (2)} وما إلى ذلك. وتقييدنا الفتحة في شرط التفخيم والكسرة في شرط الترقيق بالخالصة فيهما احترازاً عن لام الجلالة الواقعة بعد الراء الممالة في أحد القولين في رواية السوسي عن أبي عمرو البصري في نحو {نَرَى ?للَّهَ} {وَسَيَرَى ?للَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} فإنه يجوز حينئذ ترقيق اللام لعدم وجود الفتحة الخالصة قبلها وتفخيمها لعدم وجود الكسرة الخالصة قبلها كذلك. والله أعلم.

الكلام على الراء وأحكامها

أما الراء فإما أن تكون متحركة في الوصل والوقف، وإما أن تكون ساكنة في الوصل والوقف أيضاً. وإما أن تكون متحركة في الوصل ساكنة في الوقف ولكل حكم خاص نوضحه فيما يلي:

حكم الراء المتحركة في الوصل والوقف

وهذه الراء تقع أولاً ووسطاً وتكون مفتوحة ومضمومة ومكسورة فإن كانت مفتوحة أو مضمومة فلا خلاف في تفخيمها مخففة كانت أو مشددة. فمثال الراء المضمومة نحو {كُلَّمَا رُزِقُواْ} {وَ?لرُّكَّعِ ?لسُّجُودِ} و{عِشْرُونَ صَابِرُونَ} {لاَ يُفْلِحُ ?لْكَافِرُونَ}.

ومثال الراء المفتوحة نحو {رَأَوْاْ} {مِرَآءً} {ظَاهِراً} {وَمُبَشِّراً} {وَنَذِيراً} و{?لْخَيْرَاتِ} و{?لرَّاشِدُونَ}.

وإن كانت مكسورة فلا خلاف في ترقيقها لجميع القراء سواء كانت مخففة أو مشددة وذلك نحو {رِجَالٌ}. و{رِئَآءَ ?لنَّاسِ} {وَ?لصَّابِرِينَ}، {وَفِي ?لرِّقَابِ وَ?لْغَارِمِينَ} وما إلى ذلك.

حكم الراء الساكنة في الوصل والوقف

وهذه الراء تقع متوسطة ومتطرفة.

فالمتوسطة نحو {شِرْعَةً} و{فِرْقَةٍ}. والمتطرفة كقوله تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَ?لرُّجْزَ فَ?هْجُرْ (5)}.

ولكل من الراء الساكنة المتوسطة والمتطرفة شروط للتفخيم والترقيق نذكرها فيما يلي:

شروط الترقيق للراء الساكنة المتوسطة

تُرقَّق الراء الساكنة في الحالين المتوسطة لجميع القراء بأربعة شروط ولا بد من اجتماعها كلها في آن واحد، فإن تخلف شرط منها وجب تفخيمها:

فالشرط الأول: أن يكون قبل الراء كسرة.

والشرط الثاني: أن تكون هذه الكسرة أصلية.

والشرط الثالث: أن تكون الكسرة والراء في كلمة واحدة.

والشرط الرابع: أن تكون بعد الراء حرف من حروف الاستفال المتقدم ذكرها وذلك نحو {مِرْيَةٍ} و{لَشِرْذِمَةٌ} {فِرْعَوْنَ} و{?لْفِرْدَوْسَ} وهنا اجتمعت شروط الترقيق الأربعة في كل كلمة من هذه الكلمات وتدرك بأدنى تأمل.

شروط التفخيم للراء الساكنة المتوسطة

تقدم في شروط الترقيق الأربعة للراء الساكنة في الحالين المتوسطة أنه إذا تخلف شرط منها وجب التفخيم وبذلك تكون شروط التفخيم هنا للراء المتوسطة الساكنة في الحالين أربعة أيضاً وهي كما يلي:

الشرط الأول: أن يكون قبل الراء فتحة أو ضمة نحو {لاَ تَرْفَعُو?اْ} {يَرْضَوْنَهُ} {يُرْزَقُونَ} {نُرْسِلُ ?لْمُرْسَلِينَ} {?رْكُضْ} ابتداء وهذا الشرط مقابل للشرط الأول من شروط الترقيق.

الشرط الثاني: أن يكون قبل الراء كسرة عارضة سواء كانت هذه الكسرة مع الراء في كلمتها نحو {?رْجِعُو?اْ} {?رْكَعُواْ} أم كانت منفصلة عنها نحو {ِإنِ ?رْتَبْتُمْ} {أَمِ ?رْتَابُو?اْ} وهذا الشرط مقابل للشرط الثاني من شروط الترقيق:

الشرط الثالث: أن يكون قبل الراء كسرة أصلية منفصلة عنها نحو {?لَّذِي ?رْتَضَى?} وهذا الشرط مقابل للشرط الثالث من شروط الترقيق.

الشرط الرابع: أن يكون بعد الراء حرف من حروف الاستعلاء السبعة المتقدمة نحو {فِرْقَةٍ}. وهذا الشرط مقابل للشرط الرابع من شروط الترقيق.

هذا: ويشترط لوجود حرف الاستعلاء بعد الراء لأجل تفخيمها شرطان:

الأول: أن يكون مع الراء في كلمتها.

الثاني: أن يكون غير مكسور ووجد من ذلك أي من حروف الاستعلاء غير المكسورة ومع الراء في كلمتها ثلاثة أحرف وهي "الطاء" {فِي قِرْطَاسٍ} بالأنعام، الآية:7. والصاد في {إِرْصَاداً} بالتوبة الآية:107. {مِرْصَاداً} بالنبأ، الآية:21. و{لَبِ?لْمِرْصَادِ} بالفجر، الآية:14، (والقاف) في {فِرْقَةٍ} بالتوبة، الآية:122.

فإن انفصل حرف الاستعلاء عن الراء بأن كانت الراء في آخر الكلمة وحرف الاستعلاء في أول الكلمة الثانية فلا خلاف في ترقيقها لجميع القراء والوارد من ذلك في القرآن الكريم ثلاثة مواضع وهي قوله تعالى: {أَنذِرْ قَوْمَكَ} {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ} {فَ?صْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}. أما إذا كان حرف الاستعلاء الذي بعد الراء مكسوراً ففي الراء خلاف بين أهل الأداء، فقال الجمهور بالترقيق. وقال بعض بالتفخيم وهذا في كلمة فرق في قوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَ?لطَّوْدِ ?لْعَظِيمِ (63)} فمن فخم نظر إلى وجود حرف الاستعلاء بعد الراء على القاعدة السابقة ومن رقق نظر إلى كسر حرف الاستعلاء لأنه لما انكسر ضعفت قوته وصارت الراء متوسطة بين كسرين. وإلى هذا الخلاف أشار الحافظ أبن الجزري بقوله في المقدمة الجزرية:

*والخلْفُ في فرقٍ لِكَسْر يُوجَدُ * ... ... ... ...*

وقوله لكسر يوجد أي في القاف: "الوجهان صحيحان مقروء بهما" لكل القراء غير أن الترقيق هو المشهور والمقدم في الأداء وحكى غير واحد لإجماع عليه كما في النشر وغيث النفع وتنبيه الغافلين وغيرها. قال صاحب انشراح الصدور: قال الداني: والوجهان جيدان والمأخوذ به الترقيق نقله النويري في شرح الطيبة فهو أولى بالعمل إفراداً وبالتقديم جمعاً أهـ بحروفه.

تنبيه: تقدم أن شروط الترقيق الأربعة للراء الساكنة المتوسطة لا بد من أن تكون كلها موجودة في آن واحد: أما شروط التفخيم الأربعة للراء ذاتها فليست كذلك بل يكفي وجود واحد منها ويكون مسوغاً للتفخيم حينئذ فتأمل، والله الموفق.

الكلام على الراء المتطرفة الساكنة في الوصل والوقف

وهي نحو قوله تعالى: {وَ?سْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} {وَأْمُرْ أَهْلَكَ}.

وهذه الراء ترقق بشرط واحد وهو وقوعها بعد كسرة كقوله تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} ولا يضر وجود حرف الاستعلاء بعد الراء في النوع لأنه أصبح مفصولاً عنها كما تقدم في نحو {فَ?صْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} وتفخم هذه الراء بشرطين:

أولهما: أن يقع قبلها فتحة نحو {فَلاَ تَقْهَرْ} {فَلاَ تَنْهَرْ}.

ثانيهما: أن يقع قبلها ضمة نحو {فَ?نْظُرْ كَيْفَ} {وَ?لرُّجْزَ فَ?هْجُرْ} وهذان الشرطان مقابلان لشرط ترقيقها المتقدم آنفاً.

هذا: ولم نشترط هنا في الكسرة التي قبل الراء والتي هي شرط في ترقيقها أن تكون مع الراء في كلمتها إلى آخر ما تقدم في الراء الساكنة والمتوسطة: لأنه لا يتأتى هنا انفصال الكسرة عن الراء بحال. ولأنه لا توجد كلمة على حرف واحد هو الراء حتى تنفصل الكسرة عنها. فلهذا خلت الكسرة عن القيود السابقة ولزمت الراء في كلمتها. انتهى بتصرف من كتابنا الطريق المأمون إلى أصول رواية قالون ص (163). حكم الراء الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل

وهذه الراء لا تكون إلا متطرفة كما هو معلوم نحو {قُدِرَ} و{كُفِرَ} و{وَدُسُرٍ} و{لِلْبَشَرِ} و{?لنُّذُرُ} و{وَ?لْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَ?لشَّفْعِ وَ?لْوَتْرِ * وَ?للَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} و{قَدِيرٌ} و{خَبِيرٌ} و{ضَيْرَ} و{?لْخَيْرَ} و{?لنَّارِ} و{?لْقَرَارُ} و{لَغَفُورٌ} و{شَكُورٌ}. وما إلى ذلك. ولكل من الترقيق والتفخيم في هذه الراء له شروط نوضحها فيما يلي:

شروط الترقيق

شروط الترقيق لهذه الراء ثلاثة وهي كالآتي:

الأول: أن تسبق الراء كسرة نحو {قُدِرَ} و{كُفِرَ} و{?لأَشِرُ}. وإذا تخلل بين الكسرة والراء ساكن بشرط ألا يكون حرف استعلاء فلا يضر وجوده في هذه الحالة ولا يزال الترقيق سارياً وذلك نحو {لِلذِّكْرِ} و{?لسِّحْرَ} و{حِجْرٍ}.

أما إذا كان الساكن حرف استعلاء وهو المعبر عنه بالساكن الحصين نحو {مِصْرَ} {?لْقِطْرِ} فسيأتي الكلام عليه قريباً.

الثاني: أن تسبق الراء ياء ساكنة سواء كانت حرف مد نحو {بَصِيرٌ} و{خَبِيرٌ} و{?لنَّذِيرُ} و{قِطْمِيرٍ} أو حرف لين فقط نحو {?لسَّيْرَ} و{?لْخَيْرَ} و{لاَ ضَيْرَ} و{غَيْرَ} وهذان الشرطان باتفاق جميع القراء.

الثالث: أن يسبق الراء حرف ممال عند من يقول بالإمالة نحو {ذَاتِ قَرَارٍ} و{?لأَشْرَارِ} و{كِتَابَ ?لأَبْرَارِ} {عُقْبَى? ?لدَّارِ} بشرط كسر الراء المتطرفة كما هو مقرر في محله.

أما إذا كانت الراء منصوبة كقوله تعالى: {جَاهِدِ ?لْكُفَّارَ} أو مرفوعة نحو {هَـ?ذِهِ ?لنَّارُ} {وَبِئْسَ ?لْقَرَارُ} فلا خلاف في تفخيمها للكل كما سيأتي.

تنبيه: عرفت فيما سبق أن الإمالة سبب من أسباب الترقيق وقد قرأ بها حفص عن عاصم مع من قرأ في كلمة {مَجْري?هَا} بهود خاصة دون غيرها من الكلمات ذوات الراء ولهذا رقق الراء فاحفظه.

شروط التفخيم

تفخم الراء المتطرفة الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل بثلاثة شروط متفق عليها بين عموم القراء وهذه الشروط كالآتي:

الأول: أن يسبق الراء فتحة أو ضمة سواء تخلل بين الفتحة والضمة ساكن أم لا وذلك {?لْقَمَرُ و?لنُّذُرُ و?لْقَدْرِ و?لْيُسْرَ و?لْعُسْرَ}.

الثاني: أن يسبق الراء ألف المد بشرط نصب الراء المتطرفة نحو {إِنَّ ?لأَبْرَارَ} {جَاهِدِ ?لْكُفَّارَ} أو رفعها نحو قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ هُوَ ?للَّهُ ?لْوَاحِدُ ?لْقَهَّارُ}.

الثالث: أن يسبق الراء واو المد نحو قوله تعالى: {إِنَّ ?للَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} {وَإِلَيْهِ ?لنُّشُورُ} {وَأَنَّ ?للَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ?لْقُبُورِ} وما إلى ذلك.

هذا: وما تقدم ذكره من شروط للتفخيم والترقيق في الراء المتحركة مطلقاً والساكنة في الحالين سواء توسطت أو تطرفت والساكنة في الوقف دون الوصل ينطوي تحت قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية:

*ورقِّق الراءَ إذا ما كُسِرَتْ * كذلك بعد الكسر حيثُ سَكَنَتْ*

*إن لم تَكُنْ منْ قبْلِ حرْفِ استعْلا * أو كانَتِ الكسرَةُ ليسَتْ أصْلا اهـ*

تنبيهات هامة بخصوص الوقف على الراء المتطرفة

التنبيه الأول: لا يخفى أنه إذا وقفت على الراء الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل المتقدم ذكرها أخيراً يجوز لك الوقف بالسكون المجرد أو به مع الإشمام أو الوقف بالروم فيما يجوز فيه ذلك فإذا وقفت بالروم في نحو {وَ?لْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ} {ُقْبَى? ?لدَّارِ} {إِلَى ?لنُّورِ} من كل راء مجرورة أو مكسورة فلا بد من ترقيق الراء ولو لم يكن قبلها أحد شروط الترقيق السابقة. وذلك لأن الروم كالوصل فكأنك واصل والراء مجرورة والجر أو الكسر من مسوغات الترقيق كما مر آنفاً في صدر الباب.

أما إذا وقفت بالروم في حالة الرفع مثل: {وَ?نشَقَّ ?لْقَمَرُ} {?لْوَاحِدُ ?لْقَهَّارُ}. {وَإِلَيْهِ ?لنُّشُورُ} فلا ترقيق للراء للجميع وإن سبقها أحد شروط الترقيق كما لو وقفت على نحو {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} وذلك لأن الراء مرفوعة والرفع من مسوغات التفخيم كما مر أيضا: وإذا وقفت بالسكون المجرد سواء كانت الراء مرفوعة كما لو وقفت على نحو {فَمَا تُغْنِ ?لنُّذُرُ}. و{لَيْسَ ?لْبِرُّ} {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} أو مجرورة نحو {وَ?لْوَتْرِ} أو منصوبة {إِنَّ ?لأَبْرَارَ} أو وقفت بالسكون مع الإشمام ولا يكون إلا في المرفوع فينظر إلى ما قبل الراء حينئذ.

فإن كان ما قبلها أحد شروط الترقيق الثلاثة المتقدمة فترقق.

وإن كان ما قبلها أحد شروط التفخيم الثلاثة المتقدمة أيضاً فتفخم. وقد مر توضيح ذلك بما فيه الكفاية.

التنبيه الثاني: إذا تخلل بين الراء الموقوف عليها وبين الكسر الذي قبلها ساكن حصين ونعني به الصاد والطاء من حروف الاستعلاء وذلك من لفظ {مِّصْرَ} غير المنون حيث وقع في التنزيل ولفظ {?لْقِطْرِ} ففي الراء خلاف بين أهل الأداء. فمنهم من فخم لكون الحاجز حرف استعلاء معتدًّا به ومنهم من رقق ولم يعتد بالحاجز الحصين وجعله كغير الحصين مثل {?لشِّعْرَ} واختار الحافظ ابن الجزري التفخيم في مصر والترقيق في القطر نظراً لحال الوصل وعملاً بالأصل أي أن الراء في مصر مفتوحة في الوصل مفخمة. وفي القطر مكسورة في الوصل مرققة. وهذا هو المعمول عليه والمأخوذ به.

وقد بين العلامة المتولي رحمه الله مذهب الحافظ الجزري في هاتين الكملتين بقوله:

*ومِصْرَ فيه اختارَ أن يفخِّما * وعكسُهُ في القِطْر عنْه فاعْلما أهـ*

التنبيه الثالث: من الراءات الساكنة للوقف المتحركة في الوصل ما يجوز فيها الوجهان الترقيق والتفخيم والأول هو الأرجح. وهي الراءات المكسورة التي بعدها ياء محذوفة للتخفيف المنحصرة في كلمة {وَنُذُرِ} المسبوقة بالواو في ستة مواضع بالقمر وكلمة {يَسْرِ} في قوله تعالى: {وَ?للَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} بالفجر الآية:4. فمن رقق نظر إلى الأصل وهو الياء المحذوفة للتخفيف وأجرى الوقف مجرى الوصل.

ومن فخم لم ينظر إلى الأصل ولا إلى الوصل واعتد بالعارض وهو الوقف بسكون الراء وحذف الياء ولفتح ما قبل الراء في "يسر" ولضمه في "ونُذُرِ" إذ كل هذا موجب للتفخيم.

ويلحق بهذه الراءات السبع في إجراء الوجيهن وقفاً مع ترجيح الترقيق في الراء من كلمتي {أَنْ أَسْرِ} و{فَأَسْرِ} إذ أن بعد الراء فيهما ياء محذوفة للبناء.

التنبيه الرابع: علم مما تقدم في التنبيه الثالث أن الراءات الساكنة في الوقف المتحركة في الوصل والتي يجوز فيها الترقيق والتفخيم وفقاً مع أرجحية الترقيق تسع راءات يضاف إليها راء "القطر" بسبأ التي تقدم الكلام عليها في التنبيه الثاني فتصير عشر راءات الأرجح فيهن الترقيق وفقاً كما تقدم أيضاً من هذا النوع راء واحدة فيها الوجهان وفقاً التفخيم والترقيق والأول هو الأرجح عكس ما تقدم في الراءات العشر المذكورة آنفاً وهذه في لفظ {مِصْرَ} غير المنون فتكون الجلمة إحدى عشرة راء فليعلم.

التنبيه الخامس: الراء المكسورة المتطرفة الموقوف عليها إن ضم ما قبلها نحو {بِ?لنُّذُرِ} {وَدُسُرٍ} أو فتح نحو {?لْبَشَرِ} أو سكن نحو {?لْفَجْرِ} {?لْقَدْرِ} حكمها التفخم كما ذكرنا في شروط التفخيم للراء الساكنة للوقف. وهذا ما ذهب إليه الجمهور وهو الصحيح كما في إتحاف البشر وغيره. وقيل بترقيقها لعروض الوقف وذهب إليه جماعة والمعول عليه والمقروء به هو ما ذهب إليه الجمهور وبه قرأت على جميع شيوخي وبه أقرىء هذا إذا كان الوقف بالسكون المجرد. أما إذا كان الوقف بالروم فلا خلاف في ترقيق هذه الراء لجميع القراء كما مر. وفيما يلي ضابط نفيس لشيخ مشايخي العلامة المتولي بين فيه ما ذكرناه في هذا التنبيه مع ذكر اختيار الحافظ ابن الجزري فيما تقدم في الراءات ذوات الوجهين وفقاً قال عليه رحمة الله:

*والراجحُ التفخيم في للبَشَر * والفجْر أيضاً وكذا بالنُّذُر*

*وفي إذا يَسر اختيار الجزري * ترقيقهُ وهكذا ونُذر*

*ومِصر فيه اخْتار أن يفخِّمَا * وعكسه في القِطْر عنه فاعلما*

*وذلك كلُّه بحالِ وقْفِنا * والروم كالوصل على ما بُيِّنَا اهـ*

التنبيه السادس: كل ما تقدم ذكره من أحكام للراء الساكنة وقفاً المتحركة وصلاً إنما هو في زمن الوقف فقط كما بيناه.

أما إذا وصلت الراء فلا يخفى الحكم فيها حينئذ لأنها صارت متحركة وتقدم الكلام في صدر الباء على الراء المتحركة سواء كانت الحركة فتحة أو ضمة أو كسرة كما تقدم حكمها تفخيماً وترقيقاً فتأمل.

وإلى هنا انتهى كلامنا على أحكام الراء الساكنة ومتحركة. وإنما أطلنا الكلام عليها لكثرة مسائلها وقصداً لإتقان أحكامها فاحرص عليها وتأمل مسائلها فقد أوضحناها لك توضيحاً كاملاً والله يرشدنا وإياك إلى الطريق السوري إنه سبحانه صاحب التوفيق ووليه.

(/)

________________________________________

 ( الباب الرابع / في الضاد المعجمة والظاء المشالة )

 ( الفصل الأول / في الفرق بين الضاد والظاء )

الفرق بين الضاد والمعجمة والضاء المشالة يأتي من ناحيتين: ناحية المخرج وناحية الصفة:

أما ناحية المخرج فالضاد تخرج من إحدى حافتي اللسان وما يليها من الأضراس التي في الجانب الأيسر أو الأيمن إلى آخر ما تقدم في المخارج والظاء تخرج من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا أي رؤوسها وقد تقدم تفصيل ذلك في المخارج أيضاً.

وأما من ناحية الصفة فالضاد تمتاز - أي تزيد - عن الظاء صفة الاستطالة وباقي الصفات الخمس تتفق معها فيها.

ومن ثم يتضح أن الفرق بين الضاد والظاء قائم على المخرج وصفة الاستطالة ولولاهما لكانت أحدهما عن الأخرى. ومن أجل هذا وجب التمييز بينها بهذين الفرقين.

وهذا ما أشار أليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله رضي الله عنه.

*والضَّاد باستطالة ومخْرَج * مَيِّزْ من الظَّاء ... ...*

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني / في الظاءات المشالة الواردة في القرآن الكريم )

لما كانت الضاد المعجمة أصعب الحروف وأشدها على اللسان مخرجاً كما تقدم ويختلف نطق الناس بها. فمنهم من يخرجها من مخرجها الحقيقي المعد لها ضاداً مستطيلة وهم القلة. ومنهم من يخرجها من مخرج الظاء المشالة أو يخرجها طاء مهملة. ومنهم من يلتبس عليه الفرق بين الضاد المعجمة والظاء المشالة فيضع إحداهما مكان الأخرى وهذا كله لحن لا تصح القراءة به لأن فيه تغييراً للَّفظ وإخراجاً للكلمة عن المعنى المقصود.

ولهذا اهتم العلماء اهتماماً بالغاً بحصر الظاءات المشالة وموادها التي وردت في القرآن الكريم وأفردوها بالتأليف نثراً ونظماً كالحافظ أبي عمرو الداني وابن الجزري وسيدي علي النوري الصفاقسي وخلق غيرهم رحمهم الله ورضي عنهم. وإنما فعلوا ذلك لقلتها بالنسبة إلى الضاد ومن ثم يؤخذ من حصرهم للظاءات المشالة الواردة في التنزيل أن ما سواها فيه هو بالضاد المعجمة لفظاً وكتابة. وجملة ما ورد في القرآن الكريم من الظاءات المشالة حسبما جاء في المقدمة الجزرية ثلاثون لفظاً متفق عليه وواحد مختلف فيه بين القراء كما سيأتي ومن هذه الألفاظ ما وقع في موضع واحد. ومنها ما وقع في غير موضع ودونكها مفصلة حسب ترتيب المقدمة الجزرية ليسهل فهمها إن شاء الله تعالى.

اللفظ الأول: الظعن فتح الظاء والعين أو بسكون العين أيضاً وهما لغتان في هذا اللفظ وقرىء بهما في المتواتر ومعناه الرحلة من مكان إلى آخر ووقع منه في القرآن العظيم موضع. واحد وهو قوله تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} بالنحل.

اللفظ الثاني: الظل بكسر الظاء المشالة ووقع منه في القرآن العظيم أثنان وعشرون موضعاً أولها قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ?لْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ?لْمَنَّ وَ?لسَّلْوَى?} بالبقرة وآخرها قوله تعالى بالمرسلات: {إِنَّ ?لْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ (41)} ومن هذا اللفظ باب الظلة أيضاً ووقع في موضعين قوله تعالى: {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} بالأعراف وقوله سبحانه: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ?لظُّلَّةِ} بالشعراء.

اللفظ الثالث: الظهر بضم الظاء وهو وقت منتصف النهار ووقع منه في القرآن الكريم موضعان:

أولهما: قوله تعالى: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـ?بَكُمْ مِّنَ ?لظَّهِيرَةِ} بالنور.

وثانيهما: قوله تعالى: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} بالروم.

اللفظ الرابع: العظم بضم العين وسكون الظاء بمعنى العظمة ووقع منه في القرآن العظيم مائة وثلاثة مواضع الأول منه قوله تعالى بالبقرة: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)} الآية 7 وآخرها قوله تعالى بالمطففين: {أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)} الآية:5.

اللفظ الخامس: الحفظ بكسر الحاء وسكون الفاء. وقع منه في التنزيل اثنان وأربعون موضعاً أولها في قوله تعالى بالبقرة: {حَافِظُواْ عَلَى ?لصَّلَوَاتِ و?لصَّلاَةِ ?لْوُسْطَى?} بالبقرة، الآية 238. وآخرها قوله تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} بالطارق، الآية:4.

اللفظ السادس: أيقظ من اليقظة ضد النوم وقع منه في التنزيل موضع واحد بالكهف وهو قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} الآية:18.

اللفظ السابع: النظر من الإنظار بمعنى المهلة والتأخير وقع منه في القرآن الكريم عشرون موضعاً: أولها قوله تعالى: {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ?لْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} بالبقرة، الآية 162. وآخرها قوله تعالى: {?نظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} بالحديد، الآية:13.

قال العلامة ابن يالوشة في شرح المقدمة الجزرية، وأما: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ?لْمَلا?ئِكَةُ} بالأنعام، الآية:158 والنحل، الآية: 33 من الانتظار لا من الإنظار أهـ.

اللفظ الثامن: العظم بفتح العين وسكون الظاء وهو العظم المعروف سواء أكان عظم آدمى أم غيره وسواء أكان مفرداً أم جمعاً. وقع منه في القرآن الكريم خمسة عشر موضعاً:

الأول منه قوله تعالى بالبقرة: {وَ?نْظُرْ إِلَى ?لعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} الآية:259. وآخرها قوله تعالى: {عِظَاماً نَّخِرَةً (11)} بالنازعات، الآية:11.

اللفظ التاسع: الظهر بفتح الظاء وسكون الهاء وهو خلاف البطن سواء كان ظهراً لآدمي أو لغيره. وقع منه في القرآن الكريم ستة عشرة موضعاً:

أولها قوله تعالى: {وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101)} بالبقرة، الآية:101. وآخرها قوله عز شأنه: {?لَّذِي? أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3)} بالانشراح، الآية:3.

اللفظ العاشر: اللفظ بمعنى التلفظ وقع منه في التنزيل موضع واحد وهو قوله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}. سورة ق، الآية:18.

اللفظ الحادي عشر: ظاهر بكسر الهاء. ومادة هذا اللفظ تفيد ست معان وهي كالآتي:

الأول: الظاهر ضد الباطن. وقع منه في القرآن الكريم ثلاثة عشرة موضعاً:

الأول منها قوله تعالى: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ ?لإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} بالأنعام، الآية:120. والآخر قوله سبحانه: {وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ?لْعَذَابُ (13)} بالحديد، الآية:13.

الثاني: الظهور بمعنى العلو والانتصار. وقع منه في القرآن العظيم ثمانية مواضع:

الأول منها قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى ?لدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ?لْمُشْرِكُونَ} بالتوبة، الآية:33. وآخرها قوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ} بالصف، الآية:14.

الثالث: الظهور بمعنى الظفر وقع منه في التنزيل موضعان:

الأول: قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} بالتوبة، الآية:8.

والثاني: قوله تعالى: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} بالكهف، الآية:20.

الرابع: الظهور بمعنى الاطلاع والإحاطة وقع منه في القرآن الكريم ثلاثة مواضع:

أولها: قوله تعالى: {?لَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى? عَوْرَاتِ ?لنِّسَآءِ} بالنور، الآية:31.

وثانهيا: قوله تعالى: {وَأَظْهَرَهُ ?للَّهُ عَلَيْهِ} بالتحريم، الآية3.

وثالثها: قوله تعالى: {فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى? غَيْبِهِ أَحَداً (26)} بالجن، الآية:26.

الخامس: التظاهر بمعنى التعاون. وقع منه في القرآن الكريم اثنا عشر موضعاً:

الأول منها قوله تعالى: {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِ?لإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} بالبقرة، الآية:85. وآخرها قوله تعالى: {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)} بالتحريم، الآية:4.

السادس: الظهر بمعنى الظهار وهو الحلف به. وقع منه في التنزيل ثلاثة مواضع:

الأول: قوله تعالى: {تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} بالأحزاب، الآية:4.

والثاني والثالث: قوله تعالى: {?لَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ} وقوله سبحانه: {وَ?لَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} كلاهما بالمجادلة، الآيتان:2، 3.

والحاصل أن مادة لفظ "ظاهر" بمعانيها المذكورة اشتملت على واحد وأربعين موضعاً في التنزيل.

اللفظ الثاني عشر: لظى وهو اسم من أسماء جهنم نسأل الله النجاة منها. وقع منه في القرآن العظيم موضعان: قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى? (15)} بالمعارج، الآية:15. وقوله سبحانه: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى? (14)} بالليل، الآية:14.

اللفظ الثالث عشر: شواظ بضم الشين وكسرها لغتان وقرىء بهما في المتواتر وهو اللهب الذي لا دخال معه نسأل الله السلامة منه وقع منه في التنزيل موضع واحد وهو قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} الآية 35 بسورة الرحمن جل وعلا.

اللفظ الرابع عشر: الكظم وهو تجرع الغيظ وعدم ظهوره وذلك بتحمله وقع منه في التنزيل ستة مواضع:

أولها قوله تعالى: {وَ?لْكَاظِمِينَ ?لْغَيْظَ} بآل عمران، الآية: 134.

وثانيها: قوله تعالى: {وَ?بْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ?لْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)} بيوسف، الآية:84.

وثالثها: قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58)} بالنحل، الآية:58.

ورابعها: قوله تعالى: {إِذِ ?لْقُلُوبُ لَدَى ?لْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} بغافر، الآية:18.

وخامسها: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ(17)} بالرخزف، الآية:17.

وسادسها: قوله تعالى: {إِذْ نَادَى? وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)} بالقلم، الآية:48.

اللفظ الخامس عشر: الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه. وقع منه في القرآن الكريم مئتان وثمانون موضعاً على الصحيح:

الأول منها قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هَـ?ذِهِ ?لشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ?لْظَّالِمِينَ} بالبقرة، الآية:35. وآخرها قوله تعالى: {وَ?لظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} بالدهر، الآية:31.

اللفظ السادس عشر: الغلظ من الغلاضة ضد الرقة وقع منه في التنزيل ثلاثة عشر موضعاً:

الاول منها قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ?لْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} بآل عمران، الآية:159. وآخرها قوله تعالى: {جَاهِدِ ?لْكُفَّارَ وَ?لْمُنَافِقِينَ وَ?غْلُظْ عَلَيْهِمْ} بالتحريم، الآية:9.

اللفظ السابع عشر: الظلام ضد النور. وقد اختلف العلماء في عدد مواضعه فذكر الحافظ ابن الجزري في التمهيد أن مواضعه في التنزيل ستة وعشرون موضعاً وقال ابنه المعروف بابن الناظم: إن مواضعه مائة موضع وتابعه على ذلك جماعة من شارحي المقدمة الجزرية وغيرهم والصواب ما قاله والده وهو ستة وعشرون موضعاً وبه قال العلامة سيدي علي النوري الصفاقسي والعلامة ابن يالوشة وكذلك الملا علي القاري وغيرهم.

هذا: والموضع الأول من الستة والعشرين قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17)} بالبقرة، الآية:17. وآخرها قوله تعالى: {لِّيُخْرِجَ ?لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ?لصَّالِحَاتِ مِنَ ?لظُّلُمَاتِ إِلَى ?لنُّورِ} بالطلاق، الآية:11.

اللفظ الثامن عشر: الظفر بضم الظاء والفاء وهو معروف وجمعه أظاهفر جاء منه في التنزيل موضع واحد وهو قوله تعالى: {وَعَلَى ?لَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} بالأنعام، الآية:146.

اللفظ التاسع عشر: الانتظار بمعنى الارتقاب وقع منه في التنزيل ستة وعشرون موضعاً على الصحيح.

أولها قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ?للَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ?لْغَمَامِ وَ?لْمَلا?ئِكَةُ} بالبقرة، الآية:210. وآخرها قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ?لسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} بالقتال، الآية:18.

اللفظ العشرون: الظمأ وهو العطس وقع منه في القرآن العظيم ثلاثة مواضع:

أولها: قوله تعالى: {لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} بالتوبة، الآية:120.

وثانيها: قوله تعالى: {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا} بـ طه، الآية:119.

وثالثها: قوله تعالى: {يَحْسَبُهُ ?لظَّمْآنُ مَآءً} بالنور، الآية:39.

وقد أشار إلى هذه الألفاظ العشرين الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*... ... ... ... ... ... * ... ... ... وكُلُّها تَجي*

*في الظَّعْن ظِلُّ الظُّهْر الحِفظ * أيقِظْ وانْظُر عَظْمَ ظهْر اللفظ*

*ظاهِرْ لَظَى شُواظ كضْمِ ظَلمَا * أُغْلُظْ ظلامَ ظُفُر انتظرْ ظَمَا اهـ*

اللفظ الحادي والعشرون: الظفر بفتح الظاء والفاء بمعنى الغلبة والنصر وقع منه في القرآن الكريم موضع واحد في قوله تعالى: {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} بالفتح، الآية:24.

اللفظ الثاني والعشرون: الظن وهو تجويز أمرين: أحدهما أقرب من الأخر. ويأتي بمعنى الشك أو اليقين.

فالأول كقوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِ?للَّهِ ?لظُّنُونَاْ (10)} بالأحزاب، الآية:10. وقوله: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ?لسَّوْءِ} بالفتح: الآية:12.

والثاني: نحو قوله تعالى: {?لَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَ?قُواْ رَبِّهِمْ} بالبقرة، الآية:46. وقوله {فَظَنُّو?اْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} بالكهف، الآية:53. وقد يأتي بمعنى التهمة كقوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى ?لْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} بالتكوير، الآية:24. وذلك عند من قرأ بالظاء المشالة. والحاصل أن باب الظن كيف ورد في القرآن الكريم سواء كان بمعنى الشك أو اليقين أو العلم أو التهمة وسواء كان اسماً أو فعلاً فهو بالظاء المشالة واستفيد هذا الإطلاق من قول المقدمة الجزرية "ظنًّا كيف جا" والوارد منه في التنزيل تسعة وستون موضعاً على الصحيح.

أولها: قوله تعالى: {?لَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَ?قُواْ رَبِّهِمْ} بالبقرة، الآية:46. وآخرها قوله سبحانه: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ (14)} بالانشقاق، الآية:14.

اللفظ الثالث والعشرون: الوعظ وهو التخويف من عذاب الله والترغيب في ثوابه وقع منه في القرآن العظيم أربعة وعشرون موضعاً على الصيحيح.

أولها: قوله تعالى: {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} بالبقرة، الآية:66. وآخرها قوله سبحانه: {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} بالمجادلة، الآية:3. وليس منه لفظ "عضين" في قوله تعالى: {?لَّذِينَ جَعَلُواْ ?لْقُرْآنَ عِضِينَ} بالحجر، الآية:91. فإنه بالضاد المعجمة وهو جمع عضة بمعنى فرقة وهذا معنى قول المقدمة الجزرية "وعظ سوى عضين" وجاء في بعض شراح المقدمة الجزرية وغيرها أن الوارد في القرآن الكريم من مادة الوعظ تسعة مواضع والصحيح ما ذكرناه وبه قال غير واحد من الثقات كسيدي علي النوري الصفاقسي والعلامة ابن يالوشة.

اللفظ الرابع والعشرون: ظل بمعنى دام أو صار. وقع منه في التنزيل تسعة مواضع وفيما يلي ذكرها كترتيب المقدمة الجزرية.

الأول والثاني قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} في النحل، الآية:58 والزخرف، الآية:17.

الثالث: قوله تعالى: {?لَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} بطه، الآية:97.

الرابع: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} بالواقعة، الآية:65.

الخامس: قوله تعالى: {لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} بالروم، الآية:51.

السادس: قوله تعالى: {فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} بالحجر، الآية:14.

السابع والثامن: قوله تعالى: {آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}. وقوله سبحانه {قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}. كلاهما بالشعراء، الآيتان: 4، 71.

التاسع: قوله تعالى: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى? ظَهْرِهِ} بالشورى، الآية:33.

قال العلامة ابن يالوشة في شرح المقدمة الجزرية عقب تعداد المواضع التسعة للفظ ظل المذكور آنفاً ما نصه "وما سوى" هذه المواضع فإنه الضاد لأنه إما من الضلال ضد الهوى كقوله تعالى: {يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} ومن الاختلاط والمزج كقوله تعالى: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ?لأَرْضِ}. أو بمعنى الهلاك كقوله تعالى: {إِنَّ ?لْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ (47)}. أو بمعنى البطلان كقوله تعالى: {?لَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ?لْحَيَاةِ ?لدُّنْيَا}. أو بمعنى التغيب كقوله تعالى: {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا}. فهذا جميعه بالضاد لأنه ليس بمعنى الدوام أو الصيرورة أهـ منه بلفظه ص (36).

اللفظ الخامس والعشرون: الحظر وهو المنع والحجر وقع منه في القرآن الكريم موضع واحد وهو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)} بالإسراء الآية:20.

اللفظ السادس والعشرون:المحتظر بكسر الظاء بمعنى صاحب الحظيرة وقع منه التنزيل موضع واحد هو قوله تعالى: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ?لْمُحْتَظِرِ (31)}.

اللفظ السابع والعشرون: الفظ من الفظاظة وهي الغلظة والتجافي وقع منه في القرآن الكريم موضع واحد وهو قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ?لْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} بآل عمران، الآية:159.

اللفظ الثامن والعشرون: النظر بمعنى الرؤية أو بمعنى التفكر:

فالأول: كقوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} بالأعراف، الآية:198.

والثاني: كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ} بالأعراف، الآية:185. والوارد في القرآن الكريم من باب النظر مطلقاً ستة وثمانون موضعاً على الصحيح:

أولها: قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ (50)} بالبقرة، الآية:50. وآخرها قوله سبحانه وتعالى: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ?لإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)} بالغاشية، الآية:17.

قال العارف بالله سيدي علي النوري الصفاقسي بعد أن تكلم على مادة "النظر" هذه ما نصه: "لا يخفى أن بعضه نظر بصر كقوله تعالى: {تَسُرُّ ?لنَّاظِرِينَ (69)}. وبعضه للاستدلال كقوله تعالى: {قُلِ ?نظُرُواْ مَاذَا فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ}. {فَ?نظُرْ إِلَى? آثَارِ رَحْمَتِ ?للَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ ?لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ}. وبضعه للاعتبار كقوله تعالى: {فَ?نْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ?لْمُفْسِدِينَ (14)}. وبعضه نظر تعجب كقوله تعالى: {?نْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ?لآيَاتِ ثُمَّ ?نْظُرْ أَنَّى? يُؤْفَكُونَ (75)}. انتهى كلامه رضي الله عنه.

هذا: وليس من باب النظر كلمة "ناظرة" الأولى في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22)} بالقيامة، الآية:22. وكلمة "نظرة" في قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً11)} بالدهر، الآية:11. وفي قوله سبحانه: {نَضْرَةَ ?لنَّعِيمِ (24)} بالمطففين، الآية:24. فالكلمات الثلاثة بالضاد المعجمة لأنها من النضارة بمعنى الحسن والإضاءة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "نظَّر الله عبداً سمع مقالتي فواعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه". الحديث. وهذا معنى قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية "وجميع النظر: إلا بويل هل وأولى" أي جميع مادة النظر مطلقاً في التنزيل بالظاء المشالة إلا {نَضْرَةَ ?لنَّعِيمِ} بسورة ويل للمطففين و{نَضْرَةً وَسُرُوراً} بسورة هل أتى و {نَاظِرَةٌ} الاولى بالقيامة كما مر وخرج بقوله: "وأولى ناضرة" كلمة "ناظرة" الثانية بفنس سورة القيامة في قوله تعالى: {إِلَى? رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} الآية:23. فهي بالظاء المشالة لأنها بمعنى الرؤية والمشاهدة.

نسأل الله تعالى من فضله وكرمه أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم في دار الكرامة والتنعيم إنه سميع مجيب آمين.

اللفظ التاسع والعشرون: الغيظ: وهو شدة الغضب وثوران طبع النفس وقع منه في التنزيل أحد عشر موضعاً:

أولهما: قوله تعالى: {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} بآل عمران، الآية:119. وآخرها قوله سبحانه: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} بالملك، الآية:8. وليس من هذا اللفظ "غيض وتغيض" في قوله تعالى: {وَغِيضَ ?لْمَآءُ} بهود، الآية:44. وفي قوله سبحانه: {وَمَا تَغِيضُ ?لأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} بالرعد، الآية:8. فإنهما بالضاد المعجمة لكونهما من الغيض بمعنى النقص ولم يقع غيرهما في القرآن الكريم وهذا معنى قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية: "والغيظ لا الرعد وهود قاصرة".

اللفظ الثلاثون: الحظ بمعنى النصيب وقع منه في التنزيل سبعة مواضع وهي كالآتي:

الأول: قوله تعالى: {يُرِيدُ ?للَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ?لآخِرَةِ} بآل عمران، الآية:176.

الثاني والثالث: بالنساء في قوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ?لأُنْثَيَيْنِ} الآية 11. وفي قوله سبحانه: {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ?لأُنثَيَيْنِ} الآية: 176.

الرابع الخامس: بالمائدة في قوله تعالى: {وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} الآية:13. وفي قوله سبحانه: {فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} الآية:14.

السادس: قوله تعالى: {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)} بالقصص، الآية:79.

السابع: قوله تعالى: {إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} بفصلت، الآية:35.

وأما الحض بمعنى التحريض والحث على فعل الشيء فهو بالضاد المعجمة ووقع منه في التنزيل ثلاثة مواضع:

أولها وثانيها: لفظ "يحض" في قوله تعالى: {وَلاَ يَحُضُّ عَلَى? طَعَامِ ?لْمِسْكِينِ (3)} في كل من سورة الحاقة، الآية:34، وسورة الماعون، الآية:3.

وثالثها: قوله تعالى: {وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَى? طَعَامِ ?لْمِسْكِينِ (18)} بالفجر، الآية:18. وهذا معنى قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية: "والحفظ لا الحض على الطعام".

اللفظ الحادي والثلاثون: (ضنين) وهذا هو اللفظ المختلف فيه بين القراء كما تقدم في صدر هذا الفصل. وقد وقع منه في القرآن الكريم لفظ واحد وهو قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى ?لْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} بالتكوير، الآية:24. فقد قرأه بعضهم بالظاء المشالة بمعنى متهم أي وما محمد بمتهم فيما يوحى إليه وقرأه بعضهم بالضاد المعجمة بمعنى بخيل أي وما محمد ببخيل على الناس ببيان ما يوحى إليه من الله تعالى. وما سوى هذه الألفاظ الجامعة للظاءاات المشالة في التنزيل فإنه بالضاد المعجمة لظفاً وكتابة.وقد أشار إلى بقية الألفاظ من الحادي والعشرين إلى نهاية الواحد والثلاثين الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*أظفرَ طنًّا كيفَ جا وِعظْ سِوَى * عِضِينَ ظَلَّ النحْل زُخرُف سَوَى*

*وظلتَ ظَللتُمْ وبرُومٍ ظَلُّوا * كالحِجْر ظلَّتْ شُعَرَا تَظِلُّ*

*يظْلَلْنَ محظُوراً معَ المُحتَظِر * وكنتَ فَظًّا وجميعَ النَّظَر*

*إلا بويْلٍ هلْ وأُولَى ناضِرَه * والغَيْظِ لا الرَّعْدِ وهُود قَاصِرهْ*

* والحظُّ لا الحضِّ على الطَّعامِ * وفي ضَنين الخِلاَفُ سامِي اهـ*

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في لزوم بيان حرف الضاد المعجم من الظاء المشال ونحوهما إذا التقيا )

إذا التقت الضاد المعجمة بالظاء المشالة لزم بيان مخرج كل منهما سواء أكان بينهما فاصل في الخط أم لم يكن كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ ?لظَّالِمُ عَلَى? يَدَيْهِ} بالفرقان، الآية:27. وكقوله سبحانه: {أَنقَضَ ظَهْرَكَ} بالإنشراح، الآية:3. وذلك لئلا تختلط إحداهما بالأخرى فتبدل الضاد ظاء أو العكس وهذا لحن لا تصح به القراءة ولا توصف به التلاوة وفيه تغيير للَّفظ وإخراج للكلمة عن معناها المراد. وكذلك الحكم في لزوم بيان الضاد المعجمة في الطاء المهملة ومن التاء المثناة فوق أيضاً.

فالأولى: في نحو قوله تعالى: {فَمَنِ ?ضْطُرَّ} و{ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} و{لاَّ مَا ?ضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}.

والثانية في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ} {وَخُضْتُمْ} و{عَرَّضْتُمْ} {...فَقَبَضْتُ} وذلك لئلا يسبق اللسان إلى إدغامها فيها لأنه الأخف حينئذ وهو ممنوع بالاتفاق. وكذلك الحكم في لزوم بيان الظاء المشالة من التاء المثناة فوق نحو قوله تعالى: {أَوَعَظْتَ} لئلا يسبق اللسان إلى إدغامها فيها وهو ممنوع كذلك وليس بيان الضاد المعجمة قاصراً على ما ذكر بل بيانها لازم مطلقاً خصوصاً إذا كانت ساكنة نحو {فَضَّلْنَا} و{وَقَيَّضْنَا} و{يُضْلِلِ} {وَ?خْفِضْ جَنَاحَكَ}.

ووما يجب مراعاته أيضاً تصفية الهاء أي تخليصها إذا جاورت هاء أو ياء أو غيرهما نحو {جِبَاهُهُمْ} و{جُنوبُهُمْ} و{ظُهُورُهُمْ} ونحو {عَلَيْهِم} و{إِلَيْهِمْ} و{يُزَكِّيهِمْ} وذلك لأن الهاء حرف خفي ولاتصافها بصفات الضعف كما تقدم ولذلك قويت بالصلة إذا وقعت ضميراً كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً (15)}. وقد أشار إلى ما ذكرناه في هذا الفصل الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*وإنْ تَلاقَيَا البَيَانُ لاَزمُ * أَنْقَضَ ظَهْرَك يَعَضُّ الظَّالِمُ*

*واضْطُرَّ معْ وَعَظْتَ مع أَفَضْتُمْ * وَصَفِّ هَا جِبَاهُهُمْ عليْهمُ*

والله تعالى أعلى وأعلم.

(/)

________________________________________

 ( الباب الخامس / في أحكام النون الساكنة والتنوين )

 ( تعريف النون الساكنة والتنوين والأمور التي تخالف فيها النون )

(أ) تعريف النور الساكنة وإخراج محترزات القيود:

النون الساكنة هي التي سكونها ثابت في الوصل والوقف نحو {مَنْ هَاجَرَ} {يَنْهَوْنَ} {إِنْ عَلَيْكَ} فقولنا: "النون الساكنة" خرج به النون المتحركة المخففة نحو {قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ} والمشددة {مِنَ ?لْجِنَّةِ وَ?لنَّاسِ} وقولنا "سكونها ثابت" خرج به ما كان ثابتاً وزال للتخلص من التقاء الساكنين نحو {إِنِ ?رْتَبْتُمْ} {إِلاَّ مَنِ ?رْتَضَى?}. وقولنا: "في الوصل والوقف خرج به السكون العارض كسكون النون المتطرفة في الوقف نحو{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {نَسْتَعِينُ}.

ومن ثم يتضح أن النون الساكنة التي سكونها ثابت في الوصل والوقف هي التي "تثبت خطًّا ولفظاً ووصلاً ووقفاً" وهي المقصودة بالذكر هنا وتقع في الأسماء والأفعال متوسطة ومتطرفة وفي الحروف متطرفة فقط.

(ب) تعريف التنوين وإخراج محترزات القيود:

التنوين معناه في اللغة التصويت. وفي الاصطلاح "نون ساكنة زائدة لغير توكيد تلحق آخر الاسم وصلاً وتفارقه خطًّا ووقفاً نحو قوله تعالى: {وَ?للَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.{وَ?للَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

فقولنا هنا: "نون ساكنة" خرج به نون التنوين المتحركة للتخلص من التقاء الساكنين نحو {فَتِيلاً * انظُرْ} {ُّنِيبٍ * ?دْخُلُوهَا}.

وقولنا: "زائدة" خرج به النون الأصلية التي سبق الكلام عليها قريباً.

وقولنا: "لغير توكيد" خرج به نون التوكيد الخفيفة في {وَلَيَكُوناً} {لَنَسْفَعاً} في قوله تعالى: {وَلَيَكُوناً مِّن ?لصَّاغِرِينَ} وفي قوله سبحانه: {لَنَسْفَعاً بِ?لنَّاصِيَةِ}. لأنها ليست تنونياً وإن أشبهته في إبدالها ألفاً في الوقف لاتصالها بالفعل ولا ثالث لهما في القرآن الكريم.

وقولنا: "تلحق آخر الاسم وصلاً" خرج به الفعل والحرف فهي لا تلحقهما أبداً لأنهما لا ينونان بحال.

وقولنا: "وتفارقه خطًّا ووقفاً" خرج به النون الأصلية فهي لا تفارق الاسم مطلقاً أثناء وجودها فيه.

ويؤخذ من هذا التعريف أن التنوين خاص بالأسماء فلا يدخل الأفعال ولا الحروف ولا يكون إلا متطرفاً لأنه لا يوجد إلا بين كلمتين ولا يثبت إلا في الوصل واللفظ.

(ج) الأمور التي تخالف فيها النون السكانة التنوين:

مما تقدم ذكره من تعريف كل من النون الساكنة والتنوين يتبين أن النون الساكنة تخالف التنوين في أربعة أمور لا بد من معرفتها جيداً وها هي:

الأول: أن النون الساكنة تقع في وسط الكلمة وفي آخرها والتنوين لا يقع إلا في الآخر.

الثاني: أن النون الساكنة تقع في الأسماء والأفعال والحروف والتنوين لا يقع إلا في الأسماء.

الثالث: أن النون الساكنة تكون ثابتة في الوصل والوقف والتنوين لا يثبت إلا في الوصل.

الرابع: أن النون الساكنة تكون ثابتة في الخط واللفظ والتنوين لا يثبت إلا في اللفظ والتأمل.

هذا: وللنون الساكنة والتنوين بالنسبة لما يأتي بعدهما من الحروف الهجائية أربعة أحكام وهي الإظهار والإدغام والقلب والإخفاء.

وقد اشار إليها الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*وحُكْمُ تنوين ونُون يُلْفَى * إظهارٌ ادْغامٌ وقلبٌ اخْفا أهـ*

ولكل من هذه الأحكام الأربعة كلام خاص نوضحه فيما يلي:

(/)

________________________________________

 ( الكلام على الحكم الاول "الإظهار" ووجهه وضوابطه )

الكلام على الحكم الأول "الإظهار" ووجهه وضوابطه:

الإظهار في اللغة البيان. ومن معانيه في الاصطلاح: إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في الحرف والمظهر. وقال بعضهم: "هو فصل الحرف الأول من الثاني من غير سكت عليه وقيل غير ذلك.

وحروفه في هذا الباب ستة: الهمزة والهاء والعين والحاء والمهملتان والغين والخاء المعجمتان وهي المسماة بحروف الحلق لخروجها منه كما تقدم في المخارج فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد النون الساكنة سواء أكان معها في كلمة أم كان منفصلاً عنها بأن كانت النون آخر الكلمة وحرف الحلق أول الثانية أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين وجب الإظهار ويسمى إظهاراً حلقيًّا: وفيما يلي الأمثلة للنون من كلمة ومن كلمتين وللتنوين مع هذه الأحرف:

فالهمزة: فيل كلمة {وَيَنْأَوْنَ} ولا ثاني لها في التنزيل ونحو {مَّنْ آمَنَ} و{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً}.

والهاء: نحو {يَنْهَوْنَ} {مَنْ هَاجَرَ} {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}.

والعين المهملة: نحو{أَنْعَمَ ?للَّهُ}، {إِنْ عَلَيْكَ}، {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.

والحاء المهملة أيضاً: نحو: {وَتَنْحِتُونَ} {مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.

والغين المعجمة في كلمة {فَسَيُنْغِضُونَ}. ولا ثاني لها في التنزيل ونحو {مِّنْ غِلٍّ} {إِنَّ ?للَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}.

والخاء المعجمة في كلمة {وَ?لْمُنْخَنِقَةُ}. ولا ثاني لها في القرآن الكريم ونحو {مِنْ خَيْرٍ} {إِنَّ ?للَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ (34)}.

ووجه إظهار النون الساكنة والتنوين عند هذه الأحرف بعد مخرجهما عن مخرجهن كل البعد إذ هن يخرجن من الحلق وهما من طرف اللسان ولم يحسن الإدغام لعدم وجود سببه. ولا الإخفاء لأنه قريب منه ولا القلب لأنه وسيلة إلى الإخفاء. ولهذا تعين الإظهار الذي هو الأصل. وسمي إظهاراً لظهور النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما بحرف من هذه الأحرف. وسمي حلقيًّا لخروج حروفه من الحلق وسماه بعضهم التبيين. وقد أشار صاحب التحفة إلى أحكام النون الساكنة والتنوين الأربعة مبيناً منها الإظهار وحروفه بقوله:

*للنُّون إنْ تسكُنْ وللتنوين * أرْبَعُ أحْكَامٍ فخذ تبيينِي*

*فالأول الإظهارُ قبل أحْرُف * للحلق سِتٌّ رُتِّبت فتُعْرَفِ*

*همزٌ فهاءٌ ثمَّ عينٌ حاءُ * مُهملتَان ثمَّ غيْنٌ خَاءُ*

(/)

________________________________________

 ( الكلام على الحكم الثاني الإدغام وأقسامه ووجهه وضوابطه )

الكلام على الحكم الثاني "الإدغام" وأقسامه ووجهه وضوابطه:

من معاني الإدغام في اللغة الإدخال: وفي الاصطلاح: التقاء حرف ساكن بحرف متحرك بحيث يصير الحرفان حرفاً واحداً مشدداً يرتفع اللسان بهما ارتفاعة واحدة وهو بوزن حرفين.

وحروفه في هذا الباب ستة مجموعة في قول صاحب التحفة "يرملون" وهي الياء المثناة تحت والراء والميم واللام والواو والنون. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الستة بعد النون الساكنة بشرط أن تكون النون آخر الكلمة وأحد هذه الأحرف أول الثانية. أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين وجب إدغمها وتسمى النون الساكنة والتنوين مدغماً بفتح الغين ويسمى أحد حروف (يرملون) مدغماً فيه. وينقسم هذا الإدغام إلى قسمين:

الأول: إدغام بغنة.

الثاني: إدغام بغير غنة ولكل تفصيل نوضحه فيما يلي:

الإدغام بغنة: يختص هذا الإدغام بأربعة أحرف من حروف "يرملون" مجموعة في قول الكثير من أئمتنا في لفظ "ينمو" وهي الياء المثناة تحت والنون والميم والواو فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة بعد النون الساكنة بشرط انفصاله عنها كما تقدم أو بعد التنوين أو بعد نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل المضارع الشبيهة بالتنوين وجب الإدغام ويسمى إدغاماً بغنة وإليك أمثلة الجميع مع هذه الأحرف:

فالياء: نحو {إِن يَقُولُونَ} {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ}.

والنون: نحو {إِن نَّقُولُ}. {مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ}.

والميم: نحو {مِّن مَّآءٍ} {فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)}. وبعد نون التوكيد الخفيفة في قوله تعالى: {وَلَيَكُوناً مِّن ?لصَّاغِرِينَ (32)} ولا ثاني لها في التنزيل بالنسبة للإدغام.

والواو: نحو {مِنَ ?للَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ (37)}. وسمي إدغاماً لإدغام النون والتنوين في حروف (ينمو) بشرطه المذكور آنفاً وسمي بغنة لمصاحبة الغنة له سواء أكانت للمدغم أم للمدغم فيه وسيأتي توضيح المدغم والمدغم فيه قريباً.

أما إذا اجتمعت النون الساكنة مع حرف من حروف ينمو في كلمة واحدة فيمتنع الإدغام ويجب الإظهار اتفاقاً ويسمى إظهاراً مطلقاً لأنه ليس من الإظهار الحلقي المتقدم ولا من الشفوي ولا من القمري الآتي ذكرهما بعد.

ولم يجتمع مع النون الساكنة من حروف ينمو في كلمة واحدة إلا الياء والواو فالياء في كلمتي {?لدُّنْيَا} {بُنْيَاناً} حيث جاءتا في التنزيل. والواو في كلمتي {قِنْوَانٌ} {صِنْوَانٌ}. وإنما وجب الإظهار هنا لئلا يشتبه بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله كصوان ورمان فلو أدغمت النون في الياء أو في الواو لقيل الديا وصوان فيلتبس الأمر بين ما أصله النون فأدغمت نونه وبين ما أصله التضعيف فلذا أظهرت النون خوف الالتباس. قال الإمام ابن بري في الدرر:

*وتُظْهَرُ النونُ لواو أوْيَا * في نحو قِنْوان ونحو الدُّنْيا*

*خِفةَ أنْ تُشْبهِ في ادِّغامه * ما أصلُهُ التَّضعيفُ لالتزَامِهِ اهـ*

الإدغام بغير غنة:

ولهذا الإدغام الحرفان الباقيان من أحرف "يرملون" بعد إسقاط حروف ينمو المتقدمة وهما اللام والراء. فإذا وقع حرف منهما بعد النون الساكنة بشرط انفصاله عنها كما تقدم أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين كما هو معروف وجب إدغامهما ويسمى إدغاماً بغير غنة فتبدل النون الساكنة وكذلك التنوين لاماً عند اللام وراء الراء وتدغم اللام في اللام والراء في الراء إدغاماً تامًّا نحو {وَلَـ?كِن لاَّ يَشْعُرُونَ} {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} {كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ} {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

ويستثنى من ذلك لحفص عن عاصم إدغام النون في الراء من قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} بسبب سكته عليها بلا تنفس وذلك لأن السكت يمنع الإدغام كما يمنع ملاقاة النون بالراء. ولولا السكت لأدغمت على القاعدة.

ووجه الإدغام بغنة: التماثل بالنسبة للنون والتجانس في الجهر والاستفال والانفتاح بالنسبة للواو والياء. والتجانس في الغنة وفي سائر الصفات الخمس بالنسبة للميم هذا ما قاله بعضهم وفيه كلام سنأتي عليه في باب الإدغام إن شاء الله.

ووجه الإدغام بغير غننة: التقارب في المخرج على مذهب الجمهور والتجانس على مذهب الفراء وموافقيه إذ النون واللام والراء يخرجن من مخرج واحد على مذهبه كما تقدم. ووجه حذف الغنة هنا المبالغة في التخفيف لأن في بقائها بعض من الثقل وإنْ قرىء به في المتواتر كما سيأتي.

(/)

________________________________________

( تنبيهات هامة بخصوص الإدغام )

تنبيهات هامة:

الأول: يستثنى من الإدغام بالغنة إدغام النون الساكنة في الواو في قوله تعالى: {يس? (1) وَ?لْقُرْآنِ ?لْحَكِيمِ}. {ن? وَ?لْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} عند من أظهر النون فيهما ومنهم حفص عاصم خلافاً للقاعدة السابقة ووفاقاً للرواية كما أنه استثنى من قاعدة اجتماع المدغم فيه في كلمة واحدة النون مع الميم من هجاء "طَسَمَ" فاتحة الشعراء والقصص فأدغمها كل القراء إلا حمزة وأبا جعفر فأظهراها خلافاً للقاعدة ووفاقاً للرواية كذلك.

الثاني: اتفق أهل الأداء على أن الغنة الظاهرة في حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء غنة المدغم وهو النون الساكنة والتنوين. وفي حالة إدغامها في النون غنة المدغم فيه وهو النون من ينمو. واختلفوا في حالة إدغامهما في الميم فذهب بعضهم إلى أنها غنة المدغم وذهب آخرون إلى أنها غنة المدغم فيه وهو الميم لا غنة النون وهذا هو الصحيح المعول عليه وبه قال الجمهور وذلك لأن النون الساكنة والتنوين حالة إدغامهما في الميم انقلبا إلى لفظها وهذا واضح بأدنى تأمل عند النطق بنحو {مِّن مَّالِ ?للَّهِ} {مَثَلاً مَّا} والله أعلم.

الثالث: إدغام النون الساكنة والتنوين في حروف "يرملون" سواء أكان بغنة أم بدونها حسب التفصيل السابق نوعان: ناقص وكامل.

فالناقص: هو إدغامها في الواو والياء وسمي بذلك لأنه غير مستكمل التشديد من أجل بقاء الغنة الموجودة في المدغم فهي منزلة حرف الإطباق الموجود مع الإدغام في نحو {بَسَطتَ} كما سيأتي.

والكامل: هو إدغامهما في اللام والراء وكذلك في النون والميم على الصحيح وجمعها علماء الضبط في حروف "نرمل" وسمي كاملاً لأنه مستكمل التشديد لانعدام المدغم ذاتاً وصفة. ففي إدغام نحو {مِّن رُّسُلِهِ}. {مِّن مَّالِ ?للَّهِ} زال أثر المدغم بإبداله راء عند الراء وميماً عند الميم كما هو واضح من النطق بخلاف نحو {إِن يَقُولُونَ} {مِن وَالٍ (11)} فإن صفة المدغم لا تزال موجودة وهي الغنة. ومن ثم يؤخذ أن الغنة إذا كانت للمدغم فالإدغام ناقص وإذا كانت للمدغم فيه فالإدغام كامل وهذا مقتضى كلام الجعبري كما ذكر صاحب إتحاف البشر. وسيأتي بسط الكلام على الإدغام الكامل والناقص معاً في باب الإدغام وقد أشار صاحب التحفة إلى حكم الإدغام هنا وحروفه وشرطه وقسميه بقوله رضي الله عنه فيها:

*والثَّان إدغامٌ بستَّةٍ اتتْ * في يرمَلُون عندهُمْ قد ثَبَتتْ*

*لكنَّها قِسمان قِسْمٌ يُدغَما * فيه بغُنَّةٍ بينْمُوا غُلِما*

*إلا أذا كانَا بكلمَةٍ فلا * تُدغمْ كدُنيا ثمَّ صِنوانٍ تَلا*

*والثان إدغامٌ بغير غُنِّة * في اللامِ والرَّا ثمَّ كرَّرَنِّهْ*

(/)

________________________________________

 ( الكلام على الحكم الثالث "القلب" وكيفية أدائه ووجهه وضوابطه )

الكلام على الحكم الثالث "القلب" وكيفية أدائه ووجهه وضوابطه:

من معاني القلب في اللغة التحويل وفي الاصطلاح: جَعْلُ حرفٍ مكان آخر مع مراعاة الغنة والإخفاء في الحرف المقلوب. وله حرف واحد هو "الباء الموحدة" فإذا وقع بعد النون الساكنة سواء أكان معها في كلمة أم في كلمتين أم بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين كما هو مقرر أم بعد نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل المضارع الشبيهة بالتنوين. وجب قلب النون الساكنة والتنوين ونون التوكيد ميماً خالصة لفظاً لا خطِّا مخفاة مع إظهار الغنة وذلك نحو {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـ?ؤُلا?ءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} {مِن بَعْدِهِمْ} {وَ?للَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ?لصُّدُورِ} ونو التوكيد في قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِ?لنَّاصِيَةِ} ولا ثاني لها في التنزيل بالنسبة للقلب وسمي بالقلب لقلب النون الساكنة والتنوين ونون التوكيد الخفيفة ميماً خالصة في اللفظ لا في الخط.

هذا: ولا يتحقق القلب إلا بثلاثة أعمال مأخوذة من التعريف ومن الدليل الآتي بعد وهي كالآتي:

الأول: قلب النون الساكنة أو التنوين أو نون التوكيد الخفيفة ميماً خالصة لفظاً لا خطًّا تعويضاً صحيحاً بحيث لا يبقى أثر بعد ذلك للنون الساكنة والمؤكدة والتنوين.

الثاني: إخفاء هذه الميم عند الباء.

الثالث: إظهار الغنة مع الأخفاء: والغنة هنا صفة الميم المقلوبة لا صفة النون والتنوين.

هذا: ونلفت نظر القارىء الكريم إلى شيء هنا يجب أن يراعيه حال أداء القلب وهو أن يحترز عند التلفظ به من كلا الشفتين على الميم المقلوبة لئلا يتولد من كزهما غنة من الخيشوم ممططة فليسكن الميم بتلطف من غير ثقل ولا تعسف وكذلك الحكم بعينه في أخفاء الميم الساكنة قبل الباء نحو {فَ?حْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ?للَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ?لْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ?للَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـ?كِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى? الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} على القول بالإخفاء كما سيأتي.

ووجه القلب: أنه لم يحسن الإظهار لأنه يستلزم الإتيان بالغنة في النون والتنوين ثم إطباق الشفتين من أجل النطق بالباء عقب الغنة وفي كل هذا عسر وكلفة. وكذلك لم يحسن الإدغام لبعد المخرج وفقد السبب الموجب له. ولما لم يحسن الإظهار ولا الإدغام تعين الإخفاء ثم توصل إليه بالقلب ميماً لمشاركتها للباء مخرجاً وللنون غنة:

وقد أشار العلامة الجمزوري في تحفته إلى حكم القلب بقوله فيها:

*والثالِثُ الإقلاب عندَ الباءِ * ميماً بغُنَّة معَ الإخفاءِ أهـ*

(/)

________________________________________

 ( الكلام على الحكم الرابع "الإخفاء" ووجهه وضوابطه )

الكلام على الحكم الرابع "الإخفاء" ووجهه وضوابطه:

من معاني الأخفاء في اللغة "الستر" وفي الاصطلاح هو عبارة عن النطق بحرف ساكن عار من الشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول وهو هنا النون الساكنة والتنوين. والميم الساكنة في الإخفاء الشفوي. وحروفه هنا خمسة عشر حرفاً وهي الباقية من الحروف الهجائية بعد إسقاط الحروف المتقدمة للأحكام الثلاثة السابقة التي هي الإظهار والإدغام والقلب. وقد جمعها الجمزوري في تحفته في أوائل كلمات هذا البيت:

*صفْ ذا ثَناً كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَما * دُمْ طيِّباً زدْ تُقيً ضعْ ظَالما*

وهي الصاد المهملة والذال المعجمة والثاء المثلثة، و الكاف والجيم والشين المعجمة، والقاف والسين والدال والطاء المهملات والزاي والفاء والتاء والمثناة فوق والضاد المعجمة والظاء المشالة. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد النون الساكنة سواء أكان متصلاً بها في كلمتها أم منفصلاً عنها أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين كما هو مقرر. وجب إخفاؤهما ويسمى إخفاء حقيقيًّا. فتسميته إخفاء لإخفاء النون الساكنة والتنوين عند هذه الحروف. وتسميته حقيقًّا لأنه متحقق في النون الساكنة والتنوين أكثر من غيرهما.

وإليك الأمثلة للنون الساكنة من كلمة ومن كلمتين وللتنوين مع هذه الحروف:

فالصاد المهملة: نحو {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} {أَن صَدُّوكُمْ} {رِيحاً صَرْصَراً}.

والذال المعجمة: نحو {لِّيُنذِرَ} {مِّن ذَكَرٍ} {سِرَاعاً ذَلِكَ}.

والثاء المثلثة: نحو {مَّنثُوراً} {أَن ثَبَّتْنَاكَ}. {أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً}.

والكاف: نحو {أَنكَالاً} {مِن كُلٍّ} {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.

والجيم: نحو {فَأَنجَيْنَاهُ} {مَن جَآءَ} {قَوْماً جَبَّارِينَ}.

والشين المعجمة: نحو {مَنْشُوراً} {فَمَن شَآءَ} {وَ?للَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

والقاف: نحو {يُنقَذُونَ} {وَإِن قِيلَ} {إِنَّ ?للَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.

والسين المهملة: نحو {مَا نَنسَخْ} {مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} {وَرَجُلاً سَلَماً}.

والدال المهملة: نحو {وَعِندَهُ} {وَمَن دَخَلَهُ} {مُّسْتَقِيمٍ دِيناً}.

والطاء المهلمة: نحو {?نطَلِقُو?اْ} {فَإِنْ طَلَّقَهَا} {صَعِيداً طَيِّباً}.

والزاي : نحو {أَنَزَلَ} {مِّن زَوَالٍ} {وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا}.

والفاء: نحو {يُنْفِقُونَ} {إِن فِي صُدُورِهِمْ} {عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ}.

والتاء المثناة فوق: نحو {مُّنتَهُونَ} {إِن تَتُوبَآ} {زَرْعاً تَأْكُلُ}.

والضاد المعجمة: نحو {مَّنْضُودٍ} {مِّن ضُرٍّ} {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا}.

والظاء المشالة: نحو {فَ?نْظُرْ} {إِن ظَنَّآ} {ظِلاًّ ظَلِيلاً}.

ووجه الأخفاء هنا: أن النون الساكنة و التنوين لم يبعدا عن حروف الإخفاء كبعدهما عن حروف الحلق حتى يجب الإظهار. ولم يقربا منهن كقربهما من حروف الإدغام حتى يجب الإدغام فلما عدم البعد الموجب للإظهار والقرب الموجب للإدغام أعطيا معهن حكماً وسطاً بين الإظهار والإدغام هو الإخفاء.

(/)

________________________________________

( تنبيهات هامة بخصوص الإخفاء من حيث الأداء والكيفية والاقسام )

تنبيهات هامة بخصوص الإخفاء من حيث الأداء والكيفية والمراتب والفرق بينه وبين الإدغام..الخ

الأول: النون الساكنة في حالة الإخفاء لا تخلو من أن يقع قبلها ضمة نحو {كُنْتُمْ} أو كسرة نحو {مِّنكُمْ} أو فتحة نحو {عَنكُمْ} فليحذر القارىء من إشباع هذه الحركات حتى لا يتولد من الضمة واو ومن الكسرة ياء ومن الفتحة ألف فيصير اللفظ (كونتم ومينكم وعانكم) وكثيرا ما يقع هذا من بعض القراء المتعسفين وهو خطأ قبيح وتحريف صريح وزيادة في كلام الله تعالى.

الثاني: من الخطإ في الإخفاء أيضاً إلصاق اللسان في الثنايا العليا عند إخفاء النون الساكنة والتنوين إذ ينشأ عن ذلك. النطق بالنون ساكنة مُظهرة مصحوبة بغنة. فيخرج القارىء بذلك عن الإخفاء المقصود وما سمي الإخفاء إخفاء إلا لإخفاء النون الساكنة والتنوين عند الحروف الخاصة به. وكيفيته كما صرح به غير واحد من أئمتنا كالحافظ القسطلاني أن يكون هنالك تجاف بين اللسان والثنايا والعليا أو بعبارة أخرى أن يجعل القارىء لسانه بعيداً عن مخرج النون قليلاً فيقع الإخفاء الصحيح المقصود ويتأكد ذلك عند الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة فوق وكذلك الضاد المعجمة.

الثالث: مما يجب معرفته أن الفرق بين الإدغام والإخفاء هو أن الإدغام يصحبه التشديد وأن الإخفاء غير مصحوب به ويكون عند الحروف لا فيها بخلاف الإدغام فهو في الحروف لا عندها يقال أخفيت النون عند الكاف لا فيها وأدغمتها في الراء لا عندها.

الرابع: إخفاء النون الساكنة والتنوين عند الحروف الخمسة عشر ليس في مرتبة واحدة بل متفاوت في القوة وذلك على قدر قرب حروف الإخفاء من النون والتنوين وبعدهن عنهما في المخرج فكلما قربا من حروف الإخفاء كان إخفاؤهما عند هذا الحرف أزيد مما بعد عنه. وبذلك يكون الإخفاء على ثلاث مراتب:

أقواها: عند الطاء والدال المهملتين والتاء المثناة فوق أي أن الإخفاء عند هذه الحروف يكون قريباً من الإدغام وذلك لقربهن من النون والتنوين في المخرج.

وأدناها عند القاف والكاف أي أن الإخفاء عند هذين الحرفين يكون قريباً من الإظهار وذلك لبعدهما عن النون والتنوين في المخرج.

وأوسطها عند الحروف العشرة الباقية أي أن الإخفاء عند هذه الحروف يكون متوسطاً فليس قريباً من الإدغام كما في المرتبة الأولى ولا من الإظهار كما في المرتبة الثانية وذلك لتوسطها في القرب والبعد من النون والتنوين في المخرج.

وأما الغنة في الإخفاء في جميع أحواله السابقة فلا تفاوت فيها على التحقيق فهي لا تزيد ولا تنقص عن مقدار حركتين كالمد والطبيعي كما سيوقف على ذلك قريباً.

خامساً: كل ما جاء في هذا الباب من الأحكام الأربعة إن كان في كلمة فالحكم فيه عام في الوصل والوقف وإن كان في كلمتين فالحكم فيه خاص بالوصل فقط هذا بالنسبة للنون، أما بالنسبة للتنوين فالحكم فيه خاص بالوصل لا غير لأنه لا يكون إلا من كلمتين كما هو مقرر. فتأمل.

وقد أشار صاحب التحفة إلى حكم الإخفاء هنا وحروفه الخمسة عشر بقوله رحمه الله:

*والرابعُ الإخفاءُ عند الفاضل * من الحروفِ واجبٌ للفاضلِ*

*في خمسة من بعد عشْر رمزُها * في كلم هذا البيت قد ضمَّنتُها*

*صِفْ ذا ثناً كم جاد شخصٌ قد سما * دُمْ طيِّباً زدْ في تقىً ضعْ ظالما اهـ*

كما أشار الحافظ الجزري إلى الأحكام الأربعة كلها في المقدمة الجزرية بقوله رضي الله عنه:

*فعندَ حرْفِ الحلْق أظهرْ وادَّغمْ * في اللام والراء لا بغُنَّة لَزمْ*

*وأدغِمَن بغْنِّة في يُومِنُ * إلا كلمةٍ كدّنيا عَنْوَنُوا*

*والقلبُ عند البا بغُنَّةٍ كذا * لاخفَا لَدَى باقي الحروف أُخِذَا اهـ*

والله تعالى أعلى وأعلم وأعز وأكرم.

(/)

________________________________________

 ( الباب السادس / في الغنة وأحكامها وأقوال العلماء في ذلك )

( تعريف الغنة )

ينحصر الكلام في الغنه في سبع مسائل وخاتمة وإليك بيانها:

 المسألة الأولى: تعريف الغنة.

اختلف العلماء - رضوان الله عليهم - في تعريف الغنة في اللغة والاصطلاح على أقوال عدة ذكرنا جانباً منها في باب الصفات. ونذكر جانباً آخر هنا فنقول:

الغنة في اللغة: صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه.

وفي الاصطلاح: صوت أغن مركب في جسم النون ولو تنويناً والميم مطلقاً - أي إن صوت الغنة صفة لازمة للنون والميم سواء كانتا متحركتين أو ساكنتين مظهرتين أو مدغمتين أو مخفاتين على ما سيأتي بيانه:

(/)

________________________________________

( محلها )

 المسألة الثانية: في محل الغنة:

أما محلها ففي النون والميم لا في غيرهما من الحروف. و النون أغن من الميم ويلحق بالنون التنوين.

(/)

________________________________________

( مخرجها )

 المسألة الثالثة: في مخرج الغنة

أما مخرجها فمن الخيشوم كما تقدم في المخارج وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم. وقيل هو أقصى الأنف - أي إن صوت الغنة بجميع أحواله يخرج من الخيشوم ودليل ذلك أنه أمسك الأنف لانحبس خروجه مطلقاً حتى في حال ضعفه عند تحريك النون والميم مخففتين أو سكونهما مظهرتين كما يشهد بذلك النطق.

(/)

________________________________________

( مراتبها )

 المسألة الرابعة: في مراتب الغنة وأقوال العلماء فيها اتفاقاً واختلافاً

أما مراتبها: ففيها خلاف بين العلماء. فقال فريق منهم: إنها ثلاث مراتب:

أولها: المشدد فالمدغم بالغنة الناقص فالمخفي. ولم ينظر هذا الفريق إلى الغنة التي في الساكن المظهر ولا في المتحرك المخفف. وهذا هو ظاهر كلام الإمام الشاطبي رضي الله عنه في الشاطبية.

وقال جمهور العلماء إنها خمس مراتب: الثلاثة المتقدمة. ورابعها الساكن المظهر. وخامسها المتحرك المخفف. وهذا هو المعول عليه والخلاف بين الفريقين لفظي. فمن قال بسقوط الغنة في المرتبتين الأخيرتين أي في الساكن المظهر والمتحرك المخفف فقد أراد سقوط كمالها وهذا لا ينافي أن أصلها موجود عنده. ومن قال ببقائها فيهما فقد أراد بقاء اصلها فقط لا بقاء كمالها. ونظر إلى كون الغنة صفة لازمة للنون ولو تنويناً والميم مطلقاً كما مر توضيحه.

وإليك توضيح المراتب الخمس وتحديد اماكن كل مرتبة:

المرتبة الأولى: المشدد ويشمل ما كان في كلمة وما كان في كلمتين فالذي في كلمة هو النون والميم المشددتان مطلقاً نحو {إِنَّ ?لْمُسْلِمِينَ} {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ} {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} {هَمَّتْ بِهِ} {مِّنَ ?لْيَمِّ} {وَعِندَهُ أُمُّ ?لْكِتَابِ}.

والذي في كلمتين يشمل أربعة أنواع وكلها في الإدغام التام:

الأول: الإدغام التام المصحوب بالغنة وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم نحو {إِن نَّشَأْ} {مِّن مَّالِ ?للَّهِ}.

الثاني: إدغام الميم الساكنة في مثلها نحو {كَم مِّن فِئَةٍ}.

الثالث: إدغام المتجانسين الصغير والمصحوب بالغنة وهو إدغام الباء الساكنة في الميم في قوله تعالى: {ي?بُنَيَّ ?رْكَبَ مَّعَنَا} عند من أدغم ومنهم حفص عاصم من الشاطبية اتفاقاً ونحو {يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} آل عمران، الآية 129. عند من أدغم.

الرابع: إدغام اللام الشمسية في النون اتفاقاً نحو {إِلَى ?لنُّورِ} {عَنِ ?لنَّعِيمِ} ويسمى كل من النون والميم فيما ذكر حرف غنة مشدداًّ.

ويجب إظهار غنته كما يجب الاحتراز من المد عند الإتيان بالغنة في مثل {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ?لْكَوْثَرَ} {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} وكثيراً ما يتساهل في ذلك من يبالغ في إظهار الغنة فيتولد منها ياء فيصير اللفظ إينّا فأيمّا وهو من الخطأ القبيح والتحريف الصريح. وقد أشار صاحب التحفة إلى هذه المرتبة وحكمها بقوله فيها:

*وعُنَّ ميماً ثمَّ نوناً شُدّدا * وسمِّ كُلاًّ حرفَ غُنَّة بَدَا*

كما أشار إليها الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*وأظْهر الغُنَّة من نُون ومِنْ * ميمٍ إذا ما شُدِّدا ... ... ...*

المرتبة الثانية: المدغم والمراد به هنا الإدغام بالغنة الناقص وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء وقد تقدم.

المرتبة الثالثة: المخفى ويشمل أنواعاً ثلاثة:

الأول: إخفاء النون الساكنة و التنوين عند حروف الإخفاء الخمسة عشر عند الجمهور وقد تقدم ذلك.

الثاني: إخفاء الميم قبل الباء نحو{فَ?حْكُم بَيْنَهُم}.

الثالث: إخفاء الميم المقلوبة من النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما بالباء مثل {يُنبِتُ} {عَلِيمٌ بِذَاتِ} لأن بعد القلب إخفاء للميم المقلوبة ولهذا شمل المخفي القلب.

المرتبة الرابعة: الساكن المظهر ويشمل إظهار النون الساكنة والتنوين عند حروف الحلق. وكذلك الميم الساكنة حال إظهارها إذا لم يأت بعدها باء أو ميم وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.

المرتبة الخامسة: المتحرك المخفف ويشمل النون والميم الخفيفتين المتحركتين بأي حركة كانت. وكذلك التنوين المتحركة نحو {يُنَادَوْنَ} {نُودِيَ} {مِنَ ?لسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ} {يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ} {مَحْظُوراً * ?نظُرْ} {ُّنِيبٍ * ?دْخُلُوهَا} وما إلى ذلك.

(/)

________________________________________

( مقدارها )

 المسألة الخامسة: في مقدار الغنة.

أما مقدارها فهو حركتان كالمد الطبيعي أي غنة كاملة من غير تفاوت في المراتب الثلاث الأولى التي هي المشدد والمدغم بالغنة الناقص والمخفى أما مقدارها في المرتبتين الأخيرتين اللتين هما الساكن المظهر والمتحرك المخفف فالثابت فيهما من الغنة أصلها فقط الذي لا بد منه كما مر.

*تنيبه: يستثنى من وجود أصل الغنة في الساكن المدغم إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء من غير غنة لأن في هذه الحالة لا يوجد أصل للغنة بسبب تمام الإدغام إذ أن النون والتنوين يبدلان حينئذ لاماً عند اللام وراء عند الراء وتدغم اللام في اللام والراء في الراء وبذلك قد انعدم كل من النون والتنوين ذاتاً وصفة بخلاف تمام الإدغام في إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم فإن انعدام النون والتنوين ذاتاً وصفة حنيئذ لا يؤثر في حذف الغنة لأن غنة المدغم فيه وهو النون والميم لاتزال باقية كما تقدم من أن الغنة صفة لازمة للنون والميم مطلقاً بخلاف المدغم فيه في النوع الأول فإنه لام وراء والغنة ليست من صفاتهما.

(/)

________________________________________

( كيفية أدائها )

 المسألة السادسة: في كيفية أداء الغنة وما يراعى في ذلك:

أما كيفية أدائها فإنها تؤدى غنة سلسة في نطقها وإخراجها من غير تمطيط ولا لوك ومن غير زيادة ولا نقص عن مقدارها المحدد لها والذي أشرنا إله آنفاً. ومن تمام كيفية أدائها اتباعها لما بعدها من الحروف تفخيماً وترقيقاً على العكس من ألف المد التي تتبع ما قبلها في ذلك كما تقدم. وبالاستقراء والتتبع وجدنا أن تفخيم الغنة يكون في المرتبة الثالثة وهي مرتبة المخفي وفي نوع الإخفاء الحقيقي منه وعند خمسة أحرف وهي الصاد والضاد والطاء والظاء والقاف عند كل القراء: فالصاد نحو {وَلَمَن صَبَرَ}.{رِيحاً صَرْصَراً} والضاد نحو {لَمَنْ ضَرُّهُ} {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا}. والطاء نحو {وَإِن طَآئِفَتَانِ} {صَعِيداً طَيِّباً}. والظاء نحو {إِن ظَنَّآ} {ظِلاًّ ظَلِيلاً}. والقاف نحو {مِن قَبْلِهِمْ} {عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ويزاد على هذه الأحرف الخمسة حرفان هما الغين والخاء المعجمتان في قراءة الإمام أبي جعفر المدني في نحو {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} {?عْبُدُواْ ?للَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـ?هٍ غَيْرُهُ} {مِّنْ خَيْرٍ} {إِنَّ ?للَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ}. ويلاحظ أن التفخيم في الغنة كما ذكرنا خاضع لمراتب التفخيم السابقة بحسب حركة الحرف الواقع بعد الغنة كما يلاحظ مرتبة الكسر في ذلك وخاصة حرف الاستعلاء في نحو {وَإِن قِيلَ} عند الجميع ونحو {مِّنْ غِلٍّ} {مِن قَوْمٍ خِيَانَةً} عند أبي جعفر فإن الغنة هنا تفخم تفخيماً نسبياً خلافاً لصاحب السلسبيل الشافي حيث قال بترقيقها وقد تقدم أن حرف الاستعلاء المكسور لا يرقق بحال بل يفخم تفخيماً نسبيًّا وهو الذي ارتضاه العلامة المتولي وقال به إلى آخر ما ذكرنا هناك.

وقد أشار صاحب لآلىء البيان إلى كيفية أداء الغنة مع حكم ألف المد بقوله:

*... ... وتتبع ما قبلها الألِفْ * والعكس في الغنِّ أُلِفْ*

كما أشار صاحب السلسبيل الشافي إلى أداء الغنة بقوله:

*وفخِّم الغُنَّة إن تلاها * حروفُ الاستعلاءِ لا سواها*

(/)

________________________________________

( القول في تثبيت حروف الغنة في مخرجها أو نقلها إلى مخرج غيرها )

 المسألة السابعة: في القول في تثبيت حروف الغنة في مخرجها أو نقلها إلى مخرج غيرها:

سبق أن ذكرنا في آخر مخارج الحروف بعض ما قاله أئمتنا فيما يخرج من الخشيوم. وما قالوا يخرج من الخيشوم النون والميم الساكنتان حال الإخفاء أو الإدغام بالغنة. وزاد بعضهم على ذلك النون والميم المشددتين. وقالوا إن مخرج كل من النون والميم في هذه الأحوال يتحول من مخرجه الأصلي الذي هو طرف اللسان بالنسبة للنون وبين الشفتين بالنسبة للميم إلى الخيشوم على الصحيح وخص بعضهم النون المخفاة بالتحول من طرف اللسان إلى الخيشوم دون الميم.

وأما خروج النون من طرف اللسان والميم من بين الشفتين ففي حالة إسكانهما مع الإظهار أو تحريكهما.

هذا مضمون قولهم في هذا المقام في كثير من المراجع التي بيدي.

ونقول: إن الحق الذي يجب أن يُتبع في هذه المسألة ويشهد له النطق الصحيح هو أن مخرج كل من النون والميم المشددتين وكذلك النون الساكنة والتنوين في حال إدغامهما في النون وكذلك الميم الساكنة المدغمة في مثلها أو المخفاة لدى الباء سواء كانت أصلية أو مقلوبة من النون الساكنة والتنوين لا يتحول إلى الخيشوم بل يظل ثابتاً في مخرجه الأصلي الذي هو طرف اللسان بالنسبة للنون والتنوين وبين الشفتين بالنسبة للميم. ومن قال بخلاف ذلك فقد نازع في شيء محسوس قد حدده النطق. وأما النون الساكنة والتنوين في حال إدغامهما بالغنة في حروف (ينمو) غير النون كما تقدم فينتقل مخرجهما من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه نفسه وليس إلى الخيشوم ويؤيد ذلك ماهو مقرر في أن الإدغام في غير المثلين بشرطه يستلزم إبدال المدغم من جنس المدغم فيه وخروج الأول من مخرج الثاني وتصييره حرفاً واحداً مشدداً كما تقدم في تعريف الإدغام. فإذا أدغمنا النون الساكنة والتنوين في الميم نجد أن مخرجهما قد تحول من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه وهو الميم وإذا أدغمناهما في الواو والياء نجد أن مخرجهما قد تحول من طرف اللسان أيضاً إلى مخرج المدغم فيه (الواو والياء) وهنا نجد أن النون الساكنة والتنوين في حال إدغامهما في الميم والواو كان مخرجهما من الشفتين. وفي حال إدغامهما في الياء كان مخرجهما من وسط اللسان وهذا واضح من النطق بأدنى تأمل.

وأما في حالة إخفائهما الأصلي فلا ينتقلان إلى الخيشوم ولا يستقران في طرف اللسان الذي هو مخرجهما الأصلي بل ينطق بهما قريبين من مخرج الحرف الذي يخفيان عنده من غير أن يبدلا من جنسه كما في الإدغام لأن الإبدال حنيئذ يأتي بالتشديد. والإخفاء لا تشديد معه وهذا هو مقتضى عبارة تعريف الإخفاء السابقة التي تقول الإخفاء هو عبارة عن النطق بحرف ساكن خال من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول. والمراد به هنا النون الساكنة والتنوين. فوجود الغنة في الحرف الأول مع النطق به ساكناً غير مشدد بين صفتي الإظهار والإدغام يتطلب نقل النون الساكنة والتنوين من طرف اللسان إلى قرب مخرج الحرف الذي يخفيان عنده كما قدمنا: ويشهد بذلك النطق السليم في أداء الإخفاء على ما بيناه آنفاً: فمثلاً إذا أخفينا النون الساكنة عند القاف في نحو {يُنقَذُونَ} نجد أنها لم تستقر في طرف اللسان ولم تتحول إلى الخيشوم ولكنها قريبة من مخرج القاف الذي هو من أقصى اللسان. وكذلك إذا أخفيناها عند الشين المعجمة في نحو {مَنْشُوراً} وعند الفاء في نحو {لاَ يَنفَعُ} وجدناها لم تستقر في مخرجها ولم تتحول إلى الخيشوم ولكنها قريبة من مخرج الشين الذي هو من وسط اللسان وقريبة من مخرج الفاء الذي هو من باطن الشفة السلفى. وكذلك إذا أخفيناها عند الصاد في نحو {وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} أوعند الذال المعجمة في نحو {مِّن ذَكَرٍ} أو عند التاء المثناة فوق نحو {إِن تَتُوبَآ} أو عند الغين المعجمة في نحو {مِّنْ غِلٍّ} في قراءة الإمام أبي جعفر إلى آخر حروف الإخفاء وجدناها غير مستقرة طرف اللسان وغير محولة إلى الخيشوم ولكنها قريبة من مخرج الحروف المخفاة عندها وهذا واضح من النطق أيضاً. ومثل النونِ التنوينُ في كل ما ذكر. ومن ثمَّ يتضح لنا جليًّا أنه لا يخرج من الخيشوم إلا صوت الغنة فقط دون حروفها في كل ما تقدم سواء كانت الغنة للإخفاء أو للإدغام وهذا هو ظاهر كلام الحافظ ابن الجزري في الطيبة والمقدمة الجزرية حيث يقول فيهما: "وغنة مخرجها الخيشوم" وومن صرح من المتقدمين زمناً على الحافظ ابن الجزري بخروج صوت الغنة من الخيشوم فقط دون حروفها الإمام أبو الحسن بن بري حيث يقول في الدرر اللوامع:

*والغُنَّة الصوت الذي في الميمِ * والنُّون يخرُجُ من الخيْشُومِ اهـ*

ويؤيد ذلك أيضاً قولهم في تعريف الغنة السابق إنها صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه ويؤخذ من هذا القول أمران:

الأول: أن الذي يخرج من الخيشوم هو صوت الغنة فقط لا حروفها.

