الإسلام: حقيقته، شرائعه، عقائده، نظمه
ترجمات المادة
التصنيفات
- الدعوة إلى الله >> الدعوة إلى الإسلام >> تعريف الإسلام
- الدعوة إلى الله >> الدعوة إلى الإسلام >> دعوة غير المسلمين >> دعوة النصارى
- الدعوة إلى الله >> الدعوة إلى الإسلام >> دعوة غير المسلمين >> دعوة الهندوس
- الدعوة إلى الله >> الدعوة إلى الإسلام >> دعوة غير المسلمين >> دعوة الملاحدة
- الدعوة إلى الله >> الدعوة إلى الإسلام >> دعوة غير المسلمين >> دعوة اليهود
المصادر
الوصف المفصل
- الإسلام:
حقيقته، شرائعه، عقائده، نظمه
- تقريظ الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام التابعة لرابطة العالم الإسلامي
- الباب الأول: حقيقةُ
الدينِ الإسلاميِّ، ومصادرُ تشريعِه، وأركانُه
- مدخل: في قصة البشرية
- الفصل الأول
- حقيقة الدين الإسلامي
- الفصل الثاني
- مصادر التشريع في الدين الإسلامي
- الفصل الثالث
- أركان الإسلام
- الباب الثاني
- أركان الإيمان
- تمهيد
- الفصل الأول
- الإيمان بالله _ جلَّ جلاله _
- المبحث الأول: مفهوم
الإيمان بالله، وثمراته، وأدلته
- أولاً: مفهوم الإيمان بالله وما يتضمنه
- الإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بوجود الله، وأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل، وعبادته باطلة، وأنه _سبحانه_ متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب([186]).
- ثانياً: ثمرات الإيمان بالله
- ثالثاً: الأدلة على وحدانية الله _سبحانه وتعالى_
- المبحث الثاني: دلالة العقل على الإيمان بالله
- المبحث الثالث: دلالة الحس على الإيمان بالله
- المبحث الأول: مفهوم
الإيمان بالله، وثمراته، وأدلته
- الفصل الثاني
- الإيمان بالملائكة
- الفصل الثالث
- الإيمان بالكتب
- الفصل الرابع
- الإيمان بالرسل
- الفصل الخامس
- الإيمان باليوم الآخر
- الفصل السادس
- الإيمان بالقدر
- الباب الثالث
- محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين
- الباب الرابع
- مسائل في علم الغيب
- الباب الخامس
- مسائل في الذنوب والتوبة والدعاء
- الباب السادس
- النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري
- في الإسلام
- الفصل الأول
- النظام السياسي في الإسلام
- الفصل الثاني
- النظام الاقتصادي في الإسلام
- الفصل الثالث
- النظام الاجتماعي في الإسلام
- المبحث الأول: مفهوم الاجتماع، والحياة الاجتماعية في الإسلام
- المبحث الثاني: مكانة الجار في الإسلام
- المبحث الثالث: صلة الرحم
- المبحث الرابع: كرامة الإنسان، ومعيار العدل والتكريم في الإسلام
- المبحث الخامس: أصول الأخلاق ودورها في بناء المجتمع
- المبحث السادس: الصداقة، والصحبة في الإسلام، وعلاقة المسلمين بغيرهم
- الفصل الرابع
- نظام الأسرة في الإسلام
- الباب السابع
- موقف الإسلام من بعض القضايا
المعاصرة
- تمهيد
- الفصل الأول
- الإسلام والعقل، والعلم، والعمل
- الفصل الثاني
- الإسلام والصحة العامة والنظافة
- الفصل الثالث
- قضايا السلام والتعايش والتسامح, والإكراه والعنف والإرهاب والجهاد
- الباب الثامن
- الدلائل على حقيقة
الإسلام
- تمهيد
- الفصل الأول
- الإعجاز في القرآن الكريم
- الفصل الثاني
- الإعجاز في السنة النبوية
- الفصل الثالث
- الإسلام في الكتب السابقة
- الخاتمة
- فهرس الآيات
- فهرس الأحاديث
- فهرس المصادر والمراجع
الإسلام: حقيقته، شرائعه، عقائده، نظمه
تقريظ الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام التابعة لرابطة العالم الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن حاجة البشرية إلى الإسلام ماسَّة، بل إن ضرورتها إليه مُلِحَّة؛ فالنفوس لا تطيب، ولا تسعد إلا بتوجهها إلى إلهها وفاطرها، ولا تستقيم أحوال الأفراد والمجتمعات والدول إلا بسيرها على شرع خالقها الذي هو أعلم بمصالحها.
فلا غرو _ إذاً _ أن نرى المجتمعات غير المسلمة التي نالت من زهرة الدنيا ما نالت؛ من حيث الرفاهيةُ، والحرية، والعَبُّ من الشهوات دون حسيب أو رادع _ تعيش حالة من القلق، والضياع، والمادية البحتة التي تسيطر على كثير من أحوالها.
كيف لا؟ وهي لم تصل إلى المنهج الرباني الذي يزكي نفوسها، ويجيب عن أسئلتها الحائرة؟.
لذا كان من الواجب على أمة الإسلام الأمة الشاهدة القوامة أن تضطلع بمسؤوليتها تجاه البشرية جمعاء؛ فتسعى سعيها لنشر هداية الإسلام، وتبيان محاسنه، وشموليته، وعدله؛ لكي تقوم حجة الله البالغة، ويُهدى من شاء الله هدايته.
ولقد قام أهل الإسلام في القديم والحديث بعمل جبار في ذلك السبيل؛ غير أن الأمر _ في هذه الأزمان _ أعظم، والحاجة أمَسُّ إلى مضاعفةِ الجهد، وإلباسِ الدعوة أثواباً تلائم حال العصر وأهله، وتواجه ذلك الزيف والدجل الذي يمارسه الإعلام المضلل الحاقد، وتبرئ ساحة الإسلام من تبعات بعض المنتسبين إليه وهم بعيدون عن هدايتهم، وتقف أمامَ كلِّ ما يصد عن تعريف الناس بالإسلام الذي أتم الله به على البشرية النعمة، ورضيه ديناً خاتماً عاماً إلى قيام الساعة.
ومن هذا المنطلق كان من أهم مهمات الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام التابعة لرابطة العالم الإسلامي _ أن تسهم في ذلك الميدان، وكان من إسهاماتها فيه أن رأت بعد مداولات، ومشاورات، وبعد جولات في كثير من بقاع العالم _ أن الحاجة تدعو إلى إعداد محتوى يعرِّف بالإسلام، ويبرز محاسنه.
وقد اجتمع لها من جرَّاء ذلك محاور كثيرة تحتاج إلى صياغة جديدة تلائم روح العصر _ كما مر _ وذلك وَفْقَ منهج علمي محدد؛ بعيداً عن التفريط أو الإفراط، أو كما يقول الباحث: (بعيداً عن لغة التعالي والاستفزاز، ولغة التبعية والانهزام) فنشأت فكرة إطلاق المسابقة البحثية التي جاءت حاملة مسمى (هذا هو الإسلام) وعُممت على الجامعات في العالم الإسلامي؛ رغبة في أن يشارك فيها أكبر عدد ممكن، وكُوِّن لها مجموعة من المحكِّمين من أهل الاختصاص من أساتذة الجامعات المشهود لهم بسعة العلم، ورجاحة العقل، والخبرة، وطول الباع في التحكيم.
وبعد ذلك توالت البحوث تلو البحوث التي بذل فيها أصحابها جهداً طيباً مباركاً.
ولكن اليد الطولى، والقِدح المعلى كان لفارس السباق الأول، وخِرِّيته المبجل الشيخ الأديب الحبيب الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد الذي فاق أقرانه بلا منازع؛ فنال المركز الأول بالانفراد، وحصل على التقدير اللائق في كافة لجان التحكيم؛ لما اتصف به بحثه من الشمول، والاستيعاب، وحسن العرض، والمناقشة، والجمع بين الأصالة والمعاصرة، والحرص على التوثيق العلمي، فخرج بهذه الحلة البديعة التي نأمل أن تكون رافداً من روافد التعريف بالإسلام، وزاداً يعين الدعاة على ما هم بصدده من الدعوة إلى الله.
أسأل الله أن يبارك في هذا العمل، وأن ييسر ترجمته إلى كافة لغات العالم.
كما أسأله _ عز وجل _ أن يجزي الباحث وزملاءه الباحثين، ولجنة التحكيم الموقرة خير الجزاء، وأن يجعلنا جميعاً مفاتيح للخير، مغاليق للشر، مباركين أينما كنا.
كتبه:
حبيب بن محمد الحارثي
الأمين العام المكلف للهيئة العالمية للتعريف بالإسلام
المدينة المنورة
1/12/1434هـ
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
فإن الإسلام خاتم الأديان, وأشملها, وأعمها, فلقد أكمله الله _عز وجل_ وأتم به على عباده النعمة, ورضيه لهم ديناً.
وإن الحديث عن الإسلام لذو شجون؛ فهو يبدأ ولا ينتهي؛ إذ في الإسلام حُكْمُ كلِّ شيء, وتفصيل كلِّ شيء [مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ] الأنعام: 38 .
فلم يغادر الإسلام صغيرة ولا كبيرة من قضايا الاعتقاد, أو العمل, أو التشريع, أو الآداب إلا وأحاط به إجمالاً أو تفصيلاً سواء كان ذلك في شأن الأمة بعامة، أو في شأن الإنسان في خاصة نفسه.
ولم يفارق رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا إلا وقد بيَّن للأمة جميع ما تحتاج إليه من أمر دينها؛ فبلغ رسالة ربه, وأقام الحجة على الناس من بعده.
وهذا البحث الذي بين يديك يسعى جاهداً لإعطاء صورة عامة عن دين الإسلام.
وأنـَّى لكاتب _ولو ألقت إليه البلاغة بأَعِنَّتِهَا_ أن يقوم بذلك الجهد كما ينبغي؛ لأن الموضوع _كما مر_ متشعب طويل.
والمشكلة في ذلك لا تكمن في قلة توافر المادة العلمية, أو التاريخية, أو نحوها.
وإنما تكمن في كثرة المحاور التي أُريدَ أن يدور حولها البحث؛ لتكون في كتاب تغلب عليه صبغة الوضوح والإيجاز.
ولا ريب أن ذلك المطلب صعبُ المرتقى، بعيدُ المنال.
ثم إن هناك صعوبةً أخرى, وهي كيفية إبراز دين الإسلام بصورته المشرقة التي ينبغي أن يعرفها كلُّ محبٍّ للحقيقة, والتي تكشف ما ينطوي عليه ذلك الدين من الخير العظيم للبشرية جمعاء؛ فذلك مما يحتاج إلى مزيد عناية ودقة.
ولقد حرصت على تحقيق تلك الأمنية العظيمة، وحاولت جهدي أن أسيطر على البحث, فصار يتغلب علي, ويزداد توسعاً؛ إذ إن كل محور من مَحاوره, بل كل جزئية من أجزاء تلك المحاور جديرة بالدراسة والتحليل؛ لتخرج في أبحاث خاصة.
ولهذا صرت أختصر كثيراً؛ لأجل أن آتي على جميع المحاور مع محاولة الإيجاز، ومراعاة حال العصر.
ومهما يك من شيء فهذا جهد المقل, وهو ما سيتضح من بيان خطة البحث, والعملِ الذي سرت عليه في غضونه.
خطة البحث: اشتملت خطة البحث على: مقدمة، وثمانية أبواب، وخاتمة وذلك كما يلي:
الباب الأول: حقيقة الدين الإسلامي، ومصادر تشريعه، وأركانه.
الباب الثاني: أركان الإيمان.
الباب الثالث: محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
الباب الرابع: مسائل في علم الغيب.
الباب الخامس: مسائل في الذنوب والتوبة والدعاء.
الباب السادس: النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري في الإسلام.
الباب السابع: موقف الإسلام من بعض القضايا المعاصرة.
الباب الثامن: الدلائل على حقيقة الإسلام.
فهذه هي أبواب البحث، وتحت كلِّ بابٍ عددٌ من الفصول، وتحت كلِّ فصلٍ عددٌ من المباحث، وربما احتوت الفصول أو المباحث على تمهيد بحسب الحاجة والسياق.
الخاتمة: وفيها خلاصة موجزة لما جاء في البحث.
عمل الباحث: لقد راعى الباحث في هذا البحث أموراً عديدة منها:
1_ كان حرصه شديداً على أن تكون محاور البحث مستقلةً عن بعض, وأن تكون في الوقت نفسه مترابطة؛ فتكون مستقلة من جهة صلاحها لأن تُفْرد, وتكون مترابطة من جهة أن البحث يكمِّل بعضه بعضاً, ويؤيد بعضه بعضاً؛ لأن الإسلام دين محكم مترابط لا ينفك بعضه عن بعض.
2_ حرص على أن تكون لغة البحث هادئةً تراعي العقلية المسلمة وغير المسلمة، خصوصاً العقلية الغربية, وأن تكون لغته بعيدة عن الانهزام, أو الاستفزاز؛ فذلك أدعى للقبول.
ويتسنى ذلك بالتأكد من صحة المعلومة، والحرص على بيان الحق بدليله.
ويتسنى _أيضاً_ بالجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ فالأصالة تعطي البحث قوة، والمعاصرة تعين على فهم أحوال المخاطبين، وتنزيل الكلام على تلك الأحوال.
3_ روعي في البحثِ الحرصُ على إظهاره في حلة قشيبة، ومعرض حسن، وذلك من خلال أمور منها:
أ_ مراعاة قواعد البحث من عزو، وتخريج، وما جرى مجرى ذلك.
ب_ الحرص على سلامة اللغة، ومراعاة قواعد الإملاء، وعلامات الترقيم.
ج_ مراعاة أسلوب البحث، والحرص على أن يكون حالاً بين حالين: بين السوقي القريب، والوحشي الغريب.
د_ الرجوع إلى المصادر الأصيلة الموثوقة سواء كانت قديمة أو حديثة.
هـ_ ملاحظة مادة التشويق، وذلك من خلال وضع العناصر، والتنويع في الاستشهاد والنقل.
و_ الحرص على أن يكون البحث متسماً بالروح والمائية بعيداً عن الجفاء، والجفاف، وعنف الممارسة الأكاديمية.
إلى غير ذلك مما يعين على فهم المقصود، وطرد الملل، وإمكانية تجزئة البحث، أو استلال أبحاث منه.
4_ كثير من محاور البحث متقاربة متداخلة يصعب فصل بعضها عن بعض، لذا حرصت على أن يُبحث كلُّ محور على حدة، وأن يكمل البحثُ بعضُه بعضاً.
5_ روعي في البحث أن يكون ملائماً لأن يُقَرَّر ويُدَرَّس عبر مادة الثقافة الإسلامية؛ فيكون رافداً يسد بعضَ الحاجة في هذا الباب.
فهذه هي خلاصة مشكلة البحث، وخطته, وما سيسير عليه _بإذن الله_ فإلى تفاصيله, والله المستعان, وعليه التكلان, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
د.محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي: ص.ب: 460
15/5/1433هـ
جامعة القصيم _كلية الشريعة والدراسات الإسلامية_
قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
WWW.M-ALHAMAD.COM
M@M-ALHAMAD.COM
@M__ALHAMAD
الباب الأول: حقيقةُ الدينِ الإسلاميِّ، ومصادرُ تشريعِه، وأركانُه
مدخل: في قصة البشرية
تبدأ قصة البشرية منذ أن خلق الله أبا البشر آدم _ عليه السلام _ حيث خلقه الله بيده الكريمة من طين، ونفخ فيه من روحه، وعَلَّمَهُ أسماءَ الأشياءِ كلها من الطيور، والدواب، وغير ذلك، وأَمرَ الملائكة أن يسجدوا لآدم؛ زيادة في التكريم والتشريف، فسجدوا كلُّهم إلا إبليس كان من الجن، فأبى واستكبر، فأهبطه الله من ملكوت السموات، وأخرجه ذليلاً مدحوراً، وقضى عليه باللعنة، والشقاء والنار.
وبعد ذلك سأل إبليسُ ربَّه أن يُنظِره إلى يوم القيامة، فقال الله _تعالى_: [إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ] (الأعراف: 15)، فقال إبليس: [فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ] (ص: 82،83)، وقال: [فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ] (الأعراف: 16،17)، فقال الله _ عز وجل _: [ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ] (الأعراف: 18) ([1]).
فأخرجه الله من الجنة، وأعطاه القدرة على الوسوسة والإغواء، وأمهله إلى يوم القيامة، ليزداد إثماً، فتعظم عقوبته، ويتضاعف عذابه، وليجعله الله مَحَكًّا يتميز به الخبيث من الطيب.
ثم بعد ذلك خلق الله من آدم زوجَه حواء؛ ليسكن إليها، ويأنس بها، وأمرهما أن يسكنا دار النعيم الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأخبرهما _ عز وجل _ بعداوة إبليسَ لهما، ونهاهما عن الأكل من شجرة من أشجار الجنة؛ ابتلاءً وامتحاناً، فوسوس لهما الشيطان، وزيَّن لهما الأكل من تلك الشجرة، وأقسم لهما أنه لهما من الناصحين، وقال: ( إن أكلتما من هذه الشجرة كنتما من الخالدين ) .
فلم يزل بهما حتى أغواهما، فأكلا من الشجرة، وعصيا ربَّهما؛ فندما على ما فعلا أشد الندم، وتابا إلى ربِّهما، فتاب عليهما، واجتباهما، لكنه أهبطهما من الجنة دار النعيم إلى الدنيا دار النصب والتعب، وسكن آدم الأرض، ورزقه الله الذرية التي تكاثرت، وتشعبت إلى يومنا الحاضر، ثم توفاه الله، وأدخله الجنة.
ومنذ أن أهبط اللهُ آدمَ وزوجَه إلى الأرضِ والعداوةُ قائمةٌ مستمرة بين بني آدم من جهة، وبين إبليس وذريته من جهة، ومنذ ذلك الحين وإبليس وذريته في صراع دائم مع بني آدم؛ لصدهم عن الهدى، وحرمانهم من الخير، وتزيين الشر لهم، وإبعادهم عما يرضي الله؛ حرصاً على شقائهم في الدنيا، ودخولهم النار في الآخرة.
ولكن الله _عز وجل_ لم يخلق خلقه سدى، ولم يتركهم هملاً، بل أرسل إليهم الرسل الذين يبيِّنون لهم عبادة ربهم، وينيرون لهم دروب الحياة، ويوصلونهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، فأخبر _سبحانه_ الجن والإنس أنه إذا أتاكم مني كتاب، أو رسول يهديكم لما يقربكم مني، ويدنيكم من مرضاتي فاتَّبعوه؛ لأن من اتبع هدى الله، وآمن بكتبه ورسله، وما جاء في الكتب، وما أمرت به الرسل فإنه لا يخاف، ولا يضل، ولا يشقى، بل تحصل له السعادة في الدنيا والآخرة([2]).
وهكذا بدأت قصة البشرية، فعاش آدم ومِنْ بعده ذريته عشرةَ قرونٍ وهم على طاعة الله، وتوحيده، ثم حصل الشرك، وعُبِد غير الله مع الله؛ فبعث الله أول رسله وهو نوح _عليه السلام_ يدعو الناس إلى عبادة الله، ونبذ الشرك.
ثم تتابع الأنبياء والرسل من بعده على اختلافٍ بينهم في الأزمنة، والأمكنة، وبعض الشرائع، وتفاصيلها مع الاتفاق في الأصل وهو: الدعوة إلى الإسلام، وعبادة الله وحده، ونبذ ما يُعبد من دونه.
إلى أن جاء إبراهيم _ عليه السلام _ فدعا قومه إلى ترك عبادة الأصنام، وإفراد الله بالعبادة، ثم كانت النبوة في ذريته من بعده في إسماعيل وإسحاق، ثم كانت في ذرية إسحاق.
ومن أعظم الأنبياء من ذرية إسحاق: يعقوب، ويوسف، وموسى، وداود، وسليمان، وعيسى _ عليهم السلام _.
ولم يكن بعد عيسى نبي من بني إسرائيل.
وبعد ذلك انتقلت النبوة إلى فرعِ إسماعيل؛ فكان أن اصطفى الله _ عز وجل _ محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون خاتماً للأنبياء والمرسلين، ولتكون رسالتُه هي الخاتمةَ، وكتابُه الذي أنزل إليه وهو القرآن هو رسالة الله الأخيرة للبشرية.
ولهذا جاءت رسالته شاملة، كاملة، عامة للإنس والجن، العرب وغير العرب، صالحة لكل زمان ومكان، وأمة وحال؛ فلا خير إلا دلَّت عليه، ولا شر إلا حذَّرت منه، ولا يقبل الله من أحد ديناً سوى ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .([3])
الفصل الأول
حقيقة الدين الإسلامي
المبحث الأول: مفهوم الإسلام
أولاً: مفهوم الإسلام في اللغة: يُطْلَق لفظُ الإسلامِ في اللغة على معان كثيرة، وتكاد هذه المعاني تدور حول: الانقياد، والاستسلام، والطاعة، والإخلاص، وإظهار الخضوع، والقبول.([4])
ثانياً: إطلاقات الإسلام في القرآن الكريم: يطلق لفظ الإسلام في القرآن الكريم عدة إطلاقات، وهي نفس الإطلاقات التي ترد في اللغة، فمن تلك الإطلاقات الواردة في القرآن الكريم ما يلي:
أ_ الإسلام بمعنى الإخلاص: قال الله _تعالى_: [إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] البقرة:131.
وقال _ عز وجل _: [وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ٞ] لقمان :22.
وقال _ جل ثناؤه _: [فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ] آل عمران:20.
ب_ الإسلام بمعنى الإقرار: ومنه قوله _تعالى_: [وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا] آل عمران:83. ([5])
ج_ الإسلام بمعنى التوحيد: قاله ابن الجوزي رحمه الله واستشهد بقول الله _تعالى_: [يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ] المائدة:44. ([6])
د. الإسلام بمعنى الاستسلام: قاله ابن الجوزي، واستشهد بقوله _تعالى_: [وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا] آل عمران:83. ([7])
وهناك أقوال أخرى لا يتسع المقام لذكرها.
ثالثاً: معنى الإسلام في الاصطلاح العام: هو استسلام العبد، وخضوعه لله، والتزام ما أتى به نبي من الأنبياء، وإظهار ذلك.
أو هو: استسلام العبد لله ظاهراً وباطناً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه بحسب ما جاء عن الله _ عز وجل _ على ألسنة رسله _ عليهم السلام _.([8])
رابعاً: الإسلام الخاص: هو الاستسلام، والانقياد لله، والالتزام بما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم .([9])
وهذا هو الدين الخاتم الذي ختم الله به جميع الأديان، والذي لا يقبل من أحد ديناً سواه، قال الله _عز وجل_:[إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ] آل عمران:19.
وقال _سبحانه_: [وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ]آل عمران: 85.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمد بيده ! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار ) ([10]).
المبحث الثاني: الإسلام دين الفطرة
الفطرة في اللغة: هي الخِلْقة ([11])، قال ابن منظور رحمه الله : ( وفَطَر الله الخلق يفطرهم: خلقهم، وبدأهم.
والفطرة: الابتداء، والاختراع ) ([12]).
وقال: ( الفطرة: ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به.
وقد فطره يَفْطُرُه بالضم فَطْراً: أي خلقه ) ([13]).
فهذا هو معنى الفطرة في اللغة.
أما في الشرع: فهي الإسلام على القول الراجح كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم _رحمهما الله تعالى_([14]).
فالفطرة من أعظم البواعث على التدين، وأدلة الشرع نصَّت على أن الإنسان نفسه مفطور على الإقرار بالخالق، والعبودية له.
قال ابن القيم رحمه الله : ( وذكروا عن عكرمة، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم، والضحاك، وقتادة في قوله _عز وجل_: [فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ] (الروم:30) قالوا: [فِطۡرَتَ ٱللَّهِ]: دين الإسلام [لَاتَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ]: قالوا: لدين الله ) ([15]).
فكل مخلوق قد فُطر على الإيمان بخالقه، وأنه _ عز وجل _ رب كل شيء وخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم.
ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه ([16]).
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ) .
وفي رواية: ( إلا على هذه الملة ) وفي رواية ( إلا على الملة ) ([17]).
وفي حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله _تعالى_ في الحديث القدسي: ( وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ) ([18]).
ثم إن الإنسان مفطور على اللجوء إلى ربه _تبارك وتعالى_ عند الشدائد، فإذا ما وقع الإنسان _أي إنسان_ حتى الكافر الملحد في شدة، أو أحدق به خطر _ فإن الخيالاتِ والأوهامَ تتطاير من ذهنه، ويبقى ما فُطِر عليه؛ ليصيح بأعلى صوته، ومن قرارة نفسه، وعميق قلبه، منادياً ربه؛ لِيُفَرِّجَ كربته وهمه، ويلجأ إليه وحده دون سواه.
وصدق الله _تعالى_ إذ يقول: [فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ] (العنكبوت: 65).
وليس المراد بأنه يولد على الفطرة أنه يولد عالماً بأمور الإسلام؛ فالله _سبحانه وتعالى_ يقول: [وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا] (النحل:78).
وليس المراد _أيضاً_ أنه يولد ساذَجاً لا يعرف شركاً ولا توحيداً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إلا ويولد على الملة ) وفي رواية: ( على هذه الملة ) .
بل المراد أن كل مولود يولد على محبته لفاطره، وإقراره له بربوبيته، وادعائه له بالعبودية، فلو خُلِّي وعدمَ المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية، والأشربة، فيشتهي اللبن الذي يناسبه ويغذيه ([19]).
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) .
ولم يقل يسلمانه؛ لأنه باقٍ على الأصل، فاعتناق غير الإسلام يعد خروجاً عن الأصل والقاعدةِ بأسباب خارجة.
فكل مولود _ إذاً _ على وجه الأرض يولد على الفطرة، وهي دين الإسلام؛ فالمولود يولد مقرًّا بخالقه، محبًّا له، متوجهاً إليه.
فإذا بقي على هذه الفطرة فهو مسلم على الأصل، ولا يحتاج إلى تجديد الدخول في الإسلام إذا بلغ وعقل.
أما إذا نشأ بين أبوين غير مسلمين، واعتنق دينهما الباطل، أو كان معتنقاً أي دين غير الإسلام كان واجباً عليه أن يتخلى عن دينه السابق، ويدخل في دين الإسلام؛ فيشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم يبدأ بتعلم ما يقيم به شعائر دينه من إقامة الصلاة ونحو ذلك.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور مبيناً معنى كون الناس مفطورين على الدين الحنيف: ( ومعنى فطر الناس على الدين الحنيف: أن الله خلق الناس قابلين لأحكام هذا الدين وجعل تعاليمه مناسبة لِخِلْقَتِهم غير مجافية لها، غير نائين عنه، ولا منكرين له مثل إثبات الوحدانية لله؛ لأن التوحيد هو الذي يساوق العقل, والنظر الصحيح، حتى لو ترك الإنسانُ وتفكيرَه، ولم يُلَقَّن اعتقاداً ضالاً لاهتدى إلى التوحيد بفطرته ) .
إلى أن قال رحمه الله : ( وكون الإسلام هو الفطرة، وملازمة أحكامه لمقتضيات الفطرة صفة اختص بها الإسلام من بين سائر الأديان في تفاريعه.
أما أصوله فاشتركت فيها الأديان الإلهية، وهذا ما أفاده قوله: [ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ] يوسف: 40 .
فالإسلام عام خالد مناسب لجميع العصور, وصالح بجميع الأمم، ولا يستتب ذلك إلا إذا بُنِيت أحكامه على أصول الفطرة الإنسانية؛ ليكون صالحاً للناس كافة, وللعصور عامة, وقد اقتضى وصف الفطرة أن يكون الإسلام سمحاً يسراً؛ لأن السماحة واليسر مبتغى الفطرة ) ([20]).
وقال رحمه الله مبيناً معنى وصف الإسلام بأنه فطرة الله، قال: ( فَوَصْفُ الإسلام بأنه فطرة الله معناه أن أصل الاعتقاد فيه جارٍ على مقتضى الفطرة العقلية.
وأما تشريعاته وتفاريعه فهي: إما أمور فطرية _أيضاً_ أي جارية على وفق ما يدركه العقل ويشهد به، وإما أن تكون لصلاحه مما لا ينافي فطرته.
وقوانين المعاملات فيه هي راجعة إلى ما تشهد به الفطرة؛ لأن طلب المصالح من الفطرة ) ([21]).
وهكذا يتبين أن الإسلام هو الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها، وأن الإنسان مفطورٌ على الإقرار بالخالق، والعبودية له؛ فهذا هو التدين، وذلك باعثه؛ فهذا مقتضى ما دلَّت عليه النصوص صراحة.
كما دلَّت النصوص _أيضاً_ على: أن هذه الفطرة والإقرارَ بالخالق إلهاً وربًّا قابلة للتأثر، والتغير، والانحراف بفعل مؤثرات خارجية، وأن هذه المؤثراتِ التي تؤدي إلى انحراف الفطرة عن وجهتها الصحيحة على ضوء هذه الأدلة ثلاثة:
1. الشياطين: وهي المؤثر الأصلي والأول على هذا الأمر، كما دل على ذلك حديث عياض بن حمار رضي الله عنه المتقدم.
والشياطين شامل لشياطين الجن والإنس ممن يسعون لصرف الناس عن فطرتهم، وإقبالهم على ربهم.
2. الأبوان: كما في الحديث السابق، في قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ) .
وهذا المؤثر من أقوى المؤثرات؛ لشدة التصاق الأولاد بآبائهم، وقوة تأثير الآباء عليهم.
وقد يقوم المجتمع، والإعلام بدور الأبوين أو أشد من جهة صرف الناس عن مقتضى الفطرة.
3. الغفلة: وهي من أشد المؤثرات الصارفة عن الفطرة؛ فالغفلة بمباهج الدنيا، والاشتغال بنعيمها قد يُنسي الإنسان ربه، ويصرفه عن فطرته التي فَطَره الله عليها.
وقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم، كما في قوله _تعالى_: [وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ ١٧٢ أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ] الأعراف: 172_173 .
فهذه الآية تبين أن الغفلة من أعظم أسباب الانصراف عن الفطرة([22]).
ولسائل أن يسأل فيقول: ما فائدة الفطرة طالما أنها على تلك الحال من التأثر بهذه المؤثرات الخارجية التي تؤدي إلى انحرافها، ولا يكاد الإنسان ينفك عن واحد من هذه المؤثرات والصوارف، أو كلها؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إن حكمة الله اقتضت جعل الفطرة بهذه الحال ليتحقق الغرض من ابتلاء الإنسان بالخير والشر ومن ثم جزاؤه على عمله، إذ لو كانت الفطرة قوية لا تتأثر بشيء لما وقع الكفر والانحراف في بني آدم، بل صاروا غير قابلين للكفر فلا يتحقق الإبتلاء، ولله الحكمة البالغة.
ومع ذلك فإن لهذه الفطرة فوائد عديدة منها:
أولاً: أن هذه الفطرة غرزت في النفس البشرية التدين والتعبد لله _تعالى_.
فإذا لم يهتد الإنسان إلى الله عز وجل فإنه يُعبد نفسه لأي معبود آخر ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن أكله ولو كان خبيثاً ليسد به جوعته.
وهذا ما يفسر لنا وجود التدين عند عموم البشر وقد يكون الدين والمعبود في كثير من الأحيان باطلاً.
ثانياً: أن هذه الفطرة جعلت في جبلة الإنسان قبول العبودية والانسجام مع لوازمها، وهذا من الأمور المهمة للإنسان، لأن كل ما لا يتفق مع الفطرة فإن النفس تنفر منه ولا تستجيب لمتطلباته.
ثالثاً: أن هذه الفطرة مرجحة للحق، فإذا تعرف الإنسان على دينين حق وباطل، فإن الفطرة تميز بينهما وتميل إلى الحق بل يقع ذلك في قرارة النفس ويتيقن القلب منه، فإما أن يعلن ذلك ويلتزم به، أو لا يستجيب له بسبب هوى، أو خوف، أو إلف وتقليد ونحو ذلك من الصوارف عن الحق، كما قال _عز وجل_ عن فرعون وقومه: [وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ] النمل آيه (14) .
رابعاً: أن هذه الفطرة تهب للمهتدي يقينا بالحق الذي هو عليه وإن لم يكن عنده من الأدلة النظرية ما يهبه هذا اليقين، وهذا يفسر لنا _والله أعلم_ عدم ترك المسلم لدينه رغبة عنه وما ذلك إلا لتناسبه مع فطرته، فيعطيه ذلك يقيناً بأنه الحق، وكذلك من اهتدى إلى الإسلام من ذوي الأديان الأخرى الباطلة، فإنه يتمسك به تمسك الغريق بحبل النجاة، وما ذلك إلا لتيقنه من أن هذا الدين هو الحق، لتناسبه وانسجامه مع الفطرة. والله أعلم([23]).
المبحث الثالث: الله – جل جلاله– وقدرته – عز وجل–
تمهيد:
الحديث في هذا المبحث سيتناول شيئاً من التعريف بالله _جل جلاله_ وبعموم قدرته _عز وجل_.
أما الحديث عن إثبات وجود الله _عز وجل_ وأدلة وحدانيته فسيكون عند الحديث عن الركن الأول من أركان الإيمان، ألا هو الإيمان بالله حيث سيكون هناك تفصيل في أدلة الوحدانية.
أما هذا المبحث فسيدور حول العلم بالله _جل جلاله_ وعموم قدرته _تبارك وتعالى_.
المطلب الأول: الله _جل جلاله_
ٱللَّهُ: هو رب كل شيء ومليكه، الخالق وحده، المدبر للكون كله، العالم بكل شيء، المحيي، المميت، الرزاق، القادر، المتصف بكل كمال، المتنزه من كل نقص وعيب، المستحق للعبادة وحده.
قال الله _ عز وجل _ معرفاً عباده بنفسه: [هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ ٢٢ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٢٣ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَافِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ] الحشر.
وقال _ جل ثناؤه _: [ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا ئَُودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ] البقرة: 255 .
وقال: [ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ] الحج: 62 .
وقال: [قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ] الإخلاص.
ولله _عز وجل_ أسماء كثيرة سمى بها نفسه، وقد ورد في الآيات السابقة شيء منها، والقرآن الكريم والسنة المطهرة حافلان بذكر أسماء الله _عز وجل_.
وكل اسم من تلك الأسماء يتضمن صفة يتصف بها الله _تبارك وتعالى_([24]).
هذا وإن أشهر تلك الأسماء، وأعظمها، وأجلها هو اسم (ٱللَّه).
ولهذا الاسم خصائص كثيرة منها ما يلي:
1_ أنه اسم الله الأعظم: حيث ذكر ذلك جماعة من أهل العلم، وبينوا أن الله _ هو الاسم الأعظم الذي إذا دعي به الرب أجاب، وإذا سئل به أعطى.
2_ أن هذا الاسم هو الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه، ويوصف بها، قال الله _تعالى_: [وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ] الأعراف: 180 .
وقال _تعالى_: [ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ] طه: 8 .
وقال _تعالى_: [هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ ٢٢ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٢٣ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَافِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ] الحشر: 22_24 .
ويقال: الرحمن الرحيم الخالق الرزاق العزيز الحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن الرحيم، أو من أسماء العزيز، ونحو ذلك.
3_ أن هذا الاسم مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي هي صفات الجلال والكمال والعظمة؛ فهو الاسم الذي ترجع سائر أسماء الله الحسنى إليه، وتدور معانيها عليه.
4_ أنه الاسم الذي اقترنت به عامة الأذكار المأثورة، فالتهليل، والتكبير، والتحميد، والتسبيح، والحوقلة، والحسبلة، والاسترجاع، والبسملة، وغيرها من الأذكار مقترنة بهذا الاسم غير منفكة عنه، فإذا كَبَّر المسلم ذكر هذا الاسم، وإذا حمد ذكره، وإذا هلل ذكره، وهكذا في عامَّة الأذكار.
5_ أنه أكثر أسماء الله الحسنى وروداً في القرآن الكريم، فقد ورد هذا الاسم في القرآن أكثر من ألفين ومائتي مرة، وهذا ما لم يقع لاسم آخر، وقد افتتح الله _جل وعلا_ به ثلاثاً وثلاثين آية([25]).
وأما معنى هذا الاسم فأصله ( الإله ) وهو بمعنى المعبود، و ( الإله ) اسم من أسماء الله الحسنى، ورد في القرآن الكريم، قال الله _تعالى_: [وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ] البقرة: 163 .
وقال _تعالى_: [وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ] التوبة: 31 .
وقال _تعالى_: [قُلۡ إِنَّمَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ] الأنبياء: 108 .
هذا وإن أجمع وأحسن ما قيل في معنى ( الله ) ما ورد عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال: ( الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ) رواه ابن جرير في تفسيره([26]).
