أطايب الجنى
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الخاتمة حسنها وسوءها
خالد بن عبد الرحمن الشايع
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الذدين. أما بعد:
فإنَّ لخاتمة العبد في هذه الحياة الدنيا شأنٌ عظيم وَخَطْرٌ جليل، وذلك لأنَّ ما بعدها متوقفٌ عليها، حيث يكون جزاء العبد وعاقبتُه بحسب خاتمته حُسْنًا أو سُوءًا، كما جاء في الحديث الصحيح: «إنما الأعمال الخواتيم» رواه البخاري وغيره.
ولأجل ذلك اشتدَّ قلق عباد الله الصالحين وعظم إجلالهم لشأن الخاتمة، واستداموا الأعمال الصالحة وأكثروا التضرع إلى الله تعالى أن يثبتهم عليها إلى أن يلقوه، وسعوا لأن يمتثلوا وصيَّة الله لهم: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ [آل عمران: 102].
وقد روى مسلمٌ في «صحيحه» عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «إنَّ قلوب بني آدم كُلَّها بين إصبعين من أصاض ذذبع الرحمن كقلب واحدٍ يُصَرِّفه حيث يشاء»، ثم قال رسول الله ﷺ: «اللهم مُصَرِّفَ القُلوب صَرِّف قلوبنا على طاعتك».
قال بعض السلف: ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق.
وكان سُفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم، فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أُسلب الإيمان عند الموت. وهذا من شدة خوفه وورعه رحمه الله. وإلا فإن الله هو الكريم الودود، وهو سبحانه الشاكر العليم، لا يضيع عمل عامل من خلقه.
وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته ويقول: يا ربِّ قد علمتَ ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أيِّ الدارين منزل مالك.
ثم إن الخاتمة تتوقف على السوابق، فمن كان في حال سعة أمره وفُسحة أجله مُحسنًا؛ فعاقبته بإذن الله الحسنة، ومَن كان على السوء؛ فعاقبته بمثل ذلك، فقد جرت سنة الله أن لا يعلم من العبد حرصًا على الخير وحُبًّا له إلا وفَّقه إليه، وثَبَّتَه عليه، وختم له به. نسأل الله الكريم من فضله.
ولأهمية هذه المسألة ولزوم بها فقد حَرَّرت هذه الأسطر تذكيرًا لنفسي المقصِّرة ونصيحة للمسلمين والمسلمات. وعلى الله الكريم اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي.
* * * *
أولاً: حُسْنُ الخاتمة
حسن الخاتمة هي: أن يُوفَّق العبد قبل موته للكَفِّ عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.
ومما يدل على هذا المعنى ما صحَّ عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أراد الله بعبده خيرًا استعمله» قالوا: كيف يستعمله؟ قال: «يوفِّقه لعمل صالح قبل موته» رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك.
ولحسن الخاتمة علامات، منها: ما يعرفه العبد المُحتضر عند احتضاره، ومنها: ما يظهر للناس.
أما العلامة التي يظهر بها للعبد حُسنُ خاتمته فهي ما يُبشَّر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلاً منه تعالى، كما قال جلَّ وعلا: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ{ [فصلت: 30].
وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وفي قبورهم، وعند بعثهم من قبورهم.
ومما يدل على هذا أيضًا: ما رواه البخاري ومسلم في «صحيحهما» عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «مَن أحب لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومَن كره لقاء الله كره الله لقاءه» فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ فقال: «ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنَّته أحبَّ لقاء الله، وإن الكافر إذا بُشِّر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه».
وفي معنى هذا الحديث قال الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلام: «ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته؛ لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة»، وقال: «ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قومًا بحب الحياة فقال: }إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا{ [يونس: 7]».
وقال الخطابي: «معنى محبة العبد للقاء الله: إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهية بضد ذلك».
وقال الإمام النووي رحمه الله: «معنى الحديث: أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعًا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تُقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه».
وأما علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك، ونحن نورد هنا بعضًا منها، فمن ذلك:
* النطق بالشهادتين عند الموت:
ودليله ما رواه الحاكم وغيره أن رسول الله ﷺ قال: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة».
* ومنها: الموت برشح الجبين أي: يكون على جبينه عرق عند الموت.
لِمَا رواه بريدة بن الحصيب أن رسول الله ﷺ قال: «موت المؤمن بعرق الجبين» رواه أحمد والترمذي.
* ومنها: الموت ليلة الجمعة أو نهارها.
لقوله ﷺ: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر» رواه أحمد والترمذي.
* ومنها: الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو موته غازيًا في سبيل الله، أو موته بمرض الطاعون أو بداء البدن كالاستسقاء ونحوه، أو موته غرقًا.
ودليل ما تقدَّم ما رواه مسلم في «صحيحه» عنه ﷺ أنه قال: «ما تعدُّون الشهيد فيكم؟» قالوا: يا رسول الله، من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، قال: «إن شهداء أُمَّتِي إذًا لقليل» قالوا: فمَنْ يا رسول الله؟ قال: «مَنْ قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البَطْن فهو شهيد، والغريق شهيد».