الثاني: أن الغنة ليست حرفاً كما في إطلاق بعضهم أو تخصيصه لأن الحروف يعمل فيها اللسان لإخراجها والغنة ليست كذلك بل هي صفة تابعة لموصوفها اللساني أو الشفوي أي النون والميم: الأمر الذي أوجب إلحاقها بالصفات اللازمة المشهورة التي لا ضد لها كما تقدم فهي لا تقل أهمية عن القلقلة وقد عدها من الصفات جمع من العلماء كالإمام ابن تبري وغيره ولا يعكر علينا ذكرها مع المخارج فلكل وِجْهةٌ. فمن ذكرها في المخارج نظر إلى أن لها مخرجاً وهو الخيشوم فذكرها معه وعدها من الحروف تغليباً للحروف عليها. ومن ذكرها في الصفات نظر إلى أنها صفة اختصت بمخرج دون سائر الصفات فعدها منها تبعاً لها. ولأهمية هذا الباب نلخص ما جاء فيه ليكون أقرب للحصر والفهم فنقول وبالله التوفيق:

(/)

________________________________________

( الخاتمة في ملخص الباب )

الخاتمة نسأل الله تعالى حسنها في ملخص باب الغنة

أولاً: لا يخرج من الخيشوم إلا صوت الغنة دون حروفها.

ثانياً: محل هذا الصوت النون ولو تنويناً والميم مطلقاً.

ثالثاً: مراتب الغنة خمس. المشدد فالمدغم بالغنة الناقص فالمخفي فالساكن المظهر فالمتحرك المخفف، وقيل إنها ثلاث بحذف الساكن المظهر والمتحرك المخفف، والأول هو الأشهر والمعول عليه والخلاف بين الفريقين لفظي كما مر.

رابعاً: مقدار الغنة: حركتان أي غنة كاملة في المراتب الثلاث الأولى وأما في المرتبتين الأخيرتين فالثابت فيهما من الغنة أصلها فقط الذي لابد منه.

خامساً: لا يوجد أصل للغنة في حال إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء بغير غنة وكذلك في الواو والياء في رواية خلف عن حمزة.

سادساً: مخرج كل من النون والميم المشددتين والنون الساكنة والتنوين في حال إدغامهما في النون وكذلك الميم الساكنة المدغمة في مثلها أو المخفاة لدى الباء حتى في حالة القلب لا يتحول إلى الخيشوم بل هو ثابت في مخرجه الأصلي وهو طرف اللسان بالنسبة للنون والتنوين وبين الشفتين بالنسبة للميم.

سابعاً: في حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم وكذلك في الواو والياء يتحول مخرجهما من طرف اللسان إلى مخرج كل من الميم والواو والياء وليس إلى الخيشوم.

ثامناً: في حالة إخفاء النون الساكنة والتنوين يتحول مخرجهما من طرف اللسان إلى قرب مخرج الحرف الذي يخفيان عنده وليس إلى الخيشوم.

تاسعاً: الحق أن الغنة صفة تابعة لموصوفها اللساني أو الشفوي وليست حرفاً.

عاشراً: كيفية أداء الغنة أنها تتبع ما بعدها من الحروف تفخيماً وترقيقاً وتخضع في ذلك لمراتب التفخيم الخمس بالتفصيل المتقدم وتفخم تفخيماً نسبيًّا فما إذا كان حرف الاستعلاء بعدها مكسوراً على الأصح بل هو الصواب.

وإلى هنا انتهى كلامنا في توضيح هذا المقام فاحرص عليه وتأمله جيداً فقد لا تجده مجموعاً في غيره. وبالله الهداية والتوفيق إلى أقوم طريق.

(/)

________________________________________

 ( الباب السابع / في أحكام الميم الساكنة )

 ( تعريف الميم الساكنة وإخراج محترزات القيود وأقسامها )

الميم الساكنة هي التي سكونها ثابت في الوصل والوقف نحو {?لْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ?لْعَالَمِينَ} {فَسُبْحَانَ ?للَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}.

فقولنا: الميم الساكنة خرج به الميم المتحركة مطلقاً نحو {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} وكذلك الميم المشددة نحو {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي} {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} وقد تقدم الكلام عليها قريباً.

وقولنا: "التي سكونها ثابت" خرج به ما كان ثابتاً وزال للتخلص من التقاء الساكنين نحو {قُمِ ?لْلَّيْلَ} {أَمِ ?رْتَابُو?اْ}.

وقولنا "في الوصل والوقف" خرج به السكون العارض كسكون الميم المتطرفة في الوقف كما لو وقف على نحو {حَكِيمٌ عَليمٌ}.

هذا وتقع الميم الساكنة المقصودة في هذا الباب متوسطة ومتطرفة وتكون في الاسم نحو {لَهُ ?لْحَمْدُ فِي ?لأُولَى? وَ?لآخِرَةِ} وفي الفعل نحو {قُمْتُمْ} و{وَيَمْكُرُونَ} {قُمْ فَأَنذِرْ} وفي الحرف نحو {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ}.

وتكون للجمع نحو {وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} {وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ}.

ولغير الجمع كما مثلنا سابقاً. ويصح وقوعها ساكنة قبل الحروف الهجائية عموماً إلا الألف اللينة - ألف المد - فلا يتأتى سكون الميم قبلها بحال لأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحاً دائماً كما هو مقرر في محله.

وهذا ما أشار إليه العلامة الجمزوري في تحفته بقوله فيها:

*والميمُ إنْ تَسْكُنْ تجي قَبْلَ الهِجَا * لا إلِفَ ليِّنَةٍ لِذِي الحِجَا اهـ*

وللميم الساكنة في الحالين على ماذكرنا أحكام ثلاثة وهي: الأخفاء الشفوي، والإدغام الصغير، والإظهار الشفوي وقد تقدم معنى كل في اللغة والاصطلاح.

وقد أشار إليها العلامة الجمزوري في تحفته بقوله فيها:

*أحكامُها ثلاثة لمَنْ ضَبْطْ * إخفاءُ ادْغامٌ وإظهارٌ فقط أهـ*

ولكل من الأحكام الثلاثة هذه كلام خاص نوضحه فيما يلي:

(/)

________________________________________

 ( الكلام على الحكم الأول: الإخفاء الشفوي وأقوال أهل العلم فيه )

الأخفاء الشفوي له حرف واحد وهو الباء فإذا وقع بعد الميم الساكنة ولا يكون ذلك إلا من كلمتين جاز أخفاؤها عنده مع الغنة ويسمى إخفاء شفويًّا نحو {أَم بِظَاهِرٍ} {فَ?حْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ?للَّهُ} {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ}.

والإخفاء مع الغنة هو المختار وعليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وغيرها واختاره أكثر المحققين كالحافظ أبي عمرو الداني وابن الجزري وابن مجاهد وغيرهم.

وقد أشار صاحب التحفة إلى الإخفاء الشفوي مقتصراً عليه بقوله فيها:

*فالأولُ الأخفاءُ عند الباءِ * وسمِّهِ الشَّفويِّ للقُرَّاءِ اهـ*

كما أشار إليه أيضاً الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية مختاراً له بقوله فيها:

*... ... ... ... * ... ... ... وأخْفَيَن*

*الميمَ إنْ تسكُنْ بغُنَّة لدَى * باءٍ على المُخْتار مِنْ أهْلِ الأدَاء اهـ*

وسمي أخفاء لأخفاء الميم الساكنة لدى الباء: وشفويًّا لخروج الميم والباء من الشفتين: ووجهه التجانس في المخرج وفي أكثر الصفات.

(/)

________________________________________

 ( الكلام على الحكم الثاني: الإدغام الصغير ووجهه وضابطه )

الإدغام الصغير وله حرف واحد وهو "الميم" فإذا وقع بعد الميم الساكنة سواء كان معها في كلمة أم كان في كلمتين وجب إدغام الميم الساكنة في الميم المتحركة ويسمى إدغام مثلين صغيراً مع الغنة.

فالذي من كلمة نحو {ال?م?} {ال?م?ص?} {ال?م?ر تِلْكَ آيَاتُ ?لْكِتَابِ وَ?لَّذِي? أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ?لْحَقُّ وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَ ?لنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}.

والذي من كلمتين نحو {كَم مِّن فِئَةٍ} {وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ} {أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} ومنه إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم نحو {مِّن مَّالِ ?للَّهِ} {كِتَابٍ مُّبِينٍ} وذلك لقلب المدغم في جنس المدغم فيه وكذلك يطلق علىكل ميم مشددة قال في النشر: "ويطلق ذلك في كل ميم مشددة نحو {دَمَّرَ} و{يُعَمَّرُ} و{حَمَّالَةَ} و{هَمَّ} {أَم مَّنْ أَسَّسَ} أهـ.

وبهذا: قد انتفى ما قاله بعض المحدثين من أن الإدغام الصغير هنا لا يكون إلا في كلمتين فقد اتضح مما تقدم أنه يكون في كلمة أيضاً.

وسمي إدغاماً لإدغام الميم الساكنة في المتحركة. وسمي بالمثلين لكون المدغم والمدغم فيه مؤلفان من حرفين اتحدا مخرجاً وصفة أو اتحدا اسماً ورسماً كما سيأتي. وسمي صغيراً لكون الأول من المثلين ساكناً والثاني متحركاً أو لقلة عمل المدغم وقيل غير ذلك. وسمي بالغنة لكون الغنة مصاحبة له وهي هنا غنة المدغم بالإجماع. ووجهه التماثل.

وقد أشار صاحب التحفة إلى حكم الإدغام الصغير بقوله فيها:

*والثَّان إدْغام بمثْلِهَا أتى * وسَمِّ إدْغاماً صَغيراً يَا فتى*

وكذلك ينطوي دليل هذا الإدغام أيضاً تحت قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية الآتي بعد:

*وأوَّلىْ مِثْلٍ وجنْس إن سَكَنْ * أَدْغِم ... ... ... إلخ*

وهو هنا من باب إدغام المثلين.

(/)

________________________________________

 ( الكلام على الحكم الثالث: الإظهار الشفوي ووجهه وضابطه )

وحروف الإظهار الشفوي ستة وعشرون حرفاً وهي الباقية من الحروف الهجائية بعد إسقاط حرف الباء الذي تقدم ذكره في الإخفاء الشفوي وحرف الميم الذي تقدم ذكره في الإدغام الصغير. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد الميم الساكنة سواء كان معها في كلمة واحدة أو في كلمتين وجب إظهارها ويسمى إظهاراً شفويًّا.

فالذي من كلمة نحو {?لْحَمْدُ للَّهِ} {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} {وَيُمْسِكُ ?لسَّمَآءَ} {قُمْتُمْ إِلَى ?لصَّلاةِ} {ال?ر} والميم الثانية من نحو {ال?م?ر} {ال?م?ص?}.

والذي من كلمتين نحو{ذ?لِكُمْ أَزْكَى? لَكُمْ وَأَطْهَرُ} {أَمْ زَاغَتْ} {أَلَمْ يَرَوْاْ} وما إلى ذلك.

وسمي إظهاراً لإظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها بحرف من حروف الإظهار الستة والعشرين.

وسمي شفوياً لخروج الميم الساكنة المظهرة من الشفتين.

ووجهه التباعد أي بعد مخرج الميم عن أكثر مخارج حروف الإظهار.

ثم إن إظهار الميم الساكنة يكون عند الفاء والواو آكد خوفاً من أن يسبق اللسان إلى أخفائها عند هذين الحرفين لقربها من الفاء من المخرج واتحادها مع هذه الواو فيه وذلك كقوله تعالى: {?للَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وإظهار هذه الميم في هذه الحالة يمسى إظهاراً شفويًّا أشد إظهار.

وقد أشار العلامة الجمزوري إلى الإظهار الشفوي مع التحذير من إخفاء الميم لدى الواو والفاء في تحفته بقوله فيها:

*والثَّالثُ الإظْهارُ في البَقِيَّهْ * من أحْرُف وسَمِّها شَفَويَّهْ*

*واحْذَرْ لدى واو وفَا أنْ تَخْتفي * لقُرْبها والاتِّحادِ فاعْرفِ اهـ*

كما أشار إليه أيضاً الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله فيها:

*وأظْهرْنهَا عنْدَ باقِي الأحْرُفِ * واحْذَرْ لدى وواو وفَا أنْ تَخْتَفي اهـ*

والله تعالى أعلى وأعلم.

(/)

________________________________________

 ( الباب الثامن / في اللامات الساكنة وأحكامها )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

اللامات الساكنة في القرآن الكريم على خمسة أقسام:

الأول: لام التعريف "لام أل".

الثاني: لام الفعل.

الثالث: لام الأمر.

الرابع: لام الاسم.

الخامس: لام الحرف. ولكل قسم فصل خاص نذكره فيما يلي:

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول / في لام التعريف وأحكامها )

وهي المعروفة في علم التجويد (بلام أل) وكلامنا فيها هنا على ناحيتين:

الأولى: تعريفها.

الثانية: حالتها بالنسبة لما يقع بعدها من الحروف الهجائية.

أما تعريفها: فهي لام ساكنة زائدة عن بنية الكلمة مسبوقة بهمزة وصل مفتوحة عند البدء وبعدها اسم سواء صح تجريدها عن هذا الاسم كـ {?لشَّمْسُ وَ?لْقَمَرُ} أم يصح كـ {?لَّتِي} و{?لَّذِى}.

فقولنا: "لام ساكنة زائدة عن بينة الكلمة .. إلخ" خرج به اللام الساكنة الأصلية التي من بنية الكلمة المسبوقة بهمزة قطع مفتوحة وصلاً وبدءاً وليس بعدها اسم مستقل ليصح تجريدها عنه سواء كانت في اسم نحو {أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} و{أَلْفَافاً} أو في فعل نحو {أَلْهَاكُمُ} {وَأَلْزَمَهُمْ} {فَأَلْهَمَهَا} وما إلى ذلك: وتسمى الأولى لام اسم والثانية لام فعل وسيأتي بسط الكلام عليها قريباً.

هذا: ولام التعريف المقصودة الصادق عليها هذه التعريف تقع قبل الحروف الهجائية عموماً إلا حروف المد الثلاثة فلا تقع اللام قبلها بحال إذ فيه الجمع بين الساكنين على غير حده.

أما حالتها بالنسبة لما يقع بعدها من الحروف الهجائية فاثنتان:

الأولى: أن تكون مظهرة.

الثانية: أن تكون مدغمة.

ولكل من الحالتين تفصيل خاص نوضحه فيما يلي:

أما حالة الإظهار: فعند أربعة عشر حرفاً مجموعة في قول صاحب التحفة "إبغ حجك وخف عقيمة" وهي الهمزة والباء والغين والحاء والجيم والكاف والواو والخاء والفاء والعين والقاف والياء والميم والهاء.

فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد لام التعريف وجب إظهارها ويسمى إظهاراً قمريًّا وتسمى اللام حينئذ لاماً قمرية لظهورها عند النطق بها في لفظ {?لْقَمَرُ} ثم غلبت هذه التسمية على كل اسم يماثله في ظهورها فيه: وإليك الأمثلة على ترتيب هذه الحروف:

فالهمزة نحو {?لأَوَّلُ وَ?لآخِرُ} والباء نحو {?لْبَارِىءُ}. والغين نحو {?لْغَفَّارِ} والحاء نحو {هُوَ ?لْحَيُّ} والجيم نحو {?لْجَبَّارُ} والكاف نحو {?لْكَبِيرُ} والواو نحو {?لْوَدُودُ} والخاء نحو {?لْخَالِقُ} والفاء نحو{?لْفَتَّاحُ} والعين نحو {?لْعَلِيمُ} والقاف نحو {?لْقَهَّارُ} والياء نحو {?لْيَقِينِ} والميم نحو {?لْمَلِكُ} والهاء نحو {عَنِ ?لْهَوَى?} وسمي إظهاراً لظهور لام التعريف عند هذه الأحرف.

ووجهه التباعد أي بُعد مخرج اللام عن مخرج هذه الحروف.

وقد أشار صاحب التحفة إلى الحالتين معاً والتنبيه على أولاهما بقوله فيها:

*لِلاَمِ ألْ حَالاَن قبْلَ الأحْرُفِ * أولاهُمضا إظهارها فليعرَفِ*

*قبل ارْبَعٍ مَعْ عَشْرَة خُذْ عِلْمَهْ * مِنْ إبْغِ حَجْك وَخَفْ عَقِيمَهُ*

وأما حالة الإدغام: فعند أربعة عشرة حرفاً وهي الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الإظهار السابقة. وقد رمز إليها صاحب التحفة في أوائل هذا البيت:

*طبْ ثُم صِلْ رَحْماً تَفُزْ ضِفْ ذَا نِعَمْ * دَعْ سُوءَ ظَنِّ زُرْ شَرِيفاً لِلْكَرَم*

وهي: الطاء والثاء والمثلثة والصاد والراء والتاء المثناة فوق والضاد والذال والنون والدال والسين والظاء والزاي والشين واللام فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد لام التعريف وجب إدغامها ويسمى إدغاماً شميسًّا وتسمى اللام حينئذ لاماً شمسية لعدم ظهورها عند النطق بها في لفظ {?لشَّمْسُ} ثم غلبت هذه التسمية على كل اسم يماثله في إدغامها فيه.

وإليك الأمثلة على ترتيب هذه الأحرف:

فالطاء نحو {مِنَ ?لطَّيِّبَاتِ} والثاء المثلثة نحو {?لثَّوَابِ} والصاد نحو {يُوَفَّى ?لصَّابِرُونَ} والراء نحو {?لرَّحْمَـ?نُ ?لرَّحِيمُ} والتاء المثناة فوق نحو {التَّوَّابُ} والضاد نحو {وَلاَ ?لضَّآلِّينَ} والذال المعجمة نحو {وَ?لذَّاكِرِينَ ?للَّهَ كَثِيراً وَ?لذَّاكِرَاتِ} والنون نحو {إِلَى ?لنُّورِ} والدال المهملة نحو {دَعْوَةَ ?لدَّاعِ} والسين نحو {?لسَّمِيعُ} والظاء المشالة نحو {?لظَّالِمِينَ} والزاي {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ?لزَّرْعَ وَ?لزَّيْتُونَ} والشين نحو {وَسَيَجْزِي ?للَّهُ ?لشَّاكِرِينَ} واللام نحو {وَهُوَ ?للَّطِيفُ ?لْخَبِيرُ}.

وسمي إدغاماً لإدغام لام التعريف في هذه الحروف. ووجهه التماثل بالنسبة للام في نحو {?للَّطِيفُ} والتجانس بالنسبة للنون والراء في نحو {مِّنَ ?لنُّورِ}، {مِّنَ ?لرَّحْمَـ?نِ ?لرَّحِيمِ} على مذهب الفراء وموافقيه وأما على مذهب الجمهور فللتقارب وكذلك في أكثر الحروف الباقية في غير ما تقدم.

وقد أشار صاحب التحفة إلى حالة الإدغام وتسمية اللام فيها بالشمسية وتسميتها في حالة الإظهار الأولى بالقمرية بقوله فيها:

*ثانيهما إدغامها في أَرْبعِ * وعَشْرَة أيضاً ورمزها فَعِ*

*طِبْ ثُمَّ صِلْ رَحْماً تَفُزْ ضِفْ ذَا نِعَمْ * دَعْ سُوءَ ظَنِّ زُرْ شَريفاً لِلْكَرمْ*

*واللامَ الأولى سَمِّهَا قَمَريَّهْ * واللامَ الأُخْرى سَمِّها شَمْسِيَّهْ*

تنبيه: من لامات التعريف الشمسية اللام من لفظ الجلالة "الله" وهي في هذا الاسم من النوع الذي لا يمكن فيه تجريدها عما بعدها كالكلام في نحو {?لَّذِي}. ثم إن للفظ الجلالة تصريفاً خاصًّا حاصله أن الأصل فيه "إله" فأسقطت منه الهمزة وأدخلت عليه لام التعريف فالتقت باللام بعدها ثم أدغمت اللام الأولى في الثانية للتماثل كما إدغمت في نحو الليل فصار اللفظ الكريم "الله".

وقد أشار بعضهم إلى هذا التصريف بقوله:

*والاسْمُ ذو التقديس وهو الله * على الأَصح أَصْلُهُ إلهُ*

*أُسقِطَ منه الهمز ثمَّ أُبْدِلا * بال لِتَعْريفٍ لذاكَ جُعِلاَ اهـ*

وفي الاسم الكريم كلام كثير من جهة التصريف. ومن أراد الوقوف عليه فليراجع كتب الصرف ففيها ما يكفي الباحث وما ذكرناه هنا هو الملائم للمتبدئين والله الموفق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني / في لام الفعل وحكمها )

وسميت بلام الفعل لوجودها فيه وهي من أصوله وتكون مظهرة ومدغمة كما سيأتي توضيحه: وتوجد في الأفعال الثلاثة. الماضي والمضارع والأمر متوسطة ومتطرفة في بعضها.

ففي الماضي: نحو {أَلْهَاكُمُ} {فَالْتَقَى} {وَأَنزَلْنَا} {وَأَرْسَلْنَا}.

وفي المضارع: نحو {يَلْتَقِطْهُ} {أَلَمْ أَقُلْ}. {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ?للَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.

وفي الأمر: نحو {وَأَلْقِ عَصَاكَ}. {قُلْ تَعَالَوْاْ} {فَ?جْعَلْ أَفْئِدَةً}. والحكم في هذه اللامات الإظهار وجوباً عند الجميع إلا إذا وقع بعدها لام أو راء فتدغم اتفاقاً نحو {قُل لَّكُم}. {قُل رَّبِّي}.

ووجه الإدغام هنا التماثل بالنسبة للام والتقارب بالنسبة للراء على مذهب الجمهور. والتجانس على مذهب الفراء وموافقيه.

وقد أشار صاحب التحفة إلى حكم الإظهار في لام الفعل بقوله فيها:

*وأظهِرَنَّ لامَ فعْلٍ مُطلَقَا * في نحْوِ قُلْ نعَمْ وقُلْنَ والْتَقَى اهـ*

تنبيه: علم مما تقدم أن لام الفعل أدغمت في الراء في نحو {قُل رَّبِّي?}. وقد وجه بأنه إما للتقارب وإما للتجانس. ولم تدغم في النون في نحو {قُلْ نَعَمْ} والعلة واحدة وهي التقارب أو التجانس. والمانع من الإدغام هنا أن النون لا يجوز إدغامها في حرف أدغمت هي فيه. والنون أحد حروف "يرملون" التي تدغم فيها النون الساكنة فلو أدغمت اللام في النون في نحو {قُلْ نَعَمْ} لزالت الألفة بين النون وأخواتها من حروف الإدغام وقيل غير ذلك في علة عدم الإدغام في مثل هذا.

وأما إدغام لام التعريف في النون في نحو {إِلَى ?لنُّورِ} {وَ?لنَّجْمِ} فلكثرة دورانها في التنزيل بخلاف لام الفعل فإنها قليلة الدوران فيه.

قال العلامة الميهي في شرح التحفة: وأما إدغام الكسائي اللام في نحو {هَلْ نُنَبِّئُكُم} {بَلْ نَتَّبِعُ} فمن تفرُّدِه أهـ بلفظه.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في لام الامر وحكمها )

وهي زائدة عن بنية الكلمة ويقع بعدها الفعل المضارع مباشرة وتأتي عقب الفاء أو الواو أو ثم العاطفة نحو {فَلْيَكْتُبْ} {فَلْيَنظُرِ ?لإِنسَانُ}، {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ}، {وَلْيَعْفُواْ}، {وَلْيَصْفَحُو?اْ}، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}، {فَلْيَنْظُرْ}، {ثُمَّ لْيَقْضُواْ}. وحكمها الإظهار وجوباً وليعتن بإظهارها إذا جاورت التاء نحو {فَلْتَقُمْ} {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ} خوفاً من أن يسبق اللسان إلى إدغامها ولا يقاس عليها إدغام لام التعريف في نحو {إِنَّ ?للَّهَ يُحِبُّ ?لتَّوَّابِينَ} لأنها "أي لام التعريف" كثيرة الدوران في القرآن الكريم بخلاف لام الأمر فإنها قليلته.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الرابع / في لام الاسم وحكمها )

وسميت بذلك لوجودها فيه وهي من أصوله نحو {أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} و{أَلْفَافاً} و{سُلْطَانٌ} {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} و{مَلْجَأَ}. وحكمها الإظهار وجوباً بالاتفاق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الخامس / في لام الحرف وحكمها )

وسميت بذلك لوجودها فيه وهي في القرآن الكريم في حرفين فقط. "هل وبل" وحكم هذين الحرفين بالنسبة لما يأتي بعدهما من الحروف الهجائية على ثلاثة أقسام:

الأول: وجوب إدغامهما عند كل القراء وذلك إذا أتى بعدهما لام أو راء. فاللام تقع بعد كل من هل وبل نحو {هَلْ لَّكُمْ}. {بَل لاَّ يَخَافُونَ}. والراء لا تقع إلا بعد بل فقط نحو {بَل رَّفَعَهُ ?للَّهُ إِلَيْهِ}.

فالإدغام في اللام للتماثل. وفي الراء للتقارب على مذهب الجمهور وللتجانس على مذهب الفراء ومن نحا نحوه. ويستثنى من ذلك لحفص عن عاصم من الشاطبية إدغام لام بل في الراء من قوله تعالى: {بَلْ رَانَ}. بالمطففين بسبب سكتة عليها والسكت يمنع الإدغام.

الثاني: جواز الإدغام فيهما. وذاك إذا أتى بعدهما حرف من ثمانية أحرف وهي: "التاء المثناة فوق والثاء المثلثة والزاي والسين والضاد والطاء والظاء والنون".

فالتاء المثناة فوق النون تقعان بعد كل من هل وبل نحو {هَلْ تَعْلَمُ} {هَلْ نُنَبِّئُكُم} {بَلْ تَأْتِيهِم} {بَلْ نَحْنُ}.

والثاْ المثلثة لا تقع إلا بعد هل في قوله تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ ?لْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36)} بالمطففين ولا ثاني لها في التنزيل.

والأحرف الخمسة الباقية تقع كلها بعد حرف بل وحده {بَلْ سَوَّلَتْ} {بَلْ ظَنَنْتُمْ}. {بَلْ ضَلُّواْ} {بَلْ زُيِّنَ} {بَلْ طَبَعَ}. ونعني بجواز الإدغام في هذا القسم أن بعض القراء أدغم فيه وبعضهم أظهر وتركنا تفصيل ذلك طلباً للاختصار ومن أراده فعليه بكتب الخلاف فهو مبسوط فيها وبالنسبة لحفظ عن عاصم فإنه قرأ بالإظهار وجهاً واحداً فتأمل.

الثالث: وجوب إظهارهما عند عامة القراء وذلك إذا وقع بعدها أي حرف من حروف الهجاء غير حرف اللام والراء اللذين للوجوب في القسم الأول. وغير الحروف الثمانية التي للجواز في القسم الثاني. وذلك نحو {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} {هَلْ يَسْتَوِي} {بَلْ فَعَلَهُ} {بَلْ قَالُواْ} {بَلْ جَآءَ بِ?لْحَقِّ} وما إلى ذلك. والله تعالى أعلى وأعلم.

(/)

________________________________________

 ( الباب التاسع / في المثلين والمتقاربين والمتجانسين والمتباعدين )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

كل حرفين التقيا في الخط واللفظ بأن لا يفصل بينهما فاصل سواء كانا في كلمة أو في كلمتين. أو التقيا في الخط دون اللفظ بأن فصل بينهما فاصل في اللفظ ولا يكون ذلك إلا من كلمتين مثل الهاءين في نحو {إِنَّهُ هُوَ} انقسم كل من الحرفين المتلاقيين هذا التلاقي إلى أربعة أقسام: مثلن ومتقاربين ومتجانسين ومتباعدين ولكل قسم تعريف خاص نوضحه فيما يلي:

(/)

________________________________________

 ( تعريف المثلين وأقوال العلماء فيه وأقسامه وحكمه )

التعريف: المثلان هما الحرفان اللذان اتحدا في الاسم والرسم كالكافين في نحو {مَّنَاسِكَكُمْ} {مَا سَلَكَكُمْ}. والميمين في نحو {?لرَّحِيمِ * مَـ?لِكِ} والهاءين في نحو {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً} وسميا بذلك لأن اسمهما واحد وذاتهما في الرسم واحدة.

فخرج باتحاد الحرفين في الرسم الاختلافُ في الاسم كالعين المهملة والغين المعجمة ونحوهما فإن ذاتهما في الرسم واحدة ولا التفات إلى النقط فإنه عارض ولكنهما مختلفان في الاسم فخرجا بذلك عن حد تعريف المثلين ودخل الياءان في نحو {فِي يَوْم} والواوان في نحو {قَالُواْ وَهُمْ} لاتحادهما في الاسم والرسم فهما من المثلين لدخولهما في حد التعريف، وأما قولهم في تعريف المثلين بأنهما الحرفان اللذان اتفقا مخرجاً وصفة فغير جامع لحد التعريف لعدم دخول الياءين والواوين في نحو ما تقدم لاختلافهما في المخرج والصفة كما هو ظاهر مع أنهما من المثلين.ومن ثَم كان التعريف الأول الذي ذكرناه للمثلين أعم من الثاني وقد عرف به غير واحد من شيوخنا.

أقسام المثلين وحكم كل قسم

ينقسم المثلان إلى ثلاثة أقسام صغير وكبير ومطلق:

فالصغير أن يكون الأول من المثلين ساكناً، والثاني متحركاً كالكافين في {يُدْرِككُّمُ} والهاءين في نحو {يُوَجِّههُّ} والباءين في نحو {?ضْرِب بِّعَصَاكَ}.

وسمي صغيراً لقلة العمل فيه حالة الإدغام حيث لا يكون فيه إلا عمل واحد وهو إدغام الأول في الثاني فيما صح فيه ذلك.

وحكمه الإدغام وجوباً لكل القراء بشروط نوضحها في باب الإدغام إن شاء الله. والكبير أن يتحرك الحرفان معاً كالكافين في نحو {مَّنَاسِكَكُمْ} {وَ?ذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً}والهاءين في نحو {إِنَّهُ هُوَ}.

وسمي كبيراً لكثرة العمل فيه حالة الإدغام حيث يكون فيه عملان هما تسكين الأول ثم إدغامه في الثاني.

وحكمه جواز الإدغام عند بعض القراء بشروط مبسوطة في كتب الخلاف تركنا ذكرها هنا طلباً للاختصار. وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه قرأ فيه بالإظهار وجهاً واحداً إلا في كلمات يسيرة جدًّا مثل {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف وسيأتي الكلام عليها في آخر باب الإدغام إن شاء الله، وكلمة {مَكَّنِّي} بالكهف في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} فقد قرأ حفص بإدغام النون الأولى في الثانية فيصير النطق بنون واحدة مكسورة مشددة.

والمطلق أن يكون الحرف الأول متحركاً والثاني ساكناً كالتاءين في نحو {تُتْلَى?} والسينين في نحو {تَمْسَسْهُ}.

وسمي مطلقاً لأنه ليس من الصغير ولا من الكبير.

وحكمه الإظهار وجوباً للجميع لأن من شرط الإدغام أن يكون المدغم فيه متحركاً والمدغم ساكناً سواء كان سكونه أصليًّا كنحو {رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} أنو كان سكونه للإدغام كسكون الهاء الأولى في نحو {فِيهِ هُدًى} عند من أدغم.

(/)

________________________________________

 ( تعريف المتقاربين وأقسامه وحكمه )

التعريف: المتقاربان هما الحرفان اللذان تقاربا في المخرج والصفة أو في المخرج دون الصفة أو في الصفة دون المخرج. فهذه ثلاث صور للمتقاربين وفيما يلي أمثلتها:

فالصورة الأولى: مثل النون مع اللام في نحو {مِّن لَّدُنْهُ} ومع الراء في نحو {مِن رِّزْقِ ?للَّهِ} والقاف مع الكاف في نحو {خَلَقَكُمْ}.

والصورة الثانية: مثل الدال مع السين في نحو {عَدَدَ سِنِينَ}.

والصورة الثالثة: مثل السين مع الشين في نحو {?لرَّأْسُ شَيْباً}. والتاء المثناة فوق مع الثاء المثلثة في نحو {بَعِدَتْ ثَمُودُ}.

أقسام المتقاربين وحكم كل قسم

ينقسم المتقاربان إلى ثلاثة أقسام أيضاً صغير وكبير ومطلق:

فالصغير أن يكون الحرف الأول منها سكاناً، والثاني متحركاً مثل النون مع اللام في نحو {وَلَـ?كِن لاَّ يَعْلَمُونَ} والقاف مع الكاف في نحو {أَلَمْ نَخْلُقكُّم}.

وسمي صغيراً لقلة العمل فيه حالة الإدغام حيث يكون فيه عملان هما: قلب المدغم من جنس المدغم فيه ثم إدغامه في المدغم فيه كما سياتي توضيح ذلك في باب الإدغام إن شاء الله تعالى.

وحكمه جواز الإدغام أو وجوبه كما سنوضحه في باب الإدغام بعون الله سبحانه.

والكبير أن يتحرك الحرفان معاً كالقاف مع الكاف في نحو {رَزَقَكُمْ} والدال مع السين في نحو {عَدَدَ سِنِينَ}.

وسمي كبيراً لكثرة العمل فيه حال الإدغام حيث يكون فيه ثلاثة أعمال هي: قلب المدغم من جنس المدغم فيه ثم تسكينه ثم إدغامه في المدغم فيه.

وحكمه جواز الإدغام عند بعض القراء بشروط مفصلة في كتب الخلاف وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه قرأ فيه بالإظهار وجهاً واحداً.

والمطلق أن يتحرك الأول منهما ويسكن الثاني كالهمزة مع الحاء المهملة في نحو {أَحْمِلُ} والياء المثناة تحت مع الضاء في نحو {يُضْلِلْ}.

وسمي مطلقاً لما تقدم في المثلين.

وحكمه الإظهار وجوباً للجميع لما تقدم في المثلين أيضاً.

(/)

________________________________________

 ( تعريف المتجانسين وأقسامه وحكمه )

التعريف: المتجانسان هما الحرفان اللذان اتفقا في المخرج واختلفا في بعض الصفات كالطاء مع التاء في نحو {أَحَطتُ} و{بَسَطتَ} والدال مع التاء في نحو {حَصَدتُّمْ} {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ} والثاء مع الذال في نحو {يَلْهَث ذَّلِكَ}.

أقسام المجانسين وحكم كل قسم

ينقسم المتجانسان إلى ثلاثة أقسام كذلك: صغير وكبير ومطلق.

فالصغير: أن يكون الحرف الأول منهما ساكناً، والثاني متحركاً كالراء مع اللام في نحو {وَ?صْبِرْ لِحُكْمِ} عند الفرَّاء والدال مع التاء في نحو {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ} عند الجمهور.

وسمي صغيراً لما تقدم ذكره في المتقاربين الصغير.

وحكمه كالمتقاربين الصغير في جواز الإدغام أو وجوبه كما سنبينه في اباب الإدغام.

والكبير أن يتحرك الحرفان معاً كالتاء مع الطاء في نحو {?لصَّالِحَاتِ طُوبَى?} واللام مع الراء على مذهب الفراء في نحو {قَالَ رَبُّكُمْ}.

وسمي كبيراً لما تقدم ذكره في المتقاربين الكبير.

وحكمه جواز الإدغام عند بعض القراء بشروطه المبسوطة في كتب الخلاف وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه قرأ فيه بالإظهار قولاً واحداً.

والمطلق أن يتحرك الحرف الأول ويسكن الثاني كالياء مع الشين في نحو {يَشْكُرُ} واللام مع النون على مذهب الفراء في لفظ {لَن} في نحو قوله تعالى: {لَن نَّصْبِرَ عَلَى? طَعَامٍ وَاحِدٍ}.

وسمي مطلقاً لما تقدم ذكره في المثلين والمتقاربين.

وحكمه الإظهار وجوباً للجميع لما تقدم في مثله.

وقد أشار العلامة الجمزوري إلى ما تقدم ذكره من الأقسام الثلاثة عدا المطلق منها بقوله في التحفة:

*إنْ في الصِّفَات والمخارج اتَّفقْ * حرفَان فالمِثْلان فيهمَا أحقُّ*

*أوْ إن يَكونا مخرجاً تقاربَا * وفي الصفاتِ اخْتَلفَا يُلَقَّبَا*

*متقاربيْن أو يكونا اتَّفَقَا * في مخرج دُونَ الصفات حُقِّقَا*

*بالمتجانسيْن ثُمَّ إنْ سَكَنْ * أوَّلُ كلٍّ فالصَّغيرَ سَمِّيَنْ*

*أوْ حُرِّكَ الحرفَان في كُلٍّ فَقُلْ * كُلٌّ كبيرٌ وأفهَمَنْهُ بالمُثُلْ اهـ*

(/)

________________________________________

 ( تعريف المتباعدين وأقسامه وحكمه )

التعريف: المتباعدان هما الحرفان اللذان تباعدا في المخرج واختلفا في الصفة وهذا هو الغالب. وقد يتفق الحرفان المتباعدان في الصفة أيضاً وهذا يكاد يكون قليلاً.

فالأول: مثل الحاء مع الميم في نحو {تُحْمَلُونَ} والقاف مع الراء في نحو {قُرِىءَ}.

والثاني: مثل التاء المثناة فوق مع الكاف في نحو {وَلِتُكْمِلُواْ} والحاء المهملة مع الثاء المثلثة في نحو {حَثِيثاً}.

أقسام المتباعدين

ينقسم المتباعدان إلى ثلاثة أقسام أيضاًك صغير وكبير ومطلق.

فالصغير: أن يكون الأول منهما ساكناً والثاني متحركاً كالهمزة مع اللام في نحو {تَأْلَمُونَ}.

والكبير: أن يتحرك الحرفان معاً كالزاي مع الهمزة في نحو{?سْتُهْزِىءَ}.

والمطلق أن يتحرك الأول ويسكن الثاني كالقاف مع الواو في نحو {قَوْلٌ}.

حكم المتباعدين أما حكمهما فالإظهار وجوباً بالاتفاق سواء أكان صغيراً أم كبيراً أم مطلقاً لأن الإدغام بشروطه مطلقاً إنما يسوغه التماثل أو التقارب أو التجانس.

وأما تسميته بالصغير وبالكبير وبالمطلق فتبعاً للأقسام الثلاثة المتقدمة في النظام لا لقلة العمل في الصغير ولا لكثرته في الكبير بالنسبة للإدغام، إذ لا إدغام في المتباعدين كما هو مقرر.

هذا: ولم يتعرض بعض الباحثين في هذا الفن إلى ذكر قسم المتباعدين في هذا الباب. والبعض ذكره غير أنه قال: "لا دخل له في هذا الباب" والحق الذي لا ريب فيه أنه ينبغي ذكره في هذا الباب ومعرفته جيداً إذ بمعرفته يتعين أن ما عداه هو أحد الأقسام الثلاثة المتقدمة التي هي سبب في الإدغام. ومن ثم كان ذكره في هذا الباب واجباً. ولا يعكر علينا عدم ذكره في التحفة. فقد ورد ذكره في أكثر من مؤلف بين منظوم ومنثور. فقد أشار إليه العلامة السمنودي في لآلىء البيان بقوله:

*ومُتباعدان حيثُّ مَخْرجَا * تباعَدَا والخلْفُ في الصفات جا اهـ*

وكذلك أشار إليه صاحب انشراح الصدور بقول بعضهم:

*وإن يكونا مَخْرجاً تَبَاعَدَا * وفي الصفات اخْتَلَفا مُبَاعدا اهـ*

كما أشار إليه أيضاً صاحب السلسبيل الشافي بقوله:

*ومتباعدن إن تباعدا * في مخرج والوصْفِ لَمْ يَتَّحِدا اهـ*

(/)

________________________________________

 ( المراد من الحرفين المتقاربين )

اختلف في المراد من الحرفين المتقاربين على أكثر من قول نذكر منها هنا مضمون قولين:

الأول: ألا يكون بين مخرجي الحرفين المتقاربين مخرج فاصل بينهما وأن يكونا من عضو واحد وذلك مثل العين والحاء المهملتين لكل من الهمزة والهاء وللغين والخاء المعجمتين. هذا بالنسبة لمخارج الحلق. ومثل الجيم والشين والياء لكل من القاف والكاف وللضاد المعجمة من مخارج اللسان. ومثل الفاء لكل من الواو والباء الموحدة والميم بالنسبة لمخرجي الشفتين. وقد يكون الحرفان المتقاربان من عضوين بشرط ألا يفصل بين مخرجيهما فاصل وذلك في مسألتين بالاتفاق:-

الأول: الغين والخاء المعجمتان للقاف والكاف ذلك لأن الغين والخاء يخرجان من أدنى الحلق والقاف والكاف يخرجان من أقصى اللسان ولا فاصل بين المخرجين كما هو ظاهر.

الثانية: الظاء المشالة والذال المعجمة والثاء المثلثة للفاء وذلك لأن الظاء المشالة وأختيها يخرجن من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا والفاء تخرج من أطراف الثنايا العليا مع باطن الشفة السفلى ولا فاصل بين المخرجين أيضاً.

القول الثاني: أن المراد من الحرفين المتقاربين هو التقارب المناسب سواء أكانا من عضو واحد مثل الشين المعجمة والسين المهملة في نحو {ذِي ?لْعَرْشِ سَبِيلاً} ونحو الدال المهملة م عالشين المعجمة في نحو {قَدْ شَغَفَهَا} وكذلك التاء المثناة فوق مع الثاء المثلثة في نحو {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} أم كانا من عضوين مثل النون مع كل من الواو والميم في نحو {مِن وَلِيٍّ} {مِّن مَّالِ ?للَّهِ}. ويمكن أخذ هذا القول من تعريف المتقاربين في إحدى صوره المتقدمة التي هي التقارب في الصفة دون المخرج. وهذا القول هو أرجح من الأول بل وأرجح الأقوال الواردة في هذه المسألة التي اضطربت فيها كتب التجويد في القديم والحديث إذ بمقتضى القول الأول أنه لا يجوز إدغام شيء من الأمثلة التي أوردناها في القول الثاني لوجود فاصل بين كل من مخرجي الحرفين المذكورين في أمثلته فقد فصل بمخرج واحد بين التاء المثناة فوق والثاء المثلثة في نحو {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} المثال المذكور وبأكثر من مخرج في باقي الأمثلة. ومع هذا فقد ورد أدغامها في المتواتر في أكثر من قراءة في الأمثلة الثلاثة الأولى وبالإجماع في الرابع والخامس اي في النون مع كل من الواو والميم. ومن المقرر أن المسوغ للإدغام واحد من ثلاثة، التماثل أو التقارب أو التجانس. وحد التماثل والتجانس لا يصدق على الأمثلة المذكورة في القول الثاني. بقي من المسوغ التقارب وبه جاز الإدغام فيها. ومن ثم كان المراد من التقارب هو التقارب النسبي لما ذكرنا وكان هو أرجح الأقوال الواردة في هذه المسألة والتي تركنا ذكرها خوف التطويل. إذ ما ذكرنا هو أهم ما فيها.

هذا: ومما ينبغي معرفته أن كل حرفين صح إدغامهما سواء أكان الإدغام وجباً أم جائزاً ولم ينطبق عليهما حد المثلين ولا حد المتجانسين كان المسوغ للإدغام حينئذ هو التقارب. إذ هو الباقي من أسباب الإدغام الثلاثة فإن فصل بين المخرجين بأكثر من مخرج كالأمثلة التي ذكرنا كان سبب الإدغام حنيئذ هو التقارب النسبي وهو كثير في المدغم جوازاً. وسنذكر منه الكثير في باب الإدغام إنشاء الله تعالى.

تنبيه: قال صاحب انشراح الصدور: وأما حروف المد الثلاثة مع غيرها من حروف الهجاء فلا يقال بينهما متقاربان ولا متجانسان ولا متباعدان لأنه لم يكن لحروف المد مخرج من حيز مخصوص كغيرها والله أعلم أهـ بحروفه.

وقال صاحب السلسبيل الشافي بنحو ما قاله صاحب انشراح الصدور.

قلت: ويستثنى من اجتماع حروف المد مع غيرها الياء المدية إذا جاورت الياء المتحركة مثل: {?لَّذِى يُوَسْوِسُ} وكذلك الواو المدية إذا جاورت الواو المتحركة مثل: {قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ} فإن الياء والواو المدِّيتان مع ما جاورهما يوصفان حينئذ بالمثلين لصدق الحد عليهما لأن اسمهما واحد ورسمهما واحد وقد تقدم ذلك في صدر الباب، فتأمل وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الباب العاشر / في الإدغام وأقسامه وأحكامه )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

تقدم في باب النون الساكنة والتنوين تعريف الإدغام لغة واصطلاحاً كما تقدم في نفس الباب تعريف ما يقابله وهو الإظهار في اللغة والاصطلاح أيضاً ونقول هنا: إن الإظهار هو الأصل لعدم احتياجه إلى سبب والإدغام فرع عنه لاحتياجه إلى السبب كما سنوضحه قريباً.

بقي لنا أن نتكلم على أسباب الإدغام وفائدته وشروطه وكيفيته وأقسامه وموانعه والمقصود ذكره في هذا المختصر فنقول وبالله التوفيق ومنه العون.

أساب الإدغام

أما أسبابه فثلاثة وهي: التماثل والتقارب والتجانس وقد تقدم الكلام مستوفى على هذه الثلاثة في الباب السابق مما أغنانا عن إعادته هنا.

فائدة الإدغام

أما فائدته فهي التخفيف والتسهيل في النطق إذ النطق بحرف واحد فيه خفة وسهولة عن النطق بحرفين.

شروط الإدغام

للإدغام شرطان:

الأول: خاص بالمدغم وهو الحرف الأول.

الثاني: خاص بالمدغم فيه وهو الحرف الثاني.

أما الشرط الخاص بالمدغم فهو التقاؤه بالمدغم فيه خطاً ولفظاً كالنون مع الراء في نحو {مِّن رَّبِّهِمْ} أو خطاً لا لفظاً فيدخل الهاءان في نحو {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً}. ويمتنع كونه لفظاً لا خطاً فيخرج النونان في نحو {أَنَاْ نَذِيرٌ}.

وأما الشرط الخاص بالمدغم فيه فهو أن يكون أكثر من حرف إذا كان الإدغام في كلمة، فيدخل القاف والكاف في نحو {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} بالاتفاق ونحو {خَلَقَكُمْ} و{رَزَقَكُمْ} و{يَخْلُقُكُمْ} و{سَبَقَكُمْ} عند من أدغم ويخرج نحو {خَلَقَكَ} و{نَرْزُقُكَ} فلا إدغام فيه.

كيفية الإدغام

أما كيفيته فهي جعل المدغم وهو الحرف الأول من جنس المدغم فيه وهو الحرف الثاني فمثلاً إذا أدغمت النون في اللام أو في الراء في نحو {مِن لَّدُنَّا}. {مِن رِّزْقِ ?للَّهِ} فتقلب النون لاماً في المثال الأول وراء في المثال الثاني وتدغم اللام في اللام والراء في الراء وحنيئذ يصير انلطق بلام مفتوحة مشددة بعد الميم في {مِن لَّدُنَّا} وبراء مكسورة مشددة بعد الميم في {مِن رِّزْقِ ?للَّهِ}.

ومن ثم يتضح أن هذه الكيفية تمت بعملين هما: قلب المدغوم وهو الحرف الأول من جنس المدغم فيه وهو الحرف الثاني. ثم إدغامه في المدغم فيه. وهذان العملان فيما إذا كان الإدغام في غير المثلين.

أما إذا كان الإدغام في المثلين فيكيفته تتم بعمل واحد وهو إدغام الأول في الثاني كالفاء في نحو {َلاَ يُسْرِف فِّي ?لْقَتْلِ}.

وكل من العملين اللذين في إدغام غير المثلين والعمل الواحد الذي في إدغام المثلين فيما إذا سكن الحرف الأول من المثلين أو المتقاربين أو المتجانسين.

أما إذا تحرك الحرفان في كل من الثلاثة فتتم كيفية الإدغام بعملين اثنين في المثلين وبثلاثة أعمال في المتقاربين والمتجانسين.

أما عملا إدغام المثلين فهما تسكين المدغم ثم إدغامه في المدغم فيه كالميمين في نحو {?لرَّحِيمِ * مَـ?لِكِ} وحينئذ يصير النطق بميم واحدة مفتوحة مشددة بعد الياء المدية.

وأما الأعمال الثلاثة التي في إدغام المتقاربين والمتجانسين فهي قلب المدغم من جنس المدغم فيه. ثم تسكينه. ثم إدغامه في المدغم فيه مثال إدغام المتقاربين القاف في الكاف من نحو {خَلَقَكُمْ}.

ومثال إدغام المتجانسين التاء المثناة فوق في الطاء المهملة في نحو {وَأَقِمِ ?لصَّلاَةَ طَرَفَيِ ?لنَّهَارِ} وهنا يصير النطق في {خَلَقَكُمْ} بكاف واحدة مضمومة مشددة بعد اللام. وبطاء واحدة مفتوحة مشددة بعد الفاء المد المعانقة للام في {وَأَقِمِ ?لصَّلاَةَ طَرَفَيِ}.

وهنا يتضح جليًّا أن المدغم في الأمثلة الواردة ذكرها في كيفية الإدغام هذه لم يبق له أثر لاستهلاكه في المدغم فيه كما هو واضح في النطق، والله أعلم.

أقسام الإدغام

أما أقسامه فأثنان: صغير وكبير:

فالصغير هو إدغام ساكن في متحرك كإدغام التاء في الدال في نحو {حَصَدتُّمْ} والميم في الميم في نحو {كَم مِّن فِئَةٍ} والقاف في الكاف من {أَلَمْ نَخْلُقكُّم}.

وسمي صغيراً لقلة أعمال المدغم حال الإدغام بالنسبة للكبير. وقيل لكونه إدغام ساكن في متحرك.

والكبير هو إدغام متحرك في متحرك كإدغام اللام في اللام في نحو {جَعَلَ لَكُمُ} والتاء المثناة فوق في السين وفي الطاء المهملتين في نحو {?لصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ} و{?لصَّالِحَاتِ طُوبَى?}.

وسمي كبيراً لكثرة أعمال المدغم وقد تقدم آنفاً تفصيل ذلك أثناء الكلام على كيفية الإدغام وقيل لكونه إدغام متحرك في متحرك وقيل لكثرة وقوعه. وقيل لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه. وقيل لشموله المثلين والمتقاربين والمتجانسين وقيل غير ذلك.

موانع الإدغام

أما موانعه بالنسبة للإدغام الكبير فهي مبسوطة في كتب الخلاف تركنا ذكرها هنا طلباً للاختصار لأن الإدغام الكبير لم يقع في رواية حفص عن عاصم إلا في كلمتين تقدم ذكرهما عند الكلام على تعريف المثلين.

وأما موانع الإدغام بالنسبة للصغير فسنذكرها إن شاء الله تعالى عند ذكر الإدغام الممتنع منه.

المقصود ذكره من الإدغام في هذا المختصر

أما المقصود ذكره منه في هذا المختصر فهو الإدغام الصغير لأنه الأهم بالنسبة للمبتدئين في هذا الفن وبالأخص معرفة الواجب منه ولأنه أشد تعلقاً برواية حفص عن عاصم المشهورة في كثير من الأمصار.

أما الإدغام الكبير فلم يقع في رواية حفص عن عاصم إلا في كلمات يسيرة كما تقدم منها كلمة {مَكَّنِّي} بالكهف وتقدم الكلام عليها في المثلين.

وكلمة {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف وسنذكرها في خاتمة باب الإدغام بعون الله سبحانه ولذا تركنا ذكر الكبير في هذا المختصر وفيما يلي الكلام على ما قصدنا ذكره وهو الإدغام الصغير.

الكلام على الإدغام الصغير

وهوما كان الحرف الأول ساكناً والثاني متحركاً كما تقدم ويقع في كل من المثلين والمتقاربين والمتجانسين وينقسم هذا الإدغام إلى ثلاثة أقسام: واجب وجائز وممتنع ثم إلى كامل وناقص.

1- فالواجب هو ما وجب إدغامه عند كل القراء.

2- والممتنع هو ما امتنع إدغامه عندهم كذلك.

3- والجائز هو ما جاز أدغامه وأظهاره عند بعضهم.

1- الإدغام الكامل هو سقوط المدغم ذاتاً وصفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم والمدغم فيه حرفاً و احداً مشدداً نحو {مِن لَّدُنِّي} وسمي إدغاماً كاملاً لاستكمال التشديد.

2- والإدغام الناقص هو سقوط المدغم ذاتاً لا صفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم والمدغم فيه حرفاً واحداً مشدداً تشديداً ناقصاً نحو {فَرَّطَتُ} وسمي بذلك لأنه غير مستكمل التشديد وفيما يلي الكلام على كل مفصلاً.

الكلام على الإدغام الواجب

وسمي بذلك لإجماع القراء على وجوب إدغامه ويكون في المثلين والمتقاربين والمتجانسين وإليك بسط الكلام على كل.

الإدغام الواجب في المثلين وضابطه

وهو مشروط بشرطين:

الأول: متفق عليه.

والثاني: مختلف فيه.

أما الشرط المتفق عليه فهو ألا يكون أول المثلين حرف مد كالواوين في نحو قوله تعالى: {?صْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وكالياءين في نحو {?لَّذِى يُوَسْوِسُ} فإن كان كذلك فحكمه الإظهار بالإجماع لئلا يذهب المد بسبب الإدغام. فلذا بقي الإظهار محافظة على المد.

أما إذا سكنت الواو الأولى وانفتح ما قبلها وجب إدغامها في المتحركة بعدها نحو قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ} {آوَواْ وَّنَصَرُو?اْ} وذلك لأن حرف اللين بمنزلة الصحيح. ولم يقع في القرآن الكريم ياء لينية بعدها ياء متحركة ولو وقعت لوجب الإدغام.

وأما الشرط المختلف فيه فهو ألا يكون أول المثلين هاء سكت. ولم يقع من ذلك في التنزيل إلا موضع واحد وهو لفظ {مَالِيَهْ} من {مَالِيَهْ * هَّلَكَ} بالحاقة، الآيتان: 28 ، 29. وقد اختلف فيه. فقال البعض بالإدغام على القاعدة العامة، "أي أن أول المثلين ساكن وليس حرف مد، والثاني متحرك كما سيأتي بعد". وقال البعض الآخر بالإظهار وهو الأرجح والمقدم في الاداء وعليه الجمهور.

ووجهه أن هاء السكت لا حظ لها في الإدغام. وكيفية الإظهار الوقف على هاء "ماليه" وقفة لطيفة من غير تنفس. وهذان الوجهان أي الإظهار والإدغام جائزان في حال وصل ماليه بهلك لمن أثبت الهاء من القراء حنيئذ ومنهم حفص عن عاصم.

أما في حالة الوقف فلا خلاف في إثبات الهاء للكل.

وفيما سوى هذين الشرطين يدغم أول المثلين في الثاني وجوباً لكل القراء سواء كان في كلمة نحو {يُدْرِككُّمُ} {يُوَجِّههُّ} {ال?م?} {ال?م?ر} أو في كلمتين نحو {رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} {?ضْرِب بِّعَصَاكَ}. {فَلاَ يُسْرِف فِّي ?لْقَتْلِ} {وَقَدْ دَّخَلُواْ} {كَانَت تَّأْتِيهِمْ} {قُل لَّكُم} {عَصَوْاْ وَّكَانُواْ} {إِن نَّشَأْ}. {إِذ ذَّهَبَ} وما إلى ذلك.

ويسمى إدغام مثلين صغيراً. فإن كان مصحوباً بالغنة نحو {كَم مِّن فِئَةٍ} و{ال?م?} و{لَن نُّؤْمِنَ} فيمسى إدغام مثلين صغيراً مع الغنة.

وقد أشار العلامة الجمزوري في كنز المعاني إلى وجوب إدغام المثلين الصغير للجميع بالشروط التي ذكرنا بقوله فيه رحمه الله تعالى:

*وما أوَّلُ المثْلَيْن فيه مُسَكَّن * فلا بُدَّ من إدغامِه مُتَمَثِّلا*

*لدى الكلِّ إلاَّ حرف مَد فأظْهِرنْ * كقالوا وَهُمْ في يَوْمِ وامدُدُهُ مُسْجَلاَ*

*لِكُلِّ وإلاَّ هاءُ سَكْت بمَالِيَهْ * ففيهِ لهُمْ خُلْفٌ والإظهارُ فُضِّلاَ*

*بسَكْت ... ... ... ... * ... ... ... ... ... اهـ*

كما أشار أيضاً العلامة السمنودي في لآلىء البيان بقوله عفا الله عنه:

*أوَّلَ مِثْلَى الصَّغير دُون مَدّ * أدْغِمْ ولكنْ سَكْت مَالِيَهُ أسَدَ أهـ*

الإدغام الواجب في المتقاربين وحروفه الخاصة به

وهو ليس مطلقاً كإدغام المثلين بل في أحرف مخصوصة. منها ما هو مطرد في التنزيل. ومنها ما هو خاص بموضعه. وهذه الأحرف هي:

1- اللام الساكنة في الراء سواء كانت من حرف "بل" أو من فعل "قل" نحو {بَل رَّبُّكُمْ} {بَل رَّفَعَهُ ?للَّهُ إِلَيْهِ}. {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً}.

وما ذكره إمامنا الحافظ السيوطي في الإتقان من التثميل بقوله: "هل رَّأيتم" فهو سهو منه رحمه الله إذ الراء لا تقع بعد هل في القرآن الكريم ألْبَتَّه ويستثنى من هذا النوع إدغام لام بل في الراء من {بَلْ رَانَ} بالمطففين الآية:14، لحفص عن عاصم من الشاطبية بسبب سكته عليها والسكت يمنع الإدغام.

2- النون الساكنة ولو تنويناً في خمسة أحرف وهي: "اللام والراء والميم والواو والياء".

مثال النون مع هذه الأحرف {مِّن رَّبِّهِمْ} {مِّن لَّدُنْهُ} {مِّن مَّالِ ?للَّهِ} {مِن وَلِيٍّ} {إِن يَقُولُونَ}.

ومثال التنوين معها نحو {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ?للَّهِ} {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)} {مَثَلاً مَّا} {وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ}.

بقي حرف واحد من الأحرف التي تدغم فيه النون الساكنة ولو تنويناً وهو "النون" نحو {إِن نَّقُولُ} {يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} وهو حنيئذ من باب المثلين الذين ذكرناه آنفاً وقد مثلنا له هناك بنحو هذا فتأمله.

أما الكلام على الغنة وعدمها في هذا الإدغام فسيأتي عند الكلام على نقصان الإدغام وكماله إن شاء الله تعالى.

هذا: ويستثنى من هذا النوع إدغام النون الساكنة في الراء من قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} بالقيامة عند حفص عاصم من الشاطبية بسبب سكته على النون والسكت يمنع الإدغام.

3- الإدغام الشمسي وهو إدغام لام التعريف في حروفها الأربعة عشر الخاصة بها المتقدمة في قوله: "طب ثم صل ... البيت" باستثناء حرف واحد منها وهو اللام في نحو {وَ?لْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَى?} فإنه من قبيل إدغام المثلين والأمثلة غير خفية لتقدمها في محلها كما تقدم هناك أيضاً وجه إدغام لام التعريف في القرب والمثل اتفاقاً واختلافاً فارجع إليه إن شئت.

4- القاف الساكنة في الكاف في قوله تعالى بالمراسلات: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ}،. ويسمى كل ما ذكرنا في هذا الإدغام إدغام متقاربين صغيراً وتزداد كلمة بغنة إن كان مصحوباً بها كإدغام النون الساكنة والتنوين في الميم والواو والياء وكذلك لام التعريف في النون نحو {مِّنَ ?لنُّورِ} فتأمل.

الإدغام الواجب في المتجانسين وحروفه الخاصة به

وهو كإدغام المتقاربين في أن له حروفاً مخصوصة وقد تكون مطردة وغير مطردة وأحرفه كما يلي:

1- الذال المعجمة الساكنة من ذال "إذ" في الظاء في موضعين وهما {إِذ ظَّلَمْتُمْ}، {إِذ ظَّلَمُو?اْ} ولا ثالث لهما في التنزيل.

2- الدال المهملة الساكنة في التاء المثناة فوق سواء أكانت الدال هذه حرف "قد" أو من غيره.

ففي قد نحو {قَد تَّبَيَّنَ}، و{قَد تَّعْلَمُونَ} وما شابه ذلك.

وأما في غير "قد" فهو كثير في التنزيل نحو {حَصَدتُّمْ} {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ}، {إِلاَّ ?لَّذِينَ عَاهَدتُّم} {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ}، {لَقَدْ كِدتَّ}، {رُّدِدتُّ} وما إلى ذلك.

وليس منه كلمة {عَنِتُّمْ} بآل عمران والتوبة و{لَعَنِتُّمْ} بالحجرات لأنها من العنت ولذا لم ترسم في المصحف الشريف بدال بين النون والتاء وقد نظم بعضهم هذه المواضع فقال:

*عَنِتُّم قدْ أتَتْ في ثلاثَةٍ * بتَاءٍ فلاَ تُرْسَمُ بدالٍ أخَا العُلاَ*

*ففي آل عِمْران أتَتْ وبتوبَةٍ * وبالحُجُرات اخْتِمْ كذا نَقَل المَلاَ اهـ*

3- تاء التأنيث الساكنة في الدال وفي الطاء المهملتين. ففي الدال في موضعين لا ثالث لهما:

أولهما في قوله تعالى في الأعراف: {فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ?للَّهَ رَبَّهُمَا}.

وثانيهما في قوله بيونس: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَ?سْتَقِيمَا}. وفي الطاء في نحو قوله تعالى بالصف: {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِي? إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ}.

4- الطاء المهملة الساكنة في التاء المثناة فوق نحو {أَحَطتُ} {بَسَطتَ}، {فَرَّطتُمْ} ولهذا الحرف مزيد بيان نأتي عليه عند الكلام على كمال الإدغام ونقصانه.

5- الميم الساكنة إذا وقع بعدها الباء الموحدة فتخفى حينئذ مع الغنة في أحد القولين نحو {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} {فَ?حْكُمْ بَيْنَهُمْ} {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ?لْقَوْلِ}.

والقول الآخر هو الإظهار من غير غنة وإليه ذهب بعضهم وهو اختيار مكي بن أبي طالب القيسي وتقدم الكلام مستوفى على هذه المسألة في باب الميم الساكنة فارجع إليه إن شئت والله الموفق.

6- اللام الساكنة في الراء نحو {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)} وكذلك النون الساكنة في اللام والراء نحو {مِن لَّدُنَّا} {أَن رَّآهُ} وهذا على مذهب الفراء وموافقيه.

أما على مذهب الجمهور وهو المعمول عليه فمن قبيل إدغام المتقاربين كما تقدم ويسمى الكل إدغام متجانسين صغيراً والله تعالى أعلم.

الكلام على الإدغام الممتنع: أو موانع الإدغام الصغير

تقدم أن الإدغام الممتنع هو ما امتنع إدغامه عند عامة القراء. وهو ما كان الحرف الأول فيه متحركاً والثاني ساكناً سواء كانا في كلمة كالقافين في نحو {شَقَقْنَا} وكالذال المعجمة والتاء المثنة فوق في نحو {فَ?تَّخَذَتْ مِن دُونِهِم} أو كلمتين كاللامين في نحو {قَالَ ?لْمَلأُ} واللام والراء في نحو {قَالَ ?رْجِعْ} فكل هذا وما شاكله لا يجوز إدغامه بحال لأن من شرط الإدغام أن يكون المدغم وهو الحرف الأول ساكناً والمدغم فيه وهو الحرف الثاني متحركاً وهو هنا بالعكس ولهذا امتنع الإدغام هنا بالإجماع وهذه هي موانع الإدغام الصغير.

وقد أشار إلى ما تقدم ذكره من الإدغام الواجب الممتنع في هذا الباب الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*واوَّلَىْ مِثْلٍ وجنْس إنْ سَكَنْ * أدْغِمْ كقُل ربِّي وبل لا وأبنْ*

*في يومِ مع قالوا وَهُمْ وقُلْ نعَمْ * سبَّحْهُ لا تُزغْ قُلوبَ فالْتَقُمْ*

الكلام على الإدغام الجائز

وبيان مذهب حفص عن عاصم في فصوله

سبق أن قلنا إن المراد بالإدغام الجائز أي ما جاز إدغامه وإظهاره عند بعض القراء وينحصر الكلام عليه في خمسة فصول:

الأول: في ذال إذ.

والثاني: في دال قد.

والثالث: في تاء التأنيث الساكنة.

والرابع: في لامي هل وبل.

والخامس: في حروف قربت مخارجها.

وفيما يلي الكلام على كل بانفراد فنقول وبالله التوفيق ومنه العون.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول / في الإدغام الجائز في ذال "إذ" )

الذال المعجمة من ذال "إذ" يجوز إدغامها في ستة أحرف وهي: التاء المثناة فوق والجيم والدال المهملة والزاي والسين والصاد.

ففي التاء نحو {إِذْ تَأْتِيهِمْ} وفي الجيم {وَإِذْ جَعَلْنَا} وفي الدال نحو {إِذْ دَخَلُواْ} وفي الزاي نحو {إِذْ زَيَّنَ} وفي السين نحو {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} وفي الصاد نحو {وَإِذْ صَرَفْنَآ} وقد اختلف القراء في هذه الأحرف الستة في إظهارها وإدغامها في ذال "إذ" فمنهم من أدغمها كلها إما للتجانس وإما للتقارب كما هو معروف ومنه من أدغم بعضها كذلك ومنهم من أظهرها كلها على الأصل. ومن أراد ذلك فهو مبسوط في كتب الخلاف. وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه قرأ في كلها بالإظهار وجهاً واحداً على الأصل وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني / في الإدغام الجائز في دال "قد" )

يجوز إدغام دال قد في ثمانية أحرف وهي "الجيم والذال المعجمة والزاي والسين والشين والصاد والضاد والظاء المشالة".

ففي الجيم نحو {وَلَقَدْ جَعَلْنَا} وفي الذال نحو {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} وفي الزاي نحو {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} وفي السين نحو {قَدْ سَمِعَ ?للَّهُ} وفي الشين في نحو {قَدْ شَغَفَهَا} وفي الصاد نحو {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} وفي الضاد نحو {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} وفي الظاء نحو {لَقَدْ ظَلَمَكَ} وقد اختلف القراء في إدغام هذه الأحرف الثمانية في دال قد فمنهم من أظهرها كلها على الأصل ومنهم حفص عن عاصم ومنهم أدغمها كلها للتقارب.

ومنهم من أدغم بعضها كلها ومن أراد تفصيل ذلك فهو مذكور بإسهاب في كتب الخلاف والله المرشد والمعين.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في الإدغام الجائز تاء التأنيث الساكنة )

تدغم تاء التأنيث الساكنة جوازاً في ستة أحرف وهي: "الثاء المثلثة والجيم والزاي والسين والصاد والظاء".

ففي الثاء نحو {بَعِدَتْ ثَمُودُ}. وفي الجيم نحو {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} وفي الزاي نحو {خَبَتْ زِدْنَاهُمْ} وفي السين {فَكَانَتْ سَرَاباً} وفي الصاد نحو {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} وفي الظاء نحو {كَانَتْ ظَالِمَةً} وكما مر: اختلف الأئمة القراء في إدغام هذه الأحرف الستة وإظهارها في تاء التأنيث الساكنة. فمنهم من أدغمها كلها للتقارب ومنهم من أدغم بعضها كذلك. ومنهم من أظهرها كلها على الأصل ومن بينهم حفص عن عاصم وتفصيل الإدغام والإظهار في هذا الموطن مبسوط في كتب القراءات والله الموفق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الرابع / في الإدغام الجائز في لام "هل وبل" )

تدغم اللام من بل وهل جوازاً في أحرف ثمانية قد مر ذكرها مفصلاً تفصيلاً كاملاً في باب اللامات الساكنة في الفصل الخامس في لام الحرف فارجع إليه إن شئت والله المرشد والهادي إلى سواء السبيل.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الخامس / في الإدغام الجائز في حروف قربت مخارجها وبيان مذهب حفص فيه اتفاقاً واختلافاً )

وجملة هذه الأحرف سعبة عشر حرفاً وهي كالآتي:

الحرف الأول: الباء المجزومة من الفاء نحو {أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ} {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} وما شاكل هذا وسبب الإدغام هنا للتقارب.

الحرف الثاني: اللام المجزومة في الذال المعجمة في {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ} حيث وقع هذا اللفظ بعينه في القرآن الكريم. وسبب الإدغام هنا التقارب.

أما إذا كانت اللام غير مجزومة فلا تدغم بالإجماع كما في قوله تعالى: {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذ?لِكَ مِنكُمْ} فتنبه.

الحرف الثالث: الفاء المجزومة في الباء الموحدة في موضع واحد في التنزيل في قوله تعالى بسبأ: {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ?لأَرْضَ} وسبب الإدغام هنا التقارب أيضاً. وتضعيف الزمخشري وغيره لهذا الإدغام رده غير واحد من الثقات كالإمام أبي حيان وهي قراءة سبعية متواترة كما هو مقرر.

الحرف الرابع: الذال المعجمة في التاء المثناة فوق في لفظ {عُذْتُ} نحو قوله تعالى: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ}.

الحرف الخامس: الذال المعجمة في التاء المثناة فوق أيضاً في لفظ {فَنَبَذْتُهَا} بسورة طه ليس غير، وسبب الإدغام هنا وفيما سبق التقارب.

الحرف السادس: الثاء المثلثة في التاء المثناة فوق في لفظ {أُورِثْتُمُوهَا} في الأعراف والزخرف.

الحرف السابع: الراء المجزومة في اللام نحو {وَ?صْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} وسبب الإدغام هنا التجانس حسبما ذهب أليه الفراء وموافقوه أما على مذهب الجمهور فسببه التقارب.

الحرف الثامن والتاسع: النون في الواو من هجاء {يس? (1) وَ?لْقُرْآنِ ?لْحَكِيمِ (2)} {ن? وَ?لْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)} ولا ثالث لهما في التنزيل. وسبب الإدغام التقارب.

الحرف العاشر: الدال المهملة من هجاء {ك?هيع?ص? (1)} والذال المعجمة من {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ (2)} بفاتحة مريم والسبب هنا التقارب.

الحرف الحادي عشر: الدال المهملة المجزومة في الثاء المثلثة في {يُرِدْ ثَوَابَ} في الموضعين بآل عمران.

الحرف الثاني عشر: الثاء المثلثة في التاء المثناة فوق في كلمتي {لَبِثْتُ} و{لَبِثْتُمْ} كيف وقعتا في النزيل مفردة أو مجموعة كما في المثال وسبب الإدغام هنا وفيما سبق التقارب أيضاً.

الحرف الثالث عشر: النون في الميم من هجاء {طس?م?} فاتحة الشعراء والقصص.

الحرف الرابع عشر: الذال المعجمة في التاء المثناة فوق في لفظ "أخذت" كيف جاء في القرآن أو كما عبر الإمام المتولي في هذا الحرف "بباب الاتخاذ" أي كيف وقع سواء كان مفرداً أو مجموعاً نحو {أَخَذْتُ} و{أَخَذْتُمْ} و{لَتَّخَذْتَ} و{فَ?تَّخَذْتُمُوهُمْ} وما إلى ذلك وسبب الإدغام هنا وفيما سبق التقارب.

الحرف الخامس عشر: الباء الموحدة من لفظ "يعذب" في ميم "من" بسورة البقرة خاصة في قوله عز من قائل: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} والإدغام في هذا الحرف خاص بمن قرأ بالجزم في باء يعذب: أما من قرأ بالرفع ومنهم حفص عن عاصم فلا إدغام عنده بحال فتنبه.

هذا: ووجه من أدغم هنا التجانس.

الحرف السادس عشر: الثاء المثلثة في الذال المعجمة من لفظ {يَلْهَث ذَّلِكَ} بالأعراف خاصة وسبب الإدغام هنا التجانس كذلك.

الحرف السابع عشر: الباء الموحدة الساكنة في الميم من {?رْكَبَ مَّعَنَا} بهود وسبب الإدغام هنا التجانس أيضاً.

والآن قد تم الكلام على الأحرف السبعة عشر المدغمة جوازاً وقد تقدم معنى الجواز غير مرة: ونقول أن كل حرف منها قد اختلف الأئمة القراء فيه. فمنهم من أظهر على الأصل. ومنهم من أدغم على الجواز سواء أكان الإدغام متفقاً عليه أم مختلفاً فيه وهذا كله مبسوط في كتب القراءات تركنا ذكره هنا طلباً للاختصار ومراعاة للمبتدئين وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه قرأ بالإظهار وجهاً واحداً في كلها باستثناء أحرف ثلاثة. فأدغم في واحد منها بالإجماع. واختلف عنه في الحرفين الباقيين.

أما الحرف المتفق على إدغامه عنه فهو النون في الميم من هجاء "طسَمَ" فاتحة الشعراء والقصص.

وأما الحرفان المختلف عنه فيهما.

فأولهما: الثاء المثلثة في الذال المعجمة في {يَلْهَث ذَّلِكَ} بالأعراف.

وثانيهما: الباء في الميم في {?رْكَبَ مَّعَنَا} بهود.

وهنا شيء هام يجب معرفته بالنسبة لهذين الحرفين وهو: أن الإدغام فيهما جاء عن حفص عن عاصم من طريق الشاطبية بالاتفاق. وجاء عنه من طريق الطيبة بالخلاف وهذا يفيد أن لفحص الوجهين الإظهار والإدغام في هذين الحرفين من طريق الطيبة وعليه:

فيكون الإظهار لحفص زائداً له على ما في الشاطبية. ولا يجوز للقارىء أن يقرأ بوجه الإظهار لحفص في هذين الحرفين إلا إذا علم بطريق التلقي ما يترتب عليه من أحكام يجب مراعاتها ولا يجوز مخالفتها بحال لأن هذه الأحكام إذا تركت ولم تراع في التلاوة فيعد كذباً في الرواية.

وقد وقع في بعض كتب المحدثين الكثير من هذا وشبهه ولم ينبه الطالب في هذه الكتب إلى ما أشرنا إليه وترك الكلام فيها مطلقاً ولابد من تقييده بما ذكرنا. فلا تغتر أخي بما جاء في هذه الكتب مما يفيد ترك الأحكام الواجب اتباعها على أحكام ذكرت لحفص من الطيبة كوجه الإظهار في هذين الحرفين. وإن شاء الله تعالى سأتتبع هذه الكتب وأبين في كتابنا هذا ما جاء فيها من أوجه زائدة لحفص من الطيبة ولم ينبه أصحابها عليها.

وإن مد الله في العمر فالنية متجهة إلى إفراد الأوجه الزائدة لحفص من طريق الطيبة وما يترتب عليها من أحكام يجب اتباعها في كتاب خاص لأن ذكرها في هذا الكتاب يشوش على المبتدئين والله ولي التوفيق.

تتمة: ذكر أئمتنا تفصلاً سادساً في الإدغام الجائز وهو فصل أحكام النون الساكنة والتنوين وهذا الفصل أكثر مسائله إجماعية.

والحق أن ذكره في المدغم وجوباً أولى لأن الإدغام الذي جاء فيه متفق عليه بين عامة القراء وإنما الخلاف الذي جاء فيه بينهم من جهة بقاء صفة الغنة في المدغم وعدم بقائها مما سيأتي بيانه في كتابنا هذا عند الكلام على كمال الإدغام ونقصانه.

وقد تقدم الكلام مستوفى على هذا الفصل فارجع إليه والله الموفق.

أقسام الإدغام الصغير من حيث الكمال والنقصان

ينقسم الإدغام الصغير في غير الأقسام المتقدمة التي هي الإدغام الواجب والجائز والممتنع إلى قسمين آخرين: كامل، وناقص، ولكل منهما حد يخصه وحقيقة يتميز بها عن الآخر.

الإدغام الكامل

أما حقيقة الإدغام الكامل فهو سقوط المدغم ذاتاً وصفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم والمدغم فيه حرفاً واحداً مشدداً تشديداً كاملاً وذلك نحو {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ} {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ} {وَقُل رَّبِّ} {مِّن رَّبِّهِمْ} {مِّن لَّدُنْهُ} {مِّن مَّالِ ?للَّهِ} {كَم مِّن فِئَةٍ} ونحو {?لرَّاكِعُونَ}.

ومن ثم نرى أن التاء من {فَآمَنَت} في المثال الأول أبدلت طاء ثم أدغمت في الطاء من "طائفة" فانعدمت ذاتاً وصفة وصار النطق بنون مفتوحة بعدها طاء مفتوحة مشددة وكذلك القول في باقي الأمثلة المذكورة هنا وما شابهها من غيرها. وسمي كاملاً لاستكمال التشديد.

الإدغام الناقص

وأما حد الإدغام الناقص فهو سقوط المدغم ذاتاً لا صفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم والمدغم فيه حرفاً واحداً مشدداً تشديداً ناقصاً وذلك من أجل بقاء صفة المدغم نحو إدغام الطاء الساكنة في التاء المثناة فوق نحو {أَحَطتُ} {بَسَطتَ}.

وسمي ناقصاً لأنه غير مستكمل التشديد من أجل بقاء صفة المدغم وهي هنا صفة الإطباق وكيفية أداء الإدغام هنا المحافظة على سكون الطاء من غير قلقلة وهذا هو المراد من بيان إطباق الطاء وذلك لئلا تشتبه بالتاء المدغمة المجانسة لها في المخرج ولا يضبط هذا الإدغام إلا بالمشابهة والسماع من شيوخ الأداء.

ومنه أيضاً إدغام القاف الساكنة في الكاف من {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} بالمرسلات في أحد الوجهين ويسمى إدغاماً ناقصاً لأنه غير مستكمل التشديد أيضاً من أجل بقاء صفة المدغم وهي هنا صفة الاستعلاء التي في القاف.

كيفية أداء الإدغام الناقص في ألم نخلقكم

وكيفية أداء هذا الإدغام المحافظة على سكون القاف من غير قلقلة أيضاً.

أما الوجه الآخر في هذا الكلمة فهو إدغام القاف في الكاف إدغاماً كاملاً بإسقاطها ذاتاً وصفة وبذلك يصير النقطق بلام مضمومة بعدها كاف مضمومة مشددة تشديداً كاملاً. والوجهان صحيحان مقروء بهما لجميع القراء إلا أن الإدغام الكامل هو الأولى والمختار عند الجمهور المقدم في الأداء وقد حكى غير واحد الإجماع عليه.

وقد أشار بعضهم إلى كيفية أداء الوجهين في لفظ {نَخْلُقكُّم} بقوله:

*فبعضهم أتى بالقاف غير مقلقل * وبعضٌ أَتى بالكاف خالصةً تلا أهـ*

كما أشار إلى ما ذكرناه من كيفية الإدغام الناقص في نحو {بَسَطتَ} وإلى الخلاف في {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*وبيّن الإطباقَ منْ أحطتُ مَعْ * بسطتَ والخُلْفُ بنخْلُقكم وَقَعْ اهـ*

ومن الإدغام الناقص أيضاً إدغام النون الساكنة ولو تنويناً في الواو والياء بالغنة نحو {مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (74)} {إِن يَعْلَمِ ?للَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ}.

وسمي الإدغام هنا ناقصاً لأنه غير مستكمل التشديد من أجل بقاء صفة الغنة في المدغم فهي بمنزلة حرف الإطباق الموجود مع الإدغام في نحو {فَرَّطَتُ} وبمنزلة حرف الاستعلاء الموجود مع الإدغام في {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} على القول بنقصانه.

وأما إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء من غير غنة في نحو {مِن لَّدُنِّي} {هُدًى لِّلنَّاسِ} {مِن رِّزْقِ ?للَّهِ} {إِنَّ ?للَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (182)} فمن قبيل الإدغام الكامل لانعدام المدغم. ذاتاً وصفة بإدغامه في المدغم فيه ولاستكمال التشديد.

أما إذا قرىء ببقاء صفة الغنة وهي قراءة الأئمة "نافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب وابن عامر وعاصم من رواية حفص في أحد الوجهين عنهم من طريق طيبة النشر". فالإدغام من قبيل الإدغام الناقص لعدم استكمال التشديد فيه من أجل بقاء صفة الغنة نص على ذلك الحافظ أبو عمرو الداني في المحكم كما سيأتي والعلامة المارغني في شرح ضبط الخراز وكذلك العلامة الضباع في تذكرة الإخوان وغيرهم.

كيفية إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء بالغنة

وأما الغنة في هذا الإدغام فتجعل على اللام والراء نبه على ذلك العلامة الخليجي الإسكندري في كتابه تيسير الأمر وبذلك قرأ وبه أقرىء.

هذا: ويستثنى من قراءة الإمام نافع رواية ورش من طريق الأزرق حيث قرأ بعدم بقاء صفة الغنة في هذا الإدغام.

وأما إدغام النون الساكنة ولو تنويناً في النون والميم في نحو {إِن نَّقُولُ} {يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} {مِن مَّآءٍ} {مَثَلاً مَّا} فمن قبيل الإدغام الكامل على الصحيح لاستكمال التشديد فيه وذلك لسقوط المدغم ذاتاً وصفة بانقلابه من جنس المدغم فيه كما هو واضح من النطق وهذا هو المعتمد والمأخوذ به وعليه الجمهور.

وذهب بعضهم إلى أنه من قبيل الإدغام الناقص بحجة أن الغنة منعت كمال التشديد فيه وألحقوه بإدغام الساكنة والتنوين في الواو والياء مع الغنة في نقصانه. وجاء هذا في بعض شراح المقدمة الجزرية وغيرها ككتاب العقد الفريد الكبير والرعاية.

ونقول: إن هذا القول مخالف لما عليه الجمهور ومردود عليه بأكثر من رد وكلها تؤيد أن إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم من قبيل الإدغام الكامل. ومن تلك الردود ما قاله الإمام أبو شامة نَقَلَهُ عن صاحب "نهاية القول المفيد" ونصه وأما إدغامهما في النون والميم فهو إدغام محض لأن في كل من المدغم والمدغم فيه. غنة فإذا ذهبت إحداهما يعني غنة المدغم بالإدغام بقيت الأخرى وهذا مذهب الجمهور فالتشديد مستكمل على مذهبهم" أهـ بلفظه. قال الفقير وممَّا يعضد قول الحافظ أبي شامة وغيره من الأئمة الذين لم يرتضوا نقصان الإدغام في هذه الحالة قول علماء فن الضبط في هذه المسألة حيث قالوا بكمال الإدغام حال إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم وأورد هنا بعضاً من كلام المتقدمين منهم والمتأخرين فأقول بالله التوفيق.

جاء في "كتاب المحكم في نقط المصاحف" للحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله في باب ذكر حكم النون الساكنة وما بعدها - أي من الحروف - في حال البيان والإدغام والإخفاء عند ذكره لنقط الإدغام ما حاصله أي إن النون الساكن تدغم إدغاماً صحيحاً وتدخل إدخالاً شديداً إذ أتى بعدها اللام والراء والنون والميم وكذلك إذا أتى بعدها الواو والياء على مذهب من أذهب الغنة عندهما ولم يبق لها أثر مع الإدغام. وعلى مذهب من بين غنة النون عند اللام والراء والواو والياء لم تدغم النون إدغاماً تامًّا لأنها لم تنقلب إلى لفظ هذه الحروف قلباً صحيحاً ولم تدغم فيها إدغاماً تامًّا لبقاء صوتها الذي لها من الخيشوم وهو لغنة. وقال رضي الله عنه بنحو ذلك في باب التنوين قبل باب النون في الكتاب نفسه أهـ بمعناه.

وجاء في شرح ضبط الخراز للعلامة المارغني ما حاصله أيضاً "أن من الإدغام الكامل إدغام النون الساكنة والتنوين في أربعة أحرف وهي: اللام والميم والنون والراء وجمعها لفظ النظم في جملة "لم نر" وكذلك الواو والياء عند من قرأ بإدغامهما فيهما بغير غنة وأن من الإدغام الناقص إدغامهما في الواو والياء بالغنة وكذلك اللام والراء عند من أدغم وأبقى الغنة" أهـ بمعناه أيضاً.

بعد هذا أصبح من الواضح تماماً أن إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم من الإدغام الكامل وهو الصحيح المأخوذ به عند الجمهور وهو الذي تلقيناه عن مشايخنا في الجامع الأزهر المعمور فتأمله والله الموفق.

وصفوة القول أن الفرق بين الإدغام الكامل والناقص هو أن الإدغام الناقص يبقى في المدغم وصفة سواء أكان إطباقاً أم استعلاء أم غنة وأن الإدغام الكامل هو الذي لا يبقى للمدغم أثر وذلك بسقوطه ذاتاً وصفة وإدغامه في المدغم فيه.

وهذا ما أشار إليه العلامة السمنودي في لآلىء البيان في تقسيم الإدغام بقوله:

*ذا ناقِصٌ إنْ يبقَ وصْفُ المدغَم * وكاملٌ إنْ يُمْحَ ذا فَلْتَعْلَمِ اهـ*

ومعنى سقوط المدغم في كل ما مر ذكره إنما هو في اللفظ لا في الخط فتأمل.

تتمة: قد يعبر عن الإدغام الناقص بالإدغام غير المحض ناقص التشديد وعن الإدغام الكامل بالإدغام المحض كامل التشديد وبالإدغام التام وبالخالص وكلها ألفاظ مترادفة فتفطن وبالله التوفيق.

الخاتمة نسأل الله تعالى حسنها في الكلام على كلمة تأمنا

كلمة "تأمنا" جاءت في سورة سيدنا يوسف على نبينا سيدنا محمد وعليه أفضل الصلاة والسلام في قوله تعالى: {مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى? يُوسُفَ} والأصل فيها "تأّمَنُنَا" على وزن تضمننا بنونين مظهرتين الأولى مرفوعة وهي لام الفعل والثانية مفتوحة وهي نون المتكلم وقد اجتمعت المصاحف على كتباتها بنون واحدة على خلاف الأصل. والحكم فيها متعلق بالإدغام الكبير الذي تركنا ذكره هنا طلباً للاختصار ولعدم تعلقه برواية حفص ولما كان الحكم فيها متفق عليه بين جمهور القراء والذين منهم حفص عاصم كان من الواجب ذكر ما فيها من أحكام التلاوة ووفاء بما وعدنا به من الكلام عليها في باب المثلين نقول وبالله التوفيق.

يجوز في هذه الكلمة لحفص عن عاصم كغيره من الأئمة العشرة باستثناء الإمام أبي جعفر وجهان صحيحان مقروء بهما.

الأول: وجهان صحيحان مقروء بهما.

الثاني: الاختلاس أي اختلاس ضمة النون الأولى وحينئذ يمتنع إدغام النون الأولى في الثانية مطلقاً لتعذر الإتيان به لأن من شرط الإدغام تسكين المدغم وهو هنا النون الأولى وهي لا تزال متحركة وإن كانت حركتها غير كاملة بسبب اختلاسها فلا تكون مدغمة والحالة هذه.

هذا: ووجه الاختلاص وكذلك وجه الإشمام لا يحكمان إلا بالمشافهة والسماع من أفواه الشيوخ المحققين الآخذين ذلك عن شيوخهم.

ووجه الاختلاس هو المقدم في الأداء والله تعالى أعلى وأعلم وأعز وأكرم.

(/)

________________________________________

 ( الباب الحادي عشر / في المد والقصر )

( التمهيد )

التمهيد: ينحصر كلامنا في هذا الباب جملة في خمسة أشياء وهي:

1- الأصل في المد.

2- تعريفه.

3- حروفه.

4- شروطه.

5- أقسامه.

ولكلٍ كلامٌ خاص نفصله في مايلي:

(/)

________________________________________

 ( الأصل في المد )

أما الأصل فيه فهو حديث موسى بن يزيد الكندي قال: "كان ابن مسعود يقرىء رجلاً فقرأ الرجل {إِنَّمَا ?لصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَ?لْمَسَاكِينِ} "مرسلة" فقال: ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وكيف أقرأكها؟ قال: أقرأنيها: {إِنَّمَا ?لصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَ?لْمَسَاكِينِ} فمدها.

وقد خرجه السيوطي في "الدر المنثور" فقال: أخرجه سعيد بن منصور والطبراني وابن مردويه. وذكره الحافظ ابن الجزري في "النشر الكبير" بسنده إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - بلفظ مقارب وقال فيه: "هذا حديث حجة ونص في هذا الباب رجال إسناده ثقات، رواه الطبراني في معجمه الكبير انتهى منه بلفظه.

والأصل في المد عموماً ما رواه البخاري في صحيحه (باب مد القراءة) عن قتادة قالت سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كان يمد مدًّا" أهـ ورواه النسائي عن قتادة بلفظ "سألت أنساً كيف كانت قراءة رسول الله صلى عليه وسلم؟ قال: "كان يمد صوته مدًّا".

قال مكي بن أبي طالب القيسي فيه في "الكشف" فهذا عموم في كل ممدود وذكر الصوت يدل على نفس المد وتأكيده بالمصدر يدل على إشباع المد. وقد قيل: إن معناه: "يصل قراءة بعضها ببعض" من قولهم مددت السير في هذه الللية وذكره في الحديث لـ"الصوت" يدل على خلاف هذا التأويل. وقوله تعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} المزمل الآية: (4) يدل على التمهل والتمهل يعطي المد وهو الاختيار لإجماع أكثر القراء على ذلك ولما فيه من البيان ولما ذكرنا من الحديث" أهـ.

وقال الشريف بن يالوشيه في شرح المقدمة الجزرية بعد أن ساق هذا الحديث "والخبر عام في المتصل والمنفصل وغيرهما من أنواع المد" أهـ.

(/)

________________________________________

 ( تعريفه )

أما تعريف المد: فهو في اللغة الزيادة ومنه قوله تعالى {أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ} أي يزدكم وفي الاصطلاح إطافة الصوت بحرف من حروف المد واللين أو بحرف من حرفي اللين فقط.

وأما تعريف القصر فهو في اللغة الحبس ومنه قوله تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ} أي محبوسات فيها. وفي الاصطلاح: إثبات حرف المد فقط وحرف اللين وحده من غير زيادة عليهما. ويستفاد من التعريف الاصطلاحي للقصر بالنسبة لحرف المد فقط أن المراد منه هنا هو ترك الزيادة التي فوق مقدار المد الطبيعي لا ترك المد بالكلية كما قد يتبادر لأنه يؤدي إلى حذف حرف من القرآن وهو غير جائز وقد يرد القصر ويراد منه حذف حرف المد كلية أو نوعاً ما وهو قليل وسنبينه عند التعرض له إن شاء الله تعالى. وإذا أطلق القصر انصرف إلى ترك الزيادة التي فوق مقدار المد الطبيعي فحسب. وإذا أريد بالقصر حذف المد نهائيًّا أو نوعاً ما فلا بد من تقييده أو قرينة تدل على المعنى المراد من القصر عندئذ.

هذا: والقصر هو الأصل لأنه يحتاج إلى سبب والمد فرع وعنه لاحتياجه إلى سبب سواء أكان المد إشباعاً أم توسطاً.

(/)

________________________________________

 ( حروفه وشروطه )

أما حروف المد واللين فثلاثة يجمعها لفظ "واي" وهو الواو الساكنة المضموم ما قبلها نحو{يَقُولُ} والألف الساكنة المفتوح ما قبلها نحو {قَالَ} والياء الساكنة المكسور ما قبلها نحو {وَقِيلَ} ويجمع الكل بشروطها المذكورة الكلمات التالية: {نُوحِيهَآ، وَأُوتِينَا، أُوذِينَا} وتسمى الحروف الثلاثة هذه حروف المد واللين لخروجها بامتداد ولين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها. وقد تقدم الكلام عليها في باب المخارج فراجعه.

وأما حرفا اللين فهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما نحو قوله تعالى: {أَلا? إِنَّ أَوْلِيَآءَ ?للَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وسميا بذلك لخروجهما بلين وعدم كلفة على اللسان. وقد تقدم في باب الصفات معنى اللين لغة واصطلاحاً فانظره.

وأما شروط حروف المد واللين فثلاثة:

الأول: ضم ما قبل الواو نحو {يَحُولُ}.

الثاني: كسر ما قبل الياء نحو {وَحِيلَ}.