فقد جمع رضي الله عنه في هذا التفسير بين أمرين:
الأول: الوصف المتعلق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية التي هي وصفه الدالُّ عليها لفظ ( الله ) كما دلَّ على العلم _الذي هو وصفه_ لفظ ( العليم ) وكما دل على العزة _التي هي وصفه_ لفظ ( العزيز ) وكما دل على الحكمة _التي هي وصفه_ لفظ ( الحكيم ) وكما دل على الرحمة _التي هي وصفه_ لفظ ( الرحيم ) وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها.
فكذلك الله هو ذو الألوهية، و الألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهاً، بل استحق أن لا يشاركه في هذ الوصف العظيم مشارك بوجه من الوجوه.
وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان؛ فإن هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤْلَه ويُعبد لأجلها؛ فيؤله لأن له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنه المتفرد بالقيومية والربوبية والملك والسلطان، ويؤله لأنه المتفرد بالرحمة وإيصال النعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنه المحيط بكل شيء علماً وحكماً وحكمةً وإحساناً ورحمـةً وقـدرةً وعزةً وقهراً، ويؤله لأنه المتفرد بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أن ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده، فالألوهية تتضمن جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا.
الثاني: الوصف المتعلق بالعبد من هذا الاسم، وهو العبودية، فالعباد يعبدونه ويألهونه، قال الله _تعالى_: [وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ] الزخرف: 84 .
أي: يألهه أهل السماء وأهل الأرض طوعاً وكرهاً، فكلهم خاضعون لعظمته، منقادون لإرادته ومشيئته، عانون لعزته وقيُّوميَّته.
وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم من التأله القلبي والروحي والقولي والفعلي بحسب مقاماتهم ومراتبهم، وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع من القرآن، مثل قوله _تعالى_: [إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ] طه: 14 .
وقوله: [وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ] الأنبياء: 25 .
وقوله: [فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَٰدَتِهِۦۚ هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِيّٗا] مريم: 65([27]).
هذا وسيرد مزيد بيان للعلم بالله _جل جلاله_ عند الحديث عن أركان الإسلام، وأركان الإيمان.
المطلب الثاني: قدرة الله _عز وجل_
القدرة صفة من صفات الله الثابتة له _عز وجل_ وهي القدرة التامة الكاملة _على ما سيأتي بيانه_.
ومن أسمائه _تبارك وتعالى_ القدير، والقادر، والمقتدر.
وجميع هذه الأسماء وردت في القرآن، وأكثرها وروداً ( القدير ) ثم ( القادر ) ثم ( المقتدر ) قال _تعالى_: [وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ] البقرة: 284 .
وقال _تعالى_:[إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا] فاطر: 44 .
وقال _تعالى_: [قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ] الأنعام: 65 .
وقال _تعالى_:[وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا] الكهف: 45 .
وجميعها تدل على ثبوت القدرة صفة لله، وأنه _سبحانه_ كامل القدرة؛ فبقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دَبَّرها، وبقدرته سوَّاها وأحكمها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون.
وبقدرته يقلب القلوب ويصرِّفها على ما يشاء ويريد، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويجعل المؤمن مؤمناً، والكافر كافراً، والبرَّ بَرّاً، والفاجر فاجراً.
ولكمال قدرته لا يحيط أحدٌ بشيء من علمه إلا بما شاء أن يُعلِّمه إياه، ولكمال قدرته خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسه من لغوب، لا يعجزه أحدٌ من خلقه ولا يفوته، بل هو في قبضته أين كان، الذي سَلِمَتْ قدرتُه من اللُّغوب والتعب والإعياء والعجز عما يريد.
ولكمال قدرته كلُّ شيء طَوْعَ أمره وتحت تدبيره، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن([28]).
ومن أصول الإيمان العظيمة الإيمان بالقدر، قال الله _تعالى_: [إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ] القمر: 49 .
وقال _تعالى_:[ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا] الأحزاب: 38 .
وقال _تعالى_: [وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا] الفرقان: 2 .
وروى مسلم في ( صحيحه ) ([29]) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، فنزلت: [إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ٤٧ يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ] القمر: 47_49 .
ومَن لا يؤمن بالقدر لا يؤمن بالله _عز وجل_ قال الإمام أحمد رحمه الله : ( القدر قدرة الله ) ([30]).
فإنكار القدر إنكار لقدرة الله _عز وجل_ وجحد صفاته _سبحانه_ أو شيء منها يتنافى مع الإيمان به _سبحانه_؛ إذ من أصول الإيمان به الإيمان بأقداره.
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_: ( القدر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله _عز وجل_ وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن وحّد الله _تعالى_ وكذّب القدر نقض التوحيد ) ([31]).
وقال عوفٌ سمعت الحسن يقول: ( من كذَّب بالقدر فقد كذَّب بالإسلام، إن الله _تبارك وتعالى_ قدَّر أقداراً، وخلق الخلق بقدر، وقسم الآجال بقدر، وقسم الأرزاق بقدر، وقسم البلاء بقدر، وقسم العافية بقدر ) ([32]).
والإيمان بالقدر من أجلّ أوصاف أهل العلم به، روى ابن جرير في ( تفسيره ) عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ في قوله _تعالى_: [إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ] فاطر: 28 .
قال: الذين يقولون: [أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ].
هذا وسيرد مزيد بيان لصفة القدر، وآثارها الحميدة عند الحديث عن الركن السادس من أركان الإيمان، وهو (الإيمان بالقدر).
المبحث الرابع: البر وآثاره العميقة
أولاً: مفهوم البر: البر من الألفاظ الشرعية العظيمة التي ترد كثيراً في القرآن والسنة.
وهو لفظ يحمل في طياته معاني جامعة، وآثاراً عميقة تدور حول كل خير وفلاح ديني أو دنيوي.
ولهذا تنوعت عبارات العلماء وأقوالهم في تفسير معنى البر، فقال بعضهم: البر: الصلاح.
وقال بعضهم: الخير.
وقال الزجاج: قال بعضهم: كل ما تُقُرِّب به إلى الله _عز وجل_ من عمل الخير.
وقال أبو منصور: البر: خير الدنيا والآخرة؛ فخير الدنيا: ما ييسره الله للعبد من الهدى والنعمة والخيرات.
وخير الآخرة: الفوز بالنعيم الدائم في الجنة. ([33])
ومن أحسن من عرَّف البرَّ الشيخُ عبدُالرحمنِ السعديُّ رحمه الله حيث قال: ( البر اسم جامع يدخل فيه العقائدُ الإيمانية، وأعمالُ القلوب، وأعمال الجوارح، ويدخل فيه جميع المأمورات، وترك المنهيات ) ([34]).
وهذا التعريف الجامع يغني عن كثير من الكلام في مفهوم البر.
ثانياً: ورود البر في القرآن الكريم: ورد لفظ البر في القرآن الكريم كثيراً؛ وجاء على تصاريف مختلفة، وفي سياقات متنوعة، فمن ذلك:
1_ أنه جاء بمعنى الصلة: قال الله _تعالى_: [وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ] البقرة:224.
وقوله: [لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ] الممتحنة:8.
2_ أنه جاء بمعنى الطاعة: وذلك كما في قوله _ تعالى _: [وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ] مريم:14.
وقوله _ جل ثناؤه _: [وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي] مريم:32.
3_ أنه جاء بمعنى فعل الطاعات: وذلك كما في قوله _ تعالى _: [وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ] المائدة:2.
فالبر إذا جُمِعَ بينه وبين التقوى صار البرُّ اسماً لفعل الطاعات، والتقوى اسماً لترك المناهي.
4_ أنه جاء بمعنى التقوى: فعند الإطلاق يأتي البر بمعنى التقوى، كما في قوله _تعالى_: [لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ] آل عمران: 92.
وقوله _ عز وجل _: [لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ] البقرة:177.
وقوله: [أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ] البقرة:44. ([35])
ثالثاً: البر في السنة النبوية: ورد ذكر البر في السنة النبوية كثيراً، ومعاني البر في السنة هي نفس معانيه الآنفة الذكر، وربما فُسِّرَ البر في السنة بمعانٍ أخرى غير ما ذكر؛ حيث فُسِّر بحسن الخلق، وفُسِّر بطمأنينة النفس، وفسر بغير ذلك.
ومما ورد في هذا الشأن ما جاء في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( البر حسن الخلق, والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس ) . ([36])
وعن وابصة بن معبد, قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( جئت تسأل عن البر والإثم؟ ) قلت: نعم.
قال: ( استفت قلبك؛ البرُّ ما اطمأنت إليه النفس, واطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في النفس, وتردَّد في الصدر, وإن أفتاك الناس وأفتوك ) ([37]).
قال ابن رجب رحمه الله في شرح الحديثين السابقين: ( وإنما اختلف تفسيره للبر؛ لأن البر يطلق باعتبارين مُعَيَّنَيْنِ:
أحدهما: باعتبار معاملة الخلق بالإحسان إليهم، وربما خُصَّ بالإحسان إلى الوالدين: فيقال: برُّ الوالدين، ويطلق كثيراً على الإحسان إلى الخلق عموماً، وقد صنف ابنُ المبارك كتاباً سماه ( كتاب البرِّ والصلة ) ، وكذلك في ( صحيح البخاري ) و ( جامع الترمذي ) : كتاب ( البر والصلة ) ، ويتضمن هذا الكتاب الإحسان إلى الخلق عموماً، ويقدَّم فيه برُّ الوالدين على غيرهما.
وفي حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: أنَّه قال: يا رسول الله مَنْ أبرُّ؟ قالَ : ( أمك ) ، قالَ : ثُمَّ من ؟ قال : ( ثم أباك ) ، قال : ثم من ؟ قالَ : ( ثُمَّ الأقرب فالأقرب ) ([38]) .
ومن هذا المعنى : قول النَّبيِّ ﷺ : ( الحجُّ المبرور ليس لهُ جزاءٌ إلاَّ الجنَّة ) ([39]) . وفي المسند ([40]) : أنَّه ﷺ سُئِلَ عن برِّ الحجِّ ، فقال : ( إطعامُ الطَّعام ، وإفشاءُ السلام ) ، وفي روايةٍ أخرى : ( وطيبُ الكلام ) ([41]) .
وكان ابنُ عمر _رضي الله عنهما_ يقول: البرُّ شيءٌ هيِّنٌ: وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّنٌ([42]).
وإذا قرن البرُّ بالتَّقوى ، كما في قوله ﷻ : [وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ] المائدة : 2.
فقد يكون المرادُ بالبرِّ معاملةَ الخلق بالإحسّان ، وبالتَّقوى : معاملة الحقِّ بفعل طاعته ، واجتناب محرَّماته.
وقد يكونُ أُريد بالبرِّ : فعل الواجبات ، وبالتقوى : اجتناب المحرَّمات، وقوله _تعالى_:[وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ] المائدة : 2.
قد يُراد بالإثم: المعاصي، وبالعدوان: ظُلم الخلق، وقد يُراد بالإثم: ما هو محرَّم في نفسه كالزِّنى، والسرقة، وشُرب الخمر، وبالعُدوان: تجاوز ما أذن فيه إلى ما نُهي عنه ممَّا جنسُه مأذونٌ فيه، كقتل مَن أُبيح قتلُه لِقِصاصٍ، ومن لا يُباح ، وأخذُ زيادة على الواجب من الناس في الزكاة ونحوها، ومجاوزة الجلد في الذي أمر به في الحدود ونحو ذلك ) ([43]) .
ثم بين ابن رجب رحمه الله المعنى الثاني فقال: ( والمعنى الثاني من معنى البرِّ: أنْ يُراد به فعلُ جميع الطاعات الظاهرة والباطنة، كقوله _تعالى_ : [لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ] البقرة: 177 .
وقد رُوي أنَّ النَّبيَّ ﷺ سئل عن الإيمان ، فتلا هذه الآية([44]) .
فالبرُّ بهذا المعنى يدخل فيه جميعُ الطاعات الباطنة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والطاعات الظاهرة كإنفاق الأموال فيما يحبُّه الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزّكاة، والوفاء بالعهد، والصَّبرِ على الأقدار، كالمرض والفقر، وعلى الطَّاعات، كالصَّبر عِند لقاءِ العدوِّ ) ([45]).
ويواصل ابن رجب بيانه لمعنى البر فيقول: ( وقد يكون جوابُ النَّبيِّ ﷺ في حديث النوَّاس شاملاً لهذه الخصال كلِّها ؛ لأنَّ حُسنَ الخُلق قد يُراد به التخلُّقُ بأخلاق الشريعة، والتأدُّبُ بآداب الله التي أدَّبَ بها عبادَه في كتابه، كما قال _تعالى_ لرسول الله ﷺ: [وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ]القلم: 4 .
وقالت عائشة : ( كان خُلُقُه ﷺ القرآن ) ([46]).
يعني : أنَّه يتأدَّب بآدابه ، فيفعل أوامرَه ويجتنب نواهيه ، فصار العملُ بالقرآن له خُلقا كالجبلَّة والطَّبيعة لا يُفارِقُه ، وهذا أحسنُ الأخلاق وأشرفُها وأجملُها([47]) .
وقد قيل : إنَّ الدِّين كلَّه خُلُقٌ . وأما في حديث وابصة، فقال: ( البرُّ ما اطمأنَّ إليه القلبُ، واطمأنت إليه النفس ) ([48]).
وفي رواية: ( ما انشرح إليه الصَّدرُ ) ([49]).
وفسر الحلالَ بنحوِ ذلك كما في حديث أبي ثعلبة وغيره، وهذا يدلُّ على أنَّ الله فطرَ عبادَه على معرفة الحق، والسكون إليه وقبوله، وركَّز في الطباع محبةَ ذلك ، والنفور عن ضدِّه ) ([50]) .
وهكذا يتبين لنا شيء من معاني البر وآثاره العميقة.
المبحث الخامس: الأخلاق في الإسلام
للأخلاق منزلة سامية في دين الإسلام، وفيما يلي ذكر لبعض المسائل في هذا الشأن.
أولاً: تعريف كلمة الأخلاق: الأخلاق جمع خُلُق، والخُلُقُ، والخُلْقُ: الطبيعة والسجية، وتجمع على أخلاق.
قال ابن منظور: ( وفي التنزيل [وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ] القلم:4 .
والجمع أخلاق لا يُكَسَّر([51]) على غير ذلك،والخُلْقُ والخُلُقُ السجية ) ([52]).
وقال: ( الخُلق بضم اللام وسكونها،وهو الدين،والطبع،والسجية ) ([53]).
وقال الجاحظ: ( الخلق:هو حال النفس بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار.
والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعاً،وفي بعضهم لا يكون إلاّ بالرياضة والاجتهاد ) ([54]).
ثانياً: تعريف حسن الخلق: حسن الخلق مركب من كلمتين، كلمة حسن، وكلمة الخلق، أما كلمة الخلق فقد مضى تعريفها، وأما كلمة حسن فقد قال: ابن منظور: ( الحسن ضد القبح ونقيضه ) ([55]).
وقال عن الأزهري: ( الحسن نعت لما حسن ) ([56])..
وقال عن الجوهري: ( والجمع محاسن على غير قياس كأنه جمع محسن ) ([57]).
وقال: ( والمحاسن في الأعمال ضد المساوئ ) ([58]).
فهذا هو معنى كلمة حسن.
أما حسن الخلق باعتبار تركيبه فقد عُرِّف بتعريفات عديدة متقاربة، ويمكن أن يُعَرَّف، فيقال: حسن الخلق: هو التحلي بالفضائل والمكارم كطلاقة الوجه، ولين الجانب، وطيب الكلام، وكرم النفس، وكف الأذى، وبذل الندى، وسلامة الصدر، والحلم، والصبر، والعفو، والشجاعة، ونحو ذلك من مكارم الأخلاق مع البعد عما يضاد ما ذُكر.
فهذا من أيسر ما يوضحُ معنى حسن الخلق، وسيتبين فيما يلي أمور توضح حسن الخلق بصورة أجلى.
ثالثاً: معنى الخلق الحسن: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) .([59])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام،والإكرام،والدعاء له،والاستغفار،والثناء عليه،والزيارة له.
وتعطي من حرمك من التعليم،والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم،أو مال،أو عرض.
وبعض هذا واجب،وبعضه مستحب ) ([60]).
رابعاً: معنى الخلق العظيم: قال الله _ عز وجل _ في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : [وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ] (القلم:4).
فسبحانه ما أعظم شأنه، وأتم امتنانه، انظر إلى عظيم فضله، وعميم لطفه؛ كيف أعطى ثم أثنى؟ !([61])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فأما الخلق العظيم الذي وَصَف اللهُ به محمداً صلى الله عليه وسلم فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقاً، هكذا قال مجاهد، وغيره.
وهو تأويل القرآن، كما قالت عائشة _رضي الله عنها_: ( كان خلقه القرآن ) ([62]).
وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله _تعالى_ بطيب نفس، وانشراح صدر ) ([63]).
وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير الآية السابقة: ( قال ابن عباس ومجاهد: لعلى دين عظيم، لا دين أحبَّ إليَّ، ولا أرضى عندي منه، وهو دين الإسلام.
وقال الحسن: هو آداب القرآن.
وقال قتادة: هو ما كان يأمر به من أمر الله، وينهى عنه من نهي الله.
والمعنى أنك على الخلق الذي آثرك الله به في القرآن ) ([64]).
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله : ( والخلق العظيم: هو الخلق الأكرم في نوع الأخلاق, وهو البالغ أشد الكمال المحمود في طبع الإنسان؛ لاجتماع مكارم الأخلاق في النبي صلى الله عليه وسلم فهو حُسْنُ معامَلَتِهِ الناسَ على اختلاف الأحوال المقتضية لحسن المعاملة؛ فالخلق العظيم أرفع من مطلق الخلق الحسن ) ([65]).
وقال: ( اعلم أن جماع الخلق العظيم الذي هو أعلى الخلق الحسن: هو التدين، ومعرفة الحقائق، وحلم النفس، والعدل، والصبر على المتاعب، والاعتراف للمحسن، والتواضع، والزهد، والعفة، والعفو، والجود، والحياء، والشجاعة، وحسن السمت، والتؤدة، والوقار، والرحمة، وحسن المعاملة والمعاشرة.
والأخلاق كامنة في النفس, ومظاهرها تصرفات صاحبها في كلامه، وطلاقة وجهه، وثباته، وحكمه، وحركته وسكونه، وطعامه وشرابه، وتأديب أهله ومَنْ لِنَظره، وما يترتب على ذلك من حرمته عند الناس, وحسن الثناء عليه والسمعة.
وأما مظاهرها في رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي ذلك كله, وفي سياسته أُمَّتَهُ، وفيما خُصَّ به من فصاحة كلامه، وجوامع كلمه ) ([66]).
خامساً: فضائل حسن الخلق: لقد جاءت الشريعة الإسلامية بما يبيِّن أن لحسن الخلق فضائل عظيمة تنتظم خيري الدنيا, والآخرة، ومن ذلك ما يلي:
1_ أنه امتثال لأمر الله _عز وجل_ قال _تعالى_: [خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ] الأعراف:199.
2_ أنه طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم فلقد أمر بحسن الخلق بأحاديث كثيرة, ومنه الحديث الذي بين أيدينا حديث معاذ رضي الله عنه , وفيه: ( وخالق الناس بخلق حسن ) .
3_ أنه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم : والله _عز وجل_ يقول: [لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ] الأحزاب: 21.
4_ رفعة الدرجات: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد لَيَبْلُغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) ([67]).
5_ أنه أعظم ما يدخل الجنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أعظم ما يدخل الجنة: تقوى الله, وحسن الخلق ) ([68]).
6_ القرب من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: قال صلى الله عليه وسلم : ( إن من أَحَبِّكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ) ([69]).
7_ نيل محبة الله _عز وجل_: فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير, ما يتكلم منا مُتَكَلِّم إذا جاءه أناسٌ فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟ قال: ( أحسنهم أخلاقاً ) ([70]).
8_ حسن الخلق أثقل شيء في الميزان يوم القيامة: فعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق ) ([71])
9_ زيادة الأعمار, وعمارة الديار: قال صلى الله عليه وسلم : ( حسن الخلق, وحسن الجوار يعمران الديار, ويزيدان في الأعمار ) ([72]).
10_ كسب القلوب, وتيسير الأمور, والسلامة من شر الخلق
11_ حسن الخلق مدعاة للذكر الحسن، وزيادة العلم.
12_حسن الخلق سبب لراحة البال, وطيب العيش, والسلامة من مضار العيش والعجلة([73]).
سادساً: هل يمكن اكتساب الأخلاق الحسنة أو لا يمكن؟: الجواب عن ذلك أن يقال: إن الأخلاق, والطباع _كما أنها غريزية, فطرية, جِبِلِّيَّة_ هي كذلك اكتسابية تخلُّقيّة تتأتَّى بالدَّرَبة, والمجاهدة, والأخذ بالأسباب.
قال الله _تعالى_: [إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ] الرعد: 11 .
وقال _تعالى_: [قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا] الشمس: 9.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم, إنما الحلم بالتحلُّم, ومن يتحرَّ الخير يعطه, ومن يتوقَّ الشر يوقَّه ) ([74]).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( وخالق الناس بخلق حسن ) ([75]).
فهذه النصوص وغيرها كثير تدل على أن تغيير الطباع والأخلاق وارد ممكن؛ فليس متعذِّراً, ولا مستحيلاً, خلافاً لمن يرى أنها ثابتة في الإنسان لا يمكن أن تتغير؛ بحجة أنها غرائز فطر عليها, وطباع جُبل على التحلي بها؛ فلا يمكنه تغييرها, ولا يتصور فكاكه عنها.
ولو كانت الأخلاق لا تتغير لبطلت الوصايا, والمواعظ, والتأديبات, ولكان الأمر بالتحلي بالفضائل, والتخلي عن الرذائل من التكليف بما لا يطاق, ولا يقول بهذا عاقل.
أما إذا جُبِل المرء على مكارم الأخلاق, ثم سقاها بماء المكرمات, وأدبها بآداب الشريعة الغراء, ونمَّاها بالممارسة, والمران _فذاك نور على نور, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء([76]).
الفصل الثاني
مصادر التشريع في الدين الإسلامي
تمهيد
الكتاب والسنة هما مصدر التشريع في الدين الإسلامي؛ فمنهما تُسْتَمد عقائد الإسلام، وشرائعه، وأحكامه، وآدابه، وما جرى مجرى ذلك.
وسيتم بيان ذلك في المباحث التالية بشيء من البسط، والإيضاح، وذلك من خلال بيان مفهوم الكتاب والسنة، وأدلة مصدريتهما، وما يدور في ذلك الفلك.
المبحث الأول: ما هية القرآن ومصداقيته
أولاً: ماهية القرآن الكريم
أ_ تعريف القرآن لغة: يرى بعض علماء اللغة أن لفظ (القرآن) مصدر على وزن فُعْلان كالغفران، والشكران، والرجحان، مأخوذ من قرأ، قراءة، وقرآناً.
ويرى بعضهم أن القرآن اسمُ عَلَمٍ غير مشتق، ولم يؤخذ مِنْ: قَرأ، ولكنه اسم لكتاب الله، مثل سائر الكتب السماوية كالتوراة، والإنجيل.
وقال بعضهم: معنى القرآن: الجمع؛ وسمي قرآناً لأنه يجمع السور، فيضمها.([77])
ب_ تعريف القرآن شرعاً: عرف العلماء القرآن بتعريفات كثيرة، ومن أجمع تلك التعريفات وأحسنها قولهم: ( القرآن كلام الله المعجز المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم المنقول تواتراً المتعبد به تلاوة ) .([78])
فمعنى كونه ( كلام الله المعجز ) : أي أنه ليس بكلام إنس، ولا جان، ولا ملائكة، ولا نبي أو رسول؛ فهو كلام الله _ عز وجل _ تكلم به حقيقة على ما يليق به _عز وجل_.
ويخرج بقولنا: ( المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) : باقي الكتب المنزلة على الرسل _عليهم السلام_ من قَبْلِ محمد صلى الله عليه وسلم كصحف إبراهيم، والتوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى _ عليهم السلام _.
ومعنى ( تواتراً ) : أي ما قيل: إنه قرآن ولم يتواتر.
ويخرج بقولنا: ( المتعبد به تلاوةً ) : الحديث القدسي، فإنه غير متعبد بتلاوته، وإن كان منسوباً إلى الله _ عز وجل _.([79])
ج_ أسماء القرآن الكريم: سمى الله _عز وجل_ القرآن الكريم بأسماءٍ كثيرة تزيد على خمسين اسماً، ومن أشهرها ما يلي:
الكتاب؛ لأنه يجمع أنواعاً من القصص، والآيات، والأحكام، والأخبار على أوجه مخصوصة.
والذِّكْر؛ وذلك لما فيه من المواعظ، والتحذير، وأخبار الأمم الماضية.
ولما فيه من الشرف، والعز لمن آمن به، وصدَّق بآياته؛ وذلك لأن القرآن يفرق بين الحق والباطل([80]).
ثانياً: مصداقية القرآن ومنزلته وسلامته من التحريف
القرآن آخر الكتب السماوية وهو خاتمها، وهو أطولها، وأشملها، وهو الحاكم عليها.
قال الله _تعالى_: [وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ] (المائدة: 48).
وقال _تعالى_: [وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] (يونس: 37).
وقال: [مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ] (يوسف: 111).
قال أهل التفسير في قوله _تعالى_: [وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ]: مهيمناً وشاهداً على ما قبله من الكتب، ومصدقاً لها؛ يعني يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف، وتبديل، وتغيير، ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير.
ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ممن لم ينقلب على عقبيه كما قال _تبارك وتعالى_: [ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ ٥٢ وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِينَ] (القصص:52_53).
ولا يقبل الله من أحد ديناً إلا ما جاء في هذا القرآن العظيم([81]).
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في قوله _تعالى_: [وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ]: ( أي مشتملاً على ما اشتملت عليه الكتب السابقة وزيادة في المطالب الإلهية، والأخلاق النفسية؛ فهو الكتاب الذي يتبع كل حق جاءت به الكتب، فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه.
وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو مردود قد دخله التحريف والتبديل، وإلا لو كان من عند الله لم يخالفه ) ([82]).
والقرآن الكريم رسالة الله الأخيرة للبشرية، بل هو عامٌّ للجن والإنس؛ بخلاف الكتب السماوية الأخرى التي كانت خاصة بأقوام معينين، وفترات معينة.
ثم إن القرآن محفوظ من الزيادة، والنقص، والتحريف؛ فلقد تكفل الله _سبحانه_ بحفظه، قال _تعالى_: [إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ] (الحجر:9)، والذكر هو القرآن.
قال المفسرون في تفسير هذه الآية: أي نحن نزلنا هذا القرآن، [وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ]: أي عن كل ما لا يليق به من تصحيف، وتحريف، وزيادة، ونقص، ونحو ذلك؛ فلا يستطيع أحدٌ أن يزيد فيه باطلاً، ولا ينقص منه حقًّا([83]).
والقرآن له أثر عظيم في القلوب؛ فما يسمعه أحد وهو مُلْقٍ سَمْعَهُ إلا يجد أن له تأثيراً عظيماً في نفسه، ولو لم يفهم معانيه أو دلالاته، حتى ولو لم يكن يعرف اللغة العربية.
وهذا سرٌّ من أسرار القرآن التي تبيِّن عظمته.
ثم إن القرآن له أبلغ الأثر في رُقي الأمم وفلاحها؛ فهو الذي أخرج الله به من أمة العرب أعلام الحكمة والهدى، وجعلهم خير أمة أُخرجت للناس، بعد أن كانوا يتخبطون في دياجير الجهالة.
ومن خصائص القرآن: أن عجائبه لا تنقضي، وأنه لا يَخْلَق من كثرة الرد؛ فكلما أكثر الإنسان من قراءته زادت حلاوته مرة بعد مرة.
ومن خصائصه: أن الله يسَّر تعلمه وحفظه؛ ولهذا فإن كثيراً من أطفال المسلمين يحفظونه كاملاً عن ظهر قلب.
ومن خصائصه: أنه مشتمل على أعدل الأحكام، وأعظمها، وأشرفها، وأشملها، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وأحاط بها إجمالاً وتفصيلاً، ويشهد بذلك كل منصف عاقل، حتى ولو لم يكن مسلماً([84]).
هذا وسيأتي مزيد بيان لمنزلة القرآن، وعظمته في المبحث التالي، وعند الحديث عن إعجاز القرآن الكريم.
المبحث الثاني: مفهوم السنة وأهميتها
المطلب الأول: مفهوم السنة النبوية
أولاً_ السنة لغة: السنة في اللغة هي الطريقة والسيرة، قال لبيد بن ربيعة رضي الله عنه في معلقته المشهورة:
من معشر سنت لهم أباؤهم | ولكل قوم سنة وإمامها([85]) |
قال ابن منظور رحمه الله : ( السنة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة ) .([86])
ثانياً_ السنة في الشرع: إذا أطلق لفظ السنة في الشرع فإنما يراد به ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وندب إليه قولاً، أو فعلاً.
ولهذا يقال في الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة؛ أي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
ومع هذا فإن معنى السنة يختلف في اصطلاح علماء الشريعة حسب اختلاف تخصصاتهم.
والذي يعنينا في هذا المقام هو معنى السنة في اصطلاح المُحدِّثين، ومن حيثُ كونُها المصدرَ الثانيَ للتشريع.([87])
وبناءً على ذلك فإنه يمكن تعريف السنة بأنها:
كلُّ ما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقيِّة أو خُلُقية، أو سيرة سواء كانت قبل البعثة، أو بعدها. ([88])
والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث.
فالمراد بما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قول ) : أحاديثه التي قالها في المناسبات المختلفة، وما بيَّنه من أحكام الإسلام، وعقائده، وآدابه.
كقوله: ( إنما الأعمال بالنيات ) .([89])
( أو فعل ) : ما نقله إلينا الصحابة _رضوان الله عليهم_ مثل وضوئه، وصلاته، ونسكه، وصيامه، ونحو ذلك.
( أو تقرير ) : هو كل ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه، وعدم إنكار، أو بموافقته، واستحسانه؛ فيعد ما صدر عنهم بهذا الإقرار والموافقة عليه صادراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
مثال ذلك: سكوته صلى الله عليه وسلم عن لعب الحبشة في الحراب في المسجد، وعدم إنكاره عليهم.([90])
وقولهم: ( أو صفة خَلْقية ) يتناول هيئة الرسول صلى الله عليه وسلم كصفة وجهه الكريم المشرب بالحمرة، وكطوله، ولونه، وتبسمه صلى الله عليه وسلم .
وقولهم: ( أو خُلُقية ) : يتناول جميع أخلاقه وشمائله.
وقولهم: ( قبل البعثة ) : يتناول جميع أحواله قبل البعثة النبوية.
وقولهم: ( أو بعدها ) : يتناول أحواله بعد البعثة؛ لأنه الإمام الهادي القدوة، الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسوة لنا في قوله _ تعالى _: [لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا] الأحزاب:21.([91])
المطلب الثاني: أهمية السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي
السنة النبوية هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي، وهي من الذكر والوحي الذي تكفل له الله _ عز وجل _ بحفظه كما في قوله _ تعالى _: [إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ] الحجر:9.
وهذا الوعد والضمان يشمل حفظ القرآن، وحفظ السنة النبوية التي هي المفسرة للقرآن، وهي الحِكمة المنزلة _ كما قال _ تعالى _: [وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ] النساء:113.
قال ابن حزم رحمه الله : ( الوحي ينقسم من الله إلى قسمين:
أحدهما: وحيٌ متلوٌّ مؤلفٌ تأليفاً معجز النظام وهو القرآن.
الثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف، ولا معجز النظام، ولا متلو، لكنه مقروء.
وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله _ عز وجل _ مراده منا، قال الله _ تعالى _: [لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ] النحل: 44 ) ([92]).
وليس معنى أن القرآن أو السنة محفوظان بحفظ الله أنه لا يوجد من يحاول الزيادة أو النقصان فيهما؛ فذلك يحصل كثيراً في القديم والحديث.
وإنما المقصود أن الله _عز وجل_ يقيِّض من علماء هذه الأمة من ينفي الزيف والزيادة والنقصان من كتاب الله _عز وجل_ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله موضحاً هذا المعنى: ( فإن الدين محفوظ بحفظ الله له، ولما كانت ألفاظ القرآن محفوظة منقولة بالتواتر لم يطمع أحد في إبطال شيء منه، ولا زيادة شيء فيه، بخلاف الكتب التي قبله، قال _تعالى_: [إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ] الحجر: 9 .
بخلاف كثير من الحديث طمع الشيطان في تحريف كثير منه، وتغيير ألفاظه بالزيادة والنقصان والكذب في متونه وإسناده؛ فأقام الله له من يحفظه ويحميه، وينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأول الجاهلين، فبينوا ما أدخل أهل الكذب فيه، وأهل التحريف في معانيه ) ([93]).
وقال ابن تيمية _أيضاً_: ( فما في تفسير القرآن، أو نقل الحديث، أو تفسيره من غلط فإن الله يقيم له من الأمة مَنْ يُبَيِّنه، ويذكر الدليل على غلط الغالط، وكذب الكاذب؛ فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة؛ إذ كانوا في آخر الأمم؛ فلا نبي بعدهم، ولا كتاب بعد كتابهم، وكانت الأمم قبلها إذا بدَّلوا وغيروا بعث الله نبيًّا يبين لهم، ويأمرهم، ويناهم.
ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر، وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، بل أقام لهذه الأمة في كل عصر من يحفظ دينه من أهل العلم والقرآن ) ([94]).
فالقرآن _ إذاً _ هو المصدر الأول للإسلام _عقيدته وشريعته وأخلاقه_ لأنه كلام الله تعالى المعجز, المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك جبريل الأمين, المتواتر لفظه جملة وتفصيلاً، المتعبد بتلاوته , المكتوب في المصاحف.
وكل ماجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم _ سوى القرآن الكريم _ من بيان للعقيدة, وتفصيل لأحكام الشريعة, وتطبيق لما في القرآن الكريم هو السنة, أو الحديث النبوي هو بوحي من الله _تعالى_ أو باجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر على اجتهادٍ خطأٍ.
وعلى هذا فَمَرَدُّ السنة إلى الوحي؛ فالقرآن الكريم هو الوحي المتلو, المتعبد بتلاوته, والسنة وحي غير متلو, لا يتعبد بتلاوتها,فالسنة تُبَيِّن عن الله _عز وجل_ مراده منا, مصداقاً لقوله _تعالى_ مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم : [وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ] النحل:44 .
فالقرآن هو المصدر الأول، والسنة هي المصدر الثاني؛ فهما مصدران تشريعيان متلازمان, لا يمكن لمسلم أن يفهم الشريعة إلا بالرجوع إليهما معاً, ولا غنى لمجتهد أو عالم عن أحدهما ([95]).
المطلب الثالث: في أدلة حجية السنة
قد يقال: ما الدليل على وجوب العمل بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أن السنة مصدر من مصارد التشريع؟.
والجواب أن يقال: إن هناك أدلةً تبين هذا وتوجبه، ومنها ما يلي:
أ_ وجوب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم : فمن لوازم الإيمان بالرسالة وجوب التصديق، وقبولِ كل ما يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الدين، فقد اجتبى الله _عز وجل_ الرسل، واصطفاهم من عباده؛ ليبلغوا شريعته إليهم، قال _تعالى_: [ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ] الأنعام:124 .
وقال: [فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ]النحل:35.
وقال _ تعالى _: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ] النساء:136 .
وقوله: [فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلۡأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ]الأعراف:158_ نصٌّ بيّن في وجوب العمل بما جاء، وفي اتباعه صلى الله عليه وسلم .
وهذا واضح في قول الإمام الشافعي في الآية السابقة، قال: ( فجعل كمالَ ابتداء الإيمانِ _ الذي ما سواه تَبَعٌ له _ الإيمان بالله، ثم برسوله ) ([96]).
ب_ القرآن الكريم: ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تجيب عن ذلك السؤال المطروح، وتنص على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم منها، قوله _ تعالى _: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ]النساء:59.
والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته.
وقوله _عز وجل_: [وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ] الحشر:7.
وما أبلغ قوله _سبحانه وتعالى_ في هذا الشأن: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا] النساء:65.
ج_ أدلة حجية السنة من الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ) .([97])
وقال _عليه الصلاة والسلام_: ( تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً: كتاب الله، وسنة نبيه ) ([98]).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ ) ([99]).
فهذه الأحاديث تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوتي الكتاب والسنة، وتُوْجِبُ التمسك بهما، والأخذ بما في السنة كما يؤخذ بما في الكتاب ويعمل به.