* ومنها: الموت بسبب الهدم، لما رواه البخاري ومسلم عنه ﷺ قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله».
* ومن علامات حسن الخاتمة: وهو خاص بالنساء: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، أو وهي حاملٌ.
ومن أدلة ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عبادة بن الصامت أنه ﷺ أخبر عن الشهداء، فذكر منهم: «والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة» يعني: بحبل المشيمة الذي يقطع عنه.
* ومنها: الموت بالحرق وذات الجنب.
ومن أدلته أنه ﷺ عدَّد أصنافًا من الشهداء فذكر منهم الحريق، وصاحب ذات الجنب: وهي وَرَمٌ حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع. والحديث رواه أبو داود في «سننه».
* ومنها: الموت بداء السل، حيث أخبر ﷺ أنه شهادة.
ومنها أيضًا: ما دلَّ عليه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما أنه ﷺ قال: «مَن قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتِل دون أهله فهو شهيد، ومَن قُتِل دون دينه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون دمه فهو شهيد».
* ومنها: الموت رباطًا في سبيل الله.
لِما رواه مسلم عنه ﷺ أنه قال: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه، وأمِنَ الفتَّان».
ومِنْ أسعد الناس بهذا الحديث رجال الأمن وحرس الحدود وبرًّا وبحرًا وجوًّا على اختلاف مواقعهم إذا احتسبوا الأجر ووافتهم المنيَّة على ذلك.
* ومن علامات حُسن الخاتمة: الموت على عمل صالح؛ لقوله ﷺ: «مَن قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتم له بها دخل الجنة، ومَن صام يومًا ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومَن تصدَّق بصدقة ختم له بها دخل الجنة» رواه الإمام أحمد وغيره.
فهذه نحو من عشرين علامة على حسن الخاتمة عُلمت باستقراء النصوص، وقد نبَّه إليها العلاَّمة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه القيِّم «أحكام الجنائز».
وأعلم أخي الكريم أن ظهور شيء من هذه العلامات أو وقوعها للميت، لا يلزم منه الجزمُ بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يُستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه الحكم بأنه غير صالح أو نحو ذلك، فهذا كله من الغيب. ولكن يُرجى للمُحسن، ويُخَافُ على المسيء.
* * * *
أسباب حسن الخاتمة
من أعظمها، أن يلزم الإنسان طاعة الله وتقواه، ورأس ذلك وأساس تحقيق التوحيد، والحذر من ارتكاب المحرَّمات، والمبادرة إلى التوبة مما تلطَّخ به المرء منها، وأعظم ذلك: الشرك كبيره وصغيره. يقول الربُّ جلَّ شأنه: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ [النساء: 48].
* ومنها: أن يلح المرء في دعاء الله تعالى أن يتوفاه على الإيمان والتقوى.
* ومنها: أن يعمل الإنسان جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه، وأن تكون نيَّته وقصده متوجهة لتحقيق ذلك، فقد جرت سنة الكريم سبحانه أن يوفِّق طالب الحق إليه، وأن يثبِّته عليه، وأن يختم له به.
* * * *
ثانيًا: سوء الخاتمة
أما الخاتمة السيئة فهي: أن تكون وفاة الإنسان وهو مُعرِضٌ عن ربه جلا وعلا، مقيمٌ على مساخطه سبحانه، مضيِّعِ لِمَا أوجب الله عليه.
ولا ريب أن تلك نهاية بئيسة وخاتمة تعيسة، طالما خافها المتقون، وتضرَّعوا إلى ربهم سبحانه أن يجنِّبهم إياها.
وقد تظهر على بعض المحتضرين علامات أو أحوال تدل على سوء الخاتمة، مثل: النُّكُول عن نطق الشهادة – أن لا إله إلا الله – ورفض ذلك، ومثل التحدُّث في سياق الموت بالسيئات والمحرَّمات وإظهار التعلُّق بها، ونحو ذلك من الأقوال والفعال التي تدل على الإعراض عن دين الله تعالى والتبرُّم لنزول قضائه.
ولعلَّ من المناسب أن نذكر بعض الأمثلة الواقعية على ذلك, فمن الأمثلة:
ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه: «الجواب الكافي» أن أحد الناس قيل له وهو في سياق الموت: قل لا إله إلا الله، فقال: وما يُغْنِي عني وما أعرف أني صَلَّيتُ لله صلاة؟ ولم يَقُلْها.
ونقل الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه: «جامع العلوم والحكم» عن أحد العلماء، وهو عبد العزيز بن أبي روَّاد أنه قال: حضرتُ رجلاً عند الموت يُلقَّن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول. وماتَ على ذلك. قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، كان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنها هي التي أوقعته.
ونحو هذا ما ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله أن رجلاً كان يجالس شُّرَّاب الخمر، فلمَّا حضرته الوفاة جاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له: اشرب واسقني. ثم مات.