الثالث: فتح ما قبل الألف نحو {وَحَالَ} وهذا الشرط لازم للألف لا ينفك عنها بخلاف الواو والياء كما سيأتي.

وأما حرفا اللين فلهما شرطان:

الأول: أن يكونا ساكنين.

الثاني: أن يفتح ما قبلهما نحو {?لْفَوْزُ، وَ?لْخَيْرِ}.

ويتلخص مما ذكر أن الياء والواو تارة توصفان بحرفي المد واللين وذلك إذا سكنتا وانكسر ما قبل الياء وانضم ما قبل الواو. وتارة توصفان بحرفي اللين فقط وذلك إذا سكنتا إثر فتح. وإذا خلتا من هذين الوصفين بأن كانتا متحركتين بأي حركة كانت كانتا حرفي علة فقط والأمثلة غير خفية.

وأما الأف فلا توصف إلا بحرف المد واللين وهذا الوصف لازم لها لأنها لا تتغير عن سكونها ولا عن فتح ما قبلها بخلاف الواو والياء في أحوالها الثلاثة المتقدمة. ومما تقدم يفهم أن اللين يصدق على حرف المد فيقال حرف مد ولين بخلاف العكس فلا يوصف اللين بالمد إلا إذا كان هناك سبب يقتضي المد كما سيأتي ذكر ذلك عند الكلام على أسباب المد الفرعي.

وقد أشار العلامة الجمزوري في تحفته إلى حروف المد وحرفي اللين وشروط كل بقوله:

*حروفُه ثلاثةٌ فعِيهَا * من لفظِ واي وهي في نوحيها*

*والكسرُ قَبْلَ اليا وقَبْلَ الواو ضم * شرطٌ وفتحٌ قبْلَ ألف يلْتزمْ*

واللينُ منها اليا وواوٌ سكَنَا * إن انفتاحُ قبلَ كلٍّ أُعلِنا اهـ*

(/)

________________________________________

 ( أقسامه )

ينقسم المد إلى قسمين:

الأول: المد الأصلي.

والثاني: المد الفرعي.

ولكل منهما حد يخصه وحقيقة يتميز بها عن الآخر وإليك الكلام على كل منهما.

الكلام على المد الأصلي "الطبيعي"

ويسمى بالمد الطبيعي أيضاً وهو الذي لا تقوم ذات حرف المد إلا به. ولا يتوقف على سبب من أسباب المد الفرعي الآتية بعد: بل يكفي فيه وجود حرف المد واللين.

وضابطه ألا يقع بعد حرف المد واللين همز ولا سكون نحو {قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ} {?لَّذِى يُوَسْوِسُ}.

وسمي طبيعيًّا لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حده ولا يزده عليه. وسمي أيضاً بالمد الذاتي وبمد الصيغة.

أمام كونه ذاتيًّا فلأن ذات الحروف لا تقوم إلا به ولا تجتلب بدونه.

وأما كونه مد الصيغة فلأن صيغة حروف المد - أي بنيتها - تمد لكل القراء قدر مدها الطبيعي الذي لا تقوم ذاتها إلا به ولا توجد بعدمه لابتنائها عليه وهو مد الصوت بقدر النطق بحركتين كما سيأتي بيانه.

قال الإمام ابن بري في الدرر اللوامع:

*وصيغةُ الجميع للجميع * تمدُّ قدْرَ مدِّها الطَّبيعي اهـ*

أقسام المد الطبيعي

ينقسم المد الطبيعي إلى قسمين:

الأول: المد الطبيعي الكلمي.

والثاني: المد الطبيعي الحرفي.

ولكل منهما حد يخصه وحقيقة يتميز بها عن الآخر وإليك الكلام على مكل منهما.

الكلام على المد الطبيعي الكلمي وأقسامه

المد الطبيعي الكلمي هو ما كان موجوداً في كلمة نحو {يُنَادُونَكَ، فَسَيَكْفِيكَهُمُ ?للَّهُ} ولأجل هذا سمي كلميًّا.

وينقسم هذا المد إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون هذا المد ثابتاً في الوصل والوقف ويستوي في ذلك ثبوت حرف المد في خط المصحف الشريف كما في الأمثلة المتقدمة أو حذفها منه نحو {يَابَنِيَّ} {وَي?قَوْمِ ?سْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ} وما إلى ذلك.

القسم الثاني: أن يكون ثابتاً في الوقف دون الوصل وهو كثير في التنزيل وله صور متعددة تدرك بالتأمل.

منها: الوقف على الألف المبدلة من التنوين في الاسم المقصور مطلقاً نحو {هُدًى} {مُصَلًّى} {غُزًّى} {قُرًى} {عَمًى} {سُدًى} وكذلك الألف المبدلة من التنوين وقفاً في الاسم المنصوب نحو {وَكِيلاً} {حَسِيباً} {حَدِيثاً} {قِيلا}. وليس منه الوقف على الألف المبدلة من التنوين وقفاً في الاسم المنصوب أيضاً في نحو {دُعَآءً} و{نِدَآءً} {بِنَآءً} {غُثَآءً} فهو من قبيل المحمول على مد البدل وإن كان الحكم فيهما واحداً إلا أنه يخالفه في النوع كما سيأتي:

ومنها: الوقف على حرف المد المحذوف للساكنين وهو كثير في القرآن الكريم سواء أكان ألفاً أم واواً أم ياء.

فالألف: تكون للتثنية وغيرها.

فالتثنية كالوقف على لفظ {ذَاقَا} من {ذَاقَا ?لشَّجَرَةَ} وعلى {ادْخُلا وقَالا} من {وَقِيلَ ?دْخُلاَ ?لنَّارَ} {وَقَالاَ ?لْحَمْدُ لِلَّهِ}.

وغير التثنية كالوقف على لفظ "الأقصا وأقصا وطغا" من {إِلَى? ?لْمَسْجِدِ ?لأَقْصَى} {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى ?لْمَدِينَةِ يَسْعَى?} {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ?لْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى?} {إِنَّا لَمَّا طَغَا ?لْمَآءُ} وما إلى ذلك.

والواو: نحو الوقف على "تسبوا وقالوا وملاقوا" من {وَلاَ تَسُبُّواْ ?لَّذِينَ} {وَإِذْ قَالُواْ ?للَّهُمَّ} {مُلاَقُواْ ?للَّهِ} وما شابه ذلك.

والياء: نحو الوقف على "حاضري، مُحلِّى، مُهْلِكي" من {حَاضِرِي ?لْمَسْجِدِ ?لْحَرَامِ} {غَيْرَ مُحِلِّي ?لصَّيْدِ} {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ?لْقُرَى? إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} وسيأتي مزيد بيان على هذه الحروف ونحوها في باب الوقف على أواخر الكلم.

القسم الثالث: أن يكون ثابتاً في الوصل دون الوقف وله صور:

منها: صلة هاء الضمير سواء كانت واواً أو ياء كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} أما في حالة الوقف فتحذف الصلة ويوقف بالإسكان بالإجماع.

ومنها: الياء من نحو {?لْمُحْسِنِينَ} والواو من نحو {?لرَّاكِعُونَ ?لسَّاجِدونَ} والألف من نحو {?لثَّوَابِ} {?لْعِقَابِ} وهذا كله في حالة الوصل. أما في حالة الوقف فيصير المد من قبيل المد الجائز العارض للسكون أحد أنواع المد الفرعي الآتي ذكره بعد وليس طبيعيًّا فتأمل.

الكلام على المد الطبيعي الحرفي

وهو ما كان موجوداً في حرف واحد من الحروف الهجائية وهي حروف مخصوصة افتتح بها بعض سور التنزيل نحو "طه، يسَ".

وينحصر هذا المد في خسمة أحرف مجموعة في قوله بعضهم "حي طهر" وهي الحاء المهملة والياء المثناة تحت والطاء والهاء والراء.

فالحاء المهملة من كلمة {حم?} في سورها السبع.

والياء المثناة تحت من {ك?هيع?ص?} ومن {يس?}.

والطاء من {طه} {طس?م?} فاتحة الشعراء والقصص، {طس?} فاتحة النمل.

والهاء من {ك?هيع?ص?} ومن {طه}.

والراء من {ال?ر} في سورها الخمس ومن {ال?م?ر} فاتحة الرعد وليس غير هذه الأحرف في التنزيل.

وسمي طبيعيًّا لوجود حرف المد الذي ليس بعده همز ولا سكون في حرف من حروف الهجاء وهذا المد ثابت في الوصل والوقف دائماً بخلاف المد الطبيعي الكلمي في أحواله المتقدمة.

مقدار المد في الطبيعي

أما مقدار مده في جميع أنواعه المتقدمة وصوره المختلفة فهو مد الصوت بقدر حركتين اثنتين فقط لكل القراء بالإجماع ويستوي في ذلك ما ثبت منه في الوصل الوقف أو في الوصل دون الوقف أو في الوقف دون الوصل: ويحرم شرعاً النقص عن هذا القدر أو الزيادة عليه وتعرف الحركة بمقدار حركة الأصبع قبضاً أو بسطاً بحالة معتدلة لا بالسريعة ولا بالبطيئة ولا يضبط هذا إلا المشافهة والإدمان على القراءة والسماع من أفواه الشيوخ المحققين الآخذين ذلك عن شيوخهم رزقنا الله تعالى أداء كأدائهم وسيراً على طريقهم حتى نتلو كتاب الله تلاوة صحيحة ترضيه ويرضى بها عنى آمين.

هذا: وقد أشار العلامة الجمزوري إلى ما تقدم ذكره في هذا القسم بقوله في التحفة:

*والمدُّ أصْليٌّ وفرعيٌّ لهُ * وسمِّ أوَّشلاً طبيعيًّا وهُو*

*ما لا توقُّفٌ لهُ على سببْ * ولا بدونه الحروفُ تُجتَلَبْ*

*بل أي حرف غير همزٍ أو سُكونْ * جاء بَعْدَ مَدٍّ فالطَّبيعيُّ يكونْ اهـ*

وهنا قد انقضى كلامنا على القسم الأول وهو المد الأصلي وفيما يلي الكلام على القسم الثاني وهو المد الفرعي فنقول وبالله التوفيق ومنه سبحانه نستمد العون.

الكلام على المد الفرعي

والكلام فيه على خمس مسائل وهي:

الأولى: في تعريفه.

والثانية: في أسبابه.

والثالثة: في أنواعه.

والرابعة: في أحكامه.

والخامسة: في مراتبه.

ولكل مسألة من هذه المسائل كلام خاص نوضحه فيما يلي.

(/)

________________________________________

 ( القسم الثاني / المد الفرعي وفيه خمس مسائل )

( المسألة الأولى في تعريفه )

المسألة الأولى في تعريف المد الفرعي وضابطه

أما تعريفه: فهو المد الزائد على مقدار المد الطبيعي المتقدم لسبب من الأسباب الآتية بعد وهو الذي تقوم ذوات حروف المد بدونه.

وأما ضابطه: فهو أن يقع بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده همز أو سكون سواء كان السكون لازماً أو عارضاً نحو {هَـ?ؤُلا?ءِ} {بِمَآ أُنْزِلَ} {آمِنُواْ} ونحو {?لسَّوْءِ} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لدى الوقف اتفاقاً: أما في حالة الوصل فمده لورش من طريق الأزرق خاصة ونحو {دَآبَّةٍ} {ال?م?} في الوصل والوقف.

ونحو {إِلَى? حِينٍ} {يَعْمَهُونَ} و{?لْحِسَابَ} {?لْخَيْرَ} {?لْقَوْلِ} في الوقف للجميع.

وسمي فرعيًّا لتفرعه من المد الطبيعي أو لتفرع جميع المدود منه سوى المد الطبيعي. ويسمى أيضاً بالمد المزيدي لزيادة مده على مقدار المد الطبيعي. وإذا أطلق المد انصرف إليه - أي إلى المد الفرعي أو المزيدي.

(/)

________________________________________

( المسألة الثانية في أسبابه )

المسألة الثانية في أسباب المد الفرعي

للمد الفرعي سببان لتفظي ومعنوي:

فأما السبب اللفظي فنوعان الهمز والسكون مطلقاً وهما سببان لزيادة المد الفرعي عن المد الأصلي - الطبيعي - إذا وجد أحدهما بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده وسيأتي مزيد بيان لذلك قريباً إن شاء الله تعالى.

وأما السبب المعنوي فهو قصد المبالغة في النفي وهو من الأسباب القوية المقصودة عند العرب وإن كان ضعيفاً عند القراء وهو نوعان أيضاً.

الأول: المد للتعظيم وهو في "لا" النافية للجنس في كلمة التوحيد خاصة نحو {لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ ?للَّهُ} {لاَّ إِلَـ?هَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ} {لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ ?لْعَزِيزُ ?لْحَكِيمُ} ويسمى بمد المبالغة أيضاً لأنه طلب للمبالغة في نفي الألوهية عما سوى الله تعالى.

الثاني: مد التبرئة وهو ثابت عن الإمام حمزة أحد القراء السبعة في أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر لكن لا يبلغ به حد الإشباع بل يقتصر فيه على التوسط وقدره أربع حركات وذلك لضعف سببه عن السبب اللفظي ومثاله: {لاَ رَيْبَ} {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} وما إلى ذلك.

هذا: وقد رَدَّ مُلاّ على القارى في شرحه على المقدمة الجزرية المد للتعظيم لأصحاب قصر المنفصل. وكذلك وصف مد التبرئة الوارد عن الإمام حمزة بأنه رواية شاذة عند أهل الدراية. وحجته في هذا وذاك عدم ورودهما من طريق الشاطبية.

أقول: أما المد للتعظيم لأصحاب قصر المنفصل فهو صحيح ثابت في أحد الوجهين عنهم من طريق طيبة النشر قرأت به على جميع شيوخي من هذا الطريق وبه آخذ قراءة وإقراء وسيأتي ذكره مع الأحكام المترتبة عليه بالنسبة لحفص عن عاصم.

وأما مد التبرئة في لا النافية للجنس فهو قراءة صحيحة سبعية متواترة ليست بشاذة جاءت عن الإمام حمزة في أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر كما تقدم وبهذه القراءة قرأت على جميع شيوخي من هذا الطريق وبها آخذ قراءة وإقراء. وقد قال الإمام حمزة نفسه فيما نقله عنه الحافظ الذهبي وغيره "ما قرأت حرفاً من كتاب الله إلا بأثره".

وأما عن عدم ورود هذين المدين من طريق الشاطبية فلا يمنع ورودهما وصحتهما من طريق غيرها كالنشر وطيبته. وكم من قراءات لا يأتي عليها العد صحت واستفاضت وتواترت عن الأئمة السبعة من غير طريق الشاطبية وتلقتها الأمة بالقبول ولم تقلل من شأنها. ومن قرأ كتاب النشر للحافظ ابن الجزري عرف تلك القراءات. والذي يظهر أن مُلاَّ علي القارى لم يقرأ بما جاء في كتاب النشر ولو قرأ القرآن الكريم بما جاء فيه ما رد المد للتعظيم لأصحاب القصر في المنفصل ولا حكم بشذوذ قراءة حمزة بمد التبرئة. وكأنه كان يرى - رحمه الله - أن كل قراءة جاءت عن الأئمة السبعة من غير طريق الشاطبية فهي قراءة شاذة وهذا عجيب من عالم كبير كالقارى.

واحترازاً عن فهم مثل هذا فقد اعتنى أئمتنا بسرد الزيادات التي ثبتت وتواترت واستفاضت عن الأئمة السبعة من غير الشاطبية في كتب مستقلة بها كالعلامة أحمد الطيبي في كتابه "التنوير فيما زاد للسبعة الأئمة البدور على ما في الحرز والتيسير".

كما اعتنوا بسرد الزيادات التي صحت وتواترت واستفاضت عن الأئمة العشرة من غير طريق الشاطبية والدرة في كتب مستقلة بها كذلك كالعلامة الشيخ محمد محمد هلالي الإبياري في كتابيه "منحة مولى البر: فيما زاده كتاب النشر: في القراءات العشر" وشرحها "القول المبين، المستقر بشرح منحة مولى البر".

والعلامة الشيخ محمد عبدالرحمن الخليجي الإسكندري في كتابيه، "تكلمة العشر بما زاده النشر" وشرحها المعروف "بشرح التكملة" وغيرهما من الأجلاء فجزاهم الله عن القرآن الكريم وأهله خيراً ورحم الله تعالى ملا علي القاري ورحمنا معه وعامة المسلمين بمنه وكرمه آمين.

ولنرجع إلى ما كنا قد وقفنا عنده: فنقول:

وقد أشار العلامة الجمزوري إلى المد الفرعي وأسبابه بقوله في تحفته:

*والآخرُ الفرعيُّ موقوف على * سبب كهمْز أو سُكُون مُسْجَلاَ اهـ*

(/)

________________________________________

( المسألة الثالثة في أنواعه )

المسألة الثالثة في أنواع المد الفرعي

علم مما تقدم أن للمد الفرعي سببين لفظيين: هما الهمز والسكون:

فالهمز سبب لثلاثة أنواع منه وهي المد المتصل والمنفصل والبدل. فإن تقدم المهمز على حرف المد فهو المد البدل نحو {آمَنَّا بِ?للَّهِ} وإن تأخر عنه وكان معه في كلمة واحدة فهو المد المتصل نحو {مَا شَآءَ ?للَّهُ} وإن انفصل عنه بأن كان حرف المد آخر الكلمة والهمز أول الثانية فهو المد المنفصل نحو {آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ?للَّهُ مِن كِتَابٍ}.

والسكون سبب لنوعين منه ولا يكون إلا بعد حرف المد دائماً. فإن كان ثابتاً في الوصل والوقف فهو المد اللازم نحو {?لصَّآخَّةُ} وإن كان ثابتاً في الوقف دون الوصل فهو المد العارض للسكون نحو {نَسْتَعِينُ}.

فيتلخص مما ذكر أن أنواع المد ا لفرعي خمسة وهي: المد المتصل والمنفصل والبدل والعارض للسكون واللازم وسيأتي بسط الكلام على كل بما فيه الكفاية في المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى.

(/)

________________________________________

( المسألة الرابعة في أحكامه )

المسألة الرابعة في أحكام المد الفرعي

أحكام المد الفرعي ثلاثة:

أولها: الوجوب وهو خاص بالنوع الأول وهو المد المتصل.

ثانيها: الجواز وهو خاص بالأنواع الثلاثة بعد الأول وهي المد المنفصل والعارض للسكون والبدل.

ثالثها: اللزوم وهو خاص بالنوع الخامس والأخير وهو المد اللازم وفيما يلي الكلام على كل حكم وما يختص به من الأنواع فنقول وبالله التوفيق.

الكلام على الحكم الأول من أحكام المد الفرعي وهو لمد الواجب (المتصل) وسبب تسميته واجباً ومتصلاً ومقدار مده ووجهه وضابطه

تقدم أن حكم الوجوب خاص بالنوع الأول من أنواع المد الفرعي وهو المد المتصل.

وتعريفه: أن يقع الهمز بعد حرف المد واللين في كلمة واحدة نحو {أُوْلَـ?ئِكَ عَلَى? هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـ?ئِكَ هُمُ ?لْمُفْلِحُونَ} {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} {أَسَاءُواْ ?لسُّو?ءَى?} ومقدار المد فيه بالنسبة لحفص عن عاصم من الشاطبية أربع حركات وهو المعروف بالتوسط ثم المد بقدر خمس حركات أيضاً وهو المعروف بفويق التوسط وصلاً ووفقاً والوجهات صحيحان مأخوذ بهما لفحص من الشاطبية غير أن التوسط هو المشهور والمقدم في الأداء ولم أقرأ بسواه من هذا الطريق وهو الذي ارتضاه إمامنا الشاطبي رحمه الله ولم يقرىء بسواه لأصحاب التوسط فاعلم ذلك.

هذا: وما أشرنا إليه من المد بقدر أربع حركات أو خمس إذا كان المد متوسطاً كما مثلنا:

أما إذا كان متطرفاً وموقوفاً عليه كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى ?للَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ?لْعُلَمَاءُ} ففيه ما تقدم من المد بأربع حركات أو خمس ثم زيادة المد بقدر ست حركات لأجل الوقف كما سيأتي.

وسمي متصلاً لاتصال حرف المد بالهمز في كلمة واحدة: أو لاتصال الشرط بالسبب في كلمة واحدة كذلك.

وكان حكمه الوجوب لوجوب مده عند كل القراء زيادة على مقدار المد الطبيعي. وإن كانت الزيادة فيه متفاوتة عندهم.

ومن ثم يعلم أن للمد المتصل محلين: محل اتفاق ومحل اختلاف.

أما محل الاتفاق: فهو أن كل القراء اتفقوا على زيادة مده عن مقدار المد الطبيعي.

وأما محل الاختلاف: فهو تفاوتهم في مقدار تلك الزيادة علىحسب مذاهبهم فمنهم من قرأ بمرتبة الإشباع وقدرها ست حركات.

ومنهم من قرأ بمرتبة دونه وقدرها خمس حركات وهو الإمام عاصم شيخ حفص. ومنهم من قرأ بمرتبة المتوسط وقدرها أربع حركات ومن بينهم الإمام عاصم كذلك. ومنه من قرأ بمرتبة فويق القصر وقدرها ثلاث حركات ولا أقل من ذلك. ولم نذكر أصحاب هذه المراتب هنا طلباً للاختصار وهي مبسوطة في كتب الخلاف فراجعها إن شئت.

ومما تقدم يعلم أن المد المتصل لا يزيد عن الحركات الست ولا ينقص عن الثلاث فمراتبه أربع فقط كما يعلم أيضاً أنه لا يجوز بحال القصر فيه كالطبيعي. قال الحافظ الجزري في النشر: "وقد تتبعته - أي القصر في المتصل - فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة بل رأيت النص بمده" أهـ.

هذا ما يتعلق بمسألة الوجوب في المد المتصل باختصار.

وقد أشار العلامة الجمزوري إلى المد الواجب ونوعه في التحفة بقوله:

*فواجبٌ إنْ جاءَ هَمْزٌ بعد مَدْ * في كلمة وذا بمُتَّصلٍ يُعَدْ اهـ*

كما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*وواجبٌ إن جاءَ قبْلَ همزةٍ * مُتَّصِلاً إن جُمِعَا بكلمةٍ*

هذا ووجه المد في المتصل هو أن الهمز ثقيلة في النطق بها لأنها حرف شديد جهري كما تقدم في الصفات فزيد في المد قبلها للتمكن من النطق بها على حقها من شدتها وجهرها. وقيل إن حرف المد ضعيف خفي والهمز قوي صعب فزيد في المد تقوية لضعفه عند مجاورته القوي.

الكلام على الحكم الثاني من أحكام المد الفرعي وهو - المد الجائز

تقدم أن حكم الجواز في المد الفرعي يتلعق بثلاثة أنواع منه وهي: المد الجائز المنفصل، والجائز العارض للسكون، والجائز البدل، وفيما يلي تفصيل كل بمفرده.

الكلام على المد الجائز المنفصل وسبب تسميته جائزاً ومنفصلاً ومقدار مده ووجهه وضابطه

وهذا هو النوع الأول من أنواع المد الجائز.

وتعريفه: أن يقع الهمز بعد حرف المد واللين بشرط انفصاله عنه وذلك بأن يكون حرف المد واللين آخر الكلمة والهمز أول الثانية ويستوي في ذلك الانفصال الحقيق والحكمي.

فالانفصال الحقيقي: هو أن يكون حرف المد واللين ثابتاً في الرسم واللفظ نحو {قُو?اْ أَنفُسَكُمْ} {آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ?للَّهُ مِن كِتَابٍ} {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي? إِلَى ?للَّهِ}.

والإنفصال الحكمي: هو أن يكون حرف المد واللين محذوفاً في الرسم ثابتاً في اللفظ ومنه: ياء النداء نحو {ي?إِبْرَاهِيمُ} {ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ ?تَّقُواْ رَبَّكُمُ}. وها التي للتنبيه نحو {ه?أَنْتُمْ هَؤُلا?ءِ} وصلة هاء الضمير نحو {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)} وكذلك صلة ميم الجمع عند من وصلها بواو نحو {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} ما إلى ذلك من كل حرف مد حذف رسماً وثبت لفظاً.

وسمي منفصلاً لانفصال حرف المد عن الهمز أو لانفصال الشرط عن السبب.

وكان حكمه الجواز لجواز قصره ومده عند بعض القراء. فالقصر حركتان كالمد الطبيعي والمد يشمل أربع مراتب وهي: المد ثلاث حركات أو أربع أو خمس أو ست.

وعليه فتكون مراتب المد المنفصل خمساً أولها حركتان وآخرها ست وتركنا ذكر أصحاب هذه المراتب هنا طلباً للأختصار ومن أرادها فهي مبسوطة في كتب الخلاف هذا ما يتعلق بمسألة الجواز بالاختصار.

وأما مقدار مده بالنسبة لحفص عام من الشاطبية فهو أربع حركات وهو المعروف بالتوسط أو خمس حركات أيضاً وهو المعروف بفويق التوسط والوجهان صحيحان مأخوذ بهما لحفص من الشاطبية إلا أن التوسط هو المشهور والمقدم في الأداء ولم أقرأ بسواه من هذا الطريق وهو الذي ارتضاه إمامنا الشاطبي رضي الله عنه ولم يقرىء بسواه لأصحاب التوسط فاعلم ذلك.

هذا: ووجه القصر في المنفصل انتفاء أثر الهمزة لعدم لزومها عند الوقف. ووجه مده اعتبار اتصالها لفظاً من الوصل.

وقد أشار العلامة الجمزوري إلى المد الجائز المنفصل في تحفته بقوله:

*وجاءزٌ مدٌّ وقصرٌ إنْ فُصِلْ * كُلٌّ بكلمة وهذا المُنفَصِل اهـ*

سبعة تنبيهات هامة:

الأول: مقدار المد الزائد على القصر في المنفصل يكون في حالة الوصل فقط. أما في حالة الوقف فيصير المد طبيعياً لجميع القراء. لأن انتفاء الهمز عند الوقف موجب للقصر. ووجوده عند الوصل كان سبباً في زيادة المد فلما انعدم الهمز بسبب الوقف انعدمت هذه الزيادة هذا في المد المنفصل الحقيقي نحو قوله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ?لْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}.

أما في المنفصل الحكمي في نحو {يَاأَيُّهَا ?لنَّاسُ} فالمقدار الزائد على القصر ثابت في الوصل والوقف لعدم إمكان الوقف على "يا" من يا أيها ونحوها. وأما في صلة هاء الضمير نحو {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} وكذا صلة ميم الجمع نحو {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فمقدار المد فيه ثابت في الوصل فقط أما في الوقف فيحذف المد مطلقاً لأن الهاء والميم سكنتا للوقف وبسكونهما انعدمت الصلة التي هي المد فتأمل.

الثاني: إذا اجتمع مدان متصلان أو أكثر كما في قوله تعالى: {?لَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ?لأَرْضَ فِرَاشاً وَ?لسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ?لسَّمَآءِ مَآءً} الآية، فلا يجوز التفرقة بينهما في المد بحجة جواز الوجهين في كل منها بل تجب التسوية في الكل إما بالحركات الأربع في الجميع أو بالخمس فيها. وكذلك الحكم بعينه فيما اجتمع مدان منفصلان أو أكثر كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَآ ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ} الآية، فلا تجوز التفرقة بين هذه المدود بحجة جواز الوجيهن أيضاً بل تجب التسوية بينها بأن يكون المنفصل الثاني وما بعده مساوياً للأول توسطاً كان أو فويقه لأن التسوية في هذا وذاك من جملة التجويد وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله: "واللفظ في نظيره كمثله".

الثالث: زاد الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه "الرائد في تجويد القرآن" مرتبة الإشباع وقدرها ست حركات لحفص عن عاصم في المد المتصل على مذكرناه له من مرتبة التوسط وقدرها أربع حركات ومرتبة فويق التوسط التي هي خمس حركات. فيكون لحفص على قوله ثلاث مراتب في المد المتصل هي التوسط وفويق التوسط والإشباع. وكما زاد له في الكتاب نفسه مرتبة القصر في المد المنفصل وقدرها حركتان على ما ذكرناه له من مرتبة التوسط وفويق التوسط كذلك: وعليه فيصير لحفص في المد المنفصل وفق قوله ثلاث مراتب أيضاً هي: القصر والتوسط وفويق التوسط. وقد أطلق هذه الوجوه فقال في المد المتصل - ص (28) من الكتاب المذكور: "واعلم أن المد المتصل يمد أربع حركات أو خمس أو ست" وذلك بعد أن ذكر المد المنفصل وقال فيه: "واعلم أن المد المنفصل يجوز مده حركتين أو أربعاً أو خمساً" أهـ.

ولا ريب أن إطلاق الزيادة بالإشباع لحفص في المد المتصل أو بالقصر له في المد المنفصل على هذا النحو الذي تمضنه كلام الدكتور ليس صواباً ذلك أن مرتبة الإشباع هذه التي زادها الدكتور لحفص في المد المتصل لم ترد عنه من طريق الشاطبية الذي هو طريق عامة الناس وإنما تصح له - كبقية القراء العشرة - من طريق طيبة النشر في قول. وكذلك فإن قصر المنفصل لحفص لم ينقل عنه من طريق الشاطبية كذلك ولكن ثبت له من طريق طيبة النشر في قول كذلك.

وطريق طيبة النشر هذا سواء أكان في مرتبة الإشباع في المتصل لحفص أم كان من مرتبة القصر له في المنفصل لا يسلكه إلا العارفون من خواص أهل هذا الشأن لدقته وكثرة ما يترتب عليه من الأحكام العلمية والعملية في الأداء. وهي صعبة متعذرة على غير المتخصص الواعي كما سنبينه بعد.

وكان الواجب على فضيلة الدكتور أن يوضح تلك الأحكام للقراء ما دام على علم بها كما هو الظن به فإن صاحب العلم لا يسعه كتمانه.

لاسيما إذا كان ذلك العلم متعلقاً بالكتاب العزيز، ومادام قد قال بوجهي الإشباع في المتصل والقصر في المنفصل لحفص، فإن عدم إيضاحه ذلك للقراء يوهم أن الإشباع لحفص في المتصل والقصر له في المنفصل يأتيان على ما له من الأحكام المعروفة لدى عامة الناس وليس كذلك. لأن القارىء إذا قرأ بالإشباع في المتصل لحفص أو بالقصر له في المنفصل حسبما ذكر الدكتور لزمه العلم بالأحكام الواجب اتباعها حال الأداء لكونها لا يجوز مخالفتها بحال وهذه الأحكام كثيرة ليس محل ذكرها هنا لأن في ذكرها تشويشاً علىالمبتدئين ولكن لا بأس بذكر شيء منها ليعلم القارىء خطأ إقحام مثل هذا على ما عرفه عامة الناس فيتورع عنه إلا إذا علم ذلك يقيناً كأن يأخذه عن طريق التلقي والرواية والإسناد عن الشيوخ المحققين والآخذين ذلك عن شيوخهم وذلك أعلى درجات العلم متى شهدت لهم بصحته المصادر العلمية المعتبرة وعندئذ فلا حرج على من تحصل له ذلك أن يقرأ بهذا وبغيره مما جاء من طريق طيبة النشر لحفص. وفيما يلي بعض تلك الأحكام:

بعض الأحكام التي تجب لحفص حال الإشباع في المتصل من طريق طيبة النشر

تمهيد: من القواعهد المقررة أن مرتبة الإشباع في المد المتصل لحفص من طريق طيبة النشر يأتي عليها المراتب الأربع التي في المد المنفصل من الطريق المذكور وهي القصر وفويقه والتوسط وفويقه: فالقصر حركتان وفويق القصر ثلاث حركات والتوسط أربعة حركات وفويق التوسط خمس.

أما مرتبتا القصر والتوسط في المنفصل فسنتكلم عليهما عند الكلام على قصر المنفصل.

وأما مرتبتا فويق القصر وفويق التوسط اللتان في المنفصل أيضاً فسنترك الكلام عليهما وعلى ما يترتب عليهما من أحكام لما وعدنا به هنا من أننا سنذكر بعض الأحكام فقط رغبة في الاختصار ومراعاة لحال المبتئين. ومما يجب معرفته أيضاً أن من الأحكام الي تختص بها مرتبة الإشباع في المد المتصل بقاء الغنة حال إدغام النون الساكنة والتنوين في اللم والراء. والأخذ بمرتبة السكت العام وهو السكت على الساكن الصحيح وشبهه قبل الهمز. وهو مشروط بعدم التنفس ويشمل أربعة أصول مطردة في التنزيل وهي كمايلي:

الأصل الأول: السكت على "أل" كقوله تعالى: {وَ?لأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ (10)}.

الأصل الثاني: السكت علىكلمة "شيء" مطلقاً سواء كانت منصوبة كقوله تعالى: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82)} أم مجرورة كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} أم مرفوعة كقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ?لسَّمِيعُ ?لْبَصِيرُ (11)}.

الأصل الثالث: السكت على الساكن المفصول كقوله تعالى: {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23)}.

الأصل الرابع: السكت على الساكن الموصول كقوله سبحانه: {وَ?سْأَلُواْ ?للَّهَ مِن فَضْلِهِ}.

وأما الساكن شبه الصحيح قبل الهمز فمحله الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما المعروفتان بحرفي اللين كما تقدم في غير موضع وهذان الحرفان تارة يكونان في الساكن المفصول نحو {خَلَوْاْ إِلَى?} {?بْنَيْ ءَادَمَ} وتارة يكونان في الساكن الموصول نحو {كَهَيْئَةِ ?لطَّيْرِ} {?لسَّوْءِ}.

هذا: ونلفت نظر القارىء الكريم إلى أن السكت إذا كان في الساكن الموصول نحو {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ}{بَيْنَ ?لْمَرْءِ} {مِنَ ?لأَمْرِ شَيْءٌ} {دَآئِرَةُ ?لسَّوْءِ} من كل لفظ بقي فيه بعد الساكن الهمز وحده فلا يجوز فيه السكت إن وقفت عليه بالسكون لالتقاء الساكنين وعدم الاعتماد في الهمز على شيء ومثل الوقف بالسكون في هذا النوع الوقف بالإشمام فيه أيضاً فلا يتأتى معه السكت.

أما إذا وقفت بالروم فيما يصح فيه فيجوز الوقف بالسكت حنيئذ. ومن المقرر أن الروم يكون في المرفوع والمجرور ولا يكون في المنصوب نحو {يُخْرِجُ ?لْخَبْءَ} فلا يكون فيه الوقف بالسكت بحال لما تقدم ويتعين فيه الوقف بالسكون من غير سكت ولو كان السكت جارياً في مثله.

أما المنصوب المنون نحو {جُزْءًا} فلا يدخل فيه، فيصبح فيه السكت وقفاً لأنه صار متوسطاً بإبدال التنوين ألفاً كما هي القاعدة فتأمل هذا جيداً.

وقد أشار شيخ شيوخي العلامة المتولي إلى ما ذكرناه في هذه المسألة في الروض النضير بقوله:

*وفي نحْوِ دفءُ مَنْ يقف ساكتاً يَرُمْ * وللسَّكْتِ كُنْ يُخْرجُ الخبْءَ مُهْمِلا اهـ*

إذا تقرر هذا فاعلم أيها القارىء أنك إذا قرأت بتوسط المنفصل وبالإشباع في المتصل وهذا من طريق أبي طاهر عن الأشناني عن عُبيد من كتاب إرشاد المتبدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر لأبي العز القلانسي تعيَّن عليك حال الأداء الاخذ بالأحكام الآتية:

1- وجوب الاخذ بالتحقيق أي بترك السكت على الساكن قبل اهمز وقد تقدم الكلام على هذا السكت مع الأمثلة قريباً.

2- وجوب الأخذ بترك الغنة عن إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء وقد تقدمت الأمثلة لذلك.

3- وجوب الأخذ بوجه السين فقط في {وَيَبْسُطُ} بالبقرة وكذلك {فِي ?لْخَلْقِ بَصْطَةً} بالأعراف.

4- وجوب الأخذ بوجه الإبدال فقط في {ءَآلذَّكَرَيْنِ} وبابه وتقدم الكلام على ذلك.

5- وجوب الأخذ بوجه الإدغام فحسب في {يَلْهَث ذَّلِكَ} بالأعراف وكذلك في {?رْكَبَ مَّعَنَا} بهود عليه السلام.

6- وجوب الأخذ بوجه الإشمام فقط في {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف عليه السلام.

7- وجوب الأخذ بوجه الإدراج أي بترك السكت في {عِوَجَا} بالكهف وكذلك في {مَّرْقَدِنَا} بيسَ.

8- وجوب الأخذ بوجه القصر أي بحركتين في "العين" من فاتحة مرميم والشورى.

9- وجوب الأخذ بالتفخيم وجهاً وحداً في راء {فِرْقٍ} بالشعراء.

10- وجوب الأخذ بوجه القصر أي بحذف الياء وقفاً في {آتَانِيَ ?للَّهُ خَيْرٌ} بالنمل.

11- وجوب الأخذ بوجه فتح الضاد فقط في كلمة {ضَعْفٍ} معاً وفي كلمة {ضَعْفاً} والكلمات الثلاث في سورة الروم.

12- وجوب الأخذ بوجه إظهار النون من {يس? * وَ?لْقُرْآنِ} فاتحة سورة يسَ وكذلك في {ن? وَ?لْقَلَمِ} فاتحة سورة القلم.

13- وجوب الأخذ بوجه السين فحسب في {?لْمُصَيْطِرُونَ} بالطور.

14- وجوب الأخ بوجه السكت وجهاً واحداً على النون في {مَنْ رَاقٍ (27)} بالقيامة وكذلك على اللام في {بَلْ رَانَ} بالمطففين.

15- وجوب الأخذ بالقصر أي بحذف الألف الثانية وقفاً لاغير في كلمة {سَلاَسِلَ} بسورة الإنسان.

16- وجوب الأخذ بوجه الصاد فحسب في كلمة {بِمُصَيْطِرٍ} بسورة الغاشية.

17- وجوب الأخذ عدم التكبير مطلقاً أي سواء كان عند سور الختم أم في سائر القرآن ويستوي في ذلك البدء بأوائل السور أو عند وصل السورة السابقة باللاحقة وسيأتي الكلام مستوفى على على التكبير في باب خاص آخر الكتاب إن شاء الله ولنكتف بذكر هذه الحالة طلباً للاختصار.

بعض الأحكام التي تجب لحفص حال القصر في المنفصل من طريق طيبة النشر

التمهيد للدخول إلى هذه الأحكام وذكر بعض حالاتها...إلخ.

من القواعد المقررة أن مرتبة القصر في المنفصل لحفص من طريق النشر يأتي عليها مرتبتان فقط من مراتب المد الثلاث التي في المتصل له وهما مرتبتا التوسط والإشباع. وقد سبق أن قلنا غير مرة إن مرتبة التوسط قدرها أربع حركات وأن مرتبة الإشباع قدرها ست.

والقصر في المنفصل قد يكون مطلقاً وقد يكون مقيداً.

أما القصر المطلق فهو القصر في عموم أنواع المنفصل في سائر التنزيل.

وأما المقيد فهو القصر في العموم أيضاً باستثناء نوع واحد منه وهو ما جاء في كلمة التوحيد خاصة في عموم القرآن الكريم نحو {لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ ?للَّهُ} {لاَّ إِلَـ?هَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ?لظَّالِمِينَ (87)} {لاَّ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ} {?للَّهُ لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ ?لْحَيُّ ?لْقَيُّومُ} وما إلى ذلك فإن من أهل الأداء ذهبوا إلى التوسط في كلمة التوحيد فقط مع القصر فيما سواها من أنواع المنفصل الأخرى وهذا هو المسمى عندهم بمد التعظيم وقد سبق الكلام عليه في صدر هذا الباب بالنسبة لهذه التسمية.

أما بالنسبة لأحكام الأداء المترتبة عليه فسنذكرها قريباً.

هذا: ولقصر المنفصل مطلقاً لحفص من طريق الطيبة أكثر من حالة ولكل حالة منها أحكامها الخاصة بها وسوف نقتصر على ذكر ثلاث حالات من تلك الحالات لما وعدنا به من أننا سنذكر بعض الأحكام الواجب اتباعها حال الأداء عند قصر المنفصل وإليكها مفصلة مطردة في عموم التنزيل.

الحالة الأولى: من حالات القصر وهي القصر المطلق في المد المنفصل مع التوسط في المد المتصل لحفص من طريق الطيبة من كتاب "المصباح" في القراءات العشر مخطوط للشهرزُوري من طريق الحمامي عن الوَليّ عن الفيل عن عمرو عن حفص.

إذا قرىء لحفص بذلك تعين على القارىء الأخذ بالأحكام الآتية:

الأول: وجوب الأخذ بالتحقيق أي بترك السكت على الساكن قبل الهمز وقد تقدم الكلام على هذا السكت مع أمثلته قريباً.

الثاني: وجوب الأخذ بترك الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء وقد تقدمت الأمثلة لذلك.

الثالث: وجوب الأخذ بوجه الصاد فقط في {وَيَبْسُطُ} بالبقرة وكذلك {فِي ?لْخَلْقِ بَصْطَةً} بالأعراف.

الرابع: وجوب الأخذ بوجه الإبدال فقط في {ءَآلذَّكَرَيْنِ} وبابه.

الخامس: وجوب الأخذ بوجه الإدغام فحسب في {يَلْهَث ذَّلِكَ} بالأعراف وكذلك في {?رْكَبَ مَّعَنَا} بهود عليه السلام.

السادس:وجوب الأخذ بوجه الإشمام فقط في {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف عليه السلام.

السابع: وجوب الأخذ بوجه السكت وجهاً واحداً في {عِوَجَا} وأخواتها وسيأتي الكلام على أخوات "عِوَجاً" في فصل السكت.

الثامن: وجوب الأخذ بوجه التوسط فقط في العين من فاتحة سورتي مريم والشورى.

التاسع: وجوب الأخذ بالتفخيم وجهاً واحداً في راء {فِرْقٍ} بالشعراء.

العاشر: وجوب الأخذ بوجه القصر أي بحذف الياء وقفاً في {آتَانِيَ ?للَّهُ خَيْرٌ} بالنمل.

الحادي عشر: وجوب الأخذ بوجه فتح الضاد فقط في كلمة "ضعف" في الموضعين وفي كلمة {ضَعْفاً} والمواضع الثلاث بالروم.

الثاني عشر: وجوب الأخذ بوجه إظهار النون من {يس? * وَ?لْقُرْآنِ} فاتحة سورة يسَ وكذلك النون من {ن? وَ?لْقَلَمِ} فاتحة سورة القلم.

الثالث عشر: وجوب الأخذ بوجه السين فحسب في {?لْمُصَيْطِرُون} بالطور.

الرابع عشر: وجوب الأخذ بالقصر أي بحذف الألف الثانية وقفاً فقط في كلمة {سَلاَسِلَ} بالإنسان.

الخامس عشر: وجوب الأخذ بوجه الصاد فحسب في كلمة {بِمُصَيْطِرٍ} بالغشية.

السادس عشر: عدم التكبير العام ويصح التكبير الخاص لأواخر سُور الختم، والله الموفق.

الحالة الثانية: من حالات القصر وهي القصر المطلق في المد المنفصل مع إشباع المتصل لحفص من طريق الطيبة من كتاب روضة المعدّل من طريق الفيل عن عمرو عن حفص.

إذا قرىء لحفص بذلك وجب على القارىء الأخذ بالأحكام الآتية:

أولاً: وجوب الأخذ بترك السكت على الساكن قبل الهمز وقد سبق الكلام على هذا السكت مع التمثيل.

ثانياً: وجوب الأخذ بترك الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء وقد تقدمت الأمثلة لذلك.

ثالثاً: وجوب الأخذ بوجه السين فقط في {وَيَبْسُطُ} بالبقرة وكذلك {فِي ?لْخَلْقِ بَصْطَةً} بالأعراف.

رابعاً: وجوب الأخذ بوجه الإبدال فقط في باب {ءَآلذَّكَرَيْنِ}.

خامساً: وجوب الأخذ بوجه الإدغام فقط في {يَلْهَث ذَّلِكَ} بالأعراف وكذلك في {?رْكَبَ مَّعَنَا} بهود عليه السلام.

سادساً:وجوب الأخذ بوجه الإشمام فقط في {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف عليه السلام.

سابعاً: وجوب الأخذ بالإدراج أي بترك السكت وجهاً واحداً في كلمة {عِوَجَا} وأخواتها وسيأتي الكلام على هذه الكلمة في محلها.

ثامناً: وجوب الأخذ بوجه القصر بقدر حركتين فقط في {عَيْن} من فاتحة سورتي مريم والشورى.

تاسعاً: وجوب الأخذ بالتفخيم قولاً واحداً في الراء في كلمة {فِرْقٍ} بالشعراء.

عاشراً: وجوب الأخذ بوجه القصر أي بحذف الياء في الوقف على كلمة {آتَانِيَ ?للَّهُ خَيْرٌ} بالنمل.

حادي عشر: وجوب الأخذ بوجه فتح الضاد فقط في كلمة {ضعف} في الكلمتين وكذلك في كلمة {ضَعْفاً} والثلاث بسورة بالروم.

ثاني عشر: وجوب الأخذ بوجه الإظهار في النون من هجاء {يس? * وَ?لْقُرْآنِ} فاتحة سورة يسَ وكذلك النون من هجاء {ن? وَ?لْقَلَمِ} فاتحة سورة القلم.

ثالث عشر: وجوب الأخذ بوجه السين فحسب في كلمة {?لْمُصَيْطِرُون} بالطور.

رابع عشر: وجوب الأخذ بالقصر أي بحذف الألف الثانية في الوقف فقط على كلمة {سَلاَسِلَ} بالإنسان.

خامس عشر: وجوب الأخذ بوجه الصاد لا غير في كلمة {بِمُصَيْطِرٍ} بالغاشية.

السادس عشر: عدم التكبير مطلقاً والله الموفق.

الحالة الثالثة: من حالات القصر وهي القصر المقيَّد في المد المنفصل مع الإشباع في المد المتصل. سبق أن قلنا أن القصر المقيَّد هو القصر في المنفصل عموماً باستثناء نوع واحد منه وهو ما جاء في كلمة التوحيد خاصة نحو قوله تعالى {?للَّهُ لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ ?لْحَيُّ ?لْقَيُّومُ} فإن بعض أهل الأداء ذهبوا إلى التوسط فقد في هذه الكلمة مع أخذهم بالقصر وجهاً واحداً فيما عداها من أنواع المنفصل الأخرى. وعليه فإذا قرىء لحفص بذلك أي بالقصر في المنفصل مع التوسط فقط في كلمة التوحيد مع الإشباع في المد المتصل وهو من كتاب الكامل للهذلي من طريق المحامي عن الولي عن الفيل عن عمرو عن حفص لزم القارىء الأخذ بالأحكام الآيتة.

أولاً: وجوب الأخذ بترك السكت على الساكن قبل الهمز وقد سبق الكلام عليه.

ثانياً: وجوب الأخذ بوجه بقاء الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء والأمثلة غير خفية.

ثالثاً: وجوب الأخذ بوجه الصاد قولاً واحداً في {وَيَبْسُطُ} بالبقرة وكذلك {فِي ?لْخَلْقِ بَصْطَةً} بالأعراف.

رابعاً: يجوز الأخذ بكل من الإبدال والتسيهل في كلمة {ءَآلذَّكَرَيْنِ} وبابها وتقدم توضيح هذا الباب.

خامساً: وجوب الأخذ بوجه الإدغام قولاً واحداً في {يَلْهَث ذَّلِكَ} بالأعراف.

سادساً: وجوب الأخذ بوجه الإظهار فقط في {?رْكَبَ مَّعَنَا} بهود عليه السلام.

سابعاً:وجوب الأخذ بوجه الإشمام فحسب في كلمة {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف عليه السلام.

ثامناً: وجوب الأخذ بالإدراج أي بترك السكت قولاً واحداً في كلمة {عِوَجَا} وأخواتها وسيأتي الكلام على هذه الكلمات في محلها.

تاسعاً: يجوز الأخذ بكل من وجهي التوسط والإشباع في {عَيْن} في فاتحة مريم والشورى.

عاشراً: وجوب الأخذ بوجه التفخيم فقط في الراء لفظ {فِرْقٍ} بالشعراء.

حادي عشر: وجوب الأخذ بوجه القصر أي بحذف الياء وقفاً في كلمة {آتَانِيَ ?للَّهُ خَيْرٌ} بالنمل.

ثاني عشر: وجوب الأخذ بوجه الفتح في الضاد لا غير في كلمة {ضعف} في الموضعين وكذلك في كلمة {ضَعْفاً} والمواضع الثلاثة في سورة بالروم.

ثالث عشر: وجوب الأخذ بوجه إظهار النون من هجاء {يس? * وَ?لْقُرْآنِ} فاتحة يسَ وكذلك النون من هجاء {ن? وَ?لْقَلَمِ} فاتحة سورة القلم.

رابع عشر: وجوب الأخذ بوجه السين فحسب في كلمة {?لْمُصَيْطِرُون} بالطور.

خامس عشر: وجوب الأخذ بوجه المد أي بإثبات الألف الثانية وقفاً على كلمة {سَلاَسِلَ} بالإنسان.

سادس عشر: وجوب الأخذ بوجه الصاد فحسب في {بِمُصَيْطِرٍ} بالغاشية.

سابع عشر: يجوز الأخذ بعدم التكبير مطلقاً والأخذ بوجه التكبير العام والأخذ بالتكبير لأواخر سور الختم فالمذهب ثلاثة والله الموفق.

وفيما يلي جدول يوضح حالات القصر الثلاث المذكورة آنفاً مع حالة توسط المدَّين لحفص من الشاطبية فانظره والله المرشد والمعين.

الكتاب 1- المصباح 2- الكامل روضة المعدل الشاطبية

الطريق الحمامي عن المولي عن الفيل(1) الحمامي عن الولي عن الفيل (2) لم يذكر النشر ولا الضباع طريقاً دون الفيل الهاشمي عن الأشناني عن عبيد

خلاف أصولاً وفرش وهذا الخلاف من جميع الطرق منحصر في خمس من الأصول وثماني عشرة كلمة من الفرش

التكبير (1)عدم التكبير

(2) التكبير لأواخر سور الخت (1) عدم التكبير

(2) التكبير العام

(3)التكبير لأواخر السور عدم التكبير مطلق عدم التكبير

المد المنفصل العام قصر قصر أو ثلاث ولم نقرأ بالأخير قصر توسط أو خمس حركات

والمنفصل الخاص بكلمة التوحيد قصر توسط قصر توسط أو خمس حركات

المد المتصل توسط إشباع إشباع توسط أو خمس

ساكن قبل الهمز ترك السكت مطلق ترك السكت مطلق ترك السكت مطلق ترك السكت مطلق

النون والتنوين مع اللام والراء لا غنه لزوم الغنة لا غنة لا غنة

بصط وفي الخلق بصطة بالصاد بالصاد بالسين بالسين

الذكرين وبابه الإبدال فقط الإبدال والتسهيل الإبدال فقط الإبدال والتسهيل

لهث ذلك بالإدغام بالإدغام بالإدغام بالإدغام

اركب معن بالإدغام بالإدغام بالإدغام بالإدغام

لا تأمن إشمام فقط إشمام فقط إشمام فقط إشمام واختلاس

عِوَجا وأخواته سكت إدراج إدراج سكت

بين بمريم والشورى توسط فقط توسط وأشباع قصر فقط توسط وإشباع

فرق بالشعراء تفخيم فقط تفخيم فقط تفخيم فقط ترقيق وتفخيم والأول مقدم

الن وقف بالحذف بالحذف بالحذف بالحذف والإثبات

ضعف معا وضعفا بالروم فتح الضاد فتح الضاد فتح الضاد فتح الضاد وضمها والأول مقدم

ن والقرآن.ن والقلم بالإظهار بالإظهار بالإظهار بالإظهار

المصيطرون بالسين فقط بالسين فقط بالسين فقط بالسين وبالصاد والإخير هو مقدم

سلاسل وقف بالحذف المعبر عنه بالقصر بالإثبات المعبر عنه بالمد بالحذف بالوجهين

بمصيطر بالصاد لا غير بالصاد لا غير بالصاد لا غير بالصاد لا غير

وبهذه الأحكام التي ذكرت في حالات القصر الثلاث المذكورة آنفاً قرأ وبها آخذ قراءة وإقراء.

هذا ولا يجوز لأحد مَّا أن يقرأ بهذه الأحكام أخذاً من هذا الكتاب أو من غيره مما دُون فيه مثل ذلك دون أن يرجع إلى الشيوخ المقرئين المسندين في هذا الشأن، فيأخذ عنهم ويعرض عليهم القرآن الكريم من أوله إلى آخره سواء كان بحالة من هذه الحالات أو بالحالات الثلاث كلها أو برواية حفص كاملة من طريق الطيبة. وعليه فلا بد من الرجوع إلى التلقي من أفواه الشيوخ الذي هو الأصل في نقل القرآن الكريم.

وما تسطير قواعد هذا الفن في بطون الأسفار القديم منها والحديث إلا للاستئناس بها والرجوع إليها عند الحاجة، وأما إحكام النطق بألفاظ القرآن الكريم فمردُّه أولاً وآخراً إلى المشافهة والأخذ من أفواه المتقنين من مشايخ الإقراء.

وبهذا انقضى كلامنا على الحالات الثلاث التي أردنا ذكرها من حالات القصر في المنفصل لحفص من طريق طيبة النشر وقد عملت ما يجب عليها أو على القصر بالأحرى من أحكام لا يسع أحد أن ينفلت منها أو يزيغ عنها متى اختار أن يقرأ رواية حفص عن عصام بقصر المنفصل، كما تقدم بيان وجوب نظائرها على من يختار الرواية عن حفص بإشباع المتصل ولا ريب أن هناك أحكاماً أخرى تأتي لحفص على قصر المنفصل وإشباع المتصل من الطريق المذكور آنفاً. وإنما لم نذكرها لأننا لم نرد استقصاءها هنا لأن هذا المقام تغني فيه الإشارة عن العبارة. وإنما أردت أن أبين للقارىء إلى أي حد يخطىء أولئك الذين يطلقون الوجوه للناس فيعملون بها حال الأداء من غير توقيف ولا حساب "ويحسبون أنهم على الحق" فيزل بزلتهم خلق كثير فيقعون في المحظور الذي هو بذاته الكذب في الرواية والتركيب في الطرق وهو ممنوع لا يجوز بحال فإن الأصل في قراءة القرآن هو التلقي والرواية لا الاجتهاد ولا القياس ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث أفتى بعدم جواز القراءة بمجرد الرأي وساق لذلك أدلة كثيرة من كلام السلف وقال كما قال زيد بن ثابت القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول وذكر من كلام ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (فاقرأوا كما علمتم) وانتهى من ذلك إلى قوله: (ليس لأحد أن يقرأ بمجرد رأيه بل القراءة سنة متبعة) إلى أن قال: (والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف) أهـ.

وهذا الذي أفتى به شيخ الإسلام هو ما عليه جميع علماء القراءة وقد نص عليه غير واحد من أعيانهم:

قال العلامة المحقق الشيخ أبو العاكف محمد أمين المدعو بعبد الله أفندي زادة شيخ الإقراء في وقته باستانبول في كتابه "عمدة الخلان" شرح زبدة العرفان في القراءات العشر ما نصه: "فلا يجوز لأحد قراءة القرآن من غير أخذ كامل عن أفواه الرجال المقرئين بالإسناد. ويحرم تعليم علم القراءة باستنباط المسائل من كتب القوم بمطلق الرأي بغير تلق على الترتيب المعتاد لأن أركان القرآن اتصال السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلا انقطاع فالإقراء بلا سند متصل إليه عليه الصلاة والسلام مردود وممنوع عن الأخذ والاتباع أهـ بلفظه.

وكذا فإن العلامة المحقق والباحث المدقق فضيلة الشيخ علي محمد الضباع شيخ القراءة والإقراء بالديار المصرية الأسبق. لما وقع له ذكر التلفيق في القراءة عظم أمره وقال: "هو خلط الطرق بعضها ببعض وذلك غير جائز". قال النويري في شرح الدرة: "والقراءة بخلط الطرق أو تركيبها حرام أو مكروه أو معيب". وقال القسطلاني في لطائفه: "يجب على القارىء الاحتراز من التركيب في الطرق وتمييز بعضها من بعض وإلا وقع فيما لا يجوز وقراءةِ مالم يُنْزَل" أهـ كلام الضباع.

هذا: ولعل الدكتور محيسن لا يلهينه قول العلامة النويري عن القراءة بخلط الطرق أو تركيبها فيما تقدم أنه "حرام أو مكروه أو معيب" فيتعلل به ويتوكأ عليه متوهماً أن النويري بهذا يتردد في القطع بحرمته فإنه ليس من هذا الباب وإلا فإنه لو كان مراده تأرجح الحكم بين هذه الثلاثة "التحريم والكراهة، والعيب" من غير ترجيح التحريم على الأقل إن لم يكن القطع به عنده لما أثبت قوله بالتحريم ألبتة ولمحاه أصلاً حتى لا يؤثر عنه. وإلا فقد ذكر العلامة القسطلاني شارح البخاري عقبه فيه ما فيه وقد تقدم حكايته عنه ثم يقال لقد دلت قرائن الحال على أن العلامة النويري إنما يعنى بقوله ذاك التحريم ليس إلا: فإنه رحمه الله تعالى كان من أئمة القراءة ولم يؤثر عنه القول بجواز التركيب في القراءة ولا الترخيص فيه وهذه كتبه مخطوطة بين أيدينا فأين فيها النص على ذلك؟ وهذا أولاً: ثم يقال أرأيت إن كان كلام العلامة النويري وهو تلميذ الحافظ ابن الجزري رحمه الله تعالى متوجهاً إلى عدم القطع بحرمة هذا الخلط والتركيب في القراءة أفكان يفهم منه العلامة الضباع عدم الجواز فينص عليه ويصرح به وهو مَنْ هو جلاء ونبلاً وعلماً وفضلاً اللهم: لا ولو فرضنا جدلاً جرياً مع أوهام المتوهم أن العلامة النويري عنى بعبارته تلك النص على تعييب خلط القراءة وتركيب الطرق وأنه هو الذي استقر حكمه عليه واطمأن قلبه إليه فهل يظن بإمام كبير كالنويري - رحمه الله تعالى - أن يدل الناس على ما تقضى قواعد الشرع وصحة النظر وجوامع الأصول عنده أنه معيب اللهم لا: وإلا فأين الورع وأين الحياء؟

ولهذا كله فقد قطع الإمام مصطفى بن عبدالرحمن الإزميري رحمه الله تعالى بأن حكم التركيب التحريم وجعل الاحتراز عنه باعثه على تأليف كتابه "عمدة العرفان في تحرير أوجه القرآن" فقال في سبب تأليفه وجمع ما فيه من الطرق: (... احترازاً عن التركيب لأنه حرام في القرآن على سبيل الرواية أو مكروه كراهة تحريم كما حققه أهل الدراية).

وهكذا أقول لأقطع الطريق على كل مترخص يتلاعب بجلال كلام الله تعالى أفرأيت إن كان خلط القراءة وتركيب الطرق مجرد معيب أيليق بك أن تدل الناس عليه وترشدهم إليه وترخص لهم فيه؟

ولله ما أصدق الإمام عبدالبر لهجة حين ينقل إلينا عن التابعي الجليل سليمان التيمي نصيحته الخالصة "إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله" اللهم سلمنا من ذلك وجنبنا الزلل في تلاوة كلامك وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على النحو الصحيح الذي يرضيك وترضى به عنا ياذا الجلال والإكرام ياذا الطول والإنعام. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابيعهم بإحسان إلى يوم الدين.

التنبيه الرابع: جاء في آخر الرسالة المسماة "أحكام تجويد القرآن: على رواية حفص بن سليمان تأليف محمد سعيد محمد علي ملحس" قوله في جملة ما ذكره لحفص من أحكام التجويد: (... إلا أن المد في المنفصل يجوز قصره عن طريق "الطيبة" أهل المدينة المنورة) أهـ.

وهذا عجيب جدًّا فقد حسب أن طريق الطيبة بطاء مفتوحة بعدها مثناة تحتيه مشددة مكسورة وهو متن نظمه الحافظ ابن الجزري رحمه الله تعالى في القراءات العشر الكبرى، معروف ومتداول، هو طريق الطيبة الذي هو علم على المدينة المنورة زادها الله شرفاً وعزاً فاختلط عليه الأمر بين طريق الطيبة في القراءات العشر وبين الطيبة - المدينة المنورة - ففسر الطيبة المنظومة بأنه طريق أهل المدينة المنورة وليس بذاك والصواب أن القصر المذكور الجائز في المد المنفصل لحفص جاء من طريق الطيبة المنظومة في القراءات العشر للحافظ ابن لجزري كما تقدم وليس من طريق الطيبة الذي هو علم على المدينة المنورة فتنبه والله الموفق.

التنبيه الخامس: بخصوص التقاء المدين معاً - المنفصل والمتصل - حال الوصل لحفص من طريق الشاطبية.

قال صاحب سراج المعالي: "فائدة" إذا كان المد المنفصل يمد أربع حركات فيمد المتصل عنه الوصل أربع حركات وخمساً. وإذا مد المنفصل خمس حركات فلا يمد المتصل أقل من خمس لأن مده واجب ومد المنفصل جائز وإذا نقص الواجب عن الجائز لم يصح أهـ.

وقال صاحب حل المشكلات بنحو ما ذكره صاحب السراج لِعاصم شيخ حفص. وعلى هذين القولين تصير الأوجه ثلاثة لحفص أو لشيخه عاصم سواء تقدم المنفصل على المتصل أم تأخر عنه.

قلت: وما ذكره صاحبا سراج المعالي وحل المشكلات ورحمهما الله تعالى لعاصم أو لحفص عنه مبني على الأخذ بقواعد مراتب المد الفرعي التي سنذكرها بعد. ومن تلك القواعد. إن تقدم الضعيف على القوي من المدود كالمد المنفصل على المتصل ساوى القوي الضعيف وعلا عنه. وإن تأخر الضعيف عن القوي كتقدم المتصل على المنفصل ساوى الضعيف القوي ونزل عنه.

وهذه القاعدة وإن كان معمول بها لكنها هنا بالذات لا توافق قراءة عاصم ولا رواية حفص عنه وذلك لأن النص الوارد عن عاصم في هذه المسألة أن من مد المنفصل عنه أربع حركات مد المتصل أربعاً فقط. ومن مد المنفصل خمساً مد المتصل كذلك ففي المسألة وجهان فقط لا ثلاثة ويستوي في ذلك تقدم المنفصل على المتصل أو تأخره عنه وهذا هو الصواب. وما ذكره الشيخان فيما تقدم فهو سهو منهما بدليل أنهما مشيا على هذا النص الوارد عن عاصم أو حفص عنه في تساوي المدين عند الكلام على أحكام المد المتصل المتطرف همزه الموقوف عليه سواء سبقه المنفصل أو المتصل فقالا ما يفيد أن من مد ما قبل المتصل الموقوف عليه أربع حركات سواء أكان منفصلاً أم متصلاً مد المتصل الموقوف عليه أربعاً ثم ستًّا للوقف ومن مد السابق خمساً مد المتصل الموقوف عليه خمساً ثم ستًّا للوقف... إلخ ما ذكراه من أحكام الروم والإشمام مما سنأتي عليه إن شاء الله تعالى في فصل المد الجائز العارض للسكون فتفطن لهذه المسألة.

التنبيه السادس: في بيان مراتب المد المنفصل والمتصل منفردين أو مجتمعين حالة الوصل لحفص من طريق طيبة النشر حيث تعرضنا لبعض الأحكام له من الطريق المذكور.

أولاً: المد المنفصل بانفراده فيه لحفص من طريق الطيبة أربع مراتب وهي القصر وفويقه والتوسط وفويقه فالقصر حركتان وفويق القصر ثلاث حركات والتوسط أربع وفويق التوسط خمس.

والمد المتصل بانفراده فيه لحفص في حالة الوصل من طريق الطيبة ثلاث مراتب وهي: التوسط وفويق التوسط والإشباع.

وقد تقدم فيما مضى مقدار التوسط وفويقه. وأما الإشباع فمقداره ست حركات كما مر.

ثانياً: التقاء المدين معاً حالة الوصل.

إذا التقى المدان معاً والحالة هذه فيجوز لحفص من الطيبة سبعة أوجه سواء تقدم المتصل على المنفصل أو تأخر عنه.

فمثال تقدم المتصل على المنفصل قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ?لسَّمَآءِ...} الآية. وكيفية إجراء الأوجه السبعة لحفص هنا وفيما شابهه كما يلي: التوسط في المتصل: عليه في المنفصل وجهان هما: القصر والتوسط ثم مد المتصل خمساً وعليه يتعين في المنفصل خمس لا غير ثم مد المتصل ستًّا وعليه في المنفصل المراتب الأربع التي هي القصر وفويقه والتوسط وفويقه فجملة الوجوه سبعة.

ومثال تقدم المنفصل على المتصل قوله تعالى: {ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ أَنتُمُ ?لْفُقَرَآءُ إِلَى ?للَّهِ} وطريقة إجراء الأوجه السبعة هنا لحفص وفيما ماثله كالآتي:

القصر في المنفصل: عليه في المتصل وجهان هما: التوسط والإشباع.

ثم مد المنفصل ثلاثاً: عليه في المتصل وجه واحد وهو الإشباع.

ثم التوسط في المنفصل: عليه في المتصل وجهان هما: التوسط والإشباع.

ثم مد المنفصل خمساً: عليه في المتصل وجهان كذلك المد خمس والإشباع. فالكل سبعة وبالله التوفيق.

التنبيه السابع: في اجتماع ما يمد للتعظيم مع المد المنفصل لحفص عاصم من طريق طيبة النشر.

إذا اجتمع ما يمد للتعظيم مع المد المنفصل فيتحصل لحفص من الطريق المذكور آنفاً ثلاثة أوجه سواء تقدم مد التعظيم على المد المنفصل أم تأخر عنه.

فمثال تقدم مد التعظيم على المنفصل قوله تعالى: {?للَّهُ لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ ?لْحَيُّ ?لْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} الآية.

فعلى القصر في مد التعظيم القصر فقط في المد المنفصل بعده.

وعلى المد في التعظيم القصر والتوسط في الثاني.

ومثال تقدم المد المنفصل على المد للتعظيم قوله تعالى: {?تَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا? إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ?لْمُشْرِكِينَ}.

فعلى قصر المد المنفصل القصر والتوسط فيما يمد للتعظيم وعلى التوسط في المنفصل التوسط فقط في المد للتعظيم فالوجوه ثلاثة في كلتا الحالتين.

وقد نظم هذه الأوجه شيخ مشايخنا العلامة المحقق الشيخ عثمان راضي السنطاوي في كتابة "النفائس المطربة: في تحرير أوجه الطيبة" فقال رحمه الله تعالى:

*وَسِّط لتعْظيمِ بقَصْرٍ لمنفَصِلْ * وَسَوِّهما معاً يَصِحُّ لمن تَلا أهـ*

فتأمل وبالله التوفيق.

الكلام على النوع الثاني وهو المد الجائز العارض للسكون وأقسامه وسبب تسميته جائزاً وعارضاً ومقدار مده ووجهه وضابطه وهذا هو النوع الثاني من أنواع المد الجائز.

وتعريفه: أن يقع سكون عارض للوقف بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده.

فمثال الأول: نحو {?لْمُفْلِحُونَ} {بِمُؤْمِنِينَ} {بِ?لْعِبَادِ} ونحو{مَا يَشَآؤونَ} {خَاسِئِينَ} {وَإِلَيْهِ مَآبِ} ونحو {وَيُؤْتُواْ ?لزَّكَاةَ} ونحو {?جْتَبَاهُ} {وَهَدَاهُ} {وَعَزَّرُوهُ} {وَنَصَرُوهُ} {لاَ رَيْبَ فِيهِ}.

ويدخل فيه ما إذا كان الساكن العارض في همز بعد حرف المد نحو {بِمَا شَآءَ} {يَنْهَوْنَ عَنِ ?لسُو?ءِ} {وَلاَ ?لْمُسِي?ءُ}.

ومثال الثاني: نحو {?لسَّيْرَ} {مِّنْ خَوْفٍ} {مَثَلُ ?لسَّوْءِ} {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}.

وسمي بالمد العارض للسكون لعروض سببه في الوقف وهو السكون.

وكان حكمه الجواز لجواز قصره ومده عند كل القراء. فالقصر حركتان والمد يشمل التوسط والإشباع فالتوسط أربع حركات والإشباع ست وتجري هذه الأوجه الثلاثة على هذا الترتيب في كل مد عارض للسكون مما ذكرنا ونحوه إلا المد العارض للسكون الذي أصله المد المتصل كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى ?للَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ?لْعُلَمَاءُ} فلا يجوز فيه القصر بحال حالة الوقف وإنما الجائز عموماً لكل القراء هو التوسط والإشباع ما دونهما وبالنسبة لحفص عن عاصم فيجوز له المد وقفاً بقدر أربع حركات أو خمس أو ست وسنوضح ذلك قريباً إن شاء الحق سبحانه.

وقد أشار إلى المد الجائز العارض للسكون العلامة الجمزوري في تحفته بقوله:

*ومِثْلُ ذا إن عَرضَ السكونُ * وقْفاً كَتَعلَمُونَ نستعينُ أهـ*

كما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة مع المد الجائز المنفصل السابق بقوله:

*وجائزٌ إذا أَتَى مُنْفصِلاً * أو عَرض السكونُ وقفاً مُسْجَلاً أهـ*

فصل في بيان الأوجه الجائزة وقفاً في المد العارض للسكون

المد العارض للسكون لا يخلو من أن يكون سكونه العارض في همز ونعني به المد المتصل العارض نحو {إِن شَآءَ} لا نحو {سَوْءٍ} أو هاء التأنيث نحو {مُّزْجَاةٍ} أو هاء ضمير نحو {بِوَالِدَيْهِ} {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أو في غير ذلك نحو {آمَنَّا بِرَبِّ ?لْعَالَمِينَ} {لاَ ضَيْرَ} {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} {ظَنَّ ?لسَّوْءِ} {وَحُسْنُ مَآبٍ (29)} وما إلى ذلك.

فإن كان المد العارض للسكون في غير ما آخره همز نحو {?لسُّفَهَآءُ} أو هاء التأنيث نحو {إِلَى ?لنَّجَاةِ} أو هاء ضمير نحو {فَبَشَّرْنَاهُ} وكان آخره مرفوعاً نحو {نَسْتَعِينُ} {وَ?للَّهُ قَدِيرٌ} {إِنَّ ?للَّهَ بِ?لنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143)} بأن وُقِف على لَرَءُوفٌ. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

أو مضموناً نحو {ي?هُودُ} {ي?شُعَيْبُ} {وَحَيْثُ} ففيه سبعة أوجه لجميع القراء وهي المدود الثلاثة التي هي القصر والتوسط والإشباع بالسكون المجرد أي الخالي من الروم والإشمام ثم يُؤْتَى بهذه المدود الثلاثة مرة أخرى بالسكون مع الإشمام. ثم الروم ولا يكون إلا مع القصر. وذلك لأن الروم مثل الوصل. وأصل المد العارض في حالة الوصل كان طبيعيًّا ومده حركتان. ولهذا كان الوقف بالروم كالوصل أي على مد حركتين.

ويستثنى من ذلك المد العارض للسكون الذي سكونه بعد حرف اللين فقط نحو {مِّنْ عِندِ ?للَّهِ خَيْرٌ} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} في حالة الوقف بالروم مطلقاً. فإن الروم فيه لا يكون على القصر المعروف الذي هو حركتان كالوقف على نحو {وَنِعْمَ ?لنَّصِيرُ} بل على القصر الذي هو بمعنى مدّ مَّا وذلك لأن حرف اللين في الوصل يمدُّ مدًّا يسيراً بقدر الطبع وقدروه بأنه دون المد الطبيعي فالروم فيه يكون كذلك أي يمدّ مّا ويضبط هذا المشافهة والإخلال بشيء من ذلك لحن وهذا هو المستفاد من التعريف الاصطلاحي للقصر في أول الباب. وقد تكلم في هذه المسألة غير واحد من علمائنا ونورد هنا ما قاله العلامة الضباع في كتاب الإضاءة قال: "إن في حروف المد واللين مدًّا أصليًّا وفي حروف اللين فقط مدًّا ما يضبط كل منهما المشافهة والإخلال بشيء منهما لحن وهذا معنى قول مكي: "في حروف اللين من المد بعض ما في حروف المد" وقد نص عليه سيبويه... إلى أن قال: والدليل على أن في حرفي اللين مدًّا ما من العقل والنقل - أما العقل فإن علة المد موجودة فيهما والإجماع على دوران المعلول من علته. وأيضاً فقد قوي شبههما بحروف المد لأن فيهما شيئاً من الخفاء ويجوز إدغام الحرف بعدهما بإجماع في نحو {كَيْفَ فَعَلَ} {قَوْمِ مُوسَى?} بلا عسر" ويجوز مع إدغامهما الثلاثة الجائزة في حروف المد بلا خلاف وأيضاً جوز أكثر القرءا التوسط والطول فيهما وقفاً. وجوز ورش مدهما مع السبب.

وأما النقل فنص سيبويه وناهيك به على ذلك وكذلك الداني ومكي إذ قالا: في حرفي اللين من المد بعض ما في حروف المد. وكذلك الجعبري قال: واللين لا يخلو من أيسر مد فيمد بقدر الطبع.

فإن قلت أجمع القائلون به على أنه دون ألف. والمد لا يكون دون ألف.

(قلت): الألف إنما هي نهاية الطبيعي وهذا لا ينافي أن ما دونها يسمى مدًّا لا سيما وقد تضافرت النصوص الدالة على ثبوت مدهما.

فإن (قلت) قال أبو شامة: فمن مد {عَلَيْهِم} و{إِلَيْهِمْ} و{لَدَيْهِمْ} ونحو ذلك وفقاً أو وصلاً أو مد نحو {وَ?لصَّيْفِ} و{?لْبَيْتِ} و{?لْخَوْفُ} و{?لْمَوْتِ} في الوصل فهو مخطىء وهذا صريح في أن اللين لا مد فيه (قلت): ما أعظمه مساعداً لو كان في محل النزاع. لأن النزاع في الطبيعي وكلامه هنا في الفرعي بدليل قوله قبل. فقد بان لك أن حرف اللين لا مد فيه إلا إذا كان بعده همزة أو ساكن عند من رأى ذلك. وأيضاً فهو يتكلم على قول الشاطبي "وإن تسكن اليا بين فتح وهمزة" وليس كلام الشاطبي إلا في الفرعي بل أقول في كلام أبي شامة تصريح بأن اللين ممدود وأن مده قدر حرف المد وذلك أنه قال في الانتصار لمذهب الجماعة على ورش في قصر اللين. وهنا لما لم يكن فيهما مد كان القصر عبارة عن مد يسير يصيران به على لفظهما إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسمها فقوله على لفظهما دليل المساواة. وعلى هذا فهو برىء مما فهم السائل من كلامه وهذا مما لا ينكره عاقل والله أعلم أهـ بحروفه.

هذا: وما ذكرناه من كلام العلامة الضباع هنا قد نص عليه الإمام النويري في شرحه على الطيبة بكلام أوسع مما هنا كما نص عليه شيخه الحافظ ابن الجزري في النشر.

وبعد: فقد ظهر لك مما قدمنا من نصوص أئمتنا أن الوقف بالروم على المد العارض للسكون الذي سكونه العارض بعد حرفي اللين لا يكون على القصر الذي هو حركتان كما قد يتبادر بل على القصر الذي هو بمعنى مد ما لأنه في حالة الوصل يكون كذلك كما قدمنا.

ومن ثم تعلم أن ما قاله الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه الرائد في تجويد القرآن ص (34) "واعلم أن المد العارض للسكون إذا كان حرف لين مثل "بيت وخوف" فإن الروم يكون على عدم المد مطلقاً لأن الروم مثل حالة الوصل وقد علمت أنه في حالة الوصل لا يمد أصلاً" أهـ. هو كلام لا يلتفت إليه ولا يعول عليه وكاتبه يعوزه الاطلاع وصحة الفهم وضبط المسائل العلمية.

ولنرجع إلى بقية الكلام على أوجه المد العارض للسكون الجائزة وقفاً فنقول:

وإن كان المد العارض للسكون آخره مجروراً نحو {مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32)} {وَ?للَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ?لْمَآبِ (14)} {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)} أو مكسرواً نحو {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ?لثَّقَلاَنِ (31)} {زَوْجَيْنِ ?ثْنَيْنِ} ففيه أربعة أوجه لكل القراء وهي المدود الثلاثة التي هي القصر فالتوسط فالإشباع وكلها بالسكون المجرد ثم الوقف بالروم ولا يكون إلا مع القصر. وقد مر قريباً بيان كيفية الوقف بالروم في المد العارض للسكون الذي سكونه بعد حرفي اللين فقط فتأمله.

وإن كان المد العارض للسكون آخره منصوباً نحو {وَهَدَيْنَاهُمَا ?لصِّرَاطَ ?لْمُسْتَقِيمَ (118)} {وَقَدَّرْنَا فِيهَا ?لسَّيْرَ} {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ?لْمَوْتَ} أو مفتوحاً نحو {إِنَّا كَفَيْنَاكَ ?لْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)} {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)} {فَلاَ فَوْتَ} {كَيْفَ} ففيه المدود الثلاثة المتقدمة بالسكون المجرد فقط. وقد نظم أوجه المد الجائز العارض للسكون حالة الوقف في أحواله الثلاثة المتقدمة صاحب الجواهر الغوالي فقال رحمه الله تعالى:

*في العارضِ الممدودِ سبعَةٌ أتَتْ * إنْ ضُمَّ نحو نستعينُ قدْ ثبَتْ*

*مدٌّ توسُّطٌ وقصرٌ سَكِّنا * وأشْمِمْ وزدْ روماً بقصْرٍ أُعْلِنَا*

*وأرْبَعٌ في الجرِّ لا تُشْمِمْ سَمَا * في النَّصْبِ إسْكانٌ كما تَقَدِّما أهـ*

وهنا انتهى كلامنا على المد العارض للسكون وما فيه من أوجه حال الوقف في غير ما آخره همز وهو المد المتصل العارض للسكون أو هاء تأنيث أو هاء ضمير فبقيت هذه الأنواع الثلاثة وإليك الكلام عليها على هذا الترتيب فنقول وبالله التوفيق.

الكلام على المد المتصل العارض للسكون

ومثاله الوقف على نحو {?لضَّرَّآءُ وَ?لسَّرَّآءُ} {ثَلاَثَةَ قُرُو?ءٍ} {وَلاَ ?لْمُسِي?ءُ} وهذا المد قد يكون مسبوقاً بأحد المدين - المنفصل أو المتصل - أو بهما معاً وقد لا يكون مسبوقاً بشيء من ذلك ويسمى الأول بالمد المتصل العارض للسكون المجموع مع ما قبله. ويمسى الثاني بالمد المتصل العارض للسكون المنفرد. ولكل منهما كلام خاص سنقتصر فيه هنا علىما يوافق رواية حفص عن عاصم من الشاطبية موافقة لقراءة العامة فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون والقول.

الكلام على أوجه المد المتصل العارض للسكون المنفرد

المد المتصل العارض للسكون المنفرد - أي الذي لم يُسبَق بمد متصل ولا بمنفصل إن كان آخره منصوباً نحو {نَسُوقُ ?لْمَآءَ} أو مفتوحاً نحو {فَقَدْ بَآءَ} ففيه ثلاثة أوجه لفحص عن عاصم من الشاطبية وهي الوقف بأربع حركات أو خمس أو ست بالسكون المجرد فقط.

وإن كان آخره مجروراً نحو {عَلَى? سَوَآءٍ} أو مكسوراً نحو {أُوْلا?ءِ} ففيه خمسة أوجه لحفص من الطريق المذكور وهي الوقف بأربع حركات أو خمس أو ست بالسكون المجرد. ثم الروم مع الد بأربع حركات وخمس فقط ذلك لأن الروم كالوصل كما تقدم. وهنا المد المتصل يمد في الوصل أربع حركات وخمس وإن كان آخره مرفوعاً نحو قوله تعالى: {وَ?للَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} أو مضموماً نحو {وَي?سَمَآءُ} ففيه لحفص من الطريق السالف الذكر ثمانية أوجه وهي الوقف بأربع حركات أو خمس أو ست وكلها السكون المجرد ثم يؤتى بهذه الأوجه الثلاثة مرة ثانية بالسكون مع الإشمام ثم الروم مع المد بأربع حركات وخمس فحسب فهذه هي الأوجه الثمانية وقد نظمها غير واحد من الأفاضل الأعلام وإليك أوضحها لشيخنا الموقر صاحب الفضيلة الشيخ محمد السباعي عامر رحمه الله تعالى قال:

*وقِفْ على مُتَّصلٍ تطرَّفَا * إنْ كان منصوباً بستٍّ وكَفَى*

*وأربعٍ ثمَّ بخمسٍ فاقْضٍ * وكلُّها مع السكون المحضِ*

*كجاءَ ساءَ شاءَ مع أضاءَ * أفاءَ والسماءَ لا بناءَ*

*ومثلُهُ المجرورُ دون لبْسٍ * والروم زدْ بأربعٍ وخمسِ*

*مثالُهُ لفظ من السماء * ونحو في السَّرَّاءِ والضَّرَّراءِ*

*ومثلُهُ المرفوعُ لكنْ زدْ لهُ الْ * إشْمامَ في الكل أراهُ قدْ سَهُلْ*

*مثاله يشاءُ أولياءُ * (فما بكتْ عليهمُ السماءُ)*

*إذنْ ففيه أوجُهُ ثمانية * والخمسُ في المخفوضِ منكَ دَانِية*

*والروم في ثلاثة المنصوب * دعُهُ كإشمام بلا لَغُوب*

الرَّوم لا يأتي مع الإشباع * أي فيهما ففُزْ بالاتْبَاعِ اهـ*

تنبيه: ما ذكره الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه "الرائد في تجويد القرآن" من أوجه العارض للسكون الذي أصله المد المتصل حيث قال فيه: "وإن كان مجروراً مثل {مِنَ ?لْمَآءِ} ففيه ستة أوجه وهي الثلاثة التي في المنصوب ومثلها مع الروم. وإن كان مرفوعاً مثل {يَشَآءُ} ففيه تسعة أوجه وهي الثلاثة التي في المنصوب ومثلها على كل من الروم والإشمام" أهـ فقد بناه على ما ذكره من قبل من أن المد المتصل يجوز فيه الإشباع بقدر ست حركات لحفص وعليه. فقد جوز الوقف بالروم على الإشباع.

ومرتبة الإشباع هذه قلنا عليها فيما سبق أنها لا تجوز لحفص من طريق الشاطبية التي هي طريق العامة. وإنما تجوز له في وجه من الطيبة. ولم ينبه الدكتور على ذلك ولا على ما يتعين عليها من أحكام حال الأداء ولا بد من هذا التنبيه. وقد بينا خطأ هذا القول وإقحامه على ما عرفه عامة الناس واستوفينا الرد عليه فيما تقدم بما لا مزيد عليه لمستزيد فراجعه في موضعه في التنبيه الثالث ص (284) ولا التفات إلى قول هذا الدكتور وعليه فالوجوه ثمانية في العارض للسكون الذي أصله المتصل المرفوع وخمسة في المجرور منه كما قلنا سابقاً وكما أجمع عليه المسلمون لحفص من طريق الشاطبية.

وعليه: فاعلم أن الوقف بالروم لا يأتي لحفص على الإشباع بحال من الطريق المذكور. وقد مر عليك قريباً قول أستاذنا العلامة فضيلة الشيخ محمد السباعي عامر - عليه رحمة الله:

*والرَّوْمُ لا يأتي مع الإشباع * ... .. ...البيت*

نعم: يأتي الروم لحفص من الإشباع في المرفوع والمجرور من الطيبة فقط وفي قول كما أسلفنا وفي هذا الشأن يقول العلامة صاحب سراج المعالي في آخر بيت من نظم "باب القصر لحفص من طريق طيبة النشر":

*وإن تقِفْ نحو يشاءُ زدْ لدى * ستٌ بهِ روْماً كَذَا الجَرِّ بَدَا أهـ*

فقوله: "زد" أي زد لحفص الوقف بالروم على الحركات الست من طريق الطيبة على طريق الشاطبية الذي فيه الروم على الأربع حركات والخمس فقط وعليه فيكون لحفص من طريق الطيبة في العارض للسكون الذي أصله المد المتصل المرفوع تسعة أوجه وفي المجرور منه ستة بزيادة الروم في الوقف بالإشباع في كل منهما. ولا يخفى عليك ما قدمناه من أحكام لا يجوز مخالفتها بحال على إشباع المد المتصل لحفص من الطيبة سواء قرىء بالإشباع وصلاً أو وقفاً في المتطرف مع الروم فالأحكام التي ذكرناها هناك والحالات المطردة في التنزيل المرتبتة عليها هي هي لا تتغير فلا تغفل عنها والله يتولانا وإياك.

الكلام على أوجه المد المتصل العارض للسكون المسبوق بأحد المدَّين أو بهما معاً

المد المتصل العارض للسكون المسبوق بأحد المدّين - المتصل أو المنفصل أو المسبوق بهما معاً فأوجه حفص فيه من الشاطبية تختلف عن أوجهه في المد المتصل العارض للسكون المنفرد الذي تقدم الكلام عليه قريباً من الطريق نفسه.

فالمنصوب منه أو المفتوح فيه أربعة أوجه. والمجرور منه أو المكسور فيه ستة. والمرفوع منه أو المضموم فيه عشرة.

وإليك مثالاً لكل حالة من هذه الحالات الثلاث للقياس عليها:

فمثال المد العارض للسكون المنصوب آخره أو المفتوح المسبوق بالمد المنفصل نحو قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ?للَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ} ومثال المسبوق بالمد المتصل نحو قوله تعالى: {أُولَـ?ئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ?لأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ?للَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ} فهنا لحفحص من الشاطبية أربعة أوجه وهي مد المنفصل في الآية الأولى والمتصل في الثانية أربع حركات وعليه ياتي في المتصل الموقوف عليه فيهما أربع حركات أو ست بالسكون المجرد. ثم مد المنفصل والمتصل في الآيتين خمس حركات وعليه يأتي في المتصل الموقوف عليه فيهما خمس حركات أو ست بالسكون المجرد أيضاً وما ذكرناه هنا في المتصل الموقوف عليه هو مثال للمفتوح ومثاله بالضبط المتصل المنصوب فتفطن.

ومثال المد المتصل العارض للسكون المكسور آخره المسبوق بالمد المنفصل نحو قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى? هَـ?ؤُلآءِ} ومثال المجرور المسبوق بالمنفصل أيضاً قوله تعالى: {رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى? عَلَى ?للَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ?لأَرْضِ وَلاَ فِي ?لسَّمَآءِ}.

وهنا لحفص من الشاطبية ست أوجه وبيانها كما يلي:

مد المنفصل في الآيتين أربع حركات وعليه يأتي في المتصل الموقوف عليه أربع حركات أو ست بالسكون المجرد فيهما. ثم الوقف بالروم مع المد بأربع حركات فيهما كذلك فهذه ثلاثة أوجه. ثم مد المنفصل خمس حركات في الآيتين أيضاً وعليه يأتي في المتصل الموقوف عليه خمس حركات أو ست بالسكون المجرد ثم الوقف بالروم مع المد بخمس حركات فيهما أيضاً فهذه ثلاثة تضم الثلاثة الأولى فتصير ستة أوجه. ومثل ذلك بالضبط ونفس الطريقة المد المتصل العارض للسكون المجرور المسبوق بالمد المتصل كقوله تعالى: {ي?نِسَآءَ ?لنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ?لنِّسَآءِ} وكذلك تجري الأوجه الستة السابقة بنفس الطريقة والترتيب في المتصل العارض المكسور المسبوق بالمدين معاً - المنفصل والمتصل - كقوله تعالى: {لاَ إِلَى? هَـ?ؤُلا?ءِ وَلاَ إِلَى هَـ?ؤُلا?ءِ} فيمد المنفصل (وإن تعدد)، والمتصل المتقدمان أربع حركات فيهما وعلى هذه الأربع يأتي في المتصل الموقوف عليه أربع حركات أو ست بالسكون المجرد فيهما ثم الوقف بالروم مع المد بأربع حركات ثم يؤتى بخمس حركات في المنفصل والمتصل المتقدمان وعلى هذه الخمس يأتي في المتصل الموقوف عليه خمس حركات أو ست بالسكون المجرد فيهما ثم الوقف بالروم مع المد بخمس حركات فتفطن.

ومثال: المد المتصل العارض للسكون المرفوع المسبوع بالمد المنفصل أو المتصل.

فمثال الأول نحو قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ?لنَّاسُ قَالُو?اْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ?لسُّفَهَآءُ}.

ومثال الثاني نحو قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ}.

وهنا يتحصل لحفص من الشاطبية عشرة أوجه في كل من كلمة {?لسُّفَهَآءُ} و{يَشَآءُ}.

وبيان كيفية إجراء الأوجه العشرة لحفص كما يلي:

أولاً: مد الأول في الآيتين أربع حركات وعليه في الأخير الموقوف عليه {?لسُّفَهَآءُ} و{يَشَآءُ} أربع حركات أو ست السكون المجرد فيهما ثم بالسكون مع الإشمام مرة ثانية ثم الوقف بالروم مع المد بأربع حركات فقط.

فهذه خمسة أوجه أتت على مد الأول أربعاً.

ثانياً: مد الأول في الآيتين خمس حركات وعليه في الأخير الموقوف عليه خمس حركات أو ست بالسكون المجرد فيهما. ثم بالسكون مع الإشمام مرة ثانية ثم الوقف بالروم مع المد بخمس حركات فحسب فهذه خمسة أوجه أيضاً أتت على مد الأول خمساً تضم للخمسة السابقة فتصير عشرة أوجه كلها صحيحة لا سقيم فيها ولا فيما سبق من أوجه.

ومثل المد المتصل العارض للسكون المرفوع المد المتصل العارض للسكون المضموم وكذلك تجري الأوجه العشرة السابقة بنفس الطريقة والترتيب في المتصل العارض للسكون المرفوع المسبوق بالمدين معاً - المنفصل والمتصل كقوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي? أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ?للَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ}.

وكيفية إجراء الأوجه العشرة لحفص هنا كالآتي:

أولاً: يمد المنفصل والمتصل المتقدمان معاً أربع حركات ويؤتى في الأخير الموقوف بأربع حركات أو ست بالسكون المجرد فيهما ثم بالسكون مع الإشمام مرة ثانية ثم الوقف بالروم مع المد بأربع حركات فقط فهذه خمسة أوجه أتت على مد الأولين أربعاً.

ثانياً: يمد المنفصل والمتصل المتقدمان معاً خمس حركات ويؤتى في الأخير الموقوف عليه بخمس حركات أو ست بالسكون المجرد فيهما. ثم بالسكون مع الإشمامم مرة ثانية. ثم الوقف بالروم مع المد بخمس حركات ليس غير. فهذه خمسة أوجه أتت على مد الأولين خمساً تضاف للخمسة السابقة فتصير عشرة أوجه كلها صحيحة وهنا انتهى كلامنا على المد المتصل العارض للسكون المنفرد والمسبوق بالمدين معاً أو بأحدهما فتأمله جيداً وبالله التوفيق.