ومع هذا فقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من رَدَّ أمره، وذمَّ من يترك حديثه متذرعاً بالعمل بما في كتاب الله _تعالى_ والاعتماد على ما جاء فيه فحسب، فعن المقدام ابن معدي كرب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول: لا ندري ما هذا بيننا وبينكم كتاب، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ) ([100]).
د_ الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب العمل بالسنة؛ استجابة لله، وللرسول الأمين، وأقاموا أحكامها كما أقاموا أحكام القرآن الكريم؛ لأنها مصدر تشريعي بما أرشد الله _تعالى_ إليه، وبينه في كتابه الكريم، وشهد الله _تعالى_ للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يتبع إلا ما يوحى إليه، قال _تعالى_: [قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ]الأنعام: 50([101]).
وحذَّر _سبحانه_ من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال _عز وجل_: [فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] النور: 63 .
وقال: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] النساء: 65 .
وأمر الله بالتحاكم إليه صلى الله عليه وسلم ولزوم الرضا بحكمه، فقال _عز وجل_: [فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ] النساء: 59 .
وقد أجمع العلماء على أن هذا الرد والتحاكم بعده يكون إلى سنته؛ ففي هذه الآيات أعظم برهان على تحريم مخالفته، فانظر كيف حذر المخالفين له بالفتنة التي هي الشرك، أو الزيغ، وبالعذاب الأليم.
وانظر كيف أقسم على نفي الإيمان عنهم إذا لم يحكموه في كل نزاع يحدث بينهم، ويسلموا لقضائه، ولا يبقى في أنفسم حرج من قضائه.
وكفى بذلك وعيداً وتهديداً لمن ترك سنته بعد معرفة حكمها، تهاوناً، أو استخفافاً، أو نحو ذلك([102]).
المبحث الثالث: طرق حفظ السنة النبوية
تمهيد
مَرَّ بنا أن السنة النبوية من الوحي والذكر الذي تكفل الله _ عز وجل _ بحفظه.
ومن حِفْظِه _ جل وعلا _ للسنة أن أوزع المسلمين العناية بها؛ حيث قيَّض لها رجالاً عُنوا بالسنة غاية العناية، فمحَّصوها، وميزوا صحيحها من ضعيفها؛ فنقلها الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل، ورجعوا إليها في جميع أمور دينهم، وعملوا بما فيها، وتمسكوا بها، وحافظوا عليها؛ ليحسنوا التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم .([103])
ومما يتجلى به هذا المعنى ما سيرد في المطالب التالية:
المطلب الأول: ما جاء في احترام السنة وفضل الحديث والمُحَدِّثين
لما كانت السنة مصدراً تشريعيًّا، ومتلقاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان الله قد أَمر المؤمنين بتعزيره وتوقيره، ومدح الذين يغضون أصواتهم عنده _ فلا غرابة أن يكون لها من الحرمة مثل حُرْمَةِ من تُلُقِّيَتْ عنه، فذلك مما حمل العلماء على أن يبالغوا في احترام السنة وإعظامها، وإليك أمثلة من ذلك:
1_ روى عمرو بن ميمون عن ابن مسعود أَنه حدَّث يوماً، فجرى على لسانه: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ثم علاه كَرْبٌ، حتى رأيت العرق ينحدر عن جبهته، وفي رواية: وقد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه.
2_ وكان ابن سيرين إذا ذُكر عنده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك خشع.
3_ واشتهر عن الإمام مالك رحمه الله في ذلك أَكثر من غيره، فكان إذا أَراد الحديث اغتسل، وتطيب، ولبس ثياباً جدداً، وتعمم، وجلس على منصة، خاشعاً، ولا يزال يُبَخَّر بالعود حتى يَفْرُغَ من الحديث، ويقول: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان يكره أَن يحدِّث وهو قائم أو مستعجل، ذكر هذه الآثار القاضي عياض في كتابه الشفاء([104]).
وما ذاك إلا تعظيماً لمن صدر عنه، وإجلالاً لتلك الألفاظ الشريفة التي هي أشرف الكلام، وأعلاه قدراً بعد كلام الله _عز وجل_([105]).
ولقد حث الله _ تعالى _ على تعلم العلم، ومدح العلماء، ونوَّه بذكرهم، حيث قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته على وحدانيته، وحصر خشيته فيهم، ونفي المساواة بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون([106]).
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حث على العلم، وأخبر أن حملته هم ورثة الأنبياء، وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم([107])، ونحو ذلك كثير.
فَمَنْ تَحَمَّل هذا الحديث، واشتغل بتعلمه وتعليمه فله الحظ الأوفر من هذا المدح للعلماء، وكفى بهذا شرفاً للحديث وحملته؛ فَصَرْفُ العُمُر في تعلمه، ونشره أفضل من الاشتغال بنوافل القربات، وما ذاك إلا لما فيه من بيان القرآن، وإحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به في الدعوة والتبليغ، ولو لم يحصل لأهله من الفضل إلا كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي ورد فيها الفضل الجزيل، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة ) ([108]).
ثم فيه استحقاق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند والسنن عن زيد بن ثابت وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وأَدَّاها كما سمعها ) ([109]).
ثم فيه امتثال أمره صلى الله عليه وسلم بقوله: ( بلغوا عني ولو آية ) ([110]).
المطلب الثاني: في اعتناء السلف بالحديث النبوي
لما عرف الصحابة _رضي الله عنهم_ أهمية هذا العلم حرصوا على تلقيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم فأكثروا ملازمته، وآثروا مجالسته على العمل في أموالهم، وأسباب ارتزاقهم، وربما أناب بعضهم مَنْ يحضر مجلسه، ويبلغه ما فاته من العلم، كما فعل عمر بن الخطاب مع جاره الأنصاري. ([111])
ولقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في حسن تعليمهم، وإيصال المعنى إلى أفهامهم؛ فكان يستعمل ألواناً من وسائل الإيضاح والبيان، كالعرض والمناقشة وضرب الأمثلة، وتكرير الكلام ليفهم عنه؛ فكانوا يتلقون عنه في المجالس والنوادي وعلى المنابر، في السفر والحضر، فما قبضه الله إلا وقد علَّمهم كل شيء يحتاجون إليه كما شهد له بذلك بعض أعدائه من المشركين، كما روى مسلم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قيل له: قد علمكم نبيكم كلَّ شيء؛ حتى الخراءة([112])([113]).
وبعد أن توفى اللهُ نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم عرف أصحابه أن هذا العلم الذي تَلَقَّوه عنه أمانةً في أعناقهم، وأنه يلزمهم بيانه للناس؛ كي لا يلحقهم وعيد الذين قال الله فيهم: [إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ]البقرة:159.
وهكذا عرف تلامذتهم منزلة هذا العلم من الدين الذي كُلِّفُوا به، مما حمل الجميع على بذل الجهد في التعلم والتعليم؛ فعمروا بهذا الحديث مجالسهم، وصار طَلَبُه جُلَّ مقاصدهم، وتحملوا في تحصيله المشاق، وقطعوا المراحل الكثيرة، كما روي عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال: ( كان يبلغني الحديث عن بعض الصحابة، فآتي إليه وهو قائل، وأجلس عند الباب، تسفي الريح في وجهي التراب حتى يستيقظ ) ([114]).
واشتهر عن جابر رضي الله عنه أنه سافر إلى الشام؛ لأخذ حديث واحد من عبدالله ابن أنيس، كما رواه أحمد([115]).
وكذا أبو أيوب سافر إلى مصر من المدينة؛ ليروي حديثاً واحداً عن عقبة ابن عامر([116]).
وكانوا بعد سماعه يتذاكرونه، ويعرضه بعضهم على بعض؛ ليتأكد كل منهم صحة ما حفظه، وربما كرره الواحد زمناً طويلاً حتى يحفظه، كما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يجعل جزءاً من الليل لدراسة الحديث؛ ليبقى في ذاكرته.
ذكره ابن جريج وغيره. ([117])
وقد خصهم الله بزيادة في الحفظ فاقوا بها مَنْ بعدهم بكثير، ورويت عنهم في ذلك روايات عجيبة([118]).
وربما استعان بعضهم على الحفظ بالكتابة حتى يحفظ.
وبالجملة فقد أُثر عن سلفنا من العناية بالحديث والاهتمام بشأنه ما حقق الله به حفظَ هذه الشريعة، وحمايةَ مصادرها، فرحمهم الله وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء. ([119])
المطلب الثالث: في جهود علماء السنة في حفظ الحديث
في أواخر عصر الصحابة _رضي الله عنهم_ ظهر من يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم ما ورد عنه من الوعيد على ذلك والتحذير منه([120])، وكان أغلب من اشتهر بوضع الحديث قوم من الملاحدة دخلوا في الدين تستراً، فأَرادوا إفساد العقيدة، والتشكيك في الإسلام.
وآخرون [مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ]الروم:32، قصدوا التعصب لولاتهم وقبائلهم وبلدانهم.
ونوع ثالث وهم القُصاص الذين أرادوا الشهرة بكثرة المرويات، وغرائب الحكايات التي تستثير النفوس وتحرك القلوب.
ولكن علماء الحديث عندما أحسوا بهذا الخطر قابلوه بما يبطله ويرده من حيث جاء؛ ليسلم الحديث النبوي من كل دغل وكدر، ويبقى معيناً صافياً لمن يرتاده.
وقد وضعوا لذلك قواعد، وابتكروا طرقاً كانت سبباً في الحفاظ على السنة، فصارت غضة طرية تتناقلها الأجيال كيوم قالها صاحب الرسالة _عليه أفضل الصلاة والسلام_.
فمما ابتكروه من طرق للحفاظ على الحديث النبوي ما يلي:
1. التزام الأسانيد، وتسمية الرواة: وهذا من خصائص هذه الأُمة، وبه يعرف مصدر الحديث، ومرتبة رجاله، فيحكم بقبوله أو رده، قال عبدالله بن المبارك: ( الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ) ([121]).
وكان من نتيجة ذلك أن توقف الكثير عن الوضع؛ مخافة ظهور كذبه، مما يسقط به قَدْرُ الواضع عند من يعظمه.
2. تتبع أحوال الرواة: والبحث عن مكانتهم في الحديث وأهليتهم لتحمله، وقد أقدموا على الكلام فيهم من باب النصيحة للأُمة؛ حيث إنهم تولَّوا نقل شيء من أمر الدين له حكم، وقد خصصوا هذا النوع من عموم النهي عن الغيبة؛ لما فيه من المصلحة العامة للأُمة.
3. التثبت في الرواية تحملاً وأداءًا: فكان أحدهم لا يُقْدِمُ على ذكر الحديث إلا بعد إتقانه، ولا يحدثون به إلا من هو أهل لسماعه، ويتحاشون تحديث السفهاء وأهل الأهواء.
وقد نتج عن هذه الجهود ونحوها أن ميزوا الحديث النبوي، وأخرجوا الموضوع _المكذوب_ عن مسمى الحديث، وعرفوا الكذابين، وبينوا حالهم، وكشفوا عوارهم، مما جعلهم يتوارون أمام هؤلاء الجهابذة الأعلام، حتى لقد قال سفيان الثوري: ( ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث ) .
وقيل لابن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة [إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ]الحجر:9، ذكره السخاوي عنهما في فتح المغيث وغيره.([122])
المطلب الرابع: في تدوين الحديث النبوي
لقد ورد النهي عن كتابة الحديث في آثار مرفوعة وموقوفة، كما ورد الإذن بها صريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان ولبعض الأشخاص([123]).
ومن الخطأ حَمْلُ النهيِ عن الكتابة على عدم حجية الأحاديث، كما توهم ذلك بعض الزنادقة، وكذا حَمْلُه على أن السبب الوحيد قلة أدوات الكتابة والكُتَّاب؛ فقد كان في الصحابة وأبنائهم الكثيرُ ممن يحسن الكتابة([124]).
وأصح ما حُمِلَ عليه النهي عن كتابة الحديث أن ذلك خاص بأول الإسلام؛ ليشتغلوا بحفظ القرآن، ويقبلوا على دراسته من الألواح والصحف، ويكون أخذهم للحديث بالممارسة والمجالسة.
أو أن النهي خاص بكتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة، مخافة الاشتباه على الجهلاء به، ويكون الإذن فيها لمن عرف منه عدم الاشتباه، كعبدالله بن عمرو، وعند الحاجة كأمره صلى الله عليه وسلم بالكتابة لأبي شاة([125]).
ولقد اشتهر أنه صلى الله عليه وسلم كتب صحائف كثيرة لبعض المعاهدين وفي بعض المناسبات، وبعث كتباً إلى رؤساء الدول في عهده يدعوهم إلى الإسلام([126])، وذلك دليل جواز الكتابة لجنس الحديث.
ثم إن الصحابة عرفوا العلة في النهي، فتوقف بعضهم كما استعمل الكتابة آخرون للحاجة. ([127])
ولما أن زال المحذور وتميز القرآن عن غيره، واشتدت الحاجة إلى الكتابة، ابتدئ في تدوين السنة، وذلك في أواخر القرن الأول بأمر عبدالعزيز بن مروان، ثم ابنه عمر([128])، ثم اشتهرت الكتابة في القرن الثاني فكانوا يكتبون ويحدثون من كتبهم مع المحافظة عليها.
إلى أن وصلت هذه الأحاديث إلى علماء أجلاء كالبخاري ومسلم، وأهل السنن، فَدَوَّنوها في مؤلفاتهم تدويناً عامًّا أو خاصًّا، مع بيان صحيحها من ضعيفها ونحو ذلك.
وقد وصلت إلينا تلك الدواوين بحمد الله كما كتبوها، مَصُونَةً عن التغيير والتبديل، وبهذا تحقق ضمان الله بحفظ مصادر الشريعة، وقامت حجة الله على العباد، والحمد لله رب العالمين. ([129])
وبهذا يتبين لنا أن دين الإسلام، وكتاب الإسلام، وسنة نبي الإسلام كل ذلك و صل إلينا محفوظاً تتعاوره الأيدي الأمينة، وتتعاهده بالحفظ، والرعاية.
المبحث الرابع: منزلة السنة من القرآن الكريم
لما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الواسطةَ بين الله وعباده في تبليغ شرعه ودينه كانت الشريعة الإسلامية كلها متلقاةً عنه.
ولكن الشريعة _ كما مر _ تنقسم إلى وحي منزل متعبد بتلاوته وهو القرآن الكريم، وإلى بيان له، وتمثيل، وتقرير، وتشريع منه ليس له حكم القرآن في التعبد بتلاوته وهو السنة النبوية.
ولما كان في القرآن أحكام مجملة لا تُعْرف كيفيتها كان إيضاحها مما وُكِلَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الله _تعالى_: [وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ] النحل:44.
وقال _عز وجل_: [وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ] النحل:64.
ولقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه غاية الامتثال، فقام بهذه المهمة الجليلة خير قيام، فَبَيَّن للناس بسنته ما نُزِّل إليهم([130]).
وتوضيح ذلك: أنه لم يكن للأحكام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مصدر سوى الكتاب والسنة.
ففي كتاب الله _تعالى_ الأصول العامة للأحكام الشرعية, دون التعرض إلى تفصيلها جميعها, والتفريع عليها إلا ما كان منها متفقاً مع الأصول العامة, ثابتاً بثبوتها لا يتغير بمرور الزمن, ولا يتطور باختلاف الناس في بيئاتهم وأعرافهم, كل هذا حتى يحقق القرآن الكريم الصلاح والفلاح لكل أمة مهما كانت بيئتها وزمنها؛ فتجد فيه ما يكفل حاجتها التشريعية في سبيل النهوض والتقدم، والوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة.
وإلى جانب هذه الأصول في القرآن الكريم نجد العقائد والعبادات, وقصص الأمم الغابرة, والآداب العامة والأخلاق.
وقد جاءت السنة في الجملة موافقة للقرآن الكريم؛ تفسر مبهمه, وتُفَصِّل مُجمله, وتقيِّد مُطْلَقَه, وتُخَصِّص عامه, وتشرح أحكامه ومقاصده, كما جاءت بأحكام لم ينص عليها القرآن الكريم, قائمة على أصوله وقواعده, تحقق أهدافه ومقاصده؛ فكانت السنة تطبيقاً عمليًّا لما جاء به القرآن العظيم.
وقد تبين لنا فيما سبق أن السنة بمنزلة القرآن الكريم من حيث إنها وحي, ومن حيث إنها مصدر تشريعي يجب العمل بها.
وهي إنما تلي القرآن الكريم بالمرتبة من حيث الاعتبار؛ لأنها مُبَيِّنة له, والمُبَيِّن يُقَدَّمُ على المُبَيَّنِ، والأصل على الفرع, كما قال _تعالى_ :[وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ] النحل: 44 .
وبالجملة فإن السنة مع القرآن الكريم على أربعة وجوه:
الأول: أنها مؤكدة لما جاء فيه, كأحاديث الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والتزام الصدق واجتناب الكذب, وتحريم الربا، ونحوها..
الثاني: أنها مبينة للقرآن الكريم, ووجوه هذا البيان كما يلي:
1_ أنها تفصل مجمله: فقد بينت السنة ما أُجْمل من عبادات وأحكام, فَبَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أوقاتَ الصلاةِ، وعددَ ركعاتها,وكيفيتَها، وأركانَها, وقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ([131]).
كما بَيَّن ما أُجْمِل من مناسك الحج في القرآن الكريم, وفصَّل أحكامه, وقال: ( لتأخذوا مناسككم ) ([132]).
وكذلك بَيَّن صلى الله عليه وسلم ماتجب فيه الزكاة، ومقدارها، وأنصبتها مما أجمله القرآن الكريم.
2_ تُخَصِّص عَامَّه: ومن هذا بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لقول الله _عز وجل_: [يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ] النساء: 11 .
وهو حكم عام في وراثة الأولاد وآبائهم وأمهاتهم, يثبت في كل أصل مورث, وكل ولد وارث,فخصت السنة المورث بغير الأنبياء, بقوله صلى الله عليه وسلم ( لا نورث ما تركناه صدقة ) ([133]).
3_ تُقَيِّد مطلق القرآن الكريم: ففي قوله سبحانه _وتعالى_: [وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا] المائدة: 38 _ لم يقيد موضع القطع بموضع خاص من اليد, وتطلق اليد على الذراع, كما تطلق على العضد, وعلى الساعد, وعلى الكف, فَقَيَّدت السنةُ القطعَ بأن يكون من الرسغ, عندما أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق، وثبت عليه الحد, فقطع يده من مفصل الكف([134]).
الثالث: أن السنة تأتي مُفَرِّعة على أصل تقرر في القرآن الكريم: ومثال هذا منع بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها, فبعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد المزارعين يتبايعون ثماراً قَبْلَ بُدُوِّ صلاحها, فلا يعرف المتبايعان كمية ما يباع وصلاحه, فإذا حان جني الثمار كانت المفاجآت غير الطيبة كثيراً ماتثير النزاع بين المتعاقدين, وذلك عندما يطرأ طارئ من برد شديد, أو مِراض شجري يقضي على الزهر, وينعدم معه الثمر, لذلك حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النوع من البيع مالم يَبْدُ صلاحُ الثمر([135]) فقال: ( أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه ) ([136]) تفريعاً على الأصل العظيم في قوله _تعالى_: [لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ] النساء:29.
الرابع: أن السنة نصت على أحكام لم يَـنَُصَّ عليها القرآن الكريم: وليست بياناً له, ولا تطبيقاً مؤكداً لما ينص عليه, ومثال هذا : تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية, وكل ذي ناب من السباع, وتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها, وإحداد المتوفى عنها زوجها زائداً على ما في القرآن الكريم من العدة وغير ذلك.
وكل هذا سنة يجب العمل به.
وعلى هذا جميع من يُعْتَدُّ به من الأمة الإسلامية في مختلف الأوطان والأزمان([137]).
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( ما سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سَنَّهُ, وكذلك أخبرنا الله في قوله: [وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢ صِرَٰطِ ٱللَّهِ] الشورى .
وقد سَنَّ رسولُ الله مع كتاب الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نَصُّ كتاب, وكلُّ ما سَنَّ فقد ألزمنا الله اتباعه, وجعل في اتباعه طاعته, وفي العُنودِ عن اتباعه معصيتَه التي لم يَعْذُرْ بها خلقاً, ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجاً ) ([138]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فما ثبت عنه من السنة فعلينا اتباعه، سواء قيل: إنه في القرآن ولم نَفْهَمْهُ نحن، أو قيل: ليس في القرآن ) ([139]).
وقال _أيضاً_: ( كل ما في الكتاب فالرسول صلى الله عليه وسلم موافق له، وكذلك كلُّ ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقرآن يأمر باتباعه ) ([140]).
ويقول _أيضاً_: ( ليس كل ما جاءت به السنة يجب أن يكون مفسراً في القرآن؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الواسطة في أمره ونهيه، وتحليله وتحريمه ) ([141]).
وهكذا يتبين وجه كونِ السنةِ هي المصدرَ التشريعيَّ الثاني في الإسلام.
الفصل الثالث
أركان الإسلام
تمهيد
أركان الإسلام أسسه التي يُبنى عليها، وهي خمسة أركان:
1. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله 2. إقام الصلاة 3. إيتاء الزكاة 4. صوم رمضان 5. حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً.
وقد وردت هذه الأركان في حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( بني الإسلام على خمسة: شهادة إلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج ) ([142]).
فهذه هي أركان الإسلام على سبيل الإجمال، تلك الأركان التي تجعل من الأمة أمة إسلامية تقية تدين بدين الحق، وتعامل الخلق بالعدل والصدق؛ لأن ما سوى ذلك من شرائع الإسلام يصلح بصلاح هذه الأسس، والأمة تصلح بصلاح أمر دينها، ويفوتها من صلاح أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دينها([143]).
وفيما يلي من مباحث بيان لتلك الأركان بشيء من البسط والإيضاح.
المبحث الأول: الشهادتان
المقصود بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً عبدالله ورسوله؛ فهاتان الشهادتان هما الركن الأول من أركان الإسلام.
وفيما يلي بيان وإيضاح لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام:
أولاً: معنى لا إله إلا الله
أما معناها الحق الذي لا يجوز العدول عنه فهو: لا معبود حق إلا الله.
وذلك لأن كلمة ( إله ) عند العرب على وزن فِعال بمعنى مفعول، كغِراس بمعنى مغروس، وفِراش بمعنى مفروش؛ فإله: على وزن فِعال بمعنى مفعول: أي مألوه، والتأله في لغة العرب معناه التنسك والتعبد، فمعنى مألوه: معبود.
إذاً فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وتُقَدَّر كلمة ( حق ) لأن المعبودات كثيرة، ولكن المعبود الحق هو الله وحده لا شريك له.
قال _تعالى_:[ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ] (الحج:62) ([144]).
ثانياً: أركان: لا إله إلا الله
للشهادة ركنان:
1_ نفي في قول: ( لا إله ) .
2_ إثبات في قول: ( إلا الله ) .
فـ: (لا إلـه) نفـت الألوهيـة عن كل ما سـوى الله، و: (إلا الله) أثبتت الألوهية لله وحده لا شريك له.
وهذا الأسلوب يعرف بأسلوب القصر، وهو أسلوب عربي معروف، وجملة القصر في قوة جملتين، إحداهما مثبتة، والأخرى منفية.
وهذا الأسلوب من أقوى الأساليب التي يؤتى بها؛ لتمكين الكلام، وتقريـره في الذهن؛ لدفع ما فيه من إنكار أو شكٍّ.
وطريقُ القصر في كلمة التوحيد:النفي والاستثناء([145]).
ثالثاً: شروط لا إله إلا الله
شروطها سبعة؛ فأولها: العلم المنافي للجهل، والثاني: اليقين المنافي للشك، والثالث: الإخلاص المنافي للشرك، والرابع: الصدق المنافي للكذب، والخامس، المحبة المنافية لضدها، والسادس: الانقياد المنافي للامتناع، والسابع: القبول المنافي للرد([146]).
رابعاً: هل يكفي مجرد النطق بـ:لا إله إلا الله
كما مر بنا أن معنى الشهادة هو لا معبود حق إلا الله، فلا يعبد إلا الله، ولا يجوز أن يُصرف أيُّ نوع من أنواع العبادة لغير الله؛ فمن قال هذه الكلمة عالماً بمعناها، عاملاً بمقتضاها؛ من نفي الشرك، وإثبات الوحدانية، مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته والعمل به فهو المسلم حقًّا، ومن عمل بها من غير اعتقاد فهو المنافق، ومن عمل بخلافها من الشرك فهو المشرك الكافر وإن قالها بلسانه.
ومن هنا يتبين لنا أن مجرد النطق بهذه الكلمة العظيمة لا يكفي، بل لا بدَّ من العلم بها، والعمل بمقتضاها([147]).
خامساً: معنى (شهادة أن محمداً رسول الله)
معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، وأن يعظم أمره ونهيه فلا يقدم عليه قول أحد من الخلق كائناً من كان. ([148])
سادساً: الحكمة من قرن الشهادتين ببعض
والحكمة من قرن شهادة أن محمداً رسول الله بالشهادة لله بالتوحيد وجعلهما ركناً واحداً مع تعدد المشهود به؛ لأن هاتين الشهادتين أساس صحة الأعمال؛ فلا يقبل إسلام ولا عمل إلا بالإخلاص لله، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .
ومعنى ذلك ألا يعبد إلا الله وحده، ولا يعبد إلا بما شرعه على لسان رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
فبالإخلاص تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله، وبالمتابعة تتحقق شهادة أن محمداً رسول الله؛ فلا تكفي ولا تغني إحداهما عن الأخرى.
وبهذا تتحقق الشهادة لله بالتوحيد، وللرسول بالرسالة. ([149])
المبحث الثاني : الصلاة
أولاً: مفهوم الصلاة
أ. الصلاة في اللغة: تطلق على الدعاء، أو الدعاء بخير، وتطلق على الرحمة، والتسبيح، والركوع والسجود.
فالصلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين: من الملائكة والإنس والجن: القيام، والسجود، والدعاء، والتسبيح.
والصلاة من الطير والهوام: التسبيح.
ولعل الدعاء هو أشهر وأَسْيَرُ معاني الصلاة في اللغة.
وتأتي الصلاة _أيضاً_ بمعنى التعظيم، والتكريم. ([150])
ب. الصلاة في الشرع: عبادة تتضمن أقوالاً وأفعالاً مخصوصة مفتتحة بتكبير الله، مختتمة بالتسليم. ([151])
ج. وسميت بذلك؛ لاشتمالها على معاني الصلاة من الدعاء بالخير، والتسبيح، والتعظيم، والركوع، والسجود، ونحو ذلك. ([152])
د. ومعنى إقامة الصلاة: التعبد لله _تعالى_ بفعلها على وجه الاستقامة، والتمام في أوقاتها، وهيئاتها.
وللصلاة فروض، وأركان، وشروط، ومكملات، ومنقصات، وأحكام يطول ذكرها، وهي مبثوثة في كثير من كتب أهل العلم([153]).
هـ. ثبوت الصلاة: الصلاة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، فهي مما عُلم من الدين بالضرورة([154]).
ثانياً: منزلة الصلاة، وأهميتها
للصلوات الخمس منزلة عالية، وأهمية كبرى، ولها على سائر الشرائع الواجبة ميزات كبيرة كثيرة، ومما يوضح ذلك ما يلي:
1. أنها أعظم وأكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين.
2. أنها فرضت في السماء، بينما غيرها فرض في الأرض.
3. أنها فرضت من الله _تعالى_ لرسوله صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، بينما غيرها بواسطة المَلَكِ.
4. أنها الغاية في العبودية، والتذلل، والقرب من الله _عز وجل_.
5. أنها اشتملت على أكمل وجوه العبادة وأحسنها، وأجمعها؛ فهي تكبير الله، وتحميده، والثناء عليه، وتنزيهه، وتقديسه، وتلاوة كتابه، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، ودعاء لجميع عباده الصالحين.
كما أنها مشتملة على قيام، وركوع، وسجود، وجلوس، وخفض، ورفع؛ فكل عضو من البدن، وكل مفصل فيه له حَظّه من هذه العبادة، ورأس ذلك كله القلب الحاضر.([155])
6. أنها قُرةٌ للعين، وفَرَحٌ للفؤاد، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حبِّب إلى من دنياكم النساءُ والطيبُ، وجُعِلَت قرةُ عيني في الصلاة ) ([156]).
قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: ( فأخبر أنه حُبِّب إليه من الدنيا شيئان: ( النساء والطيب ) ثم قال: ( وجعلت قرةُ عيني في الصلاة ) .
وقرةُ العينِ فوقَ المحبة؛ فإنه ليس كلُّ محبوبٍ تَقَرُّ به العينُ، وإنما تقر بأعلى المحبوبات الذي يُحب لذاته، وليس ذلك إلا الله الذي لا إله إلا هو ) ([157]).
إلى أن قال رحمه الله : ( فالصلاةُ قرةُ عيون المحبين في هذه الدنيا؛ لما فيه من مناجاةِ مَنْ لا تَقَرُّ العيونُ، ولا تطمئن القلوب، ولا تسكن النفوس إلا إليه، والتنعمِ بذكرهِ، والتذلل والخضوع له، والقرب منه ولا سيما في حال السجود، وتلك الحالُ أقربُ ما يكون العبد من ربه فيها، ومن هذا قول صلى الله عليه وسلم : ( يا بلال! أرحنا بالصلاة ) .
فَأعْلَم بذلك أن راحته صلى الله عليه وسلم في الصلاة، كما أخبر أن قرةَ عينه فيها، فأين هذا من قول القائل: نصلي ونستريح من الصلاة؟!
فالمحب راحتهُ، وقرةُ عينه في الصلاة، والغافلُ المعرضُ ليس له نصيب من ذلك، بل الصلاةُ كبيرةٌ شاقةٌ عليه، إذا قام فيها كأنه على الجمر حتى يتخلَّص منها، وأحبُّ الصلاة إليه أعجلُها، وأسرعُها؛ فإنه ليس له قرةُ عينٍ فيها، ولا لقلبه راحةٌ بها، والعبدُ إذا قَرَّت عينُه بشيء، واستراح قلبُه به فأشق ما عليه مفارقَته، والمتكلِّف الفارغ القلب من الله والدار الآخرة المبتلى بمحبة الدنيا أشقُّ ما عليه الصلاة وأكرهُ ما إليه طولها مع تفرغه، وصحته، وعدم اشتغاله ) ([158]).
المبحث الثالث: الزكاة
أولاً مفهوم الزكاة، وحُكْمُها
أ. تعريف الزكاة لغة: الزكاة في اللغة تطلق على النماء، والريع، والزيادة، والطهر، والطيب، والتثمير، ونحو ذلك. ([159])
ب. الزكاة في الشرع: هي حق واجب من مال خاص، لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص. ([160])
ج. معنى إيتائها: التعبد لله _تعالى_ ببذل القَدْر الواجب في الأموال الزكوية المستحقة. ([161])
د. سبب تسميتها بذلك المعنى اللغوي؛ فهي تنمي المال، وتطهره، وتطيِّبه.
هـ. حكم الزكاة: حكمها أنها واجبة شرعاً، قال الله _تعالى_: [وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ] المزمل: 20 .
وقد أجمع المسلمون على أنها ركن من أركان الإسلام، ومستند الإجماع نصوص الكتاب والسنة.
ومن جحد وجوبها كفر، ومن منعها فسق. ([162])
ثانياً: أهمية الزكاة وثمراتها
الزكاة أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، كما تظاهرت بذلك دلائل الكتاب والسنة.
ومن عظم شأنها أن الله _عز وجل_ قرنها في كتابه العزيز بالصلاة في اثنين وثمانين موضعاً.
والزكاة من محاسن الإسلام الذي جاء بالتكافل، والتراحم، والتعاطف، والتعاون، وقطع دابر كل شر يهدد الفضيلة، والأمن، والرخاء، وغير ذلك من مقومات الحياة السعيدة في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة؛ فقد جعلها الله طهرة لصاحبها من رذيلة البخل، وتنمية حسية ومعنوية، وإعانة من الأغنياء لإخوانهم المستحقين لها، وجمعاً للكلمة، وتأليفاً للقلوب، وسلامة من رذيلة الحسد، والكبر، الحسد من الفقراء للأغنياء، والكبر من الأغنياء على الفقراء.
وبمثل هذه الفريضة الكريمة الرشيدة يُعلم أن الإسلام دين التكافل الاجتماعي، يكفل للفقير العاجز عن العيش ما يعينه على حياته، وأنه _كذلك_ دِيْنُ الحرية الذي أعطى للغني حرية التملك مقابل كدِّه وسعيه، وفرض عليه الزكاة؛ مواساةً لإخوانه، فهو الدين الوسط؛ فلا شيوعية مُؤمِّمةً حارمة تغلب جانب الجماعة على حساب الفرد.
ولا رأسمالية مُمْسِكة محتكرة شاحة تغلب الفرد على حساب الجماعة. ([163])
ثالثاً: الآثار الاقتصادية للزكاة
الزكاة فريضة وعبادة، ولها آثار اقتصادية حميدة تعود على الفرد والجماعة، وقد مضى شيء من ذلك في الفقرة الماضية، ومما تمتاز بها الزكاة على الضرائب أن المكلفين بها يؤدونها بدافع ديني بخلاف الضرائب التي تعتمد على الدافع الرسمي الذي يعاني من تهرب الناس منه متى وجدوا غفلة من الرقيب.
ومن أهم الآثار الاقتصادية التي تترتب على الزكاة ما يلي:
1_ أن الزكاة وسيلة من وسائل إعادة توزيع الدخل, والثروة في المجتمع: فتؤدي إلى مواساة الفقراء؛ فهي وسيلة العدل الاقتصادي,الذي أصبح محل اتفاق بين الاقتصاديين مع الاختلاف حول تعريفه ووسائله.
2_ أنها أحد الدوافع نحو الاستثمار: أي إن من يملك أرصدة نقدية لا بدَّ له من استثمارها حرصاً عليها من التآكل، ومعروف أن الاستثمار في مختلف المشروعات يعود على الاقتصاد بالمصلحة، وتحرص الدول على تشجيعه بمختلف الوسائل.
3_ أنها وسيلة من وسائل الأمن المشجع على توفير البيئة المناسبة للانتعاش الاقتصادي؛ لأن الفقر أحد أسباب الجريمة, ولأن الزكاة تحارب الفقر؛ فهي وسيلة لمحاربة الجريمة بطريقة غير مباشرة.
4_ أنها وسيلة من وسائل تحسين أوضاع الفئات الفقيرة في المجتمع: أي أنها تُسهم في تحسين مستواهم المعيشي والصحي والتعليمي، وهذا يعني الإسهام في تأهيلهم؛ ليصبحوا قوة عمل مشاركة في التنمية الاقتصادية.
5_ أنها تُسهم في تخفيف العبء المالي الذي تتحمله ميزانية الدولة للإنفاق على أصناف من الإعانات التي تقدم للمحتاجين كالأيتام والعجزة وغيرهم ممن يحتاجون إلى رعاية اجتماعية. ([164])
رابعاً: الأشياء التي تجب فيها الزكاة
تجب الزكاة في أربعة أصناف، وهي:
1. الأثمان: وتشمل الذهب والفضة، وما يلحق بهما من العملات المعاصرة المصنوعة من الورق، أو غيره.
2. السائمة من بهيمة الأنعام: وهي البقر، والإبل، والغنم التي ترعى في البراري معظم السنة.
3. الخارج من الأرض من الحبوب: كالقمح، والثمار: كالتمر، والمعدن: كالحديد.
4. عروض التجارة: وهي ما أُعِدَّ للبيع والشراء بهدف الربح. ([165])
فهذه هي الأشياء التي تجب فيها الزكاة، ولكل واحدة منها تفصيلات يطول ذكرها في مقادير الأنصبة، وما يُخْرَجُ منها، وهي مثبوتة مبسوطة في كتب أهل العلم التي تُعنى بهذا الشأن.
خامساً: مصارف الزكاة
يقصد بمصارف الزكاة: الأوجه التي تصرف فيها، وقد وردت في قول الله _تعالى_: [إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم] التوبة: 60 .
وإنما تفيد الحصر فدل على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلا على هذه الأصناف الثمانية المذكورة في الآية([166]).
المبحث الرابع: الصيام
أولاً : مفهوم الصيام، وفرضيته
أ. تعريف الصيام لغة: الصيام في اللغة يطلق على الإمساك والترك، يقال: أمسك عن الطعام، والشراب، والنكاح، والكلام، ويقال: تركه. ([167])
ب. الصيام في الشرع: هو إمساك بنية عن أشياء مخصوصة، في زمن معين، من شخص معين. ([168])
أو يقال: هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية. ([169])
ج. معنى صوم رمضان: هو التعبد لله _تعالى_ بالإمساك عن المفطرات نهار رمضان. ([170])
والمفطرات هي الأكل، والشرب، والجماع، وما في حكمها.
