إنما الحياة الدنيا متاع
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
إنما الحياة الدنيا متاع
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "إنما الحياة الدنيا متاع"، والتي ذكَّر فيها بالموت وحلوله بالعباد سريعًا، وأنه لا خلود لأحدٍ في هذه الدنيا، وإنما هي متاعٌ زائل، والآخرة هي دار القرار، وحثَّ على اغتنام الأيام بالعمل الصالح، وأرشد إلى ما جاء في السنة من الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم، وأكَّد على فضيلة صيام يوم عاشوراء وصيام التاسع قبله؛ مخالفةً لليهود.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله ذي الطَّول والآلاء، أحمده على ما أسال من وابِل العطاء، وأسبَلَ من جميل الغِطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حكَمَ على خلقه بالموت والفناء، والبعث إلى دار الجزاء، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتمُ الرسل والأنبياء، الشافعُ المُشفَّعُ يوم الفصل والقضاء، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله الأتقياء، وصحابته الأوفياء.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسَب، وطاعتَه أعلى نسب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
المنايا لزِمَت البرايا، فلا خُلْد في الدنيا يُرتَجى، ولا بقاء فيها يُؤمَّل، وما الناس إلا راحلٌ وابنُ راحلِ، وما الدهرُ إلا مَرُّ يومٍ وليلةٍ، وما الموتُ إلا نازلٌ وقريبُ، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 26، 27]، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 88]،
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران: 185].
ما أسرع الأيام في طيِّنا، تمضي علينا ثم تمضي بنا، في كل يومٍ أملٌ قد نأى، مرامُهُ عن أجلٍ قد دنا، الأملُ طويل، والثَّوَاء قليل، ورَحى المنون تدور، آجالٌ إلى زوال، وآمالٌ إلى اضمِحلال، عامٌ يُبلي عامًا، وأيامٌ تطوي أيامًا.
سبيلُ الخلق كلهم الفناءُ | فما أحدٌ يدوم له البقاءُ |
يُقرِّبُنا الصباحُ إلى المنايا | ويُدنينا إليهنَّ المساءُ |
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون: 11]، لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس: 49].
فطُوبى لعبدٍ أحسن الرحلة بأحسنَ ما يحضُرُه من النُّقْلة، بين ابنِ آدم في الدنيا يُنافِس، قد قرَّت عينُه بماله وجاهِه؛ إذ دعاه الله بقَدَره، ورماه بيوم حتْفِه، فسَلَبَه آثاره ودنياه، وصيَّر لقومٍ آخرين مصانعه ومغناه.
أين ما كان قبلنا أين أينَا | من أُناسٍ كانوا جمالاً وزَيْنَا |
إن دهرًا أتى عليهم فأفنَى | عددًا منهمُ سيأتي علينا |
كم رأينا من ميتٍ كان حيًّا | ووشيكًا يُرى بنا ما رأينَا |
ما لنا نأمنُ المنايا كأنَّا | لا نراهنَّ يهتدينَ إلينا |
يا من لعِبَ ولهَا! يا من غفلَ وسهَا! يا من نظر في عاجلِهِ ونسي المنتهى! أفِق من خمرة الشهوات، وبادِر إلى التوبة قبل الفَوَات.
ولا يذهبنَّ العمر منك سبَهْلَلاً | ولا تُغبَنَنْ بالنعمتَيْنِ بلِ اجهِدِ |
فمن هجَرَ اللَّذَّات نالَ المَنَى ومَنْ | أكبَّ على اللَّذَّات عضَّ على اليَدِ |
يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "ما ندِمتُ على شيء ندَمِي على يومٍ غرَبَت شمسُهُ نقَصَ فيه عُمري ولم يَزِد فيه عمَلِي".
وقال بعض السلف: "من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أدَّاه، أو مجدٍ أثَّلَه، أو حمدٍ حصَّلَه، أو خيرٍ أسَّسَه، أو علمٍ اقتَبَسَه؛ فقد عقَّ يومَه وظلمَ نفسَه".
أيها المسلمون:
قصِّروا الأمل، وأصلِحوا العمل، وحاذِروا بغتَةَ الأجل، وليكن عامُكم الجديد مُشرِقًا بصدق التوبة وحسن الإنابة، وردِّ الحقوق إلى أهلها، والتحلُّل من أصحابها، «كلُّ بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوابون»، و"التائبُ من الذنب كمن لا ذنب له".
جعلني الله وإياكم ممن صدَقَ وتاب، ورجع وثاب، وأقلَعَ وأناب.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، فقد فاز المُستغفرون، وسعِدَ الآيِبون.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
أفضل الصلاة بعد المكتوبة: الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان: صيام شهر الله المُحرَّم، ويتأكَّدُ صيام يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشرُ من المحرم؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صيامَ يومٍ فضَّلَه على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر - يعني: رمضان -"؛ أخرجه البخاري.
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: «يُكفِّر السنة الماضية»؛ أخرجه مسلم.
ويُستحبُّ أن يصوم التاسع معه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسع»؛ أخرجه مسلم.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "صوموا اليوم التاسع والعاشر وخالِفوا اليهود"؛ أخرجه البيهقي.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "فإن اشتبَهَ عليه أول الشهر صامَ ثلاثة أيام، وإنما يفعلُ ذلك ليتيقَّن صومَ التاسع والعاشر".
أيها المسلمون:
إن ثمرة الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسَنَه.
واعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون من جنِّه وإنسه -، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحب والآل، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وعُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين، اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين، اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، واحفظ اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وهيِّئ له البِطانة الصالحة، اللهم ومُنَّ على خادم الحرمين الشريفين بالصحة والعافية يا رب العالمين، وأعِده إلى بلاده سالمًا مُعافًى يا كريم.
اللهم وفِّق وليَّ عهده ونائبَه الثاني لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقهما لما تحب وترضى، ومتِّعهما بالصحة والعافية يا رب العالمين.
اللهم ادفع عنا الغلا، والوبا، والربا، والزنا، والزلازل، والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، يا قوي يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم أعتِقْنا من رِقِّ الذنوب، اللهم أعتِقْنا من رِقِّ الذنوب، وخلِّصنا من أشَر النفوس، وباعِد بيننا وبين الخطايا، وأجِرنا من الشيطان الرجيم.
يا عظيم العفو، يا عظيم العفو، يا عظيم العفو، يا واسع المغفرة، يا واسع المغفرة، يا واسع المغفرة، يا قريب الرحمة، يا قريب الرحمة، يا قريب الرحمة، نسألك أن تجعلنا من أهل الجنة، وأن تُنجِّيَنا من النار يا رب العالمين، اللهم هبْ لنا من لدنك مغفرةً ورحمة، وأسعِدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك كأننا نراك، يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا، وانصرنا على من عادانا.
اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمرين، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم أعطِهم من الآمال أعلاها، ومن الخيرات أقصاها، يا رب العالمين، اللهم اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا، اللهم اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا، ورُدَّهم إلى ديارهم سالمين غانمين يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.
نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسِل السماء علينا مِدرارًا يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.