الكلام على أوجه المد الجائز العارض للسكون الذي آخره هاء التأنيث

إذا كان المد العارض للسكون آخره هاء التأنيث وهي التي في الوصل تاء وفي الوقف هاء نحو {بِ?لْغَدَاةِ} ففيه المدود الثلاثة لكل القراء التي هي القصر والتوسط والإشباع بالسكون المجرد فقط سواء كان منصوباً نحو قوله تعالى: {وَيُقِيمُواْ ?لصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ?لزَّكَاةَ} أو مجروراً وحو قوله سبحانه: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} أو مرفوعاً نحو قوله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ?لتَّوْرَاةُ} من غير روم ولا إشمام لأن هاء التأنيث ضمن لمواضع التي لا يدخلها روم ولا إشمام كما سيأتي والعلة في ذلك أن الهاء مبدلة من التاء التي كانت في الوصل. والروم والإشمام لا يدخلان في حرف كانت الحركة في غيره ولم تكن فيه. ولم يأت هذا العارض مفتوحاً ولا مكسوراً ولا مضموماً لأن هاء التأنيث معربة دائماً وليست مبنية فتأمل.

تتمة: ما ذكرناه قريباً من جواز المدود الثلاثة في المد العارض للسكون الذي آخره هاء تأنيث هو أحد القولين فيه.

والثاني: يمد مدًّا طويلاً وجهاً واحداً كالمد اللازم نص عليه العلامة المارغني في النجوم الطوالع وحجته أن السكون لازم في الحرف الموقوف عليه لعدم تحرك الهاء في الوصل والوقف. أما عدم تحركها في الوصل فلعدم وجودها فيه. وأما عدم تحركها في الوقف فظاهر وحينئذ تندرج فيما سكونه لازم وتمد الألف قبلها مدًّا طويلاً في الوقف. ولا يجوز فيه القصر ولا التوسط ولأهمية هذه المسألة فقد نقلنا كلام النجوم الطوالع هنا برمته: قال العلامة المارغني رحمه الله تعالى في باب الممدود والمقصور ما نصه "تنبيه" يتعين المد الطويل في الوقف على اللائي - لورش على مذهب من أخذ له بتسهيل الهمزة بين بين في الوصل وإبدالها ياء في الوقف. ويتعين المد الطويل أيضاً لجميع القراء في الوقف على كل ما آخره في الوصل تاء قبلها ألف وإذا وقف عليه أبدلت تاؤه هاء نحو {?لصَّلاةَ} و{?لزَّكَاةَ} و{?لْحَيَاةَ} و{تُقَاةً} ولا يجوز في ذلك كله توسط ولا قصر كما نص عليه في {?للاَّئِي} الحافظ أبو عمرو الداني في كتابيه التلخيص والمفردة - وخاتمة المحققين سيدي علي النوري في غيث النفع وقرأت به على شيخنا رحمه الله في {?للاَّئِي} وفي نحو {?لصَّلاةَ} ونبهنا عليه غير مرة واقتصر عليه في المسألتين بعض شراح المتن.

ووجه لزوم السكون للحرف الموقوف عليه وهو الياء في {?لصَّلاةَ} والهاء في نحو {?للاَّئِي} إذ يصدق عليهما أنهما لا يتحركان لا وصلاً ولا وقفاً. أما عدم تحركهما وصلاً فلعدم وجودهما فيه. وأما عدم تحركهما وقفاً فظاهر وحينئذ يندرجان فيما سكونه لازم فيمد الألف قبلهما في الوقف مدًّا طويلاً لازماً لأجلهما فإن (قلت) الياء في (?للاَّئِي) والهاء في نحو (?لصَّلاةَ) عارضان في أنفسهما لأنهما لا يوجدان إلا في الوقف فيكون سكونهما عارضاً بعروضهما (قلت) المعتبر لزوم السكون لهما وإن كانا في أنفسهما عارضين إذ لو اعتبر عروض سكونهما لعروضهما لجاز الروم والإشمام في كل ما رسم بالهاء من {رَحْمَةٌ} و{نِّعْمَةٍ} و{?لصَّلاةَ و?لزَّكَاة} لأن الروم والإشمام إنما يكونان فيا سكونه عارض مع أنهم اتفقوا على منع الروم والإشمام في ذلك كما سيأتي في باب الوقف وذكر العلاقة الشيخ سيدي أحمد الشقانصي في كتابه - الشهب الثواقب - أنه قرأ في ذلك بالأوجه الثلاثة في الوقف وهو مخالف لما قدناه وكل يقرأ بما أخذ لكن ينبغي لمن أخذ بالأوجه الثلاثة في الوقف أن يقف بذلك بالطويل احتياطاً وخروجاً من الخلاف أهـ بلفظه.

قلت: وكما نص العلامة المارغني على أن المد في نحو "الصلاة" وقفاً هو من باب المد اللازم كما مر نص عليه كذلك العلامة الشيخ الأمين الطرابلسي في مذكرته وعبارته "ويتعين الإشباع ف يالوقف على المختوم بهاء التأنيث نحو "الصلاة" ولا يجوز التوسط ولا القصر وقد نظمت ذلك فقلت:

*وأشبعْ فقط مدَّ الصَّلاة ونحوه * لدى الوقفِ عند الكلِّ يا صاح فاعْقِلا أهـ*

يقول مقيده عفا الله عنه: ويؤخذ مما تقدم أن المد العارض للسكون الذي سكونه واقع في هاء التأنيث {كَمِشْكَاةٍ} يجوز فيه الوجهان وقفاً.

الأول: الوقف بالممدود الثلاثة قياساً على غيره من العوارض كما مر.

الثاني: الوقف بالإشباع وجهاً واحداً كالمد اللازم وفق قول المارغني والطرابلسي ولا مانع عندي من الأخذ بالوجهين غير أني أميل إلى الإشباع أكثر لأنه لا فرق بينه وبين {?للاَّئِي} في وجه الوقف بالياء الساكنة لورش وموافقيه فالياء في {?للاَّئِي} لا توجد إلا في الوقف وكذلك هاء التأنيث لا توجد إلا في الوقف أيضاً. وقد أجمعوا على وجه الإشباع في {?للاَّئِي} على وجه الوقف بالياء الساكنة لورش ومن وافقه من القراء فإذا لم نعتبر الإشباع وجهاً واحداً في نحو {?لصَّلاةَ} وقفاً واعتبرنا المدود الثلاثة فيه إذاً فلنعتبرها في وقف {?للاَّئِي} أيضاً إذ الحجة واحدة ولا قائل بذلك.

وعليه فالإشباع هو المعتمد بل هو الواجب في الوقف على نحو "الصلاة" كما قرره المارغني والطرابلسي. وإذا وقف بالمدود الثلاثة فيه على القول الثاني فينبغي الوقف بوجه الإشباع احتياطاً وخروجاً من الخلاف كما تقدم في كلام شيخنا العلامة المارغني، والله أعلم.

الكلام على أوجه المد الجائز العارض للسكون الذي آخره هاء الضمير

إذا كان المد الجائز العارض للسكون الذي وقع سكونه العارض في هاء الضمير نحو {?جْتَبَاهُ وَهَدَاهُ} {مَا فَعَلُوهُ} {لاَ رَيْبَ فِيهِ} {وَوَصَّيْنَا ?لإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} {وَلِيَرْضَوْهُ} ففيه المدود الثلاثة المتقدمة بالسكون المجرد لجميع القراء واختلف في جواز الروم والإشمام في هاء الضمير على ثلاثة مذاهب.

الأول: منع الروم والإشمام فيها مطلقاً قياساً على هاء التأنيث لما بينهما من التشابه في الوقف.

الثاني: جواز الروم والإشمام فيها مطلقاً بشروطهما المعروفة.

الثالث: التفصيل وهو مذهب أكثر المحققين وأعدل المذاهب عند الحافظ ابن الجزري كما في النشر وحاصله منع الروم والإشمام فيها في أربع صور. وجوازهما فيما عداها وإليك صور المنع والجواز.

أما صور المنع الأربع فيهي كالآتي:

الأول: أن يقع قبل الهاء ياء ساكنة سواء كانت مدية نحو {أَنْ أَرْضِعِيهِ} أو لينة نحو {لِوَالِدَيْهِ}.

الثانية: أن يقع قبلها واو ساكنة ويستوي في ذلك الواو المدية نحو {أَوْ حَرِّقُوهُ} أو اللينة نحو {فَلَمَّا رَأَوْهُ}.

الثالثة: أن يقع قبلها كسرة نحو {إِلَى? أَهْلِهِ} {حَقَّ قَدْرِهِ}.

الرابعة: أن يقع قبلها ضمة نحو {قُلْتُهُ} {فَمَا جَزَآؤُهُ}. وفيما سوى هذه الصور الأربع يجوز الوقف بالروم والإشمام. وبالاستقراء وجدنا أن صور الجواز ثلاث وهي كمايلي:

الأولى: أن يقع قبلها فتحة نحو {فَقَدْ عَلِمْتَهُ}.

الثانية: أن يقع قبلها ساكن صحيح نحو {فَلْيَصُمْهُ} {?سْتَأْجِرْهُ}.

الثالثة: أن يقع قبلها ألف المد نحو {فَبَشَّرْنَاهُ} {وَعَلَّمْنَاهُ}.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري إلى هذه المذاهب الثلاثة في الطيبة بقوله:

*وخُلْفُ ها الضَّمير وامنَعْ في الأتَمْ * منْ بعد يا أوْ واو أو كسر وضَمْ أهـ*

وعلى ضوء ما تقدم يمكن معرفة ما في هاء الضمير الواقع فيها السكون العارض بعد حرف المد و اللين أو بعد حرف اللين وحده من الأوجه اتفاقاً واختلافاً وعليه فنقول:

إذا كانت الهاء مضمومة نحو {مَا فَعَلُوهُ} {وَهَدَاهُ} {وَشَرَوْهُ}.

ففيه على المذهب الأول وهو مذهب المنع ثلاثة أوجه وهي المدود الثلاثة المتقدمة غير مرة بالسكون المجرد فقط.

وعلى المذهب الثاني وهو مذهب الجواز سبعة أوجه وهي المدود الثلاثة بالسكون المجرد. ثم بالسكون مع الإشمام مرة ثانية ثم الروم مع القصر والمراد من القصر هنا هو حذف صلة الهاء كلية وهذا معنى من معاني القصر كما هو المأخوذ من التعريف الاصطلاحي الذي قدمناه في صدر الباب فتأمله.

وعلى المذهب الثالث وهو مذهب التفصيل هو أن نحو {مَا فَعَلُوهُ وَلِيَرْضَوْهُ} فيه المدود الثلاثة بالسكون المجرد فحسب لأن الروم والإشمام في مذهب التفصيل لا يجوزان في هاء الضمير المسبوقة بالواو المدية أو اللينة.

وفي نحو {فَبَشَّرْنَاهُ} الأوجه السبعة المتقدمة لأن الروم والإشمام في هذا المذهب يجوزان في هاء الضمير المسبوقة بألف المد وإن كانت الهاء مكسورة نحو {قُصِّيهِ} {بِوَالِدَيْهِ} ففيه على المذهب الأول الذي هو مذهب المنع ثلاثة أوجه وهي المدود الثلاثة بالسكون المجرد لا غير وعلى المذهب الثاني الذي هو مذهب الجواز أربعة أوجه وهي المدود الثلاثة بالسكون المجرد ثم الروم مع القصر. وتقدم قريباً معنى القصر هنا فتذكر وعلى المذهب الثالث الذي هو مذهب التفصيل ثلاثة أوجه فقط وهي المدود الثلاثة بالسكون المجرد كمذهب المنع بالضبط لأن الروم في مذهب التفصيل ممنوع إذا وقعت الهاء بعد الياء المدية أو اللينة ولم يأت هذا المد العارض مفتوحاً ولا منصوباً ولا مرفوعاً ولا مجروراً لأن هاء الضمير مبنية دائماً وليست معربة وبناؤها لا يكون إلا على الضم أو الكسر وسيأتي الكلام على تعريفها وأحوالها الأربعة في التنزيل في ختام باب المد والقصر إن شاء الله تعالى.

فصل في بيان حكم السكون العارض في الوقف غير المسبوق بحرف المد أو اللين وما يجوز فيه من الأوجه وقفاً

تقدم الكلام على السكون العارض في الوقف المسبوق بحرف المد واللين أو حرف اللين وحده. والكلام هنا على السكون العارض غير المسبوق بشيء من ذلك وهذا السكون لا يخلو حاله من أن يكون في هاء تأنيث نحو {مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} أو في هاء ضمير نحو {فَلْيَصُمْهُ} أو في عارض الشكل نحو الميم من {قُمِ ?لْلَّيْلَ} أو في غير ذلك نحو {أَنَّهَا ?لْحَقُّ} {مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} {وَتَبَّ} وحكم الوقف عليه فيه تفصيل.

فإن كان السكون العارض هذا في غير ما آخره هاء تأنيث أو هاء ضمير أو عارض شكل وكان مرفوعاً نحو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} {يُبْدِئُ} {قُلْ هُوَ ?للَّهُ أَحَدٌ} أو مضموماً نحو {مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} {فَعَلَى ?للَّهِ تَوَكَّلْتُ} ففيه وقفاً ثلاثة أوجه وهي الوقف بالسكون المجرد ثم بالسكون مع الإشمام ثم بالروم.

وإن كان مجروراً نحو {بِعَشْرٍ} أو مكسوراً نحو {قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ} ففيه في الوقف وجهان هما الوقف بالسكون المجرد ثم بالروم.

وإن كان منصوباً نحو {?لْعُسْرَ و ?لْيُسْرَ} أو مفتوحاً نحو {?لَّذِي? أَنشَأَ} ففيه وجه واحد وهو الوقف بالسكون المجرد فحسب.

وقد نظم هذه الأوجه في هذه الأحوال الثلاثة صاحب سراج المعالي فقال رحمه الله تعالى:

*مالاَ يُمَدُّ خُذْ ثلاثاً إن يُضَمُ * واثنين جرًّا واحِدٌ في النَّصْب تَم أهـ*

وإن كان السكون العارض في هاء التأنيث وهي التي في الوصل تاء وفي الوقف هاء نحو {كَلِمَةً طَيِّبَةً} ففيه الوقف بالسكون المجرد من غير روم، ولا إشمام لأن الروم والإشمام لا يدخلان هاء التأنيث كما تقدم ويستوي في ذلك المرفوع منها نحو {وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} والمجرور نحو {فِي ?لْجَارِيَةِ} والمنصوب نحو {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً}.

أما إذا رسمت هاء التأنيث تاء مفتوحة في مواضعها المعروفة في التنزيل فيجوز دخول الروم والإشمام حالة الوقف عليها قال في النجوم الطوالع "لأن الوقف في هذا القسم على الحرف الذي كانت الحركة لازمة له في الوصل وهو التاء" أهـ.

وعليه فيكون في المرفوع منها نحو {بَقِيَّةُ} {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ} الوقف بالأوجه الثلاثة السكون المجرد والإشمام والروم وفي المجرور نحو {بِنِعْمَةِ ?للَّهِ} الوقف بوجهين السكون المجرد والروم وفي المنصوب نحو {إِنَّ رَحْمَتَ ?للَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ?لْمُحْسِنِينَ (56)} الوقف بوجه واحد وهو السكون المجرد فحسب.

وإن كان السكون العارض في هاء الضمير نحو {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً (15)} {?سْتَأْجِرْهُ} {وَحَمْلُهُ} ففي الوقف عليه خلاف وهو الخلاف السابق في هاء الضمير في جواز الروم والإشمام فيها وعدم جوازهما ويترتب على هذا الخلاف ثلاثة مذاهب كما تقدم وهي كالآتي:

الأول: الوقف بالسكون المجرد فقط من غير روم ولا إشمام سواء أكانت مضمومة نحو {جَزَآؤُهُ} {فَلْيَصُمْهُ} {وَلَهُ ?لدِّينُ وَاصِباً} أم مكسورة نحو {حَقَّ قَدْرِهِ} قياساً على هاء التأنيث لما بينهما من التشابه في الوقف وهذا هو مذهب المنع المطلق.

الثاني: الوقف بالأوجه الثلاثة في المضمومة وبوجهي السكون المجرد والروم في المكسورة وهذا هو مذهب الجواز المطلق.

الثالث: مذهب التفصيل وهو الأفضل عند الكثيرين من الأئمة والمختار عند الحافظ ابن الجزري وهو إن كانت الهاء مكسورة نحو {إِلَى? أَهْلِهِ} أو مضمومة بعد ضم {جَزَآؤُهُ} ففيها الوقف بالسكون المجرد فقط من غير روم ولا إشمام.

وإن كانت الهاء مضمومة بعد فتح نحو {لَّن تُخْلَفَهُ} أو بعد ساكن صحيح نحو {فَ?نفَجَرَتْ مِنْهُ} ففيها الوقف بالأوجه الثلاثة السكون المجرد والإشمام والروم.

وإن كانت السكون العارض في عارض الشكل وهو ما كان ساكناً وحرك في الوصل للتخلص من التقاء الساكنين كالميم من نحو {إِن يَعْلَمِ ?للَّهُ} {قُمِ ?لْلَّيْلَ} {وَمِنْهُمُ ?لَّذِينَ} والواو من نحو {رَأَوُاْ ?لْعَذَابَ} واللام من نحو {قُلِ ?نظُرُواْ} وما إلى ذلك ففيه الوقف بالسكون المجرد من غير روم ولا إشمام سواء أكانت الحركة ضمة أم كسرة.

وسمي بعارض الشكل لأن الساكن الصحيح تحرك بحركة عارضة عند وصله بما بعده للتخلص من التقاء الساكنين.

ومن عارض الشكل الوقف على كلمتي {حِينَئِذٍ} و{يَوْمَئِذٍ} لأن كسرة الذال فيهما عارضة فالوقف عليهما بالسكون ا لمجرد أيضاً.

ووجه امتناع الروم والإشمام في الحركة العارضة عموماً هو أن ما وجدت فيه أصله السكون ووجود هذه الحركة كان لأجل التخلص من التقاء الساكنين فإذا وقف على الحرف المحرك بها زالت العلة التي من أجلها جيء بها ورجع إلى الأصل وهو السكون. وما كان أصله السكون لا يدخله روم ولا إشمام كما هو مقرر وكما سيأتي والله أعلم.

تنبيهات:

الأول: يستثنى من السكون العارض في الوقف غير المسبوق بحرف المد أو اللين الواو المتحركة بالفتح وصلاً الواقعة بعد الضم نحو {لَن نَّدْعُوَاْ} {لِّتَتْلُوَاْ} {هُوَ} وكذلك الياء المتحركة بالفتح وصلاً الواقعة بعد الكسر نحو {لِّيَقْضِيَ ?للَّهُ} {أَن يَأْتِيَ بِ?لْفَتْحِ} وهي فلا يوقف عليهم بالسكون الصحيح وإن كانتا متحركتين بالفتح كما قد يتبادر بل يكونان في الوقت ساكنتين حرفي مد ولين لقوع الواو ساكنة إثر ضم والياء ساكنة إثر كسر كما هي القاعدة بخلاف الواو المتحركة بالفتح أو بالضم الواقعة إثر سكون صحيح نحو {لَهْوَ ?لْحَدِيثِ} {لَهْوٌ وَلَعِبٌ} والياء المتحركة بالكسر أو بالضم الواقعة إثر ساكن صحيح كذلك نحو {بِ?لْوَحْيِ} {وَحْيٌ} فالوقف عليهما يكون بالسكون الصحيح حينئذ لا ندراجهما تحت قاعدة الوقف بسكون المتحرك سكوناً صحيحاً فتأمل.

التنبيه الثاني: يحذف التنوين من المنون في حالة الوقف بالروم كحذفه حالة الوقف بالسكون سواء أكان الحرف الموقوف عليه تقدمه حرف مد ولين أو حرف لين أم لم يتقدمه نحو {مِن سُو?ءٍ} {وَ?للَّهُ قَدِيرٌ} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} {دِفْءٌ} {مِنْ حَقٍّ} {عَلَى? بَعْضٍ} وما إلى ذلك.

وكذلك تحذف صلة هاء الضمير في حالة الوقف الروم كحذفها في حالة الوقف بالسكون أيضاً نحو {يُغْنِيكُمُ ?للَّهُ مِن فَضْلِهِ} {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} {وَ?شْكُرُواْ لَهُ}.

التنبيه الثالث: إذا اجتمع مدان عارضان للسكون أو أكثر في حالة القراءة كأن وقف على فواصل سورة الفاتحة مثلاً فلا ينبغي للقارىء أن يمد أحدها أكثر أو أقل من الآخر بحجة أن كل مد عارض للسكون فيه المدود الثلاثة فيمد الأول طويلاً والثاني قصيراً والثالث متوسطاً كل هذا لا يجوز والذي ينبغي فيه هو التسوية بما جاء في العارض الأول من المد وباقي العوارض تابعة له مدًّا وتوسطاً وقصراً وذلك لأن رواة المد في العارض غير رواة التوسط فيه غير رواه القصر فيه أيضاً.

وكذلك الحكم بعينه فيما إذا اجتمع مدان عارضان للسكون أو أكثر وكان السكون العارض مسبوقاً بحرف اللين كأن وقف على فواصل سورة قريش مثلاً فينبغي التسوية في العموم مدًّا وتوسطاً وقصراً ولا تجوز التفرقة لأن التسوية في مثل هذا وذاك من جملة التجويد. وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة بقوله "واللفظ في نظيره كمثله" فتفطن.

التنبيه الرابع: علم مما تقدم أن المد الجائز العارض للسكون مطلقاً سواء كان ممدوداً بحرف المد واللين أو بحرف اللين فقط نحو {?لْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ?لْعَالَمِينَ (2)} {ذَلِكَ ?لْكِتَابُ لاَ رَيْبَ} يجوز فيه المدود الثلاثة التي هي القصر والتوسط والإشباع وهذه المدود الثلاثة تجري في كل من النوعين - أي العارض الممدود بحرف المد واللين أو العارض الممدود بحرف اللين على انفراد.

أما إذا اجتمع النوعان معاً فتزيد الأوجه على الثلاثة وتصير ستة تأتي في الأخير منها سواء تقدم الممدود بحرف المد واللين على المدود بحرف اللين أو تأخر عنه.

فمثال: تقدم العارض الممدود بحرف المد واللين على العارض الممدود بحرف اللين فقط نحو قوله تعالى: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ?لَّذِي عَلَّمَكُمُ ?لسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُواْ لاَ ضَيْرَ} بأن وقف على أجميعن وعلى لا ضير في اللين العارض وهو الأخير ستة أوجه لجميع القراء وبيانها كالآتي:

القصر في أجمعين وضير معاً. ثم التوسط في أجمعين عليه التوسط.

والقصر في لاضير. ثم المد في أجمعين. عليه المدود الثلاثة في لا ضير.

وقد نظم أوجه الحالة الشيخ العلامة على المنصوري رحمه الله تعالى فقال:

*وكلُّ منْ أشْبَعَ نحو الدين * ثلاثة تجري بوقفِ اللين*

*ومنْ يرى قصْراً فبالقصر اقْتَصَرْ * ومنْ يوسِّطْهُ يُوَسِّط أوْ قَصَرْ أهـ*

ومثال تقدم العارض الممدود بحرف اللين على العارض الممدود بحرف المد واللين نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ ?لْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)} بأن وقف على "لا ريب" وعلى "المتقين" ففي العارض الأخير ستة أوجه لعامة القراءة وتوضيحها كالآتي:

القصر في "لا ريب" عليه المدود الثلاثة في "المتقين" ثم التوسط في "لا ريب" عليه التوسط والمد في "المتقين" ثم المد فيهما معاً.

وقد نظم أوجه هذه الحالة المحقق سيدي الشيخ مصطفى الميهي الأحمدي رضي الله عنه فقال:

*وكلُّ منْ قصر حرف اللين * ثلاثة تجري بنحو الدِّين*

*وإن تُوَسِّطْهُ فوسِّط أشْبعَا * وإن تَمُدَّهُ فمُدَّ مُشْبعَا اهـ*

الكلام على النوع الثالث وهو المد الجائز البدل وتعريفه وضابطه وأقسامه ووجه تسميته بالبدل وبالجائز

وهذا هو النوع الثالث والأخير من أنواع المد الجائز.

وتعريفه: أن يتقدم الهمز على حرف المد نحو {ءَادَمَ} {إِيمَاناً} {وَأُوذُواْ}.

وسمي بمد البدل لإبدال المد من الهمز. فإن الأصل في هذه الكلمات "ءَادَمَ. إيماناً. وأؤذوا" بهمزتين الأولى متحركة والثانية ساكنة فأبدت الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها على القاعدة الصرفية المعروفة فصارت الكلمات. ءَادَمَ. إيماناً. وأوذوا.

وكان حكمه الجواز لجواز قصره وتوسطه ومده. فالقصر لجميع القراء والتوسط والمد زائدان لورش من طريق الأزرق خاصة.

وحكم القصر فيه للجميع مشروط بألا يقع بعده همز أو سكون أصلي نحو {بُرَءآؤاْ} {رَأَى أَيْدِيَهُمْ} {آمِّينَ} فإن كان كذلك فيتعين المد لكلٍّ عملاً بأقوى السببين كما سيأتي.

وقد أشار إلى المد الجائز البدل العلامة الجمزوري في تحفته فقال:

*أو قُدِّمَ الهمزُ عن المدِّ وذا * بدل كآمنوا وإيماناً خُذَا اهـ*

هذا: وينقسم المد البدل إلى قسمين:

الأول: المد البدل الأصلي وهو ما تقدم ذكره.

الثاني: المد الشبيه بالبدل نحو {لَيَئُوسٌ} {يَشَآؤونَ} {مُّتَّكِئِينَ} {مَآبٍ} في حالة الوصل ونحو {فَإِنْ فَآءُو} {وَبَآءُوا} مطلقاً ونحو {دُعَآءً وَنِدَآءً} حالة الوقف.

وسمي شبيهاً بالبدل لأن حرف المد الواقع بعد الهمزة فيه ليس مبدلاً من الهمز كما في الأصلي. ولتقدم الهمز على حرف المد في الجملة. فبين النوعين اتفاق وافتراق.

أما الاتفاق فلأن الهمزة تقدم علىحرف المد في كل منهما.

وأما الافتراق فلأن حرف المد الذي بعد الهمز في الأصلي مبدل من الهمز الذي كان ساكناً بخلاف حرف المد الذي بعد الهمز في الشبيه بالبدل فإنه أصلي وليس مبدلاً من الهمز. ويؤخذ مما ذكرنا أن مد البدل مطلقاً تارة يثبت وصلاً ووقفاً نحو {آمَنَ ?لرَّسُولُ} {أَنْبِئُونِي} وتارة يثبت وصلاً وقفاً نحو {وَ?للَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ?لْمَآبِ (14)} {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ} وتارة يثبت وقفاً لا وصلاً كالوقف على نحو {غُثَآءً} وجاءوا من {وَجَآءُو?ا أَبَاهُمْ} وتارة يثبت ابتداء فقط كما لو ابتدىء بنحو {?ؤْتُمِنَ} {?ئْذَن لِّي} فتلك أربع حالات للمد البدل مطلقاً تأملها والله الموفق.

تنبيه هام: مادة أتى إذا كانت فعلاً وقعت في القرآن الكريم مقصورة الهمز تارة وممدودة تارة أخرى. ويستوي في ذلك المتصلة بالضمير وغير المتصلة. وبعض المبتدئين لا يعرف الممدودة من المقصود ويلتبس عليه الحال فيمد المقصورة ويقصر الممدودة وهذا مفسد للقراءة لأن كلاًّ من القصر والمد في الهمزة يعطي معنى في الكلمة. ولكل من القصر والمد علامة.

أما علامة القصر فهي إن أفادت كلمة "أتى" معنى المجيء فهمزتها مقصورة سواء اتصلت بالضمير أم لم تتصل.

فالمتصلة بالضمير كقوله تعالى: {وَآتَيْنَاكَ بِ?لْحَقِّ} {* وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ?لْخَصْمِ} {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} {فَأَتَاهُمُ ?للَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ?لْغَاشِيَةِ (1)} وما إلى ذلك.

وغير المتصلة بالضمير كقوله سبحانه: {أَتَى? أَمْرُ ?للَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} {كَذَلِكَ مَآ أَتَى ?لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} {فَأَتَى ?للَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ?لْقَوَاعِدِ} وما أشبه ذلك.

وأما علامة المد فهي إن أفادت معنى الإعطاء فهمزتها ممدودة سواء اتصلت بضمير أم لم تتصل.

فمثال المتصلة بالضمير كقوله تعالى: {فَآتَاهُمُ ?للَّهُ ثَوَابَ ?لدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ?لآخِرَةِ} {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً} {وَ?بْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ?للَّهُ} {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ?لأَمْرِ} وغير المتصلة بالضمير مثل قوله تعالى: {وَآتَى ?لْمَالَ}. {وَآتِ ذَا ?لْقُرْبَى? حَقَّهُ} {وَآتَى ?لزَّكَاةَ} وما إلى ذلك والمد هنا من قبيل المد البدل الأصلي المذكور آنفاً. فتنبه وبالله التوفيق.

الكلام على الحكم الثالث من أحكام المد الفرعي المد اللازم

تقدم أن الحكم الثالث من أحكام المد الفرعي هو اللزوم وهو خاص بالمد ا للازم. وهذا هو النوع الخامس والأخير من أنواع المد الفرعي.

وتعريفه: أن يقع سكون أصلي - أي في الوصل والوقف - بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده في كلمة أو في حرف.

أما الواقع بعد حرف المد واللين في كلمة ففي نحو {وَلاَ ?لضَّآلِّينَ} {آلآنَ}.

وأما الواقع بعد حرف المد واللين في حرف ففي نحو {ق?} {ص?}.

وأما الواقع بعد حرف اللين وحده فلا يكون إلا في الحرف وهو خاص بالعين من فاتحة سورتي مريم والشورى لا غير.

وسمي لازماً للزوم سببه في ح التي الوصل والوقف. أو للزوم مده عند كل القراء مدًّا متساوياً بمقدار ست حركات أتفاقاً سواء في الوصل أو في الوقف.

وكان حكمه اللزوم لما تقدم في وجه التسمية.

فإن طرأ على السكون الأصلي الذي بعد حرف المد تحريك للتخليص من التقاء الساكنين جاز في المد اللازم حينئذ وجهان الإشباع وقدره ست حركات والقصر وقدره حركتان وذلك نحو "الميم" من {ال?م?} فاتحة سورة آل عمران خاصة بشرط وصلها بلفظ الجلالة بعدها.

أما إذا وقف عليها فالإشباع لا غير وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في باب البسملة إن شاء الله تعالى.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري في المقدمة إلى المد اللازم في إطاره العام بقوله:

*فلازمٌ إنْ جاءَ بعْدَ حرفِ مَد * ساكِنُ حَالَيْن وبالطول يُمَد*

كما أشار إليه العلامة الجمزوري في تحفته بقوله رحمه الله:

ولازمٌ إن السكون أُصِّلا * وصْلاً ووقْفاً بعد مَدٍّ طُوِّلا اهـ*

تنبيه: ذكر العلامة الشيخ خالد الأزهري في شرحه على المقدمة الجزرية جواز المد والقصر في نحو {فِيهِ هُدًى} على قراءة أبي عمرو وفي نحو {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} على قراءة البزي وكذلك ذكر شيخ شيوخنا العلامة المحقق شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على المقدمة الجزرية أيضاً جواز المدود الثلاثة في نحو {?لرَّحِيمِ * مَـ?لِكِ} في قراءة أبي عمرو ونحو {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} في قراءة البزي. قلت: وهذا سهو من الشيخين رحمهما الله تعالى وذلك بالنسبة لنحو {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} أما بالنسبة لنحو {?لرَّحِيمِ * مَـ?لِكِ} و{فِيهِ هُدًى} في قراءة أبي عمرو فجائز لأن السكون العارض للإدغام كالعارض للوقف يجوز فيه المدود الثلاثة. ولا يجوز بحال في {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} ونحوه مما ورد في رواية البزي عن ابن كثير لأنه من قبيل المد اللازم بالإجماع وفي هذه المسألة يقول الحافظ ابن الجزري في الطيبة "وللصلة امدد والألف" والمراد من الأمر بالمد هنا هو المد اللازم لالتقاء الساكنين كما تقدم وبه قرأت وبه آخذ قراءة وإقراء في هذه المسألة وبالمدود الثلاثة في تلك أي في نحو {?لرَّحِيمِ * مَـ?لِكِ} {فِيهِ هُدًى} عن أبي عمرو علماً بأن المدود الثلاثة في نحو {?لرَّحِيمِ * مَـ?لِكِ} لأبي عمرو لم تسلم بل هناك من يقول: إن المد في هذا الإدغام ملحق بالمد اللازم وهذا عند غير الجمهور أما الجمهور فهم الذين حكوا المدود الثلاثة فيه والله أعلم.

هذا: وينقسم المد اللازم إلى أربعة أقسام نذكرها فيما يلي:

أقسام المد اللازم

ينقسم المد اللازم أولاً إلى قسمين:

الأول: المد اللازم الكلمي.

الثاني: المد اللازم الحرفي.

وكل منهما ينقسم ثانياً إلى قسمين مخفف ومثقل وبذلك تصير الأقسام أربعة. وهي التي أشار إليها العلامة الجمزوري في التحفة بقوله:

*أقسامُ لازمٍ لدَيْهم أربعه * وتلْكَ كِلْميٌّ وحَرْفيٌّ مَعَهْ*

*كِلاهُما مُخَفَّفٌ مُثَقَّلُ * فهذه أربعةٌ تُفَصَّلُ اهـ*

ولكل قسم من هذه الأقسام الأربعة كلام خاص نفصله فيما يلي:

القسم الأول: المد اللازم الكلمي المثقل: وضابطه أن يقع بعد حرف المد واللين سكون أصلي مدغم - أي مشدد - في كلمة نحو {?لضَّآلِّينَ} {دَآبَّةٍ} {?لْحَاقَّةُ} ومنه {ءَآلذَّكَرَيْنِ} في موضعي الأنعام و{ءَآللَّهُ} موضع بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام وموضع بالنمل على وجه الإبدال في الإربعة.

وسمي كلميًّا لوقوع الساكن الأصلي بعد حرف المد واللين في كلمة: ومثقلاً لكون الساكن مدغماً. وتقدم سبب تسميته لازماً.

القسم الثاني: المد اللازم الكلمي المخفف: وضابطه أن يقع بعد حرف المد واللين سكون أصلي غير مدغم - أي مخفف في كلمة نحو {آلآنَ} في موضعي سورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام على وجه الإبدال في غير قراءة نافع وابن وردان عن أبي جعفر وليس في التنزيل غير هذين الموضعين بالنسبة لرواية حفص عن عاصم. أما بالنسبة لغيره من القراء فكثير في القرآن الكريم نحو {ي?حَسْرَتَا} عند من زاد الياء بعد الألف وأسكنها {وَمَحْيَايَ} عند من أسكن الياء وغير ذلك مما يصعب حصره.

وسمي كلميًّا لما تقدم ومخففاً لكون السكون غير مدغم.

القسم الثالث: المد اللازم الحرفي المثقل: وضابطه أن يقع بعد حرف المد واللين سكون أصلي مدغم - أي مشدد - في حرف. ويشترط في هذا الحرف أن يكون هجاؤه على ثلاثة أحرف ثانيها حرف مد ولين. وثالثها ساكن سكوناً اصليًّا وذلك نحو اللام من {ال?م?}.

وسمي حرفيًّا لوقوع الساكن الأصلي بعد حرف المد واللين في حرف. ومثقلاً لكون الساكن مدغماً.

القسم الرابع: المد اللازم الحرفي المخفف: وضابطه أن يقع بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده سكون أصلي غير مدغم "أي مخفف في حرف. ويشترط في هذا الحرف ما تقدم في نظيره قريباً".

فمثال السكون الواقع بعد حرف المد واللين نحو {ص?} {ن?} والميم من {حم?}.

ومثال السكون الواقع بعد حرف اللين وحده هو "العين" من فاتحة سورتي مريم والشورى وليس غيره في التنزيل.

وسمي حرفيًّا لما سبق. ومخففاً لكون السكون الأصلي غير مدغم.

وقد أشار العلامة الجمزوري في التحفة إلى ضابط كل قسم من أقسام المد اللازم الأربعة بقوله:

*فإنْ بكلمة سكونٌ اجتمعْ * مع حرْفِ مدٍّ فهوَ كلميٌّ وقَعْ*

*أوْ في ثُلاثيِّ الحروفِ وُجِدوا * والمد وَسْطُهُ فَحَرْفِيٌّ بَدَا*

*كلآهما مثقَّلٌ إنْ أُدْغِما * مُخَفَّفٌ كلٌّ إذا لمْ يُدغَمَا اهـ*

فصل في بيان مواضع المد اللازم الحرفي وحروفه في القرآن الكريم

للمد اللازم الحرفي سواء أكان مخففا أم مثقلاً مواضع في التنزيل يوجد بها وحروف مخصوصة به لا يتعداها.

أما مواضعه: ففي فواتح السور التي افتتحت بحروف التهجي خاصة مثل {يس?} {ص?} ولا يكون في وسط السور ولا في آخرها سواء افتتحت بحروف التهجي أم لم تفتح. بخلاف المد اللازم الكلمي فإنه يوجد في فواتح السور كأول سورة الحاقة والصافات كما يوجد في وسطها نحو {?لطَّآمَّةُ} وفي آخرها نحو {وَلاَ ?لضَّآلِّينَ}.

وأما حروفه الخاصة به - أي بالمد اللازم الحرفي - فثمانية جمعها العلامة الجمزوري في تحفته في قوله: "كم عسل نقص" وهي الكاف والميم والعين والسين واللام والنون والقاف والصاد. وجمعها غيره في قوله: "نقص عسلكم" أو "سنقص علمك" وهذه العبارات كلها سواء.

وإليك الأمثلة لكل حرف من هذه الأحرف الثمانية ومواضعه في التنزيل ونوعه مثقلاً كان أو مخففاً حسب ترتيب عبارة العلامة الجمزوري.

أما الكاف فوقعت في موضع واحد وهو فاتحة سورة مريم في قوله تعالى: {ك?هيع?ص?} والمد فيها من اللازم الحرفي المخفف بالاتفاق.

وأما الميم فوقعت في خمس كلمات في سبعة عشر موضعاً.

وأما الكلمات الخمس فهي في قوله تعالى: {ال?م?. ال?م?ص?.ال?م?ر. طس?م?. حم?} وأما مواضعها السبعة عشر:

فالكلمة الأولى: {ال?م?} وقعت في ستة مواضع وهي فاتحة سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة

والكلمة الثانية: {ال?م?ص?} وقعت في موضع واحد وهو فاتحة سورة الأعراف.

والكلمة الثالثة: {ال?م?ر} وقعت في موضع واحد وهو فاتحة سورة الرعد.

والكلمة الرابعة: {طس?م?} وقعت في موضعين وهما فاتحة سورتي الشعراء والقصص.

والكلمة الخامسة: {حم?} وقعت في سبعة مواضع على التوالي وهي الحواميم السبع التي أولها سورة غافر وآخرها سورة الأحقاف. ومد الميم في تلك المواضع السبعة عشرة من المد اللازم الحرفي المخفف بالإجماع.

وأما العين: فوقعت في موضعين وهما قوله سبحانه: {ك?هيع?ص?} فاتحة سورة مريم و {حم? * ع?س?ق?} فاتحة سورة الشورى وفي مد العين هنا خلاف بالنسبة لمقداره فقال بعضهم تمد مدًّا متوسطاً بقدر أربع حركات وقال البعض الآخر تمد مدًّا مشبعاً على غرار المد اللازم والوجهان صحيحان مقروء بهما للقراء العشرة لا فرق بين حفص عاصم وغيره غير أن الإشباع هو الأفضل والمقدم في الأداء إن قرىء بالوجهين معاً وإن قرىء بأحد الوجهين فالاقتصار على الإشباع وقد اختاره غير واحد من أئمتنا كالإمام الشاطبي وابن بري والجمزوري وخلق غيرهم.

وإذا قرىء بالإشباع فالمد من قبيل المد اللازم الحرفي المخفف عند الجميع.

وإذا قرىء بالتوسط فالمد من قبيل مد اللين الآتي ذكره.

وأما السين: فوقعت في خمسة مواضع:

أولها وثانيها: قوله تعالى: {طس?م?} فاتحة سورتي الشعراء والقصص.

وثالثها: قوله تعالى: {طس? تِلْكَ} فاتحة سورة النمل.

ورابعها: قوله تعالى: {يس?} سورة يس.

وخامسها: قوله سبحانه: {حم? * ع?س?ق?} فاتحة سورة الشورى.

ومد السين في فاتحة سورتي النمل والشورى من المد اللازم الحرفي المخفف بالإجماع ومدها في فاتحة سورة الشعراء والقصص ويس من المد اللازم الحرفي المثقل عند من أدغمها في الميم والواو ومن المخفف عند من أظهرها. وبالنسبة لحفص عن عاصم فمن المثقل في الشعراء والقصص لأنه ضمن المدغمين ومن المخفف في يس إذا قرىء له من طريق الشاطبية، وطريقها الإظهار وإذا قرىء بالإدغام في أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر فمن قبيل المد اللازم الحرفي المثقل.

أما إذا وقف على كلمة "يس" وهو جائز فالمد من قبيل اللازم المخفف بالإجماع فتأمل.

وأما اللام فوقعت في أربع كلمات في ثلاثة عشر موضعاً.

أما الكلمات الأربع: فهي {ال?م?. ال?م?ص?.ال?م?ر. ال?ر}.

فالكلمة الأولى: {ال?م?} وقعت في ستة مواضع وهي: فاتحة سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة.

والكلمة الثانية: {ال?م?ص?} وقعت في موضع واحد وهو فاتحة سورة الأعراف.

والكلمة الثالثة: {ال?م?ر} وقعت في موضع واحد وهو فاتحة سورة الرعد.

والكلمة الرابعة: {ال?ر} وقعت في خمسة مواضع وهي: فاتحة سورة سيدنا يونس وسيدنا هود وسيدنا يوسف وسيدنا إبراهيم على نبينا سيدنا محمد وعليم وعلى سائر النبيين عموماً الصلاة والسلام.

والموضع الخامس فاتحة سورة الحجر.

ومد اللام في {ال?ر} في مواضعه الخمسة من اللازم الحرفي المخفف ومدها فيما سواها من اللازم الحرفي المثقل وهذا وذاك متفق عليه بين عامة القراءة.

وأما النون: فوقعت في موضع واحد وهو قوله تعالى: {ن? وَ?لْقَلَمِ} فاتحة سورة القلم. والمد فيها من قبيل المد اللازم المثقل عند من أدغمها في واو {وَ?لْقَلَمِ} ومن قبيل المخفف عند من أظهرها عندها.

وبالنسبة لحفص عن عاصم فمن المخفف لأنه من المظهرين إذا قرىء له من طريق الشاطبية طريق العامة: وإذا قرىء له بالإدغام في أحد الوجيهن عنه من طريق الطيبة فالمد من قبيل اللازم الحرفي المثقل لأنه صار حينئذ من المدغمين فتأمل.

هذا: والقول باللازم الحرفي المخفف هنا وكذلك المثقل مشروط بوصل {ن?} بواو {وَ?لْقَلَمِ} أما إذا وقف على "ن" وهو جائز فالمد من قبيل اللازم الحرفي المخفف بالإجماع.

وأما القاف: فوقعت في موضعين:

أولهما: قوله تعالى: {حم? * ع?س?ق?} فاتحة شورة الشورى.

وثانيهما: قوله تعالى: {ق? وَ?لْقُرْآنِ ?لْمَجِيدِ} فاتحة سورة "ق" والمد في الموضعين من اللازم الحرفي المخفف بالاتفاق.

وأما الصاد: فوقعت في ثلاثة مواضع:

الأول: في قوله تعالى: {ال?م?ص?} فاتحة صورة الأعراف.

والثاني: في قوله جل شأنه: {ك?هيع?ص?} فاتحة سورة سيدتنا مريم.

والثالث: في قوله عز من قائل: {ص? وَ?لْقُرْآنِ ذِي ?لذِّكْرِ} فاتحة سورة ص ومد الصاد في فاتحة سورة الأعراف وكذلك في فاتحة سورة ص من المد اللازم الحرفي المخفف بإجماع الأئمة العشرة ومدها في فاتحة سورة سيدتنا مريم من المد اللازم الحرفي المثقل عند من أدغم الدال من "صاد" في "الذال" من "ذكر" بعدها ومن المخفف عند من أظهرها عندها وبالنسبة لحفص عن عاصم فهو من اللازم الحرفي المخفف بالاتفاق لأنه ضمن المظهرين:

هذا: والقول بالمد اللازم الحرفي المثقل هنا وكذلك المخفف شرطه وصل {ك?هيع?ص?} بكلمة "ذكر" بعدها.

أما إذا وقف على {ك?هيع?ص?} وهو جائز فالمد من اللازم الحرفي المخفف بإجماع القراء العشرة والله أعلم.

تنبيه: علم مما تقدم في شروط المد اللازم الحرفي بنوعيه أن يكون حرف المد والسكون الأصلي في حرف واحداً في الخط وثلاثة أحرف في اللفظ أوسطها حرف مد نحو {ق?} و{ن?} فخرج بذلك شيئان:

الشيء الأول: إذا كان الحرف واحد في الخط لكنه حرفان في اللفظ. وثاني الحرفين حرف مد وليس بعده ساكن نحو الطاء والهاء من {طه} فالمد فيه ليس من المد اللازم لعدم وجود الساكن الأصلي بعد حرف المد كما هو شرط اللازم كما مر وإنما هو من قبيل المد الطبيعي الحرفي وحروفه خمسة لا يتعداها وجمعها بعضهم في قوله: "حي طهر" وهي الحاء والياء ولطاء والهاء والراء. وهذه الأحرف لا توجد إلا في فواتح السور وقد تكون مع الد اللازم الحرفي نحو {يس?} وقد تكون بمفردها.

فالحاء: من قوله تعالى: {حم?} في سورها السبع المتقدمة التي أولها سورة غافر وآخرها سورة الأحقاف.

والياء: من قوله تعالى: {ك?هيع?ص?} وقوله سبحانه: {يس?}.

والطاء: من قوله تعالى: {طه} و{طس?م?} و{ طس?}.

والهاء: من قوله تعالى: {ك?هيع?ص?} وقوله سبحانه: {طه}.

والراء: من قوله تعالى: {ال?ر} في السور الخمس التي تقدمت غير مرة ومن قوله سبحانه: {ال?م?ر} فاتحة الرعد وليس غير هذه الأحرف في التنزيل.

وسمي طبيعيًّا حرفيًّا لوجود حرف المد الذي ليس بعده همز ولا سكون في حرف وهذا أحد قسمي الطبيعي. والثاني المد الطبيعي الكلمي. وقد تقدم الكلام عليهما في صدر الباب فراجعهما إن شئت والله الموفق.

الشيء الثاني: إذا كان الحرف واحداً في الخط وثلاثة أحرف في اللفظ ثالثها ساكن وليس الوسط حرف مد فلا يمد هذا الحرف أصلاً لعدم وجود حرف المد في الوسط. ووجد ذلك في حرف واحد فقط وهو ا لألف من نحو "الم" وليس غيره في حروف الهجاء فتأمل.

فائدة: علم مما تقدم أن جملة الحروف الواقعة في فواتح السور الموجود فيها المد اللازم الحرفي والطبيعي الحرفي أيضاً وكذلك الألف التي لا تمد أصلاً أربعة عشر حرفاً جمعها صاحب التحفة في قوله: "صله سحيراً من قطعك" وجمعها غيره في قوله: "طرق سمعك النصيحة" وهذه الأحرف الأربعة عشر تنقسم إلى أربعة أقسام:

الأول: ما يمد مدًّا لازماً وهو حروف "كم عسل نقص" باستثناء العين منها لما فيها من الخلاف المتقدم.

الثاني: ما يمد مدًّا لازماً في أحد القولين وهو حرف العين الواقع في فاتحة سورتي مريم والشورى وقد تقدم الكلام عليها.

الثالث: ما يمد مدًّا طبيعيًّا لعدم وجود ساكن بعد حرف المد وهو حروف "حي طهر" وهو المد الطبيعي الحرفي الذي تقدم ذكره قريباً.

الرابع: ما لا يمد أصلاً وهو الألف من نحو {ال?م?} لعدم وجود حرف مد في هجائه وإن كان ثالثه ساكناً سكوناً أصليًّا إذ لا تأثير لهذا السكون ما دام لم يسبقه حرف المد وقد تقدم قريباً التمثيل لهذه الأقسام الأربعة بما فيه الكفاية.

وقد أشار العلامة الجمزوري في تحفته إلى ما تقدم في هذا الفصل بقوله:

*والَّلازم الحرْفيُّ أول السَّوَرْ * وجُودُهُ وفي ثمان انْحصَرْ*

*يجمَعُهَا حُروف كمْ عَسَلْ نَقَصْ * وعيْنُ ذُو وجهيْن والطُّولُ أخَصَ*

*ومَا سِوَى الحَرفِ الثُّلاثي لا ألِفْ * فمدُّه مدًّا طبيعيًّا أُلِفُ*

*وذاك أيضاً في فواتحِ السُّوَرْ * في لفظ حيِّ طاهِر قدْ انْحَصَرْ*

*ويجمَعُ الفواتِحَ الأرْبَعْ عَشَرْ * صِلْهُ سُحَيْراً من قَطَعْكَ ذا اشْتَهَرْ*

فصل في بيان وجوه الوقف على المد اللازم الكلمي المتطرف

وهذا لا يكون إلا في المد اللازم الكلمي المثقل نحو {غَيْرَ مُضَآرٍّ} {وَ?لدَّوَآبُّ} فإذا وقف عليه فليس فيه إلا الوقف بالمد الطويل كالوصل عملاً بأقوى السببين وهو السكون المدغم بعد حرف المد وإلغاء للسبب الضعيف وهو سكون الوقف. ويجب التحفظ فيه لدى الوقف من أن يوقف عليه بالحركة كما يفعله بعض من لا علم عنده فإن هذا خطأ لا يجوز فعله. والصواب كما في النشر الوقف بالسكون مع التشديد على الجمع بين الساكنين إذ الجمع بينهما في الوقف مغتفر مطلقاً أهـ.

وعليه: فالوقف على المد اللازم المنصوب نحو {صَوَآفَّ} بالسكون المجرد فقط. والوقف على المجرور منه نحو {غَيْرَ مُضَآرٍّ} بالسكون المجرد ثم بالروم و الوقف على المرفوع منه نحو {وَلاَ جَآنٌّ} بالسكون المجرد ثم بالسكون مع الإشمام ثم بالروم وكل من الوقف بالسكون المجرد أو بالسكون المجرد أو بالسكون مع الإشمام أو بالروم لا يكون إلا مع المد الطويل.

ويلاحظ حذف التنوين من المنون منه حالة الوقف بالروم كحذفه حالة الوقف بالسكون كما تقدم ذلك قريباً.

وقد أشار العلامة المحقق الشيخ إبراهيم السمنودي "حفظه الله" إلى وجوه الوقف على المد اللازم المتطرف بقوله في لآلىء البيان:

*سَكَّنْهُ إنْ تَقِفْ وأشْمِمْ رَافِعاً * ورُمْهُ معْ جَرٍّ بمدٍّ مُشبعَا اهـ*

(/)

________________________________________

( المسألة الخامسة من مسائل المد الفرعي وهي مراتبة وما ينشأ عن هذه المراتب من أحكام )

الكلام على المسألة الخامسة في مراتب المد الفرعي وما يترتب عليها

تقدم أن للمد الفرعي سببين لفظيين هما: الهمز والسكون كما تقدم أن الهمز سبب لأنواع ثلاثة وهي: المد المتصل والمنفصل والبدل وأن السكون سبب لنوعين هما: المد اللازم والعارض للسكون.

وقد مر توضيح ذلك والتمثيل بما فيه الكفاية. وأسباب هذه المدود تتفاوت قوة وضعفاً فأقواها السكون الأصلي الذي هو سبب للمد اللازم ويليه الهمز الذي هو سبب المد المتصل ويليه السكون العارض في الوقف الذي هو سبب للمد العارض للسكون. ويليه الهمز الذي هو سبب المد المنفصل ويليه الهمز المتقدم على حرف المد وهو المسمى بعد البدل وهو أضعفها.

ومن ثم يعلم أن مراتب المد الفرعي خمس وهي في الترتيب كما يلي:

المد اللازم فالمتصل فالعارض للسكون فالمنفصل فالبدل. ولا يجوز بحال تقديم مرتبة منها على الأخرى أو تأخير واحدة عن مكانها.

وقد اشار إلى هذه المراتب على هذا الترتيب غير واحد من شيوخنا وإليك أخصرها لصاحب لآلىء البيان. قال:

*أقوى المدُودِ لازمٌ فما اتَّصَلْ * فعارضٌ فذُو انْفِصالٍ فبَدَلْ اهـ*

فائدة: يترتب على معرفة هذه المراتب على هذا النسق قاعدتان كليتان يحب مراعاتهما والإخلال بشيء منهما مفسد للقراءة وفيما يلي الكلام عليهما:

القاعدة الأولى: إذا اجتمع مدان مختلفان في النوع فلا يخلو حالهما من أن يكون أحدهما ضعيفاً والآخر قويًّا فإن تقدم القوي على الضعيف ساوى الضعيف القوي ونزل عنه وفي العكس يساوي القوي الضعيف ويعلو عنه وهذا هو الضابط في هذه القاعدة وإليك مثالاً من مثلها وهو تقدم المد الجائز العارض للسكون وهو القوي على المد الجائز العارض للسكون الذي سكونه العارض بعد حرف اللين فقط وهو الضعيف مثاله قوله تعالى: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُواْ لاَ ضَيْرَ} بأن وقفت على "أجمعين" وعلى "لاضير" فعلى القصر في "أجمعين" القصر في اللين "لا ضير" فقط: وعلى التوسط في "أجمعين" التوسط في اللين للتساوي ثم القصر بقدر حركتين نزولاً عن الأول لضعفه ثم المد في الأول وعليه الثلاثة في اللين فالمد للتساوي بالأول والتوسط والقصر للنزول عنه لضعفه.

وإنما لم يؤت بأقل من القصر في الثاني على قصر الأول للنزول كما هي القاعدة لأنه ليس هناك مرتبة أقل من القصر حينئذ فالمساواة هنا واجبة فتأمل.

ومثال تقدم الضعيف على القوي نحو قوله سبحانه {ذَلِكَ ?لْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)} بأن وقف على "لا ريب" وعلى "المتقين" فعلى قصر "لا ريب" المدود الثلاثة في "المقتين" فالقصر للتساوي بالأول والتوسط والمد لأنه أقوى من اللين وهذا هو المعبر عنه بالعلو. وعلى توسط "لا ريب" عليه في "المتقين" وجهان هما التوسط تساوياً بالأول والإشباع لأنه أقوى من اللين وهذا هو المعبر عنه بالعلو كما مر.

وعلى الإشباع في "لا رَيْبَ" الإشباع في "المُتَّقينَ" فقط ولا يجوز فيه التوسط ولا القصر لأنه يعتبر نزولاً عنه وهو ممنوع حينئذ بالإجماع فالأوجه ستة في كلتا الحالتين وهي لكل القراء بالإجماع وقد تقدم الكلام على ذلك مع شواهد له من المنظوم وهذا توجيهه كما وعدنا هناك فتأمله والله يرشدك ولنكتفي بهذا المثال لهذه القاعدة وإلا فهناك أمثلة لمدود أخرى تركنا ذكرها رغبة في الاختصار ومراعاة لحال المبتدئين.

القاعدة الثانية: إذا اجتمع سببان للمد الفرعي في كلمة واحدة فلا يخلو الأمر من أن يكون أحدهما ضعيفاً والآخر قويًّا وحينئذ يعمل بالسبب القوي ويلغى العمل بالسبب الضعيف وهذا أمر متفق عليه.

ومن أمثلة ذلك كلمة {آمِّينَ} فقد اجتمع فيها سببان للمد:

الأول: سبب المد البدل وهو تقدم الهمز على حرف المد.

والثاني: سبب المد اللازم وهو السكون الأصلي المدغم الواقع بعد حرف الامد وهنا يلغى الضعيف وهو المد البدل ويعمل بالقوي وهو المد اللازم وحينئذ يجب الإشباع وصلاً ووفقاً عملاً بأقوى السببين.

وكذلك كلمة {بُرَءآؤاْ} فقد اجتمع فيها سببان سبب المد البدل وهو الهمز المتقدم على حرف المد وسبب المد المتصل وهو الهمز الواقع بعد حرف المد في كلمة وهنا يلغى سبب مد البدل لضعفه ويعمل بسبب المد المتصل لقوته عملاً بأقوى السببين كذلك.

وكذلك كلمة {?لدُّعَآءِ} فقد اجتمع فيها سببان الأول سبب المد المتصل وهو الهمز الذي يعد حرف المد في كلمة والثاني السكون العارض الذي في الهمز والذي هو سبب المد العارض للسكون وهنا يلغى سبب المد العارض للسكون لضعفه فيمتنع فيه القصر ويعمل بسبب المد المتصل لقوته فتعين مده عملاً بأقوى السببن أيضاً.

ومن ذلك كلمة {صَوَآفَّ} فقد اجتمع فيها سبب المد اللازم وهو السكون الأصلي المدغم بعد حرف المد كما اجتمع فيها سبب مد العارض للسكون وهو السكون العارض في الوقف وهنا يعمل بسبب المد اللازم لقوته فيمد طويلاً ويلغى سبب المد العارض للسكون فيمتنع قصره وتوسطه عملاً بأقوى السببين أيضاً.

ومن ذلك كلمة {?لْمَآبِ} فقد اجمتع فيها سببان:

الأول: سبب مد البدل وهو الهمز المتقدم على حرف المد.

الثاني: سبب المد الجائز العارض للسكون وهو السكون العارض للوقف فيعمل بسبب المد العارض لقوته ويلغى سبب المد البدل لضعفه عملاً بأقوى السببين.

وكذلك كلمة {رَأَى أَيْدِيَهُمْ} عند الوصف فقد اجتمع هنا سببان للمد:

أحدهما: سبب المد البدل وهو تقدم الهمز على حرف المد.

وثانيهما: سبب المد المنفصل وهو الهمز الواقع بعد حرف المد في كلمة أخرى وهنا يلغى سبب المد البدل لضعفه ويعمل بسبب المد المنفصل لقوته عملاً بأقوى السببين كذلك وأما عند الوقف على "رأى" فيتعين سبب مد البدل لا غير وهكذا دواليك.

وقد أشار إلى قاعدة العمل بأقوى السببن الحافظ ابن الجزري في الطيبة بقوله:

*"... ... ... ... * وأقْوَى السَّبَبَيْن يَسْتَقِلْ"اهـ*

كما أشار إليها صاحب لآلىء البيان بقوله:

*وسَبَبا مدٍّ إذا ما وُجدَا * فإنَّ أقْوَى السَّبَبَين انْفَرَدا اهـ*

فصل في بيان مد اللين وحكمه في الوصل والوقف

تقدم في صدر الباب أن حرفي اللين هما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما نحو {?لْقَوْلَ} {وَ?لصَّيْفِ} ولهذين الحرفين حالتان:

الأولى: أن يقع بعدهما همز متصل بهما في كلمة واحدة نحو {شَيْءٍ} {سَوْءٍ}.

الثانية: ألا يقع بعدهما همز نحو {?لسَّيْرَ} {فَلاَ خَوْفٌ} {?لْمَوْتَةَ} {فَأَحْيَيْنَا}.

فأما اللذان بعدهما همز متصل بهما في كلمة واحدة نحو {سَوْءَةَ} {كَهَيْئَةِ} فقرأ ورش من طريق الأزرق فيهما بوجيهن هما التوسط والإشباع ويستوي في ذلك عنده الوصل الوقف وهنا كلام خاص لورش يطلب من مضانه في كتب الخلاف تركنا ذكره هنا طلباً للاختصار فليراجعه من شاء.

أما باقي القراء غيره ومن بينهم حفص فليس لهم فيه إلا القصر ونعني به هنا المد نوعاً ما كما تقدم وهذا في حالة الوصل أما في حالة الوقف فيدخل في حكم المد العارض للسكون ويكون لهم فيه حنيئذ القصر والتوسط والإشباع بالسكون المجرد أو بالسكون مع الإشمام أو بالروم حسب نوع العارض. ولا نغفل عن الوقف بالروم فإنه يكون على القصر الذي هو بمعنى مد ما كاحالة الوصل وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفياً باستنثاء الأزرق عن ورش كما مر وأما اللذان ليس بعدهما همز فللقراء فيهما تفصيل: حاصله أن نحو {لَوْمَةَ} {وَأَحْيَيْنَا} فيه القصر في الحالين على نحو ما مر أي بمد ما للأئمة العشرة لا فرق بين حفص وغيره وكذلك الحكم بعينه للقراء العشرة في حرفي اللين اللذين بعدهما الهمز المنفصل عنهما أي أن حرفي اللين في آخر كلمة والهمز في أول الكلمة الثانية نحو {?بْنَيْ ءَادَمَ} {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ}.

وأما نحو {لاَ خَوْفٌ} {فَلاَ فَوْتَ} فقد أجمع القراء العشرة على القصر في الوصل كما مر في غير مرة.

وأما في حالة الوقف ففيه المدود الثلاثة التي تقدم ذكرها مراراً لجميع القراء لا فرق بين حفص وغيره ويدخل حينئذ في حكم المد الجائز العارض للسكون وقد تقدم الكلام عليه مستوفياً في محله والله أعلم.

فصل في بيان حكم هاء الضمير ما ألحق بها من حيث المد والقصر

ونعني بهذا الفصل بيان حكمها عند الوصل من حيث المد والقصر لام من حيث الوقف عليها فقد تقدم الكلام عليه ولذا ختمنا بها باب المد والقصر ونرجوا الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا جميعاً بالحسنى. وأن يجعلنا من المنضويين تحت قوله سبحانه: {* لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ?لْحُسْنَى? وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـ?ئِكَ أَصْحَابُ ?لْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} إنه سميع مجيب.

هذا: وكلامنا في هاء الضمير هنا على مسألتين:

الأولى في تعريفها. والثانية في حالاتها في تلاوة القرآن الكريم.

أما تعريفها: فهي الهاء الزائدة عن بنية الكلمة الدالة على المفرد المذكر الغائب. وأصلها الضم إلا أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة مطلقاً فتكسر حنيئذ.

فقولنا: "هي الهاء الزائدة عن بنيه الكلمة" خرج به الهاء الأصلية كالهاء في نحوة {مَا نَفْقَهُ} {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ} {وَجْهُ أَبِيكُمْ} {وَ?نْهَ عَنِ ?لْمُنْكَرِ} {وَلَمَّا تَوَجَّهَ} فكل هذه الهاءات وما مائلها أصلية مقصورة في التلاوة والقصر هنا معناه حذف المد نهائيًّا كما سيأتي بيانه في التنبيهات آخر الفصل.

وقولنا "الدالة على المفرد المذكر الغائب" خرج به الدالة على الواحدة المؤنثة في نحو {مِّنْ أَهْلِهَآ} والدالة على التثنية نحو {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ} والدالة على الجمع مطلقاً نحو {عَلَيْهِمْ} {عَلَيْهِنَّ}.

وتتصل هاء الضمير بالاسم نحو {إِلَى? أَجَلِهِ} بالفعل نحو {قُلْتُهُ} {وَيُعَلِّمُهُ} {أَوْ حَرِّقُوهُ} وبالحرف نحو {إِلَيْهِ}.

وكما تسمى بهاء الضمير تسمى بهاء الكناية أيضاً لأنها يكنى بها عن المفرد المذكر الغائب.

وأما حالاتها في التلاوة فأربع يجب على القارىء معرفتها جيدًّا وهي كما يلي:

الحالة الأولى: أن تقع بين ساكنين نحو {آتَاهُ ?للَّهُ ?لْمُلْكَ} {وَآتَيْنَاهُ ?لإِنجِيلَ}.

الحالة الثانية: أن يقع قبلها محرك وبعدها ساكن نحو {لَهُ ?لْمُلْكُ وَلَهُ ?لْحَمْدُ} ولا خلاف بين القراء العشرة في قصر هذه الهاء أي عدم صلتها في هاتين الحالتين لئلا يجتمع ساكنان على غير حدهما.

الحالة الثالثة: أن تقع بين محركين نحو قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً (15)} ولا خلاف بين عامة القراء في هذه الحالة في صلة هذه الهاء بواو لفظية في الوصل إذا كانت مضمومة بعد ضم أو بعد فتح كقوله سبحانه: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وبياء لفظية في الوصل أيضاً إذا كانت مكسورة ولا يكون قبلها إلا مكسور حنيئذ نحو قوله عز من قائل: {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)}.

ويستثنى من هذه الحالة اثنتا عشرة كلمة وقعت في واحد وعشرين موضعاً من القرآن الكريم وقد وقع فيها خلاف بين القراء وهذا الخلاف دائر بين الصلة والقصر والإسكان والكلمات هي:

"بيده، يؤده، نؤته، نوله، ونصله، أرجه، ترزقانه، يأته، ويتقه، فألقه، يرضه، يره".

أما كلمة "بيده" فوقعت في أربعة مواضع: موضعان بالبقرة في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَاْ ?لَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ?لنِّكَاحِ} وقوله سبحانه: {إِلاَّ مَنِ ?غْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ} وموضع في كل من المؤمنون ويس في وقوله تعالى: {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}.

وأما كلمة "يؤده" فوقعت في موضعين بآل عمران في قوله تعالى: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} {لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}.

وأما كلمة "نؤته" فوقعت في ثلاثة مواضع منها موضعان بآل عمران في قوله تعالى: {مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ?لدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ?لآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} والثالث في سورة الشورى في قوله سبحانه: {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ?لدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}.

وأما كلمتا "نوله ونصله" فوقعتا في سورة النساء في قوله تعالى: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى? وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}.

وأما كلمة "أرجه" فوقعت في موضعين موضع بالأعراف في قوله تعالى: {قَالُو?اْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ} وموضع بالشعراء في قوله سبحانه: {قَالُو?اْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَ?بْعَثْ}.

وأما كلمة "تُرزقانه" فوقعت في موضع واحد بسورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ}.

وأما كلمة "يأته" فوقعت في سورة طه عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً}.

وأما كلمة "ويتَّقه" فوقعت في موضع واحد في سورة النور في قوله تعالى: {وَيَخْشَ ?للَّهَ وَيَتَّقْهِ}.

وأما كلمة "فألقه" فوقعت في موضع واحد في سورة النمل في قوله تعالى: {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ}.

وأما كلمة "يرضه" فوقعت في موضع واحد في الزمر في قوله تعالى: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ}.

وأما كلمة "يره" فوقعت في ثلاثة مواضع: موضع بالبلد في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} وموضعين بالزلزلة في قوله سبحانه: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)}.

ومعرفة من سكن أو وصل أو قصر هذه الهاءات من القراء العشرة تركنا ذكره هنا طلباً للاختصار ومراعاة لحال المبتدئين ومن أراد الوقوف على ذلك فلينظر كتب القراءات فهو مبسوط فيها.

وبالنسبة لرواية حفص عن عاصم فإنه وصلها بواو لفظية إذا كانت مضمومة وبياء لفظية إذا كانت مكسورة كما تقدم إلا في خمسة مواضع منها وهي "أرجه" في الموضعين "ويتَّقه" بالنور و"فألقه" بالنمل و"يرضه" بالزمر.

أما "أرجه" في الموضعين وكذلك "فألْقِهِ" فقرأ بإسكان الهاء وصلاً ووقفاً.

وأما "ويتَّقه" فقرأ بقصر الهاء لأنه يسكن القاف قبلها فخرجت بذلك عن حالة بين المحركين حسب روايته.

وأما "يرضه" فقرأ بقصر الهاء ونعني بالقصر هنا حذف حرف المد الذي هو صلة الهاء نهائيًّا كما سيأتي في التنبيهات وبهذا يكون حفص قد جمع في روايته عن عاصم بين اللغات الثلاث التي في هاء الضمير وهي الصلة والقصر والإسكان.

الحالة الرابعة: أن يقع قبلها ساكن مطلقاً وبعدها متحرك نحو {فِيهِ هُدًى} {خُذُوهُ فَ?عْتِلُوهُ} {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ} {وَلِيَرْضَوْهُ} {إِلَيْهِ أَخَاهُ} {?سْتَأْجِرْهُ}.

وهذه الحالة مختلف فيها بين القراء العشرة فابن كثير يقرأ بصلتها وصلاً بواو لفظية إذا كانت مضمومة نحو {?جْتَبَاهُ وَهَدَاهُ} {فَعَلُوهُ} وبباء لفظية في الوصل إذا كانت مكسورة نحو {لاَ رَيْبَ فِيهِ} {وَ?لَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} ووافقه حفص عن عاصم في موضع واحد في التنزيل وهو قوله تعالى: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)} بالفرقان فوصل الهاء من "فيه" بياء لفظية في الوصل وباقي القراء غير ابن كثير وحفص في موضع الفرقان وغير ابن كثير في غيرها بالقصر أي بحذف الصلة مطلقاً.

تنبيهات هامة:

التنبيه الأول: إذا وصلت الهاء بباء أو بواو فينظر إلى ما بعدها فإن كان ما بعدها همز فالصلة من قبيل المد المنفصل فيعطى حكمه حنيئذ في المد كقوله تعالى: {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)} {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} وإن كان ما بعد الصلة ليس همزاً فالصلة من قبيل المد الطبيعي كقوله تعالى: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى? وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}.

التنبيه الثاني: المراد من صلة الهاء مدها وقد يكون الد طبيعيًّا وقد يكون منفصلاً كما مر والمراد من القصر هنا حذف الصلة نهائيًّا وليس المراد منه القصر المعهود الذي هو حركتان كالطبيعي كما يتبادر لأن حذف حرف المد من معاني القصر كما مر في المعنى الاصطلاحي للقصر في صدر الباب. ووصل لهاء وقصرها على ما تقدم إنما هو في حالة الوصل فحسب.

أما في حالة الوقف فلا خلاف بين عامة القراء العشرة في أنه بالسكون وعلى هذا فمن سكن الهاء فيكون سكونه في الوصل والوقف. ومن وصلها أو قصرها فيكون في الوصل فقط فتأمل.

التنبيه الثالث: فيما يلحق بهاء الضمير: يلحق بهاء الضمير في الحكم الهاء في اسم الإشارة للمفردة المؤنثة في لفظ "هذه" في عموم القرآن الكريم فتوصل بياء لفظية في الوصل إذا وقعت بين متحركين كقوله تعالى: {وَقَالُواْ هَـ?ذِهِ أَنْعَامٌ} {هَـ?ذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا}. وتحذف صلتها وصلاً لالتقاء الساكنين إذا وقعت قبل الساكن كقوله تعالى: {عَنْ هَـ?ذِهِ ?لشَّجَرَةِ} {وَهَـ?ذِهِ ?لأَنْهَارُ} والحكم في هذه الهاء عام لجميع القراء العشرة سواء في حذف صلتها أو في إثباتها لا فرق بين حفص وغيره.

ويراعى هنا حكم الهمز الواقع بعد الصلة أيضاً كما مر في التنبيه الأول، وإنما لم توصل هذه الهاء بواو كهاء الضمير لأنها لم تقع مضمومة بحال وكذلك لم تقع ساكنة في الوصل فخالفت هاء الضمير في هاتين المسألتين.

وقد أشار إلى هذه الهاء وبين حكمها المذكور هنا الإمام أبو شامة رحمه الله في شرحه على الشاطبية في نفس الباب.

كما أشار إليها كذلك الإمام ابن بري في الدرر اللوامع بقوله رحمه الله:

*وهاءُ هذهِ كهاءِ المُضْمَر * فوَصْلُهَا قبل مُحَرَّك حَرى اهـ*

ويؤخذ من كلامه (رحمه الله) أنها إذا وقعت قبل ساكن فتحذف صلتها وهو كذلك ما أسلفنا.

وإلى هنا انتهى كلامنا على المدود ونسأل الله تعالى العون على تمام المقصود آمين.

(/)

________________________________________

 ( الباب الثاني عشر / في معرفة الوقف والابتداء والقطع والسكت )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

من مهمات المسائل في علم التجويد معرفة كل من الوقف والابتداء فإنهما من مباحثه بمكان مكين بعد معرفة مسائل المخارج والصفات. وينبغي لكل مَعْنيٍّ بتلاوة القرآن الكريم مجتهد في إيفائها حقها ومستحقها أن يقبل عليها ويصرف همته إليها إذ لا يتحقق فهم كلام الله تعالى ولا يتم إدراك معناه إلا بذلك. فربما يقف القارىء قبل تمام المعنى ولا يصل ما وقف عليه بما بعده حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده. وعندئذ لا يفهم هو ما يقول ولا يفهمه السامع بل ربما يفهم من هذا الوقف معنى آخر غير المعنى المراد. وهذا فساد عظيم وخطر جسيم لا تصح به القراءة ولا توصف به التلاوة. وقد أوجب المتقدمون من الرعيل الأول على القارىء معرفة الوقف والابتداء لما جاء في ذلك من الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين. فقد ثبت أن الإمام عليًّا رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ} فقال: الترتيل معناه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف.

وذكر الإمام أبو جعفر النحاس في كتابة "القطع والائتناف" بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال - أي ابن عمر: "لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن ولقد رأيت اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل" أهـ منه بلفظه.

وروى الحافظ ابن الجزري في النشر هذا الحديث باختلاف يسير.

قال الإمام أبو جعفر النحاس: فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون التمام كما يتعلمون القرآن. وقول ابن عمر: "لقد عشنا برهة من درهنا" يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة أهـ بلفظه.

وقال الحافظ ابن الجزري في النشر: ففي كلام علي رضي الله عنه دليل على وجوب تعلمه ومعرفته. وفي كلام ابن عمر رضي الله عنهما برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم. وصح بل وتواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين وصاحبه الإمام نافع بن أبي نعيم وأبي عمرو بن العلاء ويعقوب الحضرمي وعاصم بن أبي النجود وغيرهم من الائمة. وكلامهم في ذلك معروف ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب أهـ بلفظه.

وقد نقل الإمام القسطلاني شارح البخاري في كتابه لطائف الإشارات وصف الإمام الهذلي الوقف في كتابه الكامل فقال: "وقد قال الهذلي - مما رأيته في كامله - الوقف حلية التلاوة وزينة القارىء وبلاغ التالي وفهم للمستمع وفخر للعالم. وبه يعرف الفرق بين المعنيين والمختلفين. والنقيضين المتباينين. والحكمين المتغايرين" أهـ.

ومن ثم اعتنى بعلم الوقف والابتداء وتعلمه والعمل به المتقدمون والمتأخرون من أئمتنا فأفردوه بالتصنيف الخاص به منهم الإمام أبو بكر بن الأنباري والإمام أبو جعفر النحاس والحافظ أبو عمرو الداني والحافظ ابن الجزري وابنه العلامة الشيخ أحمد المعروف بابن الناظم وشيخ الإسلام أبو يحيى زكريا الأنصاري والعلامة المحقق الشيخ أحمد بن عبدالكريم الأشموني وخلق غير هؤلاء رحمهم الله أجمعين. ونفعنا بعلومهم آمين.

هذا: وكلامنا في هذا الباب يتم - إن شاء الله تعالى - في ثلاثة فصول وخاتمة نسأل الله تعالى حسنها، أما الفصول الثلاثة:

فأولها: في تعريف الوقف وأقسامه.

وثانيها: في تعريف الابتداء وما يلزم فيه.

وثالثها: في تعريف كل من القطع والسكت.

وأما الخاتمة ففي التنبيه على انتهاء الكلام على صفات الحروف العرضية التي أشرنا إليها في باب الصفات.

ولكل كلام خاص نوضحه فيما يلي:

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول / في تعريف الوقف وأقسامه )

أما تعريف الوقف فهو في اللغة الكفُّ والحبس. وفي الاصطلاح هو عبارة عن قطع الصوت عن أخر الكلمة زمناً يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض عنها وينبغي معه البسملة في فواتح السور ويكون على رؤوس الآي وأواسطها، ولا يكون في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسماً كالوقف على "أن" من{أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (3)}.

وأما أقسام الوقف فثلاثة: اختباري "بالباء الموحدة" واضطراري واختياري "بالياء المثناة تحت ولكل منها حد يخصه وحقيقة يتميز بها عما سواه".

أما الوقف الاختياري "بالباء الموحدة" فهو الذي يطلب من القارىء بقصد الامتحان ومتعلق هذا الوقف الرسم العثماني لبيان المقطوع والموصول والثابت والمحذوف من حروف المد والمجرور والمربوط من التاءات ويلحق بهذا الوقف وقف القارىء لإعلام غيره بكيفية الوقف على الكلمة بكونه عالماً بها من حيث القطع أو الوصل إلخ ولهذا سمي اختباريًّا.

وحكمه: الجواز بشرط أن يبتدىء الواقف بما وقف عليه ويصله بما بعده إن صلح الابتداء به وإلا فيبتدىء بما قبله مما يصلح ابتداءً.

وأما الوقف الاضطراري: فهو الذي يعرض للقارىء بسبب ضرورة ألجأته إلى الوقف كضيق النفس أو العطاس أو العيّ أو النيسان وما إلى ذلك وحينئذ يجوز له الوقف على أي كلمة كانت وإن لم يتم المعنى وبعد ذهاب هذه الضرورة التي ألجأته إلى الوقف على هذه الكلمة يبتدىء منها ويصلها بما بعدها إن صلح البدء بها وإلا فيبتدىء بما قبلها بما يصلح البدء به كما في الوقف الاختباري "بالموحدة".

وسمي اضطراريًّا للأسباب المذكورة آنفاً.

وأما الوقف الاختياري: "بالياء المثناة تحت" فهو الذي يقصده القارىء باختياره من غير عروض سبب من الأسباب المتقدمة في الوقفين الاختباري "بالموحدة" والاضطراري. وقد يبتدأ بما بعد الكلمة الموقوف عليها وقد لا يبتدأ بأن توصل بما بعدها كما سنوضحه بعد في الوقف الحسن.

وهذا الوقف هو المقصود بالذكر هنا وينقسم إلى أربعة أقسام: تام، وكاف، وحسن، وقبيح.

فإن أفادت الكلمة الموقوف عليها معنى تامًّا يحسن السكوت عليه كان الوقف تامًّا أو كافياً أو حسناً. وإن لم تفد معنى يحسن السكوت عليه كان الوقف قبيحاً ويجب على الواقف حينئذ البدء على الفور بما قبل الكلمة الموقوف عليها ووصلها بما بعدها إلى أن يصل إلى كلام تام يحسن السكوت عليه كما سنذكره بعد ويشترط للمعنى التام الذي يحسن السكوت عليه أن يكون الكلام مشتملاً على ركني الجملة من المسند والمسند إليه. وبهذا يكون الكلام تامًّا. ولتمامه حينئذ أحوال ثلاثة. وذلك لأنه إما أن يكون غير متعلق بما بعده لا لفظاً ولا معنى. وإما أن يكون متعلقاً بما بعده معنى لا لفظاً. وإما أن يكون متعلقاً بما بعده لفظاً ومعنى مع الفائدة التي بها يحسن السكوت عليه.

فالأول: هو الوقف التام.

والثاني: هو الوقف الكافي. وحكمهما جواز الوقف عليهما والابتداء بما بعدهما.

والثالث: هو الوقف الحسن. وحكمه جواز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده لتعلقه به لفظاً ومعنى. إلا إذا كان الابتداء برأس آية فإنه يجوز حينئذ لأن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقاً كما سيأتي بيانه عند تفصيل الكلام على الوقف الحسن.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية إلى أقسام الوقف الاختياري وحكمها مع التأكيد على معرفة الوقف والابتداء بقوله رحمه الله تعالى:

*وبعدَ تجويدِكَ للحروفِ * لابدَّ من معرفةِ الوقوفِ*

*والابتدا وهي تقسَمُ إذَنْ * ثلاثة تامٌ وكافٍ وحسنْ*

*وهي لما تَمَّ فإن لمْ يُوجَدِ * تَعلُّقٌ أو كان معنى فابْتَدِي*

*فالتامُ فالكافِي ولفظاً فامْنَعَنْ * إلا رؤوسَ الآي جوِّزْ فالحسَنْ*

*وغير ما تَمَّ قبيحٌ ولهُ* يوقَفُ مُضْطَرًّا ويُبْدأُ قبلَهُ اهـ*

وفيما يلي تفصيل الكلام على كل من الوقف التام والكافي والحسن والقبيح مع الأمثلة للجميع والأصل فيها من السنة فنقول وبالله التوفيق.

الكلام على الوقف التام

وهو الوقف على كلام تم معناه وليس متعلقاً بما بعده لا لفظاً ولا معنى. وأكثر ما يكون هذا الوقف في رؤوس الآي وانتهاء القصص كالوقف على قوله تعالى: {مَـ?لِكِ يَوْمِ ?لدِّينِ} والابتداء بقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وكالوقف على نحو {وَأُوْلَـ?ئِكَ هُمُ ?لْمُفْلِحُونَ} والابتداء بقوله: {إِنَّ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ}. ونحو الوقف على قوله تعالى: {إِنَّ ?لْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} والابتداء بقوله سبحانه: {وَإِلَى? عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} وذلك لأن لفظ "المفلحون" تمام الآيات المتعلقة بالمؤمنين وما بعده منفصل عنه متعلق بأحوال الكافرين وكذلك لفظ "للمتقين" تمام الآيات المتعلقة بقصة سيدنا نوح وما بعده منفصل عنه ابتداء قصة سيدنا هود على نبينا سيدنا محمد وعليهما الصلاة والسلام.

وقد يكون في وسط الآي كالوقف على لفظ "جاءني" في قوله تعالى: {لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ?لذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي} فهذا تمام حكاية قول الظالم وتمام الفاصلة ففي قول الله تعالى: {وَكَانَ ?لشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}.

وقد يكون بعد تمام الآية بكلمة كالوقف على لفظ "كذلك" "وبالليل" "وزخرفاً" من قوله تعالى: {حَتَّى? إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ?لشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى? قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً (90) كَذَلِكَ} {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ (137) وَبِ?لْلَّيْلِ} {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفاً}. فإن تمام الآية في كل "ستراً" و"مصبحين" و"يتكئون" وتمام الكلام لفظ "كذلك" "وبالليل" "وزخرفاً".

ويكون في أواخر السور وهو ظاهر.

قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "وقد يتفاضل التام في التمام نحو {مَـ?لِكِ يَوْمِ ?لدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كلاهما تام إلا أن الأول أتم من الثاني لاشتراك الثاني فيما بعده في معنى الخطاب بخلاف الأول" أ هـ.

وسمي تامًّا لتمام لفظه وانقطاع ما بعده عنه في اللفظ والمعنى.

وحكمه أنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده لما تقدم في وجه تسميته بالتام.

هذا والمراد بالتعلق المعنوي أن يتعلق المتقدم بالمتأخر من جهة المعنى لا من جهة الإعراب. والمراد اللفظي أن يتعلق المتقدم بالمتأخر من حيث الإعراب كأن يكون موصوفاً للمتأخر أويكون المتأخر معطوفاً على المتقدم أو مضافاً إليه أو خبراً له وما إلى ذلك. ويلزم من التعلق اللفظي التعلق المعنوي.

الأصل في الوقف التام من السنة المطهرة

الأصل في الوقف التام ما ذكره الحافظ ابن الجزري في كتابه التمهيد في علم التجويد بسنده المتصل إلى عبدالرحمن بن أبي بكرة قال: "اي ابن أبي بكرة": إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبة أحرف كل شاف كاف ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة او آية رحمة بآية عذاب. وفي رواية أخرى ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب بمغفرة أهـ. قال ابو عمرو هذا تعليم الوقف التام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة أو الثواب وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر العقاب. وكذلك ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار أو العقاب وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر الجنة أو الثواب أهـ منه بلفظه.

الكلام على الوقف الكافي

وهو الوقف على كلام تم معناه وتعلق بما بعده معنى لا لفظاً. ويوجد في رؤوس الآي وفي أثنائها كالوقف على نحو قوله تعالى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} {وَبِ?لآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}. {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}. {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ?لأَرْضِ خَلِيفَةً} فكل هذا كلام تام مفهوم وما بعده مستغن عما قبله في اللفظ وإن اتصل في المعنى.

قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "وقد يتفاضل - أي الوقف الكافي -" في الكفاية كتفاضل التام نحو {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} كاف {فَزَادَهُمُ ?للَّهُ مَرَضاً} أكفى منه {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} أكفى منهما أهـ منه بلفظه.

وحكمه أنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده كالوقف التام.

وسمي كافياً للاكتفاء به عما بعده لعدم تعلقه به من جهة اللفظ. وإن كان متعلقاً به من جهة المعنى.

الأصل في الوقف الكافي من السنة المطهرة

الأصل في الوقف الكافي ما ذكره الحافظ ابن الجزري في كتابه التمهيد في علم التجويد بسنده المتصل إلى أبي عمرو الداني وبسند الداني إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال "أي ابن مسعود رضي الله عنه": "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم" اقرأ علي فقلت له أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فافتتحت سورة النساء فلما بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى? هَـ?ؤُلا?ءِ شَهِيداً} قال: فرأيته وعيناه تذرفان دموعاً فقال لي: حسبك" أهـ قال الداني: فهذا دليل جواز القطع على الوقف الكافي لأن شهيداً ليس من التام وهو متعلق بما بعده معنى لأن المعنى فكيف يكون حالهم إذا كان هذا يومئذ يود الذين كفروا فما بعده متعلق بما قبله والتمام "حديثاً" لأنه انقضاء القصة وهو آخر الآية الثانية. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه دونه مع تقارب ما بينهما فدل ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الكافي أهـ منه بلفظه.

الكلام على الوقف الحسن

وهو الوقف على كلام تم معناه وتعلق بما بعده لفظاً ومعنى مع الفائدة كأن يكون اللفظ الموقوف عليه موصوفاً وما بعده صفة له أو معطوفاً وما بعده معطوفاً عليه أو مستثنى منه وما بعده مستثنى أو بدلا وما بعده مبدل منه وما إلى ذلك ويوجد في رؤوس الآي وفي أثنائها كالوقف الكافي.

وسمي حسناً لحسن الوقف عليه لأنه أفهم معنى يحسن السكوت عليه وحكمه أنه يحسن الوقف عليه. وأما الابتداء بما بعده ففيه تفصيل لأنه قد يكون في رؤوس الآي وقد يكون في غيرها.

فإن كان في غير رؤوس الآي فحكمه أنه يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به لفظاً ومعنى كالوقف على لفظ "الله" من قوله تعالى: {?لْحَمْدُ للَّهِ} فإنه كلام تام يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده. لأن ما بعده وهو قوله تعالى: {رَبِّ ?لْعَالَمِينَ} أو قوله تعالى {فَاطِرِ ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ} صفة للفظ الجلالة في الموضعين والصفة والموصوف كالشيء الواحد لا يفرق بينهما والابتداء حينئذ يكون غير حسن وفوق هذا أصبح اللفظ المبدوء به عارياً عن العوام اللفطية. والعاري عن العوامل اللفظية هو المبتدأ وحكمه الرفع بينما صار مخفوضاً. إذن فلا بد من وصل الكلمة الموقوف عليها بما بعدها في هذه الحالة وما ماثلها ليكون العامل والمعمول معاً كما هو مقرر.

وإن كان في رؤوس الآي كالوقف على لفظ "العالمين" و"الرحيم" و"العلي" في قوله تعالى: {?لْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ?لْعَالَمِينَ} {?لرَّحْمـ?نِ ?لرَّحِيمِ}. {لَهُمُ ?لدَّرَجَاتُ ?لْعُلَى?} فإنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده لأن الوقف على رؤوس الآي سنة سواء وجد تعلق لفظي أم لم يوجد وهذا هو المشهور عند جمهور العلماء وأهل الأداء والنصوص عليه متوافرة لوروده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا قرأ قطَّع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقف ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف ثم يقول: الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين". قال الحافظ ابن الجزري في النشر عقب ذكره لهذا الحديث: رواه أبو داود ساكتاً عليه والترميذي وأحمد وأبو عبيدة وغيرهم. وهذا حديث حسن صحيح وكذلك عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي سنة. وقال ابو عمرو وهو أحب إلي واختاره البيهقي في شعب الإيمان وغيره من العلماء. وقالوا الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها. قالوا: واتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أولى أهـ منه بلفظه.

هذا ونصوص العلماء في هذا الوقف كثيرة وشهيرة لا يتحملها هذا المختصر وكلها تؤيد سنية الوقف على رؤوس الآي وقد اكتفينا منها بما جاء في النشر.

وقد منع جماعة من العلماء الوقف على رؤوس الآي في مثل ما ذكرنا لتعلقها بما بعدها وحملوا ما في حديث أم سلمة رضي الله عنها على أن ما فعله صلى الله عليه وسلم إنما قصد به بيان الفواصل لا التعبد. وعلى ذلك فلا يكون الوقف على رؤوس الآي سنة عندهم إذ لا يسن إلا ما فعله صلى الله عليه وسلم تعبداً. وردَّهُ غير واحد من العلماء منهم العلامة المتولي بقوله في الروض النضير: "إنَّ من المنصوص المقرر أنَّ "كان إذا" تفيد التكرر وظاهر أن الإعلام يحصل بمرة ويبلغ الشاهد منهم الغائب فليكن الباقي تعبداً وليس كله للإعلام حتى يعترض على هؤلاء الأعلام أهـ منه بلفظه".

وهناك ردود أخرى تركنا ذكرها هنا رغبة في الاختصار.

قال الحافظ ابن الجزري في النشر وقد يكون الوقف حسناً على تقدير وكافياً على آخر وتامًّا على غيرهما نحو قوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)} يجوز أن يكون حسنا إذا جعل {?لَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ?لْغَيْبِ} نعتاً للمتقين وأن يكون كافياً إذا جعل {?لَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ?لْغَيْبِ} رفعاً بمعنى هم الذي يؤمنون بالغيب أو نصباً بتقدير أعني الذين. وأن يكون تامًّا إذا جعل {?لَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ?لْغَيْبِ} مبتدأ خبره {أُوْلَـ?ئِكَ عَلَى? هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} أهـ منه بلفظه.

الأصل في الوقف الحسن من السنة المطهرة

والأصل في الوقف الحسن الحديث المتقدم المروي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فقد ذكره الحافظ ابن الجزري في كتابه التمهيد بسنده المتصل إليها ثم قال بعد أن أورده: قالوا وهذا دليل على جواز القطع على الحسن في الفواصل لأن هذا متعلق بما قبله وما بعده لفظاً ومعنى وهذا القسم يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده إلا في رؤوس الآي فإن لك سنة أهـ منه بلفظه.

"فصل": في بيان وقف السنة الواقع جله في غير رؤوس الآي أو في بيان وقف جبريل كما سماه بعضهم.

سبق أن بينا في فصل الوقف الحسن أن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقاً سواء تعلق رأس الآية بما بعده أم لم يتعلق وقد فصلنا الكلام على ذلك أيما تفصيل وسقنا الأدلة على ذلك من الخبر المتبع والأثر الصحيح وأقوال أئمة هذا الشأن فيه وأنه مذهب الجمهور وذكرنا الاعتراض على ذلك ورددناه بما يسر الله تعالى ذكره من أقوال علماء هذا الفن مما تجده في موضعه السابق مستوفى إن شاء الله تعالى.