وذكر الحافظ الذهبي رحمه الله أيضًا في كتابه: «الكبائر» أن رجلاً ممن كانوا يلعبون الشطرنج احتُضِر، فقيل له: قل لا إله إلا الله، فقال: شاهك. ثم مات، غَلَب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب، فقال عِوَضَ كلمة التوحيد: شاهك.
ومن ذلك ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله عن رجل عُرف بحبه للأغاني وترديدها، فلما حضرته الوفاة قيل له: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاتنا تنتنا.. حتى قضى، ولم ينطق بالتوحيد.
وقال ابن القيم أيضًا: أخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه: لا إله إلا الله وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، وهذا مُشترى جيد، هذه كذا. حتى قضى ولم ينطق التوحيد. ولا يزال يظهر للناس في كثير من الأزمنة والبلاد من سوء الخاتمة للمجاهرين بالمعاصي المجرمين بها ما شاء الله، نسأل الله العافية والسلامة من كل ذلك.
وها هنا تعليق للعلامة ابن القيم رحمه الله نورد ما تيسر منه، حيث عقَّب على بعض القصص المذكورة آنفًا، فقال:
«وسبحان الله، كما شاهد الناس من هذا عِبرًا؟ والذي يخفى عليهم منن أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.
فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوَّته وكمال إدراكه، قد تمكَّن منه الشيطان، واستعمله فيما يريد من معاصي الله، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله، وعطَّل لسانه عن ذِكْرِه، وجوارحَهُ عن طاعته، فكيف الظن به عند سقوط قواه، واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع؟ وجمع الشيطان له كل قوته وهمَّته، وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحال، فمن ترى يسلم على ذلك؟ فهناك }يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ{ [إبراهيم: 27].
فكيف يوفَّق بحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قَلْبَهُ عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطًا؟ فبعيدٌ مَنْ قَلْبُهُ بَعِيدٌ عن الله تعالى، غافلٌ عنه، متعبدٌ لهواه، أسير لشهواته، ولسانه يابسٌ من ذكره، وجوارحه معطَّلة من طاعته، مشتغلة بمعصيته – بعيدٌ – أن يوفق للخاتمة بالحسنى». اهـ.
وسوء الخاتمة على رتبتين نعوذ بالله من ذلك:
الأولى: وهي العظيمة الشنيعة، فهي أن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله, إما الشك، وإما الجحود، فتُقبض الروح على تلك الحال، وتكون حجابًا بينه وبين الله، وذلك يقتضي البُعد الدائم والعذاب المخلَّد.
والثانية: وهي دونها، أن يغلب على قلبه عند الموت حب أمر من أمور الدنيا أو شهوة من شهواتها المحرمة، فيتمثَّل له ذلك في قلبه، والمرء يموت على ما عاش عليه، فإن كان ممن يتعاطون الربا فقد يُختم له بذلك، وإن كان ممن يتعاطون المحرمات الأخرى من مثل المخدرات والأغاني والتدخين ومشاهدة الصور المحرمة وظلم الناس ونحو ذلك فقد يختم له بذلك، أي بما يُظهر سوء خاتمته والعياذ بالله، ومثل ذلك إذا كان معه أصل التوحيد فهو مخطور بالعذاب والعقاب.
* * * *
أسباب سوء الخاتمة
وبهذا يعلم أن سوء الخاتمة يرجع لأسباب سابقة، يجب الحذر منها.
ومن أعظمها: فساد الاعتقاد، فإنَّ مَنْ فسدت عقيدته ظهر عليه أثر ذلك أحوج ما يكون إلى العون والتثبيت من الله تعالى.
ومنها: الإقبال على الدنيا والتعلُّق بها, وتعاطيها من سُبُلٍ محرمة.
ومنها: العدول عن الاستقامة والإعراض عن الخير والهدى.
ومنها: الإصرار على المعاصي وإلفُها، فإن الإنسان إذا أَلِفَ شيئًا مدة حياته وأحبَّه وتعلَّق به؛ فعاد ذكره إليه عند الموت، وردَّده حال الاحتضار في كثير من الأحيان.
قال الحافظ ابن كثير: «إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال تعالى: }وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا{ [الفرقان: 29].
وسوء الخاتمة – أعاذنا الله – لا يقع فيها مَن صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يُسمع به، وإنما تقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عَقْدًا، وظاهره عملاً، ولمن له جُرْأَةٌ على الكبائر، وإقدامٌ على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة». اهـ.
لأجل ذلك كان جديرًا بالعاقل أن يحذر من تعلق قلبه بشيء من المحرمات، وجديرًا به أن يُلزِم قلبه ولسانه وجوارحه ذكر الله تعالى، وأن يحافظ على طاعة الله حيثما كان، من أجل تلك اللحظة التي إن فاتت وخُذل فيها شَقى شقاوة الأبد.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه، اللهم وفِّقنا جميعًا لفعل الخيرات واجتناب المنكرات؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.