د. فرضية الصيام: فرض الصوم في شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة، فصام رسول صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعاً.
وصيام شهر رمضان أحد أركان الإسلام، وفروضه العظام، وقد دل عليه الكتاب، والسنة، والإجماع، قال الله _تعالى_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ] البقرة: 183.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس ) وذكر منها: ( صوم رمضان ) . ([171])
وأجمع المسلمون على أن من أنكر وجوبه كفر. ([172])
ثانياً: فضائل صيام رمضان
لصيام رمضان فضائل عظيمة، ومن ذلك ما يلي:
1. أنه سبب لمغفرة ما تقدم من الذنوب: فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر ) .([173])
2. أنه من أعظم أسباب التحلي بالتقوى: فالتقوى هي الحكمة الجامعة في الصيام، قال الله _تعالى_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ] البقرة: 183 .
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تفسير هذه الآية: ( فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثالَ أمرِ الله ونهيهِ؛ فمما اشتمل عليه من التقوى أن الصائمَ يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوهما، التي تميل إليها نفسُه؛ مُتَقَرِّباً إلى الله، راجياً بتركها ثوابه؛ فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يُدَرِّب نفسَه على مراقبة الله _تعالى_ فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عليه.
ومنها: أن الصيام يضيِّق مجاريَ الشيطان؛ فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي.
ومنها: أن الصائم _في الغالب_ تكثر طاعاتُه، والطاعاتُ من خصال التقوى.
ومنها: أن الغنيَّ إذا ذاق ألمَ الجوعِ أوجب له ذلك مواساةُ الفقراءِ والمعدمين، وهذا من خصال التقوى ) ([174]).
3. أن الصيام وقاية، وستر من النار: فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الصيام جنة ) .([175])
قال ابن العربي رحمه الله : ( وإنما كان الصوم جنة؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات؛ فالحاصل أنه إذا كفَّ نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة ) .([176])
4. أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك: فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ولَخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) .([177])
ومعنى الخلوف: تَغَيُّرُ رَائحةِ فَمِ الصائم بسبب الصيام.
5. أن الله _عز وجل_ اختص الصيام بأنه له وهو يجزي به؛ فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل عمل ابن آدم له: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله _عز وجل_ إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به؛ إنه ترك شهوته، وطعامه، وشرابه من أجلي ) .([178])
والسبب في ذلك أن الصيام سرٌّ بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه غيره _عز وجل_.
ثالثاً: من أسرار الصيام وحكمه
1_ الصومُ درسٌ مفيدٌ في سياسة المرء لنفسه، وَتَحَكُّمِهِ في أهوائه، وضبطِه بالجد لنوازع الهزل، واللغو، والعبث.
2_ الصومُ ينمِّي في النفوس رعايةَ الأمانة، والإخلاصَ في العمل، وألا يُراعى فيه غيرُ وجهِ الله_تعالى_.
وهذه فضيلةٌ عظمى تقضي على رذائل المداهنة والرياء والنفاق.
3_ الصوم يربي في النفوس مكارمَ الأخلاقِ، ومحاسنَ الأعمالِ، فيبعثها إلى بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأهل والجيران.
4_ أنه سبب للحصول على الصحة العامة بجميع معانيها، ففيه صحةٌ بدنيةٌ حسيةٌ، وفيه صحةٌ روحيةٌ معنويةٌ، وفيه صحةٌ فكريةٌ ذهنية.
فالصحة البدنية تأتي من كون الصيام يقضي على المواد المترسبة في البدن، ولا سيما أبدان أولي النَّعمة والنَّهْمة والتُّخمة وقليلي العمل والحركة؛ فقد قال الأطباء: إن الصيام يحفظ الرطوباتِ الطارئةَ، ويطهر الأمعاءَ من فساد السموم التي تحدثها البِطْنة، ويحول دون كثرةِ الشحوم التي لها خطرها على القلب، فهو كتضمير الخيل الذي يزيدها قوةً على الكر والفر.
وأما الصحةُ المعنويةُ فكما تقدم من أن الصوم من أعظم ما تصح به القلوب، وتزكو به الأرواح.
وأما الصحة الفكرية فتأتي من أثر الصيام الصحيح، حيث يحصل به حسنُ التفكير، وسلامةُ النظرةِ، والتدبرُ في أمر الله ونهيه وحكمته.
وبذلك يصح للصائم تفكيرُه،ويستنير بنور ربه، ويستجيب لنداءاته، ويحقق طاعته، فيخرج من صيامه بنفس جديدة، وفكر نيِّر،يسلم به من وصف البهيمية، ويصعد في مراتب السعادة والسيادة درجات.
هذه صورة عامة مجملة لبعض، وإشارات عابرة لبعض الحكم والآثار والأسرار التي ينطوي عليها الصيام. ([179])
المبحث الخامس: الحج
أولاً : مفهوم الحج، ومشروعيته
أ. تعريف الحج لغة: الحج في اللغة هو القصد، يقال: حجه يحجه حجًّا: أي قصده، ورجل محجوج: أي مقصود.([180])
ب. الحج في الشرع: هو قصد البيت الحرام لأعمال مخصوصة في زمن مخصوص. ([181])
أي قصد مكة المكرمة في وقت الحج، وهي أشهره المعلومة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة بنية أداء المناسك، وهي الإحرام من الميقات، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، وغيرها من المناسك. ([182])
ج. مشروعية الحج: الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام.
وقد ثبت ذلك في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
قال الله _تعالى_: [وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ] آل عمران:97 .
وجاء في الصحيحين من حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_: ( بني الإسلام على خمس ) ([183]) وذكر منها الحج.
ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة لمن استطاع، جاء في سنن أبي داود مرفوعاً من حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_: ( الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع ) ([184]).
ثانياً: منافع الحج
للحج أسرار بديعة، وحكم متنوعة، وبركات متعددة، ومنافع مشهودة سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة؛ ويكفي في ذلك قول الله _عز وجل_ في محكم التنزيل: [وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ٢٧ لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ] الحج.
فقوله _ تعالى _: [لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ] جامع لكل خير دنيوي وأخروي.
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله في الآية السابقة: ( أي لينالوا ببيت الله منافع دينية من العبادات الفاضلة، والعبادات التي لا تكون إلا فيه، ومنافع دنيوية من التكسب، وحصول الأرباح الدنيوية، وهذا أمر مشاهد كلٌّ يعرفه ) ([185]).
الباب الثاني
أركان الإيمان
تمهيد
الدين الإسلامي عقيدة وشريعة، وقد مرَّ فيما سبق الإشارة إلى شيء من شرائعه، ومرَّ الحديث عن أركانه التي هي أساس لشرائعه.
أما العقيدة الإسلامية فهي تشمل الإيمان بكل ما جاء عن الله، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار، والأحكام القطعية، والغيبيات، ونحو ذلك.
وأسس العقيدة هي أركان الإيمان الستة، وهي:
1_ الإيمان بالله.
2_ الإيمان بالملائكة.
3_ الإيمان بالكتب.
4_ الإيمان بالرسل.
5_ الإيمان باليوم الآخر.
6_ الإيمان بالقدر خيره وشره.
وفيما يلي من فصول بيان لتلك الأركان بشيء من البسط والإيضاح.
الفصل الأول
الإيمان بالله _ جلَّ جلاله _
المبحث الأول: مفهوم الإيمان بالله، وثمراته، وأدلته
أولاً: مفهوم الإيمان بالله وما يتضمنه
الإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بوجود الله، وأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل، وعبادته باطلة، وأنه _سبحانه_ متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب([186]).
ومن خلال ما مضى يتبين أن الإيمان بالله يتضمن أموراً أربعة:
1_ الإيمان بوجود الله: وذلك باعتقاد وجوده وجوداً كاملاً لم يسبق بعدم، ولا ينتهي بفناء.
2_ الإيمان بربوبيته: وذلك باعتقاد انفراده _عز وجل_ بأفعاله، وأنه لا شريك له في خلقه، وملكه، وتدبيره، وغير ذلك من مقتضيات الربوبية.
3_ الإيمان بأسمائه وصفاته: وذلك باعتقاد أن له الأسماء الحسنى، والصفات العلى من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف.
4_ الإيمان بألوهيته: وذلك بإفراده _عز وجل_ بأفعال العباد؛ فلا يُصْرَفُ أيُّ نوعٍ من أنواع العبادة لغيره _تبارك وتعالى_([187]).
ثانياً: ثمرات الإيمان بالله
الإيمان بالله يثمر ثمرات جليلة تعود على الأفراد والجماعة بخيري الدنيا والآخرة، فمن ثمراته: حصول الأمن التام، والاهتداء التام، والاستخلاف في الأرض، والتمكين والعزة.
ومن ثمراته: طيب الحياة، وحلول الخيرات، ونزول البركات، والهداية لكل خير، والسلامة من الخسارة، والفوز بولاية الله، ونصره، وتأييده.
ومن ثمراته: رفعة الدرجات، وتكفير السيئات، ودخول الجنان، والنجاة من النيران.
وبالجملة فخير الدنيا والآخرة كله فرع عن الإيمان، مترتب عليه.
والهلاك والنقصان إنما يكون بفقد الإيمان، أو نقصه([188]).
ثالثاً: الأدلة على وحدانية الله _سبحانه وتعالى_
الأدلة على وحدانية الله كثيرة جدًّا، ويكفي منها شهادته _عز وجل_ لنفسه حيث قال: [شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ] آل عمران: 18 .
ولقد دلَّ على وحدانية الله، وعلى تفرده بالخلق والرزق، وأنه وحده المستحق للعبادة _ الفطرة، والشرع، والعقل، والحس.
وهذه الأدلة بمجموعها تدل على وجود الله، وتدل على أنواع التوحيد الثلاثة؛ ذلك أن أنواع التوحيد الثلاثة وهي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات متلازمة، ومن أشرك في واحد منها فهو مشرك في البقية.
مثال ذلك: من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فدعاؤه عبادةٌ صَرَفَهَا لغير الله، وهذا شرك في الألوهية.
وهذا الدعاء لغير الله متضمن لاعتقاد الداعي أن المدعو متصرف مع الله، وقادر على قضاء ذلك، وهذا شرك في الربوبية.
ثم إنه لم يدعُه إلا لاعتقاده أنه يسمعه، وهذا شرك في الأسماء والصفات؛ لاعتقاده أن للمدعو سمعاً محيطاً بجميع المسموعات لا يحجبه قرب ولا بعد، ومن هنا نجد أن الشرك في الألوهية مستلزم الشرك في الربوبية والأسماء والصفات([189]).
هذا وسيرد تفصيل لأدلة الوحدانية في المباحث التالية، وذلك من خلال دلالة العقل، والحس.
أما الفطرة فقد سبق الحديث على دلالتها على الوحدانية، وذلك عند الحديث عن كون الإسلام دين الفطرة، وأن الفطرة المذكورة في القرآن هي دين الإسلام على الصحيح.
أما دلالة الشرع على الوحدانية والإيمان بالله فواضحة معلومة؛ فما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب يدل دلالة قاطعة على وحدانية الله، فالكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح العباد في دنياهم وأخراهم؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، وغيرها، وما جاءت به من الأخبار الكونية، والمغيبات التي شهد الواقع بصدقها _ كل ذلك يدل على أنها من ربٍّ حكيمٍ عليمٍ مستحقٍ للعبادة وحده لا شريك له([190]).
والأدلة على ذلك لا تكاد تُحصى، وسيرد ذكر لذلك في كثير من تضاعيف هذا البحث.
المبحث الثاني: دلالة العقل على الإيمان بالله
أما دلالة العقل على الإيمان بالله فلأن المخلوقاتِ جميعَها لا بدَّ لها من مُوجِد وخالق؛ إذ لا يمكن أن توجِد نفسَها بنفسِها، ولا يمكن أن توجَدَ صدفة؛ فهذه المخلوقات لا يمكن أن تُوجِد نفسها بنفسها؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم، فكيف يكون خالقاً؟
كذلك لا يمكن أن توجد صدفة؛ لأن كل حادث لا بدَّ له من مُحدِثٍ، ولأن وجودها على هذا النظام المتسق البديع المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات وبين الكائنات بعضها مع بعض _ يمنع منعاً باتًّا أن يكون وجودُها صدفةً([191]).
أضف إلى ذلك ما تجده من افتقار المخلوق الشديد؛ فالافتقار وصف ذاتي للمخلوق ملازم له؛ مما يدل على أنه لا بدَّ من وجود خالق، كامل، غني عما سواه، وهو رب العالمين.
وقد ذكر الله _سبحانه وتعالى_ هذا الدليل العقلي والبرهان القاطع في سورة الطور، حيث قال: [أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ] الطور:35 .
يعني أنهم لم يُخلقوا من غير خالقٍ، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله _تبارك وتعالى_.
ولهذا لما سمع جبير بن مطعم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ قوله _تعالى_: [أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ... الآية] _وكان يومئذٍ مشركاً_ قال: ( كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ) رواه البخاري مُفَرَّقاً ([192]).
ولهذا فإن الله _سبحانه وتعالى_ يحثُّ كثيراً في كتابه على التعقل والتبصر ولا أدل على ذلك من كثرة الآيات التي تُخْتَمُ بمثل قوله: [أَفَلَا تَعۡقِلُونَ] [لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ] لأن الإنسان إذا تفكر تذكر، وعرف الحق، وإذا تذكر خاف واتقى وانقاد.
ولهذا نجد أن العقلاء الجادين الباحثين عن الحق _ يصلون إليه، ويوفقون له.
ومما يؤكد ذلك أن كثيراً من كبار المفكرين الغربيين اهتدوا إلى الحق بسبب إجالتِهم أفكارَهم، وبحثهم عن الحق.
ومن نظر في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) _ وقد كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة والفلك ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه الأمور _ ومثله كتاب (كريسي موريسون) رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك (الإنسان لا يقوم وحده) وترجم إلى العربية تحت عنوان (العلم يدعو إلى الإيمان) _ يدرك أن العالِمَ الحقيقيَّ لا يكون إلا مؤمناً، وأن العاميَّ لا يكون إلا مؤمناً، وأن الإلحاد والكفر لا يكون إلا من أنصاف العلماء وأرباع العلماء؛ ممن تعلم قليلاً من العلم، وخسر بذلك الفطرة المؤمنة، ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان ([193]).
وبهذا يتبين لنا أن العقل يدل على وحدانية الله _عز وجل_.
أما إذا أنكر العقل ذلك فإن الخلل في العقل نفسه، وصدق من قال:
إذا ادعى عقلك إنكاره | فأنكر العقل ودعواه |
ومن قال:
يعترض العقل على خالق | من بعض مخلوقاته العقل |
ومن هنا يتبين لنا بطلان قول من قال: إن هذا الكون نشأ بالصدفة، أو أن الطبيعة هي الخالق؛ إن هذه الدعاوى ليست إلا مكابرةً وعناداً لما هو متقرر بالمعقول والمنقول، فمن قال: إن هذا الكون نشأ عن طريق الصدفة يقال له: كيف نشأ هذا الكون الفسيح العظيم المتسق المتناسق عن طريق الصدفة؟!
وخذ هذا المثال الذي أورده العالم الأمريكي (كريسي موريسون) ([194]) يبين فيه استحالة القول بوجود الكون مصادفة قال: ( خذ عشر بنسات، كلاً منها على حدة، وضع عليها أرقاماً مسلسلة، من 1 إلى 10 ثم ضعها في جيبك وهزها هزًّا شديداً، ثم حاول أن تسحبها من جيبك حسب ترتيبها، من 1 إلى 10.
إن فرصة سحب البنس رقم 1 هي بنسبة 1 إلى 10.
وفرصة سحب رقم 1 ورقم 2 متتابعين، هي بنسبة 1 إلى 100، وفرصة سحب البنسات التي عليها أرقام 1و2و3 متتالية، هي بنسبة 1 إلى 1000، وفرصة سحب 1و2و3و4 متوالية هي بنسبة 1 إلى 10.000، وهكذا، حتى تصبح فرصة سحب البنسات بترتيبها الأول، من 1 إلى 10، وهي بنسبة 1 إلى 10 بلايين.
والغرض من هذا المثل البسيط، هو أن نبين لك كيف تتكاثر الأعداد بشكل هائل ضد المصادفة!.
وعلى ذلك فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادفة والاتفاق؟.
إن حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الاحتمال خيالاً يصعب حسابه فضلاً عن تصوره.
إن ما في هذا الكون يحكي أنه إيجاد موجد حكيم عليم خبير، لكن الإنسان ظلوم جهول [قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ ١٧ مِنۡ أَيِّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥ ١٨ مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ] (عبس) ([195]).
أما القول بأن الطبيعة هي الخالق فتلك فرية عظيمة لا دليل عليها، وتهافتها واضحٌ بيِّن لا يحتاج إلى أي رد، بل إن تصور ذلك كافٍ في الرد على أصحابه ([196]).
ومن تلك الدعاوى نظرية (دارون) التي حاول أصحابها أن يعللوا بها وجود الأحياء، وتزعم هذه النظرية أن أصل الإنسان حيوان صغير نشأ من الماء، ثم أخذت البيئة تفرض عليه من التغييرات في تكوينه، مما أدى إلى نشوء صفات جديدة في هذا الكائن، وأخذت هذه الصفات المكتسبة تورَّث في الأبناء حتى تحول مجموع هذه الصفات الصغيرة الناشئة من البيئة عبر ملايين السنين إلى نشوء صفات كثيرة راقية جعلت ذلك المخلوق البدائي مخلوقاً أرقى، واستمر ذلك النشوء للصفات بفعل البيئة والارتقاء في المخلوقات حتى وصل إلى هذه المخلوقات التي انتهت بالإنسان.
هذا هو ملخص تلك النظرية، وعوارها وزيفها واضح بيِّن ([197]).
وقد ثبت بطلانها حتى عند كثيرين ممن يقولون بها.
ومما يقال في ذلك: أنه على فرض صحتها فمن الذي أنشأ ذلك الحيوان الصغير؟ ومن الذي جعله يتطور حتى وصل إلى ما وصل إليه؟!
المبحث الثالث: دلالة الحس على الإيمان بالله
فالحس يدل بوضوح على وحدانية الله _سبحانه وتعالى_.
والأدلة الحسية على ذلك كثيرة جدًّا، ومنها ما يلي:
أولاً: إجابة الدعوات
ويُعْنَى بها إجابة دعوات الملهوفين والمكروبين وغيرهم، ممن يدعون الله _سبحانه وتعالى_ فيستجاب لهم، ويحصل مقصودهم.
والأمثلة على ذلك لا تحصى ولا تحصر، سواء كان ذلك في حق الأنبياء _عليهم السلام_ أو في حق غيرهم.
ومن ذلك ما قاله الله _سبحانه وتعالى_ عن نوح _عليه السلام_: [فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ ١٠ فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ ١١ وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ] (القمر: 10_12).
وما قَصَّهُ الله _سبحانه_ عن يونس _عليه السلام_: [فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ] (الأنبياء: 87) فاستجاب الله دعاءه، ونجَّاه من بطن الحوت.
وقال عن أيوب _عليه السلام_: [وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ ٤١ ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ ٤٢ وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ] (ص:41_43).
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: ( إن أعرابيًّا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع لنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، فدعا، فثار السحاب كأمثال الجبال، فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته.
وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال؛ فادع الله لنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت ) ([198]).
وما زالت إجابة الداعين أمراً مشهوداً إلى هذا اليوم لمن أتى بشرائط الإجابة، وكثيراً ما نسمع أن الناس ذهبوا للاستسقاء وقبل أن يخرجوا من المسجد إذا هم يمطرون؛ فإجابة الدعاء دليل قاطع على وحدانية الله _عز وجل_.
ثانياً: صدق الرسل _عليهم السلام_
وهذا دليل حسي واضح، فالرسل _عليهم السلام_ هم أكمل البشر، وقد بلَّغوا عن الله رسالاته، وقد اصطفاهم الله، واختارهم من بين الخلق، وأيَّدهم بالآيات البينات، ونصرهم، وجعل الغلبة لهم، والدولة على أعدائهم.
فالإنسان إزاء الأنبياء لا يملك إلا أن يقطع بصدقهم؛ إذ إن دعوى النبوة أعظم الدعاوى، ولا يدعيها إلا أصدق الناس أو أكذبهم؛ فالأنبياء هم أصدق الناس على الإطلاق؛ فظهور المعجزات على أيديهم، وتأييد الله لهم، وخذلانه لأعدائهم، وما جبلوا عليه من كريم الخلال، وحميد الخصال _ كل ذلك يدل على صدقهم، وبالتالي نعلم أنهم مبعوثون من عند الله، وأنه _سبحانه_ حق، وعبادته حق([199]).
ثالثاً: دلالة الأنفس
فلقد صور الله الإنسان على أحسن صورة، وخَلَقَهُ في أحسن تقويم؛ كما قال _سبحانه وتعالى_: [وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖۡ](التغابن: 3).
وكما قال _عز وجل_:[لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ](التين: 4).
ولو أن الإنسان أمعن النظر في نفسه وما فيها من عجائب صنع الله، ونظر ظاهره وما فيه من كمال خلقه، وأنه متميز عن سائر الحيوانات _ لأدرك أن وراء ذلك ربًّا خالقاً حكيماً في خلقه، ولعلم أن هذا الخالق هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه([200]).
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تقرير هذا المعنى عند قوله _تعالى_:[وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا](الشمس:7): ( وعلى كلٍّ فالنفس آيةٌ كبيرة من آيات الله التي يحق الإقسام بها؛ فإنها في غاية اللطف، والخفة، سريعة التنقل، والحركة، والتغير، والتأثر، والانفعالات النفسية من الهمة، والإرادة، والقصد، والحب.
وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثالٍ لا فائدة فيه، وتسويتُها على ما هي عليه آيةٌ من آيات الله العظيمة.
والمقصود أن نفس الإنسان من أعظم الأدلة على وجود الله وحده، ومن ثم تفرده بالعبادة ) ([201]).
رابعاً: هداية المخلوقات
وهذا مشهد من مشاهد الحس الدالة على وحدانية الله _عز وجل_ فلقد هدى الله الحيوان: ناطقه وبهيمه، وطيره ودوابه، وفصيحه وأعجمه إلى ما فيه صلاحُ معاشه وحاله.
ويدخل تحت قوله _تعالى_: [رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ] (طه:50) من العجائب والغرائب ما لا يحيط به إلا الله _عز وجل_.
فَمَن الذي هدى الإنسان ساعة ولادته إلى التقام ثدي أمه؟ ومن الذي أودع فيه معرفة عملية الرضاع؟ تلك العملية الشاقة التي تتطلب انقباضاتٍ متواليةً من عضلات الوجه، واللسان، والعنق، وحركاتٍ متواصلةً للفك الأسفل، والتنفس مع الأنف، كل ذلك يتم بهداية تامة، وبدون سبق علم أو تجربة، فمن الذي ألهمه ذلك؟ إنه [رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ]طه:50.
ثم إن هدايته بعد أن يكبر إلى السعي في مصالحه من الضرب في الأرض، والسير فيها، كل ذلك من الهداية التامة العامة للمخلوقات.
أما هداية الطير، والوحش، والدواب _ فحدث ولا حرج، فلقد هداها الله إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان.
وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (شفاء العليل) أموراً عجيبة من هذا القبيل.
وهذا كله من أدل الدلائل على الخالق لها _سبحانه وتعالى_ وعلى إتقان صنعه، وعجيب تدبيره، ولطيف حكمته؛ فإن فيما أودعها من غرائب المعارف، وغوامض الحيل، وحسن التدبير، والتَّأتي لما تريده _ ما يستنطق الأفواه بالتسبيح، ويملأ القلوب من معرفته، ومعرفة حكمته، وقدرته، وما يعلم به كل عاقل أن الله لم يَخْلُقْ عبثاً، ولم يَتْرك سدىً، وأن له حكمةً باهرةً، وآيةً ظاهرة، وبرهاناً قاطعاً، يدل على أنه رب كلِّ شيءٍ ومليكُه، وأنه المتفرد بكل كمالٍ دون خلقهِ، وأنه على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم([202]).
خامساً: دلالة الآفاق
فالآفاق يراها كل أحدٍ؛ العالم والجاهل، المؤمن والكافر، فلو تأمل الإنسان بعين البصيرة والتدبر والتفكر _ لأدرك عظمة مَنْ أنشأها، ولَدَعاه ذلك إلى عبادته وحده لا شريك له.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله عند قوله _تعالى_: [سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ] (فصلت:53): ( وقد فعل _تعالى_ فإنه أرى عباده من الآيات ما به تبين أنه الحق، ولكن الله هو الموفق للإيمان من شاء، الخاذل لمن يشاء ) ([203]).
وقال رحمه الله في موطن آخر _أيضاً_: ( كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات، وتغلغل فكره في بدائع الكائنات _ علم أنها خلقت للحق بالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب براهين، ودلالات على جميع ما أخبر به عن نفسه ووحدانيته، وما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر، وأنها مدبرات، مسخرات، ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها، فتعرف أن العالَم العلويَّ والسفلي كلَّهم إليه مفتقرون، وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا هو ولا رب سواه ) ([204]).
وقال رحمه الله في موطن آخر: ( فهذا خبره _تعالى_ عن أمور مُسْتَقْبَلَةٍ أنه يُري عباده من الآيات والبراهين في الآفاق وفي الأنفس ما يدلهم على أن القرآن حق، والرسول حق، وما جاء به هو الحق ) ([205]).
وفي كل عصر من العصور يُطلع الله عباده على أمور عظيمة في هذا الكون الفسيح.
وفي العصور المتأخرة ظهر العديد من الاكتشافات والمخترعات والحقائق العلمية، ولا يزال الباحثون يكتشفون في كل يوم سرًّا من أسرار هذا الكون العظيم، مما جعلهم يقفون حائرين واجمين معترفين بالتقصير والعجز، وأن هناك عوالمَ أخرى مجهولةً، وأخرى لم تُكتشف بعد.
وخلاصة القول في هذا أن كل ما في الآفاق يدل دلالة قاطعة على وجود مدبر حكيم، رب عليم، مستحق للعبادة، ولكن:
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة | فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر |
سادساً: عبودية الكائنات
فالله _سبحانه_ قد خلق جميع الكائنات: إنسِها، وجنِّها، وملائكِها، وحيوانها، وجمادها، ونباتها، وغيرها من الكائنات؛ لعبادته _سبحانه_ وفطرها على توحيده، والاعتراف بألوهيته، والإقرار بفقرها وحاجتها وخضوعها وصمودِها له _جل وعلا_.
فكل هذه الكائنات تقوم بعبادة الله _عز وجل_ ولا يُخِلُّ بذلك إلا الإنسان المعاند الزائغ عن شرع الله _سبحانه وتعالى_ المخالف لنظام هذا الكون المحكم البديع؛ الذي ما قام إلا على عبودية الله.
هذا وتختلف العبوديات من مخلوق إلى مخلوق.
فمن تلك العبوديات: عبودية الإنس، فهي أشرفها وأفضلها.
وأشرف ما فيها عبوديةُ الأنبياء لربهم، وقيامهم بالدعوة والجهاد وغير ذلك، ثم عبودية أتباعهم وأتباع أتباعهم.
ومن ذلك: عبودية الملائكة، والجن وهذا ليس بمستغرب.
أما الغريب حقًّا فهو عبودية الجمادات والحيوانات، التي يعتقد كثير من الناس أنها لا تعقل ولا تدرك، وليس لها أيُّ عبودية لله.
إن هذا الكون الواسع بما فيه من الكائنات كلّه يخضع لخالقه وبارئه، ويؤدي عبودية له _سبحانه وتعالى_ فلقد ثبت لهذه الكائنات في الكتاب والسنة طاعاتٌ كثيرةٌ كالسجود، والتسبيح، والصلاة، والاستغفار، والإسلام، والإشفاق، وغيرها([206]).
فعن سجود هذه الكائنات يقول الله _عز وجل_: [أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ] (الحج: 18).
وليس بالضرورة أن يكون هذا السجود مثل سجود الآدميين من المسلمين؛ فسجود كلِّ أحدٍ بحسبه.
وأما عن تسبيح الكائنات فذلك كما في قوله _تعالى_: [تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا] (الإسراء: 44).
فالكائنات كلها تسبح خالقها تسبيحاً لا نفقهه نحن البشر، وعدم معرفتنا به ليس دليلاً على نفيه؛ فلقد خص الله بعض خلقه بالاطلاع على تسبيح بعض الكائنات، وأفهمه تسبيحها كداود _عليه السلام_.
أما صلاتُها فقد قال الله _تعالى_: [أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَٰٓفَّٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ] (النور:41).
فكلها يصلي، ويسبح لله، وليس بالضرورة أن نفهم ذلك.
أما عن استغفارها ففي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء ) ([207]).
أما عن إسلامها لله _تعالى_ فقد قال _عز وجل_: [أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ] (آل عمران:83).
إلى غير ذلك من العبوديات المتنوعة التي لا يتسع المقام لذكرها ([208]).
ومن هنا يتبين لنا أن المخلوقاتِ مفتقرةٌ إلى الله _سبحانه وتعالى_ ( وأن فقرَها وحَاجَتَها إليه وصفٌ ذاتيٌّ لهذه الموجودات المخلوقة، كما أن الغنى وصف ذاتي للرب الخالق ) ([209]).
فصمود الكائنات كلها وفقرها إلى الله يدل دلالة واضحة على وحدانيته _سبحانه وتعالى_.
سابعاً: اختلاف الطعوم والألوان والروائح في النبات
وهذا دليل حسي على وحدانية الله؛ فالماء ينزل من السماء عديم اللونِ والطعمِ والرائحةِ، ينزل على الأرض الجرداء، ثم يَخْرُج _بإذن الله_ من جَرَّاء ذلك نباتاتٌ مختلفة في اللون، والطعم، والرائحة، فبعضها حلو، وبعضها حامض، وبعضها مُزٌّ، وبعضها أخضرُ، وبعضها أصفرُ، وبعضها أسود.
بل إن النوع الواحد من بعض الثمار متنوع تنوعاً عجيباً؛ ومن ذلك على سبيل المثال (العنب) فمنه جنات معروشات وغير معروشات، ومنه الحلو، ومنه الحامض، ومنه الحامض الحلو، ومنه الأخضر، ومنه الأحمر، ومنه الأسود، ومنه الطويل، ومنه المدور إلى غير ذلك.
وقل مثل ذلك في النخل؛ فمنها ما يكون حلاوته بسراً أكثرَ من حلاوته رطباً والعكس، ومنه الأسود، ومنه الأصفر، ومنه الطويل، ومنه المدور، كل ذلك وهو يسقى بماء واحد.
فمن الذي فضَّل بعضها على بعض في الأكل؟ ومن الذي أودعها هذه المزايا من الألوان والأطعمة؟
إنه الله [وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ٣ وَٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ ٤ فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ٥] (الأعلى).
ثامناً: اختلاف الألسن
فنحن نرى اختلاف الألسن واللغات من شعب إلى شعب، ومن إنسان إلى إنسان، فمن الذي علم الإنسان البيان؟ ومن الذي يعلم تلك اللغات جميعاً، ويحصي ما يقولون فلا تختلط عليه؟ إنه الله الواحد الأحد؛ فاختلاف الألسن آية عظيمة تدل على وحدانيته _سبحانه وتعالى_ ([210]).
الفصل الثاني
الإيمان بالملائكة
وتحته:
المبحث الأول: مفهوم الإيمان بالملائكة وما يتعلق به
المبحث الثاني: في كون الملائكة أجساماً
المبحث الثالث: العلاقة بين الملائكة والبشر
المبحث الأول: مفهوم الإيمان بالملائكة وما يتعلق به
أولاً: تعريف الملائكة: أ_ التعريف اللغوي: أصل هذه الكلمة أَلَكَ، أي أرسل، ومنه الألوك، وهي الرسالة، وهي المأْلَكَة.
فالملك في اللغة هو المرسل([211]).
ب_ التعريف الاصطلاحي للملائكة: الملائكة عالم غيبي مخلوقون من نور عابدون لله _تعالى_ وليس لهم من خصائص الربوبية، ولا الألوهية شيء، أي أنهم لا يَخْلُقون، ولا يَرزُقون، ولا يجوز أن يعبدوا مع الله، أو من دون الله.
وقد منحهم الله _عز وجل_ الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه.
والملائكة عددهم كثير، ولا يحصيهم إلا الله([212]).
ثانياً: ما يتضمن الإيمان بالملائكة: الإيمان بالملائكة يتضمن ما يلي:
1_ الإيمان بوجودهم.
2_ الإيمان بما علمنا اسمه منهم باسمه كجبريل، ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالاً، أي نؤمن بأن لله ملائكة كثيرين، ولا يلزم معرفة أسمائهم.
3_ الإيمان بما علمنا من صفاتهم، كصفة جبريل؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه على صفته التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح قد سدَّ الأُفق.
وقد يتحول الملك بأمر الله إلى هيئة رجل، كما حصل لجبريل حين أرسله الله إلى مريم أم المسيح _عليهما السلام_: [فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا] (مريم:17).
وحين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه بصورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه أحدٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبته، ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، والساعة، وأماراتها، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال بعد أن ولَّى: ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) ([213]).
وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله إلى إبراهيم ولوط _عليهما السلام_ على هيئة رجال.
4_ الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها، كتسبيح الله، وعبادته ليلاً ونهاراً دون ملل ولا فتور.
وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة، كـ ( جبريل ) الأمين على وحي الله يرسله الله بالوحي إلى الأنبياء والرسل، ومثل ( ميكائيل ) الموكل بالقطر أي النبات، ومثل ( مالك ) الموكل بالنار، ومثل الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم، وغيرهم كثير([214]).
ثالثاً: ثمرات الإيمان بالملائكة:
الإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة منها:
1_ العلم بعظمة الله _تعالى_ وقوته، وسلطانه: فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق.
2_ شكر الله على عنايته ببني آدم حيث وكل بهم مِنْ هؤلاء الملائكة مَنْ يقومون بحفظهم، وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
3_ التقرب إلى الله بحب الملائكة على ما قاموا به من مراضي الله([215]).
المبحث الثاني: في كون الملائكة أجساماً
لقد صرحت النصوص بأن الملائكة أجسام خلافاً لمن ضلوا في هذا الباب فأنكروا كونَ الملائكة أجساماً، وقالوا: إنهم عِبَارةٌ عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات.
وهذا تكذيب لكتاب الله _تعالى_ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
قال الله _تعالى_: [ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ] فاطر: 1 .
وقال في أهل الجنة: [وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ ٢٣ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ ٢٤] الرعد .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض ) ([216]).
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول؛ فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر ) ([217]).
وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية كما قال الزائغون، وعلى مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون([218]).
المبحث الثالث: العلاقة بين الملائكة والبشر
أولاً: علاقة الملائكة بالبشر:
علاقة الملائكة ببني آدم علاقة وثيقة، ومن مظاهر تلك العلاقة ما يلي:
1_ قيامهم على الآدمي عند خلقه: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثمّ يكون علقة مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً يؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح ) ([219]).
2_ حفظهم لابن آدم: قال الله _تعالى_: [سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۢ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ ١٠ لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ] (الرعد: 10_11) .
3_ أنهم سفراء الله إلى رسله وأنبيائه: وقد أعلمنا الله أن جبريل يختص بهذه المهمة: [قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ] (البقرة:97).
وقال: [نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ١٩٤] الشعراء.
4_ تحريك بواعث الخير في نفوس العباد: فقد وكَّل الله بكل إنسان قريناً من الملائكة، وقريناً من الجنّ، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينُه من الجن، وقرينه من الملائكة ) .
قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: ( وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير ) ([220]).
ولعلّ هذا القرين من الملائكة غيرُ الملائكة الذين أمروا بحفظ أعماله، قيَّضه الله له؛ ليهديه، ويرشده.
وقرين الإنسان من الملائكة وقرينه من الجنّ يتعاوران الإنسان، هذا يأمره بالشر ويرغبه فيه، وذاك يحثه على الخير ويرغبه فيه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأمّا لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأمّا لمة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد من ذلك شيئاً فليعلم أنّه من الله، وليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: [ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ] ) (البقرة:268 ) ([221]) ([222]).
5_ تسجيل أعمال بني آدم: فهناك ملائكة موكلون بحفظ أعمال بني آدم من خير وشرّ، وهؤلاء هم المعنيون بقوله _تعالى_: [وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ ١٠ كِرَامٗا كَٰتِبِينَ ١١ يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ] الإنفطار .
وقد وكل الله بكل إنسان ملكين حاضرين، لا يفارقانه، يحصيان عليه أعماله وأقواله: [وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦ إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيد] ق.
ومعنى قعيد: أي مترصد.