والآن نشرع بحول الله في بيان الوقف المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم مما أكثره ليس برأس آية ونص عليه غير واحد ممن يعتد بنقلهم من محققي علماء القراءات مع عَزْوِ ذلك إليهم ونسبته لهم فقد قيل: إن من بركة العلم نسبة القول إلى قائله.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أولاً: نقل صاحب "منار الهدى: في بيان الوقف والابتدا" عن العلامة السخاوي أن هذه الوقوف عشرة وسمى بعضها بوقف جبريل عليه السلام وإليك نص عبارته: "قال السخاوي: ينبغي للقارى أن يتعلم وقف جبريل فإنه كان يقف في سورة آل عمران عند قوله: {قُلْ صَدَقَ ?للَّهُ} ثم يبتدىء {فَ?تَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} والنبي صلى الله عليه وسلم يتبعه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف في سورة البقرة والمائدة عند قوله تعالى: {فَ?سْتَبِقُواْ ?لْخَيْرَاتِ} وكان يقف على قوله: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي? أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} وكان يقف {قُلْ هَـ?ذِهِ سَبِيلِي? أَدْعُو إِلَى? ?للَّهِ} ثم يبتدىء {عَلَى? بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ?تَّبَعَنِي} وكان يقف {كَذ?لِكَ يَضْرِبُ ?للَّهُ ?لأَمْثَالَ} ثم يبتدىء {لِلَّذِينَ ?سْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ?لْحُسْنَى?} وكان يقف {وَ?لأَنْعَامَ خَلَقَهَا} ثم يبتدىء {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} وكان يقف {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً} ثم يبتدىء {لاَّ يَسْتَوُونَ} وكان يقف {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى? (22) فَحَشَرَ} ثم يتبدىء {فَنَادَى?}وكان يقف {لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ثم يبتدىء {تَنَزَّلُ ?لْمَلاَئِكَةُ} فكان صلى الله عليه وسلم يتعمد الوقف على تلك الوقوف وغالبها ليس رأس آية وما ذلك إلا لعلم لدنِّي علمه من علمه وجهله من جهله. فاتباعه سنة في أقواله وأفعاله انتهى منه بحرفه.

ثانياً: نقل صاحب انشراح الصدور أن مواضع هذه الوقوف سبعة عشر موضعاً وفيما يلي نص عبارته.

"أعلم أن الوقوف المندوبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الوقوف عليها سبعة عشر موضعاً":

الأول والثاني: {فَ?سْتَبِقُواْ ?لْخَيْرَاتِ} بالبقرة والمائدة.

والثالث: {قُلْ صَدَقَ ?للَّهُ} بآل عمران.

والرابع: {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} بالمائدة.

والخامس: {أَنْ أَنذِرِ ?لنَّاسَ} بيونس.

والسادس: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} بها أيضاً.

والسابع: {قُلْ هَـ?ذِهِ سَبِيلِي? أَدْعُو إِلَى? ?للَّهِ} بيوسف.

والثامن: {كَذ?لِكَ يَضْرِبُ ?للَّهُ ?لأَمْثَالَ} بالرعد.

والتاسع: {وَ?لأَنْعَامَ خَلَقَهَا} ب النحل.

والعاشر: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} بها أيضاً.

والحادي عشر: {ي?بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِ?للَّهِ} بلقمان.

والثاني عشر: {كَمَن كَانَ فَاسِقاً} بالسجدة.

والثالث عشر: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ?لنَّارِ} بغافر.

والرابع عشر: {فَحَشَرَ} بالنازعات.

والخامس عشر: {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} بالقدر.

والسادس عشر: {مِّن كُلِّ أَمْرٍ} بها أيضاً.

والسابع عشر: {بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ?سْتَغْفِرْهُ} بالنصر أهـ منه بلفظه.

ثالثاً: نقل صاحب "الرحلة العياشية" أن هذه الوقوف سبعة عشر وقفاً وساقها في نظم مبارك بديع وهذا أنذا أنثر مواضع هذا النظم أولاً ثم أذْكُرُه بعد ذلك ثانياًً.

وإليك بيان مواضع هذه الوقوف حسب ترتيب هذا النظم المبارك:

الأول: قوله تعالى: {فَ?سْتَبِقُواْ ?لْخَيْرَاتِ} بالبقرة.

الثاني: قوله سبحانه: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ?للَّهُ} بالبقرة أيضاً.

الثالث: قوله عز شأنه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ?للَّهُ} بآل عمران.

الرابع: قوله عز من قائل: {فَ?سْتَبِقُواْ ?لْخَيْرَاتِ} بالمائدة.

الخامس: قوله جل وعلا: {مِنْ أَجْلِ ذ?لِكَ} بالمائدة أيضاً.

السادس: قوله سبحانه: {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} بالمائدة كذلك.

السابع والثامن: قوله تعالى: {أَنْ أَنذِرِ ?لنَّاسَ} وقوله عز شأنه: {قُلْ إِي وَرَبِّي? إِنَّهُ لَحَقٌّ} الموضعان بيونس عليه الصلة والسلام.

التاسع: قوله سبحانه: {قُلْ هَـ?ذِهِ سَبِيلِي? أَدْعُو إِلَى? ?للَّهِ} بيوسف عليه الصلاة والسلام.

العاشر: قوله تعالى: {كَذ?لِكَ يَضْرِبُ ?للَّهُ ?لأَمْثَالَ} بالرعد.

الحادي عشر: قوله تعالى: {وَ?لأَنْعَامَ خَلَقَهَا} بالنحل.

الثاني عشر: قوله سبحانه: {ي?بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِ?للَّهِ} بلقمان.

الثالث عشر: قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ?لَّذِينَ كَفَرُو?اْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ?لنَّارِ} بغافر.

الرابع عشر: قوله تعالى: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى? (22) فَحَشَرَ} بالنازعات.

الخامس عشر والسادس عشر: قوله جل وعلا: {لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وقوله عز وجل: {تَنَزَّلُ ?لْمَلاَئِكَةُ وَ?لرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4)} الموضعان بالقدر.

السابع عشر: قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ?سْتَغْفِرْهُ} بالنصر.

وإليك عبارة صاحب الرحلة العياشية مع ذكر النظم الذي تكلمنا عنه آنفاً.

قال رحمه الله تعالى فيما أنشده شيخه أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالرحمن الربيع اليمني الزبيدي: "وأنشدني أيضاً في المواضع التي ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عليها وأملاها عليَّ من حفظه ولم ينسبها":

*أيا سائِلي عن ما أتانا به الآلى * عن المصطفى من وقْفِه مسلسلا*

*ففي البكر جا الخيراتِ والثاني قُلْ بها * أتى بعدُ يعلمْهُ على الله مُسْجَلا*

*وعمرانُ إلا الله أوَّلها أتى * عقودٌ بها الخيرات قد جاء مُرسلا*

*وأيضاً بها من أجل ذلك جاءنا * وآخرها قد جا بحقِّ مرتِّلا*

*وأن أنذر الناس الذي حلَّ يونساً * وقلْ بعده فيها لحقٌّ تنزِّلا*

*إلى الله جا في يوسف وبتلوها * أتانا على الأمثال كي يتمثَّلا*

*خلقها بنحلٍ بعدَ الأنعام لفظةً * وبعد لا تشرك بلقمان أنزلا*

*وغافر فيها لفظةُ النار بعدها * حكاية حمل العرشِ في قصَّة الملا*

*وقل فحشر في النازعات وبعده * على ألف شهر جاء في القدر أوَّلا*

*ومن كلِّ أمرٍ جا بها وبنصرهم * على لفظ واستغفره تمَّت فحمدِلا أهـ*

ومن هذه النقول يتبين لك - أيها القارىء الكريم أن هذه المواضع كلها منها ما هو رأس آية - وهو القليل. ومنها ما ليس برأس آية وهو الكثير فالذي هو رأس آية قوله تعالى: {كَذ?لِكَ يَضْرِبُ ?للَّهُ ?لأَمْثَالَ} بالرعد. وقوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ?لَّذِينَ كَفَرُو?اْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ?لنَّارِ} بغافر. وقوله عز شأنه: {لَيْلَةُ ?لْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}. وقوله جل وعلا: {تَنَزَّلُ ?لْمَلاَئِكَةُ وَ?لرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} وهذا الموضعان بسورة القدر.

وقد قدمنا لك أن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقاً فيكون ذكره هنا في هذه الأوقاف من باب التأكيد عليه عند من وصل رؤوس الآي المتعلقة بما بعدها في غير هذه المواضع فليعلم ذلك. ولعل أحداً أن يقول: لقد تفاوتت مواضع هذه الأوقاف المذكورة في هذه النقول الثلاثة التي قدمنا. فهل يعتبر تفاوتها مدعاة إلى عدم التسليم ببعضها؟ والجواب عن ذلك ظاهر فإن هذه النقول وإن كان فيها تفاوت لكنه ليس تفاوت التناقض والاضطراب وإنما هو تفاوت الرواية والحفظ. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ فكل هذه النقول صحيحة، وسائر نقلتها عدول، وقد ذكر كل منهم انتهى إليه علمه بحسب التلقي والمشافهة عن شيوخه، وعليه فلا اختلاف. وهناك نقول أخرى غير هذه تركنا ذكرها هنا طلباً للاختصار والله تعالى أعلم.

الكلام على الوقف القبيح

وهو الوقف علىكلام لم يتم معناه لتعلقه بما بعده لفظاً ومعنى مع عدم الفائدة أو أفاد معنى غير مقصود أو أوهم فساد المعنى فهذه أنواع ثلاثة وإليكها مفصلة:

أما النوع الأول: فضابطه الوقف على العامل دون معمول ويشمل هذا الضابط صور شتى:

منها الوقف على المضاف دون المضاف إليه كالوقف على لفظ "بسم ومالك من نحو {بسم ?لله} و{مَـ?لِكِ يَوْمِ ?لدِّينِ} فالوقف على مثل هذا قيبح لأنه لم يعلم لأي شيء أضيف.

ومنها الوقف على المبتدأ دون خبره كالوقف على "الحمدُ" من "الحمدُ لله".

ومنها الوقف على الموصوف دون صفته كالوقف على لفظ "الصراط" من قوله تعالى: {?هْدِنَا ?لصِّرَاطَ ?لْمُسْتَقِيمَ}.

ومنها الوقف على الفعل دون فاعله كالوقف على لفظ "يتقبل" من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ?للَّهُ مِنَ ?لْمُتَّقِينَ} إلى آخر باقي المتعلقات. فكل هذا وما ماثله لا يجوز الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده لأنه لا يتم معه كلام ولا يفهم منه معنى فالوقف عليه قبيح كما أسلفنا.

وسمي قبيحاً لقبح الوقف عليه لعدم تمام الكلام وعدم فهم المعنى لما فيه من التعلق اللفظي والمعنوي معاً مع عدم الفائدة. ولا يجوز للقارىء تعمد الوقف على شيء من هذه الوقوف وما شاكلها إلا لضرورة كضيق نفس أو عطاس أو عجز أو نيسان ويسمى حنيئذ وقف الضرورة وهو مباح للقارى كما تقدم ثم بعد ذهاب هذه الضرورة التي ألجأته إلى الوقف على هذه الكلمة يبتدىء منها ويصلها بما بعدها إن صلح الابتداء بها وإلا فيبتدىء بما قبلها ممن يصلح البدء به إلى أن يصل إلى ما يجوز أن يقف عنده.

وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله المذكور آنفاً:

*وغيرْ ما تمَّ قبيحٌ ولهُ * يوقفُ مضطرًّا ويُبدأُ قبلَهُ اهـ*

وأما النوع الثاني: وهو الذي أفاد معنى غير مقصود لتوقف ما بعده عليه ليتم منه المعنى المراد فنحو الوقف على {لاَ تَقْرَبُواْ ?لصَّلاَةَ} وذلك لانه يوهم النهي عن أداء الصلاة مطلقاً وليس كذلك. وإنما المقصود من الآية الكريمة لا تقربوا الصلاة حال كونكم سكارى حتى تعلموا ما تقولون. وهذا المعنى المقصود لا يتم إلا إذا انظم إليه ما بعده. وعليه: فالوقف على {لاَ تَقْرَبُواْ ?لصَّلاَةَ} قبيح فيوصل بما بعده إلى أن يقف على قوله تعالى: {حَتَّى? تَغْتَسِلُواْ} وهو كاف.

ومنه الوقف على لفظ "بجناحيه" في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ?لأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} لأن ذلك يوهم نفي ما هو مشاهد من مخلوقات الله وهذا لا يجوز وإنما يكون الوقف على "أمثالكم" وهو كاف.

ومنه الوقف على لفظ "والظالمين" من قوله تعالى: {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَ?لظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} لأنه يوهم أن الظالمين داخلون في رحمة الله وليس كذلك بل أعد لهم العذاب الأليم فالوقف يكون على لفظ "رحمته" وهو تام.

ومنه الوقف على "والذين آمنوا" من قوله تعالى: {?لَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَ?لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ?لصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} لأنه يوهم دخول المؤمنين مع الكافرين في العذاب الشديد وليس كذلك بل أعد المغفرة والأجر الكبير للمؤمنين. أما العذاب الشديد فهو خاص بالكافرين. فالوقف يكون على قوله تعالى: "لهم عذاب شديد" وهو كاف وذلك ليفصل بين ما أعد للفريقين من جزاء. أو توصل الجملة الأولى بالثانية ويوقف على الفاصلة إن كانت هناك طاقة لدى القارىء بحيث يعطي الحروف حقها ومستحقها في التلاوة كما هو مقرر وإلا فلا.

فكل هذا وما ماثله مما هو خارج عن حكم الأول في المعنى لا يجوز الوقف عليه لما تقدم باستثناء الضرورة.

وأما النوع الثالث: وهو ما أوهم فساد المعنى وفيه سوء الأدب مع الله تبارك وتعالى وهو أقبح من القبيح فنحو الوقف على لفظ الجلالة "والله" في قوله تعالى: {فَبُهِتَ ?لَّذِي كَفَرَ وَ?للَّهُ لاَ يَهْدِي ?لْقَوْمَ ?لظَّالِمِينَ} فهذا لا يجوز بحال وإنما يجوز الوقف على لفظ "كفر" أو على لفظ "الظالمين" وهو آخر الفاصلة ومثله الوقف على لفظ "لا يستحي" في قوله تعالى: {* إِنَّ ?للَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وهذا لا يجوز بحال وإنما يكون الوقف على "فما فوقها" ولا يخفى ما في ذلك من فساد المعنى وسوء الأدب مما هو ظاهر لا يصح التفوه به. وأقبح من هذا وأشنع الوقف على المنفي الذي بعده الإيجاب وفي هذا الإيجاب وصف الله تعالى أو لرسله عليهم الصلاة والسلام وذلك نحو قوله تعالى: {فَ?عْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ ?للَّهُ} وقوله سبحانه: {وَمَا مِنْ إِلَـ?هٍ إِلاَّ ?للَّهُ}. بأن وقف على لفظ "إله" في الآيتين والقبح في هذا الوقف ظاهر لا يصح التفوه به أيضاً وإنما يكون الوقف على لفظ "وللمؤمنات" في الآية الأولى وهو تام. وعلى لفظ الجلالة في الثانية وهو كاف. ومثل ذلك الوقف على لتفظ "أرسناك" في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} فإنه يؤدي إلى نفي رسالته صلى الله عليه وسلم وإنما يكون الوقف على "للعالمين" آخر الفاصلة ومثله الوقف على لفظ "من رسول" في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ?للَّهِ}. وفي قوله سبحانه: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} فإنه يؤدي إلى نفي إرسال جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام. وإنما يكون الوقف على لفظ الجلالة في الآية الأولى وعلى لفظ "لهم" في الآية الثانية. فكل هذه الوقوف وما ماثلها يجب ألا يوقف على شىء منها لما تقدم إلا من ضرورة كما ذكرنا آنفاً. فإن وقف القاىء على شيء منها أو مما شاكلها لضرورة وجب عليه أن يبتدىء بما قبل الكلمة الموقوف عليها ويصلها بما بعدها إلى أن ينتهي إلى ما يجوز أن يقف عنده فإن لم يفعل ذلك وتعمد الوقف فقد أثم إثماً كبيراً وأخطأ خطاً فاحشاً وخرق الإجماع وحاد عن إتقان القراءة وإتمام التجويد. نسأل الله تعالى التوفيق والهداية إلى أقوم طريق.

الأصل في الوقف القبيح من السنة المطهرة

والأصل فيه ما ذكره الحافظ ابن الجزري في التمهيد بسنده المتصل إلى عدي بن حاتم قال: "أي عدي" جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد أحدهما فقال: "من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما ووقف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم أو اذهب بئس الخطيب أنت أهـ قالوا: وهذا دليل على أنه لا يجوز القطع على القبيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقامه لما وقف على المستبشع لأنه جمع بين حال من أطاع الله ورسوله ومن عصى والأولى أنه كان يقف على رشد ثم يقول: ومن يعصهما فقد غوى" انتهى. وقال أبو عمرو: ففي الخبر دليل علىكراهة القطع على المستبشع من اللفظ المتعلق بما يبين حقيقته ويدل على المراد منه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أقام الخطيب لما قطع على ما يقبح إذ جمع بقطعه بين حال من أطاع ومن عصى ولم يفصل بين ذلك وإنما كان ينبغي له أن يقف على قوله فقد رشد ثم يستأنف ومن يعصهما فقد غوى أو يصل كلامه إلى آخره. وإذا كان مثل هذا مكروهاً مستقبحاً في الكلام الجاري بين الناس فهو في كلام الله تعالى أشد كراهة وقبحاً وتجنبه أولى وأحق أهـ منه بلفظه.

تنبيهات:

الأول: ما قاله أئمتنا من أنه لا يجوز الوقف على كلمة كذا وكذا إنما يريدون بذلك الوقف الاختياري "بالياء المثناة تحت" الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة ولا يريدون به أنه حرام أو مكروه إذ ليس في القرآن الكريم وقف واجب يأثم القارىء بتركه أو حرام يأثم القارىء بفعله لأن الوصل والوقف لا يدلان على معنى حتى يختل بذهابهما وإنما يتصف الوقف بالحرمة إذا كان هناك سبب يؤدي إليها فيحرم حينئذ كأن قصد القارىء الوقف من غير ضرورة على لفظ "إله" أو على لفظ "لا يستحي" أو على لفظ "لا يهدي" في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَـ?هٍ إِلاَّ إِلَـ?هٌ وَاحِدٌ}، {وَ?للَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ?لْحَقِّ}، {وَ?للَّهُ لاَ يَهْدِي ?لْقَوْمَ ?لْفَاسِقِينَ} وما شابه ذلك مما تقدم ذكره في الوقف القبيح إذ لا يفعل ذلك مسلم قبله مطمئن بالإيمان.

وفي هذا المقام يقول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية:

*وليسَ في القرآن مِنْ وقْفٍ وجَب * ولا حرام غير ما له سَبَبْ اهـ*

التنبيه الثاني: اشتهر عند كثير من الناس أن الوقف على لفظ "للمصلين" في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) ?لَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} قبيح وحرام ولا يجوز مطلقاً وزعموا أن القارىء لو وقف على هذا اللفظ لأوهم تناول الويل كل مصلٍّ وليس كذلك وإنما الويل "وهو واد في جهنم أو وعيد شديد كما قاله المفسرون" للمصلين الموصوفين بالصفات المذكورة بعد في قوله تعالى: {?لَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} إلى آخر السورة وهذه حجتهم في منع الوقف على هذا اللفظ وحتموا الوصل بالموصولين بعد ليظهر المراد ويتم الكلام. والصواب الذي عليه الجمهور هو جواز الوقف على هذا اللفظ لأنه من رؤوس الآي والوقف على رؤوس الآي سنة لحديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وقد تقدم ذكره غير مرة وهذا كما قلت المشهور عند جمهور العلماء وأهل الأداء وإن تعلق رأس الآية بما بعدها لفظاً ومعنى كهذا الموضع كما تقدم. غير أن هذا الوقف الجائز مشروط بأن يكون القارىء مستمرًّا في قراءته إلى تمام الكلام وهو آخر السورة وبهذا حصل الغرض المطلوب وهو إيضاح المعنى المراد من الآية الكريمة لكل من القارىء والسامع وفي الوقت نفسه أتى القارىء بالوصفين المذكورين بعد "للمصلين" الذين يستحقون بهما هذا الوعيد. ويفهم من قولنا: "غير أن هذا الوقف الجائز مشروط بأن يكون القارىء مستمرًّا"...الخ بأنه لو قطع قراءته وأنهاها عند قوله: "فويل للمصلين" من غير عذر كان الوقف قبيحاً ويقال له فيه بل ويمنع منه لإيهام خلاف المعنى المراد ولعدم إتمام الكلام حنيئذ لأن إتمامه لا يتأتَّى إلا بذكر الصفتين المذكورتين بعد. ومن محاسن الوقف على رأس الآية "فويل للمصلين" هنا أنه لو وصل القارىء قوله: "فويل للمصلين" بما بعده كما قال مانعو الوقف عليه فلربما ضاف نفسه قبل الوصول إلى الوقف التام وهو آخر السورة لا سيما من كان ضيق النفس لا يستطيع أن يتكلم بكلام كثير في نفس احد وخاصة في هذا الزمن الذي عمت فيه البلوى لكثير من الناس وحنيئذ يضطر إلى أن يتنفس في القراءة وهو حرام فيها ومفسد لها أو إلى إدماج الحروف وبتر المد مما لا يتفق وقواعد التجويد المجمع عليها ويكون بذلك أتعب نفسه فوق إفساده القراءة مع أن السنة المطهرة أباحت له الوقف على رؤوس الآي مطلقاً سواء تم الكلام أم يتم كما مر، ولنا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

هذا: وقد فات مانعو تجويز الوقف على قوله: "فويل للمصلين" وتأكيدهم على وصله بما بعده أن الصفتين المذكورتين بعد من باب التوابع كما هو مقرر. وهذا المعتبر إذا لم نقل بالقطع. فإن قلنا به كما جوزه علماء العربية من كل موصول وقع صفة يحتمل أن يكون تابعاً أو مقطوعاً عن التبعية لعدم ظهور الإعراب عليه لبنائه. بل جوزوا قطع الصفة عن الموصوف في العموم سواء كان موصولاً أو غير موصول. وبناء على جواز قطع الصفة عن الموصوف نقول: إن جعلنا الموصول هنا مع صلته خبراً لمبتدأ محذوف تقديره هم الذين إلخ كان الوقف على "للمصلين" كافياً فضلاً عن كونه رأس آية. وهذا أمر لا يخفى ومثله حنيئذ مثل الوقوف على رؤوس التي بعدها موصول كهذا وما أكثرها في القرآن باستثناء سبعة مواضع منها يتعين فيها أن يكون الموصول مبتدأ كما يتعين الوقف على ماقبلها والابتداء بها وسنذكرها بعد في "فصل الابتداء" إن شاء الله تعالى.

وصفوة القول في هذه المسألة التي كثر فيها الكلام أن الوقف على قوله تعالى: "فويل للمصلين" جائز لانه رأس آية ولا قبيح فيه ولا حرمة ما دام القارىء مستمرًّا في قراءته إلى آخر السورة بخلاف ما لو قطع قراءته وأنهاها عنده فيمنع من ذلك ويكون الوقف قبيحاً إلا من عذر قهري صده عن إتمام السورة.

وأما إذا كان القارىء عنده طاقة في نفسه ولم يقف إلا في آخر السورة بشرط أن تكون القراءة سليمة موافقة لقواعد التجويد المجمع عليها فلا بأس بذلك غير أنه على خلاف ما قال به جهمور العلماء وكثير من أهل الأداء من أن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقاً كما ذكر آنفاً والله تعالى أعلى وأعلم.

وبعد أن فرغنا من كتابة هذا التنبيه ومضى عليه سنوات وجدناه منصوصاً عليه بمعناه من كلام العلامة الشيخ عبدالواحد المارغني في آخر رسالة تحرير الكلام في وقف حمزة وهاشم للعلامة المحقق الشيخ محمد بن يالوشة الشريف التونسي ولعظم فائدته آثرنا أن ننقله هنا ليفيد منه ويعتبر به قارؤنا الكريم قال عفا الله عنه.

"تنبيه": مما اشتهر عند كثير من الناس عدم الوقف علىقوله تعالى: {فويل للمصلين} حتى جرى عندهم مجرى الأمثال فيقولون في كل شيء يتوقف على ما بعده لا تقف على "فويل للمصلين" ومرادهم بذلك التحرز من استحقاق المصلين مطلقاً لهذا الوعيد فالبوقف عليه يتناول الوعيد كل المصلين وهو غير مراد وغير صواب. وإن وصل بالموصول أو الموصولين بعده ظهر المعنى ولاح المراد من الآية الكريمة إذ المراد والله أعلم أن المصلين الموصوفين بالصفتين المذكورتين يستحقون العقاب بالويل وهو واد في جهنم وقيل كلمة عذاب هذا مراد من يمنع الوقف على ذلك. والتحقيق أنه لا مانع من الوقف على مثل ذلك حيث إنه من الفواصل التي يحسن الوقف عليها حسبما مر تفصيله. والصفتان بعد المصلين مثل الصفتين بعد اسم الجلالة في الفاتحة أعني "الرحمن" و"مالك يوم الدين" وقفت السنة على ما قبلهما فكما حسن الوقف على مافي آم القرآن يحسن الوقف على مثل ذلك في غيرها ومنه هذا الذي في سورة الماعون ولا قبح في مثل هذا الوقف حيث إن الوقف على "المصلين" لا يمنع إرادة وملاحظة الصفتين بعده إذ الواقف عازم على إكمال السورة أو الآيات المتعلقة بالموضوع والسامع منتظر لباقي السورة أو الآيات فقد حصل غرض كل من التالي والسامع بإكمال الآيات المطلوبة ولو مع الأوقاف الفاصلة التي لا يقع الفصل إلا بزمن يتنفس فيه عادة نعم لو قطع القارىء قراءته عند قوله: "فويل للمصلين" لمنع إلا لعذر طارىء صده عن إتمام قراءته وهذا كله إن جعل النعتان في سورة الماعون تابعين كما هو الأصل. فإن جعلا مقطوعين كان الوقف عليه كافياً حينئذ كما لا يخفى على كل من مارس علم القراءة والعربية إذ كل موصول وقع صفة يحتمل كونه تابعاً ومقطوعاً لعدم ظهور أثر الإعراب عليه لبنائه كما نص على ذلك بعض علماء العربية: وعليه فالسنة لما وقفت على رؤوس الآي التي صفاتها المبدوء بها تابعة لموصوفاتها في الإعراب لظهور الجر عليها المختص بالإتباع دل على أولوية الوقف على ما احتمل نعته الإتباع والقطع كالموصولات إذا وقع فاصلة من الفواصل المعتبرة سنة وعرفاً ومن ذلك ما كان في سورة الماعون التي فواصلها بالياء والنون وبعضها بالواو والنون وفيها فاصلة بالياء والميم ولا جرم أن الميم كالنون في مثل ذلك لاشتراكهما في جميع الصفات المتضادة وفي صفة الغنة. ومن ثم اعتبر ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فاصلة من فواصل أم القرآن فوقف على {?لرَّحِيمِ} بعد {رَبِّ ?لْعَالَمِينَ} وقبل {مَـ?لِكِ يَوْمِ ?لدِّينِ} كما ثبت في بعض الآثار أنه وقف على {?لْمُسْتَقِيمَ} بعد {نَسْتَعِينُ} وقبل {وَلاَ ?لضَّآلِّينَ} اهـ منه بلفظه.

هذا: وقد قرأت بالوقف على رؤوس الآي في العموم كما هو السنة على جميع شيوخي في جميع إجازاتي إفراداً وجمعاً في أكثر من عشر ختمات في مختلف القراءات سبعية كانت أم عشرية. وبالوقف على رؤوس الآي مطلقاً آخذ قراءة وإقراء. فإن اتباع السنة من صدق الحب لمن سنها صلى الله عليه وسلم. والله نسأل أن يحشرنا معه في الفردوس الأعلى آمين.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني / في تعريف الابتداء وما يلزم فيه )

الابتداء في عرف القراء هو: الشروع في القراءة بعد قطع أو وقف فإذا كان بعد القطع فيتقدمه الاستعاذة ثم البسملة إذا كان الابتداء من أوائل السور. وإذا كان من أثنائها فللقارىء التخيير في الإتيان بالبسملة أوعدم الإتيان بها بعد الاستعاذة كما سيأتي بيان ذلك قريباً في بابي الاستعاذة والبسملة وكما سيأتي في تعريف القطع في الفصل التالي أيضاً.

وأما إذا كان الابتداء بعد الوقف فلا يتقدمه الاستعاذة ولا البسملة لأن القارىء في هذه الحال يعتبر مستمرًّا في قراءته وإنما وقف ليريح نفسه ثم يستأنف القراءة كما تقدم في معنى الوقف.

أما إذا كان مستمرًّا في قراءته إلى أن وصل إلى آخر السورة ثم قصد الشروع في السورة التالية فيبسمل لمن له البسملة كحفص كما هو مقرر.

هذا: ويُطلب من القارىء حال الابتداء ما يطلب منه حال الوقف فلا يكون الابتداء إلا بكلام مستقل موف بالمقصود غير مرتبط بما قبله في المعنى لكونه مختاراً فيه بخلاف الوقف فقد يكون مضطرًّا إليه وتدعوه الحاجة إلى أن يقف في موضع لا يجوز الوقف عليه كما تقدم توضيحه، وعليه: فلا يجوز أن يبتدىء بالفاعل دون فعله ولا بالوصف دون موصوفه. ولا باسم الإشارة دون المشار إليه. ولا بالخبر دون المبتدأ ولا بالحال دون صاحبها. ولا بالمعطوف عليه دون المعطوف ولا بالبدل دون المبدل منه ولا بالمضاف دون المضاف إليه. ولا بخبر كان وإن وإخواتهما دون كان وإن وأسمائهما. وهكذا إلى آخر المتعلقات. وقصارى القول أنه لا يبتدأ بالمعمول دون عامله ويستثنى من ذلك ما إذا كان الابتداء في كل ما ذكرناه برؤوس الآي فإنه يجوز حنيئذ لما تقدم. وقد أحسن الحافظ ابن الجزري حيث ذكر في النشر قاعدة فيما يبتدأ به فقال رحمه الله تعالى: "كل ما أجازوا الوقف عليه أجازوا الابتداء بما بعده" أهـ منه بلفظه.

هذا: وتتفاوت مراتب الابتداء كتفاوت مراتب الوقف في التمام والكفاية والحسن والقبح بحسب تمام الكلام وعدمه وفساد المعنى بإحالته إلى معنى غير مقصود.

فإذا كان الابتداء بكلام غير مستقل في معناه بسبب تعلقه بما قبله لفظاً ومعنى في غير رؤوس الآي كان الابتداء قبيحاً مثله مثل الوقف القبيح بل ويتفاوت في القبح كما لو وقف على لفظ الجلالة في قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ ?لْمُنَافِقُونَ وَ?لَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ?للَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} فإن ابتدأ من لفظ الجلالة كان الابتداء قبيحاً. وإن ابتدأ من "وعدنا" كان أقبح منه وإن إبتدأ من "ما وعدنا" كان أقبح منهما وقد يكون الابتداء أشد قبحاً من الوقف كما لو وقف على لفظ "قالوا" في قوله تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ ?للَّهُ قَوْلَ ?لَّذِينَ قَالُو?اْ إِنَّ ?للَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ} {لَّقَدْ كَفَرَ ?لَّذِينَ قَآلُو?اْ إِنَّ ?للَّهَ هُوَ ?لْمَسِيحُ ?بْنُ مَرْيَمَ} {لَّقَدْ كَفَرَ ?لَّذِينَ قَالُو?اْ إِنَّ ?للَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}. وابتدأ من "إن الله" في الآيات الثلاث بل يكون الوقف على لفظ "أغنياء" في الآية الأولى. وعلى لفظ "مريم" في الآية الثانية. وعلى لفظ "ثلاثة" في الآية الثالثة والابتداء يكون بما بعد هذه الألفاظ الثلاثة الموقوف عليها. ومثل ذلك لو وقف على لفظي "اليهود والنصارى" في قوله تعالى: {وَقَالَتِ ?لْيَهُودُ يَدُ ?للَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} {وَقَالَتِ ?لْيَهُودُ عُزَيْرٌ ?بْنُ ?للَّهِ وَقَالَتْ ?لنَّصَارَى ?لْمَسِيحُ ?بْنُ ?للَّهِ ذ?لِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} وابتدأ من "يد الله" في الآية الأولى و"عزير ابن" و"المسيح ابن" في الآية الثانية بل يكون الوقف على الفظ "مغلولة" في الآية الأولى. وعلى لفظ الجلالة الثاني في الآية الثانية. وكذلك لو وقف على "من خالق" في قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ?للَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ?لسَّمَآءِ وَ?لأَرْضِ لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ} وابتدأ من لفظ "غير" ومثله الوقف على "ومالي" في قوله تعالى: {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ?لَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وابتدأ من لفظ "لا أعبد" فكل هذا وما ماثله قبيح في الابتداء لما فيه من سوء الأدب من الله تبارك وتعالى وإحالة المعنى إلى معنى آخر لا يمكن التفوه به مطلقاً. فالحذر من البدء بمثل هذا ونظائره مما لم نذكره اكتفاء بذكر مثيله. وليتدبر القارىء القرآن وليع معانيه ودلالاته وليعلم أنه كلام الله. فلا يجوز أن يطوعه لهواه. وليتق الله ربه فإن تقوى الله خير زاد، وأفضل مستفاد. والله المستعان.

تنبيهان:

الأول: بخصوص الابتداء من أول بعض الأجزاء والأرباع والأحزاب.

درج كثير من القراء على التسامح في البدء من أول الأجزاء أو الأحزاب أو الأرباع التي في أثناء السور مهما كان تعلقها بما قبلها من حيث المعنى.

فأما الأجزاء المتعلقة بما قبلها في المعنى فنحو قوله تعالى: {* وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ?لْمَلا?ئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ?لْمَوْتَى? وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُو?اْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ?للَّهُ} الآية وقوله سبحانه: {* قَالَ ?لْمَلأُ ?لَّذِينَ ?سْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ي?شُعَيْبُ وَ?لَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} الآية، وقوله عز شأنه: {* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} ونظائره.

وأما الأحزاب فكقوله تعالى: {* وَإِذ نَتَقْنَا ?لْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّو?اْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} الآية، وقوله سبحانه: {* قَالُو?اْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَ?تَّبَعَكَ ?لأَرْذَلُونَ}. وقوله عز من قائل: {* فَنَبَذْنَاهُ بِ?لْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}.

وأما الأرباع فكثيرة، منها قوله تعالى: {* لَيْسُواْ سَوَآءً} وقوله تعالى: {* وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي? إِلَـ?هٌ مِّن دُونِهِ فَذ?لِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ?لظَّالِمِينَ} وقوله جل جلاله: {* وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ?لطَّرْفِ أَتْرَابٌ}. ولم أر لهم دليلاً يحسن التعلق به أو يصلح للتعويل عليه بخلاف ما تمسكوا به من أن هذه الآيات الكريمة وقعت في مستهل هذه الأجزاء أو الأحزاب أو الأرباع التي وردت فيها. وهذا غير كاف وغير شاف ومثله لا ينهض لتبرير الابتداء بهذه المواضع ونحوها ولا قطع القراءة دونها لأن هذا الابتداء يقصر عن إبلاغ المستمع معنى بيناً تامًّا لتعلق معنى الآيات بما تقدمها من سياقها الذي فصلت عنه أو بدىء به دونه. ولأن هذا القطع إنقاص لحد البلاغ الذي يشتمل عليه نص التنزيل ذو الموضوع الواحد وكلاهما تحكم في نصوص التنزيل بغير مسوغ وبغير دليل مع أن هذه الأجزاء والأحزاب والأرباع المعنية اجتهادية لا توقيفية وليس فيها خبر صحيح من حديث نبوي ولا أثر صريح عن صحابي أو تابعي وإنما هي من قبيل الاجتهاد الذي يقال فيه إن عدم المراد لا يمنع الإيراد.

ولو أن الذي يقطع قراءته دون قوله تعالى: {* وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ?لْمَلا?ئِكَةَ} الآية وقف بها عند منتهى وقوله تعالى: {* وَكَذ?لِكَ نُصَرِّفُ ?لآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فيكون استفتاحه فيما بعد إذا هو عاد إلى التلاوة أن يسهل تلاوته بقوله تعالى: {* ?تَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا? إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ?لْمُشْرِكِينَ} لكان ذلك حسناً ولكان جميلاً. ولو أنه قطعها دون ذلك عند آخر قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ ?لأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ?لأَبْصَارَ وَهُوَ ?للَّطِيفُ ?لْخَبِيرُ} ليكون استهلاله حين يعود إلى التلاوة بقوله تعالى: {قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} لكان ذلك أحسن وأجدر وأجمل وأكمل. هذا إذا أراد القارىء القطع دون قوله تعالى: {* وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ?لْمَلا?ئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ?لْمَوْتَى? وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُو?اْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ?للَّهُ وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}.

وأما إن كان يريد تجاوز هذا الموضوع فماذا عليه لو قطع قراءاته دون قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ ?للَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ?لَّذِي? أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ?لْكِتَابَ مُفَصَّلاً} الآية أو نتهى إلى هذه الآية فقطع قراءته دون قوله سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ?لسَّمِيعُ ?لْعَلِيمُ} أو قرأ هذه أيضاً ليكون استهلاله فيما بعد بقوله جل وعلا: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ?لأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ?للَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ?لظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} فكل ذلك صحيح ومليح لا خلاف على حسنه لانقطاعه عن الكلام بعد تمام معناه وبلوغه في التأثير في نفس القارىء والمستمع إلى منتهاه.

ولو أن الذي يقطع قراءته عند قوله تعالى أول الجزء التاسع: {* قَالَ ?لْمَلأُ ?لَّذِينَ ?سْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ي?شُعَيْبُ وَ?لَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ} الآية أو يفتح قراءته به قطع دون قوله سبحانه: {وَإِلَى? مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} الآية أو وصل قراءته إلى قوله تعالى في نهاية قصة سيدنا شعيب {فَكَيْفَ آسَى? عَلَى? قَوْمٍ كَافِرِينَ} لكان ذلك أقوم قيلاً وأهدى سبيلاً.

ولو أن الذي يقطع قراءته عند قوله تعالى أو الجزء السادس عشر في المصحف لكريم: {* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} أو يستفتح به القراءة قطع دون قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى? لِفَتَاهُ لا? أَبْرَحُ حَتَّى? أَبْلُغَ مَجْمَعَ ?لْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} وفي مفتتح ذكر القصة أو بلغ بقراءته إلى نهايتها فيجعل استفتاحه للتالية قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ?لْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً} لكان خيراً وأقوم وأرعى لآيات القرآن وأحكم. وبالمثل لا ينفك يراعي في الأحزاب ما راعاه في الأجزاء فلا يستفتح بقوله سبحانه: {* وَإِذ نَتَقْنَا ?لْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّو?اْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} الآية ولا يقطع دونه مباشرة بل يقطع عقب قوله تعالى: {وَ?تَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فيكون مستأنفه فيما بعد قوله تعالى: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى? أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِ?لْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أو ليتجاوز الآية الكريمة: {وَإِذ نَتَقْنَا ?لْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} إلى آخر الآية فيقف عند منتهاها فتكون بدايته من بعد بقوله عز شأنه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي? ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى? أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى? شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ?لْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـ?ذَا غَافِلِينَ} وهذا معنى مستأنف لا يتوقف فهمه على ما سبقه من الآيات ويحسن البدء به في كل الحالات.

كذلك لا يستفتح بقوله سبحانه: {قَالُو?اْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَ?تَّبَعَكَ ?لأَرْذَلُونَ} ولا يقطع دونه بل يقطع دون قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ?لْمُرْسَلِينَ} ليبدأ به إذا شرع بعد في التلاوة أو يتجاوزه إلى قوله تعالى في نهاية قصة سيدنا نوح عليه السلام: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ?لْعَزِيزُ ?لرَّحِيمُ} ليكون دوره قوله سبحانه: {كَذَّبَتْ عَادٌ ?لْمُرْسَلِينَ}.

وكذلك لا يستفتح بقوله سبحانه: {فَنَبَذْنَاهُ بِ?لْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} ولا يقطع دونه بل يقطع دون قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ?لْمُرْسَلِينَ} ليبدأ به إذا أخذ ثانية في التلاوة أو ليبلغ به إلى خاتمة قصة سيدنا يونس فلا يقطع دون أن يقرأ قوله تعالى: {فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى? حِينٍ} ليستوفي ذكر القصة في موضع واحد فتصحل بها الموعظة ويتم بها التذكير بما فيه من إنذار وتبشير.

وكذلك لا يزال القارىء الكريم لآي الذكر الحكيم يعتبر في الأرباع ما اعتبره في الأحزاب والأجزاء فلا يقطع تلاوته دون قوله تعالى: {* لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ?لْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ?للَّهِ آنَآءَ ?للَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} ليبدا به بعد ذلك فيفصله عما سبقه من كلام الله المتمم لمعناه وإنما اللائق بجلال القرآن الملائم لمعاني الفرقان أن يقطع دون قوله عز من قائل: {وَللَّهِ مَا فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ?لأَرْضِ وَإِلَى? ?للَّهِ تُرْجَعُ ?لأُمُورُ} ومن قبل ذلك أو دون قوله سبحانه: {إِنَّ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ?للَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـ?ئِكَ أَصْحَابُ ?لنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} من بعد ذلك ليبدأ من بعد بأي هذين الموضعين انتهى إليه ووقف عليه.

ويقطع تلاوته دون قوله جلا وعلا: {* وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي? إِلَـ?هٌ مِّن دُونِهِ فَذ?لِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ?لظَّالِمِينَ} مباشرة بل عليه أن يضيف هذه الآية إلى ما تقدمها فيقف عند منتهاها لا دون مبتداها كما قد يفعله الكثيرون. وإلا فعليه ألا يتجاوز قول رب العالمين {أَمِ ?تَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـ?ذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ?لْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} على رأس الآية الرابعة والعشرين ليحسن له الابتداء بما بعدها حسناً بالغاً الغاية بيقين لا تخمين في ولا تظنين.

ولا يقطع تلاوته دون قوله في محكم آي الكتاب {* وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ?لطَّرْفِ أَتْرَابٌ} وليقطع دون قول العزيز الوهاب: {هَـ?ذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} ليستهل به من بعد التلاوة قراءة حلاوة وطلاوة أو ليبلغ بتلاوته نهاية ذكر خبر أهل الجنة من سورة ص في قوله تعالى: {إِنَّ هَـ?ذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ}.

ليت قارئنا الأغر، وطالبنا الزكي الأبر يفعل ذلك... وليته إذ يقرأ القرآن الكريم العظيم الحكيم يقرؤه بتدبر في خشوع على بصيرة فيصل ما أمر الله به أن يوصل من كلماته وآياته ومبانيه ومعانيه. فإنه أجدر به وأجدى له وإنه لأعظم له في الأجر. وأرضى له في الذخر. وأطيب له في الزاد يوم النفاد ويوم المعاد... والله ولي التوفيق والهادي لأقوم طريق وبعد هذا الذي أفضنا لك فيه. ووسعناه بالتفهيم والتنبيه مما ينبغي التفطن له حال التلاوة والأداء. من عموم القراء. ندع المقام للعلامة الكبير الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي - رحمه الله - فإنه قد سبق في بيان ذلك الذي نبهنا عليه. واشار إليه فأفاد وأجاد.

قال رحمه الله تعالى في كتابه التبيان في آدب حملة القرآن ما نصه:

"فصل": ينبغي للقارىء إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدىء من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض. وأن يقف على الكلام المرتبط ولا يتقيد بالأعشار والأجزاء فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط كالجزء الذي في قوله تعالى: {* وَ?لْمُحْصَنَاتُ مِنَ ?لنِّسَآءِ} وفي قوله: {* وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِي?} وفي قوله تعالى: {* فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} وقوله تعالى: {* وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ} وفي وقوله تعالى: {* وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى? قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ?لسَّمَآءِ} وفي قوله تعالى: {* إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ?لسَّاعَةِ} وفي قوله تعالى: {* وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ}. وفي قوله تعالى: {* قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ?لْمُرْسَلُونَ}. وكذلك الأحزاب كقوله تعالى: {* وَ?ذْكُرُواْ ?للَّهَ فِي? أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}. وقوله تعالى: {* قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذ?لِكُمْ}. فكل هذا وشبهه ينبغي ألا يبتدأ به ولا يوقف عليه فإنه متعلق بما قبله ولا يغترن بكثرة الغافلين له من القراء الذين لا يراعون هذه الآداب ولا يفكرون في هذه المعاني وامتثل ما روى الحاكم أبو عبدالله بإسناده عن السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال: "لا تستوحشن طرق الهدى لقلة أهلها ولا تغترن بكثرة الهالكين ولا يضرك قلة السالكين" ولهذا المعنى قالت العلماء: "قرءاة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة". فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال. وقد روى ابن أبي داود بإسناده عن عبدالله بن الهذيل التابعي المعروف رضي الله عنه قال: "كانوا يكرهون أن يقرأوا بعض الآية ويتركوا بعضها" أهـ منه بلفظه.

فهذا الذي ذكره الإمام النووي رحمه الله تعالى مع أنه من الإيجاز بمكان إلا أنه في غاية الوضوع والبيان، وليس على القارىء إلا أن يراعي في هذه المواضع التي عددها الإمام النووي للاستشهاد مثل الذي ضربنا له الأمثال من الاعتبارات بالاستطراد. وليقس القارىء ما ذكره الإمام النووي وذكرناه على ما لم نذكره جميعاً في سائر المصحف الشريف فلا يقطع التلاوة إلا على معنى تام يحسن الاستئناف بما بعده على حدة. وليجعل رائده في كل ذلك توخي الوفاء بالمعنى المراد ما استطاع في البدء والمنتهى. فهو أحجى لأولي النهى. وإنه ليثاب على نيته هذه متى توخاه. والله يتولى الجميع بهداه ويوفقهم لما يرضاه.

التنبيه الثاني: في بياتن وجوب الابتداء بلفظ "الذي والذين" في مواضع خاصة في القرآن الكريم وكنا قد وعدنا بذكرها في فصل تعريف الابتداء وما يلزم فيه ووفاء بالوعد نقول:

قال الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن" ما نصه "قاعدة" في الذي والذين في القرآن: جميع ما في القرآن من "الذي" و"الذين" يجوز فيه الوصل بما قبله نعتاً له والقطع على أنه خبر مبتدأ إلا في سبعة مواضع فإن الابتداء بها هو المعين:

الأول: قوله: {?لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ?لْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ}.

الثاني: قوله: {?لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ?لْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}.

الثالث: في الأنعام كذلك.

الرابع: قوله: {?لَّذِينَ يَأْكُلُونَ ?لرِّبَا لاَ يَقُومُونَ}.

الخامس: قوله في سورة التوبة: {?لَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ?للَّهِ}.

السادس: قوله في سورة الفرقان: {?لَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى? وُجُوهِهِمْ}.

السابع: قوله في سورة حم المؤمن: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ?لنَّارِ (6) ?لَّذِينَ يَحْمِلُونَ ?لْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}.

وقال الزمخشري في تفسير سورة الناس: يجوز أن يقف القارىء على الموصوف ويبتدىء {?لَّذِى يُوَسْوِسُ} إن جعله على القطع بالرفع والنصب بخلاف ما إذا جعله صفة أهـ منه بلفظه.

قلت: وذكر هذه القاعدة أيضاً الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" مع ذكره لكلام الزمخشري أيضاً.

وكذلك ذكرها العلامة الأشموني في كتابه "منار الهدى: في بيان الوقف والابتدا" إلا أنه أسقط موضع سورة الأنعام وهو قوله تعالى: {?لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ?لْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ}. وهو سهو منه رحمه الله تعالى ثم قال بعد ذكر هذه المواضع... لا يجوز وصلها بما قبلها لأنه يوقع في محظور كما بين فيما تقدم أهـ منه بلفظه.

قلت: والمحضور الذي عناه العلامة الأشموني لم يبينه في المواضع كلها كما يؤخذ من عبارته بل بينه في موضعين اثنين وهما موضعا سورة التوبة وغافر على أن توضيحه للمحظور في هذين الموضعين كان توضيحاً خفيفاً مع كلمات أخرى ليست من باب "الذي" و"الذين".

وها نحن أولاء نفسر لك ما أجمله العلامة الأشموني بتوضيح المحظور الذي عناه في المواضع كلها بمشيئة الله تعالى.

أما الموضع الأول: فالكلام فيه مستأنف ولا تعلق له بما قبله لفظاً ولا معنى. إذ ما قبله جملة شرطية تم الكلام فيها بذكر جواب الشرط وذلك في قوله تعالى: {وَلَئِنِ ?تَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ?لَّذِي جَآءَكَ مِنَ ?لْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ?للَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}. والذي بعده وهو قوله تعالى: {?لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ?لْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ}. واقع موقع المبتدأ الموصوف بقوله: "يتلونه حق تلاوته" والمخبر عنه بقوله: {أُوْلَـ?ئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}. والمبتدأ إنما سمي مبتدأ لابتداء الكلام به فعدم البدء به محظور، لكنه محظور صناعي لأن مقتضى صنعة الكلام أن يبتدأ بالمبتدأ كما هو مذكور في مواضعه في كتب اللغة.

وأما المواضع الثاني: فإن الوصل فيه بجعل جملة {?لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ?لْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} صفة ل {?لظَّالِمِينَ} فاصلة الآية الكريمة {وَلَئِنْ أَتَيْتَ ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ?تَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ?لْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ?لظَّالِمِينَ (145)}. فيوهم معنىغير مراد إذ يظن منه أن الذين يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم من الذين آتاهم الله تعالى الكتاب جميعاً ظالمون وليس كذلك فقد قال القرآن الكريم: {?لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ?لْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ?لْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. فالفريق الكاتم وحده هو الفريق الظالم وما خلاه ممن عرف فلم ينكر وعلم فعمل وآمن وصدق فلا يدخل معه فيما اتصف به كما يظهر للمتأمل فتعين الاستئناف به لكون الوصل محظوراً شرعاً لإبهام معنى فاسد غير مراد.

هذا في موضع البقرة.

وأما في موضع الأنعام وهو الموضع الثالث وهو قوله سبحانه: {?لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ?لْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ}. فيتعين الاستئناف بالموصول فيه لأنه مستأنف ولأنه مفعولاً للفعل الذي تقدمه فاصلة للآية السابقة عليه التي هي قوله تعالى: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ}. من حيث إن أولئك المشركين لم يشركوا المذكورين في الآية التي بعد هذه فالمحظور هنا محظور شرعي كالذي تقدمه وصناعي ايضاً لأن الاسم الموصول واقع موضع المبتدأ فحقه الابتداء به كما تقدم.

وهذا من الوضوح بمكان.

وأما الموضع الرابع: فإن الله تبارك وتعالى يقول: {?لَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِ?للَّيْلِ وَ?لنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. في مدح الإنفاق في سبيله على الصفة التي جاء ذكرها فيه وأثنى على أهله ووعدهم عليه جزاء الحسنى، ثم إن الآية التالية للآية المتضمنة لذلك وهي قوله سبحانه: {?لَّذِينَ يَأْكُلُونَ ?لرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ?لَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ?لشَّيْطَانُ مِنَ ?لْمَسِّ}. ليست صفة للمتقدم ذكرهم في الآية السابقة، وإنما هو معنى مستأنف لحال أخرى مناقضة لحال أولئك الصلحاء الأخيار ولا تعلق لها بها إلا على أن ما فيها من الصورة الوصفية لحال المرابين ضد تزداد به الصورة الوصفية لأولئك المنفقين وضوحاً وجلاء فيظهر حسن أثر العمل الصالح وسوء أثر العمل الطالح ويكتمل فيها جانبا البلاغ من تبشير وإنذار أيما اكتمل.

والوصل موهم معنىغير مراد شرعاً للمنافاة بين البابين: أحدهما ممدوح والآخر مقدوح. فالوصل محظور شرعاً وصناعة معاً والله أعلم.

وكذا الموضع الخامس وهو بين لا يحتاج إلى تطويل لأن تعين البدء بالموصول مدرأة لفساد المعنى الناتج عن الوصل في قوله تعالى: {وَ?للَّهُ لاَ يَهْدِي ?لْقَوْمَ ?لظَّالِمِينَ (19) ?لَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ?للَّهِ}. فالوصل فيه محظور شرعاً وصناعة أيضاً لإيهامه معنى غير مراد إذ لا يصح بحال أن يوصف الظالمون بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بالمال والنفس فتأمل.

وأما الموضع السادس: فقد تم الجواب عن اعتراض الكفار: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ?لْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} كافياً شافياً بقوله تعالى جل ذكره وعز شأنه وعلت حكمته وتمت كلمته: {وَقَالَ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ?لْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِ?لْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}. ولزم الاستئناف بعد انتهاء المبني وانقضاء المعنى بالموصول الآتي بعد {?لَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى? وُجُوهِهِمْ إِلَى? جَهَنَّمَ أُوْلَـ?ئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً} لأن هذه الآية حديث آخر في معنى جديد، يذكر استهلالاً دون سبق الإشارة إليه في الآية المتقدمة قبل. فحظر الوصل هنا حظر صناعي على نحو ما سلف بيانه.

ولم يبق بعد إلا الموضع السابع موضع سورة المؤمن وهو بين لا خفاء به ولا غموض فيه. ولا يحتاج إلى طويل تفكر أو كثير تدبر. فإن الذين عناهم الله تعالى بقوله: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ?لَّذِينَ كَفَرُو?اْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ?لنَّارِ} ليسوا هم {?لَّذِينَ يَحْمِلُونَ ?لْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} الفاعل في المعنى للتسبيح والإيمان والاستغفار المذكور في قوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} وحاشا هؤلاء الملائكة البررة المقربين أن يكونوا أولئك الكفرة الفجرة المبعدين. فيلزم القطع على لفظ {?لنَّارِ} ويتعين الاستئناف بقوله سبحانه: {?لَّذِينَ يَحْمِلُونَ ?لْعَرْشَ} أما الوصل فإنه محظور شرعاً لإيهامه معنى غير صحيح وا لله تعالى أعلم.

وأما لفظ "الذي" فلم يقع إلا في موضع واحد من سورة الناس هو قوله تعالى: {?لَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ?لنَّاسِ} وقد سبق تفصيل الزمخشري فيه وهو تفصيل حسن فتأمل والله الموفق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث / في تعريف القطع والسكت )

أما القطع: فمعناه في اللغة الإبانة والإزالة تقول قطعت الشجرة إذا أبنتها وأزلتها وفي الاصطلاح قطع القراءة رأساً "أيى الانتهاء منها" والقارىء به - أي بالقطع - كالمعرض عن القراءة والمتنقل منها إلى حالة أخرى غيرها كالذي يقطع على حرب أو ورد أو في ركعة ثم يركع وما إلى ذلك مما يؤذن بانتهاء القراءة والانتقال منها إلى حالة أخرى و لا يكون إلا على رؤوس الآي لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع بخلاف الوقف فقد يكون على رؤوس الآي وعلى أثنائها كما تقدم في صدر الباب. وإذا عاد القارىء إلى القراءة بعد أن قطعها فيستحب له الإتيان بالاستعاذة ثم بالبسملة إن كان العود من أول السورة وإن كان من أثنائها فله التخيير في الإتيان بالبسملة بعد التعوذ أو عدم الإتيان بها على ما تقدم في فصل الابتداء وعلى ما سيأتي في باب البسلمة.

وأما السكت: فهو في اللغة المنع وفي الاصطلاح قطع الصوت زمناً دون زمن الوقف من غير تنفس بنية العود إلى القراءة في الحال ويكون في وسط الكلمة وفي آخرها وعند الوصل بين السورتين لمن له ذلك وليس منهم حفص عن عاصم وأكثره وقوعاً على الساكن قبل الهمز سواء كان هذا الساكن صحيحاً أو شبه الصحيح أو كان حرف مد.

فالساكن الصحيح نحو {وَبِ?لآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} وهو المعروف بسكت "أل" ونحو {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} وهو المعروف بسكت المفصول ونحو القرآن في نحو قوله تعالى: {?لرَّحْمَـ?نُ (1) عَلَّمَ ?لْقُرْآنَ}. وهو المعروف بسكت الموصول.

والساكن شبه الصحيح ما كان الساكن فيه حرف لين فقط ويشمل المفصول نحو {خَلَوْاْ إِلَى?} {?لرِّيَاحَ بُشْراً} ويشمل كذلك الموصول نحو {فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} {كَهَيْئَةِ ?لطَّيْرِ}.

والساكن حرف مد نحو {قَالُو?ا آمَنَّا}. {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ}. {لاَ يَمَسُّهُمُ ?لسُّو?ءُ} وهو المعروف "بسكت المد".

وقد سكت حفص عن عاصم وكذلك ابن ذكوان عن ابن عامر وإدريس عن خلف العاشر على الساكن قبل الهمز ما لم يكن حرف مد في أحد الوجهين عنهم من طريق طيبة النشر. وقد تقدم القول فيه لحفص من هذا الطريق كما تقدم ما يجب عليه من أحكام تراعى حال الأداء عند الكلام على إشباع المد المتصل...إلخ.

وكذلك سكت حمزة على الساكن قبل الهمز عموماً سواء كان الساكن صحيحاً أو شبهه أ وحرف مد من طريق طيبة النشر وهو المعروف "بالسكت المطلق" وهنا كلام يرجع إليه من مظانه في كتب الخلاف لحمزة وغيره تركنا ذكره هنا رغبة في الاختصار ومن أراد الوقوف عليه فليطلبه من كتبه إذ ليس محل ذكره هنا. ولكن سنتكلم على الضروري منه بالنسبة للوارد في رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية فحسب إذ هو طريق العامة فنقول وبالله التوفيق.

ورد عن حفص عن عاصم من الشاطبية أنه كان يسكت سكتة لطيفة من غير تنفس بقدر حركتين في حالة الوصل في أربعة مواضع في التنزيل بالاتفاق وهي كالآتي:

السكتة الأولى: على الألف المبدلة من التنوين في لفظ {عِوَجَا} بأول الكهف حالة الوصل ثم يقول {قَيِّماً} وهذا لا يمنع من الوقف على "عوجاً" لأنه رأس آية. وإنما السكت حالة وصل "عوجاً" بـ"قيماً" فتأمل.

السكتة الثانية: على الألف من لفظ {مَّرْقَدِنَا} بياسين ثم يقول: {هَذَا مَا وَعَدَ ?لرَّحْمـ?نُ وَصَدَقَ ?لْمُرْسَلُونَ}. ويجوز الوقف على لفظ "مرقدنا" وهو تام كما ذكره سيدي على النوري في غيث النفع وعليه فلا سكت عندئذ وعند عدم الوقف يجب السكت من الشاطبية.

السكتة الثالثة: على النون من لفظ "من" في قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} بالقيامة ثم يقول: "راق" ويلزم من السكت إظهار النون الساكنة عند الراء لأن السكت يمنع الإدغام.

السكتة الرابعة: على اللام من لفظ "بل" في قوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى? قُلُوبِهِمْ} بالمطففين ثم يقول: "ران" ويلزم من هذا السكت أيضاً إظهار اللام عند الراء لأن السكت يمنع الإدغام هنا كذلك وسَكْتُ حفص في هذه المواضع الاربعة من النوع الذي يأتي على آخر الكلمة. قال الإمام الشاطبي رضي الله عنه ونفعنا بعلومه:

*وسكْتَةُ حفصٍ دون قطعٍ لطيفةٍ * على ألِفِ التنوين في عِوَجاً بَلا*

*وفي نون مَنْ راق ومرْقَدِنا ولا * م بل ران والباقُون لا سَكْتَ مُوصَلا اهـ*

وكذلك يسكت حفص في وجه له بين السورتين من غير تنفس في موضع واحد في التنزيل وهو بين آخر سورة الآنفال وأول سورة براءة ومحله على الميم من "عليم" ثم يقول براءة: كما تقدم له في باب الإدغام السكت وعدمه على الهاء من لفظ "ماليه" في قوله تعالى: {مَآ أَغْنَى? عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} بسورة الحاقة والوجهان صحيحان مقروء بهما والسكت هو المقدم في الأداء ومجمل القول أن حفصاً عن عاصم له في القرآن الكريم ست سكتات أربع منهن لم يشاركه فيهن أحد من القراء وهن المذكورات أولاً.

والخامسة: بين آخر الأنفال وأول براءة وقد شاركه فيها باقي القراء العشرة في وجه لهم.

والسادسة: في أحد الوجهين عنه على الهاء من "مالية هلك" بالحاقة وقد شاركه فيها باقي القراء العشرة في أحد الوجهين عنهم كذلك إلا حمزة ويعقوب فتأمل.

وأما قول فضيلة الدكتور محمد سالم محيسن في كتاب الرائد في تجويد القرآن في بيان حكم السكت لحفص على آخر الكلمات الأربع الأولى "يجوز لحفص السكت بدون تنفس مقدار حركتين على الكلمات الآتية: "عوجاً" من قوله تعالى: {عِوَجَا * قَيِّماً} بسورة الكهف، "مرقدنا" من قوله تعالى: {مَّرْقَدِنَا هَذَا} بسورة يس، "من" من قوله تعالى: {مَنْ رَاقٍ} بسورة القيامة، "بل" من قوله تعالى: {بَلْ رَانَ} بسورة المطففين" أهـ فظاهر عبارته تخيير القارىء بين السكت وعدمه. وهذا إن كان من طريق طيبة النشر فصحيح لكنه لم يذكر ذلك ولم يشر إلى ما يجب عليه من وجوه الأداء وهذا منه قصور وتقصير فإن التفصيل في المسألة مشهور وحاصله أن لحفص من طريق طيبة النشر هذه خمسة مذاهب وبها نأخذ قراءة وإقراء وهي كالتالي:

الأول: السكت على الجميع.

الثاني: عدم السكت على الجميع كذلك.

الثالث: السكت على عوجاً ومرقدنا وحدهما.

الرابع: السكت على "من راق، "بل ران" دون غيرهما.

الخامس: عدم السكت على مرقدنا والسكت في غيره.

وعلى كل من هذه المذاهب الخمسة أحكام خاصة وأوجه أداء لا تنفك عنها وقد ذكرنا لك طرفاً منها عند الكلام على قصر المد المنفصل لحفص من طريق طيبة النشر في هذا الكتاب وليس هذا محل تفصيلها ولعلنا نفرد فيما بعد كتاباً لأحكام التجويد لحفص من طريق طيبة النشر فإن يسر الله ذلك تجده مستوفى فيه بما لا مزيد عليه إن شاء الله.

وأما إن كان مراد فضيلة الدكتور المذكور بقوله المتقدم أن السكت الذي تكلم عنه إنما هو من طريق الشاطبية الذي هو طريق عامة من يقرأ - فلا تخيير - وإنما يتعين السكت وجهاً واحداً على المواضع الأربعة المذكورة لمن يقرأ لحفص من هذه الطريق كما أسلفنا.

ولعلك تفهم من ذلك أن المؤلف المذكور جرى في عبارته تلك على مذهبه الذي ينتحله من إيراد الوجوه مطلقة من غير ضبط ولا تقييد. وهذا فيه ما فيه من خلط الطرق وتركيب الوجوه الذي بينا لك حكمه من قبل أنه حرام وأنه يؤدي إلى قراءة ما لم ينزل كما قاله العلامة القسطلاني شارح البخاري وقد سقنا لك عبارته آنفاً فلا تلتفت إلى قول الدكتور المذكور ولا تأبه له فإنه خلاف الصواب.

هذا: وقد ذكرنا بعض أحكام عدم السكت على هذه المواضع والوجوه المرتبة عليه في الأداء على القراءة بقصر المنفصل وإشباع المتصل لحفص من طريق طيبة النشر في باب المد والقصر من كتيبنا هذا وبالله التوفيق.

الخاتمة: نسأل الله تعالى حسنها: تقدم في أول باب الصفات أن منها صفات عرضية. وهي التي تعرض للحرف في بعض الأحوال وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب كالتفخيم والترقيق وقد تقدم توضيح ذلك بما فيه الكفاية: وعدد هذه الصفات إحدى عشرة صفة وها هي كما ذكرناها هناك: التفخيم والترقيق والإظهار والإدغام والقلب والإخفاء والمد والقصر والتحريك والسكون والسكت كما حكاه بعضهم وقد وعدنا هناك بالكلام عليها في الأبواب التي نتعرض لها في مختصرنا هذا.

والآن نلفت نظر القارىء إلى أننا قد أتممنا لكلام عليها في الأبواب السابقة التي ورد ذكرها فيها: فصفتا التفخيم والترقيق قد مضتا في باب التفخيم والترقيق. وصفة الإظهار والإدغام والإخفاء قد سبق الكلام عليها في بابي النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة وغيرهما كباب الإدغام مثلاً. وصفة القلب قد مضت في باب النون الساكنة والتنوين وصفتا المد والقصر قد تقدم الكلام عليهما في باب المد والقصر. كما تقدم الكلام على صفتي التحريك والسكون في باب الوقف والابتداء إذ الوقف لا يكون إلا بالتسكين والابتداء لا يكون إلا بالتحريك. وكذلك تم الكلام على صفة السكت في باب الوقف والابتداء أيضاً في فصل القطع والسكت. وهنا يمكن لنا أن نقول إن فن التجويد قد انحصر جله في بابي المخارج والصفات فتأمل والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

(/)

________________________________________

 ( الباب الثالث عشر/ في معرفة المقطوع والموصول )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

لما كان الوقف ينقسم أولاً إلى ثلاثة أقسام كما تقدم ذلك في بابه. وكان أحد هذه الأقسام الوقف الاختباري (بالباء الموحدة) وكان متعلق هذا الوقف الرسم العثماني كان لابد للقارئ من معرفة طرف من هذا الرسم وعلى وجه الخصوص معرفة المقطوع والموصول من الكلمات ومعرفة التاء المجرورة والمربوطة ليقف على المقطوع مقطوعاً حال انقطاع نفسه أو اختباره (بالموحدة) وعلى الموصول موصولاً عند انقضائه كذلك وعلى المرسوم بالتاء المجرورة تاء لمن له ذلك من القراء كحفص عن عاصم وعلى المربوطة بالهاء إجماعاً حسبما ورد رسمه في المصاحف العثمانية.

ولهذا فقد أمر الحافظ ابن الجزري بمعرفة ذلك في المقدمة الجزرية بقوله رحمه الله تعالى:

*واعرف لمقطوعٍ وموصولٍ وتا * في مصحف الإمام فيما قد أتى اهـ*

هذا: والمراد بالمقطوع ما كان مقطوعاً في رسم المصحف الشريف نحو "أن لن" من قوله تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} فأَنْ كلمة ولن كلمة أخرى. والمراد بالموصول ما كان موصولاً في الرسم كذلك نحو "ألن" من قوله سبحانه: {أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ(3)} فألَّن هنا كلمة واحدة وفي حالة الوقف يجب اتباع الرسم في كل من المقطوع والموصول فيوقف على كل من الكلمة الأولى والثانية في المقطوع ولا يوقف إلا على الكلمة الثانية في الموصول وجوباً للاتصال الرسمى ولا يجوز فيه الفصل إلا برواية صحيحة.

أما الكلمات المختلف فيها بين القطع والوصل مثل كلمة "بئسما" في قوله تعالى: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} فقد رسمت في بعض المصاحف مقطوعة أي (بئس) كلمة و(ما) كلمة أخرى وفي بعضها موصولة أي "بئسما" كلها كلمة واحدة فيجوز أن يوقف على كل من لكلمتين على القول بقطعهما. ويجوز أن يوقف على الكلمة الثانية منهما دون الأولى على القول بوصلهما.

هذا: ولا يجوز في الأداء تعمد الوقف على شيء مما ذكرناه ومما سنذكره بعد اختياراً "بالياء المثناة تحت" وإنما يجوز على سبيل الضرورة كضيق نفس أو عجز أو على سبيل الاختبار "بالموحدة" أو التعريف أي تعريف الكلمة بأنها مقطوعة أو موصولة أو مختلف فيها.

هذا: وكلامنا يتم في هذا الباب في فصلين إن شاءالله تعالى:

الأول: في بيان الكلمات المقطوعة والموصولة والمختلف فيها بين القطع والوصل والتى ورد ذكرها في المقدمة الجزرية للحافظ ابن الجزري.

الثاني: في بيان الكلمات المقطوعة والموصولة والمختلف فيها بين القطع والوصل من غير المقدمة الجزرية وفيما يلي الكلام على كل.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول في بيان الكلمات المقطوعة والموصولة والمختلف فيها بين القطع والوصل والتى ورد ذكرها في المقدمة الجزرية. )

وهذه الكلمات ست وعشرون كلمة. منها ما هو مقطوع بالاتفاق ومنها ما هو موصول كذلك. ومنها ما هو مختلف فيه بين القطع والوصل وسنذكر هذه الكلمات كلها حسب ترتيبها في المقدمة الجزرية ليسهل فهمها وليكون بمثابة شرح لهذا الباب فنقول وبالله التوفيق ومنه سبحانه نستمد العون والقول.

الكلمة الأولى: "أن" مفتوحة الهمزة ساكنة النون مع "لا" النافية جاءت في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام:

أولها: مقطوع بالاتفاق.

وثانيها: موصول كذلك.

وثالثها: مختلف فيه بين القطع والوصل.

ولكل كلام خاص نوضحه فيما يلي:

أما القسم الأول: فقد اتفقت المصاحف على قطع "أن" عن "لا" ويوقف على "أن" اختباراً "بالموحدة" وتدغم النون في اللام لفظاً لا خطًّا في عشرة مواضع:

الأول والثاني قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ?للَّهِ إِلاَّ ?لْحَقَّ}. وقوله سبحانه: {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ?للَّهِ إِلاَّ ?لْحَقَّ } كلاهما بالأعراف.

الثالث: قوله تعالى : {وَظَنُّو?اْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ?للَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} بسورة التوبة.

الرابع والخامس: قوله تعالى: {وَأَن لاَّ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ} وقوله سبحانه: {أَن لاَّ تَعْبُدُو?اْ إِلاَّ ?للَّهَ} الموضع الثاني بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام.

السادس: قوله تعالى: {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} بسورة الحج.

السابع: قوله تعالى: {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ?لشَّيطَانَ} بسور يس عليه الصلاة والسلام.

الثامن: قوله سبحانه: {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ?للَّهِ} بسورة الدخان.

التاسع: قوله عز شأنه: {أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِ?للَّهِ شَيْئاً} بسورة الممتحنة.

العاشر: قوله تعالى: {أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ?لْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ (24)} بسورة القلم.

أما القسم الثاني: وهو المختلف فيه بين القطع والوصل فوقع في موضع واحد وهو قوله تعالى: {فَنَادَى? فِي ?لظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـ?هَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ?لظَّالِمِينَ (87)} بسورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فرسم في أكثر المصاحف مقطوعاً وفي أقلها موصولاً. والقطع أشهر وعليه العمل.

وأما القسم الثالث: وهو الموصول بالإجماع وتدغم فيه النون في اللام لفظاً وخطًّا ففي غير مواضع القطع العشرة المتفق عليها والموضع المختلف فيه نحو قوله تعالى :{أَلاَّ تَعْبُدُو?اْ إِلاَّ ?للَّهَ} الموضع الأول بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام. وقوله سبحانه: {أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ} بسورة النمل. وقوله تعالى: {أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} بالمائدة، وقوله عز شأنه: {أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} بسورة طه صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.

الكلمة الثانية: (إن) مكسورة الهمزة ساكنة النون - وهي الشرطية مع "ما" المؤكدة جاءت في التنزيل على قسمين:

القسم الأول: وهو مقطوع بالاتفاق وذلك في موضع واحد فقط وهو قوله تعالى: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ?لَّذِي نَعِدُهُمْ} بسورة الرعد فقد اتفقت المصاحف على قطع إن عن ما في هذا الموضع ويوقف على "إن" اختباراً بالموحدة أو اضطراراً وتدغم النون في الميم لفظاً لا خطًّا.

القسم الثاني: وهو موصول باتفاق المصاحف وتدغم فيه النون خطًّا ولفظاً وهو ما سوى موضع القطع نحو قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ?لَّذِي نَعِدُهُمْ} بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام، وقوله سبحانه: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ?لَّذِي نَعِدُهُمْ } بسورة غافر جل علا، وقوله عز شأنه: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} بالأنفال وما إلى ذلك.

الكلمة الثالثة: "أما" بفتح الهمزة مشددة الميم. والمراد بها المركبة من "أم" و "ما" الاسمية وهي في القرآن قسم واحد موصول باتفاق فقد اتفقت المصاحف على وصل "أم" بـ "ما" ووقعت في أربعة مواضع في التنزيل وهي قوله تعالى: {أَمَّا ?شْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ?لأُنثَيَيْنِ} في موضعي الأنعام وقوله سبحانه: {أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}. {أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84)} الموضعان في سورة النمل. وليس منها "أما" حرف الشرط والتفصيل نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا ?لْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا ?لسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ (10)} بالضحى وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7)} بالقارعة وهو كثير في القرآن الكريم كما أنه موصول بالاتفاق في جميع المصاحف.

الكلمة الرابعة: "عن" الجارة مع "ما" الموصولة وهي في القرآن الكريم على قسمين:

القسم الأول: مقطوع بالاتفاق وذلك في موضع واحد فقط وهو قوله تعالى: {فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ} بسورة الأعراف فقط اتفقت المصاحف على قطع "عن" عن "ما" في هذا الموضع ويوقف على "عن" اختباراً "بالموحدة" أو اضطراراً وتدغم النون في الميم لفظاً لا خطًّا.

القسم الثاني: وهو موصول باتفاق المصاحف وتدغم فيه النون لفظاً وخطًّا وهو ما عدا موضع القطع المتفق عليه نحو قوله تعالى بالإسراء: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً (43)} وقوله عز شأنه: {سُبْحَانَ ?للَّهِ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)}.

وأما "عن" الجارة مع "ما" الاستفهامية محذوفة. الألف فموصولة باتفاق المصاحف وتدغم النون في الميم لفظاً وخطًّا وذلك في موضع واحد في التنزيل وهو قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1)} فاتحة سورة النبأ.

الكلمة الخامسة: "من" الجارة مع "ما" الموصولة جاءت في القرآن الكريم على أقسام ثلاثة:

أولها: مقطوع باتفاق.

وثانيها: موصول كذلك.

وثالثها: مختلف فيه بين القطع والوصل.

أما القسم الأول: فقد اتفقت المصاحف على قطع "من" عن "ما" ويوقف على "من" اختباراً بالموحدة أو اضطراراً وتدغم النون في الميم لفظاً لا خطًّا ذلك في موضعين اثنين فقط.

أولهما: قوله تعالى: {فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ?لْمُؤْمِنَاتِ} بسورة النساء.

وثانيهما: قوله تعالى: {هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} بسورة الروم.

وأما القسم الثاني: وهو المختلف فيه بين القطع والوصل فوقع في موضع واحد في التنزيل وهو قوله تعالى: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ?لْمَوْتُ} بسورة المنافقون فرسم في جل المصاحف مقطوعاً وفي أقلها موصولاً والقطع أشهر وعليه العمل.

وأما القسم الثالث: وهو الموصول بالإجماع ففي غير موضعي القطع المتفق عليهما وموضع الوصل المختلف فيه. والنون فيه مدغمة لفظاً وخطًّا نحو قوله تعالى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}. وقوله سبحانه: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} بسورة النور وما إلى ذلك.

"فائدة": إذا دخلت "من" الجارة على الاسم الظاهر فاتفقت المصاحف على قطعها عنه وتدغم النون فيه لفظاً لا خطًّا وذلك نحو قوله تعالى: {مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55)}. وقوله: {مِّن مَّالِ ?للَّهِ}. وقوله سبحانه: {مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ (8)}. وقوله عز شأنه: {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15)}.

وإذا دخلت على "من" الموصولة فاتفقت المصاحف على وصلها بها وتدغم النون في الميم لفظاً وخطًّا نحو قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ?للَّهِ}. وقوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ?للَّهِ}. وقوله عز من قائل: {وَعَلَى? أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} وما إلى ذلك.

وكذلك إذا دخلت "من" الموصولة على "ما" الاستفهامية محذوفة الألف فاتفقت المصاحف على وصلها بها وتدغم فيها النون لفظاً وخطًّا وذلك في موضع واحد في التنزيل وهو قوله سبحانه: {فَلْيَنظُرِ ?لإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)} بسورة الطارق.

وقد أشار إلى ما ذكرناه في هذه الفائدة إمامنا الشاطبي رضي الله عنه في كتابه "العقيلة" بقوله:

*ولا خُلْفَ في قطعِ منْ مع ظاهرٍ ذكَرُوا * ممنْ جميعاً فصِلْ ومِمَّ مُؤْتِمرَا اهـ*

الكلمة السادسة: "أم" مع "من" الاستفهامية جاءت في التنزيل على قسمين:

أولهما: مقطوع بالاتفاق.

وثانيهما: موصول كذلك.

أما القسم الأول: فقد اتفقت المصاحف على قطع "أم" عن "من" ويوقف على "أم" اضطراراً أو اختباراً "بالموحدة" وتدغم الميم في الميم لفظاً لا خطًّا وذلك في أربعة مواضع في التنزيل:

الأول: قوله تعالى: {أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109)} بسورة النساء.

الثاني: قوله سبحانه: {أَم مَّنْ أَسَّسَ} بسورة التوبة.

الثالث: قوله تعالى: {فَ?سْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} بسورة الصافات.

الرابع: قوله عز شأنه: {أَم مَّن يَأْتِي? آمِناً يَوْمَ ?لْقِيَامَةِ} بسورة فصلت.

وأما القسم الثاني: فقد اتفقت المصاحف على وصل "أم" بـ "من" وتدغم الميم في الميم لفظاً وخطًّا وذلك في غير مواضع القطع الأربعة السالفة الذكر نحو قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضَ} وقوله سبحانه: {أَمَّن جَعَلَ ?لأَرْضَ قَرَاراً}. وقوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ ?لْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}. وقوله تعالى: {أَمَّنْ هَـ?ذَا ?لَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} وما إلى ذلك.

الكلمة السابعة: "حيث" مع "ما" جاءت في القرآن الكريم قسماً واحداً اتفقت المصاحف فيه على قطع "حيث" عن "ما" وذلك في موضعين اثنين لا ثالث لهما في التنزيل.

والموضعان هما: قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْكِتَابَ}. وقوله سبحانه: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ} بسورة البقرة.

الكلمة الثامنة: "أن" مفتوحة الهمزة ساكنة النون وهي المخففة مع "لم" الجازمة وهذه الكلمة وردت في التنزيل قسماً واحداً اتفقت فيه عموم المصاحف على قطع "أن" عن "لم" وتدغم النون في اللام لفظاً لا خطًّا في عموم القرآن الكريم نحو قوله تعالى: {ذ?لِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ?لْقُرَى? بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)} بسورة الأنعام، وقوله: {كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ي?لَيتَنِي} بسورة النساء، وقوله عز شأنه: {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِ?لأَمْسِ} وقوله سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُو?اْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ?لنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} كلاهما بسورة يونس عليه الصلاة والسلام، وقوله سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} بسورة الأعراف، وقوله سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ}. وقوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ} والموضعان بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام.

وقوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي? أُذُنَيْهِ وَقْراً} بسورة لقمان. وقوله سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} بسورة الجاثية. وقوله عز شأنه: {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} بسورة البلد وما إلى ذلك.

إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ادعاه فضيلة الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه "الرائد" أنه ليس في القرآن كله "أن" مفتوحة والهمزة مخففة النون مقطوعة عن "لم" إلا في موضعين اثنين هما: {ذ?لِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ?لْقُرَى} بالأنعام، وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} بالبلد. كما جعل هاتين الكلمتين في جدول كتب تحته بعنوان "الشرح والتوضيح" ما يلي: (وأن: "أن" مفتوحة الهمزة مخففة النون تقطع عن "لم" في موضعين وليس في القرآن غيرهما). انتهى بلفظه فإنه تحكم بغير دليل وتخصيص بغير مخصص وكأنه تبع في ذلك جماعة من المحدثين لم يحققوا المسألة كصاحب "العقد الفريد" فإنه قال: (أن المفتوحة مع لم الجازمة فتقطع عنها في موضعين: {ذ?لِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ} في الأنعام، و{أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} في البلد). انتهى منه بلفظه وصاحب "العميد" فإنه قال: ("أن" بفتح الهمزة وسكون النون مع لم في {ذ?لِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ} بالأنعام {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} بالبلد ولا يوجد غيرهما في القرآن أهـ منه بلفظه.

وهذا الذى ذكروه خطأ واضح لا يخفى. وإلا فإن جميع من تعرض لذلك ممن كتب في التجويد والقراءات في القديم والحديث من أئمة هذا الشأن ومحققيه لم يدَّع حصر الكلمات في هذا المقام وإنما اكتفى فيها بالمثال للاستدلال دون دعوى الاستقصاء أو إبهام الإحصاء. وإليك طائفة من أقوالهم رحمهم الله تعالى:

قال الحافظ أبو عمرو الداني في المقنع "وكتب في جميع المصاحف "أن لم" بفتح الهمزة و "إن لم" بكسرها بالنون حيث وقع إلا الحرف الذى في هود وقد ذكرناه" أهـ منه بلفظه وقوله هنا "بالنون" أي بالقطع: وقوله إلا الحرف الذى في هود إلخ يريد "إن لم" بكسر الهمزة في قوله تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} فإنه موصول أي رسم بغير نون وقد ذكر هذا الموضع في فصل سابق على هذا وسنذكره بعد ذلك إن شاءالله.

وقال الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية عطفاً على القطع المتفق عليه "وأن لم المفتوح" فأطلقه ولم يخصصه وأطلقه كذلك في النشر بدون تخصيص. كما أطلقه الإمام الشاطبي رحمه الله في العقيلة وكذلك أطلقه شيخ مشايخي العلامة المتولي في كتابه "اللؤلؤ المنظوم".

وكذلك أطلقه صاحب انشراح الصدور ولم يخصصه.

وكذلك أطلقه العلامة السمنودي في "لآلئ البيان" بدون تقييد.

وكذلك الشهاب البنا في إتحاف البشر وعبارته -رحمه الله تعالى- "واتفقوا على قطع "أن" عن "لم" حيث جاء نحو {أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ?لْقُرَى} و {كَأَن لَّمْ تَغْنَ}" أهـ منه بلفظه.

وكذلك أطلقه العلامة المارغني ولم يقيده في كتابيه "النجوم الطوالع" و "دليل الحيران. شرح مورد الظمآن" كما أطلقه العلامة الخراز في "المورد" وأطلقه كذلك بدون تخصيص صاحب "كتاب إيقاظ الأعلام لوجوب اتباع رسم مصحف الإمامَ" وعبارته قريبة من عبارة الحافظ الداني في "المقنع" وقد تقدمت. كما أطلقه أيضاً أستاذنا فضيلة الشيخ عثمان سليمان مراد في كتابه "السلسبيل الشافي وعبارته "أن لم" قطعت حيث وقعت نحو {ذ?لِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ?لْقُرَى? بِظُلْمٍ} بالأنعام و {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} بالبلد و {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِ?لأَمْسِ} بيونس و {كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} بالنساء أهـ منه بلفظه.

وهنا نجد أن صاحب الإتحاف مثل موضع الأنعام وترك التمثيل لموضع البلد وزاد موضع النساء. وأن صاحب السلسبيل الشافي مثل بموضعي الأنعام والبلد وزاد موضعي يونس والنساء. وهذا دليل واضح على الإطلاق لا على التخصيص.

وفي هذا القدر كفاية من إيراد أقوال العلماء في هذه المسألة.

وقد رأيت أيها القارئ الكريم أننا ذكرنا لك توسعاً في ضرب الأمثال بقصد تقرير الاستدلال عشر آيات من التنزيل في عشرة مواضع من كلمة "أن لم" ومن يبحث في التنزيل يجد غير ذلك. وفي هذا التقييد الذى ادعوه خطر جسيم يترتب عليه فساد عظيم. فإن ادعاء انحصار مواضع قطع "أن" المفتوح الهمز المخفف النون عن "لم" في الموضعين اللذين ذكروهما يفوِّت على القارئ إذا قرأ لحفص عاصم أو لغيره ممن يقرؤون بالغنة في اللام والراء عن طريق طيبة النشر عند إدغام النون الساكنة فيهما كما هنا لا سيما إذا كانت قراءتهم على مذهب من يرون الغنة في اللام عندما تدغم فيها النون الساكنة خاصة بالمقطوع كهذه المواضع وهذا هو المذهب المشهور. أقول يُفوِّت على القارئ أوجهاً كثيرة من أوجه التلاوة المتواترة إذ يحسب سائر المواضع غير الموضعين اللذين ذكرهما أولئك من المواضع الموصولة فلا يقرأ بالغنة فيها عند الإدغام. وقد تكون الغنة واجبة في التلاوة فيترتب على هذا الكذب في الرواية بقراءة ما لم ينزل وذهاب بعض المتواتر من حروف القرآن وضياعه على الناس فيكون من وسائل تعجيل رفع بعض أوجه القرآن وذهاب العلم وانمحاق البركة من دنيا الناس فإلى الله المشتكى. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتفاقم خطره ويتفشى ضرره إذ يوهم طلاب العلم والعام إلى أنه لا يجوز الوقف على "أن" المفتوح الهمز المخفف النون المقطوع دون "لم" اضطراراً أو اختباراً "بالموحدة" إلا في الموضعين اللذين ذكروهما فيقع عامة من يعتمد على أي من هذه الكتب في الخطأ والمحذور وتعظم آثار ذلك إذا كان الطالب في مثل حال الامتحان الذي يكرم المرء فيه أو يهان فلا حول ولا قوة إلا بالله.

الكلمة التاسعة: "إن" مكسورة الهمزة مشددة النون مع "ما" الموصولة وهذه الكلمة وردت في التنزيل على ثلاثة أقسام:

أولها: مقطوع بالإجماع.

وثانيها: مختلف فيه بين القطع والوصل.

وثالثها: موصول بلا خلاف وإليك تفصيل الكلام على هذه الأقسام الثلاثة.

أما القسم الأول: فقد اتفقت المصاحف فيه على قطع "إن" عن "ما" في موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ} بسورة الأنعام.

وأما القسم الثاني: وهو المختلف فيه فقد رسم في بعض المصاحف مقطوعاً وفي بعضها موصولاً أي وصل "أن" بـ "ما" وهذا في موضع واحد في التنزيل وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا عِنْدَ ?للَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)} بسورة النحل والوصل هو الأشهر وعليه العمل.

وأما القسم الثالث: فقد اتفقت المصاحف فيه على وصله وذلك في غير موضع القطع المتفق فيه على قطعه وغير الموضع المختلف فيه نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ?لأَلْبَابِ (19)} بسورة الرعد وقوله سبحانه: {إِنَّمَا ?للَّهُ إِلَـ?هٌ وَاحِدٌ} في كل من سورة النساء والنحل وما إلى ذلك.

الكلمة العاشرة: "أن" مفتوحة الهمزة مشددة النون مع "ما" الموصولة أيضاً وقد جاء ذكرها في التنزيل على ثلاثة أقسام: مقطوعة باتفاق وموصولة كذلك ومختلف فيها بين القطع والوصل.

أما القسم الأول: فقد أجمعت المصاحف فيه على قطع "أن" عن "ما" وثبت هذا في موضعين اثنين فقط.

أولهما: بسورة الحج في قوله تعالى: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ?لْبَاطِلُ}.

وثانيهما: بسورة لقمان في قوله سبحانه: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ?لْبَاطِلُ}.

وأما القسم الثاني: فقد اختلف فيه المصاحف فرسم في بعضها مقطوعاً وفي بعضها موصولاً وذلك في موضع واحد في التنزيل في سورة الأنفال في قوله تعالى: {وَ?عْلَمُو?ا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} والأشهر هو الوصل وعليه العمل.

وأما القسم الثالث: فقد أجمعت المصاحف فيه على وصل "أن" بـ "ما" وذلك في غير موضعي القطع المتفق عليهما وغير الموضع المختلف فيه نحو قوله تعالى: {فَ?عْلَمُو?اْ أَنَّمَا عَلَى? رَسُولِنَا ?لْبَلاَغُ ?لْمُبِينُ (92)} بسورة المائدة، وقوله تعالى: {?عْلَمُو?اْ أَنَّمَا ?لْحَيَاةُ ?لدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} بسورة الحديد وما إلى ذلك.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري -رحمه الله تعالى- إلى هذه الكلمات العشر في المقدمة الجزرية بقوله:

*فاقطع بعشْر كلمات أن لاَّ * مع ملجأ ولا إله إلاَّ*

*وتعبدوا ياسين ثاني هودَ لا * يشركْنَ تُشْرك يدخُلَنْ تعلُوا على*

*أن لا يقولُوا لا أقُولَ إنْ ما * بالرعدِ والمفتوحَ صلْ وعنْ ما*

*نهو اقطعوا منْ ما برومٍ والنِّسَا * خُلفُ المنافقين أمْ منْ أسَّسا*

*فُصِّلتِ النِّسَا وذبح حيثُ ما * وأن لَّّم المفتوح كسرٌ إنَّ ما*

*الأنعامِ والمفتوحِ يدعونَ معَا * وخُلْفُ الأنفال ونحْلٍ وقَعَا اهـ*

الكلمة الحادية عشرة: "كل" مع "ما" وهي في القرآن الكريم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مقطوع بالاتفاق وجاء في موضع واحد في التنزيل في سورة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} فقد أجمعت المصاحف في هذا الموضع على قطع "كل" عن "ما".

القسم الثاني: مختلف فيه بين القطع والوصل فقد رسم في بعض المصاحف مقطوعاً وفي بعضها موصولاً وذلك في أربعة مواضع في التنزيل:

الأول: قوله تعالى: {كُلَّ مَا رُدُّو?اْ إِلَى ?لْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا} بسورة النساء.

الثاني: قوله سبحانه: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} بسورة الأعراف.

الثالث: قوله عز شأنه: {كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا} بسورة المؤمنون.

الرابع: قوله عز من قائل: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} بسورة الملك.

هذا: ولم يتعرض الحافظ ابن الجزري في مقدمته إلى هذه المواضع المختلف فيها إلا لموضع النساء فقط وتعرض لها في النشر كما تعرض لها شارحوا المقدمة وغيرهم. وقد نظمها العلامة ملا علي القاري في شرحه على المقدمة فقال رحمه الله تعالى:

* وجاءَ أُمَّةً وأُلْقيَ دخَلَتْ * في وصلها وقطعِهَا اخْتَلَفَتْ اهـ*

القسم الثالث: موصول بالإجماع - أي وصل "كل" بـ "ما" وذلك في غير موضع القطع المتفق عليه وفي غير المواضع الأربعة المختلف فيها بين القطع والوصل نحو قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ} بسورة البقرة، وقوله سبحانه: {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً} بسورة البقرة أيضاً، وقوله تعالى: {كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ?للَّهُ} بسورة المائدة وما إلى ذلك.

تنبيهات:

الأول: بالنسبة للخلاف الذي في المواضع الأربعة في كلمة "كلما" قد اختلف في الأشهر فيها هل الوصل أو القطع؟ أو هما مستويان؟ أقوال:

منها: أن الوصل هو المشهور فيها ذكر ذلك الحافظ ابن الجزري في النشر.

ومنها: أن الوصل والقطع يستويان: جاء ذلك في "العقيلة" للإمام الشاطبي وإتحاف فضلاء البشر للشهاب البنا. وكتاب نهاية القول المفيد والعقد الفريد الكبير والسلسبيل الشافي وبعض شراح المقدمة الجزرية كشرح شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري وشرح الشريف بن يالوشة.

ومنها: أن المعمول به هو القطع في موضع النساء والمؤمنون. وأن الوصل هو المعمول به في موضع الأعراف والملك. ذكر ذلك العلامة المارغني التونسي في كتابيه "النجوم الطوالع" و "دليل الحيران شرح موارد الضمآن" وذكر ذلك أيضا العلامة المحقق الشيخ علي محمد الضباع في كتابه "سمير الطالبين" والذي أميل إليه من هذه الأقوال كلها ما قاله العلامة المارغني والأستاذ الضباع. وعليه رسم المصحف المصري المعروف بمصحف الأزهر الشريف وغيره.

التنبيه الثاني: قال ملا علي القاري في شرحه على المقدمة الجزرية بعد أن انتهى من شرح كلام الناظم لكلمة "كلما": (وكذا) وقع الخلاف في {كُلَّما دخلتْ أُمَّةٌ} بالأعراف و{كلَّ ما جاءَ أُمَّةً} بالمؤمنون، و {كُلَّما أُلقي فيها فَوْجٌ} بالملك كما نص أبو عمرو الداني في المقنع على الخلاف في هذه الثلاثة ففي هذا قصور من الناظم للكلام عن مقام المرام حتى قال ابن المصنف وعبارة الناظم لا تفهم الخلاف إلى هذه الثلاثة. وأما قول الرومي ولعله سكت عنها اكتفاء بذكر واحد منها ولاشتهار ما عداه عندهم فعذر بارد وعن خطور الفهم شارد أهـ.

أقول والجواب عن جميع ما ذكره:

أولاً: أما قوله كما نص أبو عمرو الداني في المقنع على الخلاف في هذه الثلاثة. فإن أبا عمرو لم ينص عليها ألبتة وإنما تركها على أنها موصولة وعبارته في المقنع: (قال محمد "كل ما" مقطوع؛ حرفان: في النساء {كُلَّ مَا رُدُّوا إلى الفِتْنَةٍ} وفي إبراهيم {مِنْ كُلِّ ما سَألْتُموهُ} قال ومنهم من يصل التى في النساء) أهـ منه بلفظه.

وعليه: فيؤخذ من كلام المقنع أن "كل ما" التى في إبراهيم مقطوعة بالاتفاق وأن "كل ما" التي في النساء فيها الخلاف. وأن المواضع الثلاثة التي نسب ملا علي القاري فيها الخلاف إلى الداني هي عند الداني ضمن المواضع الأخرى الموصولة ويعلم هذا من السكوت عليها كما هو مقرر عند علماء الفن.

وعليه: فلا قصور عند الناظم بحال فإنه تبع في ذلك الحافظ أبا عمرو الداني الذي نص في المقنع على أن المقطوع بالاتفاق موضع إبراهيم والمختلف فيه موضع النساء فحسب كما تقدم نقل ذلك عنه. فإن قال أحد: "قد قدمتم قريباً أن الناظم أورد في النشر الخلاف في المواضع الثلاثة التي قال عنها ملا علي مع موضع النساء أيضاً فكيف نوفق بين اختلاف النص عنه في المقدمة الجزرية والنشر؟

فالجواب: أن ما ذهب إليه الناظم -رحمه الله- في المقدمة الجزرية فقد وافق فيه ما ذهب إليه الحافظ أبو عمرو الداني في المقنع.

وأما ما ذهب إليه في النشر فقد تبع فيه ما ذهب إليه الأمام الشاطبي رحمه الله في "العقيلة" فإنه ذكر القطع قولاً واحداً في موضع إبراهيم والخلاف في المواضع الأربعة التي هي موضع النساء والأعراف والمؤمنون والملك حيث قال رحمه الله في العقيلة:

*وقُل أتاكُم من كلِّ ما قطعُوا * والخلفُ في كلَّ ما ردُّوا فشا خبرا*

*وكُلَّما ما أُلْقي اسْمع كلَّ ما دخلتْ * وكلما جاءَ عن خُلْف يلي وقُرَا اهـ

وبعد: فقد بان لك أيها القارئ الكريم أن الحافظ ابن الجزري -رحمه الله تعالى- لا اعتراض عليه ولا قصور عنده للكلام كما قال ملا علي القاري فقد اتبع فيما قاله في المقدمة الجزرية والنشر إمامين جليلين كل منهما له قوله واعتباره في فن الرسم والقراءات وغيرهما من العلوم عند الأمة.

ورحم الله شيخ شيوخنا شيخ الإسلام أبا يحيى زكريا الأنصاري والعلامة ابن يالوشة حيث ذكرا في شرحيهما على المقدمة الجزرية المواضع المختلف فيها التى لم يذكرها الناظم بدون تعليق ولا اعتراض منهما لأنهما يعرفان أن الناظم قد تبع في ذلك الحافظ الداني في المقنع وإنما ذكرا المواضع المختلف فيها لإفادة الطالب وحسب: فلربما لا يقف على المقنع ولا على العقيلة فيفوته تحصيل مثل هذه القاعدة.

وأما العلامة الشيخ خالد الأزهري رحمه الله فلم يتعرض إلى هذه المواضع الثلاثة المختلف فيها في شرحه لا من قريب ولا من بعيد ولا اعترض على الناظم لأنه يعرف أن الناظم في ذلك قد تبع ما جاء في المقنع وأن ما ذكره الناظم في المقدمة الجزرية فيه الكفاية بالنسبة للطالب المبتدئ فرحم الله الجميع ورحمنا معهم بفضله وكرمه آمين.

ثانياً: وأما قوله عن ابن المصنف -رحمهما الله تعالى "وعبارة الناظم لا تفهم الخلاف إلى هذه الثلاثة. فهذا صحيح لأن والده ترك الكلام على هذه الثلاثة في هذا المقام متبعاً في ذلك الداني كما تقدم.

ثالثاً: وأما قوله -أي ملا علي- عن الرومي "ولعله سكت عنها -أي المواضع الثلاثة- اكتفاء بذكر واحد منها ولاشتهار ما عداه عندهم فهذا كلام محتمل متوجه أيضاً- لأن الناظم رحمه الله اكتفى بذكر واحد من مواضع الخلاف وترك باقيها وقد تقدم في النشر أن المشهور في المواضع الأربعة المختلف فيها الوصل وهو مذهبه. فاعتذار الرومي -رحمه الله- عن الناظم هو اعتذار حسن مقبول له وجه. وليس بالاعتذار البارد ولا هو عن خطور الفهم شارد كما قال ملا علي القاري سامحه الله تعالى وتجاوز عنا جميعاً وألهمنا الاشتغال بما يرضيه. ورزقنا التوفيق والهداية في البداية والنهاية ومن علينا جميعاً بالقبول إنه خير مأمول.

الكلمة الثانية عشرة: "بئس" مع "ما" وردت هذه الكلمة في تسعة مواضع وهي في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام وإليك تفصيلها:

القسم الأول: مختلف فيه بين القطع والوصل وهو موضع واحد في التنزيل في قوله تعالى: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)} بسورة البقرة في الموضع الثاني منها فرسم في بعض المصاحف مقطوعاً وفي بعضها موصولاً والمشهور الوصل وعليه العمل.

القسم الثاني: موصول باتفاق أي وصل "بئس" بـ "ما" وذلك في موضعين اثنين:

أولهما قوله تعالى: {بِئْسَمَا ?شْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ} وهو الموضع الأول من سورة البقرة.

وثانيهما: قوله تعالى: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي} بسورة الأعراف.

القسم الثالث: مقطوع باتفاق -أي اتفقت المصاحف على قطع "بئس" عن "ما" وذلك في ستة مواضع في التنزيل وهي الباقية من هذه الكلمة.

الموضع الأول: قوله تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ} وهو الموضع الثالث في سورة البقرة.

الموضع الثاني: قوله تعالى: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} بسورة آل عمران.

والمواضع الأربعة الباقية كلها بسورة المائدة وهي قوله تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62)} {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63)}، {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79){لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ}.

وما ذكره صاحب "العميد" من الخلاف في "بئس ما" في قوله سبحانه: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ} وهو الموضع الثالث بالبقرة والراجح فيه القطع فسهو منه رحمه الله إذ أن هذا الموضع من المواضع الستة المتفق على قطعها كما تقدم فتنبه.

وأما قول ملا علي القاري عن عدد مواضع كلمة "بئس ما" المقطوعة باتفاق في كتابه "شرح المقدمة الجزرية فالمجموع سبعة لا ستة كما توهم المصري" أهـ منه بلفظه فمما يستدرك عليه ويعد من أوهامه فإنه ذهب يعدد هذه المواضع فنسب لسورة آل عمران موضعين. وليس بها إلا موضع واحد لا ثاني له وهو قوله تعالى: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} فعاد التحقيق إلى صحة ما ذكره العلامة المصري وإلى خطأ ما ذكره الملا علي القاري لكون هذه المواضع ستة لا سبعة فتأمل منصفاً.

رحم الله الجميع. ورحمنا معهم بمنه وكرمه آمين.

الكلمة الثالثة عشرة: "في" الجارة مع "ما" الموصولة. اختلف كتاب المصاحف في هذه الكلمة وينحصر اختلافهم هذا في أربعة أقوال وإليك بيانها:

القول الأول: وفيه ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مقطوع باتفاق أي قطع "في" عن "ما" وذلك في موضع واحد وهو قوله تعالى: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ (146)} بسورة الشعراء.

القسم الثاني: مختلف فيه بين القطع والوصل فرسم في بعض المصاحف مقطوعاً وفي بعضها موصولاً، والأشهر القطع وعليه العمل وذلك في عشرة مواضع:

الأول: قوله تعالى: {فِي مَا فَعَلْنَ فِي? أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ} وهو الموضع الثاني بسورة البقرة.

الثاني: قوله تعالى: {لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم} بسورة المائدة.

الثالث: قوله سبحانه: {لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم} آخر سورة الأنعام.

الرابع: قوله عز شأنه: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} بسورة الأنعام أيضاً.

الخامس: قوله عز من قائل: {وَهُمْ فِي مَا ?شْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)} بسورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

السادس: قوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ} بسورة النور.

السابع: قوله تعالى: {شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ} بسورة الروم.

الثامن والتاسع: قوله تعالى: {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وقوله سبحانه: {فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} الموضعان بسورة الزمر.

العاشر: قوله تعالى: {عَلَى? أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ (61)} بسورة الواقعة.

القسم الثالث: موصول باتفاق عموم المصاحف أي وصل "في" بـ "ما" وذلك في غير موضع القطع المتفق عليه والمواضع العشرة المختلف فيها بين القطع والوصل وذلك نحو قوله تعالى: {فِيمَا فَعَلْنَ فِي? أَنْفُسِهِنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ} الموضع الأول من سورة البقرة، وقوله تعالى: {فِيمَا طَعِمُو?اْ} بسورة المائدة، وقوله تعالى: {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)} بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام وما إلى ذلك. وذكر هذا القول جل علماء التجويد وشراح المقدمة الجزرية وغيرهم.

هذا: ولم يتعرض الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية إلى الخلاف الذي في المواضع العشرة بل ذكر فيها القطع ولعله اقتصر عليه لشهرته ولكن تعرض له في النشر وشهر فيه القطع كما تعرض له غيره كما سيأتي:

القول الثاني: وهو قسمان:

القسم الأول: مختلف فيه بين القطع والوصول وذلك في المواضع الأحد عشر المتقدمة كلها أي العشر المختلف فيها والموضع المتفق على قطعة في سورة الشعراء في القول الأول.

القسم الثاني: الوصل قولاً واحداً في المواضع العشرة والقطع في الحادي عشر وهو موضع الشعراء. ذكر هذا القول الحافظ أبو عمرو الداني في المقنع.

القول الثالث: وهو قسمان أيضاً.

أولها: القطع في المواضع الأحد عشر المتقدم ذكرها.

ثانيهما: الوصل قولاً واحداً في المواضع العشرة والقطع في الحادي عشر وهو موضع الشعراء كالقسم الثاني عند الداني. ذكر هذا القول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في العقيلة.

القول الرابع: وينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: القطع قولاً واحداً في المواضع الأحد عشرة المتقدمة غير مرَّة.

القسم الثاني: القطع في تلك المواضع على المشهور.

القسم الثالث: مختلف فيه بين القطع والوصل وذلك في تسعة مواضع من المواضع الأحد عشر باستثناء موضعي الأنبياء والشعراء ففيهما القطع وهذا ما ذهب إليه أبو داود في التنزيل ذكر هذا القول الإمام الخراز في مورد الظمآن.

تتمة: بقي قسم ثالث لكل من القول الثاني والثالث وبقي قسم رابع للقول الرابع وهذه الأقسام الباقية كلها متفق فيها على الوصل أي وصل "في" بـ "ما" وذلك فيما سوى المواضع الأحد عشر المذكورة في كل منها وهو كالقسم الثالث من القول الأول فتنبه ويتحصل مما ذكر في الأقوال الأربعة أن المواضع الأحد عشر كلها فيها الخلاف بين القطع والوصل حتى موضع الشعراء المتفق على قطعه في القول الأول وهذه الأقوال كلها صحيحة فاختر لنفسك أيها القارئ ما يروق لك وبالله التوفيق.

"تذييل": إذا دخلت "في" الجارة على "ما" الاستفهامية محذوفة الألف فلا خلاف في وصلها بها في عموم المصاحف كقوله تعالى: {فِيمَ كُنتُمْ}. وقوله سبحانه {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43)} بسورة النازعات. وقد أشار الحافظ ابن الجزري إلى الكلمات الثلاث التي بعد العشر في المقدمة الجزرية بقوله:

*وكل ما سألتموهُ واختُلِف * ردُّوا كذا قل بئسما والوصل صِفْ*

*خلفتموني واشترَوْا في ما اقْطَعا * أُوحي أفضتُمُ اشتهتْ يبلُوا معَا*

*ثاني فعلْنَ وقعَتْ رومٍ كِلا * تنزيل شُعَرا وغير ذي صِلاَ*

الكلمة الرابعة عشرة: "أين" مع "ما" وهي في القرآن الكريم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: موصول باتفاق أي وصل النون من "أين" بالميم من "ما" في موضعين اثنين هما قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ?للَّهِ} بسورة البقرة وقوله سبحانه: {أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} بسورة النحل.

القسم الثاني: مختلف فيه بين القطع والوصل فرسم في بعض المصاحف مقطوعاً وفي بعضها موصولاً وذلك في ثلاثة مواضع:

الأول: قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ?لْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} بسورة النساء.

الثاني: قوله تعالى: {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِن دُونِ ?للَّهِ} بسورة الشعراء.

الثالث: قوله سبحانه: {أَيْنَمَا ثُقِفُو?اْ أُخِذُواْ } بسورة الأحزاب.

القسم الثالث: مقطوع باتفاق أي اتفقت المصاحف على قطع "أين" عن "ما" وذلك فيما سوى الموضعين المتفق على الوصل فيهما والمواضع الثلاثة المختلف فيها بين القطع والوصل وذلك نحو قوله تعالى: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ?للَّهُ جَمِيعاً} بسورة البقرة، وقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} بسورة الحديد، وقوله تعالى: {إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ} بسورة المجادلة وما إلى ذلك.

هذا: وقد اختلف في الأشهر في المواضع الثلاثة المختلف فيها هل القطع أو الوصل؟ أقوال:

أولاها: أن القطع والوصل يستويان في موضع الشعراء والأحزاب وأن القطع هو الأشهر في موضع النساء وهذا هو المفهوم من قول الإمام الشاطبي في العقيلة:

*والخُلْفُ في سورة الأحزاب والشُّعَرا * وفي النِّساءِ يقِلُّ الوصْلُ مُعْتَمِرَا*

وقد مشى على هذا القول بعض شراح المقدمة الجزرية وغيرهم.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية إلى الكلمة الرابعة عشرة بقوله:

*فأينما كالنَّحل صِلْ ومختلَفْ * في الشُّعَرا الأحزاب والنِّسَا وُصِفْ اهـ*

الكلمة الخامسة عشرة: "إن" مكسورة الهمزة ساكنة النون وهي الشرطية مع "لم" الجازمة وهي في كتاب الله نوعان:

الأول: موصول باتفاق - أي اتفقت المصاحف فيه على وصل "إن" بـ "لم" وتدغم النون في اللام لفظاً وخطًّا وذلك في موضع واحد في التنزيل هو قوله تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام.

الثاني: مقطوع باتفاق - أي اتفقت المصاحف فيه على قطع "إن" عن "لم" وتدغم النون في اللام لفظاً لا خطًّا ويوقف على النون اضطراراً أو اختباراً "بالموحدة" وذلك في غير الموضع المتفق فيه على الوصل حيث ورد في التنزيل سواء كانت "إن" مقترنة بالفاء أم باللام أم بالواو أم لم تقترن.

فمثال المقترنة بالفاء نحو قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} وقوله سبحانه: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} الموضعان بسورة البقرة، وقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ} بسورة القصص.

ومثال المقترنة بالواو نحو قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وقوله تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ} الموضعان بسورة المائدة.

ومثال المقترنة باللام نحو قوله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} بسورة الأعراف، وقوله تعالى: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ?لْمُنَافِقُونَ} بسورة الأحزاب، وقوله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً} بسورة العلق.

ومثال غير المقترنة بشيء من هذه الحروف الثلاثة نحو قوله تعالى: {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ} بسورة الكهف وما إلى ذلك.

وأما "إن" الشرطية مع "لا" النافية فاتفقت المصاحف على وصلها بها وإدغام النون في اللام لفظاً وخطًّا نحو قوله تعالى: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} بسورة الأنفال، وقوله سبحانه: {إِلاَّ تَنفِرُواْ} و {إِلاَّ تَنصُرُوهُ} الموضعان بسورة التوبة، وقوله سبحانه: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي} بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام.

الكلمة السادسة عشرة: "أن" المصدرية مع "لن" الناصبة. وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: موصول باتفاق أي اتفقت المصاحف على وصف "أن" بـ "لن" وإدغام النون في اللام لفظاً وخطًّا وذلك في موضعين اثنين في التنزيل.

أولهما: قوله تعالى: {أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً (48)} بسورة الكهف.

وثانيهما: قوله تعالى: {أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (3)} بسورة القيامة.

القسم الثاني: مختلف فيه بين القطع والوصل وذلك في موضع واحد في القرآن الكريم هو قوله تعالى: {عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ} بسورة المزمل عليه الصلاة والسلام فرسم في جل المصاحف مقطوعاً وفي أقلها موصولاً والقطع هو الأشهر وعليه العمل.

هذا: ولم يتعرض لهذا الموضع الحافظ ابن الجزري في المقدمة ولا في النشر ولا غيره من العلماء وتعرض له الحافظ أبو عمرو الداني في المقنع وكذلك الإمام الخراز تعرض له في مورد الظمآن نقلاً عن المقنع وشهر فيه القطع وفيه يقول:

*كذاكَ في المزَّمِّلِ الوصْلُ ذُكِر * في مُقْنعٍ عن بعضِهم ومَا شُهرْ اهـ*

القسم الثالث: مقطوع باتفاق أي اتفقت المصاحف على قطع "أن" عن "لن" وإدغام النون في اللام لفظاً لا خطًّا: والوقف على "أن" اضطراراً أو اختباراً "بالموحدة" وذلك في غير موضعي الوصل المتفق عليهما وغير المختلف فيه بين القطع والوصل. وذلك نحو قوله تعالى: {أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} بسورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله سبحانه: {أَن لَّن تَقُولَ ?لإِنسُ وَ?لْجِنُّ} بسورة الجن، وقوله تعالى: {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)} بسورة البلد وما إلى ذلك.

الكلمة السابعة عشرة: "كي" الناصبة مع "لا" النافية جاءت في القرآن الكريم في سبعة مواضع وتنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: موصول باتفاق أي اتفقت المصاحف على وصل "كي" بـ "لا" وذلك في أربعة مواضع من السبعة وهي:

الأول: قوله تعالى: {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى? مَا فَاتَكُمْ} بسورة آل عمران.

الثاني: قوله تعالى: {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} بسورة الحج.

الثالث: قوله سبحانه: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} بسورة الأحزاب وهو الموضع الثاني بها.

الرابع: قوله عز شأنه: {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى? مَا فَاتَكُمْ} بسورة الحديد.

القسم الثاني: مقطوع باتفاق - أي اتفقت المصاحف على قطع "كي" عن "لا" وذلك في ثلاثة مواضع وهي بقية السبعة المشار إليها آنفاً وفيما يلي ذكرها:

الأول: قوله تعالى: {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} بسورة النحل.

الثاني: قوله تعالى: {لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ?لْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} الموضع الأول بسورة الأحزاب.

الثالث: قوله سبحانه: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ?لأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ} بسورة الحشر.

الكلمة الثامنة عشر: "عن" الجارة مع "من" الموصولة وهي في كتاب الله تعالى قسم واحد وقد اتفقت المصاحف فيه على قطع "عن" عن "من" وتدغم فيه النون لفظاً لا خطًّا وذلك في موضعين اثنين في التنزيل لا ثالث لهما وهما: قوله تعالى: {وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ} بسورة النور، وقوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى? عَن ذِكْرِنَا} بسورة النجم.

الكلمة التاسعة عشرة: "يوم" مفتوح الميم مع "هم" الضمير المنفصل المرفوع المحل وهي في القرآن الكريم قسم واحد وقد أجمعت المصاحف على القطع فيه أي قطع "يوم" عن "هم" وذلك في موضعين اثنين لا ثالث لهما في القرآن الكريم:

أولهما: قوله تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} . بسورة غافر.

وثانيهما: قوله سبحانه: {يَوْمَ هُمْ عَلَى ?لنَّارِ يُفْتَنُونَ (13)} بسورة الذاريات.

أما إذا كان الضمير مجرور المحل فاتفقت المصاحف على وصله بـ "يوم" نحو قوله تعالى: {حَتَّى? يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ?لَّذِي يُوعَدُونَ (83)} بسورة الزخرف والمعارج وقوله سبحانه: {حَتَّى? يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ?لَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)} بسورة الطور وكذلك اتفقت المصاحف على وصل كلمة "يومهم" مكسور الميم والهاء كقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ?لَّذِي يُوعَدُونَ (60)} آخر سورة الذريات.

الكلمة العشرون: "لام الجر مع "مجرورها" وهي في القرآن الكريم قسمان:

القسم الأول: مقطوع باتفاق المصاحف العثمانية أي قطع "اللام" عن مجروها وذلك في أربعة مواضع وهي:

الأول: قوله تعالى: {يُدْرِككُّمُ ?لْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـ?ذِهِ مِنْ عِندِ ?للَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـ?ذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ?للَّهِ فَمَالِ هَـ?ؤُلا?ءِ ?لْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78)} بسورة النساء.

الثاني: قوله تعالى: {مَالِ هَـ?ذَا ?لْكِتَابِ} بسورة الكهف.

الثالث: قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَالِ هَـ?ذَا ?لرَّسُولِ} بسورة الفرقان.

الرابع: قوله تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)} بسورة المعارج. وما في هذه المواضع الأربعة استفهامية كلمة بنفسها.

القسم الثاني: موصول باتفاق المصاحف العثمانية أي وصل "لام الجر" بمجرورها وذلك في غير مواضع القطع الأربعة المتقدمة كقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)} بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام، وقوله سبحانه: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)} بسورة الصافات، وقوله عز شأنه: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى? (19)} بسورة الليل وما إلى ذلك.

هذا: والمفهوم من كلام المقدمة الجزرية أن الوقف في حالة الاختبار "بالموحدة" أو الاضطرار في مواضع القطع الأربعة يكون على اللام. فيقال "مال" والأصح كما في النشر وتقريبه وإتحاف البشر وغيرهما جواز الوقف على "ما" أيضاً لأنها كلمة برأسها منفصلة لفظاً وحكماً.

فيتلخص من ذلك أن المواضع الأربعة المقطوعة فيها وجهان في الوقف لكل القراء وهما: الوقف على "ما" أو على "اللام" اختباراً أو اضطراراً قال العلامة الطباخ مشيراً إلى ذلك في كتابه "هبة المنان":

*وقِفْ على ما أو على اللام لِكل * في مال كالفرقان سال الكهف قل اهـ*

الكلمة الحادية والعشرون: "لات مع "حين" في سورة ص في قوله تعالى: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)} وليس غيرها في القرآن الكريم. وقد اختلف في قطع التاء عن حين ووصلها بها والصحيح المشهور الذي عليه العمل قطعها وعليه فتكون "ولات" كلمة و "حين" كلمة أخرى. وعلى غير المشهور وصل التاء بحين وعليه فتكون "ولا" كلمة و "تحين" كلمة أخرى وهذا القول لا يعول عليه بدليل أن كل القراء وقفوا على "ولات" عند الضرورة سواء من وقف منهم بالتاء أم بالهاء بدلاً من التاء ولم ينقل عن أحد منهم أنه وقف على "ولا" بدون التاء. وفي المسألة كلام طويل اقتصرنا منه على المعول عليه والمناسب لحال المبتدئين. ومن أراد الوقوف عليه فليراجع المطولات من كتب التجويد والرسم والقراءات والله وحده هو المرشد والمعين.

الكلمة الثانية والعشرون والثالثة والعشرون: "كالوهم" و "وزنوهم" في قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)} بسوة المطففين وليس غيرهما في التنزيل وقد كتبتا في جميع المصاحف العثمانية موصولتين ومعنى الوصل فيهما ترك رسم الألف الدالة على الانفصال بعد الوار في الكلمتين. وكان عدم رسم الألف بعد الواو في الكلمتين دليلاً على أنهما موصولتان بما بعدهما. وعليه: فلا يجوز الوقف على كلمة "كالوهم" أو "وزنوهم" دون "هم" معهما وإنما يكون الوقف على كلمة "كالوهم" بأسرها وكذلك كلمة "وزنوهم" فتأمل.

قال ملا علي القاري في شرح المقدمة الجزرية قال ابن الأنباري قال أبو عمرو وعاصم وعلي يعني الكسائي والأعمش أي من الأربعة عشر: "كالوهم" حرف واحد أي حكماً والأصل كالوا لهم فحذفت اللام على حد كلتك طعاماً فحذفت اللام وأوقع الفعل على هم فصارا حرفاً واحداً لأن الضمير المتصل مع ناصبه كلمة واحدة أهـ منه بلفظه.

أما كلمة "غضبوا هم" في قوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} بسورة الشوى فمخالفة لكلمتي "كالوهم" و "وزنوهم" لأن "غضبوا" كلمة بنفسها و"هم" ضمير فصل مرفوع على الابتداء كلمة أخرى والخبر جملة "يغفرون". ولذلك أثبتوا الألف بعد الواو في كلمة "غضبوا" وعليه فيجوز الوقف ضرورة أو اختبار "بالموحدة" على كلمة "غضبوا" ولا يصح الابتداء بقوله تعالى: {هم يغفرون} لما فيه من الفصل بين الشرط والجواب بل يتعين الابتداء بالشرط وهم "وإذا" ليكون هو جوابه معاً خلافاً لملا علي القاري فإنه أجاز الوقف على "غضبوا" والابتداء بقوله: "هم" وليس بشيء لما تقدم فتنبه.

الكلمة الرابعة والعشرون: "ال" التي للتعريف المعروفة في هذا الفن "بلام أل" نحو "الأرض، الليل" في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي ?لأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ} بسورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ?للَّيْلَ لِبَاساً (10)} بسورة النبأ وسواء كانت شمسية أم قمرية اتفقت جميع المصاحف على وصلها بما بعدها قراءة ورسماً ولا يجوز الوقف على "أل" والابتداء بـ "الأرض" أو بـ "الليل" بل الوقف على كلمة "الأرض" بأكملها والابتداء منها وكذلك كلمة "الليل" ونحوهما في التنزيل وهو كثير فتأمل.

الكلمة الخامسة والعشرون: "ها" التى للتنبيه من كلمتي "هؤلاء، وهاأنتم" خاصة في قوله: {ه?أَنْتُمْ هَؤُلا?ءِ} في كل من سورة آل عمران والنساء والقتال. وقد تنفرد كلمة "هؤلاء" وحدها وهي كثيرة في التنزيل كقوله تعالى: {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـ?ؤُلا?ءِ وَهَـ?ؤُلا?ءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ} بسورة الإسراء وما إلى ذلك فقد اتفقت المصاحف على وصل "ها" التنبيه بما بعدها قراءة ورسماً ولا يجوز الوقف على "ها" والابتداء بـ"أنتم" أو بـ"هؤلاء" بل الوقف على كلمة "هؤلاء" بأسرها ومثلها "هاأنتم" والابتداء منهما كذلك.

الكلمة السادسة والعشرون: "يا" التي للنداء نحو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا ?لنَّاسُ ?عْبُدُواْ رَبَّكُمُ ?لَّذِي خَلَقَكُمْ}، وقوله سبحانه: {ي?أَيُّهَا ?لنَّبِيُّ جَاهِدِ ?لْكُفَّارَ وَ?لْمُنَافِقِينَ وَ?غْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}، وقوله عز شأنه: {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُو?اْ إِلَى ?للَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً}، وقوله عز من قائل: {وَقِيلَ ي?أَرْضُ ?بْلَعِي مَآءَكِ وَي?سَمَآءُ أَقْلِعِي}، وقوله تعالى: {ي?مَرْيَمُ ?قْنُتِي لِرَبِّكِ وَ?سْجُدِي وَ?رْكَعِي مَعَ ?لرَّاكِعِينَ (43)} وما إلى ذلك فقد أجمعت المصاحف العثمانية على وصل "يا" التي للنداء بما بعدها رسماً وقراءة. ولا يجوز الوقف على "يا" والابتداء بـ"أيها" أو "بمريم" أو "بأرض" أو "بسماء" بل الوقف على كلمة "يا أيها" بأسرها والابتداء منها كذلك ومثلها "يا مريم" و "يا أرض" "ويا سماء" إلى أخر ما هناك.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية إلى الكلمات من الخامسة عشرة إلى نهاية السادسة والعشرين بقوله:

*وصِلْ فإلَّم هُودَ الَّن نجْعَلا * نجمَعَ كيلاَ تحزَنُوا تأسَوْا على*

*حجٌّ عليكَ حرجٌ وقطعُهُمْ * عن من يشاءُ من تولَّى يوم هُمْ*

* ومال هذا والذين وهؤلا * تحينَ في الإمام صِلْ ووُهِّلاَ*

* كالُوهُمُ أو وَزَنُوهُمُ صِل * كذَا من آل ويا وها لا تفْصِل*

وبهذا ينقضي كلامنا عن الكلمات المقطوعة والموصولة اتفاقاً واختلافاً الوارد ذكرها في المقدمة الجزرية للحافظ ابن الجزري. وقد ذكرنا معها استطراداً بعض كلمات لم ترد في المقدمة هذه لاقتضاء المقام ذكرها هنا. ونشرع الآن بمشيئة الله تعالى في بيان الكلمات التي يجب على قارئ القرآن معرفتها والإلمام بالأحكام المتعلقة بها في كتابتها مقطوعة أو موصولة مما لم يرد له ذكر في المقدمة الجزرية في فصل عقدناه خاصًّا لهذا الغرض فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون والقول.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني في بيان الكلمات المقطوعة والموصولة والمختلف فيها بين القطع والوصل التى جاءت من غير المقدمة الجزرية. )

ما تقدم ذكره في بيان الكلمات المقطوعة والموصولة اتفاقاً واختلافاً هو ما أورده الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية وهناك كلمات أخرى لم يرد ذكرها في تلك المقدمة ويجب على القارئ معرفتها كسابقتها وسنذكر منها المهم وتنحصر هذه الكلمات في هذا الفصل في اثنتي عشرة كلمة وإليك بيانها:

الكلمة الأولى: "أن" مفتوحة الهمزة ساكنة النون مع "لو" وقعت هذه الكلمة في القرآن الكريم في أربعة مواضع وهي قسمان:

القسم الأول: مقطوع باتفاق المصاحف أي قطع "أن" عن "لو" وإدغام النون في اللام لفظاً لا خطًّا وذلك في ثلاثة مواضع:

الأول: قوله تعالى: {أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} بسورة الأعراف.

الثاني: قوله تعالى: {أَن لَّوْ يَشَآءُ ?للَّهُ لَهَدَى ?لنَّاسَ جَمِيعاً} بسورة الرعد.

الثالث: قوله تعالى: {أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ?لْغَيْبَ} في سورة سبأ.

القسم الثاني: مختلف فيه بين القطع والوصل وذلك في الموضع الرابع وهو قوله تعالى: {وَأَلَّوِ ?سْتَقَامُواْ عَلَى ?لطَّرِيقَةِ} بسورة الجن فرسم في بعض المصاحف مقطوعاً وفي بعضها موصولاً وقد اختلف في المشهور. فعند المغاربة القطع أشهر وعليه العمل في رسم مصاحفهم وعند المشارقة الوصل أشهر وعليه العمل في رسم مصاحفهم ولا وجه لإطلاق بعض المحدثين شهرة القطع في هذا الموضع دون تقييد كما ذكرنا آنفاً فتنبه.

الكلمة الثانية: "ابن" مع "أم" في قوله تعالى: {قَالَ ?بْنَ أُمَّ إِنَّ ?لْقَوْمَ ?سْتَضْعَفُونِي} بسورة الأعراف فقد اتفقت المصاحف العثمانية على قطع كلمة "ابن" عن كلمة "أم" وعليه: فـ"ابن" كلمة أخرى أما كلمة "يبنؤم" في قوله تعالى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} بسورة طه عليه الصلاة والسلام فاتفقت المصاحف على وصلها أي وصل ياء النداء بابن مع حذف همزة الوصل ووصلها بأم كلمة واحدة وترسم هكذا "يبنؤم".

قال الحافظ أبو عمرو الداني في المحكم: "وأما رسم يبنؤم كلمة واحدة وهي في الأصل ثلاث كلم "يا" كلمة و"ابن" كلمة و"أم" كلمة فعلى مراد الوصل وتحقيق اللفظ فذلك حذفت ألف "يا" وألف "ابن" لعدمهما في النطق بكون الأولى ساكنة والثانية للوصل وقد اتصلتا بالباء الساكنة مع "ابن" وصورت همزة "أم" المبتدأة واواً لما وصلت بما قبلها كما تصور الهمزة المضمومة المتوسطة في نحو {يَكْلَؤُكُم} و {يَذْرَؤُكُم} و{نقْرَؤُهُ} وشبهه سواء فصار ذلك كلمة واحدة وخرج رسمه على لفظه دون أصله" أهـ منه بلفظه.

إذا تقرر هذا فاعلم أنه لا يجوز الوقف على الياء والابتداء بـ"ابنؤُمّ" ولا على "ابن" والابتداء "بأم" بل الوقف على الكلمة بأسرها "يبنؤم" والابتداء بكلها للاتصال الرسمي بخلاف موضع الأعراف فإنه يجوز فيه الوقف ضرورة أو اختباراً "بالموحدة" على "ابن" وعلى "أم" لانفصالهما رسماً كما مر ولا يجوز الابتداء بلفظ "أم" دون "ابن" معها فتأمل.

الكلمة الثالثة: "أَيَّا" مع "ما" في قوله تعالى: {أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ?لأَسْمَآءَ ?لْحُسْنَى?} بسورة الإسراء فقد اتفقت المصاحف على قطع كلمة "أيا" عن "ما" وعليه فتكون "أياً" كلمة و"ما" كلمة أخرى وقد اختلف القراء على الوقف عليهما فمنهم من وقف على "أياً" دون "ما" ومنهم من وقف على "ما" دون أياً" ومن بين هؤلاء حفص عن عاصم والأوْلَى والأقرب للصواب على كل من "أياً" و"ما" اختباراً "بالموحدة" أو اضطراراً لكل القراء العشرة اتباعاً للرسم لأنهما كلمتان منفصلتان رسماً: وفي هذه المسألة يقول الإمام أحمد الطيبي في "التنوير":

*وقِفْ للابْتِلاَ على أيًّا ومَا * لِكُلِّهمْ صُحِّحَ كلُّ منهما اهـ*

الكلمة الرابعة: كلمة "إل ياسين" في قوله تعالى: {سَلاَمٌ عَلَى? إِلْ يَاسِينَ (130)} بسورة الصافات. اتفقت المصاحف العثمانية على قطع كلمة "إل" عن كلمة "ياسين" سواء قرئت بفتح الهمزة ممدودة وكسر اللام "ءَالِ ياسين" أم قرئت بكسر الهمزة مقصورة وسكون اللام "إل ياسين" كقراءة حفص عن عاصم وموافقيه. ويمتنع الوقف على كلمة "إل" بدون كلمة "ياسين" على القراءة بكسر الهمزة مقصورة وسكون اللام لأنها وإن كانت مقطوعة رسماً إلا أنها متصلة لفظاً. ولا يجوز اتباع الرسم فيها وقفاً بالإجماع ولم يقع لهذه الكلمة في القرآن نظير. ويجوز الوقف اختباراً "بالموحدة" أو اضطراراً على "إل" بدون "ياسين" على القراءة بفتح الهمزة ممدودة وكسر اللام لأنها أصبحت كلمة مستقلة بنفسها و"ياسين" كلمة أخرى غيرها مثلها حينئذ مثل {آلُ مُوسَى? وَآلُ هَارُونَ}.

قال صاحب لآلئ البيان مشيراً إلى ما ذكرناه في هذه الكلمة:

*وجاء إلْ ياسينَ بانْفصالِ * وصَحَّ وقْفُ من تلاها آل اهـ*

الكلمة الخامسة: "يوم" مع "إذ" في نحو قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22)} وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8)} فقد اتفقت المصاحف على وصل "يوم" بـ"إذ" كلمة واحدة ولا يجوز الوقف على "يوم" دون "إذ" ولا الابتداء بإذ دون يوم بل الوقف على الكلمة بأسرها "يومئذ" والابتداء منها كذلك.

الكلمة السادسة: "حين" مع "إذ" في قوله تعالى: {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84)} بسورة الواقعة ولا ثاني لها في التنزيل فقد اتفقت المصاحف على وصل "حين" بـ"إذ" كلمة واحدة كيومئذ ولا يجوز الوقف على "حين" دون "إذ" ولا الابتداء بـ"إذ" دون "حين" بل الوقف على الكلمة بأكملها "حينئذ" والابتداء منها كذلك.

الكلمة السابعة: "كأن" مشددة النون مع "ما" حيث وقعت في القرآن الكريم اتفقت المصاحف العثمانية على وصل "كأن" بـ"ما" كلمة واحدة كقوله تعالى: {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} وقوله سبحانه: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ?لْمَوْتِ} وقوله سبحانه: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ?لسَّمَآءِ} ولا يجوز الوقف على "كأن" دون "ما" ولا ابتداء بـ"ما" دون "كأن" بل الوقف على كلمة "كأنما" كلها والابتداء منها كذلك.

الكلمة الثامنة: "رب" مع "ما" في قوله تعالى: {رُّبَمَا يَوَدُّ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (2)} بأول سورة الحجر اتفقت المصاحف على وصل كلمة "رب" بـ"ما" كلمة واحدة ولا يجوز الوقف على كلمة "رب" دون "ما" ولا الابتداء بـ"ما" دون "رب" بل الوقف على "ربما" بأكملها والابتداء منها كذلك.

الكلمة التاسعة: "وي" مع "كأن" او مع "كأنه" في قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ ?لَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِ?لأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ?للَّهَ يَبْسُطُ ?لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا? أَن مَّنَّ ?للَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ?لْكَافِرُونَ (82)} بسورة القصص وقد اختلف القراء في الوقف على هذه الكلمة فوقف الكسائي على الياء فيقول: "وي" والابتداء عنده من "كأن" أو "كأنه" ووقف أبو عمرو بن العلاء على الكاف فيقول "ويك" والابتداء عنده من "أن" أو "أنه" وهذا في وقف الاختبار "بالموحدة" أو الاضطرار وكلاهما ضعيف ووقف باقي القراء العشرة ومنهم حفص عاصم على الكلمة بأسرها فيقفون على النون في الكلمة الأولى وعلى الهاء في الكلمة الثانية.

وهذا هو المختار لجميع القراء لاتصالهما رسماً بالإجماع كما في النشر وإتحاف البشر وغيرهما.

الكلمة العاشرة: "نعم" مع "ما" في قوله تعالى: {فَنِعمَّا هيَ} بسورة البقرة وقوله تعالى: {إِنَّ ?للَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} بسورة النساء ولا ثالث لهما في التنزيل فقد اتفقت المصاحف العثمانية على وصل كلمة "نعم" بـ"ما" كلمة واحدة ولا يجوز الوقف على الكلمة "نعم" دون "ما" ولا الابتداء بـ"ما" دون "نعم" بل الوقف على الكلمة بأكملها "نعما" والابتداء بها كلها كذلك.

الكلمة الحادية عشرة: "مهما" في قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بسورة الأعراف فقد اتفقت المصاحف العثمانية على وصلها سواء على القول بأنها مركبة من "مه" و"ما" الشرطية أم من "ما" الشرطية وما المزيدة وأبدلت الألف الأولى هاء دفعاً للتكرار. أو على القول بأنها اسم شرط بسيط غير مركب وهذا القول اختاره ابن هاشم في المغني.

ولا يجوز الوقف على "مه" دون "ما" ولا الابتداء بـ"ما" دون "مه" بل الوقف على الكلمة بأسرها "مهما" والابتداء بها كذلك.

الكلمة الثانية عشرة: {ال?م?} فاتحة سورة البقرة ونحوها من فواتح السور التي افتتحت بحروف التهجي نحو {ال?م?ص?} و {ال?ر} و {ال?م?ر} و{ ك?هيع?ص?} و{طه} و{يس?} و{طس?م?} و{طس? تِلْكَ } و{حم?} فكل كلمة من هذه الكلمات ونحوها التي وجدت في فواتح السور سواء كانت مؤلفة من حرفين أم أكثر فهي كلمة برأسها ولا يجوز فصل حرف من حروفها ولا الوقف عليه بالإجماع. بل الوقف على آخرها تبعاً للرسم إذ أنها رسمت موصولة في جميع المصاحف العثمانية باستثناء "حم?. ع?س?ق?" فاتحة سورة الشورى فإنها رسمت مفصولة في كل المصاحف أي "حم?" كلمة و"ع?س?ق?" كلمة أخرى وهما آيتان في العدد الكوفي.

وعليه: فالوقف جائز بل مسنون على "حم?" وعلى "ع?س?ق?" أيضاً باعتبار كل منهما رأس آية: هذا إذا قرأنا للكوفيين كحفص أو لشيخه عاصم أو لحمزة أو للكسائي أو لخلف العاشر.

أما إذا قرأنا لغير الكوفيين كما لو قرأنا لنافع وابن كثير وأبي جعفر مثلاً فلا يجوز الوقف على "حم?" دون "ع?س?ق?" ولا الابتداء بـ"ع?س?ق?" دون "حم?" لأنهما حينئذ كالكلمة الواحدة وإن انفصلتا رسماً.

ومن وقف على "حم" لضرورة أعاد ووقف على "ع?س?ق?" وهو وقف تام أو كاف.

وما ذكره صاحب غيث النفع من قوله: "ولا يجوز الوقف على "حم?" ومن وقف عليه من ضرورة أعاد. والوقف على "ع?س?ق?" تام وقيل كاف" أهـ منه بلفظه.

وكذلك ما ذكره صاحب حل المشكلات من قوله: "ولا يجوز الوقف على "حم?" هنا اختياراً "بالياء المثناة تحت" لأنه نص في النشر على أن حروف الفواتح يوقف على آخرها لأنها كالكلمة الواحدة. وقال إلا أنه رسم "حم?. ع?س?ق?" مفصولاً بين الميم والعين انتهى. ولم ينص على جواز الوقف على "حم?" وحدها فمن وقف عليها من ضرورة أعاد والوقف على "عسق" تام وقيل كاف" أهـ منه بلفظه.

نقول: وهذا وإن كان محل اعتبار لأن الأولى الوقف على "حم? ع?س?ق?" معاً خروجاً من الخلاف فإنه ليس محل التزام لأن الوقف على "حم" وحدها صحيح جائز عند الكوفيين لأنها عندهم رأس آية والوقف على رؤوس الآي سنة كما سبق بيانه.

وكان على صاحب غيث النفع وصاحب حل المشكلات أن يقيدا الوقف على "حم?" وحدها في الضرورة بقراءة غير الكوفيين وبهذا يكون الكلام سليماً متفقاً عليه أما عند الكوفيين فالوقف جائز مسنون على "حم" وحدها لأنها رأس آية عندهم كما بينا فيما سبق فتنبه والله تعالى أعلم.

(/)

________________________________________

 ( الباب الرابع عشر / في هاء التأنيث المرسومة بالتاء المفتوحة والمرسومة بالهاء المربوطة )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

هاء التأنيث في القرآن الكريم نوعان:

الأول: مرسوم بالهاء وهو المسمى بالتاء المربوطة.

الثاني: مرسوم بالتاء وهو المسمى بالتاء المفتوحة أو المجرورة أو المبسوطة.

وهذا من خصائص الرسم العثماني كما تقدم في باب المقطوع والموصول ولابد للقارئ من معرفة النوعين جيداً ليقف على المرسومة بالهاء المربوطة هاء. وعلى المرسومة بالتاء المفتوحة تاء حسب الرواية التي يقرأ بها اضطراراً أو اختباراً "بالموحدة" ولكل من النوعين كلام خاص نوضحه فيما يلي:

أما هاء التأنيث المرسومة بالتاء المربوطة فإنها تكون في الاسم المفرد نحو قوله تعالى: {أُولَـ?ئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} وقوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ?للَّهِ} وقوله سبحانه: {ضَرَبَ ?للَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ} وما إلى ذلك.

ومنها: المسبوقة بألف المد كقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ ?لصَّلاَةَ وَآتُواْ ?لزَّكَاةَ}، وقوله سبحانه: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ}.

وقد تكون في الاسم المفرد المضاف إلى الاسم الظاهر في غير المواضع المرسومة منها بالتاء المفتوحة كقوله تعالى: {وَ?جْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ?لنَّعِيمِ (85)} ولا خلاف في هذا النوع في أنه مرسوم بالتاء المربوطة ويوقف عليه بالهاء لجميع القراء وهو الذي يصدق عليه تعريف هاء التأنيث الذي يقول: "وهي التي في الوصل تاء وفي الوقف هاء".

أما هاء التأنيث المرسومة بالتاء المفتوحة فهي قسمان:

قسم اتفق فيه القراء على قراءته بالإفراد. وقسم اختلفوا فيه فقرأه بعضهم بالإفراد وبعضهم بالجمع. وفيما يلي الكلام على كل:

(/)

________________________________________

 ( القسم الأول في بيان هاء التأنيث المتفق على قراءتها بالإفراد والمرسومة بالتاء المفتوحة )

تقع هذه الهاء في التنزيل في ثلاث عشرة كلمة في واحد وأربعين موضعاً وكلها في الأسماء المفردة المضافة إلى الاسم الظاهر والوقف عليها مختلف فيه بين القراء فمنهم من وقف عليها بالهاء وإجراء لهاء التأنيث على سنن واحد وهي لغة قريش. ومنهم من وقف عليها بالتاء المفتوحة وفاقاً للرسم وهي لغة حمير وطيئ. وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن وقف عليها بالتاء المفتوحة. والكلمات الثلاث عشرة التي انحصرت فيها هذه الهاءات هي: "رحمت ونعمت ولعنت وامرأت ومعصيت وشجرت وسنت وقرت وجنت وفطرت وبقيت وابنت وكلمت". وقد تكرر منها ست كلمات وهن الخمس الأولى مع الكلمة "سنت" والسبع الباقية لم تتكرر وقد رتبناها هذا الترتيب وفقاً لترتيب المقدمة الجزرية ليسهل على الطالب فهمها.

وفيما يلي تفصيل الكلام عليها واحدة واحدة فنقول وبالله التوفيق.

الكلمة الأولى: "رحمت" وقد رسمت بالتاء المفتوحة في سبعة مواضع في القرآن الكريم وهي:

الأول: قوله تعالى: {أُوْل?ـ?ئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ?للَّهِ} بالبقرة.

الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ ?للَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ?لْمُحْسِنِينَ (56)} بالأعراف.

الثالث: قوله تعالى: {رَحْمَتُ ?للَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ?لْبَيْتِ} بهود عليه الصلاة والسلام.

الرابع: قوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ (2)} بمريم.

الخامس: قوله تعالى: {فَ?نظُرْ إِلَى? آثَارِ رَحْمَتِ ?للَّهِ} بالروم.

السادس والسابع: قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}. {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32)} الموضعان بالزخرف. وما سوى هذه المواضع فإنها بالهاء المربوطة رسماً ووقفاً بالإجماع نحو قوله تعالى: {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ?للَّهِ} بالزمر.

الكلمة الثانية: "نعمت" وقد رسمت بالتاء المفتوحة في القرآن في أحد عشر موضعاً وهي كالتالي:

الأول: قوله تعالى: {وَ?ذْكُرُواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ} بالبقرة.

الثاني: قوله تعالى: {وَ?ذْكُرُواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً} بآل عمران.

الثالث: قوله تعالى: {?ذْكُرُواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} بالمائدة.

الرابع والخامس: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ?لَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} الموضعان بإبراهيم عليه الصلاة والسلام.

السادس والسابع والثامن: قوله تعالى: {وَبِنِعْمَتِ ?للَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}. {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ?للَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا}. {وَ?شْكُرُواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} الثلاثة بالنحل.

التاسع: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ?لْفُلْكَ تَجْرِي فِي ?لْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ?للَّهِ} بلقمان.

العاشر: قوله تعالى: {ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ ?ذْكُرُواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ عَلَيْكُمْ} بفاطر جل وعلا.

الحادي عشر: قوله سبحانه: {فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ (29)} بالطور. وما عدا هذه المواضع فبالهاء المربوطة رسماً ووقفاً بالإجماع كقوله تعالى: {وَ?ذْكُرُواْ نِعْمَةَ ?للَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ?لَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ}. الموضع الأول بالمائدة وقوله سبحانه: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ?للَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ} بالنحل.

الكلمة الثالثة: "لعنت" قد رسمت بالتاء المفتوحة في موضعين اثنين في التنزيل.

أولهما: قوله تعالى: {وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ?للَّهِ عَلَى ?لْكَاذِبِينَ (61)} الموضع الأول بآل عمران.

وثانيهما: قوله تعالى: {وَ?لْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ?للَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ?لْكَاذِبِينَ (7)} بالنور. وما سوى هذين الموضعين فبالهاء المربوطة رسماً ووقفاً لجميع القراء كقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ?للَّهِ وَ?لْمَلا?ئِكَةِ وَ?لنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)} بالبقرة وقوله عز شأنه: {أُوْلَـ?ئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ?للَّهِ وَ?لْمَلا?ئِكَةِ وَ?لنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)} الموضع الثاني بآل عمران.

الكلمة الرابعة: "امرأت" وشرط رسم هذه الكلمة بالتاء المفتوحة ذكرها مع زوجها ووقعت في التنزيل بهذا الشرط في سبعة مواضع وهي كالتالي:

الأول: قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ ?مْرَأَتُ عِمْرَانَ} بآل عمران.

الثاني والثالث: قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ?لْمَدِينَةِ ?مْرَأَتُ ?لْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} {قَالَتِ ?مْرَأَتُ ?لْعَزِيزِ ?لآنَ حَصْحَصَ ?لْحَقُّ}. الموضعان بسورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام.

الرابع: قوله تعالى: {وَقَالَتِ ?مْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} بالقصص.

الخامس والسادس والسابع: قوله تعالى: {ضَرَبَ ?للَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ?مْرَأَتَ نُوحٍ وَ?مْرَأَتَ لُوطٍ}. وقوله سبحانه: {وَضَرَبَ ?للَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ?مْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} الثلاثة بالتحريم. ولم يوجد في التنزيل لفظ امرأت مضافاً إلى الاسم الظاهر إلا هذه المواضع السبعة.

أما لفظ امرأة في الاسم المفرد غير المضاف للظاهر فهو متفق عليه بين جميع القراء في أنه مرسوم بالهاء المربوطة والوقف عليه كذلك كقوله تعالى: {وامرأة مؤمنة} بالأحزاب وما شابهها كما تقدم.

الكلمة الخامسة: "معصيت" قد رسمت هذه الكلمة بالتاء المفتوحة في موضعين اثنين لا ثالث لهما في القرآن الكريم.

أولهما: قوله تعالى: {وَيَتَنَاجَوْنَ بِ?لإِثْمِ وَ?لْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ?لرَّسُولِ}.

وثانيهما: قوله تعالى: {فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِ?لإِثْمِ وَ?لْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ?لرَّسُولِ} والموضعان بالمجادلة.

الكلمة السادسة: "شجرت" رسمت بالتاء المفتوحة في موضع واحد في التنزيل وهو قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ ?لزَّقُّومِ (43) طَعَامُ ?لأَثِيمِ (44)} بالدخان وما سوى هذا الموضع فبالهاء المربوطة رسماً وقفا ً بالإجماع كقوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى? شَجَرَةِ ?لْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى? (120)} بطه عليه الصلاة والسلام، وقوله سبحانه: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ?لزَّقُّومِ (62)} بالصافات.

الكلمة السابعة: "سنت" رسمت هذه الكلمة بالتاء المفتوحة في القرآن الكريم في خمسة مواضع هي:

الأول: قوله تعالى: {وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38)} بالأنفال.

الثاني والثالث والرابع: قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ?للَّهِ تَبْدِيلاً} {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ?للَّهِ تَحْوِيلاً (43)} الثلاثة بسورة فاطر جل وعلا.

الخامس: قوله تعالى: {سُنَّتَ ?للَّهِ ?لَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} آخر سورة غافر عز وجل وما عدا هذه المواضع الخمسة فبالهاء المربوطة رسماً ووقفاً للجميع كقوله تعالى: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} بالإسراء. وقوله سبحانه: {مَّا كَانَ عَلَى ?لنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ?للَّهُ لَهُ سُنَّةَ ?للَّهِ فِي ?لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ?للَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً (38) الموضع الثاني قوله: {سُنَّةَ ?للَّهِ فِي ?لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} الموضعان بالأحزاب وما شابه ذلك.

الكلمة الثامنة: "قرت" رسمت هذه الكلمة بالتاء المفتوحة في موضع واحد في التنزيل وهو قوله سبحانه: {وَقَالَتِ ?مْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ} بالقصص وما سواه فبالهاء المربوطة رسماً ووقفاً بالإجماع كقوله تعالى: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} بالفرقان وقوله سبحانه: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} بالسجدة "ال?ـم?".

الكلمة التاسعة: "جنت" قد رسمت هذه الكلمة بالتاء المفتوحة في موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)} بالواقعة وما عداه فبالهاء المربوطة رسماً ووقفاً للجميع بالاتفاق كقوله تعالى: {قُلْ أَذ?لِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ?لْخُلْدِ ?لَّتِي وُعِدَ ?لْمُتَّقُونَ} بالفرقان. وقوله سبحانه: {وَ?جْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ?لنَّعِيمِ (85)} بالشعراء.

الكلمة العاشرة: "فطرت" هذه الكلمة لا نظير لها في القرآن الكريم وقد رسمت بالتاء المفتوحة في قوله عز شأنه: {فِطْرَتَ ?للَّهِ ?لَّتِي فَطَرَ ?لنَّاسَ عَلَيْهَا} بالروم.

الكلمة الحادية عشرة: "بقيت" رسمت هذه الكلمة بالتاء المفتوحة في موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {بَقِيَّتُ ?للَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ} بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام وليس في القرآن الكريم غير هذه الكلمة مضافة إلى الاسم الظاهر.

أما لفظ بقية في الاسم المفرد غير المضاف إلى الاسم الظاهر فنحو قوله تعالى: {وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى? وَآلُ هَارُونَ} بالبقرة وهذا ونحوه من المتفق عليه بين عامة القراء على أنه بالهاء المربوطة رسماً ووقفاً كما مر.

الكلمة الثانية عشرة: "ابنت" هذه الكلمة من الكلمات التي لا نظير لها في القرآن الكريم وقد رسمت بالتاء المفتوحة في قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ?بْنَتَ عِمْرَانَ} بالتحريم.

الكلمة الثالثة عشرة: "كلمت" هذه الكلمة رسمت بالتاء المفتوحة على المعتمد في موضع واحد في التنزيل في قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ?لْحُسْنَى? عَلَى? بَنِي? إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} بالأعراف وما عداه فبالهاء المربوطة رسماً وقفاً للجميع كقوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ ?لسُّفْلَى? وَكَلِمَةُ ?للَّهِ هِيَ ?لْعُلْيَا} بالتوبة وقوله سبحانه: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ?لتَّقْوَى?} بالفتح وما إلى ذلك.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية إلى الثلاث عشرة كلمة المتقدمة بقوله:

*ورحمَتُ الزُّخرُف بالتَّا زَبَرَهْ * الاعرافِ رُومِ هُودِ كافِ البقرهْ*

*نعمَتُها ثلاثُ نحْلٍ إبْرَهَمْ * معا أخيرَاتُ عُقُودُ الثاني هَمْ*

*لُقْمَانُ ثُم فاطِرُ كالطُّور * عمران لَعْنَتُ بها والنُّور*

*وامرأتُ يوسُفَ عمْران القصَصْ * تحريمُ معصيَتْ بقدْ سَمِعْ يُخَص*

*شجرتُ الدُّخان سُنتُ فَاطر * كلاًّ والانفَال وحرْف غافر*

*قُرَّتُ عيْن جنَّت في وقعتْ * فِطْرَتْ بقيَّتْ وابنَتْ وكَلِمَتْ*

أوْسَطَ الأعراف ... .... .... * ... ... .... .... *

"تتمة": يلحق بهذا القسم ست كلمات رسمت بالتاء المفتوحة. منها ثلاث كلمات مضافة إلى الاسم الظاهر والثلاث الأخرى غير مضافة.

أما الكلمات الثلاثة المضافة:

فأولاها: كلمة "ذات" في قوله تعالى: {بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا} بالنمل فقط.

أما كلمة "ذات" في غير موضع النمل فبالتاء المفتوحة رسماً ووقفاً للجميع بالإجماع نحو قوله تعالى: {فَ?تَّقُواْ ?للَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} بالأنفال. وقوله سبحانه: {يَعْلَمُ مَا فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ?لصُّدُورِ (4)} بالتغابن ونحوها.

وثانيها: كلمة "مرضات" في قوله تعالى: {?بْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ?للَّهِ} في موضعي البقرة وموضع النساء وقوله سبحانه: {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} بالتحريم.

وثالثها: كلمة "ولات" في قوله تعالى: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)} بـ"ص".

أما الكلمات الثلاث غير المضافة.

فأولاها: كلمة {ي?أَبتِ} وهي في سورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وسورة مريم والقصص والصافات.

وثانيها: كلمة "هيهات" في قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)} في الموضعين بالمؤمنون.

وثالثها: كلمة "اللات" في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ ?للاَّتَ وَ?لْعُزَّى? (19)} بالنجم. وقد نظم هذه الكلمات الست الملا علي القاري في شرحه على المقدمة الجزرية بقوله:

*واللاتَ مع لات كذا مرضات * وي?أبت وذات مع هيهات اهـ*

وأما حكم الوقف عليها فمختلف فيه بين القراء فمنهم من وقف بالتاء المفتوحة. تبعاً للرسم. ومنهم من وقف بالهاء المربوطة خلافاً له مع صحته في الرواية وتفصيل ذلك مبسوط في كتب الخلاف تركنا ذكره هنا طلباً للاختصار. وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه وقف على جميعها بالتاء المفتوحة موافقة لرسم المصحف الشريف فتأمل.

(/)

________________________________________

 ( القسم الثاني في بيان هاء التأنيث المختلف فيها بين القراء في الإفراد والجمع. )

وهذا القسم هو الذي أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية في بعض البيت الأخير من الباب بقوله رحمه الله تعالى:

*... ... وكلّ ما اختُلفْ * جمْعاً وفرداً فيه بالتَّاءِ عُرفْ اهـ*

ويتحصل من قوله هذا قاعدة عامة. وهي أن كل ما اختلف القراء في قراءته بالإفراد والجمع فمرسوم بالتاء المفتوحة. وقد وقع ذلك في سبع كلمات في اثني عشر موضعاً في القرآن الكريم. ومن بين الكلمات السبع كلمتان مضافتان إلى الاسم الظاهر والخمس الباقية غير مضافة.

أما المضافتان:

فالأولى منهما: "كلمت" وقد وقعت في أربعة مواضع في التنزيل:

الأولى: قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} بالأنعام.

الثاني والثالث: قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ?لَّذِينَ فَسَقُو?اْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33)} وقوله سبحانه: {إِنَّ ?لَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96)} الموضعان بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام.

الرابع: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ?لَّذِينَ كَفَرُو?اْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ?لنَّارِ (6)} بسورة غافر جل وعلا. وقد اختلفت المصاحف في الموضع الثاني من يونس وكذلك موضع غافر والقياس فيهما التاء كما سيأتي.

والثانية: كلمة {غَيَ?بَتِ ?لْجُبِّ} في الموضعين بسورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، أما الكلمات الخمس التي لم تضف فهي كالآتي:

الكلمة الأولى: كلمة "آيات" في موضعين:

أولهما: قوله تعالى: {ءايَ?تٌ لِّلسَّائِلِينَ (7)} بسورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام.

وثانيهما: قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَ?تٌ مِّن رَّبِّهِ} بالعنكبوت.

الكلمة الثانية: كلمة "الغرفات" في قوله تعالى: {وَهُمْ فِي ?لْغُرُفَ?تِ آمِنُونَ (37)} بسبأ.

الكلمة الثالثة: كلمة "بينت" في قوله تعالى: {فَهُمْ عَلَى? بَيِّنَتٍ مِّنْهُ} بفاطر جل وعلا.

الكلمة الرابعة: كلمة "ثمرات" في قوله تعالى: {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَ?تٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا} بفصلت.

الكلمة الخامسة: كلمة "جمالت" في قوله تعالى: {كَأَنَّهُ جِمَ?لَتٌ صُفْرٌ (33)} بالمرسلات.

وقد نظم كلمات هذا القسم شيخ مشايخي العلامة المتولي في كتابه "اللؤلؤ المنظوم" فقال رحمه الله تعالى:

*وكلُّ ما فيه الخلاف يجْري * جمعاً وفرْداً فبتاءٍ فادْر*

وذا جم?لتٌ وءَايتٌ أتَى * في يوسف والعنكبوت يا فتى*

وكلم?تٌ وهو في الطوْل معَا * أنعامهُ ثم بيونُسَ معا*

والغرف?ت في سبأ وبيِّنتْ * في فاطر وثمرات فُصِّلتْ*

غي?بت الجُبِّ وخُلف ثاني * يونُس والطوْل فع المعاني اهـ*

وأما معرفة من قرأ فيها من القراء بالجمع ومن قرأ فيها منهم بالإفراد فقد تركنا ذكره هنا مراعاة للاختصار. ومن أراده فعليه بكتب الخلاف فهو مبسوط فيها.

وأما معرفة الوقف عليها فمن قرأ فيها بالجمع وقف عليها بالتاء كسائر الجموع ولو كان مذهبه الوقف بالهاء في الإفراد. ومن قرأ فيها بالإفراد وكان مذهبه الوقف بالتاء وقف بها. ومن كان مذهبه الوقف بالهاء وقف بها أيضاً: وبالنسبة لحفص عن عاصم فيها فقد قرأ بالجمع في ثلاث كلمات في السبع ووقف عليها بالتاء كما هو مقرر وهي كلمة "آيات" في موضعيها بيوسف والعنكبوت و"الغرفات" في سبأ و"ثمرات" في فصلت.

وأما الكلمات الأربع الباقية فهي كلمة "غي?بت" في الموضعين بيوسف وكلمة "بينت" بفاطر وكلمة "جمالت" بالمرسلات ولفظ "كلمت" في كل من الأنعام وغافر وموضعي يونس فقرأهن حفص عن عاصم بالإفراد ووقف عليهن بالتاء المفتوحة كما مذهبه غير أن لفظ "كلمت" في موضع غافر اختلف كتاب المصاحف فيه فرسمها بعضهم بالتاء المفتوحة وبعضهم بالهاء المربوطة. وكذلك اختلف في "كلمت" في الموضع الثاني من يونس فرسمت في المصاحف العراقية بالهاء وفي الشامية والمدنية بالتاء والأولى والقياس رسم موضع غافر والثاني من يونس بالتاء كما قال به الجمهور وإليه أشار الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في "العقيلة" بعد ما أورد الخلاف في الموضعين بقوله: "وفيهما التاء أولى" أهـ قال في نهاية القول المفيد: "وقطع ابن الجزري وغيره بأنهما بالتاء على ذلك شراح الجزرية ثم إنك إذا نظرت لرسمها هاء جاز لك الوقف عليهما بها لمن قرأهما بالإفراد. وإذا نظرت لرسمهما تاء أجريتهما كنظائرهما" أهـ منه بلفظه.

وعلى هذا يتحصل لحفص عن عاصم حالة الوقف عليهما وجهان صحيحان:

الأول: الوقف عليهما بالتاء المفتوحة وهذا هو المشهور عند الجمهور لما تقدم.

والثاني: الوقف عليهما بالهاء المربوطة ولا بأس به.

وما ذكره صاحب العقد الفريد الكبير من قوله فيهما: "إنهما رسمتا في مصاحف العراق بالهاء وحفص من أهل العراق فوقفه عليهما بالهاء تبعاً لمصحف بلده" أهـ فهذا القول وإن كان صحيحاً في كونهما مرسومتين في مصاحف أهل العراق بالهاء إلا أن ما يؤخذ منه أن حفصاً ليس له فيهما إلا الوقف بالهاء فليس بذاك إذ هو مخالف لما عليه الجمهور من ورود الرواية عنه بالوقف عليهما بالتاء أيضاً وهذا هو المشهور عنه والمعول عليه كما مر إذ أن قاعدة حفص هنا أن يقف بالتاء في هاتين الكلمتين وسائر ما يماثلهما كما تقدم في عموم الباب. وإنما جاء عنه الوقف عليهما هنا بالهاء أيضاً مراعاة للرسم الذي كتبت به مصاحف العراق ليس إلا فافهم ذلك. ويوافق حفصاً على الوقف بالوجهين هنا من قرأ فيهما بالإفراد وكان مذهبه الوقف بالتاء في العموم وهم أبو بكر شعبة وحمزة وخلف العاشر فتأمل، والله الموفق.

(/)

________________________________________

 ( الباب الخامس عشر / في همزتي الوصل والقطع )

 ( الفصل الأول في تعريف همزة الوصل ومواضعها وحكمها وصلاً وابتداء. )

من المقرر أن للقارئ حالتين: حالة ابتداء وحالة وقف. ومن الأصول المقررة ألا يبتدأ بساكن وألا يوقف على متحرك ويؤخذ من هذا الأصل أن الابتداء لا يكون إلا بالحركة وأن الوقف لا يكون إلا بالسكون أو ما فيه حكمه كالوقف بوجه الروم كما سيأتي:

فإذا تقرر هذا فاعلم أن من الكلمات ما يكون أولها متحركاً وهذا لا إشكال فيه عند الابتداء إذ الابتداء بالحركة غير متعذر.

ومنها ما يكون أولها ساكناً والابتداء بالساكن غير مقدور عليه بل ومحال ومن ثم احتيج إلى اجتلاب همزة زائدة في أول هذه الكلمة هي همزة الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن الموجود في أول الكلمة هذه.

وعلى هذا: فتعريف همزة الوصل: هي الهمزة الزائدة في أول الكلمة الثابتة في الابتداء الساقطة في الدرج - أي في الوصل نحو قوله تعالى: {قُلِ ?لْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى? عِبَادِهِ ?لَّذِينَ ?صْطَفَى?} وهنا نجد أن همزة كلمة "الحمد" و"الذين" و"اصطفى" هي همزة وصل لسقوطها في الوصل أي الوصل هذه الكلمات بما قبلها وثبوتها في الابتداء إذا ابتدئ بها.

وسميت بهمزة الوصل لأنها يتوصل بها إلى النطق بالساكن كما مر. ولذا سماها الخليل بن أحمد سلم اللسان فتأمل.

وأما مواضعها ففي الأسماء والأفعال والحروف وتارة تكون قياسية وهو الأكثر وروداً وتارة تكون سماعية وهو الأقل. وفيما يلي الكلام على كل موضع جاءت فيه بانفراد.

الكلام على وجود همزة الوصل في الأفعال وبيان حركة البدء بها

وهي في الأفعال قياسية ولا توجد إلا في الفعل الماضي والأمر.

أما وجودها في الماضي فلا يكون إلا في الخماسي والسداسي.

فالماضي الخماسي: نحو "اعتدى واقترب واشترى" في قوله تعالى: {فَمَنِ ?عْتَدَى? عَلَيْكُمْ فَ?عْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ?عْتَدَى? عَلَيْكُمْ} وقوله تعالى: {?قْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1)}. وقوله عز شأنه: {إِنَّ ?للَّهَ ?شْتَرَى? مِنَ ?لْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ?لّجَنَّةَ} وما إلى ذلك.

والماضي السداسي: نحو "استسقى واستكبر واستطعم واستنصر" في قوله تعالى: {وَإِذِ ?سْتَسْقَى? مُوسَى? لِقَوْمِهِ} وقوله سبحانه: {إِلاَّ إِبْلِيسَ ?سْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ?لْكَافِرِينَ (74) وقوله عز شأنه: {حَتَّى? إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ?سْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا} وقوله عز من قائل: {وَإِنِ ?سْتَنصَرُوكُمْ فِي ?لدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ?لنَّصْرُ} وما شابه ذلك.

وأما وجودها في فعل الأمر فمقيد بأمر الثلاثي والخماسي والسداسي.

فالأمر من الثلاثي نحو "اضرب واخرج وانظر واتل وادع" في قوله تعالى: {فَقُلْنَا ?ضْرِب بِّعَصَاكَ ?لْحَجَرَ}. وقوله تعالى: {وَقَالَتِ ?خْرُجْ عَلَيْهِنَّ}، وقوله سبحانه: {?نْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ?لآيَاتِ ثُمَّ ?نْظُرْ أَنَّى? يُؤْفَكُونَ (75) وقوله عز شأنه: {?تْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ?لْكِتَابِ وَأَقِمِ ?لصَّلاَةَ}، وقوله عز من قائل: {?دْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِ?لْحِكْمَةِ وَ?لْمَوْعِظَةِ ?لْحَسَنَةِ} وشبه ذلك.

والأمر من الخماسي نحو قوله تعالى: {ثَلاَثَةٌ ?نتَهُواْ خَيْراً}، وقوله تعالى: {?نطَلِقُو?اْ إِلَى? مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)}, وقوله سبحانه: {قُلِ ?نتَظِرُو?اْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)} ونحو ذلك.

والأمر من السداسي: نحو "استغفر واستأجره واستهزءوا" في قوله تعالى: {?سْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية، وقوله سبحانه: {ي?أَبَتِ ?سْتَأْجِرْهُ}، وقوله عز من قائل: {قُلِ ?سْتَهْزِءُو?اْ إِنَّ ?للَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64)} ونحوه.

وهذا: ومما يجب معرفته أنه (خرج) بوجود همزة الوصل في الفعل الماضي والأمر الفعل المضارع فإنها لا توجد فيه مطلقاً وأنها لا تكون فيه إلا همزة قطع على ما سيأتي.

(وخرج) بقيد الخماسي والسداسي من الماضي الثلاثي والرباعي منه "كأمر وأذن وأكرم وأحسن" في قوله تعالى: {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُو?اْ إِلاَّ إِيَّاهُ}، وقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ}، وقوله سبحانه: {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ}، وقوله سبحانه: {إِنَّهُ رَبِّي? أَحْسَنَ مَثْوَايَ} فالهمزة فيها همزة قطع مفتوحة وصلاً وابتداء.

(وخرج) بقيد الأمر من الثلاثي والخماسي والسداسي الأمر من الرباعي كقوله تعالى: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، وقوله سبحانه: {رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ?لَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فالهمزة فيه همزة قطع مفتوحة وصلاً وابتداء كذلك على ما سيأتي إن شاءالله تعالى.

حركة البدء بهمزة الوصل في الأفعال المقيسة فيها

حركة البدء بهمزة الوصل في الأفعال المقيسة فيها قد تكون بالضم وقد تكون بالكسر.

أما حركة البدء بالضم فشرطها أن يكون ثالث الفعل مضموماً ضمًّا لازماً.

مثالها: في الماضي نحو "استحفظوا واجتثت وابتلى" في قوله تعالى: {وَ?لرَّبَّانِيُّونَ وَ?لأَحْبَارُ بِمَا ?سْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ?جْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ?لأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) وقوله عز شأنه: {هُنَالِكَ ?بْتُلِيَ ?لْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً (11)} ونحو ذلك.

ومثالها: في الأمر نحو "ادع واتل وانظر واقتلوا واخرجوا" في قوله تعالى: {?دْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِ?لْحِكْمَةِ وَ?لْمَوْعِظَةِ ?لْحَسَنَةِ}، وقوله تعالى: {?تْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ?لْكِتَابِ}، وقوله جل شأنه: {?نْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ?لأَمْثَالَ}، وقوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ?قْتُلُو?اْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ?خْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} وما شابه ذلك.

وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله رحمه الله تعالى:

*وابْدَأ بهمز الوصْلِ من فِعْلٍ بضَم * إن كان ثالثٌ من الفعل يُضَمّ اهـ*

فخرج بالضم اللازم في ثالث الفعل الذي هو شرط في البدء بالضم، الضم العارض وحينئذ يبتدأ فيه بكسر الهمزة وجوباً نحو "اقضوا وابنوا وامضوا وامشوا وائتوا" في قوله تعالى :{ثُمَّ ?قْضُو?اْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ (71) وقوله تعالى: {فَقَالُواْ ?بْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً}، وقوله سبحانه: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَ?مْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}، وقوله عز من قائل: {ثُمَّ ?ئْتُواْ صَفّاً}. وقوله سبحانه: {?ئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـ?ذَآ أَوْ أَثَارَةٍ} ونحوه وليس في القرآن غير هذه الأفعال الخمسة التي ضم ثالثها عارض فيما أحسب. وإن كان فيه غيرها فهو واضح، لكن لا يجوز البدء بهمزة الوصل مجردة عن واو العطف في "وامضوا" كما هو ظاهر فليعلم ذلك.

هذا: وبيان عروض الضمة في ثالث هذه الأفعال هو أن كلمة "اقضوا" كان أصلها "اقضيوا" بضاد مكسورة وياء مضمومة بعدها فنقلت ضمة الياء إلى الضاد بعد تقدير سلب حركتها فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فصارت الكلمة "اقضوا" بضم الضاد وحذف الياء وكذلك القول في باقي الأفعال التي ضم ثالثها عارض فيما ذكرنا، فتأمل.

وما ذكره صاحب العميد رحمه الله تعالى من عدّه كلمة "اغدوا" في قوله تعالى: {أَنِ ?غْدُواْ عَلَى? حَرْثِكُمْ} بسورة القلم ضمن الأفعال التي ضم ثالثها عارض ويبتدأ فيها بالكسر وجوباً كما قال فهو سهو منه رحمه الله. والصواب أنها من الأفعال التي يبتدأ فيها بضم الهمزة وجوباً لأن ضمة ثالثها أصلية وليست عارضة وذلك لأنها من معتل اللام بالوار فتفطن.

وأما حركة البدء بالكسر فشرطها أن يكون ثالث الفعل مفتوحاً أو مكسوراً كسراً أصليًّا.

فمثال ما ثالث الفعل فيه مفتوح نحو "انقلب وارتضى وانطلق واذهبوا واعلموا واستغفروا واستجيبوا" في قوله تعالى: {وَإِذَا ?نقَلَبُو?اْ إِلَى? أَهْلِهِمُ ?نقَلَبُواْ فَكِهِينَ (31) وقوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ ?رْتَضَى? مِن رَّسُولٍ}، وقوله سبحانه: {سَيَقُولُ ?لْمُخَلَّفُونَ إِذَا ?نطَلَقْتُمْ إِلَى? مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا}، وقوله تعالى: {?ذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـ?ذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى? وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً}، وقوله عز شأنه: {?عْلَمُو?اْ أَنَّ ?للَّهَ شَدِيدُ ?لْعِقَابِ وَأَنَّ ?للَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (98) وقوله عز من قائل: {فَقُلْتُ ?سْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) وقوله تعالى: {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ ?سْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} وما إلى ذلك.

ومثال ما ثالث الفعل فيه مكسوراً كسراً أصليًّا نحو "اهدنا واصبر واكشف واصرف" في قوله تعالى: {?هْدِنَا ?لصِّرَاطَ ?لْمُسْتَقِيمَ (6) وقوله سبحانه: {?صْبِر عَلَى? مَا يَقُولُونَ}، وقوله تعالى: {رَّبَّنَا ?كْشِفْ عَنَّا ?لْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ (12) وقوله تعالى: {وَ?لَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ?صْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} وما أشبه ذلك.

وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

*واكْسِرْهُ حال الكسر والفتْح * ... ... ... ...*

"توضيح": قد تقدم قريباً أن الابتداء بكسر همزة الوصل في الفعل وجوباً إذا كان ثالثه مضموماً ضمًّا عارضاً كاقضوا. وعليه فيصبر الابتداء بكسر همزة الوصل في الفعل وجوباً في أحوال ثلاثة. إذا كان ثالثه مكسوراً كسراً أصليًّا أو مفتوحاً أو مضموماً ضمًّا عارضاً.

وأما الابتداء بضم همزة الوصل وجوباً في الفعل ففي حالين اثنين إذا كان ثالث الفعل مضموماً ضمًّا لازماً. أو كان ثالثه مكسوراً كسراً عارضاً نحو "اضطر" في قراءة أبي جعفر المدني كما ذكرنا آنفاً بالحاشية.

ومن ثم يتبين أن حركة همزة الوصل في الابتداء بالأفعال مبنية على حركة الثالث منها. فإن اختلف القراء في حركة الثالث لورود الفعل ما بابين نحو "انشزوا" في وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ ?نشُزُواْ فَانشُزُواْ} فقد قرأ بعضهم بضم الشين وبعضهم بكسرها فيراعى ذلك في الابتداء فيبتدأ بضم الهمزة لمن قرأ بضم الشين وبكسرها لمن كسر الشين. وكذلك يراعى اختلاف القراء في ضم ثالث الفعل عند بنائه للمجهول كما في لفظ "استحق" في قوله تعالى: {مِنَ ?لَّذِينَ ?سْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ?لأَوْلَيَانِ} فقد قرأ حفص عن عاصم بفتح التاء والحاء على البناء للمعلوم وقرأ الباقون غيره بضم التاء وكسر الحاء على البناء للمجهول وعليه فيبتدأ لحفص بكسر همزة الوصل مراعاة لفتح ثالث الفعل ويبتدأ لغيره من القراء بضمها مراعاة لضم ثالث الفعل ضمًّا لازماً فتأمل.

الكلام على وجود همزة الوصل في الأسماء وحركة البدء بها

وهي في الأسماء قياسية وسماعية. والاسم لا يخلو من أن يكون معرفاً بالألف واللام أو مجرداً منهما.

فإن كان معرفاً بالألف واللام فهمزة الوصل فيه قياسية وحركتها عند الابتداء الفتحة طلباً للخفة ولكثرة دورانها نحو قوله تعالى: {هُوَ ?للَّهُ ?لْخَالِقُ ?لْبَارِىءُ ?لْمُصَوِّرُ لَهُ ?لأَسْمَآءُ ?لْحُسْنَى? يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ وَهُوَ ?لْعَزِيزُ ?لْحَكِيمُ} وإن كان مجرداً من الألف واللام فهمزة الوصل فيه قياسية وسماعية. أما القياسية ففي نوعين منه:

النوع الأول: مصدر الفعل الماضي الخماسي نحو "افتراء وابتغاء واختلاف وانتقام" في قوله تعالى: {وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ?للَّهُ ?فْتِرَآءً عَلَى ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {وَمِنَ ?لنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ?بْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ?للَّهِ}، وقوله عز شأنه: {إِنَّ فِي ?خْتِلاَفِ ?لْلَّيْلِ وَ?لنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ?للَّهُ فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) وقوله تعالى: {وَ?للَّهُ عَزِيزٌ ذُو ?نْتِقَامٍ (95)} وما إلى ذلك.

النوع الثاني: مصدر الفعل الماضي السداسي نحو "استغفار واستعجال واستكبار" في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ ?سْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ}، وقوله سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ ?للَّهُ لِلنَّاسِ ?لشَّرَّ ?سْتِعْجَالَهُمْ بِ?لْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}، وقوله عز شأنه: {وَأَصَرُّواْ وَ?سْتَكْبَرُواْ ?سْتِكْبَاراً (7)} وما شابه ذلك.

وحركة البدء بهمزة الوصل في هذين المصدرين الكسر وجوباً.

وأما السماعية ففي عشرة أسماء محفوظة ورد منها في القرآن الكريم سبعة أسماء والثلاثة الباقية وردت في غير القرآن من كلام العرب.

أما الأسماء السبعة التي في القرآن الكريم فهي كما يلي:

الأول: "ابن" بالتذكير سواء كان مضافاً لياء المتكلم أو لغيرها كقوله تعالى: {إِنَّ ?بُنِي مِنْ أَهْلِي}، وقوله تعالى: {?سْمُهُ ?لْمَسِيحُ عِيسَى ?بْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ?لدُّنْيَا وَ?لآخِرَةِ}.

الثاني: "ابنت" بالتأنيث مفردة أو مثناة كقوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ?بْنَتَ عِمْرَانَ ?لَّتِي? أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}، وقوله تعالى: {قَالَ إِنِّي? أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ?بْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}.

الثالث: "امرؤ" بالتذكير حيث ورد مرفوعاً كان أو منصوباً أو مجروراً نحو قوله تعالى: {إِن ?مْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}، وقوله سبحانه: {مَا كَانَ أَبُوكِ ?مْرَأَ سَوْءٍ}، وقوله عز شأنه: {لِكُلِّ ?مْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)}.

الرابع: "اثنين: بالتذكير سواء كان معرباً بالألف والنون أو بالياء والنون أو كان مضافاً للعشرة نحو قوله تعالى: {?ثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ}، وقوله سبحانه: {ثَانِيَ ?ثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ?لْغَارِ}، وقوله سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ ?لشُّهُورِ عِندَ ?للَّهِ ?ثْنَا عَشَرَ شَهْراً}، وقوله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ?ثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً}.

الخامس: "امرأت" بالتأنيث مفردة أو مثناة وسواء رسمت بالتاء المفتوحة أم بالهاء المربوطة نحو {?مْرَأَتَ نُوحٍ وَ?مْرَأَتَ لُوطٍ}، وقوله سبحانه: {وَإِنِ ?مْرَأَةٌ خَافَتْ}، وقوله تعالى: {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ?مْرَأَتَينِ تَذُودَانِ}.

السادس: "اسم" نحو قوله تعالى: {سَبِّحِ ?سْمَ رَبِّكَ ?لأَعْلَى? (1) وقوله سبحانه: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ?سْمُهُ أَحْمَدُ}.

السابع: "اثنتين" بالتأنيث سواء كان مضافاً للعشرة أم لم يضف نحو قوله تعالى: {فَ?نفَجَرَتْ مِنْهُ ?ثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً}، وقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ ?ثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً}، وقوله سبحانه: {فَإِن كَانَتَا ?ثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ?لثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}، ويلاحظ هنا أن النون من لفظ "اثنان" في المذكر و"اثنتين" في المؤنث محذوفة لأجل تركيبهما مع العشرة.

وأما الأسماء الثلاثة الباقية من العشرة الواردة في غير القرآن فنوردها لتمام الفائدة: فنقول:

أولها: لفظ "است".

وثانيها: لفظ "ابنم" وهو "ابن" زيدت فيه الميم.

وثالثها: لفظ "إيم" وهو للقسم وقد يزاد فيه النون فيقال "أيمن" نحو "وأيمن الله لأجتهدن".

هذا: وقد اختلف في لفط "أيمن" بين كونه اسماً أو حرفاً والراجح أنه اسم.

وأما حركة البدء بهمزة الوصل في هذه الأسماء فبالكسر وجوباً سواء أكانت من الواردة في التنزيل أم من غير الواردة فيه إلا "أيمن" في القسم في لغتيه فيجوز فيه الفتح أيضاً وهو الأرجح.

وقد أشار الحافظ ابن الجزري إلى همزة الوصل في الأسماء وحركة البدء بها في المقدمة الجزرية بقوله:

*... ... ... وفِي * الأسماءِ غير اللام كسرُها وفي*

ابنٍ مع ابنة امرئ واثنيْن * وامرأة واسْمِ مع اثنتَيْن اهـ*

الكلام على وجود همزة الوصل في الحروف وحركة البدء بها

همزة الوصل في الحروف لا توجد إلا في حرفين:

الأول: "ال" في نحو قوله تعالى: {?لرَّحْمَـ?نُ (1) عَلَّمَ ?لْقُرْآنَ (2) خَلَقَ ?لإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ ?لبَيَانَ (4)} وهي هنا قياسية.

الثاني: "أيمن" في القسم في لغتيه "زيادة النون أو حذفها" وهذا على القول بحرفيته وهو ضعيف وهمزة الوصل فيه سماعية.

أما حركة البدء فيهما فبالفتح في "ال" وجوباً وفي "أيمن" على الأرجح.

"فائدة": تحذف همزة الوصل لفظاً وخطًّا من "ال" إذا دخل عليها لام الجر نحو "للرؤيا. للمتقين. للذين" في قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) وقوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (31) وقوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ?لْحُسْنَى? وَزِيَادَةٌ}، بخلاف دخول غيرها عليها من بقية حروف الجر فإنها حينئذ تحذف لفظاً وتثبت خطًّا نحو "بالآخرة بالغيب من الكتاب. كالذين. في الحياة. والطور والنجم" في نحو قوله تعالى: {وَبِ?لآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) وقوله تعالى: {?لَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ?لْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ?لصَّلاةَ}، وقوله سبحانه: {وَ?لَّذِي? أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ?لْكِتَابِ هُوَ ?لْحَقُّ}، وقوله عز شأنه: {كَ?لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً}، وقوله عز شأنه: {لَهُمُ ?لْبُشْرَى? فِي ?لْحَياةِ ?لدُّنْيَا وَفِي ?لآخِرَةِ}، وقوله تعالى: {وَ?لطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ (2) وقوله سبحانه: {وَ?لنَّجْمِ إِذَا هَوَى? (1)} وما إلى ذلك.

وحكم همزة الوصل حينئذ حكم المسبوقة بكلام نحو قوله تعالى: {قُلِ ?لْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى? عِبَادِهِ ?لَّذِينَ ?صْطَفَى?}، وقوله سبحانه: {وَأَصَرُّواْ وَ?سْتَكْبَرُواْ ?سْتِكْبَاراً (7)} وهي بهذا مطابقة لتعريفها السابق من أنها تثبت في الابتداء وتسقط في الوصل، والله أعلم.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني في تعريف همزة القطع ومواضعها التي تقاس فيها وحركتها. )

تعرف همزة القطع بأنها الهمزة التي تثبت في حالتي الوصل والبدء نحو قوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي?}. وقوله تعالى: {وَبِ?لْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}. وقوله تعالى: {إِنِّي? أُشْهِدُ ?للَّهَ وَ?شْهَدُو?اْ أَنِّي بَرِي?ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ}.

وسميت بهمزة القطع لثبوتها في الدرج فينقطع بالتلفظ بها الحرف الذي قبلها عن الحرف الذي بعدها بخلاف همزة الوصل فإنها تثبت في البدء وتسقط في الدرج كما مر ومن ثم يتضح الفرق بين الهمزتين.

وقد أشار العلامة الطيبي إلى تعريف كل من همزتي القطع والوصل بقوله رحمه الله:

*وهمزةٌ تثبتُ في الحالين * همزة قطع نحو أبيضين*

*وهمزةٌ تثبتُ في البدء فقطْ * همزة وصل نحو قولك النمط اهـ*

مواضع همزة القطع التي تنقاس فيها وبيان حركتها

أما مواضعها التي تنقاس فيها فهي خمسة إجمالاً:

وهي الأفعال الثلاثية ومصدرا الفعل الماضي الثلاثي والرباعي على تفصيل يأتي بعد.

وأما بيان حركتها فيشمل الحركات الثلاث الفتحة والكسرة والضمة وفيها يلي تفصيل كل موضع من مواضعها الخمسة مع بيان الحركة فيه فنقول وبالله التوفيق ومنه سبحانه نستمد العون والقول.

همزة القطع المفتوحة وموضع وجودها

توجد همزة القطع المفتوحة في خمسة مواضع وإليك بيانها:

الأول: الفعل الماضي الثلاثي المبني للمعلوم نحو "أذن وأمر" في قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ?للَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ?سْمُهُ}. وقوله عز من قائل: {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُو?اْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذ?لِكَ ?لدِّينُ ?لْقَيِّمُ} وما إلى ذلك.

الثاني: الفعل الماضي الرباعي المبني للمعلوم نحو: "ألهاكم وأوحَى وأحسنَ" في قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ ?لتَّكَّاثُرُ (1)}. وقوله سبحانه: {وَأَوْحَى? رَبُّكَ إِلَى? ?لنَّحْلِ}. وقوله تعالى: {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى? نُوحٍ وَ?لنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ}. وقوله تعالى: {إِنَّهُ رَبِّي? أَحْسَنَ مَثْوَايَ}، وما أشبه ذلك.

الثالث: الفعل المضارع نحو "أذبح وأعمل وأسمع وأرى" في قوله تعالى: {إِنِّي? أَرَى? فِي ?لْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}، وقوله سبحانه: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ}، وقوله عز شأنه: {إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى? (46)} وما كان على هذا النحو.

الرابع: فعل الأمر من الرباعي نحو "أكرم وأحْسِن وأخرج وأصلح" في نحو قوله تعالى: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، وقوله سبحانه: {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ?للَّهُ إِلَيْكَ}، وقوله سبحانه: {أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ?لَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، وقوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي?} وما إلى ذلك.

الخامس: مصدر الفعل الماضي الثلاثي. وقد تكون همزة القطع فيه مفتوحة نحو "أمر وأمن وأكل" وقد تكون مكسورة أيضاً نحو "إذن وإفك وإثم".

فمثال المفتوحة في التنزيل قوله تعالى: {وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً (69) وقوله سبحانه: "من كلّ أَمْرٍ". وقوله جل شأنه: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً}، وقوله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ ?لتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً (19)}، وما شابه ذلك.

ومثال المكسورة في القرآن الكريم قوله تعالى: {تَنَزَّلُ ?لْمَلاَئِكَةُ وَ?لرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) وقوله سبحانه: {وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ?لظُّلُمَاتِ إِلَى ?لنُّورِ بِإِذْنِهِ}، وقوله تعالى: {وَقَالُواْ هَـ?ذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) وقوله عز وجل: {وَمَن يُشْرِكْ بِ?للَّهِ فَقَدِ ?فْتَرَى? إِثْماً عَظِيماً (48)} وشبه ذلك.

همزة القطع المكسورة وموضع وجودها

توجد همزة القطع المكسورة في موضعين:

الأول: مصدر الفعل الماضي الرباعي نحو "إطعام وإخراج وإحسان وإنشاء وإكرام" في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}، وقوله تعالى: {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً (18) وقوله جل وعلا: {وَقَضَى? رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُو?اْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِ?لْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، وقوله عز شأنه: {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً (35) وقوله سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى? وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ?لْجَلاَلِ وَ?لإِكْرَامِ (27) وقوله عز وجل: {تَبَارَكَ ?سْمُ رَبِّكَ ذِي ?لْجَلاَلِ وَ?لإِكْرَامِ (78)}.