ورقيب عتيد: أي مراقب مُعِدٌّ لذلك لا يترك كلمة تفلت.
6_ نزع أرواح العباد عندما تنتهي آجالهم: فقد اختص الله بعض ملائكته بنزع أرواح العباد عندما تنتهي آجالهم التي قدرها الله لهم، قال _تعالى_: [قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ] (السجدة:11).
والذين يقبضون الأرواح أكثر من ملك، قال الله _تعالى_: [وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ ٦١ ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ] الأنعام.
وتنزع الملائكة أرواح الكفرة والمجرمين نزعاً شديداً عنيفاً بلا رفق ولا هوادة، قال الله _عز وجل_: [وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ] (الأنعام:93).
وقال: [وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ] (الأنفال:50).
وقال: [فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ] (محمد:27).
أما المؤمنون فإن الملائكة تنزع أرواحهم نزعاً رفيقاً.
7_ إقبالهم على المؤمنين: وذلك بمحبتهم، وتسديدهم، والصلاة عليهم كصلاتهم على معلم الخير، والذين ينتظرون صلاة الجماعة، والذين يصلون في الصف الأول، والذين يسدون الفرج بين الصفوف، والذين يتسحرون، والذين يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم والذين يعودون المرضى.
ومن إقبالهم على المؤمنين تأمينهم على دعائهم، واستغفارهم لهم، وشهودهم مجالس العلم وحِلَق الذِّكر، وتسجيل الذين يحضرون الجمعة، وتَنَزُّلُهم عند من يُقرأ القرآن، ومقاتلتهم مع المؤمنين في الحروب إلى غير ذلك من الأعمال.([223])
8_ بغضهم للكافرين: فالملائكة لا يحبون الكفرة الظالمين، بل يعادونهم ويحاربونهم، ويزلزلون قلوبهم، ويلعنونهم.
ثانياً: المفاضلة بين الملائكة وصالح البشر:
هذه المسألة وقع الخلاف فيها قديماً، وكثرت فيها الأقوال، وتحقيق القول وخلاصته في هذه المسألة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة، ونالوا الزُّلفى، وسكنوا الدرجات العلا، وحياهم الرحمن، وخصهم بمزيد قربه، وتجلى لهم، يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم .
والملائكة أفضل باعتبار البداية؛ فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى، منزهون عمّا يلابسه بنو آدم، مستغرقون في عبادة الرب.
ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر.
قال ابن القيم: وبهذا التفصيل يتبين سرّ التفضيل، وتتفق أدلة الفريقين، ويصالَح كلٌّ منهم على حقه.
والله أعلم بالصواب([224]).
الفصل الثالث
الإيمان بالكتب
المبحث الأول: مفهوم الإيمان بالكتب وما يتعلق به
أولاً: تعريف الكتب لغةً وشرعاً
الكتب في اللغة: جمع كتاب بمعنى مكتوب، مثل فراش بمعنى مفروش، وإله بمعنى مألوه، وغراس بمعنى مغروس.
ومادة (كتب) تدور حول الجمع والضم، وسمي الكاتب كاتباً؛ لأنه يجمع الحروف، ويضم بعضها إلى بعض.
ومنه الكتيبة من الجيش سميت كتيبةً؛ لاجتماعها، وانضمام بعضها إلى بعض، ومنه تسمية الخياط كاتباً؛ لأنه يجمع أطراف الثوب إلى بعض، كما في مقامات الحريري حيث قال ملغزاً:
وكاتبين وما خطت أناملهم | حرفاً ولا قرأوا ما خُطَّ في الكتب |
ويَقْصدُ بهم الخياطين([225]).
أما في الشرع: ( فالمراد بها الكتب التي أنزلها الله _تعالى_ على رسله؛ رحمة للخلق، وهداية لهم؛ ليصلوا بها إلى سعادة الدنيا والآخرة ) ([226]).
ثانياً: ما يتضمن الإيمان بالكتب
1_ الإيمان بأنها أنزلت من عند الله حقًّا.
2_ الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقرآن الذي نُزِّل على محمد صلى الله عليه وسلم والتوراة التي أُنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم والإنجيل الذي نزل على عيسى _عليه الصلاة والسلام_ والزبور الذي أوتيه داود _عليه السلام_.
وأما ما لم نعلمه من الكتب المنزلة فنؤمن به إجمالاً.
3_ تصديق ما صح من أخبارها، كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يبدل، أو يحرف من الكتب السابقة.
4_ العمل بما لم ينسخ منها، والرضا، والتسليم به، سواء فهمنا حكمته أو لم نفهمها.
وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم، قال الله _تعالى_: [وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ] (المائدة:48).
أي حاكماً عليه، وعلى هذا فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صح وأقره القرآن([227]).
ثالثاً: أهمية الإيمان بالكتب
للإيمان بالكتب أهمية عُظمى تتجلى في أمور منها ما يلي:
1_ الإيمان بالكتب أصل من أصول العقيدة، وركن من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان أحد إلا إذا آمن بالكتب التي أنزلها الله على رسله _عليهم السلام_.
2_ أن الله _عز وجل_ أثنى على الرسل الذين يبلغون عن الله رسالاته؛ فقال _عز وجل_: [ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ] (الأحزاب: 39).
كما أخبر _سبحانه_ أن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين آمنوا بما أنزل من عند الله من كتب، قال _تعالى_: [ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ] (البقرة: 285).
3_ أن الله أمر المؤمنين بأن يؤمنوا بما أنزله كما في قوله _تعالى_: [قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ] (البقرة: 136).
4_ أن الله أهلك الأمم بسبب تكذيبهم برسالاته، كما أخبر الله عن صالح بقوله: [فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ] (الأعراف: 79).
5_ أن من أنكر شيئاً مما أنزل الله فهو كافر كما قال _تعالى_: [وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا] النساء:136.
رابعاً: ثمرات الإيمان بالكتب
الإيمان بالكتب يثمر ثمراتٍ جليلةً منها:
1_ العلم بعناية الله؛ حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به.
2_ العلم بحكمة الله؛ حيث شرع لكل قوم ما يناسبهم، ويلائم أحوالهم.
3_ الاستغناء بالوحي عن أفكار البشر التي تخطئ، وتصيب، ويعتريها الهوى، والذهول.
4_ السير على طريقٍ مستقيمةٍ واضحةٍ لا اضطراب فيها ولا اعوجاج.
5_ الفرح بذلك الخير العظيم [قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ](يونس: 58).
6_ شكر الله على هذه النعمة العظيمة.
7_ التحرر من التخبط الفكري والعقدي([228]).
خامساً: أدلة الإيمان بالكتب
لقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على الإيمان بالكتب، فمن ذلك قوله _تعالى_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ] (النساء: 136).
وقوله _تعالى_: [وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ] (الشورى: 15).
وقال _عليه الصلاة والسلام_ كما في حديث جبريل المشهور عندما سأله عن الإيمان قال: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) الحديث([229]).
سادساً: الغاية من إنزال الكتب
أنزلت الكتب السماوية كلُّها لغايةٍ واحدةٍ، وهدف واحد وهو أن يُعْبَدَ الله وحده لا شريك له، ولتكون منهج حياة للبشر الذين يعيشون في هذه الأرض، تقودهم بما فيها من هداية إلى كل خير، ولتكون روحاً ونوراً تحيي نفوسهم، وتكشف ظلماتها، وتنير لهم دروب الحياة كلها([230]).
سابعاً: ما يضاد الإيمان بالكتب
يضاد الإيمان بالكتب تكذيبها، والكفر بها، وتحريفها.
كما يضادها: الإعراضُ عن القرآن، وادعاء نسخه، والتحاكم إلى غيره، وادعاء نقصه، ومضاهاته، ومعارضته.
المبحث الثاني: مواضع الاتفاق والاختلاف بين الكتب السماوية
المطلب الأول: مواضع الاتفاق بين الكتب السماوية
تتفق الكتب السماوية في أمور عديدة منها:
1_ وحدة المصدر: فمصدرها واحد؛ فهي منزلة من عند الله _تعالى_.
2_ وحدة الغاية: فالكتب السماوية غايتها واحدة، فهي كلها تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى دين الإسلام؛ فالإسلام هو دين جميع الرسل؛ فالغاية _إذاً_ هي الدعوة إلى دين الإسلام، وإلى عبادة الله وحده لا شريك له.
3_ مسائل العقيدة: فالكتب اشتملت على الإيمان بالغيب، ومسائل العقيدة، كالإيمان بالرسل، والبعث والنشور، والإيمان باليوم الآخر إلى غير ذلك.
فمسائل العقيدة من باب الأخبار التي لا تنسخ([231]).
4_ القواعد العامة: فالكتب السماوية تقرر القواعد العامة، التي لابد أن تعيها البشرية؛ كقاعدة الثواب والعقاب، وهي أن الإنسان يحاسب بعمله، فيعاقب بذنوبه وأوزاره، ولا يؤاخذ بجريرة غيره، ويثاب بسعيه، وليس له سعي غيره.
ومن ذلك الحثُّ على تزكية النفس، وبيان أن الفلاح الحقيقي لا يتحقق إلا بتزكية النفس بالطاعة لله، والعبودية له، وإيثار الآجل على العاجل.
ومن تلك القواعد أن الذي يستحق وراثة الأرض هم عباد الله الصالحون، والعاقبة للتقوى وللمتقين.
5_ العدل والقسط: فجميع الأنبياء _عليهم السلام_ حملوا ميزان العدل والقسط.
6_ محاربة الفساد والانحراف: وهذا ما اتفقت عليه الرسالات؛ سواء كان الفساد عقدياً أو خلقياً، أو انحرافاً عن الفطرة، أو عدواناً على البشر، أو تطفيفاً في الكيل والميزان، أو غير ذلك.
7_ الدعوة إلى مكارم الأخلاق: فالكتب كلها دعت إلى مكارم الأخلاق، كالعفو عن المسيء، وكالصبر على الأذى، وكالقول الحسن، وبر الوالدين، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، وإكرام الضيف، والتواضع، والعطف على المساكين، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق.
8_ كثير من العبادات: فكثير من العبادات التي نقوم بها كانت معروفة عند الرسل وأتباعهم، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج([232]).
المطلب الثاني: مواضع الاختلاف بين الكتب السماوية
تختلف الكتب السماوية في الشرائع، فشريعة عيسى تخالف شريعة موسى _عليهما السلام_ في بعض الأمور، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم تخالف شريعة موسى وعيسى _عليهما السلام_ في أمور.
قال _تعالى_:[لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ](المائدة: 48).
وليس معنى ذلك أن الشرائع تختلف اختلافاً كلياً؛ فالناظر في الشرائع يجد أنها متفقة في المسائل الأساسية، وقد مر بنا شيء من ذلك، فالاختلاف بينها إنما يكون في التفاصيل.
فعدد الصلوات، وأركانها، وشروطها، ومقادير الزكاة، ومواضع النسك، ونحو ذلك_قد تختلف من شريعة إلى شريعة، وقد يُحِل الله أمراً في شريعة لحكمة، ويحرمه في شريعة أخرى؛ لحكمة يعلمها_عز وجل_ولا يلزم أن نعلمها، ومن الأمثلة على ذلك مايلي:
1_ الصوم: فقد كان الصائم يفطر في غروب الشمس، ويباح له الطعام، والشراب، والنكاح إلى طلوع الفجر ما لم ينم، فإن نام قبل الفجر حرم عليه ذلك كله إلى غروب الشمس من اليوم الثاني، فخفف الله عن هذه الأمة، وأحله من الغروب إلى الفجر، سواء نام أو لم ينم، قال _تعالى_: [أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ] (البقرة: 187).
2_ ستر العورة حال الاغتسال: لم يكن واجباً عند بني إسرائيل، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: ( كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده ) ([233]).
3_ الأمور المحرمة: فمما أحله الله لآدم تزويج بناته من بنيه، ثم حرم الله هذا بعد ذلك.
وكان التسري على الزوجة مباحاً في شريعة إبراهيم، وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرى بها على سارة.
وقد حرَّم الله مثل هذا على بني إسرائيل في التوراة.
وكذلك الجمع بين الأختين كان سائغاً، وقد فعله يعقوب فتزوج بابنتي خاله: ليَّا، وراحيل؛ وهما أختان، ثم حُرِّمَ عليهم في التوراة.
ومما حرَّمه الله على اليهود ما قصه علينا في سورة الأنعام، قال _تعالى_: [وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ] (الأنعام: 146).
ثم جاء عيسى _عليه السلام_فأحل لبني إسرائيل بعض ما حرم عليهم.
وجاءت الشريعة الخاتمة، لتكون القاعدة: إحلال الطيبات وتحريم الخبائث.
ومما تميزت به الشريعة الخاتمة أنها عامة لجميع الناس إلى قيام الساعة، بخلاف الشرائع الأخرى، فهي خاصة بقوم دون قوم، أو فترة دون فترة([234]).
المبحث الثالث: القرآن والتوراة والإنجيل
القرآن والتوراة والإنجيل هي أعظم الكتب السماوية.
أولاً: القرآن الكريم
القرآن آخر الكتب السماوية وهو خاتمها، وهو أطولها، وأشملها، وهو الحاكم عليها.
هذا وقد مرَّ الحديث عن القرآن الكريم عند الكلام على مصادر التشريع الإسلامي.
وسيأتي الكلام عليه _أيضاً_ عند الحديث عن الإعجاز في القرآن في الباب الثامن، وهو: الدلائل على حقيقة الإسلام.
ثانياً: التوراة
1_ معنى كلمة التوراة: التوراة كلمة عبرانية تعني الشريعة، أو الناموس، أو الهدي([235]).
والتوراة _في الأصل_ وعند المسلمين اسم للكتاب المنزل على موسى _عليه السلام_.
والتوراة كتاب عظيم اشتمل على النور والهداية كما قال _تعالى_: [إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ] (المائدة: 44).
وقال _تعالى_: [ثُمَّ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ] (الأنعام: 154).
وكثيراً ما يَقْرِنُ الله _عز وجل_ في القرآن بين التوراة والقرآن؛ وذلك لأنهما أفضل كتابين أنزلهما الله على خلقه.
هذه باختصار هي حقيقة التوراة التي أنزلت على موسى _عليه السلام_([236]).
2_ التوراة الموجودة اليوم:
أما التوراة الموجودة اليوم وفي اصطلاح اليهود فهي ما يطلق على الشريعة المكتوبة التي يعتقد اليهود أن موسى _عليه السلام_ كتبها بيده.
ويسمونها: (بنتاتوك) نسبة إلى: (بنتا) وهي كلمة يونانية تعني خمسة أسفار، وهذه الأسفار هي:
الأول: سفر التكوين: ويتحدث هذا السفر عن خلق العالم، وظهور الإنسان، وطوفان نوح، وولادة إبراهيم إلى موت يوسف _عليه الصلاة والسلام_.
الثاني: سفر الخروج: ويتحدث عن حياة بني إسرائيل في مصر، منذ موت يوسف _عليه السلام_ إلى حين خروجهم من مصر إلى أرض كنعان مع موسى ويوشع بن نون، وما حدث لهم بعد الخروج.
الثالث: سفر اللاويين: نسبة إلى لاوي بن يعقوب، وفي هذا السفر حديث عن الطهارة، والنجاسة، وتقديم الذبائح، والنذر، وتعظيم هارون وبنيه.
الرابع: سفر العدد: وهو يحصي قبائل بني إسرائيل منذ يعقوب، وأفرادَهم ومواشيهم.
الخامس: سفر التثنية: ويعني تكرير الشريعة، وإعادة الأوامر والنواهي عليهم مرة أخرى.
وينتهي هذا السِّفر بموت موسى _عليه السلام_([237]).
وقد يطلق النصارى اسم التوراة على جميع أسفار العهد القديم([238]).
أما الكتب الملحقة بالتوراة فهي أربعة وثلاثون سفراً حسب النسخة البروتستانتية فيكون مجموعها مع التوراة تسعة وثلاثين سفراً، وهي التي تسمى العهد القديم لدى النصارى ويمكن تقسيمها إلى خمسة أقسام:
أولاً: الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى _عليه السلام_.
ثانياً: الأسفار التاريخية وهي ثلاثة عشر سفراً: 1_ يشوع. 2_ القضاة. 3_ راعوث. 4_ صموئيل الأول. 5_ صموئيل الثاني. 6_ الملوك الأول. 7_ الملوك الثاني. 8_ أخبار الأيام الأول. 9_ أخبار الأيام الثاني. 10_ عزرا. 11_ نحميا. 12_ إستير. 13_ يونان _يونس عليه السلام_.
وهذه الأسفار تحكي قصة بني إسرائيل من بعد موسى _عليه السلام_ إلى ما بعد العودة من السبي البابلي إلى فلسطين، وإقامتهم للهيكل مرة أخرى بعد تدميره، ماعدا سفري أخبار الأيام الأول والثاني؛ فإنها تعيد قصة بني إسرائيل وتبتدئ بذكر مواليد آدم على سبيل الاختصار إلى السنة الأولى لمِلِك الفرس قورش.
وكذلك سفر يونان (يونس _عليه السلام_) يحكي قصته مع أهل نينوى([239]) الذين أرسل إليهم.
ثالثاً: أسفار الأنبياء وهي خمسة عشر سفراً: 1_ أشعيا. 2_ إرميا. 3_ حزقيال. 4_ دانيال. 5_ هوشع. 6_ يوثيل. 7_ عاموس. 8_ عوبديا. 9_ ميخا. 10_ ناحوم. 11_ حبقوق. 12_ صفنيا. 13_ حجى. 14_ زكريا. 15_ ملاخى([240]).
وهذه الأسفار يغلب عليها طابع الرؤى، والتنبؤات بما سيكون من حال بني إسرائيل، وحال الناس معهم، وفيها تهديدات لبني إسرائيل، ووعود بالعودة والنصر.
والذين نسبت إليهم هذه الأسفار هم ممن كانوا زمن السبي إلى بابل وبعده.
رابعاً: أسفار الحكمة والشعر (الأسفار الأدبية) وهي خمسة أسفار: 1_ أيوب. 2_ الأمثال. 3_ الجامعة. 4_ نشيد الإنشاد. 5_ مراثي إرميا.
خامساً: سفر الابتهالات والأدعية سفر واحد، وهو سفر المزامير المنسوب إلى داود _عليه السلام_ ([241]).
هذه أسفار النسخة العبرانية المعتمدة لدى اليهود والبروتستانت من النصارى.
أما النصارى الكاثوليك، والأرثوذكس فيعتمدون النسخة اليونانية، وهي تزيد على العبرانية بسبعة أسفار هي: سفر طوبيا، ويهوديت، والحكمة، ويشوع بن سيراخ، وباروخ، والمكابيين الأول والمكابيين الثاني([242]).
3_ التلمود: هو أحد مصادر اليهود، ويعني تعليم ديانة اليهود، وآدابها.
ويتكون من جزئين: أ. متن: ويسمى (المشناة) بمعنى المعرفة، أو الشريعة المكررة.
ب. شرح: ويسمى (جماراً) ومعناه الإكمال.
وكان التلمود هو القانون أو الشريعة الشفهية التي كان يتناقلها الحاخامات الفريسيون من اليهود سراً جيلاً بعد جيل.
ثم إنهم لخوفهم عليها من الضياع دوَّنوها، وكان ذلك في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وأطلق عليها اسم (المشناة).
ثم شرحت هذه المشناة، وسمي الشرح (جماراً).
وألفت هذه الشروح في فترة طويلة، امتدت من القرن الثاني بعد الميلاد إلى أواخر القرن السادس بعد الميلاد.
وتعاقب على الشرح حاخامات بابل، وحاخامات فلسطين، ثم سمي المتن وهو المشناة مع الشرح وهي جمارا: التلمود.
وما كان عليه تعليقات وشروح حاخامات بابل سمي: ( تلمود بابل ) .
وماكان عليه شروح حاخامات فلسطين سمي: ( تلمود فلسطين ) .
والتلمود يقدسه، ويعظمه اليهود الفرنسيون، وباقي الفرق تنكره([243]).
وله أثرٌ كبيرٌ في نفسية اليهود.
4_ تحريف التوراة:
كل عاقل منصف _فضلاً عن المسلم المؤمن_ يعلم براءة التوراة التي أنزلها الله على موسى _عليه السلام_ من أكثر ما هو موجود في الكتب الموجودة في أيدي اليهود، وذلك لأمور عديدة منها:
أ_ ما حصل للتوراة من الضياع والنسخ والتحريف والتدمير، فلقد حُرِّف فيها، وبُدِّل، وضاعت، وتعرضت لسبع تدميرات، منذ عهد سليمان _ عليه السلام _ (945) قبل الميلاد إلى أن حصل التدمير السابع عام 613م مما يدل على ضياعها وانقطاع سندها.
ب_ ما تشتمل عليه من عقائد باطلة لا تَمُتُّ إلى ما جاء به المرسلون بأدنى صلة.
ج_ اشتمالها على تنقص الرب _جل وعلا_ وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم: ( إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب ) .
ومن ذلك قولهم: ( إن الله ندم على خلق البشر لما رأى من معاصيهم، وأنه بكى حتى رمد فعادته الملائكة ) .
تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
د_ اشتمالها على سب الأنبياء والطعن فيهم، ومن ذلك قولهم: ( إن نبي الله هارون صنع عجلاً، وعبده مع بني إسرائيل ) .
وقولهم: ( إن لوطاً شرب خمراً حتى سكر، ثم قام على ابنتيه فزنى بهما الواحدة تلو الأخرى ) .
وقولهم: ( إن سليمان _عليه السلام_ ارتد في آخر عمره، وعَبَدَ الأصنام، وبنى لها المعابد، إلى غير ذلك من تلك المخازي التي ينزه عنها الأنبياء _عليهم السلام_ ) ([244]).
هـ _ اشتمالها على المغالطات والمستحيلات والمتناقضات([245]).
و_ أن المعركة التي قامت بين التوراة وحقائق العلم الحديث أثبتت ما في التوراة من الأخطاء العلمية.
ومن تلك الكتب التي تكلمت على هذا الموضوع كتابان هما: (أصل الإنسان) و(التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) لعالم فرنسي اسمه (موريس بوكاي) حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه، بل سجل شهادات تفوق سبق القرآنُ فيها العلمَ بألف وأربعمائة عام([246]).
ثالثاً: الإنجيل
1_ الإنجيل في الأصل: الإنجيل كلمة يونانية تعني الخبر الطيب _البشارة_([247]).
والإنجيل عند المسلمين: هو الكتاب العظيم الذي أنزله الله على عيسى _عليه السلام_ متمماً للتوراة، ومؤيداً لها، وموافقاً لها في أكثر الأمور الشرعية، يهدي إلى الصراط المستقيم، ويبين الحق من الباطل، ويدعو إلى عبادة الله وحده دون من سواه.
هذا هو الإنجيل الذي أنزل على عيسى _عليه السلام_.
وبعد رفع عيسى _عليه السلام_ دخل التحريف الإنجيل فَغُيِّر فيه، وبدِّل، وزيد فيه، ونقص([248]).
2_ الإنجيل بعد عيسى _عليه السلام_:
الكتاب المقدس لدى النصارى يشمل التوراة، والكتب الملحقة بها، والأناجيل، ورسائل الرسل.
وتسمى التوراةُ، والكتب الملحقة بها العهدَ القديم، وتسمى الأناجيلُ، ورسائلُ الرسلِ العهدَ الجديد.
والنصارى يقدِّسون كلاً من العهد القديم والعهد الجديد، ويضمونهما معاً في كتاب واحد يطلقون عليه اسم: الكتاب المقدس.
والعهد القديم بالنسبة للنصارى منسوخ حكماً؛ فلا يعملون بشيء من تشريعاته؛ حيث ألغى العمل به بولس، غير أنهم يعتقدون قداسة العهد القديم، ويستفيدون منه معارفهم الدينية، مثل المعلومات المتعلقة بخلق السماوات والأرض، وخلق آدم، وقصص الأنبياء، كما يقتبسون منه كثيراً من الأدعية في صلواتهم، وخاصة المزامير، التي تتضمن كثيراً من الأدعية والابتهالات([249]).
فالعهد الجديد _إذاً_ هو الذي يشتمل على أناجيلهم، والرسائل الملحقة بها، وتتضمن حسب المدوّن فيها: دعوة المسيح _عليه السلام_، وتاريخه، وشيئاً من دعوة أوائل النصارى، وتاريخهم، ورسائل دينية أخرى، وهي على الترتيب1. إنجيل متى.2. إنجيل مرقص.3. إنجيل لوقا. 4. إنجيل يوحنا. 5. أعمال الرسل. 6. رسالة بولس إلى أهل روميه. 7. رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس. 8. رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس. 9. رسالة بولس إلى غلاطيه. 10. رسالة بولس إلى أفسس. 11. رسالة بولس إلى أهل فيلبي. 12. رسالة بولس إلى أهل كولوسي. 13. رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي. 14. رسالة بولس الثانية إلى أهل تسالونيكي. 15. رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس. 16. رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس. 17. رسالة بولس إلى تيطس. 18. رسالة بولس إلى فليمون. 19. الرسالة إلى العبرانيين. 20. رسالة يعقوب. 21. رسالة بطرس الأولى. 22. رسالة بطرس الثانية. 23. رسالة يوحنا الأولى. 24. رسالة يوحنا الثانية. 25. رسالة يوحنا الثالثة. 26. رسالة يهوذا. 27. رؤيا يوحنا اللاهوتي([250]).
3_ الأناجيل المعتبرة عند النصارى: أ. إنجيل متى: وهو أحد التلاميذ الاثني عشر, وقد دون الإنجيل باللغة العبرية أو بالسريانية.
وآخر نسخة عُثر عليها كانت باللغة اليونانية كما أن هناك خلافاً حول مَنْ دَوَّن الإنجيل ومَنْ ترجمه ([251]).
2_ إنجيل مَرْقَص: وكاتبه يوحنا، ويلقب بمرقص، ولم يكن من الحواريين الاثني عشر الذين تتلمذوا للمسيح، واختصهم بالزلفى إليه.
وأصله من اليهود، وكانت أسرته بأورشليم في وقت ظهور المسيح، وهو من أوائل الذين أجابوا دعوته؛ فاختارهم من بين السبعين الذين نزل عليهم روح القدس في اعتقادهم بعد رفعه ([252]).
وكان رجلاً نشيطاً في نشر النصرانية في أنطاكية، وشمال أفريقيا، ومصر، وروما, وقد قتل حوالي عام 62م([253]).
3_ إنجيل لوقا: يقولون: إن لوقا ولد في أنطاكية ودرس الطب، ونجح في ممارسته، ولقد رافق بولس في أسفاره وأعماله([254]).
4_ إنجيل يوحنا: وهو حواريٌّ كان المسيح يحبه، وبعضهم يقول: إنه شخصية مجهولة انفرد بالقول بالتثليث، وبألوهية المسيح في الوقت المبكر من تاريخ النصرانية([255]).
بيَّن كثير من العلماء المسلمين قديماً وحديثاً ومن علماء النصارى الذين دخلوا في
4_ مآخذ على الأناجيل الموجودة اليوم:
بيَّن كثير من العلماء المسلمين قديماً وحديثاً ومن علماء النصارى الذين دخلوا في الإسلام، أو المتحررين منهم من ربقة التقليد _ مآخذ كثيرة على هذه الأناجيل الموجودة في أيدي النصارى، ووجهوا إليها انتقادات كثيرة، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وابن القيم في كتابه: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.
ومن العلماء المُحْدَثين الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه: إظهار الحق، والشيخ محمد أبو زهرة في كتابه: محاضرات في النصرانية، ومن علماء النصارى الذين أسلموا الشيخ زيادة بن يحيى الراسي في كتابه البحث الصريح في إيِّما هو الدين الصحيح، والشيخ إبراهيم خليل أحمد كما في كتابه: محاضرات في مقارنة الأديان.
وفيما يلي إجمال لبعض المآخذ على الأناجيل الموجودة بأيدي النصارى اليوم:
أ_ أن أوائل النصارى _كما ذكره بولس في رسائله_ يرون أن الله أنزل كتاباً على المسيح سماه الإنجيل، ودعى المسيحُ _عليه السلام_ إلى الإيمان به.
ولكن النصارى لا يعرفون شيئاً عن مصير ذلك الكتاب.
ب_ أن هذه الأناجيل التي بأيدي النصارى لم يُمْلِها عيسى _عليه السلام_ ولم تنزل عليه وحياً، ولكنها كتبت بعده.
ج_ ما وقع في الأناجيل من تلاعب النساخ، وتبديلهم، وتحريفهم.
د_ ما تشتمل عليه تلك الأناجيل من المتناقضات، والاختلافات، وقد أحصى الشيخ رحمة الله الهندي _في آخر كتابه إظهار الحق_ أكثر من مائة اختلاف بين هذه الأناجيل([256]).
هـ. أن النصارى لا يعرفون بالضبط تاريخ إعطاء هذه الكتب صفة الإلزام والقداسة.
وإنما يرون أنه خلال القرن الرابع الميلادي أخذت كتبهم صفة القداسة تدريجياً.
و _ انقطاع السند في نسبتها لكتابها؛ فالنصارى لا يملكون السند لكتبهم، ولا يعرفون مصدرها الحقيقي؛ فهي لا تعدو أن تكون كتباً وجدوها منحولة إلى أولئك الذين نسبت إليهم، فنسبوها إليهم، واعتقدوا صحة ذلك بدون دليل.
وهذا أمر لا يعطي النفس البشرية القناعة المناسبة لما تُراد له هذه الكتب في الأصل من تجنب سخط الله، وبلوغ رضوانه.
ز _ اشتمالها على تنقص الرب _جل وعلا_ وعلى نسبة القبائح للأنبياء _عليهم السلام_.
ح _ اشتمالها على العقائد الباطلة المخالفة للنقل والعقل.
ط _ تعارضها مع الحقائق العلمية، كما أثبت ذلك عدد من العلماء؛ منهم موريس بوكاي وقد مرَّ الكلام عليه قريباً([257]).
ي_ أن تلك الأناجيل _وبغض النظر عن كونها محرفة_ تخلو من أي تصور محدد لنظام سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو علمي([258]).
وبالجملة فإن الأناجيل الموجودة اليوم ليست هي الإنجيلَ الذي أُنزل على عيسى _عليه السلام_ وإنما هي خليط من ديانات ووثنيات هندية، ويونانية، ومصرية قديمة.
وهي _كذلك_ صورة لما صنعه بولس شاؤل الذي غيَّر دين النصارى.
ولا يعني أن تلك الأناجيل تخلو من بعض الحق، ومن كلمات للمسيح، وإن كان ذلك لا يثبت في ميزان النقد العلمي، وإنما يُقال ذلك لأن ما في القرآن يؤيده، ويصدقه([259]).
رابعاً: هل يجوز لأحد اتباع التوراة أو الإنجيل بعد نزول القرآن؟
لا يجوز لأحد ذلك؛ للاعتبارات السابقة، ولأنها _وعلى فرض صحتها_ كانت خاصة لأمة معينة، ولفترة محددة، ولأنها نسخت بالقرآن الكريم.
ومن هنا يتبين بطلان وعدم جواز العمل بهذه الكتب إلا ما أقره القرآن، ويتبين لنا ضلال اليهود والنصارى وبطلان مزاعمهم، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) ([260]).
الفصل الرابع
الإيمان بالرسل
المبحث الأول: مفهوم النبوة والرسالة
أولاً: تعريف النبوة والرسالة في اللغة
أ_ تعريف النبوة في اللغة: النبوة في اللغة لها ثلاثة اشتقاقات؛ فهي إما مأخوذة من النبأ وهو: الخبر الذي له خطب وشأن؛ فتكون النبوة بمعنى الإخبار.
وإما أن تكون مأخوذة من النباوة، أو النَّبْوَة وكلاهما يدل على الارتفاع؛ فتكون بمعنى الرفعة والعلو.
وإما أن تكون مأخوذة من النَّبي، وهو بمعنى الطريق؛ فتكون النبوة بمعنى الطريق إلى الله _عز وجل_.([261])
والحقيقة أن النبوة الشرعية تشمل كل هذه المعاني؛ إذ النبوة إخبار عن الله _عز وجل_ وهي رفعة لصاحبها؛ لما فيها من التشريف والتكريم، وهي الطريق الموصلة إلى الله _سبحانه_.
ومع ذلك فإن أولى هذه المعاني بلفظ النبوة والنبيِّ هو اشتقاقها من النبأ؛ لأن النبي مُنَبَّأٌ من الله، وهو كذلك ينبئ الناس عن الله، وتتحقق نبوته بمجرد ذلك، وبهذا التحقق تثبت له أوصاف العلو والارتفاع، وكونه طريقاً إلى معرفة الله _عز وجل_.
ونرى مصداق ذلك ما يتردد في القرآن من إطلاق النبأ على الخبر، فمثلاً يقول الله _سبحانه وتعالى_: [نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ] (الحجر:49).
ويقول حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:[نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ] التحريم:3.
وغير ذلك عشرات الآيات كلها تَذْكُر الإنباء بمعنى الإخبار.
ولعل ذلك يؤكد لنا أن النبوة مشتقة من النبأ، وهو الإخبار؛ فيكون معنى النبي: هو المُخْبَرُ من الله، أو المُخْبِرُ عن الله _جلَّ وعلا_.([262])
ب_ تعريف الرسالة في اللغة: أصل هذه المادة: الراء والسين واللام (رسل).
والرسول مأخوذ من الإرسال، وهو التوجيه، أو من التتابع؛ أخذاً من قولهم رسل اللبن: إذا تتابع دره؛ فالرسول _إذاً_ إما أن يكون مأخوذاً من كونه يوجِّه الناس، أو من كون الوحي يتتابع عليه([263]).
فهذا هو المعنى اللغوي للنبي الرسول.
ثانياً: تعريف النبوة والرسالة في الشرع
يمكن تعريف النبوة والرسالة في الشرع بأن يقال: هي صفةٌ تَحْدُثُ في الشخص بعد أن يصطفيه الله _عز وجل_ فيخبره بخبر السماء، ويأمره بتبليغه.
فالنبوة والرسالة تتحقق بمجرد اصطفاء الله للشخص بالوحي بغض النظر عما يدور من الخلاف حول الفرق بين النبي والرسول، والنسبة بينهما([264]) على ما سيأتي بيانه في الفقرة التالية.
ثالثاً: الفرق بين النبي والرسول
للعلماء في تحديد الفرق بين النبي والرسول، وتحديد مسمى كل منهما كلام كثير لا يسلم من نقد، لكن الأمر الراجح عند كثير من أهل العلم أن هناك فرقاً بين مسمى النبي، ومسمى الرسول، وإن اختلفوا في تحديد المراد بكل منهما.
وأيضاً فإن النبوة أعم من الرسالة؛ فكل رسول نبي، وليس كلُّ نبيٍّ رسولاً.
والذي يظهر _والله أعلم_ أن النبي: هو من نَبَّأَه الله بشرع سابق ينذر به أهل ذلك الشرع، وقد يؤمر بتبليغ بعض الأوامر في قضية معينة، أو الوصايا والمواعظ وذلك كأنبياء بني إسرائيل؛ إذ كانوا على شريعة التوراة، ولم يأتِ أحد منهم بشرع جديد ناسخ للتوراة، فتكون منزلته حينئذ بمنزلة المجدد لتعاليم الرسل السابقين.
أما الرسول فهو من بعثه الله بشرع وأمره بتبليغه إلى من خالفوا أوامره، سواء كان هذا الشرع جديداً في نفسه، أو بالنسبة لمن بعث إليهم، وربما أتى بنسخ بعض أحكام شريعة من قبله([265]).
رابعاً: دلائل النبوة
النبوة من أعظم الدعاوى، ولا يدَّعيها إلا أكذب الناس، أو أصدقهم.
والنبوة تثبت بدلائل كثيرة أعظمها الآيات التي تسمى بالمعجزات، وتثبت بالأعمال العظيمة، والأخلاق الفاضلة، والسير الحميدة.
فمن ادعى النبوة، وأيده الله بالمعجزات، واشتهر بالصدق، والأمانة، والأخلاق الفاضلة، والسيرة الحميدة _ فهو نبي موحى إليه، مؤيد من الله.
وإن كان بخلاف ذلك فهو كاذب دجال مدَّعٍ للنبوة، ولا بد أن يفضحه الله _عز وجل_.
هذا وسيأتي مزيد بيان لدلائل النبوة في الباب الثامن عند الحديث عن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم .
المبحث الثاني: حقيقة الأنبياء والرسل، وعصمتهم، وثمرات الإيمان بهم
أولاً: حقيقة الأنبياء والرسل
الأنبياء والرسل بشر مخلوقون يوحى إليهم، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء.
وتلحقهم خصائص البشرية من المرض، والنوم، والموت، والحاجة إلى الطعام والشراب، وغير ذلك.