الثاني: مصدر الفعل الماضي الثلاثي فيما صح فيه الكسر نحو "إذن وإثم وإفك" وقد مر ذكر ذلك والتمثيل له من التنزيل آنفاً.

همزة القطع المضمومة وموضع وجودها

توجد هذه الهمزة في أربعة مواضع:

الأول: الفعل المضارع من الثلاثي المزيد نحو "أُبرئ وأحيى وأميت" كما في قوله تعالى: {وَأُبْرِىءُ ?لأَكْمَهَ و?لأَبْرَصَ وَأُحْيِ ?لْمَوْتَى? بِإِذْنِ ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} وما كان من هذا الباب.

ثانيها: الفعل المضارع من الثلاثي المضعف نحو "أُبرىءُ" كما في قوله تعالى: {وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِي?}.

ثالثها: الفعل الماضي الثلاثي المبني للمجهول نحو "أمر وأذن" كما في قوله تعالى: {وَمَآ أُمِرُو?اْ إِلاَّ لِيَعْبُدُو?اْ إِلَـ?هاً وَاحِداً}، وقوله تعالى: {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذ?لِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ?لْمُسْلِمِينَ (163) وقوله سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ}.

رابعها: الفعل الماضي الرباعي المبني للمجهول أيضاً نحو: "أُوتي وأوحي وأخرج" كما في قوله تعالى: {قَالُواْ لَوْلا? أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَى?}، وقوله سبحانه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}، وقوله سبحانه: {أَتَعِدَانِنِي? أَنْ أُخْرَجَ}.

"تتمة": ما تقدم هو المواضع القياسية لهمزة القطع في الأسماء والأفعال.

أما في الحروف فهي فيها همزة قطع من غير شرط نحو "أن وكأن" المشددتين والمخففتين أيضاً نحو قوله تعالى: {إِنَّ ?للَّهَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) وقوله سبحانه: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) وقوله عز شأنه: {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـ?ذَا ?لْحَدِيثِ أَسَفاً (6) وقوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} وما شابه ذلك.

ويستثنى من الحروف "ال" عند سيبويه ومذهب الخليل أنها قطعية ووصلت لكثرة الاستعمال.

هذا: وكل ما يرد ذكره من همزات في غير ما تقدم قياسية في همزتي الوصل والقطع أو سماعية بالنسبة لهمزة الوصل فهو من همزات القطع سواء أكانت ساكنة متوسطة أم متطرفة وسواء كانت متحركة مبتدأة أو متوسطة أو متطرفة أو كانت للاستفهام أو لغيره وهي على هذا المنوال كثيرة يصعب حصرها وترد في الأسماء والأفعال والحروف بلا شرط وهي ظاهرة لا تخفى وتدرك بأدنى تأمل.

فإن قلت حيث إن همزات القطع في غير ما تقدم كثيرة وترد في الأسماء والأفعال والحروف بلا قيد فما وجه ذكرها أولاً في أبواب خاصة بها مقيسة فيها.

قلت: وجه ذكرها في تلك الأبواب هو الخوف من وقوع التشابه بينها وبين الأبواب التي تنقاس فيها همزة الوصل إذ يخفى أمرها على المبتدئين وللتنبيه على أنها في هذه الأبواب تأتي همزة قطع لا همزة وصل: وهذا هو محل بحث الصرفيين فيها فتأمل.

وإليك طائفة من أمثلة همزة القطع من غير الأبواب المقيسة فيها والتي مر ذكرها آنفاً.

فمثالها ساكنة في الوسط وفي الطرف نحو "بئر ومأكول ويؤمنون وهيئ" في قوله تعالى: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) وقوله سبحانه: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5) وقوله تعالى: {?لَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ?لْغَيْبِ}، وقوله جل شأنه: {وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10)} وما إلى ذلك.

ومثالها متحركة مطلقاً مبتدأة ومتوسطة ومتطرفة نحو "إنا وقرآن وسئل وسنقرئك وينشئ وبدأ ومن ماء" في قوله تعالى: {إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) وقوله سبحانه: {وَقُرْآنَ ?لْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ?لْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى? مِن قَبْلُ}، وقوله عز شأنه: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى? (6) وقوله عز من قائل: {وَيُنْشِىءُ ?لسَّحَابَ ?لثِّقَالَ (12) وقوله جل وعلا: {وَبَدَأَ خَلْقَ ?لإِنْسَانِ مِن طِينٍ (7) وقوله سبحانه: {وَ?للَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ} وما شابه ذلك.

ومثالها للاستفهام ولا تكون إلا مفتوحة نحو "أطلع أتتركون أألد الذكرين" في قوله تعالى: {أَطَّلَعَ ?لْغَيْبَ أَمِ ?تَّخَذَ عِندَ ?لرَّحْمَـ?نِ عَهْداً (78) وقوله سبحانه: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ (146) وقوله جلت قدرته: {ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـ?ذَا بَعْلِي شَيْخاً}، وقوله سبحانه: { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ?لأُنْثَيَيْنِ} وما كان على هذا النحو.

ومن ثم يتضح جليًّا أن همزة القطع تأتي ساكنة في الوسط وفي الطرف وتأتي متحركة مطلقاً في الابتداء والوسط والطرف وتوجد في الأسماء والأفعال والحروف بخلاف همزة الوصل فإنها لا توجد إلا في أول الكلمة ولا تقع ساكنة بحال: فخالفت همزة القطع في أنها لا تأتي ساكنة، ولا توجد في وسط الكلمة ولا في آخرها فتأمل هذا. والله ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث في اجتماع همزتي القطع والوصل معاً في كلمة واحدة وبيان حكمها وصلاً وابتداء. )

لاجتماع هاتين الهمزتين صورتان:

الأولى: أن تتقدم همزة الوصل على همزة القطع الساكنة.

الثانية: أن تتقدم همزة القطع التي للاستفهام على همزة الوصل.

ولكل من هاتين الصورتين كلام خاص نوضحه فيما يلي:

الكلام على الصورة الأولى وهي تقدم همزة الوصل على همزة القطع الساكنة

وذلك لا يكون إلا في الأفعال خاصة نحو "اؤتمن وائتذن وائتوا وائتنا وائتوني" في قوله تعالى: {فَلْيُؤَدِّ ?لَّذِي ?ؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}، وقوله سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ?ئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي}، وقوله عز وجل: {ثُمَّ ?ئْتُواْ صَفّاً}، وقوله عز من قائل: {وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ?ئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ}، وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ?لسَّمَاوَاتِ ?ئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـ?ذَآ} وما إلى ذلك.

ثم لهذه الصورة حالتان:

الحالة الأولى: وصل كلمة من هذه الكلمات ونحوها بما قبلها وحينئذ تسقط همزة الوصل في الدرج وتثبت همزة القطع ساكنة نحو "الذي اؤتمن" بأن وصل لفظ "الذي" بلفط "اؤتمن" وهنا نجد أن همزة الوصل سقطت في الوصل وبقيت همزة القطع ساكنة وذلك عند من قرأ بتحقيقها كحفص عن عاصم. وهكذا الحكم في بقية الأمثلة المذكورة وشبهها.

الحالة الثانية: الابتداء بكلمة من هذه الكلمات ونحوها كالابتداء بكلمة "ائتنا" وحينئذ ثبتت همزة الوصل وتبدل همزة القطع الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها وذلك بإجماع القراء.

وأما حركة الابتداء بهمزة الوصل في هذه الحالة فخاضع لحركة ثالث الفعل كما تقدم.

فإن كان ثالثه مضموماً ضمًّا لازماً فحركة الابتداء بهمزة الوصل تكون بالضم وذلك لضم ثالث الفعل كما لو ابتدئ بكلمة "اؤتمن" وهنا تبدل الهمزة الساكنة واواً مدية لوقوعها إثر ضم.

وإن كان ثالث الفعل مفتوحاً كانت حركة الابتداء بهمزة الوصل بالكسر وذلك لفتح ثالث الفعل كما لو ابتدئ بكلمة "ائذن لي" وهنا تبدل الهمزة الساكنة ياء مدية لوقوعها إثر كسر.

وإن كان ثالث الفعل مضموماً ضمًّا عارضاً كانت حركة الابتداء بهمزة الوصل بالكسر على الأصل ولا التفات إلى الضم الموجود حالياًّ لثالث الفعل فإنه عارض كما مر: ومثاله: الابتداء بكلمة "ائتوني" ونحوها وهنا تبدل الهمزة الساكنة ياء مدية لوقوعها إثر كسر باعتبار الأصل.

هذا: ولم أجد من نبه على حكم اجتماع الهمزتين في هذه الصورة فيما وقفت عليه من مراجع هذا الفن ولا بد من بيان ذلك لأن بعض المبتدئين أو من لا علم عنده يخفى عليه الحكم في هذه المسألة فيقرأ بهمزتين محققتين في الوصل والابتداء وهذا خطأ قبيح وتحريف صريح لا يجوز في كتاب الله تعالى.

الكلام على الصورة الثانية وهي تقدم همزة القطع التي للاستفهام على همزة الوصل

وهذا وارد في الأفعال والأسماء: ولهذه الصورة حالتان أيضاً:

الحالة الأولى: حذف همزة الوصل وبقاء همزة الاستفهام مفتوحة وذلك خاص بالأفعال بالنسبة لما جاء في القرآن الكريم وفي مواضع معدودة كما سيأتي:

الحالة الثانية: بقاء الهمزتين مجتمعتين معاً في الكلمة وذلك خاص بالأسماء وفيما يلي توضيح كلتا الحالتين.

أما حالة حذف همزة الوصل وإبقاء الاستفهام مفتوحة فذلك إذا كانت همزة الوصل في فعل وكانت مكسورة في الابتداء لو تجردت عنها همزة الاستفهام وابتدئ بها. والوارد من ذلك في القرآن الكريم سبعة مواضع: منها خمسة متقف عليها بين القراء العشرة. والموضعان الآخران مختلف فيهما بينهم.

أما الخمسة المتفق عليها:

فأولها: قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ?للَّهِ عَهْداً} بسورة البقرة.

ثانيها: قوله تعالى: {أَطَّلَعَ ?لْغَيْبَ أَمِ ?تَّخَذَ عِندَ ?لرَّحْمَـ?نِ عَهْداً (78)} بسورة مريم.

وثالثها: قوله تعالى: {أَفْتَرَى? عَلَى ?للَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} بسورة سبأ.

ورابعها: قوله سبحانه: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ?لْعَالِينَ (75)} بسورة ص.

وخامسها قوله سبحانه: {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} بسورة المنافقون.

وأما الموضعان المختلف فيهما:

فأولهما: قوله تعالى: {أَصْطَفَى ?لْبَنَاتِ عَلَى? ?لْبَنِينَ (153)} بسورة الصافات.

وثانيهما: قوله سبحانه: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ?لأَبْصَار (63)} بسور ص.

فقد قرأ بعضهم بوصل الهمزة فيهما على الإخبار ويبتدئ بكسر الهمزة على القاعدة السابقة. وبعضهم بقطع الهمزة فيهما مفتوحة على الاستفهام وحذف همزة الوصل وبالنسبة لحفص عن عاصم في هذين الموضعين فإنه قرأ فيهما بقطع الهمزة مفتوحة على الاستفهام وصلاً وابتداء. وبذلك تكون المواضع السبعة كلها مقطوعة الهمزة على روايته: فتأمل.

ووجه حذف همزة الوصل في هذه الأفعال أن الأصل فيها "أإتخذتم. أإطلع أإفترى. أإستكبرت. وأإستغفرت. أإتخذناهم. أإصطفى" بهمزتين:

أولاهما: همزة الاستفهام ولا تكون إلا مفتوحة كما مر.

وثانيهما: همزة الوصل وهي مكسورة لوجودها في الماضي السداسي في "استكبرت. واستغفرت" وفي الماضي الخماسي في الباقي. فخذفت همزة الوصل في جميعها استغناء عنها بهمزة الاستفهام ولا يترتب على حذفها التباس الاستفهام بالخبر. لأن همزة الاستفهام إحدى همزات القطع المفتوحة أبداً وهي ثابتة في الوصل والابتداء كما مر بخلاف همزة الوصل فإنها ثابتة في الابتداء ساقطة في الوصل وهي في هذه الأفعال مكسورة في الابتداء لفتح ثالثها كما تقدم وبالله التوفيق.

وأما حالة بقاء همزة الاستفهام مفتوحة مع همزة الوصل في كلمة واحدة فالشرط أن تكون همزة الوصل مفتوحة في البدء وواقعة في اسم محلى بأل وحينئذ لا يجوز حذفها بالإجماع لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر فيتغير المعنى تبعاً لذلك والجائز فيها حينئذ وجهان:

الأول: إبدالها ألفاً مع المد الطويل لملاقاتها بالساكن الأصلي.

الثاني: تسهيلها بين بين أي بين الهمزة والألف مع القصر والمراد به هنا عدم المد مطلقاً، والوجهان صحيحان مقروء بهما لكل القراء ووجه الإبدال هو المقدمة في الأداء والوارد من ذلك في التنزيل ستة مواضع باتفاق القراء العشرة وموضع مختلف فيه بينهم.

أما المواضع الستة المتفق عليها:

فأولها وثانيها: "آلذكرين" في قوله تعالى: {قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ?لأُنثَيَيْنِ} بموضعي الأنعام.

وثالثها ورابعها: "آلآن" في قوله تعالى: {الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}، وقوله سبحانه: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ?لْمُفْسِدِينَ (91)} الموضعان بسورة سيدنا يونس عليه السلام.

وخامسها وسادسها: "آلله" في قوله تعالى: {ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام وفي قوله سبحانه: {ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} بالنمل.

وأما الموضع السابع المختلف فيه فهو كلمة "ءالسحر" في قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى? مَا جِئْتُمْ بِهِ ?لسِّحْرُ} بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام فقد قرأ أبو عمرو البصري وأبو جعفر المدني بإبدال همزة الوصل ألفاً مع المد الطويل وبتسهيلها بين بين من غير مد كما تقدم.

وقرأ الباقون بهمزة وصل على الخبر مفتوحة في الابتداء لوجودها في "ال".

وقد أشار إلى هذه الحالة الإمام الشاطبي رحمه الله في الشاطبية بقوله:

*وإنْ همزُ وصلٍ بين لام مسكنٍ * وهمزة الاستفهامِ فامدده مُبْدِلا*

*فللكلِّ ذا أولى ويقصرُهُ الذي * يسهِّل عن كل كآلان مُثِّلا اهـ*

كما أشار العلامة الطيبي إلى حالتي همزة الوصل حذفاً وبقاء بقوله رحمه الله تعالى:

*وهمزُ وصل إنْ عليه دخلا * همزة الاستفهام أبدل سهِّلا*

*إن كان همز ألْ وألا فاحْذِفا * كأتخذتم أفترى أصطفى اهـ*

(/)

________________________________________

( التتمة. )

"تتمة": إذا وقف على لفظ "بئس" اختبار بالموحدة في قوله تعالى: {بِئْسَ ?لاسْمُ ?لْفُسُوقُ بَعْدَ ?لإَيمَانِ} بسورة الحجرات وابتدئ من لفظ "الاسم" فيجوز فيه وجهان:

الأول: الابتداء بهمزة الوصل مفتوحة وكسر اللام.

الثاني: الابتداء بلام مكسورة من غير همزة وصل قبلها.

والوجهان صحيحان مقروء بهما ابتداء للقراء العشرة والوجه الأول هو الأولى والمقدم في الأداء اتباعاً لرسم المصحف الشريف.

وقد أشار إلى هذين الوجهين شيخ شيوخي العلامة المتولي في الروض النضير بقوله:

*وفي بئس الاسم ابدأ بأل أو بلامه * فقد صُحِّحَ الوجهان في النَّشْر للمَلاَ اهـ*

هذا: وبعض المبتدئين يخفى عليه الحكم في هذا اللفظ وصلاً أو ابتداء فيقرأ بسكون اللام وبقطع همزة "اسم" وهو خطأ فاحش لم يقل به أحد ولا يجوز بحال لأن همزة اسم همزة وصل كما مر دخلت عليها لام التعريف وهي ساكنة وبعدها السين ساكنة فالتقى ساكنان فلزم تحريك أولها بالكسر وهو اللام تخلصاً من التقاء الساكنين وحذفت همزة الوصل لدخول لام التعريف عليها كما هو مقرر فتأمل وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الباب السادس عشر / في بيان الوقف على أواخر الكلم )

( التمهيد للدخول إلى الباب. )

للوقف حالان:

الأولى: ما يوقف عليه وما يبتدأ به وقد تقدم الكلام عليها في باب الوقف والابتداء.

الثانية: ما يوقف به من سكون أو ورم إلى آخر ما سيأتي بيانه وهذه هي المقصودة بالذكر هنا.

والكلمة الموقوف عليها لا تخلو من أن يكون الحرف الأخير منها صحيحاً أو معتلاًّ.

فإن كان صحيحاً. فإما أن يكون ساكناً في الحالين نحو "فحدث" في نحو قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}. وإما أن يكون متحركاً وعرض عليه السكون للوقف نحو "للمتقين وينفقون والحساب والعسر واليسر" كما في قوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)}. وقوله: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}. وقوله سبحانه: {وَ?للَّهُ سَرِيعُ ?لْحِسَابِ (202) وقوله جل وعلا: {يُرِيدُ ?للَّهُ بِكُمُ ?لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ?لْعُسْرَ} وما إلى ذلك مما سيأتي بيانه.

وإن كان معتلاًّ: فإما أن يكون "ألفاً" أو واواً "كيتلوا" أو ياء "كترمي" في نحو قوله تبارك وتعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى? (8) وقوله سبحانه: {رَسُولٌ مِّنَ ?للَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً (2) وقوله جل وعلا: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَ?لْقَصْرِ (32)} وما كان على هذا النحو ولكل من الوقف على الصحيح والمعتل قواعد متبعة نوضحها في الفصلين الآتيين:

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول في الوقف على الكلمة الصحيحة الآخر. وفيه: )

تقدم أن الكلمة الصحيحة الآخر إما أن يكون آخرها ساكناً في الحالين. وإما أن يكون متحركاً في الوصل وعرض عليه السكون للوقف. فإن كان آخرها ساكناً في الحالين نحو {فَلاَ تَنْهَرْ (10)} فليس فيه إلا الوقف بالسكون كالوصل كما سيأتي. وإن كان آخرها متحركاً وعرض عليه السكون للوقف نحو {وَ?لْفَجْرِ (1)} فالقراء يقفون عليه بخمسة أوجه في الغالب وهي: السكون المحض والروم والإشمام والحذف والإبدال ولكل من هذه الأوجه الخمسة كلام خاص نوضحه فيما يلي:

الكلام على الوقف بالسكون المحض وما يجوز فيه

السكون المحض هو الخالص من الروم والإشمام ويقال له السكون المجرد أي المجرد من الروم والإشمام أيضاً وسواء أكان محضاً أم مجرداً فهو عبارة عن عزل الحركة عن الحرف الموقوف عليه فيسكن حينئذ ضرورة والسكون هو الأصل في الوقف لما تقدم من أن الوقف معناه "الكف" والقارئ بوقفه على الكلمة يكون قد كف عن الإتيان بالحركة في الحرف الأخير منها والتزم فيه السكون. ولأنه في الغالب يطلب في وقفه الاستراحة وسلب الحركة أبلغ في تحصيلها ولأن الوقف ضد الابتداء والحركة ضد السكون فكما اختص الابتداء بالحركة اختص الوقف بالسكون ومن ثم لا يجوز بحال الوقف بالحركة الكاملة ومن وقف بكاملها فقد خالف وحاد عن الصواب وخرج عن منهاج القراءة.

هذا: والوقف بالسكون المحض يكون في كل من المرفوع والمجرور والمنصوب في المعرب وفي كل من المضموم والمكسور والمفتوح في المبني. ويستوي في ذلك المخفف والمشدد والمهموز المحقق والمنون إلا ما كان منه في الاسم المنصوب نحو {حُوباً كَبِيراً (2)} أو في الاسم المقصور مطلقاً نحو "عمى" في قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} كما يستوي أيضاً سكون ما قبل الحرف الأخير الموقوف عليه أو تحركه نحو "نعبد وقبل وبعد" في نحو قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وقوله عز شأنه: {لِلَّهِ ?لأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}، وقد تقدمت الأمثلة لهذا كله بما فيه الكفاية عند الكلام على الوقف على العارض للسكون مطلقاً في باب المد والقصر فارجع إليه إن شئت.

الكلام على الوقف بالروم وما يجوز فيه

الروم معناه في اللغة الطلب وفي الاصطلاح هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك التضعيف معظم صوتها وقال بعضهم هو الإتيان ببعض الحركة وقدر العلماء تضعيف الصوت بالحركة أو الإتيان ببعضها بالثلث أي أن المحذوف من الحركة أكثر من الثابت في حالة الروم ومن ثم ضعف صوتها لقصر زمنها فيسمعها القريب المصغي ولو كان أعمى دون البعيد ويكون الوقف بالروم في المرفوع والمجرور من المعرب وفي المضموم والمكسور من المبني سواء أكان الحرف الموقوف عليه مخففاً أم مشدداً أم مهموزاً أم غير مهموز منوناً أم غير منون ونعني بالمنون هنا ألا يكون منصوباً كسميعاً وألا يكون في الاسم المقصور كهدى فإن التنوين في هذين يبدل ألفاً في الوقف كما سيأتي بيانه في قسم الإبدال. وسواء سكن ما قبل الحرف الموقوف عليه كالأمر أم تحرك كالبشر وقد تقدمت الأمثلة لذلك مستوفاة عند الكلام على العارض للسكون في باب المد والقصر فراجع.

هذا: ولا يكون الوقف بالروم في المنصوب ولا في المفتوح.

ووجهه: خفة الفتحة وخفاؤها فإذا خرج بعضها حالة الروم خرج سائرها وذلك لأنها لا تقبل التبعيض بخلاف الضمة والكسرة فإنهما تقبلانه لثقلهما ولا بد من حذف التنوين من المنون حال الوقف بالروم كما مر.

وقد أشار إلى حقيقة الروم وما يجري فيه الإمام ابن بري في الدرر بقوله رحمه الله:

*فالروم إضعافك صوت الحركه * من غير أن يذهب رأساً صوتكه*

*يكون في المرفوع والمجرور * معاً وفي المضموم والمكسور*

*ولا يُرى في النصب للقراء * والفتح للخفَّةِ والخفاء اهـ*

الكلام على الوقف بالإشمام وما يجوز فيه

والإشمام في عرف القراءة عبارة عن ضم الشفتين من غير صوت بعد النطق بالحرف الأخير ساكناً إشارة إلى الضم ولابد من إبقاء فرجة "أي انفتاح" بين الشفتين لإخراج النفس وضم الشفتين لإشمام يكون عقب مسكون الحرف الأخير من غير تراخ فإن وقع التراخي فهو إسكان محض لا إشمام معه. وهذا ما أشار إليه إمامنا الشاطبي رحمه الله تعالى في الشاطبية بقوله:

*والاشمام إطباقُ الشفاه بعيد ما * يسَكَّن لا صوت هناك فيصحلا اهـ*

والإشمام يرى بالعين ولا يسمع بالأذن ولهذا لا يأخذه الأعمى من الأعمى بل يأخذه عن المبصر ليريه كيفيته بخلاف الروم فإن الأعمى يدركه من غيره بحاسة السمع سواء أكان هذا الغير بصيراً أم ضريراً.

هذا: والإشمام يكون في المرفوع من المعرب وفي المضموم من المبني. والأمثلة غير خفية لتقدمها في "باب المد والقصر" في فصل العارض للسكون مطلقاً فارجع إليه إن شئت. وإنما جاز الإشمام في المرفوع والمضموم دون غيرهما من الحركات لأنه المناسب لحركة الضمة لانضمام الشفتين عند النطق بها ولم يجز في المجرور والمنصوب والمكسور والمفتوح لخروج الفتحة بانفتاح الضم والكسرة بانخفاضه ولهذا تعسر الإتيان بالإشمام لما تقدم من أنه ضم الشفتين ولأن الإشمام في المفتوح والمكسور يوهم حركة الضم فيهما في الوصل بينما هما ليسا كذلك وهذا هو وجه المنع هنا فاحفظه.

وقد أشار إلى صفة الإشمام وما يجري فيه الإمام ابن بري في الدرر بقوله رحمه الله:

*وصفةُ الإشمام إطباقُ الشفاه * بعد السكون والضريرُ لا يراهُ*

*من غير صوت عنده مسموع * يكون في المضموم والمرفوع اهـ*

وما تقدم ذكره من منع الوقف بالحركة كاملة ومن جواز الوقف بالأوجه الثلاثة التي هي السكون المحض والروم والإشمام بالشروط المتقدمة ينطوي تحت قول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية:

*وحاذر الوقف بكل الحركه * إلا إذا رُمت فبعضُ حركه*

*إلا بفتح أو بنصب وأشمْ * إشارة بالضمِّ في رفع وضمْ اهـ*

هذا: وباعتبار ما تقدم من الوقف بالأوجه الثلاثة ينقسم الموقوف عليه إلى ثلاثة أقسام:

أولها: ما يجوز فيه الوقف بالأوجه الثلاثة التي هي الوقف بالسكون المحض والروم والإشمام.

ثانيها: ما يجوز فيه الوقف بالسكون المحض والروم ولا يجوز فيه الإشمام.

ثالثها: ما يجوز فيه الوقف بالسكون المحض فقط ولا يجوز فيه روم ولا إشمام.

أما القسم الأول: وهو ما يوقف عليه بكل من السكون المحض والروم والإشمام فهو ما كان متحركاً في الوصل بالرفع نحو "الرحيم ويقبض ويبصط" في قوله تعالى: {لاَّ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ ?لرَّحْمَـ?نُ ?لرَّحِيمُ (163) وقوله تعالى: {وَ?للَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} أو بالضم نحو "قبل وبعد وحيث ويا سماء" في قوله تعالى: {لِلَّهِ ?لأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}، وقوله سبحانه: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ?لْمَسْجِدِ ?لْحَرَامِ}، وقوله جل شأنه: {وَي?سَمَآءُ أَقْلِعِي}.

وأما القسم الثاني: وهو ما يوقف عليه بالسكون المحض أو بالروم ولا يجوز فيه الإشمام فهو ما كان متحركاً في الوصل بالجر نحو "حميد، من العلم، بالوحي" في قوله تعالى: {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) وقوله سبحانه: {وَلَئِنِ ?تَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ?لْعِلْمِ}، وقوله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِ?لْوَحْيِ} أو بالكسر نحو "هؤلاء وهذان" في قوله تعالى: {ه?أَنْتُمْ هَؤُلا?ءِ}، وقوله تعالى: {إِنْ هَـ?ذَانِ لَسَاحِرَانِ}.

وأما القسم الثالث: وهو ما يوقف عليه بالسكون المحض فقط ولا يجوز فيه روم ولا إشمام فينحصر في خمسة أنواع وهي:

النوع الأول: هاء التأنيث وهي قسمان: قسم رسم بالهاء المربوطة "كالصلاة والزكاة والجنة والمغفرة" في قوله تعالى: {وَيُقِيمُواْ ?لصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ?لزَّكَاةَ}، وقوله سبحانه: {وَ?للَّهُ يَدْعُو?اْ إِلَى ?لْجَنَّةِ وَ?لْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} فهذا ونحوه يوقف عليه بالسكون المحض بالإجماع ولا يدخله روم ولا إشمام.

وقسم رسم بالتاء المفتوحة وقد تقدم الكلام عليه في بابه. وهذا يوقف عليه بالسكون المحض فقط لمن مذهبه الوقف عليه بالهاء المربوطة كابن كثير وأما من وقف عليه بالتاء المفتوحة تبعاً للرسم كحفص عن عاصم فيقف بالأوجه الثلاثة السكون المحض والروم والإشمام وهذا في المرفوع منه نحو "بقيت" في قوله تعالى: {بَقِيَّتُ ?للَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ} وبالسكون المحض والروم في المجرور منه نحو "رحمت" في قوله تعالى: {فَ?نظُرْ إِلَى? آثَارِ رَحْمَتِ ?للَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ ?لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ} وبالسكون المحض فقط في المنصوب منه نحو "نعمت" في قوله تعالى: {ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ ?ذْكُرُواْ نِعْمَتَ ?للَّهِ عَلَيْكُمْ}.

النوع الثاني: ميم الجمع في قراءة من وصلها بواو لفظية في الوصل كقوله تعالى: {وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}.

أما في قراءة من أسكنها كحفص فهي عنده من النوع الساكن في الحالين الآتي بعد.

النوع الثالث: عارض الشكل وهو ما كان محركاً في الوصل بحركة عارضة إما للنقل نحو اللام من قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ} في قراءة من نقل الحركة إلى الساكن قبلها كورش. وإما للتخلص من التقاء الساكنين كالراء من نحو قوله تعالى: {أَنْ أَنذِرِ ?لنَّاسَ} ومنه ميم الجمع قبل الساكن في نحو قوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ?لأَسْبَابُ (166)} وقوله جل شأنه: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ (139)}. وقد تقدم الكلام مستوفياً على هذا النوع كما تقدم وجه منع الروم والإشمام فيه وقفاً عند الكلام على العارض للسكون غير المسبوق بحرف المد واللين فراجعه إن شئت.

وقد أشار إلى هذه الأنواع الثلاثة وحكمها الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في الشاطبية بقوله:

*وفي هاء تأنيث وميم الجميع قلْ * وعارض شكل لم يكونا ليدخلا اهـ*

النوع الرابع: ما كان آخره ساكناً في الوصل والوقف نحو "فأنذر فكبر فطهر فاهجر" في قوله جل وعلا: {ي?أَيُّهَا ?لْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَ?لرُّجْزَ فَ?هْجُرْ (5)} ومنه ميم الجمع في قراءة من أسكنها كما مر آنفاً.

النوع الخامس: ما كان متحركاً في الوصل بالنصب في غير المنون نحو "المستقيم والخبء" أو بالفتح نحو "لا ريب - للمتقين - وتبَّ" في قوله تعالى: {?هْدِنَا ?لصِّرَاطَ ?لْمُسْتَقِيمَ (6)} ونحوه وقوله تعالى: {يُخْرِجُ ?لْخَبْءَ فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ}، وقوله سبحانه: {ذَلِكَ ?لْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) وقوله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)}.

أما المنون المنصوب فسيأتي حكمه عند الكلام على وجه الوقف بالإبدال.

وقد تقدم مزيد بيان من هذه الأنواع في فصل العارض للسكون مطلقاً في باب المد والقصر كما سبق هناك ما يجوز في هاء الضمير وقفاً من حيث جواز الوقف بالروم والإشمام وفاقاً وخلافاً فارجع إليه إن شئت. ولنرجع إلى ذكر بقية الأوجه الخمسة التي يقف بها القراء غالباً فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون.

الكلام على الوقف بوجه الحذف وما يجري فيه

الوقف بوجه الحذف يجري في أربعة مواضع:

أولها: التنوين من المرفوع والمجرور نحو "كريم ومكنون" في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78)}.

ثانيها: صلة هاء الضمير واواً كانت أو ياء نحو "ربه وبه" في قوله تعالى: {بَلَى? إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً (15)}.

ثالثها: صلة ميم الجمع عند من قرأ بصلتها نحو قوله تبارك وتعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ?هْتَدَيْتُمْ}.

رابعها: الياءات الزوائد عند من أثبتها في الوصل فقط نحو "أكرمن وأهانن" في قوله تعالى: {فَيَقُولُ رَبِّي? أَكْرَمَنِ (15) وقوله جل وعلا: {فَيَقُولُ رَبِّي? أَهَانَنِ (16)} فإذا حذفت هذه الحروف كلها سكن الحرف الذي قبل المحذوف ووقف عليه بالسكون.

الكلام على الوقف بوجه الإبدال وما يجري فيه

الوقف بوجه الإبدال يجري في شيئين اثنين:

الشيء الأول: ويشمل ثلاثة أنواع:

أولها: التنوين في الاسم المنصوب سواء رسمت الألف فيه أم لم ترسم.

فالأول: نحو "وكيلا" في نحو قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى? ?للَّهِ وَكَفَى? بِ?للَّهِ وَكِيلاً (3)}.

والثاني: نحو "دعاء ونداء" في قوله تعالى: {وَمَثَلُ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ?لَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً}، وما كان على هذا النحو.

ثانيها: التنوين في الاسم المقصور مطلقاً سواء أكان مرفوعاً أم مجروراً أم منصوباً نحو "عمى ومصفى وغزى" في قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}، وقوله سبحانه: {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى}، وقوله جل وعلا: {أَوْ كَانُواْ غُزًّى} وما أشبه ذلك.

ثالثها: لفظ "إذاً" المنون نحو قوله تعالى: {فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ?لنَّاسَ نَقِيراً (53) وقوله سبحانه: {إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ?لْحَيَاةِ}.

فكل هذه الأنواع وما شاكلها يبدل فيها التنوين ألفاً في الوقف. ومثلها في ذلك إبدال نون التوكيد الخفيفة بعد الفتح ألفاً لدى الوقف في موضعين اثنين في التنزيل بالإجماع وهما قوله تعالى: {وَلَيَكُوناً مِّن ?لصَّاغِرِينَ (32) وقوله سبحانه: {لَنَسْفَعاً بِ?لنَّاصِيَةِ (15)}.

الشيء الثاني تاء التأنيث المتصلة بالاسم المفرد كما في قوله تعالى: {?دْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِ?لْحِكْمَةِ وَ?لْمَوْعِظَةِ ?لْحَسَنَةِ}، فتبدل هذه التاء هاء لدى الوقف فإن كانت منونة نحو قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} حذف تنوينها وأبدلت هاء كذلك لدى الوقف وهذا يرجع إلى الوقف بالسكون فتأمل وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني في الوقف على الكلمة المعتلة الآخر. وفيه: )

التمهيد للدخول إلى هذا الفصل:

تقدم أن الكلمة المعتلة الآخر المعنية هنا هي التي آخرها أحد حروف المد الثلاثة سواء كان ألفاً "كدعا" أم واواً "كيدعو" أم باء "كنقضي" في نحو قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَسَّ ?لإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ}، وقوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ}، وقوله سبحانه: {إِنَّمَا تَقْضِي هَـ?ذِهِ ?لْحَيَاةَ ?لدُّنْيَآ (72)} وحكم الوقف عليها مرتبط بوجود حرف المد وعدمه.

فإن كان حرف المد ثاتباً في الرسم ولم يأت بعده ساكن فالوقف على هذه الكلمة بإثبات حرف المد كإثباته في الوصل تبعاً للرسم وذلك نحو الوقف على قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى? (8) وقوله سبحانه: {فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي}، وقوله جل وعلا: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}.

فإن أتى بعده ساكن فيحذف لفظاً لا خطًّا في الوصل لالتقاء الساكنين ويثبت وقفاً تبعاً للرسم كالوقف على كلمة "ملاقوا" و"يربى" "وقالا" في قوله عز وجل: {قَالَ ?لَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {يَمْحَقُ ?للَّهُ ?لْرِّبَا وَيُرْبِي ?لصَّدَقَاتِ}، وقوله عز من قائل: {وَقَالاَ ?لْحَمْدُ لِلَّهِ ?لَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى? كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ?لْمُؤْمِنِينَ (15)}.

وإن كان حرف المد محذوفاً في الرسم فالوقف يكون بالحذف تبعاً لرسمه سواء كان ألفاً أم واواً أم ياء كالوقف على "فتول ويدع واتق" في نحو قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}، وقوله سبحانه: {وَيَدْعُ ?لإِنْسَانُ بِ?لشَّرِّ دُعَآءَهُ بِ?لْخَيْرِ}، وقوله جل وعلا: {يَ?أَيُّهَا ?لنَّبِيُّ ?تَّقِ ?للَّهَ وَلاَ تُطِعِ ?لْكَافِرِينَ وَ?لْمُنَافِقِينَ}.

هذا هو الضابط المتبع في الوقف على الكلمات التى آخرها حروف المد واللين ولا خلاف فيه بين عامة القراء غير أن هناك حروفاً للمد جاءت في آخر الكلمات خرجت عن هذا الضابط.

منها: ما هو محذوف في الوقف مع وجوده في الرسم.

ومنها: ما هو محذوف في الوصل مع وجوده في الرسم، والوقف عليه قد يكون بالإثبات. وقد يكون بالإثبات والحذف معاً.

ومنها: ما هو محذوف في الوقف لعدم رسمه لكنه ثابت في الوصل.

ومنها: ما هو محذوف في الحالين لأسباب كجزم أو بناء أو غيرهما.

وفيما يلي توضيح تلك الصور في كل حرف من حروف المد بانفراد فأقول مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه سبحانه.

الكلام على الألف المدية وصورها حذفاً وإثباتاً

للألف المدية أربع حالات وفيما يلي بيانها:

الحالة الأولى: إثباتها في الحالين وذلك في كل ما ثبتت فيه رسماً في المصحف الشريف بشرط ألا يقع بعدها ساكن سواء كانت للمفرد أو للمثنى أو كانت منقلبة عن ياء أو عن غيرها كالوقف على لفظ "لا تخافا ومعكما وأرى وسنا ونجا" في نحو قوله تعالى: {قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى? (46) وقوله سبحانه: {يَكَاُ سَنَا}، وقوله جل وعلا: {وَقَالَ ?لَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} وإثبات الألف في الوقف والوصل هنا متفق عليه.

الحالة الثانية: حذفها في الحالين وشرطه إذا كانت غير مرسومة في المصحف الشريف بسبب جزم أو بناء أو غيرهما.

فمثال المحذوفة للجزم الفعل المضارع المجزوم بحذف الألف نحو "تر ويؤت ويخش ويأب" في نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ?لَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ}، وقوله تعالى: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ?لْمَالِ}، وقوله عز من قائل: {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ?للَّهَ}، وقوله سبحانه: {وَلاَ يَأْبَ ?لشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ} وما إلى ذلك.

ومثال المحذوفة للبناء فعل الأمر المبني على حذف الألف نحو "وانه وفتول" في قوله تعالى: {وَ?نْهَ عَنِ ?لْمُنْكَرِ}، وقوله سبحانه: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}، والألف هنا وفي المجزوم محذوفة وصلاً ووقفاً بالإجماع ويوقف بسكون الراء والتاء والشين والباء والهاء واللام في الأمثلة المذكورة وشبهها.

ومثال الألف المحذوفة لغير الجزم والبناء "ما" الاستفهامية المجرورة بحرف الجر المحذوفة الألف وهي في التنزيل في خمسة مواضع:

الأول: "فيم" نحو قوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43)} بالنازعات وشبهها.

الثاني: "بم" نحو قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ?لْمُرْسَلُونَ (35)} بالنمل ونحوها.

الثالث: "لم" نحو قوله تعالى: {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} بفصلت وما أشبهها.

الرابع: "عم" في قوله سبحانه: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1)} بالنبأ وليس غيرها في التنزيل فيما أعلم.

الخامس: "مم" في قوله جلت قدرته: {فَلْيَنظُرِ ?لإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)} بالطارق ونحوها إن وجد وحكم الوقف على "ما" الاستفهامية مختلف فيه بين القراء. فوقف البزي عن ابن كثير المكي ويعقوب البصري بإلحاق هاء السكت في أحد الوجهين عنهما. ووقف الباقون ومن بينهم حفص عن عاصم بحذف هاء السكت وسكون الميم مع التشديد في "عم ومم" ومع التخفيف في غيرهما فتدبر.

ويلحق بمواضع هذه الحالة لفظ "ثمود" في أربعة مواضع في التنزيل:

أولها: قوله تعالى: {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام.

ثانيها: قوله سبحانه: {وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ?لرَّسِّ} بسورة الفرقان.

ثالثها: قوله جل وعلا: {وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ} بسورة العنكبوت.

رابعها: قوله جلت قدرته: {وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَى? (51)} بسورة النجم. فيوقف عليها بحذف الألف وسكون الدال وإن كانت مرسومة في المصحف الشريف وحذف الألف هذه خاص بمن قرأ بترك تنوين الدال ومن بينهم حفص عن عاصم.

أما من قرأ بالتنوين فيقف بالألف عوضاً منه على القاعدة.

الحالة الثالثة: إثباتها في الوقف وحذفها في الوصل وذلك في ثلاث صور:

الصورة الأولى: إذا وليها ساكن فتحذف في الوصل للتخلص من التقاء الساكنين وتثبت في الوقف تبعاً للرسم سواء أكانت أصلية أم منقلبة عن ياء أم كانت للمثنى أم لغيره كالوقف على كلمة "قلنا والقتلى وذكرى وذاقا وتلكما ويا أيها" في نحو قوله تعالى: {قُلْنَا ?هْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً}، وقوله تعالى: {قُلْنَا ?حْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ?ثْنَيْنِ}، وقوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لْقِصَاصُ فِي ?لْقَتْلَى ?لْحُرُّ بِالْحُرِّ} الآية، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ?لدَّارِ (46) وقوله سبحانه: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ?لشَّجَرَةَ بَدَتْ}، وقوله تعالى: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ?لشَّجَرَةِ}، وقوله سبحانه: {ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ ?تَّقُواْ رَبَّكُمُ} ونحوها وهذه قاعدة كل القراء إلا أنه استثنى من لفظ "أيها" ثلاثة مواضع في التنزيل رسمت في المصاحف بغير ألف بعد الهاء وهي قوله تعالى: {وَتُوبُو?اْ إِلَى ?للَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ?لْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وقوله سبحانه: {وَقَالُواْ يَ?أَيُّهَ ?لسَّاحِرُ}، وقوله جل وعلا: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ?لثَّقَلاَنِ (31)}، وفي الوقف عليها خلاف بين القراء فبعضهم وقف بالألف وبعضهم بحذفها وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن وقف بحذف الألف وسكون الهاء وفاقاً لرسم المصحف الشريف.

الصورة الثانية: وهي في كلمات مخصوصة وقعت في رؤوس الآي وفي أربع كلمات: "الظنونا والرسولا والسبيلا وقواريرا" ومواضعها في التنزيل قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِ?للَّهِ ?لظُّنُونَاْ (10) وقوله تعالى: {ي?لَيْتَنَآ أَطَعْنَا ?للَّهَ وَأَطَعْنَا ?لرَّسُولاَ (66) وقوله جل وعلا: {فَأَضَلُّونَا ?لسَّبِيلاْ (67)} وهذه الثلاثة بالأحزاب، وقوله سبحانه: {كَانَتْ قَوَارِيرَاْ (15)}، الموضع الأول بالإنسان وهذه المواضع الأربعة قرأ حفص فيها بحذف الألف وصلاً وبإثباتها وقفاً تبعاً للرسم.

وأما لفظ "قواريرا" الثاني من سورة الإنسان فسيأتي ذكره في الحالة الرابعة الآتية بعد.

هذا: ومن مواضع حذف الألف وصلاً وإثباتها وقفاً في غير ما تقدم لفظ "أنا" الضمير المنفصل إذا لم يقع قبل همزة القطع سواء وقع قبل ساكن أو متحرك كما في قوله تعالى: {إِنَّنِي? أَنَا ?للَّهُ لا? إِلَـ?هَ إِلا? أَنَاْ فَ?عْبُدْنِي} وهذا باتفاق عامة القراء.

أما لفظ "أنا" الواقع قبل همزة القطع نحو قوله تعالى: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) وقوله سبحانه: {وَأَنَاْ أَوَّلُ ?لْمُسْلِمِينَ (163) وقوله سبحانه: {إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} فقد اختلف القراء في حذف الألف وإثباتها في الوصل ولكنهم اتفقوا على إثباتها وقفاً تبعاً للرسم وبالنسبة لحفص فإنه ممن قرأ في هذا اللفظ بحذف الألف وصلاً وبإثباتها وقفاً.

الصورة الثالثة: إذا كانت الألف مبدلة من التنوين سواء كان في الاسم المقصور مطلقاً نحو "قرى وعمى وفتى" في قوله تعالى: {فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ}، وقوله سبحانه: {وهو عليهم عمى}، وقوله جل وعلا: {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)} أو كان الاسم المنصوب نحو "حسيباً" في قوله تعالى: {وَكَفَى? بِ?للَّهِ حَسِيباً (6)} ونحو "ركعاً سجداً مصراً غثاء" في قوله تعالى: {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً}، وقوله سبحانه: {?هْبِطُواْ مِصْراً}، وقوله عز شأنه: {فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى? (5)}.

وكذلك الحكم في لفظ "إذاً" المنونة كقوله تعالى: {وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّآ أَجْراً عَظِيماً (67) وقوله تعالى: {إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى? ذِي ?لْعَرْشِ سَبِيلاً (42)}.

ومثال ذلك إذا وقف على نون التوكيد الخفيفة الواقعة بعد الفتح في قوله تعالى: {يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ?لصَّاغِرِينَ (32) وقوله سبحانه: {لَنَسْفَعاً بِ?لنَّاصِيَةِ (15)} فكل هذا يوقف عليه بالألف وفاقاً للرسم بالإجماع.

الحالة الرابعة: وهي حذف الألف وصلاً وجواز الوجهين وقفاً. أو الحذف فقط أو الإثبات فحسب فتلك صور ثلاث للوقف في هذه الحالة وإليك بيانها وفق رواية حفص عن عاصم رغبة في الاختصار.

أما الصورة الأولى: وهي حذف الألف وصلاً وجواز الوجهين وقفاً أي بإثبات الألف وحذفها مع سكون اللام.

فوقعت في لفظ واحد وهو "سلاسلا" في قوله تعالى: {إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً (4)}، بالإنسان وإثبات الألف هو المقدم على حذفها إن وقف بها معاً وليس اللفظ بمحل وقف إلا للضرورة أو الاختبار "بالموحدة".

وأما الصورة الثانية: وهي حذف الألف وصلاً ووقفاً مع وجودها في الرسم فوقعت في لفظ واحد كذلك وهو "قواريرا" الموضع الثاني من سورة الإنسان في قوله تعالى: {قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16)}.

وأما الصورة الثالثة: وهي حذف الألف وصلاً وإثباتها وقفاً تبعاً للرسم فوقعت في لفظ واحد أيضاً وهو "لكنا" في قوله تبارك وتعالى: {لَّ?كِنَّاْ هُوَ ?للَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38)} بالكهف، والله تعالى أعلم.

الكلام على الواو المدية وصورها حذفاً وإثباتاً

للواو المدية أربع حالات كالألف وهي كما يلي:

الحالة الأولى: إثباتها في الحالين تبعاً لرسمها في المصحف الشريف. وذلك في كل ما ثبتت فيه رسماً بشرط ألا يقع بعدها ساكن كقوله تعالى: {?لَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ونحو "مهلكوا وأوفوا وملاقوا" في قوله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو? أَهْلِ هَـ?ذِهِ ?لْقَرْيَةِ}، وقوله سبحانه: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ}، وقوله تعالى: {?لَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَ?قُواْ رَبِّهِمْ} وما إلى ذلك.

والإثبات في الحالين في هذه الحال متفق عليه بين عامة القراء.

الحالة الثانية: حذفها في الحالين وهذا إذا كانت غير مرسومة في المصحف الشريف بسبب جزم أو بناء أو غيرهما.

مثال المحذوفة للجازم الفعل المضارع المجزوم بحذف الواو نحو "يخل ويعش وتدع ونعف ولا تقف" في قوله تعالى: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}، وقوله سبحانه: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ?لرَّحْمَـ?نِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وقوله تعالى: {أُخْرَى? وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى? حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى?}، وقوله سبحانه: {إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ (66) وقوله جل وعلا: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ونحو ذلك.

ومثال المحذوفة للبناء فعل الأمر للواحد المذكر المبني على حذف الواو نحو "اعف وادع واتل" في قوله تعالى: {وَ?عْفُ عَنَّا وَ?غْفِرْ لَنَا وَ?رْحَمْنَآ}، وقوله سبحانه: {?دْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِ?لْحِكْمَةِ وَ?لْمَوْعِظَةِ ?لْحَسَنَةِ}، وقوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَ?دْعُ}، وقوله جل وعلا: {?تْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ?لْكِتَابِ وَأَقِمِ ?لصَّلاَةَ} وشبهه. فالوقف على هذه الأفعال أو تلك بحذف الواو وسكون الحرف الأخير لعامة القراء.

أما مثال ما حذفت منه الواو لغير الجزم والبناء فهو في أربعة أفعال باتفاق المصاحف والقراء وهي "يدع ويمحو وسندع" في قوله تعالى: {يوم يدع الداع} بالقمر، وقوله سبحانه: {وَيَدْعُ ?لإِنْسَانُ بِ?لشَّرِّ دُعَآءَهُ بِ?لْخَيْرِ} بالإسراء، وقوله تعالى: {وَيَمْحُ ?للَّهُ ?لْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ?لْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} بالشورى، وقوله جل شأنه: {سَنَدْعُ ?لزَّبَانِيَةَ (18)} بالعلق.

وكذلك حذفت الواو من الاسم في موضع واحد وهو "صالح" في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} بالتحريم على القول بأنه جمع مذكر سالم.

وقد نظم هذه المواضع الخمسة شيخ مشايخي العلامة المتولي في "اللؤلؤ المنظوم" بقوله:

*يمحُ بشورى يوم يدْع الداع معْ * ويدعُ الإنسان سندعُ الواو دَعْ*

*وهكذا وصالح الذي وردْ * في سورة التحريم فاظفرْ بالرَّشَد اهـ*

وحذف الواو هنا متفق عليه.

الحالة الثالثة: حذفها في الوصل وإثباتها في الوقف وذلك إذا وليها ساكن فتحذف في الوصل تخلصاً من التقاء الساكنين وتثبت في الوقف وفاقاً للرسم سواء كانت في اسم أو في فعل.

فمثال وجودها في الاسم نحو "ملاقو وكاشفو ومرسلو وأولو وصالو" في نحو قوله تعالى: {قَالَ ?لَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ?للَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {إِنَّا كَاشِفُو ?لْعَذَابِ قَلِيلاً}، وقوله جل وعلا: {إِنَّا مُرْسِلُواْ ?لنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ}، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ?لأَلْبَابِ (19) وقوله سبحانه: {إِنَّهُمْ صَالُواْ ?لنَّارِ (59)} وما إلى ذلك.

ومثال وجودها في الفعل نحو "يمحو وأسروا وأوفوا فاستبقوا يرجوا تبوءوا ويقيموا ويؤتوا وجابوا" في قوله تعالى: {يَمْحُواْ ?للَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ}، وقوله تعالى: {وَأَسَرُّواْ ?لنَّجْوَى}، وقوله سبحانه: {وَأَوْفُوا ?لْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ}، وقوله جل جلاله: {فَ?سْتَبَقُواْ ?لصِّرَاطَ}، وقوله جل وعلا: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ?للَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ?للَّهَ وَ?لْيَوْمَ ?لآخِرَ}، وقوله سبحانه: {وَ?لَّذِينَ تَبَوَّءُوا ?لدَّارَ وَ?لإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، وقوله سبحانه: {وَيُقِيمُواْ ?لصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ?لزَّكَاةَ}، وقوله تعالى: {وَثَمُودَ ?لَّذِينَ جَابُواْ ?لصَّخْرَ بِ?لْوَادِ (9)} وما جاء على هذا النحو.

هذا: وحذف الواو في الوصل وإثباتها في الوقف في هذه الحالة متفق عليه.

الحالة الرابعة: إثباتها في الوصل وحذفها في الوقف على العكس من الحالة السابقة وذلك إذا كانت صلة لهاء الضمير نحو قوله تعالى: {لَهُ مُلْكُ ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ}، وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)} وما أشبه ذلك. والوقف هنا بحذف واو الصلة وسكون الهاء باتفاق القراء قاطبة تبعاً للرسم كما مر في باب المد والقصر "فصل هاء الضمير" وبالله التوفيق.

الكلام على الياء المدية وصورها حذفا وإثباتاً

للياء المدية خمس حالات وإليك بيانها:

الحالة الأولى: إثباتها في حالتي الوصل والوقف تبعاً لرسمها في المصحف الشريف وذلك في كل ما ثبتت فيه رسماً بشرط ألا يقع بعدها ساكن نحو "سآوى ويعصمني ويقضي وتوفني وألحقني وإني" في نحو قوله تعالى: {قَالَ سَآوِي? إِلَى? جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ?لْمَآءِ}، وقوله تعالى: {وَ?للَّهُ يَقْضِي بِ?لْحَقِّ}، وقوله جل وعلا: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِ?لصَّالِحِينَ (101) وقوله جل جلاله: {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ?لْمُسْلِمِينَ (15)}، وما كان على هذا النحو. وهذا هو الضابط في إثبات الياء في الحالين لعامة القراء غير أن هناك ثماني عشرة ياء في أربعة وعشرين موضعاً في التنزيل ثبتت رسماً في الحالين ولها نظائر حذفت منها ولابد للقارئ من معرفتها جيداً لئلا يلتبس عليه الأمر فيذهب إلى حذف الثابتة منها أو العكس وهو من الجن.

ومن تلك الياءات الثابتة في الحالين لعامة القراء الياء في كلمة "الأيدي" في الموضع الثاني من سورة ص في قوله تعالى: {وَ?ذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ?لأَيْدِي وَ?لأَبْصَارِ (45) ونظيرها كلمة "الأيد" في الموضع الأول من نفس السورة في قوله تعالى: {وَ?ذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ?لأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)} فإن الياء فيها محذوفة رسماً ولفظاً ووصلاً ووقفاً بالإجماع وفي هذه المسألة يقول بعضهم:

*ويا أولي الأيدي بإثبات وصفْ * وياء ذا الأيد لكلِّهم حُذِفْ اهـ*

فإذا وقف على كلمة "الأيدي" الثانية وقف بإثبات الياء وإذا وقف على كلمة "الأيد" الأولى وقف بحذفها والحذف في هذه والإثبات في تلك متفق عليه كما مر فتأمل.

وأما باقي الياءات الثابتة في الحالين المجمع عليها ذات النظائر المحذوفة مطلقاً فهي "واخشوني" في قوله تعالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَ?خْشَوْنِي وَلأُتِمَّ}، "ويأتي" في قوله سبحانه: {فَإِنَّ ?للَّهَ يَأْتِي بِ?لشَّمْسِ مِنَ ?لْمَشْرِقِ} الموضعان بالبقرة. "فاتبعوني" في قوله تعالى: {فَ?تَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ?للَّهُ} بآل عمران، "وهداني" في قوله سبحانه: {هَدَانِي رَبِّي? إِلَى? صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} "ويأتي" في قوله سبحانه: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} كلاهما بالأنعام "ويأتي" أيضاً في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} "والمهتدي" في قوله سبحانه: {مَن يَهْدِ ?للَّهُ فَهُوَ ?لْمُهْتَدِي} الموضعان بالأعراف "وديني" في قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ?لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ} بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام، و"فكيدوني" في قوله تعالى: {فَكِيدُونِي جَمِيعاً} بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام، "ونبغي" في قوله سبحانه: {قَالُواْ ي?أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـ?ذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا}، "واتبعني" في قوله تعالى: {عَلَى? بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ?تَّبَعَنِي} الموضعان بسورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، "وتأتي" في قوله سبحانه: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} بالنحل "وتسألني" في قوله سبحانه: {فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ} بالكهف و"فاتبعوني" في قوله تعالى: {فَ?تَّبِعُونِي وَأَطِيعُو?اْ أَمْرِي (90)} بسورة طه صلى الله عليه وسلم "ويهديني في قوله تعالى: {عَسَى? رَبِّي? أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ?لسَّبِيلِ (22)} بالقصص "ويا عبادي" في قوله تعالى: {ي?عِبَادِيَ ?لَّذِينَ آمَنُو?اْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} بالعنكبوت، "واعبدوني" في قوله تعالى: {وَأَنِ ?عْبُدُونِي هَـ?ذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61)} بيس، "وديني ويتقي ويا عبادي وهداني" في قوله تعالى: {قُلِ ?للَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي (14) وقوله سبحانه: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُو?ءَ ?لْعَذَابِ يَوْمَ ?لْقِيَامَةِ}، وقوله تعالى: {قُلْ ي?عِبَادِيَ ?لَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى? أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {لَوْ أَنَّ ?للَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ ?لْمُتَّقِينَ (57)} وهذه المواضع الأربعة بالزمر "وأخرتني" في قوله تعالى: {رَبِّ لَوْلا? أَخَّرْتَنِي? إِلَى? أَجَلٍ} بالمنافقون، "ودعائي" في قوله تعالى: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِي? إِلاَّ فِرَاراً (6)} بسورة سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام.

أما نظائرها المحذوفة في الرسم باستثناء نظير كلمة "الأيدي" بصَ فإنها قد ذكرت في سبع عشرة ياء في عشرين موضعاً وهي "اخشون" في قوله تعالى: {وَ?خْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} بالمائدة "ويأت" في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام "واتبعون" في قوله تعالى: {ي?قَوْمِ ?تَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ ?لرَّشَادِ (38)} بغافر وفي قوله سبحانه: {وَ?تَّبِعُونِ هَـ?ذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61)} بالزخرف "وهدان" في قوله تعالى: {قَالَ أَتُحَاجُّو?نِّي فِي ?للَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} بالأنعام "والمهتد" في قوله تعالى: {وَمَن يَهْدِ ?للَّهُ فَهُوَ ?لْمُهْتَدِ} بالإسراء، وفي قوله سبحانه: {مَن يَهْدِ ?للَّهُ فَهُوَ ?لْمُهْتَدِ} بالكهف "وكيدون" في قوله سبحانه: {ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195)} بالأعراف، "ونبغ" في قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} بالكهف "واتبعن" في قوله تعالى: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ?تَّبَعَنِ} بآل عمران، "وتسألن" في قوله تعالى: {فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام "ويهدين" في قوله تعالى: {وَقُلْ عَسَى? أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـ?ذَا رَشَداً} بالكهف "وفاعبدون" في قوله تعالى: {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَ?عْبُدُونِ} بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام "ويتق" في قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ} سورة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، "وأخرتن" في قوله سبحانه: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى? يَوْمِ ?لْقِيَامَةِ} بالإسراء، "ودعاء" في قوله سبحانه: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ} بسورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام "ودين" في قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} بالكافرون، "وعباد ويا عباد وقل يا عباد" في قوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ?لَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ?لْقَوْلَ}، وقوله سبحانه: {ي?عِبَادِ فَ?تَّقُونِ (16) وقوله جل وعلا: {قُلْ ي?عِبَادِ ?لَّذِينَ آمَنُواْ ?تَّقُواْ رَبَّكُمْ} وهذه الثلاثة بالزمر.

والحذف في هذه الياءات مختلف فيه بين القراء وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه قرأ في جميعها بالحذف قولاً واحداً بخلاف الإثبات في نظائرها التي تقدمت فإنه متفق عليه بينهم فتفطن كثيراً لحذف هذه لحفص وإثبات تلك لكلهم وبالله التوفيق.

الحالة الثانية: حذف الياء في الحالين وذلك إذا كانت غير مرسومة في المصحف الشريف وهذا الحذف يكون غالباً في صور ست وفيما يلي ذكرها:

الصورة الأولى: الفعل المضارع المعتل المجزوم بحذف الياء نحو "تمش وتبغ" في قوله تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي ?لأَرْضِ مَرَحاً} وقوله سبحانه: {وَلاَ تَبْغِ ?لْفَسَادَ فِي ?لأَرْضِ}.

الصورة الثانية: فعل الأمر المبني على حذف الياء نحو "اتق وآت وابتغ" في قوله تعالى: {?تَّقِ ?للَّهَ وَلاَ تُطِعِ ?لْكَافِرِينَ وَ?لْمُنَافِقِينَ}، وقوله سبحانه: {وَآتِ ذَا ?لْقُرْبَى? حَقَّهُ}، وقوله عز من قائل: {وَ?بْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ?للَّهُ ?لدَّارَ ?لآخِرَةَ}.

الصورة الثالثة: الاسم المنادى المضاف إلى ياء المتكلم سواء حذف منه حرف النداء أم لم يحذف.

فالأول: نحو "رب" في قوله تعالى: {رَّبِّ ?غْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}، وقوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي ?لْمَوْتَى?}، وقوله سبحانه: {رَبِّ ?بْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ?لْجَنَّةِ}.

والثاني: نحو "يا قوم يا عباد" في قوله تعالى: {يَاقَوْمِ ?عْبُدُواْ ?للَّهَ}، وقوله سبحانه: {ي?عِبَادِ فَ?تَّقُونِ (16) وقوله تعالى: {قُلْ ي?عِبَادِ ?لَّذِينَ آمَنُواْ}، الموضع الأول بالزمر والحذف في هذه الصور الثلاث متفق عليه غير أنه استثنى من الصورة الثالثة كلمتان أُثبتت فيهما الياء مع وجود حرف النداء من غير خلاف في المصاحف كلها وهما في قوله تعالى: {ي?عِبَادِيَ ?لَّذِينَ آمَنُو?اْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} بالعنكبوت، وقوله تعالى: {قُلْ ي?عِبَادِيَ ?لَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى? أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ?للَّهِ} الموضع الثاني بسورة الزمر، واختلف في موضع واحد وهو قوله عز من قائل: {ي?عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ?لْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68)} بالزخرف فرسم في المصاحف المدنية والشامية بإثبات الياء بعد الدال وفي المصاحف المكية والعراقية بحذفها وكما اختلفت المصاحف الشريفة في هذه الكلمة اختلف القراء فيها أيضاً فبعضهم أثبتها مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف حرف مد ولين. وبعضهم أثبتها ساكنة حرف مد ولين في الوصل والوقف. وبعضهم حذفها في الحالين. وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن قرأ بحذف الياء في الحالين ووقف على الدال الساكنة.

الصورة الرابعة: الأسماء المنقوصة المرفوعة والمجرورة إذا كانت منونة فقد اتفقت المصاحف على حذف الياء منها من أجل تنوينها. والوارد منها في القرآن الكريم ثلاثون اسماً في سبعة وأربعين موضعاً وهي كما يلي: {باغ ولا عاد ومن مُّوصٍ وعن تراضٍ ولا حام ولأتٍ وغواشٍ ولهم أيدٍ ولعالٍ وأنه ناج وهادٍ وواقٍ ومستخفٍ ووالٍ ووادٍ وباق ومفترٍ وليالٍ وقاض وزانٍ وهو جاز وبكاف ومعتد وفانٍ وحميم ءَانٍ دانٍ ومهتدٍ وملاقٍ ومن راقٍ وهارٍ}. على أنه مقلوب فكل هذه الأسماء محذوفة الياء في الحالين تبعاً للرسم والوقف عليها بسكون الحرف الأخير منها للكل ومنهم حفص عن عاصم فتأمل.

الصورة الخامسة: الياءات الزوائد وهي الياءات المتطرفة الزائدة في التلاوة على رسم المصاحف العثمانية ولكونها زائدة في التلاوة على الرسم عند من أثبتها سميت بالزوائد وفي حال ثبوتها لا يكون ما بعدها إلا متحركاً. وتكون في الأسماء نحو "المتعال والتناد" في قوله تعالى: {عَالِمُ ?لْغَيْبِ وَ?لشَّهَادَةِ ?لْكَبِيرُ ?لْمُتَعَالِ}، وقوله سبحانه: {وَي?قَوْمِ إِنِّي? أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ?لتَّنَادِ (32) وفي الأفعال نحو "فارهبون ويسر وأكرمن" في قوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَ?رْهَبُونِ (40) وقوله سبحانه: {وَ?للَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) وقوله تعالى: {فَيَقُولُ رَبِّي? أَكْرَمَنِ (15)}.

وجملتها في القرآن الكريم مائة وإحدى وعشرون ياء وقد اختلف القراء العشرة في إثباتها وحذفها وصلاً أو وصلاً ووقفاً وتفصيل ذلك مبسوط في كتب الخلاف تركنا ذكره هنا طلباً للاختصار ومراعاة لحال المبتدئين. وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه مذهبه في جميعها الحذف مطلقاً تبعاً للرسم. ولهذا عددناها من الياءات المحذوفة في الحالين فتأمل.

الصورة السادسة: الياءات الزوائد التي تقدم تعريفها في الصورة الخامسة قبل هذه غير أنها في هذه الصورة وقع بعدها ساكن وحينئذ تحذف لفظاً ورسماً للتخلص من التقاء الساكنين وجملتها في التنزيل إحدى عشرة ياء في ستة عشر موضعاً وهي "يؤت" في قوله تعالى: {وَسَوْفَ يُؤْتِ ?للَّهُ ?لْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} بالنساء "واخشون" في قوله تعالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَ?خْشَوْنِ ?لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بالمائدة "ويقص" في قوله سبحانه: {يَقُصُّ ?لْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ?لْفَاصِلِينَ} بالأنعام وذلك على قراءة من قرأ بسكون القاف وبالضاد المعجمة المكسورة وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن قرأ بضم القاف وبالصاد المهملة المضمومة المشددة وعليه فلا دخل لهذه الياء في قراءته "وننج" في قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ?لْمُؤْمِنِينَ} بسورة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام "والواد" في قوله تعالى: {إِنَّكَ بِ?لْوَادِ ?لْمُقَدَّسِ طُوًى (12)} بسورة طه صلى الله عليه وسلم، وقوله سبحانه: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِ?لْوَادِ ?لْمُقَدَّسِ طُوًى (16)} بالنازعات "وواد" في قوله تعالى: {حَتَّى? إِذَآ أَتَوْا عَلَى? وَادِ ?لنَّمْلِ} بالنمل "والواد" في قوله تعالى: {نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ?لْوَادِي ?لأَيْمَنِ} بالقصص "ولهاد" في قوله تعالى: {وَإِنَّ ?للَّهَ لَهَادِ ?لَّذِينَ آمَنُو?اْ} بالحج "وبهاد" في قوله تعالى: {وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ?لْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ} بالروم "ويردن" في قوله تعالى: {إِن يُرِدْنِ ?لرَّحْمَـ?نُ} بيس "وصال" في قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ?لْجَحِيمِ (163)} بالصافات، "ويناد" في قوله تعالى: {يَوْمَ يُنَادِ ?لْمُنَادِ} بق، "وتغن" في قوله سبحانه: {فَمَا تُغْنِ ?لنُّذُرُ (5)} بالقمر، "والجوار" في قوله تعالى: {وَلَهُ ?لْجَوَارِ ?لْمُنشَئَاتُ فِي ?لْبَحْرِ كَ?لأَعْلاَمِ (24)} بسورة الرحمن جل وعلا، وفي قوله سبحانه: {?لْجَوَارِ ?لْكُنَّسِ (16)} بالتكوير.

وقد اتفق القراء العشرة على حذف هذه الياءات وصلاً للساكن كما تقدم. واختلفوا في إثباتها وقفاً.

فمنهم من أثبتها كلها.

ومنهم من أثبت بعضها.

ومنهم من حذف جميعها وتفصيل هذا مبسوط في كتب الخلاف تركنا ذكره هنا رغبة في الاختصار وبالنسبة لحفص عن عاصم فإنه ممن قرأ بالحذف فيها جميعاً فتنبه.

الحالة الثالثة: إثباتها في الوقف وحذفها لفظاً في الوصل وذلك إذا وليها ساكن فتحذف في الوصل للتخلص من التقاء الساكنين وثبتت في الوقف تبعاً للرسم سواء كانت في الأفعال أو في الحروف أو في الأسماء وهذا مما لا خلاف فيه بين القراء.

ففي الأفعال: نحو "تسقى ويؤتى ويربي ويأتي وأوفى وادخلي" في قوله تعالى: {وَلاَ تَسْقِي ?لْحَرْثَ}، وفي قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ}، وفي قوله سبحانه: {يَمْحَقُ ?للَّهُ ?لْرِّبَا وَيُرْبِي ?لصَّدَقَاتِ}، وقوله عز وجل: {فَسَوْفَ يَأْتِي ?للَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، وقوله جل وعلا: {أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي? أُوفِي ?لْكَيْلَ}، وقوله سبحانه: {قِيلَ لَهَا ?دْخُلِي ?لصَّرْحَ} وما إلى ذلك.

وفي الحروف نحو "إني وليتني" في نحو قوله تعالى: {إِنِّي ?صْطَفَيْتُكَ عَلَى ?لنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي}، وفي قوله تعالى: {ي?لَيْتَنِي ?تَّخَذْتُ مَعَ ?لرَّسُولِ سَبِيلاً (27)} على قراءة من سكن الياء في الوصل كحفص عن عاصم.

وفي الأسماء: نحو "عهدي وقومي وبعدي" في قوله تعالى: {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ?لظَّالِمِينَ}، وقوله سبحانه: {إِنَّ قَوْمِي ?تَّخَذُواْ هَـ?ذَا ?لْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وقوله عز وجل: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ?سْمُهُ أَحْمَدُ} وهذا على قراءة من سكن الياء في الوصل كحفص عن عاصم، ونحو "أيدي وبهادي ومخزي" في قوله تعالى: {ظَهَرَ ?لْفَسَادُ فِي ?لْبَرِّ وَ?لْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى الناس}، وفي قوله سبحانه: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ?لْمُؤْمِنِينَ}، وقوله تعالى: {وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ?لْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ} بالنمل، وقوله تعالى: {وَأَنَّ ?للَّهَ مُخْزِي ?لْكَافِرِينَ (2)} وهذا بالاتفاق وكذلك فيما أشبهه ومنه جمع المذكر السالم المنصوب أو المجرور بالياء المضاف لما بعده والوارد منه في القرآن الكريم سبعة مواضع وهي: "حاضري ومحلي ومعجزي وآتي والمقيمي ومهلكي" في قوله تعالى: {لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ?لْمَسْجِدِ ?لْحَرَامِ وَ?تَّقُواْ} بالبقرة، وقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ?لأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى? عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ?لصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} بالمائدة، وقوله سبحانه: {وَ?عْلَمُو?اْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ?للَّهِ} وقوله سبحانه: {وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَ?عْلَمُو?اْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ?للَّهِ وَبَشِّرِ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)} الموضعان بالتوبة، وقوله تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضِ إِلاَّ آتِي ?لرَّحْمَـ?نِ عَبْداً (93)} بمريم، وقوله جل وعلا: {وَ?لْمُقِيمِي ?لصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35)} بالحج وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ?لْقُرَى? إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)} بالقصص. وقد نظمها بعضهم فقال:

*محلِّي مُقيمي حاضري معجزي معا * وفي مريم آتي كذا مُهلكي القرى*

*فبالياء قِفْ على الكل للكل مُبتلى * لحذف سكون بعد ذي الياء قد جرى اهـ*

والحكم في هذه الحالة متفق عليه بين الشموس العشرة.

"تنبيه هام": بخصوص الوقف على جمع المذكر السالم المضاف لما بعده.

مما لا يخفى أن جمع المذكر السالم المضاف لما بعده الذي تقدم ذكره آنفاً كان قبل الإضافة هكذا "حاضرين محلين .. إلخ" فلما أضيف لما بعده حذفت منه النون كما هو مقرر وبقيت الياء مرسومة وعند الوقف يوقف بها تبعاً للرسم وعند الوصل تحذف لفظاً لالتقاء الساكنين كما هي القاعدة. وعليه: فإذا وقف على كلمة من كلمات الجمع السابقة لا يجوز بحال رد النون المحذوفة بحجة الوقف عليها وزوال إضافتها لما بعدها لأن الوقف حينئذ لا يزال بنية الإضافة وهذا هو الصواب خلافاً لمن قال برد النون بحجة الوقف عليها وزوال إضافتها وهذا خطأ فاحش لا يجوز في القرآن الكريم لأنه لو زيدت النون لزيد في القرآن ما ليس منه وقد تكلم العلماء في هذه المسألة ردًّا على من قال بزيادة النون وقفاً ونورد هنا بعضاً من كلامهم.

قال صاحب "منار الهدى في بيان الوقف والابتدا" بعد أن عدد مواضع الجمع السالفة الذكر ما نصه "ومن لا مساس له بهذا الفن يعتقد أو يقلد من لا خبرة له أن النون تزاد حالة الوقف ويظن أن الوقف على الكلمة يزيل حكم الإضافة ولو زال حكمها لوجب أن لا يجر ما بعد الياء لأن الجر إنما أوجدته الإضافة. فإذا زالت وجب أن يزول حكمها وأن يكون ما بعدها مرفوعاً فمن زعم رد النون فقد أخطأ وزاد في القرآن ما ليس منه" أهـ منه بلفظه.

وقال صاحب المشكلات بعد أن عدد مواضع الجمع المشار إليها آنفاً ما نصه: "ولا ترد نون الجمع في الوقف لحذفها في الرسم ولأن الوقف فيها على نية الإضافة ومثلها نون المثنى في {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} أهـ منه بلفظه "قلت": ولا ترد نون المثنى أيضاً في نحو قوله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ?ثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً}، وقوله سبحانه: {فَ?نبَجَسَتْ مِنْهُ ?ثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} وقوله جل وعلا: {إِنَّ عِدَّةَ ?لشُّهُورِ عِندَ ?للَّهِ ?ثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ?للَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ?لسَّمَ?وَ?تِ وَ?لأَرْضَ} بأن وقف على لفظ "اثني" أو "اثنتا" أو "اثنا" فالوقف على هذه الكلمات ونحوها يكون على الياء ساكنة في "اثني" وعلى الألف في "اثنتا" و "اثنا" من غير رد النون ولا يزال الوقف بنية الإضافة كما مر.

هذا: ومثل جمع المذكر السالم المنصوب والمجرور المضاف لما بعده في حكم الوقف عليه جمع المذكر السالم المرفوع بالواو المضاف لما بعده أيضاً سواء وقع قبل ساكن أو قبل متحرك.

فالواقع قبل الساكن نحو "ملاقو وكاشفو وأولو" نحو {?لَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ?للَّهِ}، وقوله سبحانه: {إِنَّا كَاشِفُو ?لْعَذَابِ قَلِيلاً}، وقوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ?لْفَضْلِ مِنكُمْ وَ?لسَّعَةِ}.

والواقع قبل المتحرك نحو "ملاقو ونكسو وباسطو وأولو" في قوله تعالى: {?لَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَ?قُواْ رَبِّهِمْ}، وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى? إِذِ ?لْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ}، وقوله سبحانه: {وَلَوْ تَرَى? إِذِ ?لظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ?لْمَوْتِ وَ?لْمَلا?ئِكَةُ بَاسِطُو?اْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُو?اْ أَنْفُسَكُمُ}، وقوله تعالى: {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ}، فإذا وقف على كلمة من هذه الكلمات ونحوها يوقف على الواو ساكنة حرف مد ولا يجوز بحال رد النون المحذوفة بحجة الوقف عليها لما سبق والله تعالى أعلم.

الحالة الرابعة: إثباتها في الوصل وحذفها في الوقف وهذا إذا كانت صلة لهاء الضمير كقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِ?للَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَ?لْيَوْمِ ?لآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (136) وقوله سبحانه: {يُضَاعَفْ لَهُ ?لْعَذَابُ يَوْمَ ?لْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)}، فالوقف في هذه الحالة بحذف يا الصلة وسكون الهاء بالإجماع تبعاً للرسم كما تقدم.

الحالة الخامسة: إثباتها في الوصل وجواز الوجهين في الوقف وهذا في لفظ واحد وهو "آتان" في قوله تعالى: {آتَانِيَ ?للَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ} بالنمل حسب قراءة حفص عن عاصم فحسب فقد قرأ رضي الله عنه بإثبات الياء المفتوحة في الوصل وبجواز الوجهين في الوقف -أي بإثبات الياء ساكنة حرف مد وبحذفها مع سكون النون. والإثبات هو المقدم في الأداء على الحذف إن وقف بهما معاً وليس اللفظ بمحل للوقف إلا للضرورة أو للاختبار "بالموحدة" فتفطن والله الموفق.

(/)

________________________________________

( فصل في بيان بعض الكلمات القرآنية التي يتبع فيها الرسم العثماني في الكتابة لا في القراءة. )

من الأصول المقررة إجماع العلماء وأهل الأداء على لزوم اتباع الرسم العثماني في حالة الوقف على الكلمة القرآنية وهذا من الأمور المتفق عليها بين عامة القراء وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن الجزري في الطيبة بقوله رحمه الله تعالى:

*... ... ... .... * وعن كلٍّ كما الرَّسمُ أجلْ" اهـ*

وقد تقدم المزيد من الكلام على ذلك والتمثيل له بما فيه الكفاية في فصول -باب الوقف على أواخر الكلم- سواء كان الوقف بالإثبات أم بالحذف وسواء كان بالاتفاق أم بالاختلاف إلا أن هناك حروفاً ثابتة في رسم المصحف الشريف لا يجب اتباع الرسم فيها قراءة لا في الوصل ولا في الوقف بل ترسم ولا تقرأ. وأن هناك حروفاً محذوفة في الرسم ولكن يجب التلفظ بها في الوصل والوقف. وفيما يلي بعض الأمثلة على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، فمن الصورة الأولى وهي أن تكون الحروف فيها ثابتة في الرسم ولكن لا يتلفظ بها في القراءة سبعة أشياء:

الأول: الألف المتطرفة الزائدة في الخط في نحو قوله تعالى: {?لَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ?للَّهِ} هذه الألف لا يوقف بها بل يوقف على واو ساكنة حرف مد ولين لسكونها إثر ضم. ومثلُ الوقف في ذلك ونحوه الوصلُ. فتأمل.

الثاني: الياء والواو إذا كانتا عوضين عن الألف في الرسم فالياء نحو "أبي والهوى" والواو نحو "الربا" في قوله تعالى: {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى? وَ?سْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ?لْكَافِرِينَ (34) وقوله سبحانه: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ ?لْهَوَى? أَن تَعْدِلُواْ}، وقوله تعالى: {يَمْحَقُ ?للَّهُ ?لْرِّبَا وَيُرْبِي ?لصَّدَقَاتِ} فالوقف هنا يكون بالألف وليس بالياء ولا بالواوا خلافاً للرسم ومثلُ الوقف في ذلك وشبهه الوصلُ فاحفظه.

الثالث: الحرف الذي جعل صورة الهمز سواء كان ألفاً نحو "تَبوأ ولتنوأ وسبأ بنبأ" أو واواً نحو "امرؤ" أو ياء نحو "امرئ وهيئ" في قوله تعالى: {أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}، وقوله سبحانه: {لَتَنُوءُ بِ?لْعُصْبَةِ أُوْلِي ?لْقُوَّةِ}، وقوله تعالى: {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) ونحو قوله تعالى: {إِن ?مْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}، ونحو قوله تعالى: {لِكُلِّ ?مْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وقوله تعالى: {وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10)} فالوقف هنا يكون على الهمزة ساكنة وليس على الألف ولا على الواو ولا على الياء ومثل الوقف في ذلك وما أشبهه الوصل غير أنه بتحريك الهمزة بحركتها فتدبر.

الرابع: الهمزة المتطرفة التي رسمت على الواو ورسم بعد الواو ألف سواء وقع قبل الهمزة ألف أم لم يقع نحو "نشاء والبلاء والضعفاء والعلماء" ونحو "يعبأ ويدرأ" في نحو قوله تعالى: {أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي? أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}، وفي قوله تعالى: {إِنَّ هَـ?ذَا لَهُوَ ?لْبَلاَءُ ?لْمُبِينُ (106) وقوله سبحانه: {فَقَالَ ?لضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ?سْتَكْبَرُو?اْ}، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى ?للَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ?لْعُلَمَاءُ}، وقوله سبحانه: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ}، وقوله جل وعلا: {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ?لْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِ?للَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ?لْكَاذِبِينَ (8)} فكل هذه الكلمات ونحوها في القرآن الكريم وهي معروفة يوقف فيها على الهمزة ساكنة ولا يوقف على الواو ولا على الهمزة ممدودة بواو من أجل الألف التي بعدها كما قد يتبادر ومثل الوقف هنا الوصل غير أنه بتحريك الهمزة بحركتها فاعرفه.

الخامس: الهمزة المتطرفة التي رسمت على الياء سواء وقع قبل الهمزة ألف أم لم يقع نحو "إيتاء وآناء ومن نبإ ويبدئ" في قوله تعالى: {إِنَّ ?للَّهَ يَأْمُرُ بِ?لْعَدْلِ وَ?لإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ?لْقُرْبَى? وَيَنْهَى? عَنِ ?لْفَحْشَاءِ وَ?لْمُنْكَرِ}، وقوله سبحانه: {وَمِنْ آنَآءِ ?لْلَّيْلِ فَسَبِّحْ}، وقوله تعالى: {وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ?لْمُرْسَلِينَ (34) وقوله جلت قدرته: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ (13)} فكل هذه المواضع ونحوها في التنزيل وهي معروفة ومحصورة يوقف فيها على الهمزة ساكنة ولا يوقف على الياء ولا على الهمزة ممدودة بياء كما قد يتبادر. ومثل الوقف في ذلك ونحوه الوصلُ غير أنه بتحريك الهمزة بحركتها فتفطن.

السادس: الألف الزائدة في الخط كالتي في لفظ "لشيء" في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذ?لِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَن يَشَآءَ ?للَّهُ} بالكهف خاصة وكالتي في لفظ "مائة ومائتين" في نحو قوله تعالى: {فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِائَتَيْنِ} وكالألف المعانقة للام الأولى في "لا إلى" في قوله تعالى: {لإِلَى ?لله تُحْشَرُونَ (158) وكذلك الياء الزائدة التي بعد الياء الأصلية في لفظ "بأييد" في قوله تعالى: {وَ?لسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)} بالذاريات ومثلها لفظ "بأيكم" في قوله تعالى: {بِأَيِّكُمُ ?لْمَفْتُونُ (6)} بالقلم. وكذلك الواو الزائدة التي بين الهمزة واللام في نحو "أولئك وأولو وأولي" في نحو قوله تعالى: {أُوْلَـ?ئِكَ هُمُ ?لصَّادِقُونَ (15) وقوله سبحانه: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ?لأَلْبَابِ (19) وقوله تعالى: {وَ?تَّقُونِ ي?أُوْلِي ?لأَلْبَابِ (197)}، هذه الحروف الزوائد كلها ترسم في الخط ولا يتلفظ بها في القراءة مطلقاً لا في الوصل ولا في الوقف فتنبه.

السابع: الألف المرسومة واواً في نحو "الصلاة والزكاة والحياة ومشكاة" في نحو قوله تبارك وتعالى: {وَأَقَامَ ?لصَّل?وةَ وَآتَى ?لزَّكَ?وةَ}، وقوله تعالى: {وَمَا هَـ?ذِهِ ?لْحَيَ?وةُ ?لدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ}، وقوله سبحانه: {كَمِشْكَ?وةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}، هذه الألف لا تبدل واواً كرسمها في هذه المواضع وشبهها لا في الوصل ولا في الوقف بل ترسم واواً وتقرأ ألفاً فتدبر.

والحكم في هذه الأشياء السبعة التي ذكرناها متفق عليه بين القراء باستثناء حمزة وهشام في وقفهما على الهمز كما مر بالحاشية فاعرف ذلك.

وأما الصورة الثانية: وهي التي تكون فيها الحروف محذوفة في الرسم ولكن يتلفظ بها في القراءة حتماً فمن مواضعها شيئان متفق عليهما بين عامة القراء.

الشيء الأول: الحرف المحذوف لاجتماع صورتين متماثلتين كالياء المتطرفة في نحو "يستحي ويحي" في نحو قوله تعالى: {وَ?للَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ?لْحَقِّ}، وقوله جلت قدرته: {وَ?للَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} فإذا وقف على هذين اللفظين ونحوهما في التنزيل وقف بإثبات الياء الثانية المحذوفة من الرسم حرف مد ولين وهذا على القول بأنها هي المحذوفة لا الأولى قاله العلامة المارغني وجزم الحافظ ابن الجزري في النشر برد هذه الياء في الوقف كما حكى الإجماع على ذلك مُلاَّ علي القاري في شرحه على الشاطبية.

الشيء الثاني: الحروف المتقطعة التي افتتح بها بعض سور التنزيل نحو "يس" و"ص" و"ق" فيوقف على الحرف الأخير من أسمائها ولا يوقف على الحرف المرسوم فيوقف على النون ساكنة في "يس" وعلى الدال ساكنة مقلقلة في "ص" وعلى الفاء ساكنة في "ق" وإن كانت هذه الحروف غير موجودة في رسم المصحف الشريف فتأمل.

وبعد فهذه تسعة أشياء لا يتبع فيها الرسم في القراءة لا في الكتابة وليست كل ما هنالك فهناك أشياء أخرى غيرها تعرف بالتأمل والتفطن. والواجب على قارئ القرآن الكريم أن يلم بشيء من قواعد الرسم العثماني وأن يحفظ شيئاً من متونه الأولى كمتن العقيلة للإمام الشاطبي رضي الله عنه ونفعنا بعلومه فإن ذلك يوصله إلى المتون الكبيرة كمورد الظمآن في رسم القرآن للعلامة الخراز. والله نسأل أن يرشدنا جميعاً إلى ما فيه الصواب حتى نكتب كتاب الله تعالى كتابة صحيحة ونقرأه قراءة سليمة على الوجه الصحيح الذي يرضيه ويرضى عنا إنه قريب مجيب.

(/)

________________________________________

 ( الباب السابع عشر / في الاستعاذة )

( الأولى: في صيغتها. )

أما صيغتها فهي "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وهذه هي المشهورة والمختارة من حيث الرواية لجميع القراء العشرة دون غيرها من الصيغ الواردة فيها لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ?لْقُرْآنَ فَ?سْتَعِذْ بِ?للَّهِ مِنَ ?لشَّيْطَانِ ?لرَّجِيمِ (98)}.

قال الحافظ أبو عمرو الداني في التيسير: "اعلم أن المستعمل عند الحذاق من أهل الأداء في لفظ الاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" دون غيره وذلك لموافقة الكتاب والسنة.

فأما الكتاب فقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ?لْقُرْآنَ فَ?سْتَعِذْ بِ?للَّهِ مِنَ ?لشَّيْطَانِ ?لرَّجِيمِ (98)}.

وأما السنة فما رواه نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه استعاذ قبل القراءة بهذا اللفظ بعينه. "وبذلك قرأت وبه آخذ" أهـ بلفظه وكما أن هذا اللفظ هو المشهور والمختار لجميع القراء هو المأخوذ به عند عامة الفقهاء كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. وقد ادعى بعضهم الإجماع على هذا اللفظ بعينه وهو مردود بما جاء من تغيير في هذا اللفظ تارة والزيادة عليه وتارة بالنقص عنه.

أما الزيادة فمنها "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" أو "أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم" أو "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم" أو "أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الجيم" إلى غير ذلك من الصيغ الواردة عن أئمة القراء وأهل الأداء.

وأما النقص فقد قال الحافظ ابن الجزري في النشر لم يتعرض للتنبيه عليه أكثر أئمتنا وكلام الشاطبي رحمه الله يقتضي عدمه والصحيح جوازه لما ورد: فقد نص الحلواني في جامعه على جواز ذلك فقال وليس للاستعاذة حد ينتهى إليه من شاء زاد ومن شاء نقص أي بحسب الرواية. وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم "أعوذ بالله من الشيطان" من غير ذكر الرجيم وكذا رواه غيره أهـ منه بلفظه.

هذا: ولم أر فيما وقفت عليه من صيغ النقص غير ما ذكر الحافظ ابن الجزري في النشر.

قال العلامة المارغني "فإن قلت" حيث ورد في الكتاب والسنة لفظ أعوذ بالله من الشيطان كما تقدم فلم جوزوا غيره؟ "قلت" الآية لا تقتضي إلا طلب أن يستعيذ القارئ بالله من الشيطان لأن الأمر فيها وهو استعذ مطلق وجميع ألفاظ الاستعاذة بالنسبة إليه سواء فبأي لفظ استعاذ القارئ جاز وكان ممتثلاً والحديث ضعيف كما ذكره الأئمة ومع ذلك فالمختار أن يقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لموافقة لفظ الآية وإن كان الأمر فيها مطلقاً ولورود الحديث به وإن لم يصح لاحتمال الصحة وإنما اختاروا أعوذ مع أن الآية تقتضي استعيذ لوروده في مواضع كثيرة من القرآن كقوله تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ?لشَّياطِينِ (97)} الآية. {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ?لْفَلَقِ (1)}. {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ?لنَّاسِ (1)} ولوروده في عدة أحاديث أهـ.

وأما ما قاله الإمام ابن بري في الدرر اللوامع:

*وقد أتتْ في لفظه أخبارُ * وغير ما في النَّحل لا يُخْتار اهـ*

فأقول لعله قصد بقوله: "وغير ما في النحل لا يختار" أنه لم ينعقد إجماع القراء على غير التعوذ بلفظ سورة النحل أو أن القارئ يسعه التعوذ بأي لفظ وارد وقد اختار هو لفظ النحل وهذا أشبه بقوله وأحبُّ إليَّ إذ كل هذه الألفاظ التي تقدمت وكذلك غيرها من ما لم تذكر واردة والقارئ مأمور بالعمل بإحداها على التخيير وكل حق وصواب وقد تقدم ما يفيد ذلك في كلام العلامة المارغني شارح كلام الإمام ابن بري رحمهما الله تعالى ورحمنا معهما بمنه وكرمه آمين.

(/)

________________________________________

( الثانية: في حكم الجهر والإخفاء بها. )

اعلم أن الجهر بالاستعاذة هو المأخوذ به لدى عامة القراء عند افتتاح القراءة إلا ما روي عن نافع وحمزة من أنهما كانا يخفيان -أي يسران- لفظ الاستعاذة في جميع القرآن. ولكن المشهور عند جماهير العلماء هو الجهر لعامة القراء لا فرق بين نافع وحمزة وغيرهما من باقي الأئمة.

قال الحافظ أبو عمرو الداني في التيسير: "ولا أعلم خلافاً بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن وعند الابتداء برؤوس الأحزاب وغيرها في مذهب الجماعة اتباعاً للنص واقتداء بالسنة".

وقال: "وروى إسحاق المسيبي عن نافع أنه كان يخفيها في جميع القرآن وروى سليم عن حمزة أنه كان يجهر بها في أول أم القرآن خاصة ويخفيها بعد ذلك كذا قال خلف عنه. وقال خلاد عنه أنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعاً" أهـ منه بلفظه.

ولكن قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "أطلقوا اختيار الجهر في الاستعاذة مطلقاً ولابد من تقييده. وقد قيده الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى بحضرة من يسمع قراءته ولابد من ذلك قال: لأن الجهر بالتعوذ إظهار لشعائر القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد، ومن فوائده أن السامع ينصت للقراءة من أولها ولا يفوته منها شيء. وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء. وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفي الصلاة فإن المختار في الصلاة الإخفاء لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة" أهـ منه بلفظه.

وقال الحافظ ابن الجزري في النشر أيضاً: "ومن المواضع التي يستحب فيها الإخفاء إذا قرأ خالياً سواء قرأ جهراً أو سرًّا. ومنها إذا قرأ سرًّا فإنه يسر أيضاً. ومنها إذا قرأ في الدَّوْرِ ولم يكن في قراءته مبتدئاً بالتعوذ لتتصل القراءة ولا يتخللها أجنبي فإن المعنى الذي من أجله استحب الجهر وهو الإنصات فقد في هذه المواضع" أهـ منه بلفظه.

قلت: ويؤخذ مما تقدم أن الجهر بلفظ التعوذ ليس على إطلاقه كما مر بل هناك حالات يستحب فيها الإخفاء وهي كالآتي:

الأول: إذا كان القارئ يقرأ خالياً سواء قرأ سرًّا أو جهراً.

الثانية: إذا كان يقرأ سرًّا.