وقد وصفهم الله _تعالى_ بالعبودية له في أعلى مقاماتها، وفي سياق الثناء عليهم فقال _تعالى_ في نوح _عليه السلام_: [إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا] (الإسراء:3).
وقال في محمد صلى الله عليه وسلم : [تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا] الفرقان: 1 .
وقال في إبراهيم وإسحاق ويعقوب:[أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٥ إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ ٤٦ وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَيۡنَ ٱلۡأَخۡيَارِ] ص.
وقال في عيسى بن مريم _عليه السلام_: [إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ] الزخرف: 59 .([266])
والرسالة اصطفاء من الله لا تأتي بالاكتساب، والمجاهدة.
والرسل خير البشر، وصفوتهم، وخلاصتهم.
ثانياً: عصمة الأنبياء والرسل
اتفقت الأمة على أن الأنبياء والرسل معصومون في تحمُّل الرسالة، وفيما يبلغون به عن ربهم _جل وعلا_.
فلا يُنْقِصُوْنَ شيئاً مما أوحاه الله إليهم، ولا ينسون شيئاً من ذلك إلا ما كان قد نسخ.
وقد تكفل الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يقرئه فلا ينسى شيئاً مما أوحى إليه إلا شيئاً أراد الله أن ينسيه إياه، قال _عز وجل_: [سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ ٦ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ] الأعلى.
والرسل _كذلك_ معصومون في التبليغ؛ فلا يكتمون شيئاً من الوحي، ذلك أن الكتمان خيانة، والرسل يستحيل ذلك في حقهم، قال _تعالى_: [وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ ٤٤ لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ] الحاقة.
أما الأعراض الجِبِلِّيَّة البشرية فلا تنافي العصمة؛ فإبراهيم _عليه السلام_ أوجس في نفسه خيفة عندما رأى أيدي ضيفه لا تمتد إلى الطعام الذي قدمه لهم، ولم يكن يعلم أنهم ملائكة.
وموسى _عليه السلام_ غضب غضباً شديداً، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وألقى الألواح وفي نسختها هدى _ عندما عاد إلى قومه بعد أن تم ميقات ربه، فوجدهم يعبدون العجل.
ومن ذلك نسيان الرسول صلى الله عليه وسلم في غير البلاغ، وفي غير أمور التشريع؛ كما في حديث ذي اليدين عندما سها _عليه الصلاة والسلام_ في الصلاة([267]).
بل قد صرح _عليه الصلاة والسلام_ بطروء النسيان عليه كعادة البشر فقال: ( إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني ) ([268]).
والأنبياء قد يخطئون في إصابة الحق في القضاء، وقد تقع منهم الصغائر، ولكنهم لا يقرون على ذلك، ويوفقون للأوبة وتدارك الخطأ؛ بمعنى أن الله _عز وجل_ لا يقرهم على الذنب والخطأ، بل يوحي إليهم بالصواب، ويوفقهم للتوبة بعد الذنب؛ فتكون حالهم بعد ذلك أكمل منها قبلها.
أما القبائح وكبائر الذنوب فهم معصومون منها باتفاق الأمة.
فهذا هو خلاصة القول في مسألة عصمة الأنبياء، وهناك تفصيلات ليس هذا مجال بسطها([269]).
ثالثاً: ما يتضمنه الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من الله _تعالى_ فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بهم جميعاً كما قال الله _تعالى_: [كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ].
فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذبوه.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل محمد وإبراهيم وموسى ونوح وعيسى _عليهم الصلاة والسلام_.
وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالاً قال الله _تعالى_: [وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ] (غافر: 78).
الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبار.
الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس قال الله _تعالى_: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا] النساء: 65([270]).
رابعاً: ثمرات الإيمان بالأنبياء والرسل
الإيمان بالأنبياء والرسل يثمر ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم برحمة الله _تعالى_ وعنايته بعباده؛ حيث أرسل إليهم الرسل؛ ليهدوهم إلى صراط الله _تعالى_ ويبينوا لهم كيف يعبدون الله؛ لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك.
الثانية: شكره _تعالى_ على هذه النعمة الكبرى.
الثالثة: محبة الرسل _عليهم الصلاة والسلام_ وتعظيمهم، والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم رسل الله _تعالى_ ولأنهم قاموا بعبادته وتبليغ رسالته والنصح لعباده([271]).
المبحث الثالث: عقيدة ختم النبوة، وما يتعلق بها
أولاً: مفهوم عقيدة ختم النبوة
المقصود بختم النبوة: انتهاء إنباءِ اللهِ الناسَ، وانقطاع وحي السماء([272]).
ومعنى ذلك اعتقاد أن النبواتِ قد ختمت بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن وحي السماء انقطع بموته _عليه الصلاة والسلام_ وأن ذلك من صميم عقيدة المسلمين، وأن من ادعى خلاف ذلك فهو كافر بالله مكذب لنبيه صلى الله عليه وسلم .
وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
وقد وردت الأدلة من القرآن الكريم على عقيدة ختم النبوة بصور عدة، منها:
أ_ التصريح بالختم، قال _تعالى_: [مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۧنَۗ] (الأحزاب:40).
ففي هذه الآية الكريمة تصريح بخاتمية محمد صلى الله عليه وسلم للأنبياء قبله، فلا نبي بعده ولا رسول.
وهذا هو ما فهمه المفسرون لكتاب الله _تعالى_ من عصر صدر الإسلام إلى يومنا هذا([273]).
ب_ تقرير تلك العقيدة بطريق الاستلزام العقلي: وذلك في عدد من الآيات، كالآيات الدالة على عموم رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كقوله _تعالى_: [قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا] (الأعراف:158).
وكالآيات الدالة على تعهد الله _عز وجل_ بحفظ كتابه.
وكالآيات التي تقرر حجية القرآن على كلِّ مَنْ بَلَغ [وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ] (الأنعام:19).
وكالآيات التي تطالب الناس بالإيمان بالرسل السابقين، والكتب السماوية السابقة فحسب، دون أن تطالبهم بالإيمان بغيرهم([274]).
أما دلالة السنة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مهتماً بتقرير عقيدة ختم النبوة، وتأكيدها، بحيث إنه قد قررها بمختلف الأساليب البيانية، وفي سائر المناسبات الخاصة والعامة، ولم يترك شبهة يمكن أن تغبِّش صورتها إلا وأزالها حتى تركها واضحة جلية.
والمتتبع لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أنها قد أَكَّدَت خَتميةَ النبوة بعبارات متنوعة يصل بعضها إلى حد التواتر.
وهي في جملتها متواترة تواتراً قطعياً لا يُبْقِي مجالاً للشك أو التردد في كون النبي صلى الله عليه وسلم خاتَمَ الأنبياء([275]).
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإنه سيكون من أمتي كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ) ([276]).
ثانياً: مفهوم المعجزة، والكرامة، والأحوال الشيطانية
المعجزة: أمر خارق للعادة يجريه الله على يد نبي من أنبيائه، تأييداً له، وتصديقاً.
وتسمى المعجزة: الآية.
ومعنى الأمر الخارق للعادة: هو ما يكون على خلاف مألوف الآدميين، وما كان خارجاً عن طاقتهم.
والكرامة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد ولي من أوليائه؛ معونة له على أمر ديني أو دنيوي.
وتكون على يد المؤمن الولي التقي المُتَّبِع للشرع.
وهي _في الحقيقة_ معجزة لنبيه؛ لأنها لم تقع إلا بسبب اتباعه له.
والأحوال الشيطانية: أمور خارقة للعادة تجري على يد مُعْرِض عن الشرع، صادٍّ عن الحق؛ متلبس بالمعاصي؛ فذلك من الأحوال التي تَصُدُّ بها الشياطينُ الناسَ عن اتباع الحق، كدخولها في الأصنام، وتكليم عابديها، أو الحكم بينهم، أو قضاء بعض حوائجهم، وقد ترفع بعض الضُّلاَّل في الهواء ثم تعيده، أو تنقله من بلد بعيد وهكذا.
وهذه الثلاثة _المعجزة، والكرامة، والأحوال الشيطانية_ تجتمع في كونها خارقةً للعادة، وتنفرد المعجزة بكونها واقعة على يد نبي؛ فيؤيده الله ويظهره، وتنفرد الكرامة بكونها على يد وليٍّ متبع، وتنفرد الأحوال الشيطانية بكونها واقعة على يدِ دَعيٍّ مخالف ضال([277]).
ثالثاً: ادعاء النبوة
ظهرت في العصور الإسلامية الأولى وفي العصر الحديث حركات التنبؤ التي يدعي أصحابها أنهم أنبياء، وقامت تلك الحركات مدفوعة بأسباب كثيرة يأتي على رأسها: الجهل، والعصبية القبلية، والعصبية الشعوبية، والحقد اليهودي والصليبي.
ومن أشهر المتنبئين في عصر صدر الإسلام: الأسود العنسي، وطليحة بن خويلد، ومسيلمة، وسجاح التغلبية.
وأشهرهم في العصرين الأموي والعباسي: المختار بن عبيد، والحارث بن سعيد، وبيان بن سمعان، والمغيرة العجلي، وأبو الخطاب الأسدي، وعلي بن الفضل الحميري.
أما في العصر الحديث فقد ادعى النبوة كثيرون، وأشهر هؤلاء محمد بن علي الشيرازي زعيم الدعوة البابية، وحسين بن علي المازندراني زعيم الدعوة البهائية، وأحمد القادياني زعيم الدعوة القاديانية.
والحديث عن بطلان تلك الدعاوى يطول، والمجال لا يتسع لذلك، بل إن فسادها يغني عن إفسادها([278]).
رابعاً: خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
اخْتُصَّ نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بخصائص كثيرة، والمجال لا يتسع لإحصائها، ومنها على سبيل الإجمال ما يلي:
1_ عموم رسالته صلى الله عليه وسلم : يقول الله _عز وجل_: [قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا] (الأعراف:158).
فهذه الآية الكريمة تدل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً، وهذه هي إحدى الخصائص التي انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء قبله؛ إذ كان النبي إنما بعث إلى قومه خاصة، ثم يبقى غيرهم محتاجاً إلى من يبلغه أمر الله _عز وجل_.
ولئلا يُتَوَهَّمَ هذا في رسولنا _عليه الصلاة والسلام_ بيَّن الله _سبحانه وتعالى_ عموم رسالته إلى الناس جميعاً([279]).
وقال _عليه الصلاة والسلام_: ( وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس كافة ) ([280]).
2_ أن الله _عز وجل_ تكفل بإظهار دينه على جميع الأديان: قال الله _عز وجل_: [هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ] التوبة : 33 .
3_ أن الله _عز وجل_ تكفل بحفظ الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم : قال _تبارك وتعالى_: [إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ] الحجر: 9 .
4_ أن دينه _عليه الصلاة والسلام_ كامل صالح لكل زمان ومكان وأمة: قال الله _عز وجل_: [ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ...] (المائدة:3).
5_ أنه _عليه الصلاة والسلام_ نصر بالرعب مسيرة شهر، وأحلت له الغنائم، وجعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجل من أمته أدركته الصلاة فليصل، كما صح بذلك الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ([281]).
6_ ما أظهر الله على يديه من المعجزات الكثيرة المتنوعة.
7_ أنه أكثر الناس تابعاً يوم القيامة.
8_ أنه يشفع للخلائق الشفاعة الكبرى يوم القيامة إذا تخلى الأنبياء عن ذلك.
9_ أنه أول من يستفتح باب الجنة، وأن أمته أول الأمم دخولاً للجنة.
إلى غير ذلك مما اختص به _عليه الصلاة والسلام_.
هذا وسيأتي مزيد بيان عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأبواب الآتية خصوصاً البابين الثالث والثامن.
الفصل الخامس
الإيمان باليوم الآخر
المبحث الأول: مفهوم الإيمان باليوم الآخر، وأهميته، وثمراته
أولاً: مفهوم الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر يشمل كل ما ورد في أخبار ذلك اليوم، وما يتعلق به؛ فيدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها، وبالموت وما بعده من فتنة القبر، وعذابه، ونعيمه، وبالنفخ بالصور، وخروج الخلائق من القبور، وبالجزاء، والحساب، وما في موقف القيامة من الأهوال، والأفزاع، وتفاصيل المحشر، ونشر الصحف، ووضع الموازين، وبالصراط، والقنطرة، والحوض، والشفاعة، وغيرها، وبالجنة ونعيمها، الذي أعلاه النظر إلى وجه الله ـ عز وجل ـ وبالنار وعذابها الذي أشده حجب أهلها عن ربهم _ عز وجل_([282]).
ثانياً: أهمية الإيمان باليوم الآخر
للإيمان باليوم الآخر أهمية عظمى، ومما يدل على ذلك ما يلي:
1ـ أنه أحد أركان الإيمان الستة: جاء في حديث جبريل المشهور قوله صلى الله عليه وسلم عند ما سأله جبريل ـ عليه السلام ـ عن الإيمان: ( أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ([283]).
2ـ كثرة وروده في نصوص الشرع، وكثرة ارتباطه بالإيمان بالله _تعالى_.
3_ كثرة الثناء على المؤمنين به، والذم للكافرين به: قال الله ـ تعالى ـ في وصف المؤمنين: [وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ] النمل: 3.
وقال في وصف الكافرين:[وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ] هود: 19.
4ـ كثرة أسماء اليوم الآخر: فلليوم الآخر أسماء كثيرة، والسر في ذلك عظم أمره، وكثرة هوله.
قال القرطبي رحمه الله : ( كل ما عظم شأنه تعددت صفاته، وكثرت أسماؤه، وهذا مهيع كلام العرب.
ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه، وتأكد نفعه لديهم وموقعه جمعوا له خمسمائة اسم، وله نظائر؛ فالقيامة لما عظم أمرها، وكثرت أهوالها سماها الله ـ تعالى ـ في كتابه بأسماء عديدة، ووصفها بأوصاف كثيرة ) ([284]).
ثالثاً: ثمرات الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر يثمر ثمراتٍ جليلةً، وأخلاقاً جميلة، وعبوديات متنوعة، وآثاراً حميدة تعود على الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة.
ومن ذلك ما يلي:
1ـ أداء عبادة الله ـ عز وجل ـ: فالإيمان باليوم الآخر مما تعبدنا الله _تعالى_ به.
وكمال المخلوق في تحقيقه العبودية لربه.
2ـ زيادة الإيمان: فالإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة، التي لا يصح إيمان بدونها, وكلما زادت معرفة العبد به ازداد إيمانه وقوي يقينُه، وعلت درجته.
3ـ انبعاث الرجاء والخوف: فالإيمان باليوم الآخر يحمل على فعل الطاعات؛ رجاءً لثواب ذلك اليوم، ويحمل على ترك المعاصي؛ خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
فإذا تمت معرفة الإنسان بتفاصيل ذلك، وما فيه من النعيم المقيم لأهل الطاعة، وما فيه من النكال والعذاب الأليم لأهل المعصية كان ذلك أعظم الدوافع لفعل الخير، واجتناب الشر.
4ـ العلم بفضل الله، وعدله، وحكمته: حيث يجازي من يستحق العذاب بعدله، ويجازي من يستحق الثواب بفضله.
وإنما يُعلم ذلك بمعرفة ما يكون في الآخرة من الجزاء والحساب.
5ـ الاعتدال في حال السراء والضراء: فالمؤمن يلزم الاعتدال في هذه الأحوال؛ فلا تطغيه النعمة، ولا تقنطه المصيبة؛ فإن كانت السراء أعدَّ لها الشكر، وإن كانت الضراء أعد لها الصبر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد غير المؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) ([285]) .
6ـ قيام الأخلاق الجميلة: فالإيمان باليوم الآخر يورث للإنسان أخلاقاً جميلة؛ فيورثه ـ على سبيل المثال ـ خُلُق البذل، والإنفاق؛ لعلمه بأن ما يقدمه في هذه الدنيا سيجده عند الله في الآخرة خيراً وأبقى؛ فتراه يُؤْثِر أعمال البر بجانب من ماله ولو كان به خصاصة، وتراه ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر.
7ـ تسلية المؤمن عما يفوته في هذه الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة: وبذلك لا ينزعج لحلول مكروه، أو فوات محبوب؛ لأنه يرجو العوض من الله _عز وجل_ فيدعوه ذلك إلى السلو، والراحة، وترك التسخط([286]).
وبعد أن تبين شيء من مفهوم الإيمان باليوم الآخر، وأهميته، وثمراته _ ينتقل الحديث إلى بيان ما يتعلق باليوم الآخر من أحوال القيامة بشيء من البسط.
المبحث الثاني: النفخ في الصور
أولاً: تعريـف النفخ في الصور
أ ـ تعريف النفخ في اللغة: النفخ في اللغة معروف، يقال: نفخ بفمه ينفخ نفخاً إذا أخرج منه الريح، ومنه نفخ النار، والنفخ في الشراب، وغير ذلك([287]).
ب ـ تعريف الصور: الصور في اللغة يطلق على عدة معان، ومنها القرن، وبه فسر المفسرون قوله ـ تعالـى ـ: [وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ] الكهف: 99([288]).
ج ـ النافخ في الصور: هو إسرافيل أحد الملائكة الكرام الذين يحملون العرش.
د ـ تعريف النفخ في الصور في الشرع: هو نفخ إسرافيل في القرن الذي التقمه وَوُكِلَ إليه النفخ فيه وقت قيام الساعة([289]).
ثانياً: الأدلة على النفخ في الصور
دَلَّ على النفخ في الصور الكتاب والسنة والإجماع:
أ ـ الأدلة من القرآن على النفخ: قال ـ تعالى ـ: [وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ] الزمر: 68.
ب ـ الأدلة من السنة: جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى لِيتاً([290]) ورفع ليتاً ، ثم لا يبقى أحد إلا صعق، ثم ينزل الله مطراً كأنه الطل أو الظل (شك الراوي) فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) ([291]).
ثالثاً: عدد النفخات
عدد النفخات التي ينفخ فيها إسرافيل في الصور نفختان:
أ ـ نفخة الصعق: وهي النفخة التي ينفخ فيه فيفزع الناس، ويصعقون؛ ذلك أن الله ـ عز وجل ـ إذا أذن بانقضاء هذه الدنيا أمر إسرافيل ـ عليه السلام ـ أن ينفخ في الصور فيصعق كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله، وتصبح الأرض صعيداً جرزاً، والجبال كثيباً مهيلاً، ويحدث كل ما أخبر الله في كتابه، لاسيما في سورة الانفطار والتكوير.
وتسمى هذه النفخة نفخة الصعق، ونفخة الفزع، وتسمى بالراجفة، وتسمى بالصيحة.
ب ـ نفخة البعث: وهي النفخة التي يقوم الناس فيها من الأجداث أحياءً لرب العالمين.
وتسمى هذه النفخة بالأخرى، وتسمى بالرادفة .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن النفخات ثلاث هي:
أ ـ نفخة الفزع بدون الصعق.
ب ـ نفخة الصعق.
ج ـ نفخة البعث والقيام لرب العالمين.
فمن فسر الفزع بالصعق فهما اثنتان عنده، ومن فسر الفزع بغير الصعق فهي ثلاث([292]).
المبحث الثالث: البعث
أولاً تعريف البعث
أ ـ تعريف البعث في اللغة: هو الإرسال، والنشر، والتحريك، ونحو ذلك من المعاني([293]).
ب ـ البعث في الشرع: هو المعاد الجسماني، وإحياء الأموات يوم القيامة؛ لحسابهم والقضاء بينهم([294]) .
ثانياً: أدلة ثبوت البعث
الإيمان بالبعث دل عليه الكتاب والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة السليمة، وهو مقتضى الحكمة؛ حيث تقتضي أن يجعل الله لهذه الخليقة معاداً يجازيهم فيه على ما كلَّفهم به على ألسنة رسله([295]) .
قال ـ تعالى ـ: [أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ] المؤمنون: 115.
وقال ـ عز و جل ـ: [ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ١٥ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تُبۡعَثُونَ] المؤمنون.
وقال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة غرلاً ) متفق عليه([296]).
والأدلة على البعث والنشور لا تكاد تحصى.
ثالثاً: أدلة إمكان البعث
أدلة إمكان البعث ثابتة بالكتاب والسنة والعقل والحس، وقد مر شيء من ذلك، وإليك البسط في هذه المسألة:
أ ـ دليل إمكان البعث في السمع: والمقصود بالسمع الأدلة من الكتاب والسنة.
قال ـ تعالى ـ: [زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير] التغابن: 7.
فانظر كيف أكدت الآية بمؤكدات، حيث أكدت بقوله ـ عز وجل ـ (بَلَى) وبالقسم، وباللام، وبنون التوكيد.
والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا.
ب ـ دليل إمكان البعث بالحس([297]): أما إمكان البعث بالحس فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفي سورة البقرة وحدها خمسة أمثلة على ذلك.
المثال الأول: قوم موسى ـ عليه السلام ـ حين قالوا: [لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ] (البقرة: 55) أماتهم الله ثم أحياهم.
المثال الثاني: في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل زمن موسى ـ عليه السلام ـ فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة، فيضربوه ببعضها؛ ليخبرهم بمن قتله، ففعلوا فأحياه الله وأخبرهم بمن قتله.
المثال الثالث: في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم فراراً من الموت، وهم ألوف فأماتهم الله، ثم أحياهم.
المثال الرابع: في قصة الذي مر على قرية ميتة، فاستبعد أن يحييها الله ـ تعالى ـ فأماته الله مائة عامٍ ثم أحياه.
المثال الخامس: في قصة إبراهيم الخليل_عليه السلام_حين سأل الله _تعالى_ أن يريه كيف يحي الموتى، فأمره الله أن يذبح أربعة من الطير، ويفرقهن أجزاءً على الجبال التي حوله، ثم يناديهن، فتلتئم الأجزاء بعضها إلى بعض، ويأتين إلى إبراهيم سعياً.
ج ـ دليل إمكان البعث بالعقل([298]): أما دلالة العقل على إمكان البعث فمن وجهين:
أحدهما: أن الله فاطر السموات والأرض ابتداءً، والقادر على ابتداء الخلق لا يعجز عن إعادته.
قال ـ تعالى ـ: [وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ] الروم: 27 .
وقال ـ تعالى ـ: [كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ] الأنبياء: 104.
وقال آمراً بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميم: [قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ] يس: 79.
الثاني: إحياء الأرض الميتة: فالأرض تكون ميتة هامدة ليس فيها عود أخضر، فينزل عليها المطر، فتهتز خضراء حية فيها من كل زوج بهيج.
والقادر على إحيائها بعد موتها قادر على إحياء الأموات.
قال ـ تعالى ـ:[ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ] فصلت: 39.
وقال ـ تعالى ـ: [وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ ٩ وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيدٞ ١٠ رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ] ق.
رابعاً: منزلة الإيمان بالبعث من الدين
الإيمان بالبعث داخل ضمن الإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالغيب عموماً.
ولا يخفى أهمية ذلك، وعظيم منزلته من الدين ـ كما سبق ـ ومما يدل على منزلته ما ورد فيه من النصوص الكثيرة التي مضى شيء منها.
ومما يدل على أهميتـه ـ أيضاً ـ أن الله ـ عز وجل ـ أقسم على وقوعه، وأثنى على المؤمنين به، وأخبر أنه وعد صادق، وخبر لازم، وذمَّ المكذبين بوقوعه.
خامساً: حكم إنكار البعث
إنكار البعث كُفْرٌ بالله ـ عز وجل ـ ومنكر البعث كافر بالله ـ تبارك وتعالى ـ وبرسله وبكتبه، وباليوم الآخر.
قال الله _تعالى_: [زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير] التغابن: 7 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله _تعالى_: ( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني عبدي ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني الله كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد، لم ألد، ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد ) ([299]).
المبحث الثالث: القيامة، والحساب، و الميزان، ونشر كتب الأعمال
المطلب الأول: القيامـــة
1 ـ تعريف القيامة: القيامة اسم من أسماء اليوم الآخر.
قال القرطبي رحمه الله : ( وهي في العربية مصدر قام يقوم، ودخلها التأنيث للمبالغة على عادة العرب ) ([300]).
2 ـ سبب تسميتها: اختلف في تسميتها على أربعة أقوال:
الأول: لوجود هذه الأمور فيها.
الثاني: لقيام الخلق من قبورهم إليها.
الثالث: لقيام الناس لرب العالمين.
الرابع: لقيام الروح والملائكة صفاً ([301]).
3 ـ عظم ذلك اليوم: يوم القيامة يوم عظيمٌ أمره، شديدٌ هولُه، لا يلاقي العبد مثله، ومما يدل على ذلك ما يلي:
أ. أن الله ـ تعالى ـ وصفه بالعظم، قال ـ جل وعلا ـ:[أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ ٤ لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ] المطففين.
ب. وصفه بالثقل[إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمۡ يَوۡمٗا ثَقِيلٗا] الإنسان: 27.
ج. ما يكون فيه من الرعب والفزع؛ فالمرضع تذهل عما أرضعت، والحامل تضع حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.
د. انقطاع علائق الأنساب في يوم القيامة.
هـ. أن الكفار مستعدون في ذلك اليوم لبذل كل شيء في سبيل الخلاص من العذاب.
و. أن ذلك اليوم طويل[فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ] المعارج:4([302]).
4 ـ دنو الشمس من الخلائق: في ذلك اليوم تدنو الشمس من الخلائق كمقدار ميل، ويلجمهم العرق؛ فمنهم من يبلغ كعبيه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ ثدييه، ومنهم من يبلغ ترقوته، كل على قدر عمله([303])، وهذا في الصحيحين وغيرهما ([304]).
قال بعض السلف: ( لو طلعت الشمس على الأرض كهيئتها يوم القيامة لأحرقت الأرض، وذاب الصخر، وجفت الأنهار ) ([305]).
5. الذين يظلهم الله في يوم القيامة: هناك أعمال كثيرة تنجي من أهوال يوم القيامة([306]).
أما الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فقد جاءوا في حديث السبعة عند البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل معلق قلبه في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) ([307]).
المطلب الثاني: الحساب
1 ـ تعريف الحساب في اللغة: الحساب لغة مأخوذ من مادة حسب؛ فالحاء والسين والباء أصل صحيح يدل على عدة معان، منها العد، والإحصاء([308]).
2 ـ الحساب في الشرع: هو إطـلاعُ الله عِبادَه على أعمالهم يوم القيامة، وإنباؤهم بما قدموه من خير وشر([309]).
3 ـ الأدلة على إثبات الحساب([310]): الحساب ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع المسلمين.
أما الأدلة من الكتاب والسنة فكثيرة متواترة.
قال الله ـ تعالى ـ: [إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ٢٥ ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم] الغاشية.
وكان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول في بعض صلاته: ( اللهم حاسبني حساباً يسيرا ) .
فقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ما الحساب اليسير؟.
قال: ( أن يُنظر في كتابه، فيتجاوز عنه ) ([311]).
وفي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حوسب عذب ) .
قالت عائشة، فقلت: ( أوليس يقول الله ـ تعالى ـ: [فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا] الانشقاق: 8.
قالت: فقال: ( إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك ) ([312]).
أما الإجماع فقد أجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة.
4 ـ الحساب مقتضى الحكمة: وأما كون الحساب مقتضى الحكمة فإن الله ـ تعالى ـ أنزل الكتب، وأرسل الرسل، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به، والعمل بما يجب العمل به؛ فلو لم يكن حساب ولا جزاء لكان ذلك من العبث الذي ينزه الرب الحكيم عنه.
وقد أشار الله ـ تعالى ـ إلى ذلك بقوله: [فَلَنَسَۡٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسَۡٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٦ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيۡهِم بِعِلۡمٖۖ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ] الأعراف([313]).
5 ـ كيفية الحساب وصفته: دلت نصوص الشرع على كيفية الحساب، وصفته.
ويمكن إجمال ذلك أن يقال: إن الله ـ عز وجل ـ يوقف عباده بين يديه، فيقررهم بذنوبهم التي ارتكبوها، وبأعمالهم التي عملوها، وبأقوالهم التي قالوها، ويعرفهم بما كانوا عليه في الدنيا من كفر وإيمان، وطاعة وعصيان، واستقامة وانحراف، وما يستحقونه على ما قدموه من مثوبة أو عقوبة.
والحساب شامل لما يقوله الرب لهم، وما يقولون له، وما يعتذرون به من معاذير، وما يقيمه عليهم من حجج وبراهين، وما يكون هناك من شهادة الشهود، ووزن الأعمال، وما جرى مجرى ذلك([314]).
6 ـ أنواع الحساب: الحساب منه العسير، ومنه اليسير، ومنه حساب التقرير والتكريم، ومنه حساب التوبيخ والتقريع، ومنه الفضل والصفح، ومنه المؤاخذة والمجازاة، ومتولي ذلك أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين([315]).
7 ـ القواعد التي يحاسب العباد عليها: لو عذب الله ـ عز وجل ـ عباده جميعاً لم يكن ظالماً لهم؛ لأنهم عبيده، وملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء.
ولكن الحق ـ تبارك وتعالى ـ يحاسبهم محاسبة عادلة تليق بحكمته، وعدله.
وقد بين لنا ـ عز وجل ـ في كثير من النصوص جملة من القواعد التي تقوم عليها المحاكمة.
ومن ذلك على سبيل الإيجاز ما يلي:
أ ـ العدل التام الذي لا يشوبه ظلم.
ب ـ لا يؤخذ أحد بجريرة غيره، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
ج ـ إطْلاعُ العباد على ما قدموه من أعمال.
د ـ مضاعفة الحسنات دون السيئات.
هـ ـ إقامة الشهود على الكفرة والمنافقين([316]).
8 ـ عموم الحساب، ومن لا حساب عليهم: الحساب عام لجميع الناس، إلا من استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث السبعين ألفاً.
حيث جاء في الصحيحين من حيث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عرضت علي الأمم ) إلى أن قال: ( فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قُدَّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب.
قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يَسْترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ) .
فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم.
قال: ( اللهم اجعله منهم ) .
ثم قام إليه رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم.
قال: ( سبقك بها عكاشة ) ([317]).
9 ـ كيفية محاسبة الكفار: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ويحاسب الله الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن، فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة.
وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته؛ فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم، وتحصى، فيوقفون عليها، ويقررون بها، ويجزون بها ) ([318]).
10 ـ أول من يحاسب من الأمم: أول من يحاسب من الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما في الصحيحين: ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، المقضي بينهم قبل الخلائق ) ([319]).
وعن ابن عباس مرفوعاً: ( نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب ) ([320]).
11 ـ أول ما يحاسب عليه العبد: الصلاة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسدت سائر عمله؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ([321]).
12 ـ أول ما يُقْضَى بين الناس: وأما أول ما يُقضى بين الناس فهو في الدماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) متفق عليه([322]).
المطلب الثالث: الميزان
1 ـ تعريف الميزان: أ. الميزان في اللغة: أصله مِوْزان، وانقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وجمعه موازين.
والميزان اسم للآلة التي يوزن بها الأشياء، أو هو ما تقدر به الأشياء خفةً وثقلاً([323]).
ب. الميزان في الشرع: هو ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد([324]).
2 ـ أدلة إثبـات الميزان: دل على المـيزان الكتاب، والسنة، والإجماع.
أ. فمن أدلة الكتاب العزيز قوله ـ تعالى ـ: [وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ] الأنبياء: 47.
ب. ومن أدلة السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ) ([325]).
ج. وأما الإجماع: فقد أجمع السلف على ثبوت ذلك([326]).
3 ـ هل الميزان حسي أو معنوي: الميزان الذي توزن به الأعمال حسي حقيقي، له كفتان، ولسان([327]).
قال شارح الطحاوية رحمه الله : ( والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان، مشاهدتان ) ([328]).
4 ـ ما الذي يوزن في الميزان؟: الذي يوزن فيه أعمال العباد؛ فهي وإن كانت أعراضاً إلا أن الله ـ عز وجل ـ يقلبها أجساماً، فتوضع الحسنات في كفه، والسيئات في كفه، وهذا ظاهر النصوص الماضية.
وقيل: الذي يوزن صحائف العمل، وقيل: العامل نفسه([329])؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنه ليأتي الرجل السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) قال: اقرؤوا: [فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا] الكهف: 105([330]).
قال الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله : ( وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن، أو أن الوزن حقيقة للصحائف، وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال.
وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره، وحرمته.
وهذا جمع حسن والله أعلم ) ([331]).
قال شارح الطحاوية رحمه الله : ( فثبت وزن الأعمال، والعامل، وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان، والله ـ تعالى ـ أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات؛ فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ) ([332]).
وقال ابن حجر رحمه الله : ( قال أبو إسحاق الزجاج: أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان، ويميل بالأعمال ) ([333]).
5 ـ هل الميزان واحد أو متعدد؟: والجواب أن العلماء قد اختلفوا في ذلك؛ ( فقال بعضهم: متعدد بحسب الأمم والأفراد، أو الأعمال؛ لأنه لم يرد في القران إلا مجموعاً.
وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس.
وقال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد في الحديث مفرداً، وأما جمعه في القرآن فباعتبار المـوزون، وكلا الأمرين محتمل والله أعلم ) ([334]).
6 ـ ما الحكمة من نصب الميزان؟: الحكمة: إظهار عدل الله ـ عز وجل([335]).
المطلب الرابع: نشر كتب الأعمال
1 ـ التعريـف: أ. النشر في اللغة: هو فتح الكتاب، أو بث الشيء.
ب. وكتب الأعمال: هي الدواوين، والصحائـف التي أحصيت فيها الأعمال.
ج. ومعنى نشر كتب الأعمال: إظهارها يوم القيامة، وتوزيعها؛ فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله وراء ظهره.
2 ـ الأدلة على ذلك: لقد دل على نشر كتب الأعمال الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة([336]).
قال الله ـ تعالى ـ:[فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ٧ فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا ٨ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا ٩ وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ ١٠ فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا ١١ وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا] الانشقاق.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تذكرون أهليكم؟
قال: ( أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان، حتى يَعْلم أيخِفُّ ميزانه أم يثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز ) ([337]).
3 ـ صفة أخذ الكتاب: المؤمن يأخذ كتابه بيمينه يؤتاه من أمامه، فيفرح ويستبشر ويقول:[هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ] الحاقة: 19.
والكافر يأخذه بشماله ويؤتاه من وراء ظهره، فيدعو بالويل والثبور، ويقول: [وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ ٢٥ وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ] الحاقة.
المبحث الرابع: الحوض، والصراط
المطلب الأول: الحـــوض
1 ـ تعريف الحوض: أ. الحوض في اللغة: هو مصدر الفعل حاض، أي جمع، والحوض: مجتمع الماء، وجمعه أحواض، وحياض([338]).
ب. والحوض في الشرع: هو حوض الماء النازل من الكوثر في عرصات القيامة للنبي صلى الله عليه وسلم ([339]).
2 ـ أدلة الحوض: دل على الحوض الكتاب والسنة، وإجماع أهل السنة.
أما الدليل من الكتاب فقوله _عز وجل_ لنبيه صلى الله عليه وسلم :[إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ]
الكوثر: 1.
أما من السنة فقد تواترت الأحاديث في ذلك.
قال شارح الطحاوية رحمه الله : ( الأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حد التواتر، رواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابياً ) ([340]) .
ومن الأحاديث الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إني فرطكم على الحوض من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، لَيَرِدَنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم ) متفق عليه([341]) .
وعن أنس رضي الله عنه قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: ( أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفاً، فقلت: ما هذا يا جبريل؟.
قال: هذا الكوثر ) متفق عليه([342]).
أما الإجماع فقد أجمع أهل السنة على ذلك([343]).
3 ـ صفة الحوض: الذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض: أنه حوض عظيم، ومورد كريم يُمَدُّ من شراب الجنة من نهر الكوثر.
ماؤه أشد بياضاً من اللبن والورِق، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب من ريح المسك، آنيته كنجوم السماء، وهو غاية في الاتساع، عرضه شهر، وطوله شهر وزواياه سواء، وكلما شُرِب منه فهو في زيادة واتساع، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ينبت في خلاله من المسك والرضراض من اللؤلؤ وقضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر([344]).
إلى غير ذلك لما ورد في وصفه مما جاءت به الأحاديث([345]).
4 ـ من أين يستمد الحوض آنيته: يستمدها من الجنة كما جاء موضحاً في الأحاديث، ومنها ما جاء في صحيـح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! ما آنية الحوض؟.
قال: ( والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء، وكواكبها أَلا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل ) ([346]).
وفي مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه وسئل عن شرابه، فقال صلى الله عليه وسلم : ( يَغُتُّ فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب، والآخر من ورق ) ([347]).
5 ـ هل الحوض خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم ؟: جاء في بعض الأحاديث أن لكل نبي حوضاً، ولكن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكبرها، وأعظمها، وأحلاها، وأكثرها وارداً([348]).
ومن الأحاديث الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل نبي حوضاً، وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ) ([349]).
6 ـ هل الحوض موجود الآن؟: نعم هو موجود، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: ( إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، والله إني لأنظر إلى حوضي الآن ) الحديث([350]).
7 ـ الواردون للحوض، والمردودون عنه: الواردون للحوض هم المؤمنون، الصادقون، المتبعون, والمردودون عنه هم المُحْدِثون، المبدِّلون الناكصون على أعقابهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا فرطكم على الحوض، وَلأُنَازِعنَّ أقواماً، ثم لأُغْلَبَنَّ عليهم؛ فأقول: يارب! أصحابي، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) متفق عليه([351]).
وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول: سحقاً، سحقاً لمن بدَّل بعدي ) ([352]).
وجاء في صحيح مسلم ـ أيضاً ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم ) ([353]).
المطلب الثاني: الصراط
1 ـ تعريفـه: الصراط في اللغة: هو الطريق المستقيم([354]).
والصراط في الشرع: هو الجسر الممدود على جهنم؛ ليعبر الناس عليه إلى الجنة([355]).
2 ـ أدلة ثبوته: الصراط ثابت بالكتاب، والسنة، واتفاق أهل السنة([356]).
فمن الأدلة من الكتاب: قوله ـ تعالى ـ: [وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا] مريم: 71.
فسرها جماعة من السلف بالمرور على الصراط، وفسرها جماعة منهم بالدخول في النار لكن ينجون منها (4).
ومن الأدلة من السنة ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري الطويل، وفيه: ( ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم ) ([357]).
3 ـ صفة الصراط: جاءت صفة الصراط في أحاديث عديدة منها ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري الطويل، وفيه: ( قيل يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: ( دحْضٌ مَزَلَّة، فيه خطاطيف، وكلاليب، وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان ) .
قال أبو سعـيد: ( بلغـني أن الجسـر أدقُّ من الشعـرة، وأحـدُّ من السيف ) ([358]).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة الطويل، وفيه: ( وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟
قالوا نعم يا رسول الله.
قال: ( فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم؛ فمنهم الموبق بقي بعمله، أو الـمُوَثق بعمله، ومنهم المُخَردل، المجازى، أو نحوه ) ([359]).
4 ـ ورود الناس على الصراط: ورودهم عليه يعني مرورهم عليه، وورودهم عليه على قدر أعمالهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر([360]) الذي بين الجنة والنار، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم؛ فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف خطفاً، ويلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة ) ([361]).
وكلام شيخ الإسلام رحمه الله مأخوذ من الأحاديث الصحيحة التي بينت صفة الورود على الصراط.
ومن تلك الأحاديث ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الطويل، وفيه ( فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب؛ فناجٍ مسلَّم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم ) ([362]).
5 ـ من أول من يعبر الصراط؟: أول من يعبره من الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن الأمم أمته صلى الله عليه وسلم .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم ) ([363]).
6 ـ هل يمر الكفار بالصراط؟:الذي دلت عليه الأحاديث أن الصراط إنما ينصب للمؤمنين، وفيهم المنافقون، وعصاة المؤمنين؛ فهؤلاء هم الذين ينصب لهم الصراط([364]) .
قال ابن رجب رحمه الله : ( واعلم أن الناس منقسمون إلى مؤمن يعبد الله لا يشرك به شيئا، ومشرك يعبد مع الله غيره؛ فأما المشركون فإنهم لا يمرون على الصراط، وإنما يَقَعون في النار قبل وضع الصراط ) ([365]).
7 ـ القنطـرة: وهي التي بين الجنة والنار، ويسميها بعض العلماء الصراط الثاني([366]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن تكلم على المرور بالصراط: ( فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فَيُقْتَص لبعضهم من بعض؛ فإذا هذبوا، ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ) ([367]).
المبحث الخامس: الجنة والنار
1 ـ تعريف الجنة: الجنة في اللغة: هي البستان الكثير الأشجار؛ فهي كل بستان ذي شجر كثير يستر بأشجاره الأرض([368]).
والجنة في الشرع: هي دار النعيم التي أعدها الله في الآخرة للمؤمنين المتقين، المخلصين لله، المتبعين لرسله([369]).
2 ـ لم سميت بذلك؟: قال الراغب الأصفهاني: ( وسميت الجنة إما تشبيهاً بالجنة في الأرض وإن كان بينهما بون.
وإما لستره نِعَمَها عنا المشارَ إليها بقوله ـ تعالى ـ: [فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ]([370]) السجدة: 17.
3 ـ تعريف النار: النار في اللغة: تقال للَّهيب الذي يبدو للحاسَّة، وللحرارة المجردة، ولنار جهنم، ولنار الحرب([371]).
وفي الشرع: هي دار العذاب التي أعدها الله في الآخرة للكافرين الذين كفروا بالله، وعصوا رسله([372]).
4 ـ الجنة درجات، والنار دركات: فأهل الجنة تتفاوت درجاتهم في النعيم بحسب أعمالهم الصالحة.
وأهل النار تتفاوت دركاتهم في العذاب بحسب أعمالهم السيئة([373]).
5 ـ مَنْ أهل الجنة، ومَنْ أهل النار؟: أهل الجنة كل مؤمن تقي، وأهل النار كل كافر شقي.
قال الله ـ تعالى ـ في الجنة: [أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ] آل عمران: 133.
وقال: [أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ] الحديد: 21.
وقال في النار: [أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ] البقرة: 24.
وقال: [فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ] هود: 106.
6 ـ الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن: قال الله ـ تعالى ـ في الجنة: [أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ]آل عمران: 133 وقال في النار: [أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ] البقرة: 24.
والإعداد: التهيئة.
وقال صلى الله عليه وسلم حين صلى الكسوف: ( إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار؛ فلم أر كاليوم منظراً أفظع منها ) متفق عليه([374]).
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله : ( والجنة والنار مخلوقتان ) ([375]).
قال الشارح ابن أبي العز الحنفي رحمه الله : ( اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن ) ([376]).
7 ـ الجنة والنار لا تفنيان: قال الله ـ تعالى ـ: [جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ] البينة: 8.
والآيات في تأبيد خلود الجنة كثيرة، وأما في النار فذكر في ثلاثة مواضع:
في النساء في قوله _تعالى_:[وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا ١٦٨ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ] النساء: 168_ 169.
وفي الأحزاب في قوله ـ تعالى ـ[إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرًا ٦٤ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ] الأحزاب: 64_ 65.
وفي الجن في قوله ـ تعالى ـ: [وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا] الجن: 23.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في الجنة والنار: ( ولا تفنيان ولا تبيدان ) ([377]) .
8 ـ مكان الجنة: في أعلى عليين؛ لقوله _تعالى_: [كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ] المطففين: 18.
وفي حديث البراء بن عازب المشهور في فتنة القبر، فيقول الله ـ عز وجل ـ: ( اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض ) ([378]) .
9 ـ مكان النار: في أسفل سافلين؛ لقوله _تعالى_: [كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ] المطففين: 7 وفي حديث البراء رضي الله عنه : ( فيقول الله ـ تعالى ـ: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى ) ([379]) ([380]).
10 ـ ما معنى الإيمان بالجنة والنار؟: معناه التصديق الجازم بوجودهما، وأنهما مخلوقتان الآن، وأنهما باقيتان بإبقاء الله لهما، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان.
ويدخل في ذلك الإيمان بكل ما احتوت عليه الجنة من النعيم، وما احتوت عليه النار من العذاب الأليم([381]).
هذا بعض ما جاء في شأن اليوم الآخر وسيأتي مزيد بيان وتفصيل عن بعض ما يلحق به كالموت، وأشراط الساعة، والحياة البرزخية ونحو ذلك مما سيرد ذكره في الباب الرابع.
الفصل السادس
الإيمان بالقدر
المبحث الأول: مفهوم الإيمان بالقدر وأهميته وأدلته والواجب على الإنسان فيه
أولاً: تعريف الإيمان بالقدر
هو الإيمان بعلم الله المحيط، وكتابته، ومشيئته وخلقه لكل شيء([382]).
ثانياً: مراتب القدر وأركانه
من خلال ما مضى يتبين لنا أن القدر يقوم على مراتب أربع تسمى أركان القدر أو مراتبه.
وهذه الأركان هي المدخل لفهم باب القدر، ولا يصح الإيمان به إلا بتحقيقها كلها، وهي:
المرتبة الأولى: العلم: وهو الإيمان بأن الله عالم بكل شيء جملةً وتفصيلاً ماضياً ومستقبلاً، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله، أو بأفعال عباده، أو بما يجري في الكون؛ فعلمه محيط بما كان، وما سيكون، وما لم يكن لوكان كيف يكون.
كما أنه يعلم خلقه قبل أن يخلقهم، ويعلم أرزاقهم، وآجالهم، وأعمالهم، وجميع حركاتهم وسكناتهم([383]).
والأدلة على هذه المرتبة كثيرة جدًّا، قال الله _تعالى_:[عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ] سـبأ: 3.
المرتبة الثانية: الكتابة: وهي الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.
قال الله _تعالى_:[أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير]الحج: 70.
وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) ([384]).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، إلا وكتبت شقية أوسعيدة ) ([385]).
المرتبة الثالثة: المشيئة: وهذه المرتبة تقتضي الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة؛ فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا حركة ولا سكون ولا هداية، ولا إضلال إلا بمشيئته _عز وجل_([386]).
قال الله _عز وجل_: [وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ] القصص: 68.
وقال: [وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] التكوير: 29.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد يُصَرِّفه حيث يشاء ) ([387]).
المرتبة الرابعة: الخلق: وهذه المرتبة تقتضي الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة بذواتها وصفاتها، وحركاتها، وأفعالها، وبأن كل من سوى الله مخلوق مُوْجَد من العدم، كائن بعد أنْ لم يكن.
والأدلة على هذه المرتبة كثيرة جدًّا، منها قول الله _تعالى_: [ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ] الأنعام: 1.
وقال: [ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ] الملك:2.
ومما يدخل في هذه المرتبة أفعال العباد؛ فهي داخلة في عموم خلقه _عز وجل_ فهي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، وهي من العباد فِعلاً وكسباً، فالله هو الخالق لأفعالهم، وهم الفاعلون لها.
قال الله _تعالى_: [ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ] الرعد: 16.
هذه هي مراتب القدر التي لا يتم الإيمان بالقدر إلا بها([388]).
ثالثاً: أهمية الإيمان بالقدر
الإيمان بالقدر من أهم مباحث العقيدة، فهو ركن من أركان الإيمان، والإيمان به تمام التوحيد، وكتب السلف الصالح في العقيدة اهتمت به، وأطنبت في ذكره، والناس على اختلاف طبقاتهم يشغلهم موضوع القدر؛ لارتباطه بحياتهم اليومية وما فيها من تقلبات الأحوال من صحة ومرض، وفقر وغنى، وموت وحياة، وسعادة وشقاء، وما جرى مجرى ذلك([389]).
رابعاً: حكم الحديث عن القدر
الحديث عن القدر لا يُمنع بإطلاق، ولا يُفتح بإطلاق، بل إن الأمر فيه تفصيل، فإن كان الحديث عن القدر بالمنهج العلمي الصحيح المعتمد على الكتاب والسنة، وكان الحديث عنه مراداً به الوصول إلى الحق _ فإنه لا يمنع ولا يُنهى عنه، بل قد يجب.
وإن كان الحديث عنه خوضاً بالباطل، واعتماداً في فهمه على العقل المجرد أو كان للاعتراض أو التنازع أو التعنت فإنه لا يجوز البتة([390]).
خامساً: أقسام التقدير
ينقسم التقدير الإلهي باعتبار عمومه وخصوصه إلى أربعة أقسام.
1_ التقدير العام: وهو تقدير الرب لجميع الكائنات بمعنى علمه بها وكتابته لها.
ويدل على هذا النوع أدلةٌ كثيرة، منها قوله _تعالى_: [أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير] الحج:70.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) . رواه مسلم([391]).
2_ التقدير العمري: وهو تقدير كل ما يجري على العبد في حياته إلى نهاية أجله، وكتابةُ شقاوته أو سعادته.
وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك؛ فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وشقي أو سعيد ) . رواه البخاري ومسلم([392]).
3_ التقدير السنوي: وذلك في ليلة القدر من كل سنة، ويدل عليه قوله _تعالى_: [فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ] الدخان: 4 .
وقوله _عز وجل_: [تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ ٤ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ] القدر:5.
قيل في تفسرها: يكتب فيها _أي في ليلة القدر_ ما يحدث في السنة من موت، وحياة، وعز، وذل، ورزق، ومطر حتى الحجاج يقال: يحج فلان، ويحج فلان([393]).
4. التقدير اليومي: ويدل عليه قول الله _تعالى_: [كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ] الرحمن: 29.
قيل في تفسيرها: شأنه أن يُعِزَّ ويُذِلَّ، ويرفع ويخفض، ويعطي ويمنع، ويغني ويُفقر، ويضحك ويبكي، ويميت ويحيي إلى غير ذلك([394]).
سادساً: أدلة الإيمان بالقدر
دل على هذا الركن العظيم من أركان الإيمان _ الكتاب، والسنة، والإجماع، والفطرة، والعقل، والحس.
أما أدلة القرآن الكريم: فكثيرة جدًّا وقد مر شيء من ذلك، ومن تلك الأدلة _زيادة على ما مضى_ قوله _تعالى_:[وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا] الأحزاب:38، وقوله: [إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ]القمر: 49 .
وقوله: [وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ] الحجر: 21.
وأما السنة: فكما قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث جبريل _عليه السلام_: ( وتؤمن بالقدر خيره وشره ) . رواه مسلم([395]).
وروى مسلم _أيضاً_ عن طاووس قال: ( أدركت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر، قال: وسمعت عبدالله بن عمر يقول: كل شيء بقدر حتى العجز والكيْس، أو الكيس والعجز ) ([396]).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ اللهِ وما شاء فعل ) رواه مسلم([397]).
أما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره من الله، قال النووي رحمه الله : ( وقد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، وأهل الحل والعقد من السلف والخلف _ على إثبات قدر الله _سبحانه وتعالى_ ) ([398]).
وقال ابن حجر رحمه الله : ( ومذهب السلف قاطبة أن الأمور كلها بتقدير الله _تعالى_ ) ([399]).
أما الفطرة: فإن الإيمان بالقدر أمر معلوم بالفطرة قديماً وحديثاً، ولم ينكره إلا الشواذ من المشركين من الأمم، ولم يقع الخطأ في نفي القدر وإنكاره، وإنما وقع في فهمه على الوجه الصحيح؛ ولهذا قال _سبحانه_ عن المشركين [سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا]الأنعام: 148.
فهم أثبتوا المشيئة لله، ولكنهم احتجوا بها على الشرك، ثم بيَّن الله أن هذا هو شأنُ من كان قبلهم، فقال: [كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ] الأنعام: 148.
وكانت العرب في الجاهلية تعرف القدر ولا تنكره، ولم يكن هناك من يرى أن الأمر مستأنف.
ولم يقل أحد منهم بنفيه إطلاقاً، كما صرح بذلك أحد كبار علماء العربية، وهو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب رحمه الله بقوله: ( لا أعلم عربياً قدرياً، قيل له: يقع في قلوب العرب القول بالقدر؟ قال: معاذ الله، ما في العرب إلا مثبت القدر خيره وشره أهل الجاهلية والإسلام، وكلامهم كثير بيِّن ) ([400]).
أما أدلة العقل: فهي أن العقل الصحيح يقطع بأن الله هو خالق هذا الكون، ومدبره، ومالكه، ولا يمكن أن يوجد على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات هكذا صدفة؛ إذ الموجود صدفة ليس له نظام في أصل وجوده، فكيف يكون منتظماً مع بقائه وتطوره؟
فإذا تقرر عقلاً أن الله هو الخالق لزم ألا يقع شيء في ملكه إلا ما قد شاءه وقدَّره([401]).
ومما يدل على هذا التقرير قوله _تعالى_: [ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا] الطلاق 12.
ثم إن تفاصيل القدر لا ينكرها العقل، بل هي مما يتفق معه تمام الاتفاق.
أما دلالة الحس: فنحن نشاهد ونسمع، ونقرأ أن الناس تستقيم أمورهم بالإيمان بالقضاء والقدر، وسيمر بنا شيء من ذلك عند الحديث عن ثمرات الإيمان بالقدر، فالمؤمنون به حقًّا هم أسعد الناس وأصبرهم، وأشجعهم، وأكرمهم، وأكملهم، وأعقلهم.
ثم إن القدر ( هو نظام التوحيد ) كما قال ابن عباس _رضي الله عنهما_ والتوحيد لا يستقيم إلا بالإيمان بالقضاء والقدر.
ثم إن فيما أخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب المستقبلية التي وقعت، كما جاء الخبر _دليلاً حسياً واضحاً على أن الإيمان بالقدر حق وصدق([402]).
سابعاً: الواجب على الإنسان في باب القدر
الواجب على الإنسان في هذا الباب أن يؤمن بقضاء الله، وقدره، وأن يؤمن بشرع الله، وأمره ونهيه، فعليه تصديق الخبر، وطاعة الأمر([403]).
فإذا أحسن حَمِدَ الله، وإذا أساء استغفر الله، وعلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره؛ فإن آدم _عليه السلام_ لمَاَّ أذنب تاب، فاجتباه ربه وهداه، وإبليس أصرَّ واحتج بالقدر فلعنه الله وأقصاه، فمن تاب كان آدمياً، ومن أصرَّ واحتجَّ بالقدر صار إبليسياً، فالسعداء يتبعون أباهم آدم، والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس([404]).
وبالجملة فعلى الإنسان أن يؤمن بمراتب القدر الأربع السابقة؛ وأنه لا يقع شيء إلا وقد علمه الله، وكتبه، وشاءه، وخلقه، ويؤمن _أيضاً_ بأن الله أمر بطاعته، ونهى عن معصيته، فيفعل الطاعة، ويترك المعصية، فإذا وفقه الله لفعل الطاعة وترك المعصية فليحمدِ الله، وليستمر على ذلك، وإن خُذِل ووُكل إلى نفسه فَفَعل المعصية، وترك الطاعة فعليه أن يستغفر ويتوب.
ثم إن على العبد _أيضاً_ أن يسعى في مصالحه الدنيوية، ويسلك الطرق الصحيحة الموصلة إليها، فيضرب في الأرض، ويمشي في مناكبها، فإن أتت الأمور على ما يريد حمد الله، وإن أتت على خلاف ما يريد تعزى بقدر الله، وعلم أن ذلك كله واقع بقدر الله _عز وجل_ وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وإذا علم العبد من حيث الجملة أن لله فيما خلق وما أمر به حكمة عظيمة كفاه هذا، ثم كلما ازداد علماً وإيماناً ظهر له من حكمة الله ورحمته ما يبهر عقله، ويبين له تصديق ما أخبر الله به في كتابه.
ولا يلزم كل أحد أن يعلم تفاصيل الحديث عن الإيمان بالقدر، بل يكفي هذا الإيمان المجمل([405]).
وهو _ولله الحمد_ مقتضى الأدلة الشرعية، والفطرية، والعقلية، والحسية، لا تناقض فيه، ولا لبس.
المبحث الثاني: ثمرات الإيمان بالقدر
ثمرات الإيمان بالقدر
الإيمان بالقضاء والقدر _على الوجه الصحيح_ يثمر ثمراتٍ جليلة، وأخلاقاً جميلة، وعبودياتٍ متنوعة، يعود أثرها على الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة، فمن تلك الثمرات ما يلي:
1_ التوكل: فالتوكل على الله هو لُبُّ العبادة، ولا يصح التوكل ولا يستقيم إلا لمن آمن بالقدر على الوجه الصحيح.
والتوكل في لسان الشرع إنما يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل، واستمداد المعونة منه، والاعتماد عليه وحده، فذلك سر التوكل وحقيقته([406]).
2_ قوة الرجاء وإحسان الظن بالله: فالمؤمن بالقدر حَسَنُ الظن بالله، قويُّ الرجاء به؛ لعلمه بأن الله لا يقضي قضاءً إلا وفيه تمام العدل والرحمة والحكمة([407]).
3_ الصبر وقوة الاحتمال: ولهذا تجد المؤمن بالقدر صبوراً متجلداً يتحمل المشاق، ويقوم بالأعباء.
فالذين لا يؤمنون بالقدر يجزعون لأتفه الأسباب، بل ربما أدى بهم الجزع إلى الجنون، والوسوسة، وتعاطي المخدرات، وقتل النفس.
ولذلك يكثر الانتحار في البلاد التي لا يؤمن أهلها بالقضاء والقدر.
ولو بحثنا عن أسباب انتحارهم لوجدناها تافهةً جدًّا، لا تستدعي سوى التغافل وغض الطرف عنها؛ فبعضهم ينتحر؛ لتخلي خطيبته عنه، وبعضهم بسبب رسوبه في الامتحان، وبعضهم بسبب وفاة المطرب الذي يحبه، أو الشخص الذي يعجبه، أو بسبب هزيمة الفريق الذي يميل إليه، وهكذا...
وقد يكون الانتحار جماعياً، والعجيب في الأمر أن أغلبية المنتحرين ليسوا من طبقة الفقراء حتى يقال: انتَحَروا؛ لضيق المعيشة.
بل إنهم من الطبقة الغنية المغرقة في النعيم، بل ويقع الانتحار من المشاهير، بل ومن الأطباء النفسيين الذين يُظَنُّ أنهم يجلبون السعادة، ويحلون المشكلات! ([408])
4_ محاربة اليأس: فالذي لا يؤمن بالقدر يصيبه اليأس ويدِبُّ إلى رُوْعِه القنوط؛ فإذا أصيب ببلية ظن أنها قاصمة ظهره، وإذا نزلت به نازلة حسب أنها ضربةُ لازب لن تبارحه.
أما المؤمن بالقدر فلا يعرف اليأس، ولا تراه إلا متفائلاً في جميع أحواله، منتظراً الفرج من ربه، عالماً بأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً.
5_ الكرم والسخاء: ذلك أن المؤمن بالقدر يعلم علم اليقين بأن الله هو الرزاق، وهو الذي قسم بين الخلق معيشتهم؛ فكل له نصيبه، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، ولن يفتقر أحد إلا بقدر الله _عز وجل_.
وهذا الإيمان يشرح صدر صاحبه للإنفاق في وجوه الخير، فيؤثرها بجانب من ماله ولو كان به خصاصة؛ ثقة بالله، واستجابة لأمره _عز وجل_ بالإنفاق([409]).
6_ الشجاعة والإقدام، واطِّراح الخور والجبن: فالإيمان بالقدر يملأ قلب صاحبه شجاعةً وإقداماً، ويُفْرِغُه من كل خور وجبن؛ لأن المؤمن بالقدر يعلم أنه لن يموت قبل يومه، ولن يصيبه إلا ما كُتب له، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله له.
فلا يدرك هذه الأمور، ولا يجد حلاوتها، ولا يعلم ثمرتها_ إلا من آمن بالله وقضائه وقدره؛ فالمؤمن بالقدر ساكن القلب، مطمئن النفس، مرتاح البال، لا يفكر كثيراً في احتمال الشر، ثم إن وقع لم يَطِرْ له قَلْبه شَعَاعاً، بل يحتمل ذلك بثبات وصبر؛ إنْ مرضَ لم يُضَاعف مرضه بوهمه، وإن نزل به مكروه قابله بجأش رابط فخفف حِدَّته؛ فمن الحكمة ألا يجمع الإنسان على نفسه بين الألم بتوقع الشر، والألم بحصول الشر.
بل يسعد ما دامت أسباب الحزن بعيدة عنه، فإذا حدثت قابلها بشجاعة واعتدال.
وإنك لتجد عند خواصِّ المسلمين من العلماء العاملين والعباد القانتين المتبعين من سكون القلب وطمأنينة النفس ما لا يخطر ببال، ولا يدور حول ما يشبهه خيال؛ فلهم في ذلك الشأن القِدْحُ المعلى، والنصيب الأوفى.
بل إنك واجد عند عوام المسلمين من سكون القلب وراحة البال، وبرد اليقين ما لا تجده عند كبار المفكرين والكتاب والأطباء من غير المسلمين؛ فكم من الأطباء من غير المسلمين _على سبيل المثال_ من يَعْجَبُ، ويَذْهَبُ به العجب كل مذهب إذا هو أشرف على علاج مريض مسلم، وتبين له أنه مصاب بداء خطير _كالسرطان مثلاً_ فتراه يقدِّم رِجلاً ويؤخر أخرى، وتجده يمهد الطريق، ويضع المقدمات، كل ذلك خشيةً من شدة تأثر المريض بسماع هذا الخبر.
وما إن يُعلِمهُ بمرضه، ويصارحه بعلته _إلا ويفاجأ بأن هذا المريض يستقبل الخبر بنفس راضية، وصدر رحب، وسكينة عجيبة.
لقد أدهش كثيراً من غير المسلمين إيمانُ المسلمين بالقضاء والقدر، فكتبوا في هذا الشأن معبرين عن دهشتهم، مسجلين شهاداتهم بقوة عزائم المسلمين، وكبر نفوسهم، وحسن استقبالهم لصعوبات الحياة.
فهذه شهادة حق من قوم حرموا الإيمان بالله، وبقضائه وقدره([410]).
وما منعهم من ذلك إلا إعراضهم عن ربهم، وبعدهم عن الدين الحق، ألا وهو الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، وختم به الأديان السماوية.
المبحث الثالث: مشيئة العبد وفعل الأسباب
أولاً: الإيمان بالقدر ومشيئة العبد
الإيمان بالقدر _على ما مرَّ_ لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية، وأن يكون له قدرة عليها، فقد دل على ذلك الشرع والواقع.
أما الشرع: فالأدلة على ذلك كثيرة جدًّا ومنها قوله _تعالى_: [فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مََٔابًا] النبأ: 39 وقوله: [فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ]البقرة:223.
أما الواقع: فكل إنسان يعلم أن له مشيئةً، وقدرة يفعل بها ويترك، ويفرق بين ما يقع بإرادته، كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش.
لكنَّ مشيئته، وقدرته واقعتان بمشيئة الله وقدرته، لقوله _تعالى_: [لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] التكوير([411]).
ثانياً: فعل الأسباب والإيمان بالقدر
فعل الأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر، بل إن مباشرتها من صحيح الإيمان بالقضاء والقدر.
ولهذا يجب على الإنسان _مع الإيمان بالقدر_ الاجتهادُ في العمل، والأخذ بأسباب النجاة، والالتجاء إلى الله _تعالى_ بأن ييسر له أسباب السعادة وأن يعينه عليها.
ونصوص الكتاب والسنة حافلة بالأمر باتخاذ الأسباب المشروعة في مختلف شؤون الحياة؛ فقد أَمَرتْ بالعمل، والسعي في طلب الرزق، واتخاذ العدد لمواجهة الأعداء، والتزود للأسفار، وغير ذلك.
وأمرت باتخاذ الأسباب الشرعية التي تؤدي إلى رضوانه، وجنته، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والدعاء، وغير ذلك.
وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل حياة المسلمين جميعاً، والسائرين على نهجهم _كلها شاهدة على أخذهم بالأسباب، والجد، والاجتهاد([412]).
المبحث الرابع: الاحتجاج بالقدر والتسيير والتخيير
أولاً: الاحتجاج بالقدر على فعل المحرمات وترك الواجبات
الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على فعل المحرمات، وترك الواجبات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتِّفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كُلُّ أحدٍ أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس، وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر.
ونفسُ المحتجِّ بالقدر إذا اعتُدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يُقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بداية العقول ) ([413]).
ومما يؤيد ما ذكر ويؤكده أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ثم يحتج على عدوله بالقدر.
فلِمَا ذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟!
وإليك مثالاً يوضح ذلك: لو أراد إنسان السفر إلى بلد، وهذا البلد له طريقان، أحدهما آمن مطمئن، والآخر كله فوضى واضطراب، وقتل، وسلب، فأيهما سيسلك؟
لا شك أنه سيسلك الطريق الأول، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار؟
ومما يمكن أن يردَّ به على المحتج بالقدر على ترك الواجبات، وفعل المعاصي _بناء على مذهبه_ أن يقال له: لا تتزوج؛ فإن كان الله قد قضى لك بِوَلد فسيأتيك، وإلا فلن، ولا تأكل ولا تشرب؛ فإن قدَّر الله لك شبعاً ورياً فسيكون، وإلا فلن، وإذا هاجمك أسدٌ ضارٍ فلا تَفِرَّ منه؛ فإن قدَّر الله لك النجاة فستنجو، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار، وإذا مَرِضْت فلا تتداوَ؛ فإن قدَّر الله لك شِفاءً شُفيت، وإلا فلن ينفعك الدواء، وهكذا...
فهل سيوافقنا على هذا القول أَوْ لا؟ إن وافقنا عَلِمْنا فساد عقله، وإن خالفنا علمنا فساد قوله، وبطلان حجته.
وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع، والعقل، والواقع([414]).
ثانياً: الصورة الجائزة المسوِّغة للاحتجاج بالقدر
يسوغ الاحتجاج بالقدر عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر، والمرض، وفقد القريب، وتلف الزرع، وخسارة المال، وقتل الخطأ، ونحو ذلك؛ فهذا من تمام الرضا بالله ربَّاً، فالاحتجاج إنما يكون على المصائب، لا المعائب، فالسعيد يستغفر من المعائب، ويصبر على المصائب، كما قال _تعالى_: [فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ] غافر: 55.
والشقي يجزع عند المصائب، ويحتج بالقدر على المعائب.
ويوضح ذلك المثال الآتي: لو أن رجلاً قتل آخر عن طريق الخطأ، ثم لامَهُ مَنْ لامه، واحتج القاتل بالقدر، لكان احتاجه مقبولاً، ولا يمنع ذلك من أن يؤاخذ.
ولو قتل رجلٌ رجلاً عن طريق العمد، ثم قُرِّع القاتل ووُبِّخ على ذلك، ثم احتج بالقدر لم يكن الاحتجاج منه مقبولاً([415]).
ثالثاً: الإنسان بين التسيير والتخيير
هناك سؤال يرد كثيراً، وهو قولهم: هل الإنسان مسيَّر أو مخيَّر؟
فهذا السؤال يرد كثيراً، وهناك من يجيب على هذا السؤال بأن الإنسان مسير لا مخير، كما أن هناك من يجيب بأنه مخير لا مُسَيَّر.
والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال بهذا الإطلاق خطأ؛ ذلك أن الإجابة تحتاج إلى بعض التفصيل.
ووجه الخطأ في الإجابة: ( بأن الإنسان مسير لا مخير ) تكمن فيما يَرِدُ على هذه الإجابة من إشكال؛ فإذا قيل: إنه مسير بإطلاق قيل: كيف يحاسب وهو مسير؟ وكيف يكون مسيراً ونحن نرى أن له مشيئةً وقدرةً واختياراً؟ وما العمل بالنصوص التي تثبت له المشيئة، والقدرة، والاختيار؟
أما إذا أجيب بأنه ( مخير لا مسير ) فيقال: كيف يكون مُخَيَّراً ونحن نرى أنه قد ولد بغير اختياره؟ ويمرض بغير اختياره؟ ويموت بغير اختياره؟ إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عن إرادته.
فإذا قيل: إنه مخير في أفعاله التي تقع بإرادته واختياره قيل: وأفعاله الاختيارية كذلك؛ فقد يريد أمراً، ويعزم على فعله، وهو قادر على ذلك فيفعله، وقد لا يفعله؛ فقد يعوقه ما يعوقه؛ إذاً فليس كل ما أراد فِعْلَه فَعَلَهُ؛ وهذا شيء مشاهد.
ومن هنا يتبين لنا وجه الخطأ في هذا الجواب؛ فلو كان الإنسان مُسَيَّراً بإطلاق لما كان له قدرةٌ ومشيئةٌ، ولو كان مخيراً بإطلاق لفعل كل ما شاءه؛ فمن قال بالتسيير بإطلاق فهو ألصق بمذهب الجبرية الذين قالوا إنَّ العبد مُجْبَرٌ على فعله، وأنكروا أن يكون له قدرة ومشيئة وفعل.
ومن قال بالتخيير بإطلاق فهو ألصق بمذهب القدرية النفاة الذين قالوا: إن الأمر أُنُفٌ، وإن العبد هو خالق فعله، وأنه مستقل بالإرادة والفعل([416]).
فما الجواب _إذاً_ عن هذا السؤال؟ وما المخرج من هذا الإشكال؟
الجواب: أن الحق وسط بين القولين، وهدى بين هاتين الضلالتين؛ فيقال _وبالله التوفيق_: إن الإنسان مخيَّر باعتبار، ومسيَّر باعتبار؛ فهو مخير باعتبار أن له مشيئةً يختار بها، وقدرة يفعل بها؛ لقوله _تعالى_: [فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ] الكهف: 29، وقوله:[وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ]البلد: 10، وقوله: [فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ]البقرة:223، وقوله: [وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ]آل عمران: 133.
ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز... ) الحديث([417]).
وقوله في الحديث الذي رواه البخاري: ( صلوا قبل المغرب ) قال في الثالثة: ( لمن شاء ) ([418]).
إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة في هذا المعنى.
وهو مسير باعتبار أنه في جميع أفعاله داخل في القدر، راجع إليه؛ لكونه لا يخرج عما قدَّره الله له؛ فلا يخرج في تخييره عن قدرة الله؛ لقوله _تعالى_: [هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ] يونس: 22، وقوله: [وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ] القصص: 68.
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ) ([419]).
إلى غير ذلك من الأدلة بهذا المعنى.
ولهذا جمع الله بين هذين الأمرين _كون الإنسان مخيراً باعتبار ومسيراً باعتبار_ كما في قوله _تعالى_: [لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] التكوير.
فأثبت _عز وجل_ أن للعبد مشيئة، وبيَّن أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، واقعة بها.
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله: ( ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار ) ([420]).
قالوا: يا رسول الله: فَلِمَ نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: ( لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) .
فهذا الحديث دليل لما سبق، فهو يدل على أن الإنسان مخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( اعملوا ) وعلى أنه لا يخرج في تخييره عن قدر الله؛ لقوله: ( فكل ميسر لما خلق له ) .
هذا مقتضى أدلة الشرع والواقع في هذه المسألة([421]).
المبحث الخامس: مسألة الهداية والإضلال
مسألة الهداية والإضلال مسألة عظيمة يطول حولها الكلام، وخلاصة القول فيها أن يُقال: إن الهداية والإضلال والطاعة والمعصية بمشيئة الله، والإنسان سبب في وقوعها، ومسؤول عنها؛ فذلك من الأصول القطعية عند أهل السنةِ، والقاعدةُ التي يتفق عليها العقلاء أن القطعيات لا تتناقض في نفسها وإن بدت لنا متناقضة؛ لقصور إدراكنا؛ فحسبنا أن نقف عند هذه القطعيات، ونؤمن بها جميعاً، ولا نرد منها شيئاً ولو لم نحط بها علماً؛ لأن مسألة القضاء والقدر لها تعلق بصفات الله؛ فالقدر قدرة الله، وقدرة الله كعلمه وحكمته وإرادته وسائر صفاته من جهة كونها معلومة المعنى مجهولة الكيفية؛ فكما أننا نعجز عن الإحاطة بصفات الله فكذلك نعجز عن الإحاطة بسر القدر الإلهي، ومن أسراره أن أضل الله وهدى، وأسعد وأشقى، وأمات وأحيا، وغير ذلك؛ لحكمة يعلمها ولا نعلمها، وهو العليم الحكيم.
ولا يضير المرء في إيمانه عجزه عن معنى الإحاطة بسر القدر؛ لأن ذلك ليس بمستطاع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ولكن الذي يضيره أن يبني على عجزه أحكاماً، ويتصرف على غير هدى، ويرد بعض الأصول القطعية، ويضرب النصوص بعضها ببعض.
ومما لا نزاع فيه بين العقلاء أن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولا يلزم _ليكون تصرفه سليماً_ أن يُدرك غيرُه الحكمة في تصرفاته، وليس لأحد حق الاعتراض عليه في تصرفه إذا لم يعلم السر في أفعاله.
ولا نزاع بينهم أن البارع في علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو صنعة من الصنائع أنه قد يعمل أعمالاً لا تدركها عقول الذين لم يقفوا على أسرار ذلك العلم، أو الفن، أو الصنعة.
ولا يعني عدمُ إدراكهم لذلك القدحَ في ذلك العلم، أو الفن، أو الصنعة.
هذا بالنسبة للبشر القاصرين في علمهم وحكمتهم، فكيف بأحكم الحاكمين، وبمن وسع كل شيء رحمة وعلماً؟!