الثالثة: إذا كان يقرأ في الدَّوْرِ ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة ويفهم من هذا أنه إذا كان هو المبتدئ بالقراءة في الدور فيجهر بلفظه التعوذ لأنه الآن صار في حضرة من يسمع قراءته كما تقدم وما سوى حالات الإخفاء هذه فيجهر القارئ بلفظ التعوذ وهو تفصيل حسن "وجه الجهر بلفظه التعوذ" إنصات السامع للقراءة من أولها فلا يفوته منها شيء لما هو مقرر من أن لفظ التعوذ شعار القراءة وعلامتها "ووجه الإخفاء" حصول الفرق بين ما هو قرآن وما هو ليس بقرآن لأن لفظ التعوذ ليس في القرآن بالإجماع والله أعلم.

(/)

________________________________________

( الثالثة: في حكمها وجوباً أو استحباباً. )

اختلف العلماء في ذلك بعد اتفاقهم على أن الاستعاذة مطلوبة من مريدي القراءة فقال جمهورهم بالاستحباب أي أن الاستعاذة مستحبة عند إرادة القراءة. وعليه فالأمر الوارد في قوله تبارك وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ?لْقُرْآنَ فَ?سْتَعِذْ بِ?للَّهِ مِنَ ?لشَّيْطَانِ ?لرَّجِيمِ (98)} محمول على الندب وعلى هذا المذهب لا يأثم القارئ بتركها.

وقال غير الجمهور بالوجوب أي أن الاستعاذة واجبة عند إرادة القراءة. وعليه فالأمر الوارد في الآية المذكورة محمول على الوجوب وعلى هذا المذهب يأثم القارئ بتركها. والمأخوذ به هو مذهب الجمهور فاحفظه.

(/)

________________________________________

( الرابعة: في محلها. )

جمهور العلماء على أن محل الاستعاذة قبل القراءة أي مقدمة عليها وقيل إن محلها بعد القراءة لظاهر الآية وهو غير صحيح.

قال الإمام أبو شامة في شرحه على الشاطبية: "ووقت الاستعاذة ابتداء القراءة جرى على ذلك العمل في نقل الخلف عن السلف إلا ما شذ عن بعضهم أن موضعهم بعد الفراغ من القراءة وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ?لْقُرْآنَ فَ?سْتَعِذْ بِ?للَّهِ} معناه إذا أردت القراءة كقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ?لصَّلاةِ ف?غْسِلُواْ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليستنشر، ومن أتى الجمعة فليغتسل". كل ذلك مبني على حذف الإرادة أهـ منه بلفظه، وقد أبطل غير واحد من أهل العلم القول بأن الاستعاذة تكون بعد القراءة لظاهر الآية، وقد أطال الحافظ ابن الجزري في الرد على من قال بذلك مما ينبغي الوقوف عليه وقد تركنا إيراد كلامه هنا رغبة في الاختصار ورأفة بالمبتدئين فانظره في النشر وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

( الخامسة: في معناها. )

ومعناها الالتجاء إلى الله تعالى والتحصن به سبحانه من الشيطان فإذا قال القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فكأنه قال ألجأ وأعتصم وأتحصن بالله من الشيطان.

قال العلامة الشيخ سليمان الجمزوري رحمه الله تعالى في كتابه: "الفتح الرحماني بشرح كنز المعاني" ومعناها طلب الإعاذة من الله وهي عصمته يقال عذت بفلان واستعذب به لجأت إليه" أهـ منه بلفظه.

هذا: ولفظ الاستعاذة على أي صيغة كانت ليس من القرآن بالإجماع كما أنه جاء على لفظ الخبر ومعناه الدعاء أي اللهم أعذني من الشيطان.

قال العلامة القسطلاني شارح البخاري في اللطائف: "والشيطان مشتق من شَطَنَ إذا بَعُدَ فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه ن كل خير. والظاهر أن المراد به إبليس وأعوانه" أهـ منه بلفظه كفانا الله تعالى شره ووقانا فتنته في الحياة وعند الممات إنه سبحانه القادر على ذلك.

(/)

________________________________________

( السادسة: في بيان أوجهها. )

أما أوجه الاستعاذة فبحسب ما تقترن به من القراءة لأنها إما أن تقترن بأول السورة. وإما أن تقترن بغير أولها ولكل من هاتين الحالتين كلام خاص نوضحه فيما يلي:

الحالة الأولى: اقتران الاستعاذة بأول السورة:

إذا اقترنت الاستعاذة بأول السورة باستثناء أول سورة براءة فيجوز لجميع القراء أربعة أوجه وإليك ترتيبها حسب الأداء: الأول: قطع الجميع أي الوقف على الاستعاذة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة.

الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة.

الثالث: وصل الأول بالثاني وقطع الثالث أي وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها والابتداء بأول السورة.

الرابع: وصل الجميع أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة جملة واحدة.

أما الابتداء من أول سورة براءة فليس فيه إلا وجهان لجميع القراء وهما:

الأول: القطع أي الوقف على الاستعاذة والابتداء بأول السورة من غير بسملة.

الثاني: الوصل أي وصل الاستعاذة بأول السورة من غير بسملة كذلك وذلك لعدم كتابتها في أولها في جميع المصاحف العثمانية.

وفي وجه عدم كتابة البسملة في أول براءة أقوال كثيرة نذكر منها هنا ما قاله العلامة ابن الناظم في شرح طيبة والده الحافظ ابن الجزري ونصه: "واختلف في العلة التي من أجلها لا يبسمل في سورة براءة بحالة فذهب الأكثرون إلى أنه لسبب نزولها بالسيف يعني ما اشتملت عليه من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد وأيضاً فيها الآية السيف وهي: {قَاتِلُواْ ?لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِ?للَّهِ} الآية وذهب بعضهم إلى احتمال كونها من الأنفال" أهـ منه بلفظه.

هذا: والأشهر فيما قرأته لأئمتنا من الأقوال في هذه المسألة هو نزولها بالسيف وهو مروي عن سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعليه الجمهور من أهل العلم كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني وإليه ذهب الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى وفيه يقول في الشاطبية:

*ومهما تصلها أو بدأت براءة * لتنزيلها بالسيف لست مُبسملا اهـ*

الحالة الثانية: اقتران الاستعاذة بغير أول السورة:

وهذا إذا كان القارئ مبتدئاً من أثناء السورة سواء كان الابتداء من أول الجزء أو الحزب أو الربع أو الثمن أو غير ذلك والمراد بأثناء السورة ما كان بعيداً عن أولها ولو بكلمة. وللقارئ حينئذ التخيير في أن يأتي بالبسملة بعد الاستعاذة أو لا يأتي بها. والإتيان بها أفضل من عدمه لفضلها والثواب المترتب على الإتيان بها وقد اختاره بعضهم قال الإمام ابن بري رحمه الله في الدرر:

*واختارها بعض أولى الأداء * لفضلها في أول الأجزاءِ اهـ*

وبناء على هذا الخلاف إذا أُتيَ بالبسملة بعد الاستعاذة فيجوز للقارئ حينئذ الأوجه الأربعة السالفة الذكر التي في الابتداء بأول السورة وإذا لم يؤت بالبسملة بعد الاستعاذة فللقارئ حينئذ وجهان ليس غير:

أولهما: القطع أي الوقف على الاستعاذة والابتداء بأول الآية.

ثانيهما: الوصل أي وصل الاستعاذة بأول الآية.

ووجه القطع أولى من الوصل خصوصاً إذا كان أول الآية المبتدأ بها اسماً من أسماء الله تعالى أو ضميراً يعود إليه سبحانه وذلك نحو قوله تعالى: {?للَّهُ وَلِيُّ ?لَّذِينَ آمَنُواْ}، وقوله سبحانه: {?لرَّحْمَـ?نُ عَلَى ?لْعَرْشِ ?سْتَوَى? (5) ونحو قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ?لْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ}، وقوله سبحانه: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ?لسَّاعَةِ} ففي هذا وشبهه قطع الاستعاذة أولى من وصلها لما فيه من البشاعة كما في النشر وغيث النفع وغيرهما. وقد اختاره الإمام أبو محمد مكي بن طالب في الكشف كما أحد على الإتيان بالبسملة والحالة هذه العارف بالله تعالى شيخ شيوخنا سيدي الشيخ مصطفى الميهي في فتح الكريم وعبارته "ويستحب البسملة في أثناء السورة ويتأكد ذلك عند نحو {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ?لسَّاعَةِ}، {وَهُوَ ?لَّذِي} لما في ذكر ذلك بعد ذكر الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان" أهـ منه بحروفه.

وقد منع الشهاب البناء في إتحافه وصل البسملة بما بعدها في هذه الحال وكذلك يمنع وصل الاستعاذة بأجزاء السورة إذا كان المبتدأ به اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالابتداء بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ?للَّهِ} فلا يجوز وصل الاستعاذة باسمه صلى الله عليه وسلم لما فيه من البشاعة أيضاً، وهنا ينبغي الإتيان بالبسملة. نبه على ذلك صاحب المكرر وهو كلام جيد لم أره لغيره وكما أن وصل الاستعاذة بأول أجزاء السورة ممنوع إذا كان أولها اسماً من أسماء الله تعالى أو ضميراً يعود عليه سبحانه فينبغي النهي عن البسملة في قوله تعالى: {?لشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ?لْفَقْرَ}، وقوله تعالى: {لَّعَنَهُ ?للَّهُ} ونحو ذلك لما فيه من البشاعة أيضاً. قاله الحافظ ابن الجزري في النشر وهو كلام نفيس واضح بين.

وأما الابتداء من أثناء سورة براءة ففيه التخيير السابق في الإتيان بالبسملة وعدمه. وذهب بعضهم إلى منع البسملة في الابتداء من أثنائها كما منعت من أولها. وهو مذهب حسن وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

( السابعة: فيما إذا قطع القارئ قراءته ثم عاد إليهم وبيان ما يترتب عليه عندئذ. )

إذا عرض للقارئ ما قطع قراءته فإن كان أمراً ضروريًّا كسعال أو عطاس أو كلام يتعلق بالقراءة فلا يعيد لفظ التعوذ، وإن كان أمراً أجنبيًّا ولو ردًّا للسلام فإنه يستأنف التعوذ وكذلك لو قطع القراءة إعراضاً ثم عاد إليها.

"فائدة": قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "إذا قرأ جماعة جملة واحدة هل يلزم كل واحد الاستعاذة أو تكفي استعاذة بعضهم؟ لم أجد فيها نصًّا ويحتمل أن تكون كفاية وأن تكون عيناً على كل من القولين بالوجوب والاستحباب والظاهر الاستعاذة لكل واحد لأن المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه بالله تعالى عن شر الشيطان كما تقدم فلا يكون تعوذ واحد كافياً عن آخره" أهـ منه بلفظه والله أعلم.

(/)

________________________________________

 ( الباب الثامن عشر / في البسملة )

( المسألة الأولى في بيان حكم البسملة عند افتتاح القراءة بأول السورة )

أما حكم البسملة عند افتتاح القراءة من أول السورة باستثناء أول سورة براءة فلا خلاف بين القراء قاطبة في الإتيان بها حتماً وأما الافتتاح بأول سورة براءة فلا خلاف بين القراء أيضاً في ترك البسملة لعدم وجودها في أولها كما تقدم ذلك قريباً في باب الاستعاذة.

(/)

________________________________________

( المسألة الثانية في بيان حكم البسملة عند افتتاح القراءة بغير أول السورة )

قلنا فيما تقدم أن المراد بغير أول السورة ما كان بعيداً عن أولها ولو بكلمة وعليه: فإذا ابتدئ من هذا المكان من أي سورة من سور التنزيل فيجوز لجميع القراء التخيير في الإتيان بالبسملة وعدم الإتيان بها والإتيان بها أفضل من عدمه لما مر.

وقد تقدم الكلام مستوفى على هاتين المسألتين في باب الاستعاذة عند الكلام على اقتران الاستعاذة بأول السورة وبغير أولها وفي هاتين المسألتين يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الشاطبية:

*ولابُدَّ منها في ابتدائك سورة * سواها وفي الأجزاء خُيِّرَ من تلا اهـ*

(/)

________________________________________

( المسألة الثالثة في بيان حكم البسملة عند الجمع بين السورتين )

المراد بالجمع بين السورتين انتهاء القارئ من قراءة السورة السابقة وشروعه في قراءة السورة اللاحقة كالانتهاء من قراءة سورة الفاتحة والشروع في قراءة أول سورة البقرة مثلاً ففي هذه الحالة وما شابهها يجوز ثلاثة أوجه لمن أثبت البسملة وفصل بها بين السورتين قولاً واحداً كحفص عن عاصم باستثناء آخر سورة الأنفال وأول سورة براءة وإليك ترتيب هذه الأوجه الثلاثة حسب الأداء:

الأول: قطع الجميع أي الوقف على آخر السورة السابقة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة اللاحقة.

الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث. أي الوقف على آخر السورة السابقة ووصل البسملة بأول السورة اللاحقة.

الثالث: وصل الجميع -أي وصل آخر السورة السابقة بالبسملة بأول السورة اللاحقة جملة واحدة.

وقد نظم هذه الأوجه الثلاثة العلامة الخليجي في قرة العين فقال رحمه الله تعالى:

*وبين كل سورة وأخرى * لمن يبسمل ثلاث تُقرا*

*قطع الجميع ثم وصل الثاني * ووصْلُ كل فاتْلُ بالإتقان اهـ*

وهذه الأوجه الثلاثة تجوز بين كل سورتين سواء رتبتا في التلاوة كآخر آل عمران مع أول النساء أم لم ترتبا كآخر الفاتحة مع أول المائدة. وفي هذا يقول الإمام أحمد الطيبي في التنوير:

*وبين سورتين لم ترتَّبا * ما بين ما رُتِّبتا قد أوجبا اهـ*

هذا: ولا يجوز وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها لأن في ذلك إيهاماً بأن البسملة لآخر السورة السابقة والحال أنها لأول اللاحقة.

وهذا هو الوجه الممنوع لجميع القراء بالإجماع وفيه يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الشاطبية:

*ومهما تصلها مع أواخر سورة * فلا تقفنَّ الدهر فيها فتثقُلا اهـ*

أما ما بين آخر الأنفال وأول براءة فثلاثة أوجه لعامة القراء وهي كالتالي:

الأول: القطع: أي الوقف على "عليم" مع التنفس والابتداء ببراءة.

الثاني: السكت أي الوقف على "عليم" بسكتة لطيفة بدون تنفس والابتداء ببراءة.

الثالث: الوصل أي وصل "عليم" ببراءة مع تبيين الإعراب وهذه الأوجه الثلاثة بلا بسملة لما تقدم وقد نظمها العلامة الخليجي في "قرة العين" فقال رحمه الله:

*وبين الانفال وتوبةً بلا * بسملة أو اسكت أو صِلاَ اهـ*

تنبيهات:

الأول: الأوجه الثلاثة التي بين آخر الأنفال وأول براءة التي ذكرناها آنفاً لم تكن مقيدة بهذا المحل فحسب بل تجوز بين آخر أي سورة وأول براءة بشرط أن يكون آخر هذه السورة قبل سورة براءة في ترتيب المصحف الشريف فمثلا ً لو وصل آخر سورة آل عمران بأول سورة براءة جازت تلك الأوجه الثلاثة للجميع أيضاً بخلاف ما إذا كان آخر السورة بعد أول سورة براءة في ترتيب المصحف الكريم كأن وصل آخر سورة الكهف بأول سورة براءة فلا يجوز حينئذ إلا القطع بدون بسملة ويمتنع الوصل والسكت.

وكذلك إذا كرر القارئ سورة براءة كأن وصل آخرها بأولها فليس له في هذه الحالة إلا القطع بدون بسملة ويمتنع الوصل والسكت أيضاً.

التنبيه الثاني: إذا وصلت الميم من {ال?م? (1)} فاتحة سورة آل عمران بلفظ الجلالة جاز فيها وجهان للأئمة العشرة باستثناء الإمام أبي جعفر المدني والوجهان هما:

الأول: تحريك الميم بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين مع المد الطويل نظراً للأصل قبل التحريك وهو السكون اللازم.

الثاني: تحريك الميم بالفتح للتخلص أيضاً لكن مع القصر وهو حركتان اعتداداً بالعارض وهو تحريك الميم: والوجهان صحيحان مقروء بهما لمن ذكرنا من القراء والمد الطويل هو المقدم في الأداء وبه قرأت وبه آخذ قراءة وإقراء.

التنبيه الثالث: علم مما تقدم في التنبيه الثاني أن الميم من {ال?م?} فاتحة آل عمران فيها الوجهان المد والقصر في حالة وصلها بلفظ الجلالة فإن روعي هذان الوجهان مع أوجه الاستعاذة الأربعة فتصير الأوجه ثمانية باعتبار وجهي الميم على كل وجه من أوجهها الأربعة وهذا لعامة القراء باستثناء أبي جعفر كما مر.

أما إذا لم توصل الميم بلفظ الجلالة بأن وقف عليها فالأوجه الأربعة المعروفة وهي للقراء العشرة قاطبة.

وكذلك الحكم عند وصل آخر سورة البقرة بأول سورة آل عمران فعلى كل وجه من أوجه البسملة الثلاثة الوجهان الذان في الميم إذا كانت موصولة بلفظ الجلالة فتصير الأوجه التي بين السورتين في هذا المحل ستة أوجه وهذا لحفص عن عاصم ومن وافقه من المبسملين بين السورتين باستثناء أبي جعفر أيضاً.

أما إذا لم توصل الميم بلفظ الجلالة بأن وقف عليها فالأوجه الثلاثة المعروفة لحفص عن عاصم وموافقيه فحسب ويلاحظ عند الوقف على الميم في كلتا الحالتين -أي حالة الاستعاذة وحالة الجمع بين السورتين- المد الطويل بالإجماع كما هو مقرر والله تعالى أعلى وأعلم وأعز وأكرم.

(/)

________________________________________

 ( الباب التاسع عشر / فيما يجب مراعاته لحفص في بعض الكلمات القرآنية )

التمهيد للدخول إلى الباب

تقدم في أبواب هذه الكتيب ما يجب أن يراعى لحفص عن عاصم من أحكام تتعلق بكلمات مخصوصة في القرآن الكريم من طريق الشاطبية سواء أكانت بتنبيه خاص له أم كانت مذكورة له ضمن جماعة من القراء أم كانت من الأحكام المجمع عليها للأئمة العشرة رضي الله عنهم وعنا معهم بمنه وكرمه.

وفيما يلي سرد المهم من هذه الكلمات المذكورة في تلك الأبواب التي تقدمت في هذا الكتيب على سبيل التذكرة لا على سبيل الحصر لتكون أمام الطالب هنا فيلاحظها حال التلاوة فنقول وبالله التوفيق:

أولا: تقدم الكلام مستوفى على حكمة كلمة {ءَآلذَّكَرَيْنِ} في موضعي الأنعام وبابها في باب همزة الوصل والقطع وغيره كباب المد والقصر.

ثانياً: تقدم حكم إدغام الثاء المثلثة في الذال المعجمة في {يَلْهَث ذَّلِكَ} بالأعراف كما تقدم حكم إدغام الباء الموحدة في الميم في {ي?بُنَيَّ ?رْكَبَ مَّعَنَا} بهود عليه السلام وذلك في باب الإدغام قسم المدغم جوازاً وقد بينا هناك أن الإدغام في هاتين الكلمتين لحفص إنما هو من طريق الشاطبية فحسب.

ثالثاً: سبق أو أوضحنا حكم الإشمام والإخفاء وكيفية كل منهما في الأداء في كلمة {تَأْمَنَّا} بيوسف عليه السلام في تتمة ذكرناها في آخر باب الإدغام.

رابعاً: تقدم حكم السكت وكيفيته في الأداء على الألف من كلمة "عوجاً" بالكهف حال الوصل وكذلك حكم السكت على الكلمات أخواتها وقد ذكرنا ذلك في باب الوقف والابتداء -فصل السكت.. إلخ كما نبهنا هناك على أن هذا السكت في كلمة "عوجاً" وأخواتها إنما هو لحفص من طريق الشاطبية فقط.

خامساً: تقدم حكم إظهار النون الساكنة من هجاء "يس" وكذلك من هجاء "ن" عند الواو في قوله تعالى: {يس? (1) وَ?لْقُرْآنِ ?لْحَكِيمِ (2) وقوله سبحانه: {ن? وَ?لْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)}، وذلك في باب أحكام النون الساكنة والتنوين وقد نبهنا هناك على أن هذا الإظهار من طريق الشاطبية فحسب.

سادساً: سبق أن ذكرنا كيفية الوقف على كلمة "آتان" في قوله سبحانه: {آتَانِيَ ?للَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ} بالنمل. وكذلك حكم الوقف على الكلمات الثلاث بسورة الإنسان وهي {سَلاَسِلَ} و {قَوَارِيرَاْ (15) قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ} وذلك في باب الوقف على أواخر الكلم.

سابعاً: تقدم حكم الراء من حيث التفخيم والترقيق سواء أكان ذلك في الوصل أم في الوقف في كلمة "فرق" في قوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَ?لطَّوْدِ ?لْعَظِيمِ (63)} بالشعراء وكذلك حكم قراءات ذوات الوجهين في حالة الوقف كل هذا تم ذكره في باب التفخيم والترقيق "فصل الراء".

ثامناً: سبق أن ذكرنا حكم الإظهار والإدغام للهاء من كلمة "ماليه" عند الهاء من كلمة "هلك" في قوله جل شأنه: {مَآ أَغْنَى? عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)} بالحاقة وبينا كيفية الإظهار بأنه لا يكون إلا مع سكتة لطيفة بدون تنفس إلى آخر ما ذكرنا هناك في هذا الموضوع في باب الإدغام.

تاسعاً: تقدم حكم الإدغام من حيث الكمال والنقصان وكيفية ذلك في الأداء في كلمة "نخلقكم" في قوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ (20)}، بالمرسلات وتم ذكر هذا في باب الإدغام أيضاً إلى غير ذلك من الأحكام الخاصة لحفص عن عاصم في بعض الكلمات القرآنية التي لا تخفى على من تتبع أبواب هذا الكتيب كأوجه البسملة بين السورتين وحكم البدء بها في أوائل السور وأجزائها وتحديد نوعي المد الجائز المنفصل والمد الواجب المتصل من طريق الشاطبية التي هي طريق العامة من القراء والطلاب إلى آخر ماهو بدهي في هذا المقام.

بقي له في غير ما ذكرنا هناك مراعاة كلمات يسيرة لم تذكر في تلك الأبواب التي تقدمت وقد قرأ حفص رحمه الله تعالى في بعضها بوجهين وفي بعضها بوجه واحد ويلزم القارئ معرفتها حتماً كما يجب عليه ملاحظتها عند التلاوة لئلا يقع في تخليط الطرق الواردة عن حفص وقد سبق أن نبهنا على أن التخليط في الطرق حرام في تلاوة القرآن الكريم وهذه الكلمات عددها سبع وهي: "يبصط" و "بصطة" و "مجريها" و "ضعف" في كلماتها الثلاثة و"أأعجمي" و"المصيطرون" و"بمصيطر" وفيما يلي بيان حكم كل كلمة من هذه الكلمات السبع حال الأداء من طريق الشاطبية فحسب إذ هو طريق العامة من الناس والذي التزمناه في كتيبنا هذا فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون.

أما كلمة: "يبصط" ففي قوله تعالى: {وَ?للَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} بالبقرة.

وأما كلمة: "بصطة" ففي قوله سبحانه: {وَزَادَكُمْ فِي ?لْخَلْقِ بَصْطَةً} بالأعراف وقد قرأ حفص في هاتين الكلمتين بالسين وجهاً واحداً من طريق الشاطبية.

وأما كلمة "ضعف" في مواضعها الثلاثة ففي قوله جلت قدرته: {?للَّهُ ?لَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ?لْعَلِيمُ ?لْقَدِيرُ (54)} بالروم، وقد قرأ حفص هذه الكلمة في مواضعها الثلاثة بوجهين:

الأول: بفتح الضاد.

والثاني: بضمها والوجهان صحيحان مقروء بهما لحفص من طريق الشاطبية والطيبة معاً والفتح هو المقدم في الأداء.

وأما كلمة "مجريها" ففي قوله تعالى: {بِسْمِ ?للَّهِ مَجْري?هَا وَمُرْسَاهَا} بهود عليه السلام وقد قرأ حفص فيها بإمالة الألف بعد الراء إمالة كبرى من جميع طرقه وليس له غيرها في التنزيل مما صحت إمالته من ذوات الراء ولا من غيرها.

وأما كلمة: "أأعجمي" ففي قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} بفصلت. وقد قرأ حفص فيها بتسهيل الهمزة الثانية بين بين أي بين الهمزة والألف وجهاً واحداً من جميع طرقه وعلامة هذا التسهيل في المصحف الشريف وضع نقطة كبيرة في الهمزة الثانية كما قرره علماء الضبط. أما كيفية الأداء فيه فمتوقفة على المشافهة والسماع من أفواه الشيوخ المتقنين الآخذين ذلك عن أمثالهم فهم أرباب ذلك العارفون لما هنالك.

وأما كلمة: "المصيطرون" ففي قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ?لْمُصَيْطِرُونَ (37)} بالطور. وقد قرأ حفص فيها بوجهين بالصاد الخالصة وبالسين من طريق الشاطبية والطيبة معاً والوجهان صحيحان مقروء بهما لحفص والمقدم له في الأداء القراءة بوجه الصاد.

وأما كلمة: "بمصيطر" ففي قوله سبحانه: {عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22)} بالغاشية. وقد قرأ حفص فيها بالصاد الخالصة وجهاً واحداً من طريق الشاطبية فحسب.

وقد أشار إلى هذه الكلمات السبع وأحكامها لحفص العلامة السمنودي في نظمه المسمى تلخيص لآلئ البيان بقوله حفظه الله:

*ءَأعجمي سُهِّلت أخراها * لحفصنا ومُيِّلت مجريها*

*واضمُم أو افتح ضعف روم واثبتا * سين ويبصط وثاني بصطة*

*والصاد في مصيطر خذ وكلا * هذين في المصيطرون نُقِلا اهـ*

هذا: وليتحرز مما ذكره فضيلة الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه: "الرائد في تجويد القرآن" إذ قال ما نصه: "تجوز القراءة بالسين أو الصاد في الكلمات الآتية: {يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} بسورة البقرة، {وَزَادَكُمْ فِي ?لْخَلْقِ بَصْطَةً} بسورة الأعراف، {أَمْ هُمُ ?لْمُصَيْطِرُونَ} بسورة الطور، {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22)} بسورة الغاشية أهـ فإن قوله هذا لا يصدق إلا على كلمة "المصيطرون" موضع سورة الطور فحسب كما ذكرنا آنفاً.

أما في الكلمات الثلاث الباقية فخطأ إذ لا يجوز الوجهان جميعاً في كل موضع منها من طريق الشاطبية الذي عليه العامة وإنما الجائز من ذلك تخصيص موضعي البقرة والأعراف بالقراءة فيهما بالسين وموضع الغاشية بالقراءة فيه بالصاد.

أما قراءة موضعي البقرة والأعراف بالصاد وموضع الغاشية بالسين فهو مما زادته طيبة النشر على الشاطبية. وتلك طريق يقرأ بها الخاصة من أهل هذا الفن لما يترتب على ذلك من أحكام سبق تقرير بعضها وتحريره فيما تقدم من تنويه. ولا يجوز للقارئ أن يقرأ في موضعي البقرة والأعراف بالصاد وفي موضع الغاشية بالسين إلا إذا علم طريقها وما يترتب عليها من أحكام لا يجوز مخالفتها بحال. وشأن إطلاق الوجوه للناس من غير تقييد أن يوقعهم في خلط طرق روايات القرآن الكريم وقراءة ما لم ينزل كما نص عليه غير واحد من الثقات كالعلامة القسطلاني شارح البخاري وقد تقدم التنبيه على هذا نسأل الله تعالى أن يعيذ المسلمين من ذلك وأن يقيهم سائر المهالك بمنه وكرمه آمين.

هذا: وللدكتور المذكور أخطاء مماثلة في كتابه الآخر في هذا الفن والمرسوم بـ"مرشد المريد إلى عالم التجويد" جرى فيها على سنن ما تعقبناه عليه في كتابه الرائد وكلها تؤدي إلى بدع في التلاوة فليحذرها طلاب العلم في هذا الشأن وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الباب العشرون / في الكلام على التكبير وما يتعلق به )

( التمهيد للدخول إلى الباب )

التكبير مصدر كبَّرَ إذ قال: "الله أكبر" ومعناه الله أعظم من كل عظيم والكلام في التكبير هنا سيكون مقصوراً على ما ورد في رواية حفص عن عاصم من طريق طيبة النشر حيث تعرضنا في كتيبنا هذا في باب المد والقصر وغيره إلى ذكر بعض الأحكام الخاصة له من ذلك الطريق كقصر المد والمنفصل وإشباع المد المتصل. وكان من متعلقات بعض هذه الأحكام معرفة التكبير فكان لابد من ذكره مفصلاً كبيان أوجهه وسبب وروده وذكر ما يتعلق به من أحكام يجب على القارئ معرفتها ومراعاتها في الأداء خصوصاً إذا التزم به في قراءته سواء أكان ذلك في الصلاة أم في خارجها مما سنذكره مفصلاً إن شاءالله تعالى.

وقد وعدنا هناك بذكره هنا. وهذا أو ان الشروع فيه فنقول وبالله التوفيق ومنه سبحانه نستمد العون والقول.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الأول: في بيان حكمه والكلام على لفظه ومحله. )

أما حكمه: فإنه سنة مطلقاً سواء أكان ذلك في الصلاة أم في خارجها ويسن الجهر به عند ختم القرآن الكريم وفي الصلاة أيضاً في بعض الأحوال كما سنوضحه بعد عند الكلام على حكمه في الصلاة إن شاءالله تعالى.

وأما لفظه: فهو "الله أكبر" ولا تهليل ولا تحميد معه عند حفص أصلاً إلا عند سور الختم إذا قصد تعظيمه على رأي بعض المتأخرين. وهو رأي حسن ولا التفات إلى من أنكر التهليل والتحميد مع التكبير عند سور الختم في رواية حفص فقد أجازه له غير واحد من الثقات بل أجازه لكل القراء العشرة في هذا المكان لأنه محل إطناب وتلذذ بذكر الله تعالى وقد شنع صاحب "عمدة الخلان" شرح زبدة العرفان" على من أنكر ذلك.

وعبارته: "وكذا لا يمنع القارئ من التهليل والتحميد من آخر الضحى إلى آخر الناس في قراءة أحد من الأئمة إذا كان بنية التشكر والتعظيم والتبرك فلا عبرة برأي بعض المتعصبين من حيث يجوزون التكبير فقط لحفص عن الختم بين كل سورتين وأواخرها من لدن سورة الضحى إلى سورة الناس وينكر أخذ التهليل والتحميد فيها ويزعمون أن أخذ التهليل والتحميد لحفص ولغيره سوى البزي من أشراط الساعة وإلى الله المشتكى من هذه الخصلة ذات الشناعة" أهـ منه بلفظه.

قلت: ويوخذ من تلك النصوص أنه لا وجه لمن أنكر التهليل مع التكبير أو التهليل مع التكبير والتحميد لحفص أو لغيره من باقي القراء العشرة فإن ذلك جائز ومرغوب فيه وهناك نصوص أخرى تؤيد هذه تركنا ذكرها هنا خوف التطويل ومراعاة لحال المبتدئين.

وأما محل التكبير فقبل البسملة ويستوي في ذلك الابتداء بأول السورة أو وصلها بما بعدها ولهذا منع التكبير من أول سورة التوبة لعدم إثبات البسملة في أولها سواء ابتدئ بها أو وصلت بآخر الأنفال كما سنوضحه بعد.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثاني: في بيان أقوال أهل الأداء فيه بالنسبة لرواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة وبيان ابتدائه وانتهائه وأقوال العلماء في ذلك رضوان الله عليهم أجمعين. )

اختلف أهل الأداء في التكبير لحفص عن عاصم من طريق طيبة النشر فالجمهور منهم على تركه له. وذهب جماعة منهم إلى الأخذ به ولهم فيه ثلاثة مذاهب:

الأول: التكبير من أول سورة "ألم نشرح" وما بعدها إلى أول سورة الناس وذكر هذا المذهب أبو العلاء في غايته.

الثاني: التكبير من آخر سورة الضحى وما بعدها إلى آخر سورة الناس وقد ذكر هذا المذهب الهذلي في كامله وأبو الكرم الشهرزوري في مصباحه والتكبير في هذين المذهبين هو المعروف بالتكبير الخاص أي الخاص بسور الختم.

الثالث: التكبير من أول كل سورة من سور التنزيل أي من أول الفاتحة إلى آخر القرآن الكريم سوى أول سورة براءة. وهذا المذهب ذكره الهذلي في الكامل وأبو العلاء في الغاية وهو المعروف بالتكبير العام أي العام لجميع سور القرآن الكريم وأما سورة براءة فلا تكبير في أولها. ووجهه أن التكبير حيث كان لابد من اقترانه بالبسملة مقدماً عليها. وقد تقدم أن البسملة غير موجودة في أولها بالاتفاق ولعدم وجودها امتنع التكبير في أولها بالإجماع.

وقد أشار العلامة الضباع إلى هذه المذاهب الثلاثة في الفوائد المهذبة بقوله رحمه الله:

*من أول انشراحها أو من فحدْ * دثْ خلفُ تكبير لحفصٍ قد ورد*

*وبعضهم كبَّر في غير برا * ءة وتركه لجمهور جرى اهـ*

ويتحصل مما ذكر أن لحفص وجهين التكبير سواء أكان خاصًّا أم عامًّا وتركه.

أما وجه ترك التكبير فمن طريق الشاطبية وجهاً واحداً. وأحد الوجهين له من طريق طيبة النشر. وأما وجه التكبير بمذاهبه الثلاثة المذكورة آنفاً فمن طريق الطيبة في وجهها الثاني. والوجهان - أي التكبير وعدمه صحيحان مأخوذ بهما لحفص إلا أن ترك التكبير هو المقدم في الأداء وبهذين الوجهين قرأت له الطيبة وبترك التكبير قرأت له من الشاطبية، وبالله التوفيق.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الثالث: في بيان أوجهه في مواطنه المعروفة - تنبيهات عشرة جاء في ثالثها الكلام على سبب ورود التكبير. )

تختلف أوجه التكبير باختلاف المواطن في القرآن الكريم وهذه المواطن ثلاثة وذلك بالنسبة لحفص عن عاصم ومن وافقه من القراء:

أولها: الابتداء من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى الابتداء بسورة الناس باستثناء الابتداء بأول براءة.

ثانيها: الجمع بين السورتين كالجمع بين آخر الفاتحة وأول البقرة إلى ما بين آخر الليل وأول الضحى باستثناء الجمع بين آخر الأنفال وأول براءة.

ثالثها: الجمع بين السورتين من آخر الضحى خاصة إلى آخر ما بين الناس وأول الفاتحة. ولكل موطن من هذه المواطن الثلاثة كلام خاص نفصله فيما يلي:

الكلام على الموطن الأول من مواطن التكبير وبيان الأوجه التي فيه

وهذا الموطن هو الخاص بالابتداء من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى أول سورة الناس. فإذا ابتدئ من أول سورة الفاتحة أو من أول أي سورة بعدها من سور التنزيل باستثناء أول براءة جاز لحفص في هذا المكان ثمانية أوجه على القول بالتكبير. وأما على القول بتركه فيجوز له أربعة أوجه فقط وهي أوجه الاستعاذة الأربعة المقترنة بأول السورة التي تقدمت في بابها وحينئذ يكمل لحفص في هذا الموطن على كلا القولين -التكبير وعدمه- اثنا عشر وجهاً. وفيما يلي توضيح هذه الأوجه مع تقديم وجه عدم التكبير وفق مذهب الجمهور ووفقاً لترتيب الأداء الذي قرأنا به وبه نقرئ.

الأول: قطع الجميع أي الوقف على الاستعاذة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة.

الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة. وهذان الوجهان بدون تكبير.

الثالث: قطع الجميع أيضاً لكن مع التكبير وكيفيته الوقف على الاستعاذة وعلى التكبير وعلى البسملة والابتداء بأول السورة.

الرابع: مثل الثالث إلا أنه يوصل البسملة بأول السورة.

الخامس: الوقف على الاستعاذة ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها والابتداء بأول السورة.

السادس: الوقف على الاستعاذة ووصل التكبير بالبسملة بأول السورة.

فهذه ستة أوجه أتت على قطع الاستعاذة والستة الباقية تأتي على وصلها كذلك وتوضيحها كالآتي:

السابع: وصل الأول بالثاني وقطع الثالث أي وصل الاستعاذة بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء بأول السورة.

الثامن: وصل الجميع أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة جملة واحدة من غير تكبير في هذين الوجهين.

التاسع: وصل الاستعاذة بالتكبير مع الوقف عليه وعلى البسملة والابتداء بأول السورة.

العاشر: مثل التاسع إلا أنه يوصل البسملة بأول البسورة.

الحادي عشر: وصل الاستعاذة بالتكبير بالبسملة مع الوقف عليها والابتداء بأول السورة.

الثاني عشر: وصل الجميع أي وصل الاستعاذة بالتكبير بالبسملة بأول السورة جملة واحدة.

وقد أشار إلى هذه الأوجه الاثني عشر العلامة الخليجي في تيسير الأمر بقوله:

*ففي استعاذة إذاً بسورة * قرنتها اثنان أتت مع عشرة*

*فاقطع وصل من غير تكبير وبه * وصلْه مع الوقف ووصل وانتبه*

*وهذه الستةُ باستعاذة * في حال قطعها ووصلها اثبتِ اهـ*

وهذه الأوجه الاثنا عشر تجوز لحفص عند الابتداء من أول سورة الفاتحة وما بعدها من السور إلى آخر القرآن الكريم باستثناء البدء من أول سورة براءة كما تقدم. وما ذكره العلامة الضباع في كتابيه "صريح النص" و "تذكرة الإخوان" من أن أوجه التكبير التي تجوز في الابتداء لحفص إنما تجوز من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى أول سورة الضحى فقط فهو سبق قلم منه رحمه الله تعالى ولم أر وجهاً لذلك لأن القارئ قد يبتدئ من أول أي سورة من سور الختم بعد الضحى فكيف يكون حاله فهل يكبر أو ينتهي تكبيره عند الضحى كما قال لم أر فيما وقفت عليه من قال بقوله بل أطلق كلهم تعميم التكبير في الابتداء بسور القرآن كلهم عدا الابتداء بسورة براءة كما مر آنفاً. ولعله أراد بانتهاء التكبير عند الضحى نظراً لجواز التهليل مع التكبير أو التهليل مع التكبير والتحميد ابتهاجاً بختم القرآن على رأي بعض المتأخرين كما تقدم وهنا سترتقي أوجه الابتداء في هذا المحل من ثمانية أوجه على القول بالتكبير إلى أربعين وجهاً على القول نفسه كما سنوضحه بعد ولكن هذا بعيد لأنه لو أراده لنبه عليه وربما أراده وسها عن أن يقيده رحمه الله رحمة واسعة ورحمنا معه بفضله وكرمه آمين.

وأما الابتداء من أول سورة براءة فليس فيه تكبير لأحد وذلك لعدم وجود البسملة في أولها إذ من شرط التكبير اقترانه بالبسملة كما تقدم.

الكلام على الموطن الثاني من مواطن التكبير وبيان الأوجه التي فيه

وهذا الموطن هو الخاص بالجمع بين السورتين كالجمع بين آخر الفاتحة وأول البقرة وما بعدهما إلى آخر ما بين الليل وأول الضحى باستثناء آخر الأنفال وأول براءة. وهنا يجوز لحفص خمسة أوجه على القول بالتكبير وأما على القول بتركه فيجوز له ثلاثة أوجه فقط وهي أوجه البسملة الثلاثة التي بين السورتين والتي مر ذكرها آنفاً في باب البسملة. وعليه فتكون جملة الأوجه التي بين السورتين لحفص في هذا الموطن على كلا القولين -التكبير وعدمه- ثمانية أوجه وفيما يلي تفصيلها مع تقديم وجه عدم التكبير حسب رأي الجمهور ووفقاً لترتيب الأداء الذي قرأنا به وبه نأخذ قراءة وإقراء.

الأول: قطع الجميع أي الوقف على آخر السورة السابقة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة اللاحقة.

الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث أي الوقف على آخر السورة السابقة ووصل البسملة بأول اللاحقة وهذان الوجهان من غير تكبير.

الثالث: قطع الجميع أيضاً لكن مع التكبير وكيفيته الوقف على آخر السورة السابقة وعلى التكبير وعلى البسملة ثم الابتداء بأول السورة اللاحقة.

الرابع: مثل الثالث غير أنه مع وصل البسملة بأول السورة اللاحقة.

الخامس: الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء بأول السورة اللاحقة.

السادس: الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة. فهذه ست أوجه جاءت على قطع آخر السورة السابقة.

السابع: وصل الجميع أي وصل آخر السورة السابقة بالبسملة بأول السورة اللاحقة دفعة واحدة بدون تكبير.

الثامن: وصل الجميع أيضاً لكن مع التكبير وكيفيته وصل آخر السابقة بالتكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة جملة واحدة.

وقد أشار إلى هذه الأوجه الثمانية العلامة الخليجي في تيسير الأمر بقوله:

*وبين كل غير ذين قف وصل * مكبِّراً أوْ لا قطعت أو تصل*

*مع قطع أول وصلْ كلاًّ إذا * كبرتَ أو لا فثمان تحتذا اهـ*

أما ما بين آخر الأنفال وأول سورة براءة فلا تكبير لأحد لعدم وجود البسملة في أول براءة كما مر إذ من شرط التكبير وجود البسملة. وعليه فالجائز في هذا المحل لكل القراء العشرة ثلاثة أوجه وهي الوقف والسكت بلا تنفس والوصل من غير بسملة في كلها. وقد تقدم الكلام مستوفى عليها في باب البسملة فراجعه إن شئت والله الموفق.

الكلام على الموطن الثالث من مواطن التكبير وبيان الأوجه التي فيه

وهذا الموطن هو الخاص بالجمع بين السورتين من آخر سورة الضحى وما بعدها إلى آخر سورة الناس. وهنا يجوز لحفص سبعة أوجه على القول بالتكبير أي بزيادة وجهين على الخمسة التي تقدمت في الجمع بين السورتين في الموطن الثاني.

وأما على القول بترك التكبير فيجوز له ثلاثة أوجه فقط وهي أوجه البسملة الثلاثة التي تقدمت غير مرة. وحينئذ يكمل لحفص على كلا القولين التكبير وعدمه. عشرة أوجه بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وهكذا إلى ما بين آخر الناس وأول الفاتحة وفيما يلي ذكر هذه الأوجه العشرة مع تقديم وجه عدم الكتبير حسب ما ذهب إليه الجمهور ووفقاً لترتيب الأداء الذي قرأنا به وبه نأخذ قراءة وإقراء. والأوجه هي:

الأول: قطع الجميع - أي الوقف على آخر الضحى وعلى البسملة والابتداء بألم نشرح.

الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث - أي الوقف على آخر الضحى ووصل البسملة بألم نشرح وهذان الوجهان بدون تكبير.

الثالث: قطع الجميع أيضاً لكن مع التكبير وكيفيته. الوقف على آخر الضحى وعلى التكبير وعلى البسملة والابتداء بألم نشرح.

الرابع: مثل الثالث إلا أنه يوصل البسملة بألم نشرح.

الخامس: الوقف على آخر الضحى ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء بألم نشرح.

السادس: الوقف على آخر الضحى ووصل التكبير بالبسملة بألم نشرح فهذه ستة أوجه أتت على قطع آخر الضحى.

وأما الأوجه الأربعة المتممة للعشرة فتأتي على وصله وهي:

السابع: وصل الجميع أي وصل آخر الضحى بالبسملة بألم نشرح من غير تكبير.

الثامن: وصل آخر الضحى بالتكبير موقوفاً عليه وعلى البسملة أيضاً ثم الابتداء بألم نشرح.

التاسع: وصل آخر الضحى بالتكبير مع الوقف عليه ثم وصل البسملة بألم نشرح.

العاشر: وصل الجميع أي وصل آخر الضحى بالتكبير بالبسملة بألم نشرح جملة واحدة فهذه هي الأوجه العشرة الخاصة بالجمع بين السورتين من بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر ما بين الناس وأول الفاتحة لحفص عن عاصم.

عشرة تنبيهات هامة:

التنبيه الأول: انتهى الكلام الآن على مواطن التكبير الثلاثة في القرآن الكريم. فإن قال قائل إن مواطن التكبير في التنزيل أربعة كما يؤخذ من ظاهر الطيبة حيث يقول الحافظ ابن الجزري فيها:

*منْ أولِ انشراح أو من الضحى * من آخر أو أوَّلٍ قد صُححا*

مع قوله فيها أيضاً:

*... ... .... ورُوى * عن كلِّهم أولُ كُلٍّ يستوى اهـ*

فالمواطن أربعة بزيادة واحد وهو التكبير من أول سورة الضحى وما بعدها إلى أول سورة الناس "قلنا": هذا صحيح ولكن هذا الموطن الزائد خاص بقراءة ابن كثير بخلاف عن قنبل وعليه فمواطن التكبير عنده أربعة كما يفيد ظاهر الطيبة بخلاف غيره من القراء فالمواطن ثلاثة عنده كما ذكرنا فتأمل.

التنبيه الثاني: سبق أن قلنا قريباً أن الأوجه التي بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر ما بين الناس وأول الفاتحة سبعة أوجه على الأخذ بوجه التكبير وقد ذكرناها هناك مفصلة حسب ترتيب الأداء مع أوجه البسملة الثلاثة التي بين السورتين على وجه الأخذ بعدم التكبير وبهذا يتم لحفص في هذا الموطن عشرة أوجه ثم ذكرها في موطنها. ونريد هنا أن نقول: إن أهل الأداء رحمهم الله تعالى قسموا أوجه التكبير السبعة هذه إلى ثلاثة أقسام:

وجهان منها مختصان بأن التكبير لأول السورة.

ووجهان مختصان بأن التكبير لآخرها.

وثلاثة أوجه تحتمل كلا التقديرين أي كون التكبير لأول السورة وكونه لآخرها. ويجب على القارئ معرفة هذه الأقسام الثلاثة جيداً لما يترتب عليها من أحكام يجب مراعاتها حال قطع القراءة سواء أكان ذلك القطع في الصلاة أم في خارجها كما سنوضحه قريباً في الفصل الرباع إن شاءالله تعالى.

وفيما يلي تفصيل هذه الأقسام الثلاثة:

القسم الأول: وفيه الوجهان المختصان بأن التكبير لأول السورة وهما:

الأول: الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها ثم الابتداء بأول السورة اللاحقة.

الثاني: الوقف على آخر السورة السابقة ووصل التكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة.

وقد أشار إلى هذين الوجهين شيخ شيوخنا العلامة الشيخ علي المنصوري بقوله:

*واقطعه عن آخرها ثم صل * بالبسملة موصولة بالأوَّل*

*أوقف على بسملة وجهان * بأول السورة مخصوصان اهـ*

كما أشار إليهما العلامة شيخ شيوخنا الشيخ عثمان راضي السنطاوي بقوله:

*لأول سورة ببسملة فصلْ * وقطع كذا وصلٌ لبسملة جلا اهـ*

قوله رحمه الله تعالى: "ببسملة فصل" أي فصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها أو وصلها بأول السورة التالية فمفعول صل محذوف وهو التكبير فتأمل.

القسم الثاني: وفيه الوجهان المختصان بأن التكبير لآخر السورة وهما:

الأول: وصل آخر السورة السابقة بالتكبير موقوفاً عليه وعلى البسملة أيضاً والابتداء بأول السورة اللاحقة.

الثاني: وصل آخر السورة السابقة بالتكبير مع الوقف عليه أيضاً ثم صل البسملة بأول السورة اللاحقة.

وقد أشار إلى هذين الوجهين شيخ شيوخنا العلامة المنصوري بقوله:

*ووصْل تكبير بختم السورة * وقطعه عن تلوه البسملة*

*مع وصل باسم الله بابتداء * فصلها وجهان لانتهاء اهـ*

كما أشار إليهما شيخ شيوخنا العلامة السنطاوي بقوله:

*وآخر سورة فصله بها فقط * وبسملة فصل أو اقطع لتجملا اهـ*

القسم الثالث: وفيه الأوجه الثلاثة المحتملة لكلا التقديرين وهي:

الأول: قطع الجميع أي الوقف على آخر السورة السابقة وعلى التكبير وعلى البسملة والابتداء بأول السورة التالية.

الثاني: الوقف على آخر السورة السابقة وعلى التكبير أيضاً ووصل البسملة بأول السورة اللاحقة.

الثالث: وصل الجميع أي وصل آخر السورة السابقة بالتكبير بالبسملة بأول السورة اللاحقة دفعة واحدة.

وقد أشار إلى هذه الأوجه الثلاثة شيخ شيوخنا العلامة المنصوري بقوله:

*ولهم ثلاثة محتمله... ... * وصلُ الجميع قطعُهُ عن بسمَلَهْ*

*وآخر مع وصلها بالابتدا * ثالثها قطع الجميع أفردا اهـ*

كما أشار إليها شيخ شيوخنا العلامة السنطاوي بقوله:

*ويحتملُ القولين أيضاً ثلاثة * فقطعٌ كذا وصلُ الجميع تخلَّلا*

*أو اقطعْ لآخر وتكبيراً اقطعَنْ * وبسملةٌ فقط فصلها بأوَّلا اهـ*

التنبيه الثالث: في سبب تقسيم أوجه التكبير السبعة إلى هذه الأقسام الثلاثة وفيه سبب ورود التكبير.

وهذا يرجع في الأصل إلى سبب ورود التكبير. ومما جاء في سبب وروده أن الوحي انقطع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة اختلف فيها كما هو مشهور فقال المشركون -زوراً وكذباً- إن محمداً قد ودعه ربه وقلاه فنزله -تكذيباً لهم- قوله تبارك وتعالى: {وَ?لضُّحَى? (1) وَ?للَّيْلِ إِذَا سَجَى? (2)} إلى آخر السورة فلما فرغ جبريل -عليه السلام- من قراءة سورة الضحى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر" شكراً لله لما كذب المشركين وتصديقاً لما هو عليه وفرحاً وسروراً بنزول الوحي. وبالنعم التي عددها الله تعالى عليه في هذه السورة خصوصاً وعد الله تعالى له في قوله سبحانه: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى? (5)} ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكبر إذا بلغ والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم تعظيماً لله تعالى واستحباباً للشكر وتعظيماً لختم القرآن الكريم. وقد قال العلماء في ذلك: فهل كان تكبيره صلى الله عليه وسلم لختم قراءة جبريل فيكون لأولها. وهذا هو السبب في أن التكبير قد يكون لأول السورة وقد يكون لآخرها. ويمكن حمل تكبيره صلى الله عليه وسلم على كلا التقديرين أي كون التكبير لآخر السورة أو لأولها وعلى ذلك يحمل كلام العلماء أهل الأداء في الأوجه الثلاثة المتقدمة المحتملة لكل التقديرين وقد قدمناه وسواء كان التكبير لأول الضحى أو لآخرها أو كان محتملاً لكلا القولين فهذا الحكم ليس خاصًّا بسورة الضحى وحدها بل ينسحب على سائر سور الختم بعدها فتأمل.

التنبيه الرابع: في منع وصل آخر السورة بالتكبير بالبسملة موقوفاً عليها يمتنع وصل آخر السورة السابقة بالتكبير بالبسملة مع الوقف عليها فهذا الوجه ممنوع بالإجماع لأن فيه إيهاماً بأن البسملة لآخر السورة لا لأولها وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في باب البسملة وفي هذا يقول الحافظ ابن الجزري في الطيبة:

*وامنع على الرحيم وقفاً إن تصلْ * كلاًّ وغير ذا أجز ما يحتمل اهـ*

التنبيه الخامس: في بيان حكم آخر السورة عند وصله بالتكبير اعلم أن آخر السورة في حالة وصل الجميع بالتكبير مطلقاً أو في حالة وصله بالتكبير موقوفاً عليه وذلك خاص بأواخر سور الختم ينقسم إلى ستة أقسام:

الأول: أن يكون آخر السورة حرف مد سواء كان ألفاً أو واواً كقوله تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ?لصِّرَاطِ ?لسَّوِيِّ وَمَنِ ?هْتَدَى? (135)} الله أكبر وقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى? (21)} الله أكبر، وقوله سبحانه: {فَ?سْجُدُواْ لِلَّهِ وَ?عْبُدُواْ (62)} الله أكبر، والحكم في هذا القسم أنه يحذف حرف المد لالتقاء الساكنين كما هو مقرر.

الثاني: أن يكون آخر السورة ساكناً صحيحاً في غير ميم الجمع كقوله تعالى: {وَإِلَى? رَبِّكَ فَ?رْغَبْ (8)} وقوله عز شأنه: {وَ?سْجُدْ وَ?قْتَرِب (19)}، وهنا يحرك الساكن بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين كما هي القاعدة. أما إذا كان الساكن الصحيح ميم الجمع كما في قوله تعالى: {لاَ يَكُونُو?اْ أَمْثَالَكُم (38)} الله أكبر فإن ميم الجمع هنا تحرك بالضم من غير صلة على القاعدة.

الثالث: أن يكون آخر السورة منوناً كقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)} الله أكبر، وقوله سبحانه: {وَكَانَ ?للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (73)} الله أكبر، وقوله تعالى: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)} الله أكبر. وفي هذا القسم يحرك التنوين بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين.

الرابع: أن يكون آخر السورة محركاً بحركة الإعراب أو بحركة البناء.

فمثال المحرك بحركة الإعراب قوله تعالى: {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ?لأَلْبَابِ (52)} الله أكبر، وقوله تعالى: {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى? مَطْلَعِ ?لْفَجْرِ (5)} الله أكبر. وقوله عز من قائل: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ?لنَّعِيمِ (8)} الله أكبر. ومثال المحرك بحركة البناء نحو قوله تعالى: {فَ?نْصُرْنَا عَلَى ?لْقَوْمِ ?لْكَافِرِينَ (286)} الله أكبر، وقوله سبحانه: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} الله أكبر، وفي هذا القسم تبقى حركة الإعراب على حالها وكذلك حركة البناء.

الخامس: أن يكون آخر السورة هاء الضمير كقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)} الله أكبر، وهنا تحذف صلة هاء الضمير للساكن بعدها.

السادس: أن يكون آخر السورة ياء الإضافة وذلك في قوله تعالى: {وَ?دْخُلِي جَنَّتِي (30)} الله أكبر، وفي هذا القسم تفتح ياء الإضافة لالقتاء الساكنين كما هو الأصل في نحو "بي ونبأني" في قوله تعالى: {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ?لأَعْدَآءَ} وفي قوله سبحانه: {قَالَ نَبَّأَنِيَ ?لْعَلِيمُ ?لْخَبِيرُ (3)} نص على ذلك الإمام مصطفى الإزميري في كتابه "عمدة العرفان" وعبارته قوله تعالى: {وَ?دْخُلِي جَنَّتِي (30)} إلى قوله: {وَمَا وَلَدَ (3)} إذا وصلت التكبير بآخر السورة مع وصل الكل فتحت الياء في قوله: "جنتي" لالتقاء الساكنين ثم قال رحمه الله تعالى في كتابه: "بدائع البرهان: شرح عمدة العرفان" بهذا الخصوص أيضاً ما نصه قوله تعالى: {وَ?دْخُلِي جَنَّتِي (30)} إلى قوله: {وَمَا وَلَدَ (3)} إذا وصلت آخر السورة بالتكبير مع وصل الكل فتحت الياء في قوله: {جَنَّتِي (30)} لالتقاء الساكنين كما فتحت في قوله تعالى: {حَسْبِيَ ?للَّهُ} و {بَلَغَنِي ?لْكِبَرُ} و {نِعْمَتِيَ ?لَّتِي} وبعض الناس يقرئ بإسكان الياء وحذفها لالتقاء الساكنين وهو خطأ لأنه لم يرد في القرآن أن القراء العشرة اتفقوا على إسكان ياء الإضافة إذا لقيت لام التعريف بل اتفقوا على فتحها في أكثر المواضع واختلف في بعضها فالأكثرون على الفتح كما في النشر والطيبة والتقريب فإن قيل إن يعقوب يثبت ياء {وَلِىَ دِينِ (6)} في آخر سورة الكافرون في الحالين فإذا وصلها بالتكبير يحذفا فلم يفتحها هنا قلنا الياء في هذه السورة مرسومة في الخط فتكون من باب ياءات الإضافة فمذهب القراء العشرة الفتح في ياءات الإضافة إذا لقيت لام التعريف سوى أربعة عشر موضعاً فاختلف فيها الأكثرون على الفتح وفي سورة الكافرون محذوفة رسماً فتكون من باب الزوائد فلذلك يحذفها إذا وصلها بالتكبير كما هو مذهبه في نظائرها نحو {وَ?خْشَوْنِ ?لْيَوْمَ} و {يُرِدْنِ ?لرَّحْمَـ?نُ} فاعلم ذلك أهـ منه بلفظه.

ويؤخذ مما نص عليه الإمام الإزميري -رحمه الله- أن حفصاً بل ومعه باقي الأئمة العشرة يفتحون الياء في كلمة {جَنَّتِي (30)} إذا وصلت بالتكبير كما ذكر آنفاً فتنبه جيداً لهذه المسألة.

هذا: ويراعى في هذه الأقسام الستة تفخيم لفظ الجلالة وترقيقه فيفخم بعد الفتح والضم ويرقق بعد الكسر ولو كان تنويناً كما يراعى في اللفظ الكريم حذف همزة الوصل في الدرج عند وصل آخر السورة بالتكبير فتأمل.

التنبيه السادس: في بيان ذكر التهليل والتحميد مع التكبير سبق أن قلنا إنه يجوز لحفص وكذلك لباقي القراء العشرة عند سور الختم أي من آخر الضحى إلى آخر الناس التهليل مع التكبير أو التهليل مع التكبير والتحميد إذا قصد بذلك تعظيم الختم على رأي بعض المتأخرين كما تقدم.

ولذكر التهليل والتحميد مع التكبير طريقان:

الأول: يقدم لفظ التهليل على التكبير بأن يقول القارئ: "لا إله إلا الله والله أكبر".

الثاني: يقدم لفظ التهليل على التكبير ويؤخر لفظ التحميد عن التكبير بأن يقول القارئ: "لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد" دفعة واحدة على هذا النسق. وإذا قرئ بالطريق الثاني فلا يجوز بحال فصل التهليل عن التكبير ولا التكبير عن التحميد ولا الإتيان بالتحميد بعد التكبير من غير التهليل بل توصل الألفاظ الثلاثة كلها دفعة واحدة كما تقدم وهكذا قرأت وبه آخذ قراءة وإقراء. ولا التفات إلى من نبغ في عصرنا هذا من القراء من فصل جملة التهليل عن التكبير موقوفاً عليها ووصل التكبير بالتحميد عند ختم القرآن الكريم كما سمعنا منه فهذا لا يجوز بحال لمخالفته الرواية الواردة في ذلك ولما نص عليه أئمتنا. وقد تكلم في هذه المسألة غير واحد من الثقات ونورد هنا قول الحافظ ابن الجزري في النشر في التنبيه الثالث ما نصه "التهليل مع التكبير مع الحمد لله عند من رواه حكمه حكم التكبير لا يفصل بعضه من بعض بل يوصل جملة واحدة كذا وردت به الرواية وكذا قرأنا لا نعلم في ذلك خلافاً أهـ منه بلفظه. ثم قال رحمه الله في هذا الخصوص أيضاً في التنبيه السادس لا يجوز الحمد لله مع التكبير إلا أن يكون التهليل معه كذا وردت به الرواية أهـ منه بلفظه.

وقد أشار إلى كل هذا شيخ شيوخنا العلامة المنصوري بقوله رحمه الله تعالى:

*تهليلاً التكبير مع حمد لةِ * رتب ولا تفصله للروايةِ*

*ولا يجوزُ الحمدُ مع تكبير * إلا مع التهليل للقدير اهـ*

إذا علمت هذا وأردت أن تقرأ بالتهليل مع التكبير أو بالتهليل مع التكبير والتحميد عند سور الختم فما ذكرناه آنفاً من ترتيب الأوجه السبعة حسب الأداء بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر الناس على القول بالتكبير لحفص يسري على أوجه التكبير مع التهليل أو مع التهليل والتحميد ويجوز لك أن تجمع بين التكبير مفرداً وبين التكبير مقروناً بالتهليل أو بالتهليل مع التحميد وبذلك ترتقي الأوجه السبعة إلى واحد وعشرون وجهاً كما يجوز لك أن تقصر المنفصل وتوسطه للتعظم في لفظ التهليل مع التكبير أو هما مع التحميد فتصير الأوجه بذلك خمسة وثلاثين وجهاً كلها صحيحة لا سقيم فيها.

وإليك تفصيلها ثانياً:

تأتي أولاً بالأوجه السبعة بالتكبير مفرداً من غير تهليل ولا تحميد ثم تأتي بها ثانياً مع التهليل والتكبير فقط مقصوراً وموسطاً. ثم تأتي بها ثالثاً مع التهليل والتكبير والتحميد مقصوراً وموسطاً كذلك فإذا أضفت إليها أوجه البسملة الثلاثة من غير تكبير فتبلغ الأوجه ثمانية وثلاثين وجهاً لحفص بين آخر الضحى وأول ألم نشرح وما بعدهما إلى آخر الناس وأول الفاتحة فتنبه.

ويراعي ذلك أيضاً في أوجه الاستعاذة عند الابتداء من سور الختم أي من أول ألم نشرح إلى أول الناس فقد ذكرنا في موطن التكبير الأول أن الابتداء بالاستعاذة على الأخذ بوجه التكبير لحفص يجوز معه ثمانية أوجه وقد رتبناها هناك مع أوجه الاستعاذة الأربعة المعروفة بدون تكبير حسب الأداء فبلغ عددها اثني عشر وجهاً. وهنا نقول إذا أراد القارئ أن يأتي بالتهليل مع التكبير أو بالتهليل مع التكبير والتحميد عند الابتداء من سور الختم فلا مانع من الأخذ بذلك ويجوز له حينئذ أن يأتي بالتكبير مفرداً أو بالتهليل مع التكبير فحسب أو بالتهليل مع التكبير والتحميد كما يجوز له القصر والتوسط في لفظ التهليل في الحالتين أي في حالة التهليل مع التكبير أو في حالة التهليل مع التكبير والتحميد فتصبح الأوجه الثمانية التي في الابتداء على القول بالتكبير أربعين وجهاً كلها صحيحة فإذا أضفت إليها أوجه الاستعاذة الأربعة المعروفة بدون تكبير على القول بتركه فتبلغ الأوجه كلها أربعة وأربعين وجهاً لحفص عند الابتداء من سور الختم.

أما الابتداء من غيرها من سائر السور فالأوجه الاثنا عشر المعروفة والتي ذكرناها في الموطن الأول من مواطن التكبير فتنبه لذلك والله الموفق.

التنبيه السابع: منع العلامة الصفاقسي في كتابه "غيث النفع" وصل الاستعاذة بالتكبير موقوفاً عليه سواء أكان مفرداً أم كان مقروناً بالتهليل فحسب أم كان مقروناً بالتهليل والتحميد وحجته في ذلك أن التكبير إما أن يكون لآخر السورة وإما أن يكون لأولها وليست الاستعاذة واحداً منهما انتهى كلامه بالمعنى.

قلت: وما منعه العلامة الصفاقسي منعه العلامة البقري والعلامة سلطان المزاحي أيضاً وحجتهما كحجة الصفاقسي نقل ذلك عنهما العلامة الميهي في فتح الكريم فإذا تأملت الأوجه الممنوعة وفق كلام هؤلاء الأعلام وجدتها عشرة أوجه وهي وصل الاستعاذة بالتكبير موقوفاً عليه مفرداً كان أو مقروناً بالتهليل وحده أو بالتهليل والتحميد وسواء كان لفظ التهليل مقصوراً أو كان موسطاً فهذه خمسة أوجه يأتي عليها الوقف على البسملة والابتداء. بأول السورة ثم وصل البسملة بأول السورة وعليه. فتكون أوجه الاستعاذة مع الابتداء بسور الختم حسب قول هؤلاء ثلاثين وجهاً على القول بالتكبير بدلاً من الأربعين التي تقدمت وتكون أوجهها مع الابتداء بغيرها من سائر سور التنزيل ستة أوجه بدلاً من الأوجه الثمانية التي تقدمت على القول بالتكبير أيضاً فما ذكره هؤلاء من منعهم وصل الاستعاذة بالتكبير مع الوقف عليه وما يترتب على ذلك من الوجوه مخلف لما قرأنا به.

وقد ردَّ على العلامة الصفاقسي صاحب "غيث الرحمن" شرح هبة المنان بعد أن أورد عبارته التي سقناها بالمعنى وعبارته "لكن ما ذكره من الأوجه -أي الممنوعة- لا يناسب قول الإمام الشاطبي حيث قال: "وما لقياس في القراءة مدخل" فتأمل منصفاً أهـ منه بلفظه كما ردَّ على العلامتين البقري وسطان العلامة الميهي بعد أن أورد عبارتهما بجواز ما منعاه ونسب هذا الجواز إلى الحق وقال وبه أخذت عن شيخي النبتيتي قلت: وقريب من هذين الردين أن يقال إن وصل التكبير بالاستعاذة والوقف عليه مشابه لوصل الاستعاذة بالبسملة مع الوقف عليها إذ أن الاستعاذة ليست من القرآن بالاتفاق وكذلك التكبير. فإذا ساغ وصل ما ليس من القرآن بالقرآن والوقف عليه من غير معارض -كما في وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها- ساغ وصل ما ليس من القرآن بعضه ببعض والوقف عليه من باب أولى -كما في وصل الاستعاذة بالتكبير والوقف عليه وهذا جائز من غير نكير خلافاً لما منعه العلامة الصفاقسي والبقري والمزاحي وقد قدمنا لك أننا قرأنا به على جميع مشايخنا وبه نأخذ قراءة وإقراء كما أخذ غيرنا فتأمل وبالله التوفيق.

التنبيه الثامن: ذكر شيخ شيوخنا العلامة السنطاوي رحمه الله تعالى في تحريره على الطيبة أنه يجوز في لفظ التهليل مطلقاً ثلاث مراتب في مده وهي: القصر والتوسط والإشباع ولم أر فيما وقفت عليه من قال بالإشباع في ذلك ولعله أراد -رحمه الله تعالى- بمرتبة الإشباع في لفظ التهليل قراءة حمزة ورواية ورش عن نافع من طريق الأزرق ورواية ابن ذكوان عن ابن عامر من طريق النقاش عن الأخفش إذا أخذ لهم بوجه التهليل مع التكبير أو بوجه التهليل مع التكبير والتحميد عند سور الختم على رأي بعض المتأخرين كما مر. ومن المعلوم أن حمزة والأزرق عن ورش مذهبهما الإشباع في المدين -المنفصل والمتصل من جميع الطرق بالإجماع وكذلك ابن ذكوان عن ابن عامر من طريق النقاش عن الأخفش من طريق طيبة النشر خاصة فعلى هذا تحمل مرتبة الإشباع في التهليل التي ذكرها العلامة السنطاوي وغير هذا الاحتمال لا يجوز الأخذ بها لأن أهل الأداء الذين أخذوا بمرتبة التوسط في مد التعظيم إنما إخذوها لأصحاب القصر في المنفصل كما هو معروف وليس مهم حمزة ولا الأرزق عن ورش ولا ابن ذكوان بل لحمزة والأزرق عن ورش الإشباع في المدين كما أسلفنا ولابن ذكوان فيهما من الطريق التي ذكرنا. وعليه فيكون الإشباع لهم في لفظ التهليل هو مذهبهم وليس داخلاً في المد للتعظيم بحال فما ذكره أستاذنا السنطاوي فسبق قلم منه رحمه الله ورحمنا معه بفضله وكرمه آمين.

التنبيه التاسع: في بيان حكم أواخر سور الختم عند وصلها بالتهليل مطلقاً اعلم أن أواخر سور الختم في حالة وصلها بالتهليل مع التكبير أو بالتهليل مع التكبير والتحميد سواء كان ذلك في وجه وصل الجميع أو كان في غيره كوصل آخر السورة بالتهليل مع التكبير أو هما مع التحميد مع الوقف عليه وعندئذ يبقى آخر السورة على حاله من غير تغيير فالساكن يظل ساكناً كما في آخر الضحى والعلق وصلة هاء الضمير تبقى كما هي كآخر البينة والزلزلة وكذلك يبقى المحرك بحركة الإعراب أو البناء على حاله كآخر الفلق بالنسبة للمبني وآخر الناس بالنسبة للمعرب أما إذا كان آخر السورة منوناً فيدغم التنوين في اللام من لفظ التهليل على القاعدة وحينئذ تجوز الغنة وعدمها في اللام نص على ذلك العارف بالله شيخ شيوخنا سيدي الشيخ مصطفى الميهي في فتح الكريم الرحمن. كما نص عليه العلامة الطباخ في هبة المنان وكذلك العلامة الشيخ أحمد شرف الأبياري في غيث الرحمن شرح هبة المنان فتنبه.

التنبيه العاشر: في بيان حكم الاختلاف في أوجه التكبير مطلقاً اعلم أن الاختلاف في أوجه التكبير مطلقاً سواء أكان مفرداً أم كان مقروناً بالتهليل أم بالتهليل مع التحميد عند سور الختم ليس اختلاف رواية بحيث يلزم الإتيان بها كلها بين كل سورتين وإن لم يفعل يكن اختلالاً في الرواية بل هو من اختلاف التخيير كأوجه البسملة الثلاثة الجائزة بين السورتين فأي وجه أتى به القارئ منها أجزأه وكذلك أوجه التكبير وكان بعضهم يأخذ بوجه واحد من أوجه التكبير الجائزة بين السورتين ويأخذ بين السورتين الأخريين بوجه آخر غير الذي أخذه بين الأوليين وهكذا إلى أن يأتي على جميع أوجه التكبير لأجل حصول التلاوة بجميعها.

قال الحافظ ابن الجزري في هذا الصدد: "وهو حسن ولا يلزم بل التلاوة بوجه منها إذا حصل معرفتها من الشيخ كاف" أهـ ثم قال رحمه الله تعالى في هذا الخصوص أيضاً: "نعم الإتيان بوجه مما يختص بكون التكبير لآخر السورة وبوجه مما يختص بكونه لأولها وبوجه مما يحتملها متعين إذ الاختلاف في ذلك اختلاف رواية فلا بد من التلاوة به إذا قصد جمع تلك الطرق" أهـ قلت والمراد بالطرق في قوله أي الطرق الثلاثة التي هي كون التكبير لأول السورة أو لآخرها أو كونه محتملاً لكلا التقديرين. وقد مر ذلك آنفاً. وقوله رحمه الله تعالى: "إذا قصد جمع تلك الطرق" يؤخذ منه أنه إذا لم يقصد جمع تلك الطرق فلا يتعين الأخذ بوجه من كل من تلك الثلاثة ويرجع الأمر إلى التخيير السابق فأي وجه أتى به القارئ أجزاءه فتأمل هذا القصد وبالله التوفيق.

وقد أشار إلى ما ذكرناه في هذا التنبيه العلامة الشيخ الأمين الطرابلسي ثم المدني في رسالته بقوله رحمه الله تعالى:

*واعلم بأن الخلف في التكبير * من جملة الخلف على التخيير*

*لكن ثلاثة لكل الجمع * يجب الإتيان بها في الجمع*

*فواحد من وجهي ابتداء * وواحد من وجهي انتهاء*

*وآخر من أوجه احتمال * والحمد لله بكلِّ حال اهـ*

هذا: ويؤخذ من نظم العلامة الطرابلسي الوجوب قولاً واحدً في الأخذ بوجه من كل من الطرق الثلاثة وقد تقدم أن الوجوب في ذلك مرتبط بقصد جمع هذه الطرق أما إذا لم يكن هناك قصد لجمعها فلا يتعين الوجوب. ويرجع الأمر إلى التخيير كما أسلفنا فتأمل.

"تتمة": بشأن تعلق التكبير ببعض حالات القصر في المد الجائز المنفصل لحفص عن عاصم من طريق طيبة النشر.

تقدم أن ذكرنا في باب "المد والقصر" بعض الحالات المتعلقة بالقصر في المد المنفصل وبالإشباع في المد المتصل لحفص من طريق طيبة النشر كما تعرضنا هناك في بعض تلك الحالات لذكر التكبير كما ذكر محرروا الطيبة والآن نلفت نظر القارئ إلى أن هناك حالة من حالات قصر المد المنفصل وهي القصر المطلق مع التوسط في المد المتصل وهذه هي الحالة الأولى من حالات القصر التي ذكرناها هناك مع ذكر أحكامها الواجب اتباعها حالة الأداء وقد قلنا عنها فيما قلنا إنه يجوز فيها التكبير الخاص وعدمه وقد سبق معنى الخاص بأنه الخاص بسور الختم فحسب وفيه مذهبان:

الأول: التكبير من آخر الضحى إلى آخر الناس.

الثاني: التكبير من أول ألم نشرح إلى أول الناس ويستوي في ذلك الأوجه التي بين السورتين في هذا المحل. وقد تقدم توضيح ذلك بما فيه الكفاية كما يستوي في ذلك أيضاً إفراد التكبير أو اقترانه بالتهليل أو بالتهليل والتحميد وسواء كان لفظ التهليل مقصوراً أو موسطاً إلى آخر ما ذكرناه آنفاً.

كما أن هناك حالة أخرى من حالات القصر في المد المنفصل أيضاً وهي القصر المطلق في المنفصل مع الإشباع في المتصل وهذه هي الحالة الثانية التي ذكرناها هناك مع ذكرنا للأحكام المتعينة عليها حالة الأداء وقد قلنا فيما قلنا من أحكامها إنه يجوز فيها الأخذ بوجه التكبير العام وعدمه وقد سبق معنى العام أنه العام في جميع سور القرآن الكريم ويستوي في ذلك التكبير في أوائل سور التنزيل أي من أول سورة الفاتحة وما بعدها إلى أول سورة الناس باستثناء البدء من أول سورة براءة كما تقدم كما يستوي في ذلك أيضاً التكبير بين السورتين في سائر التنزيل باستثناء ما بين آخر الأنفال وأول براءة كما مر فتنبه.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الرابع: في بيان حكمه في الصلاة. )

اعلم أن حكم التكبير في الصلاة أنه سنة ثابتة فيها كثبوتها في خارجها وقد تكلم في هذه المسألة غير واحد من الثقات الجهابذة الأثبات فقد ذكر الحافظ ابن الجزري في النشر بأسانيده إلى الصحابة والتابعين بثبوت التكبير في الصلاة وغيرها وقد تركنا ذكر هذه الأسانيد هنا رغبة في الاختصار لطولها. ثم قال الحافظ ابن الجزري بعد ذلك. وقال الشيخ أبو الحسن السخاوي -وروى بعض علمائنا الذين اتصلت قراءتنا بإسناده عن أبي محمد الحسن بن محمد بن عبيدالله بن أبي يزيد القرشي قال: صليت خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان فلما كانت ليلة الختم كبرت من خاتمة الضحى إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلمت التفت وإذا بأبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي قد صلى ورائي فلما أبصرني قال: أحسنت أصبت السنة ... إلى أن قال رحمه الله: فقد ثبت التكبير في الصلاة عن أهل مكة فقهائهم وناهيك بالإمام الشافعي وسفيان بن عيينة وابن جريح وابن كثير وغيرهم... إلى أن قال: ورأيت أنا غير واحد من شيوخنا يعمل به ويأمر من يعمل به في صلاة التراويح وفي الإحياء في ليالي رمضان حتى كان بعضهم إذا وصل في الإحياء في الضحى قام بما بقي من القرآن في ركعة واحدة يكبر إثر كل سورة فإذا انتهى إلى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ?لنَّاسِ (1)} كبر في آخرها ثم يكبر ثانياً للركوع وإذا قام في الركعة الثانية قرأ الفاتحة وما تيسر من أول البقرة وفعلت أنا كذلك مرات لما كنت أقوم بالإحياء بدمشق ومصر.

وأما من كان يكبر في صلاة التراويح فإنهم يكبرون إثر كل سورة ثم يكبرون للركوع. وذلك إذا آثر التكبير آخر كل سورة. ومنهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد الشروع في السورة كبر وبسمل وابتدأ السورة ... إلى أن قال رحمه الله: ثم رأيت كتاب الوسيط تأليف الإمام الكبير شيخ الإسلام أبي الفضل عبدالرحمن بن أحمد الرازي الشافعي رحمه الله تعالى وفيه ما هو نص على التكبير في الصلاة ... ثم عرج بعد ذلك على المذاهب الفقهية فقال: والقصد إنني تتبعت كلام الفقهاء من أصحابنا -يعني الشافعية- فلم أر لهم نصًّا في غير ما ذكرت وكذلك لم أر للحنفية ولا للمالكية وأما الحنابلة فقد قال الفقيه الكبير أبو عبدالله محمد بن مفلح في كتاب الفروع له: "وهل يكبر لختمه من الضحى أو ألم نشرح آخر كل سورة فيه روايتان ولم تستحبه الحنابلة لقراءة غير ابن كثير وقيل ويهلل انتهى قلت: ولما من الله علي بالمجاورة بمكة ودخل شهر رمضان فلم أر أحداً ممن صلى التراويح بالمسجد الحرام إلا يكبر من الضحى عند الختم فعلمت أنها سنة باقية فيهم إلى اليوم... ثم قال رحمه الله تعالى: "والعجيب ممن ينكر التكبير بعد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين" انتهى كلام الحافظ ابن الجزري ملخصاً من النشر.

يقول مقيده أفقر العباد وأحوجهم إلى الله تعالى عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي:

ويؤخذ من كلام الحافظ ابن الجزري في النشر والذي سقناه آنفاً الأحكام الآتية:

أولاً: إن التكبير سنة مطلقة في الصلاة وخارجها. وقد ثبت فعل هذه السنة عند فقهاء مكة المشرفة وغيرهم من فقهاء الأمصار في صلاة التراويح وغيرها.

ثانياً: بيان حكم قطع القراءة في سور التكبير في الصلاة وما يترتب على ذلك مما سنأتي عليه مفصلاً في الفصل التالي إن شاءالله تعالى.

ثالثاً: إن التكبير في الصلاة بالنسبة للمذاهب الفقهية قد ثبت عند الشافعية وعلى رأسهم إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وأنه لم يثبت عند الحنفية ولا عند المالكية أما الحنابلة فقد ورد عنهم فيه روايتان التكبير وعدمه وعندهم إن أخذوا بالتكبير لم يكن مستحبًّا لقراءة غير قراءة ابن كثير وحال أخذهم بالتكبير يجوز معه التهليل كما قيل عندهم.

رابعاً: أنه لا وجه لمن أنكر التكبير بعد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وعنا معهم بمنه وكرمه آمين.

هذا: وذكر في الإتحاف أن التكبير مندوب في الصلاة في الختم وغيره حتى لو قرأ سورة من سور التكبير كالكافرون والإخلاص مثلاً في ركعتين كبر وهو واضح للعلة السابقة والعلة هذه قد ذكرناها فيما تقدم في سبب ورود التكبير. وقد اختلفوا في أداء التكبير في الصلاة هل يجهر به أو يسر أو هو تابع لها في السرية والجهرية أقوال. وأميل إلى أن التكبير يكون تابعاً للصلاة في السر والجهر فهو أحب إليَّ والله تعالى أعلى وأعلم.

(/)

________________________________________

 ( الفصل الخامس: في بيان حكم قطع القراءة في سور التكبير وغيرها في الصلاة وخارجها. )

المراد بسور التكبير سور الختم من آخر الضحى إلى آخر الناس أو من أول ألم نشرح إلى أول الناس كما مر. والمراد بغيرها سائر سور التنزيل. وهذا بحث هام يجب فهمه جيداً لما يترتب عليه من أحكام للتكبير يجب مراعاتها حال قطع القراءة سواء أكان ذلك في الصلاة أم في خارجها. وقد تكلم في هذه المسألة المتقدمون والمتأخرون من أئمتنا وحاصل ما فيها بإيجاز غير مخل.. ليسهل فهمها على القارئ فيعمل بها حال الأداء على أي حال.

فإذا أراد القارئ قطع قراءته في سور الختم خارج الصلاة فعليه أن يعتبر ما ذكرناه آنفاً في الفصل الثاني من أن التكبير إما أن يكون لأول السورة وإما أن يكون لآخرها فإن اعتبره لأولها قطع قراءته على آخر السورة السابقة بدون تكبير. فإذا استأنف قراءته بعد ابتداء السورة اللاحقة بالتكبير ويستوي في ذلك إفراد التكبير أو اقترانه بالتهليل فقط أو بالتهليل مع التحميد مقصوراً أو موسطاً ويجوز حينئذ أوجه الابتداء بالاستعاذة مع التكبير التي تقدم ذكرها.

وإن اعتبر التكبير لآخر السورة كبر آخرها وقطع قراءته. فإذا استأنف القراءة بعد ابتداء السورة التالية بدون تكبير ويجوز له عند تكبيره لآخر السورة وصل آخر السورة بالتكبير موقوفاً عليه مفرداً كان أو مقروناً بالتهليل وحده أو بالتهليل والتحميد مقصوراً وموسطاً. فالأوجه عندئذ خمسة ويراعى في ذلك أيضاً سجدة التلاوة في آخر سورة العلق فإن كان قد اعتبر التكبير لآخر السورة فإنه يكبر للسجدة بعد انتهاء سورة العلق ثم بعد انتهائه منها يكبر لأول سورة القدر وإن كان قد اعتبر التكبير لآخر السورة كبر أولاً لآخر سورة العلق ثم يكبر ثانياً للسجدة ثم بعد انتهائه من السجدة يفتتح سورة القدر بدون تكبير.

هذا إذا كان قطع القراءة في سور الختم.

أما إذا كان القطع في غيرها من سور التنزيل فواضح أن التكبير في هذا الموطن لم يكن لآخر السورة. فإذا قطع القارئ قراءته مثلاً على آخر سورة النساء ثم استأنف قراءته فيما بعد افتتح سورة المائدة بالتكبير إذا كان آخذاً بوجه التكبير العام ويراعى في ذلك أيضاً سجدة التلاوة كما في آخر الأعراف والنجم والحكم حينئذ أنه يكبر للسجدة آخر سورة الأعراف أو آخر سورة النجم ثم بعد انتهائه من السجدة يفتتح سورة الأنفال أو سورة القمر بالتكبير لأن المعتبر الآن أن التكبير في هذا الموطن لأول السورة اللاحقة.

هذا حاصل ما في المسألة إذا كان القارئ قد قطع قراءته في سور الختم أو في غيرها من السور خارج الصلاة.

أما إذا كان قطع قراءته وهو متلبس بالصلاة ففيه التفصيل السابق أيضاً وحاصله إذا كان في سور الختم واعتبر القارئ التكبير لأول السورة فإنه يقطع قراءته على آخر السورة السابقة بدون تكبير ثم يكبر للركوع فإذا قام إلى الركعة الثانية ابتدأ السورة التالية بعد الفاتحة بالتكبير ويستوي في هذا التكبير المفرد أو المقترن بالتهليل وحده أو بالتهليل مع التحميد وسواء كان لفظ التهليل مقصوراً أو موسطاً.

وهل يكبر في هذه الصلاة تكبيرة لأول الفاتحة ثم يكبر ثانياً لأول السورة التالية بعدها لأن التكبير الآن لأول السورة؟ قولان:

أولهما: أن التكبير يجوز في أول الفاتحة ثم في أول السورة التي بعدها أيضاً نص على ذلك العلامة الشيخ أحمد شرف الأبياري في "غيث الرحمن: شرح هبة المنان" وعبارته في هذه الصورة "فأت بتكبيرة الركوع أولاً ثم بعد قيامك من الركعة فأت بتكبيرة أول السورة سواء كانت الفاتحة أو غيرها" أهـ منه بلفظه.

ثاني القولين: أن التكبير لا يكون إلا في السورة التالية بعد الفاتحة فقط نص على ذلك شيخ شيوخنا العارف بالله تعالى سيدي الشيخ مصطفى الميهي رضي الله عنه في "فتح الكريم الرحمن" وعبارته رحمه الله "أو يكبر للركوع ثم يكبر بعد الفاتحة لابتداء السورة على القول الآخر" أهـ منه بلفظه وقوله على القول الآخر أي على القول بأن التكبير لأول السورة. وكلا القولين صحيح في هذه الصورة فحسب فتنبه.

أما إذا كان القارئ قد اعتبر التكبير لآخر السورة فإنه يكبر في آخرها أولاً ثم يكبر للركوع ثانياً فإذا قام إلى الركعة الثانية افتتح السورة التالية بعد الفاتحة بدون تكبير ولا يكبر في هذه السورة في أول الفاتحة بالاتفاق لأن المعتبر الآن أن التكبير لآخر السورة. ويراعى في ذلك سجدة التلاوة أيضاً في آخر سورة العلق. فإن اعتبر القارئ التكبير لأول السورة فإنه يكبر للسجدة بعد انتهاء سورة العلق ثم بعد الانتهاء من السجدة يكبر لأول سورة القدر. وإن اعتبر التكبير لآخر السورة كبر أولاً لآخر سورة العلق ثم يكبر ثانياً للسجدة ثم بعد انتهائه منها يفتتح سورة القدر من غير تكبير ويستوي في كل ما ذكر إفراد التكبير أو اقترانه بالتهليل وحده أو بالتهليل مع التحميد مقصوراً أو موسطاً.

وإذا كان القطع بغير سور الختم فمن المتفق عليه أن التكبير في هذا الموطن لم يكون لآخر السورة كما مر. فإذا قطع القارئ قراءته على آخر سورة البقرة مثلاً وهو في الصلاة كبر للركوع كالعادة ثم بعد قيامه للركعة الثانية يفتتح بعد الفاتحة سورة آل عمران بالتكبير إذا كان آخذاً بوجه التكبير العام. وهل يكبر في هذه الصورة تكبيراً لأول الفاتحة أولاً ثم يكبر ثانياً لأول السورة التالية بعدها؟ نعم يجوز أن يكبر لأول الفاتحة لأن المعتبر الآن أن التكبير لأول السورة التالية لأن السابقة قطع عليها للركوع بدون تكبير هذا هو الظاهر، والله أعلم.

ويراعى في ذلك سجدة التلاوة أيضاً في آخر الأعراف والنجم. والحكم حينئذ أن يكبر لسجدة التلاوة في آخر الأعراف أو آخر النجم ثم بعد الانتهاء منها يفتتح سورة الأنفال أو سورة القمر بالتكبير. وقد أشار إلى ما قلناه في هذا الفصل نظماً غير واحد من الثقات الجهابذة الأثبات. وإليك أخصره للعلامة الطباخ في هبة المنان فقد قال رحمه الله تعالى:

*ومن رأى التكبير آخر وقدْ * أراد قطعاً دون بدء اعتمدْ*

*وللركوع والسجود كبرا * أخرى وعكسه لمن بدأ يُرى اهـ*

وهأنذا أزيدك توضيحاً لهذا النظم البديع في بابه العظيم في استيعابه فقد أشار رحمه الله تعالى في البيت الأول إلى أنك إذا رأيت أن التكبير لآخر السورة وأردت القطع فاعتمد التكبير لآخر السورة أي كبر لآخر السورة السابقة دون الابتداء بالتكبير لأول اللاحقة ... وهذا كله إذا كان القطع خارج الصلاة.

أما إذا كان القطع فيها فأشار بقوله رحمه الله: "وللركوع والسجود كبرا أخرى" ومعناه إذا كنت متلبساً بالصلاة وأردت القطع وقد اعتمدت التكبير لآخر السورة أيضاً فكبر لآخر السورة السابقة ثم كبر تكبيرة أخرى للركوع. وهذا إذا لم يكن هناك سجود للتلاوة. فإن كان كما في آخر العلق فاعتمد التكبير لآخر السورة أيضاً ثم كبر تكبيرة أخرى لسجود التلاوة. وعليه: فإن كلمة "أخرى" في النظم هي صفة لتكبيرة الركوع ولتكبيرة السجود كذلك وكأنه يقول رحمه الله تعالى -كبرن تكبيرة أخرى للركوع بعد تكبيرة آخر السورة وكبرن أيضاً تكبيرة أخرى لسجود التلاوة بعد تكبيرة آخر السورة كذلك. وعلى كلتا الحالتين أي حالة القطع في الصلاة أو في خارجها فالابتداء بالسورة التالية يكون بدون تكبير لأن المعتمد في هذه الصورة أن التكبير لآخر السورة السابقة فتأمل. وقوله رحمه الله: "وعكسه لمن بدأ يرى" أي وعكس ما ذكر في الصورة السابقة من أن التكبير فيها لآخر السورة السابقة يظهر لمن يرى العكس وهو كون التكبير لأول السورة اللاحقة فإن كان كذلك فالأمر بعكس ما ذكر في الصورة الأولى وقد مر كيفية ذلك بإسهاب سواء أكان القطع في الصلاة أم في خارجها وسواء أكان ذلك في سور الختم أم في غيرها من باقي سور التنزيل. فتفطن لما ذكرناه جيداً في هذه المسألة وغيرها مما أوردناه في التكبير عامة فقد لا تجده مجموعاً في غيره بهذه الكيفية والله يرشدني وإياك إلى الصراط السوي فإنه سبحانه وليُّ ذلك والقادر عليه.

وهذا آخر ما يسر الله تعالى جمعه في هذا الكتيب والحمد لله على إتمامه حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده -والله أسأل أن يلبسه ثوب القبول وأن ينفع به أهل القرآن في كل زمان ومكان وأن ييسره لطالبيه ويعين ذا الرغبة من قاصديه. وأن يجعله خالصاً لوجه الكريم وسبباً للفوز لديه بجنات النعيم. إنه على ما يشاء قدير. وبالإجابة جدير، اللهم اغفر لي ولوالدي ولأولادي ولمشايخي عامة ولمن علمني القرآن الكريم ولمن أقرأنيه ولعموم المسلمين والمسلمات وأن يرزقني وإياهم الستر فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض. اللهم ارزقنا إيماناً كاملاً وعملاً صالحاً متقبلاً وجنة في الآخرة بعفوك لا بأعمالنا فإننا مقصرون. ولا يغفر الذنون إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام. اللهم بلغنا من الخير أملنا، واختم بالإيمان أجلنا واجعل آخر كلامنا شهادة أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً رسول الله يا ربّ - يا ربُّ - يا ربّ - يا ربّ - يا ربّ.

*يا ربُّ إن الملوك إذا شابت عبيدهُمْ * في رقهم أعتقوهم عتق أحرار*

*وأنت يا رب أولى من يجود على * العبد الأسير فاعتقني من النار*

*واعتق المسلمين قاطبة * يارب. يارب. يارب. يارب. يارب.*

وكان الفراغ من كتابته الأولى بمدينة تاجوراء شارع الحطاب المالكي الكبير بإقليم طرابلس ليبيا في يوم السبت العاشر من جمادى الآخرى سنة 1383هـ ثلاث وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات والتسليمات الموافق 3/9/1963م.

وكان الفراغ من مراجعته وتنقيحه وزيادة أبوابه وفصوله وملحق أعلامه بالمدينة المنورة الزكية على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التحية في يوم الجمعة المبارك 27 شوال سنة 1399هـ سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلهم والحمد لله رب العالمين.

كتبه أفقر العباد

وأحوجهم إلى الله تعالى

عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي

المصري الشافعي الأزهري المقرئ

خادم العلم والقرآن والأستاذ المساعد

بقسم القراءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

زادها الله عزًّا وشرفاً