فإن حاولنا كشف ما طُوي عنا من أسرار القدر مما استأثر الله بعلمه كان ذلك تكلفاً بلا نتيجة، ومن حاول إدراك غير المستطاع فنتيجة محاولته أن يكون([422]):
كناطحٍ صخرةً يوماً لِيَفْلِقَها | فلم يَضِرْها وأوهى قرنَه الوَعلُ([423]) |
وبالجملة فالهداية والإضلال لله وحده؛ فالله أعلم حيث يجعل هدايته كما أنه أعلم حيث يجعل رسالته.
ولا يعني ذلك تعطيل الأسباب؛ فالله _عز وجل_ نصب أسباباً، وجعلها طريقاً للوصول إلى الهدى، وحذَّر من أسباب الإضلال، وبيَّن أنها موصلة للردى، ويبقى بعد ذلك أن نستحضر أن ذلك كله بيد الله _عز وجل_ فلا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون عما يفعلون([424]).
الباب الثالث
محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين
الفصل الأول
في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وخلاصة سيرته
المبحث الأول: مهيئات النبوة
لقد هيأ الله _عز وجل_ للنبي صلى الله عليه وسلم مهيئات كثيرة كانت إرهاصاً لبعثته ونبوته، فمن ذلك ما يلي:
1_ دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى _عليهما السلام_ ورؤيا أمه آمنة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه: ( إني عبدالله لَخَاتم النبيين، وإن آدم _عليه السلام_ لمُنْجَدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت ) ([425]).
ومعنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا مصداق دعوة إبراهيم الخليل _عليه السلام_ لأن إبراهيم لمَّا كان يرفع القواعد من الكعبة في مكة، ومعه ابنه إسماعيل كان يقول _كما أخبرنا الله عنه في القرآن_: [رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٢٧ رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ١٢٨ رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ] (البقرة 127_129).
فاستجاب الله دعوة إبراهيم وإسماعيل _عليهما السلام_ فكان النبي الخاتم محمد _عليه الصلاة والسلام_ من ذريتهما.
أما قوله: ( وبشرى عيسى ) فإن نبي الله عيسى _عليه السلام_ قد بَشَّر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عنه في القرآن، فقال: [وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ] (الصف: 6).
فعيسى _عليه السلام_ هو آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل، وليس بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم نبي؛ وقد بَشَّر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد، وأحمد من أسماء النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
أما ( رؤيا أمه ) فقد رأت رؤيا صادقة؛ ذلك أن أمه لما أخذها المخاض، فوضعته تَمَثَّل لعينيها ذلك النور الذي أضاءت له بصرى في أرض الشام([426]).
2_ كون النبي صلى الله عليه وسلم خرج في أمة العرب: تلك الأمة التي فُضِّلَت على غيرها من الأمم آنذاك، حتى استعدت لهذا الإصلاح الروحي المدني العام، الذي اشتمل عليه دين الإسلام، بالرغم مما طرأ عليها من الأمية، وعبادة الأصنام، وما أحدثت فيها غلبة البداوة من التفرق والانقسام.
ومع ذلك فقد كانت أمةُ العربِ متميزةً باستقلال الفكر، وسعة الحرية الشخصية.
وكانت أمة العرب _أيضاً_ متميزة بالذكاء، وباستقلال الإرادة، وعزة النفس، وشدة البأس، وقوة الأبدان والقلوب.
وكانت أمة العرب أقرب إلى العدل بين الأفراد.
وقد بلغت أوج الكمال في فصاحة اللسان، وبلاغة المقال مما جعلها مستعدة للتأثر والتأثير بالبراهين العقلية، والمعاني الخطابية، والشِعرية، وللتعبير عن جميع العلوم الإلهية والشرعية، والفنون العقلية، والكونية أيام كانت الأمم الأخرى تنفصم عرى وَحْدتها بالتعصبات الدينية والمذهبية، والعداوات العرقية.
وأعظم مزية امتاز بها العرب، أنهم كانوا أسلم الناس فطرةً، بالرغم من أن أمم الحضارة كانت أرقى منهم في كل فن وصناعة.
والإصلاح الإسلامي مبني على تقديم إصلاح النفس باستقلال العقل، والإرادة، وتهذيب الأخلاق على إصلاح ما في الأرض من معدن، ونبات، وحيوان.
وبهذا كان الله _عز وجل_ يُعِدُّ هذه الأمة للإصلاح العظيم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ([427]).
3_ شرف النسب: فقد كان نسبه صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب، وأصرحها، قال _تعالى_: [إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ] (آل عمران:33).
وجاء في صحيح مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ) ([428]).
أما اصطفاء الله لبني هاشم فقد كان لما امتازوا به من الفضائل والمكارم؛ فكانوا أصلح الناس عند الفتن، وخيرهم لمسكين ويتيم.
وإنما أطلق لقب هاشم على عمْرو بن عبد مناف؛ لأنه أول من هشم الثريد _وهو طعام لذيذ_ للذين أصابهم القحط، وكان يَشْبَعُ منه كلَّ عامٍ أهلُ الموسم كافة، ومائدتُه منصوبةٌ لا ترفع في السراء ولا في الضراء.
وزاد على هاشم ولَدُه عبدالمطلب جدُّ الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يطعم الوحش، وطير السماء، وكان أول من تعبد بغار حراء، وروي أنه حرم الخمر على نفسه.
وبالجملة: فقد امتاز آل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر قومه بالأخلاق العلية، والفواضل العملية، والفضائل النفسية، ثم اصطفى الله محمداً صلى الله عليه وسلم من بني هاشم؛ فكان خير ولد آدم، وسيدهم([429]).
4_ بلوغه صلى الله عليه وسلم الذروة في مكارم الأخلاق: فقد جبله الله _عز وجل_ على كريم الخلال، وحميد الخصال، فكان قبل النبوة أرقى قومه، بل أرقى البشرية في زكاء نفسه، وسلامة فطرته، وحسن خلقه.
وكان يُعرف بالتزام الصدق، والأمانة، وعلو الآداب؛ فبذلك كان له المقام الأرفع قبل النبوة؛ حتى لقبوه بالأمين.
وعلى هذه الحال كان صلى الله عليه وسلم حتى بلغ أشده، واستوى، وكملت في جسده الطاهر، ونفسه الزكية جميع القوى، ولا طمع في مال، ولا سمعة، ولا تطلع إلى جاه ولا شهرة، حتى أتاه الوحي من رب العالمين _كما سيأتي بيانه بعد قليل_([430]).
5_ كونه صلى الله عليه وسلم أميّاً لا يقرأ ولا يكتب: فهذا من أعظم المهيئات والدلائل على صدق نبوته؛ فهذا الرجل الأمي الذي لم يقرأ كتاباً، ولم يكتب سطراً، ولم يقل شعراً، ولم يرتجل نثراً، الناشىءُ في تلك الأمة الأمية _ يأتي بدعوة عظيمة، وبشريعة سماوية عادلة، تستأصل الفوضى الاجتماعية، وتكفل لمعتنقيها السعادة الإنسانية الأبدية، وتعتقهم من رق العبودية لغير ربِّهم _جل وعلا_.
كل ذلك من مهيئات النبوة، ومن دلائل صدقها([431]).
6_ كونه نشأ في مكة المكرمة: تلك البلدة الطيبة التي اختارها الله لأول بيت قام في الأرض لتوحيد الله والعبادة الخالصة، والنسك السليم.
قال الله _عز وجل_: [إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ] (آل عمران: 96) ([432]).
المبحث الثاني: نبذة عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم وحياته
نسبه: هو محمدُ بنُ عبدِالله بنِ عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم _عليهما السلام_([433]).
وأُم النبي صلى الله عليه وسلم هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وزهرة أخو جد النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد تزوج بها عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم وأقام معها في بيت أهلها ثلاثة أيام، فلم تلبث أن حملت بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم تجد في حمله ثقلاً، ولا وحماً كما هو شأن المحصنات الصحيحات الأجسام([434]).
وقد رأت أمه رؤيا لما حملت به، وقد مَرَّ ذِكْرُ الرؤيا في كلام سابق.
ولادته: وقد ولدته أمه سَويّ الخلق، جميل الصورة، صحيح الجسم، وكانت ولادته عام الفيل الموافق للحادي والسبعين بعد الخمسمائة للميلاد([435]).
وقد تُوفي والده وهو حَمْلٌ في بطن أمه، فكفله جده عبدالمطلب، وأرضعته أمه ثلاثة أيام ثم عهد جده بإرضاعه إلى امرأة يقال لها حليمة السعدية.
رضاعته في بني سعد: وكان من عادة العرب أن يسترضعوا لأولادهم في البوادي؛ حيث تتوافر أسباب النشأة البدنية السليمة([436]).
ولقد رأت حليمة السعدية من أمر هذا الرضيع عجباً، ومن ذلك: أنها أتت مع زوجها إلى مكة على أتان هزيلة بطيئة السير، وفي طريق العودة من مكة، وهي تضع الرضيع في حجرها كانت الأتان تعدو عَدْواً سريعاً، وتُخَلِّف وراءها كل الدواب، مما جعل رفاق الطريق كلهم يتعجبون.
وتُحدِّث حليمة بأن ثديها لم يكن يُدِرُّ شيئاً من الحليب، وأن طفلها الرضيع كان دائم البكاء من شدة الجوع، فلما ألقمت الثدي رسول الله صلى الله عليه وسلم دَرَّ غزيراً، فأصبحت ترضعه وترضع طفلها حتى يشبعا.
وتُحدِّث حليمة عن جدب أرض قومها ديار بني سعد، فلما حظيت بشرف رضاعة هذا الطفل أنتجت أرضها، وماشيتها، وتَبَدَّلت حالها من بؤس وفقر إلى هناء ويسر.
وبعد سنتين عادت به حليمة إلى أمه وجده في مكة، لكن حليمة ألَحَّتْ على أمه أن توافق على بقائه عندها مرة ثانية؛ لِمَا رأت من بركته عليها، فوافقت أُمُّه آمنة، فعادت حليمة بالطفل مرة أخرى إلى ديارها والفرحة تملأ قلبها.
وبعد سنتين عادت به حليمة إلى أمه، وعمره آنذاك أربع سنوات، فحضنته أمه إلى أن توفيت، وكان له من العمر ست سنين، فكفله جده عبدالمطلب سنتين ثم توفي، وقبل وفاته أوصى به ابنه أبا طالب عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم فحاطه بعنايته كما يحوط أهله وولده([437]).
إلا أنه كان لفقره يعيش عيش الشظف؛ فلم يتعود صلى الله عليه وسلم نعيم الترف، ولعلَّ ذلك من عناية الله بهذا النبي الكريم.
وكان صلى الله عليه وسلم قد ألِفَ رعي الغنم مع إخوانه من الرضاع لما كان في بادية بني سعد، فصار يرعى الغنم لأهل مكة؛ فيكفي نفسه بما يأخذه على ذلك من الأجرة، ولا يرهق عمه بالنفقة.
سفره مع عمه إلى الشام، ولقاؤه بحيرا الراهب: ثم سافر مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام، وله من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام، وهناك رآه (بحيرا) الراهب، وبشَّر به عمَّه أبا طالب، وحذَّره من عدوان اليهود عليه بعد أن رأى خاتم النبوة بين كتفيه.
سفره مُتَّجِراً بمال لخديجة: ثم إنه سافر مرة أخرى مُتَّجراً بمالٍ لخديجة بنت خويلد، فأعطته أفضل مما كانت تعطي غيره؛ إذ جاءت تلك التجارة بأرباح مضاعفة، بل جاءت بسعادة الدنيا والآخرة.
وكانت خديجة هذه أعقل وأكمل امرأة في قريش، حتى كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة؛ لِما لها من الصيانة، والعفَّة، والفضائل الظاهرة.
زواجه بخديجة: ولما حدَّثَها غُلامها ميسرةُ بما رأى من النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته معه إلى الشام من الأخلاق العالية، والفضائل السامية، وما قاله (بحيرا) الراهب لعمه أبي طالب في رحلته الأولى إلى الشام _ تعلقت رغبتها به؛ وبأن تتخذه زوجاً لها، وكانت قد تزوجت من قبل، وتوفي عنها زوجها؛ فتمَّ ذلك الزواج الميمون، وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين سنة، وعمرها قريباً من أربعين سنة.
ولم يتزوج عليها طيلة حياتها، ولا أحب مثلها، وتوفيت بعد البعثة النبوية بعشر سنين، فكان كثيراً ما يذكرها، ويتصدق عنها، ويهدي لصاحباتها، وهي الزوجة التي رُزِق منها جميع أولاده عدا إبراهيم؛ فإنه من سُرِّيَّتِهِ ماريا القبطية.
هذه بعض أخباره وسيرته قبل النبوة، وبدء الوحي على سبيل الإجمال([438]).
المبحث الثالث: بدء الوحي
بَلَغَ النبي صلى الله عليه وسلم أشُدَّه، وقَرُب من الأربعين، واكتملت قواه العقلية والبدنية، وكان أول ما بدأ به من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مِثْلَ فَلَق الصبح واضحة كما رآها في منامه.
اختلاؤه بغار حراء، ونزول الوحي عليه: ثم بعد ذلك حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يخلو بنفسه في غار حراء في مكة، فيتعبد الله الليالي ذوات العدد، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بالطعام والشراب، حتى جاءه الحق، وهو على هذا الشأن بنزول القرآن عليه في شهر رمضان، وذلك بأن تَمَثَّل له المَلَكُ جبريل، ولقَّنَه عن ربِّه أول ما نزل من القرآن، فقال: [ٱقۡرَأ] فقال: ( ما أنا بقارىء ) فقال له: [ٱقۡرَأ] فقال: ( ما أنا بقارىء ) فقال: [ٱقۡرَأ] فقال: ( ما أنا بقارىء ) وكان جبريل بعد كل جواب من الأجوبة الثلاثة يضمه على صدره، ويعصره حتى يبلغ منه الجهد.
ولما تركه جبريل في المرة الثالثة ألقى عليه أول آيات أُنزلت من القرآن، وهي [ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ] (العلق 1_5).
بهذه الآيات العظيمة التي تأمر بالعلم، وتبيِّن بداية خلق الإنسان _ بدأ نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فرجع النبي إلى زوجته خديجة يرجف فؤاده، ولكنه حفظ رشاده، فقال: ( زملوني زملوني ) يعني: لففوني بالثياب، ففعلوا، حتى إذا ذهب عنه الروع، أخبر خديجة الخبر، وقال: ( لقد خشيت على نفسي ) .
فقالت خديجة _رضي الله عنها_: ( كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتُقْري الضيف، وتعين على نوائب الحق ) .
وهكذا استدلت هذه المرأة العاقلة على أن من كان هذا شأنه في محبة الخير للناس فلن يخذله الله؛ فسنَّة الله تقتضي بأن الجزاء من جنس العمل.
ثم انطلقت بعد ذلك خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصَّر في الجاهلية، ويكتب الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: اسمع من محمد ما يقول، فقال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس([439]) الذي أُنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً _أي شاباً_ ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أَوَ مُخْرِجيَّ هم؟ ) قال: نعم؛ لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ، وإن يدركني يومُك أَنْصُرْك نصراً مؤزراً، ثم توفي ورقة، وفتر الوحي([440]).
واستمرت فترة الوحي ثلاث سنين، قوي فيها استعداد النبي، واشتدَّ شوقه وحنينه.
قال صلى الله عليه وسلم : ( بينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض؛ فجئثت([441]) منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني ) ([442]).
وذكر أنه رعب منه، ولكن ذلك دون الرَّعبة الأولى، فرجع إلى أهله فتزَمَّلَ، وتَدَثَّرَ _أي: تغطى بالثياب_.
ثم أنزل الله عليه قوله _تعالى_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ ٣ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤ وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ] (المدثر).
أي: يا أيها الذي تدثر بثيابه قم فأنذر الناس بالقرآن، وبلغهم دعوة الله، وطهر ثيابك وأعمالك من أدران الشرك، واهجر الأصنام، وتبرأ من أهلها.
تتابع الوحي، وقيامه بالدعوة: ثم حمي الوحي بعد ذلك، وتتابع، وبلَّغ صلى الله عليه وسلم دعوة ربه، حيث أمره وأوحى إليه بأن يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى دين الإسلام الذي ارتضاه الله، وختم به الأديان؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن([443]).
فاستجاب له أول من استجاب: خديجة من النساء، وأبو بكر الصديق من الرجال، وعلي بن أبي طالب من الصبيان، ثم توالى دخول الناس في دين الله، فاشتدَّ عليه أذى المشركين، وأخرجوه من مكة، وآذوا أصحابه أشدَّ الأذى، فهاجر إلى المدينة، وتتابع عليه نزول الوحي، واستمر في دعوته، وجهاده، وفتوحاته، حتى عاد إلى مكة ظافراً فاتحاً.
وبعد ذلك أكمل الله له الدين، وأقرَّ عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين، ثم توفاه الله وعمره ثلاث وستون سنة، أربعون منها قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً رسولاً([444]).
وبه ختم الله الرسالات السماوية، وأوجب طاعته على الجن والإنس؛ فمن أطاعه سعد في الدنيا، ودخل الجنة في الآخرة، ومن عصاه شقي في الدنيا، ودخل النار في الآخرة.
وبعدما توفاه الله _عز وجل_ تابع أصحابه مسيرته، وبلَّغوا دعوته، وفتحوا البلدان بالإسلام، ونشروا الدين الحق حتى بلغ ما بلغ الليل والنهار.
ودينه صلى الله عليه وسلم باقٍ إلى يوم القيامة.
فما القول في أميّ نشأ بين أميين، قام بذلك الإصلاح الذي تغيَّر به تاريخ البشر أجمعين: في الشرائع، والسياسات، وسائر أمور الدنيا والدين؟ وامتدَّ مع لغته في قرن واحد من الحجاز إلى آخر حدود أوربا وأفريقيا من الغرب، وإلى حدود الصين من جهة الشرق حتى خضعت له الأمم، ودانت له الدول، وأقبلت إليه الأرواح قبل الأشباح، وكانت تتبعه في كل فتوحه الحضارةُ، والمدنيةُ، والعدل والرحمة، والعلوم العقلية والكونية على أيدي تلك الأمة الحديثة العهد بالأمية، التي زكَّاها القرآن، وعلَّمها أن إصلاح الإنسان يتبعه إصلاح الأكوان؛ فهل يمكن أن يكون هذا إلا بوحي من لدن حكيم عليم، وتأييد سماوي من الإله العزيز القدير الرحيم؟([445])
الفصل الثاني
في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأسرار سيرته
المبحث الأول: في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خير البرية، وأزكى البشرية، وأعلاها رتبة، وأجلها قدراً، وأحسنها خلقاً، وأكرمها على الله _تبارك وتعالى_.
اختاره الله على علم، وأكرمه بالرسالة، وأيده بالوحي.
جبله على حميد الخلال، وفطره على كريم الخصال، ثم أدبه فأحسن تأديبه، فرباه فأحسن تربيته، فكان خلقه القرآن، كما قالت أم المؤمنين عائشة _رضي لله عنها_ عن خلقه صلى الله عليه وسلم لما سئلت عنه.
وهو _عليه الصلاة والسلام_ هو المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق؛ فإنه أُدِّب بالقرآن، وأدَّب الخلق به، ثم لما أكمل الله له خلقه أثنى عليه فقال _تعالى_: [وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ] (القلم:4).
ولقد كتب العلماء _رحمهم الله_ في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، فتحدثوا عن حلمه، وعفوه، ورحمته، وشفقته، وحيائه، وشجاعته، وجوده، وكرمه، وصدقه، وبره، ووفائه، وأمانته، وإيثاره، وتواضعه، ولين جانبه، وكرم معشره، ونحو ذلك مما بلغ به الذروة في كل خلق كريم.
فمن تأسى به، وتخلق بخلقه كان في أعز جوار، وأمنع ذمار.
فبحسب متابعته تكون العزة، والكفاية، والنصرة كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة؛ فالله _سبحانه_ علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته.
فلأتباعه الهدى والأمن، والفلاح، والعزة، والكفاية، والنصرة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة.
ولمخالفيه الذلة، والصغار، والخوف، والضلال، والخذلان، والشقاء في الدنيا والآخرة([446]).
فبسط شمائله الحميدة، ونشر أخلاقه الكريمة _ من أمثل الطرق، وأقوم السبل لحسم الفساد، وكسر شوكة الباطل، بل إن ذلك مرقى العز، وسلم السعادة، وسبيل التأسي.
وفيما يلي من أسطر ذكر لبعض ما رقمته أقلام العلماء في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وذلك على سبيل الاختصار والاختزال، دون ذكر للأسانيد، أو إكثار من الإحالات؛ إذ المقام ليس مقام إطالة وإسهاب.
فمما قيل في أخلاقه _عليه الصلاة والسلام_ ما يلي:
كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس.
وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفاجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه.
وكان لا يأخذ مما آتاه الله إلا قُوْتَ عامه فقط، وكان ذلك أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويرضى ذلك في سبيل الله، ولا يسأل شيئاً إلا أعطاه، ثم يعود إلى قوت عامه، فيؤثر منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء.
وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مَهْنة أهله، ويقطع اللحم معهن، وكان أشد الناس حياءً، لا يثبت بصره في وجه أحد.
وكان يجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، أو فخذ أرنب، ويكافئ عليها، ويأكلها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة دعوة الأَمَةِ والمسكين.
يغضب لربه، ولا يغضب لنفسه، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ومرة يأكل ما حضر، ولا يرد ما وجد، ولا يتورع عن مطعم حلال، وإن وجد تمراً دون خبز أكله، وإن وجد شواءً أكله، وإن وجد خُبْزَ بُرٍّ أو شعيرٍ أكله، وإن وجد حلواً أو عسلاً أكله، وإن وجد لبناً دون خبز اكتفي به، وإن وجد بطيخاً أو رطباً أكله.
وكان يعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس.
وكان أشد الناس تواضعاً، وأسكنهم من غير كبر، وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بشراً، لا يهوله شيء من أمور الدنيا.
يلبس ما وجد، فمرة شملة، ومرة بُرْدَ حِبَرةٍ يمانياً، ومرة جبةَ صوفٍ، فما وجد من المباح لبس.
يركب ما أمكنه، مرة فرساً، ومرة بعيراً، ومرة بغلة شهباء، ومرة حماراً، ومرة يمشي راجلاً حافياً.
يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم.
لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، يمزح ولا يقول إلا حقًّا، يضحك من غير قهقهة، يسابق أهله، ترفع الأصوات عليه فيصبر.
وكان لا يمضي له وقت في غير عمل لله _تعالى_ أو فيما لا بد له منه في صلاح نفسه.
لا يحتقر مسكيناً لفقره وزمانته، ولا يهاب ملكاً لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاءً مستوياً، قد جمع الله _تعالى_ له السيرة الفاضلة، والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
نشأ في بلاد الجهل والصحاري في فقره، وفي رعاية الغنم يتيماً لا أب له، فعلمه الله _تعالى_ جميع محاسن الأخلاق، والطرق الحميدة، وأخبار الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة، والغبطة والخلاص في الدنيا، ولزوم الفضل، وتركَ الفضول.
ما شتم أحداً من المؤمنين إلا جعلها له كفارة ورحمة، وما لعن امرأة قط، ولا خادماً بلعنة.
وما ضرب أحداً بيده قط، إلا أن يضرب بها في سبيل الله _ تعالى _ وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله، وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم، فيكون أبعد الناس من ذلك.
وما كان يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته.
ولم يكن فظاً ولا غليظاً، ولا صخاباً في الأسواق، وما كان يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.
وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام، ومن قادمه لحاجة صابره حتى يكون القادم هو المنصرف.
وما أخذ أحدٌ بيده، فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة، ثم أخذ بيده، فشابكه، ثم شد قبضته عليها.
وكان أكثر جلوسه ينصب ساقيه جميعاً، ويمسك بيده عليهما شبه الحبْوة، ولم يكن يعرف مجلسه من مجلس أصحابه؛ لأنه كان يجلس حيث انتهى به المجلس، وما رؤي قط ماداً رجليه بين أصحابه؛ حتى لا يضيق بها على أحد إلا أن يكون المكان واسعاً لا ضيق فيه.
وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليس بينه وبينه قرابة ولا رضاع يجلسه عليه.
وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل.
وما استصفاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه، وكان يعطي كلَّ مَنْ جلس إليه نصيبه من وجهه، وسمعه، وحديثه، ولطيف محاسنه وتوجهه.
وكان مجلسه مجلس وقار، وحلم، وحياء، وخير، وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحُرَمُ، ولا تثنى فلتاته.
ومعنى لا تؤبن فيه الحرم: أي لا تذكر فيه حرمات الناس بسوء، يقال أبَنه إذا ذكره بسوء، والمراد بالحرم هنا أعراض الناس، وما يحرِّمون تناوله منهم.
ومعنى لا تثنى فلتاته: لا تعاد، مأخوذٌ من التثنية وهي الإعادة، والفلتات جمع فلتة، وهي الزلة من القول والفعل إذا جرت على غير قصد بغتة؛ يعني أن أهل ذلك المجلس أهل حفظ للسر، وإعراض عن اللغو، فلو صدرت من أحد فلتة لم يتناقلها جلساؤه بالتسميع والتشنيع.
وهذا أدب عربي رفيع، وفي هذا المعنى قال ودَّاك بن ثميل من شعراء الحماسة:
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم | إذا نطق العوّارَ غربُ لسان |
ومن آداب ذلك المجلس أن أصحابه لا يقاطعون الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تكلم، وإذا سكت تكلموا، وإذا تحدثوا عنده لم يختلفوا، ولم يتخاصموا، وإن تخاصموا لم يطل وقت الخصام.
ومن أراد الكلام أنصتوا، واستمعوا له حتى يفرغ من كلامه.
وكان آخر من يتكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم له نفس حظ أول المتكلمين من الإنصات والاهتمام.
وكان _عليه الصلاة والسلام_ يضحك مما يضحكون، ويعجب مما يعجبون إذا كان في حدود الأدب.
وكان يصبر على الغريب إذا جفاه في مقاله وسؤاله، حتى إن أصحابه قد لا يرضون ذلك، ولكنهم لا يتقدمون بين يديه _عليه الصلاة والسلام_ ولا يتجاوزون ما علمهم من الصبر، والرحمة، وإعانة طالب الحاجة على طلبه.
ومن خلقه _ عليه الصلاة والسلام _ أخذه بمبدأ الحوار؛ فالناظر في السيرة _بعدل وإنصاف_ يرى رأْيَ العينِ أنها حافلةٌ بالحوار في أرفع درجاته، وأعلى مقاماته، وأروع آدابه، وأسمى طرائقه وأساليبه.
ولا غرو في ذلك؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير الناس، وسيرته أرقى صورة للحياة البشرية.
ولقد مرت به _عليه الصلاة والسلام_ أطوارٌ كثيرةٌ، وأحوالٌ شتى مِنْ سِلْمٍ وحرب، وعسر ويسر، وكان الرسول المجتبى، والسيد المطاع، والوالد الحاني، والزوجَ الوفيَّ، والمعلم القدوة، والصديق المخلص.
وهو الذي كان يعامل الصغير والكبير، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر، والمحارب والمسالم، والرجل والمرأة، والقريب والبعيد؛ فكان في جميع تلك الأحوال والمعاملات يأخذ بالحوار أخذاً عملياً لا دعوى تقولها الألسنةُ دون أن تتخلل منها مسلك الروح، ودون أن يكون لها رصيد في الواقع.
ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم؛ إكراماً لهم، واستمالة لقلوبهم، وكان يُكَنِّي من لم تكن له كنية، فكان يدعى بما كَنَّاه به، ويكني _أيضاً_ النساء اللاتي لهن أولاد، واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن الكنى، ويكني الصبيان، فيستلين به قلوبهم.
وكان أبعد الناس غضباً، وأسرعهم رضاً، وكان أرأف الناس بالناس، وخير الناس للناس، وكان لا يشافه أحداً بما يكرهه.
هذه بعض أخلاقه وشمائله، رزقنا الله حسن اتباعه، والاتساء به، والاهتداء بهديه.([447])
المبحث الثاني: الرحمة في السيرة النبوية
قال الله _عز وجل_ في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم وفي معرض الامتنان على الأمة: [فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ] آل عمران: 159 .
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( واللين هنا مجاز في سعة الخلق مع أمة الدعوة والمسلمين، وفي الصفح عن جفاء المشركين، وإقالة العثرات ) ([448]).
وقال رحمه الله : ( أرسل محمد صلى الله عليه وسلم مفطوراً على الرحمة؛ فكان لينُه رحمةً من الله بالأمة في تنفيذ شريعته بدون تساهل وبرفق وإعانة على تحصيلها؛ فلذلك جعل لينه مصاحباً لرحمةٍ من الله أودعها الله فيه؛ إذ هو قد بعث للناس كافة، ولكن اختار الله أن تكون دعوته بين العرب أول شيء لحكمة أرادها الله _تعالى_ في أن يكون العرب هُمْ مُبَلِّغَ الشريعة للعالم.
والعرب أمة عرفت بالأنفة، وإباء الضيم، وسلامة الفطرة، وسرعة الفهم.
وهم المتلقون الأولون للدين؛ فلم تكن تليق بهم الشدة والغلظة، ولكنهم محتاجون إلى استنزال طائرهم في تبليغ الشريعة لهم؛ ليتجنبوا بذلك المكابرةَ التي هي الحائل الوحيد بينهم وبين الإذعان إلى الحق.
وورد أن صفح النبي صلى الله عليه وسلم وعفوه ورحمته كان سبباً في دخول كثير في الإسلام، كما ذكر بعض ذلك عياض في كتاب الشفا ) ([449]).
وقال الله _عز وجل_ مبيناً شمول الرحمة للعالمين بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم : [وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ] (الأنبياء:107).
فجاءت هذه الآية مُؤَكِّدةً للرحمة بأسلوب من أقوى أساليب التأكيد، ألا وهو أسلوب الحصر، وأداتُه هنا النفي والاستثناء؛ فدل ذلك على أن الرحمة عامة.
قال ابن القيم رحمه الله : ( وأصح القولين في قوله _تعالى_: [وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ] (الأنبياء:107) أنه على عمومه، وفيه على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته، أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة، وأما أعداؤه المحاربون له فالذين عُجِّل قَتْلُهم وموتُهم خيرٌ لهم من حياتهم؛ لأن حياتهم زيادةٌ في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء؛ فتعجيلُ موتِهم خيرٌ لهم من طول أعمارهم في الكفر.
وأما المعاهدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شراً بذلك العهدِ من المحاربين له.
وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقنُ دمائهم وأموالِهم وأهلِهم واحترامُها، وجريانُ أحكامِ المسلمين عليهم من التوارث وغيرها.
وأما الأمم النائية عنه فإن الله _سبحانه_ رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض؛ فأصاب كلَّ العالمين النفعُ برسالته.
الوجه الثاني: أنه رحمة لكلِّ أحدٍ، لكنَّ المؤمنين قبلوا هذه الرحمة؛ فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها؛ فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة، لكن لم يقبلوها كما يقال: هذا دواء لهذا المرض، فإن لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواءاً لهذا المرض ) ([450]).
وقال الشيخ ابن عاشور رحمه الله في تفسير الآية: ( فجاءت هذه الآية مشتملة على وصف جامع لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم .
ومزيَّتُها على سائر الشرائع مزيةٌ تناسبُ عمومَها ودوامها، وذلك كونُها رحمةً للعالمين ) ([451]).
إلى أن قال رحمه الله : ( وتفصيل ذلك يظهر في مظهرين: الأول تخلق نفسه الزكية بخلق الرحمة، والثاني إحاطة الرحمة بتصاريف شريعته ) ([452]).
المبحث الثالث: في أسرار السيرة النبوية
السيرة النبوية الغراء مليئة بالعبر، حافلة بالأسرار، ومن ذلك ما يلي:
1_ أن السيرة لا تُستنفد مهما كتب فيها، وقيل عنها: فسير العظماء _على الجملة_ يقوم بأمرها، ويغني في شأنها أن تكتب مرة أو مرات، ثم تستنفد معانيها، ويصير الحديث فيها معاداً مكروراً تغني فيه أعمال الأسلاف عن محاولات الأخلاف.
أما سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلقد عُني المؤرخون والرواة بها منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا، وصدر فيها كثير من الكتب في عدة لغات، ومع ذلك لم تخْلَق جِدَّتُها، بل إنها لتزداد _على كثرة ما يكتب فيها_ جِدَّة وَرُوَاءً.
ولهذا فإنك لا تكاد تبحث في موضوع من موضوعات العلم، أو الفكر، أو الأخلاق، أو السلوك، أو الاجتماع، أو السياسة أو البيان، أو اللغة، أو غير ذلك إلا وستجد في السيرة مادة عظيمة تغني الباحث، ويبقى بعده فضل لمن أراد المزيد؛ فالسيرة ينبوع ثرٌّ يغدق الخير، ويُعَمُّ به الناس على اختلاف المشارب والمنازع؛ فعلى الرغم من أن الموضوع الذي تعالجه السيرة النبوية ليس بالأمر الذي يقوم على التجارب، وليس هو بالفكرة التي يقيمها برهان، وينقضها برهان _ كما هو الشأن في النظريات العلمية التي يطرأ عليها التجديد والتغيير على مر السنين _ وإنما هو أمر عماده النقل والرواية من حيث المبدأ إلا أنه ميدان فسيح لاستنباط الأحكام، والأنظمة، وقواعد العلوم، ومحاسن الآداب، والأخلاق، وما جرى مجرى ذلك.([453])
2_ أن التجني على مقام النبوة يكون سبباً لبعث فضائل النبي صلى الله عليه وسلم : فما أكثر ما تَجنَّى خصوم الإسلام على سيرة نبيه جهلاً أو جحوداً بالحق، فلم ينالوا منها نيلاً، بل ربما دفع تجنِّيهم بعضَ الباحثين إلى العناية بها؛ تَلَمُّساً للإنصاف، وطلباً للمعرفة؛ فهدوا بذلك إلى الخير، أو شيء منه.
3_ أن الله _عز وجل_ أوزع الناس العناية بالسيرة: فلعل من صلاة الله على نبيه أن أوزع الناس هذه العناية بسيرته سواء منهم من أقرَّ به، أو من أنكر نبوته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نور، ومن عرف النور فقد شهد لنفسه بالاستبصار، ومن أنكره فقد شهد على نفسه بالعمى، والنور على الحالين نور.
4_ أن مصدرَ العناية بالسيرة ليس إرضاءَ حاجةِ العلم والدرس فحسب؛ فحاجات المؤمنين إلى هذا الينبوع من الحب والهدى أشد من حاجات العلماء إلى البحث والدرس، وكلُّ من في قلبه نفحة إيمان يجد نفسه مهما فرّط في الدِّين مشدوداً إلى محمد، راغباً في أن تزداد هذه العلاقة وثاقة.
وحب رسول الله من حب الله، فليس محمد _على شأنه الأَجَلِّ_ إلا بشراً رسولاً([454]).
5_ للسيرة النبوية أبلغ الأثر في تقويم السلوك، وتربية العواطف الشريفة؛ فإنها المرآة التي تنعكس منها تلك الصورة التي تعد _بحقٍّ_ أرقى صورة للحياة البشرية؛ حيث كان النبي محمد _عليه الصلاة والسلام_ يرسم بأقواله، وأعماله، وسائر تصرفاته _ القدوة العليا التي يجب أن تهدف إليها جهود البشر في سيرهم نحو الكمال المنشود([455]).
6_ أنها معلومة للناس بجميع أطوارها، متجلية لهم دخائلها من كل مناحيها.
ولا ريب أن ذلك من أعظم أسرار عظمتها وخلودها؛ إذ لا يصح أن تكون سيرة أحد من الناس قدوة لغيره إلا أن تكون واضحة معلومة منزهة عن العيوب والمثالب.
ومن الجلي أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت واضحة كل الوضوح في جميع مراحلها، فمن زواج أبيه عبدالله بأمه آمنة إلى حين وفاته صلى الله عليه وسلم .
فنحن نعرف الكثير من ولادته وطفولته، وشبابه، ومكسبه قبل النبوة، ورحلاته خارج مكة إلى أن بعثه الله رسولاً كريماً.
ثم نعرف بشكل أدق وأوضح وأكمل كل أحواله بعد ذلك، مما يجعل سيرته واضحة وضوح الشمس، وذلك مما حدا بعض النقاد الغربيين إلى القول: ( إن محمداً _عليه الصلاة والسلام_ هو الوحيد الذي ولد على ضوء الشمس ) .([456])
ولقد ضبط العلماء سيرته _عليه الصلاة والسلام_ وأتوا على دقائق قد لا تخطر بالبال.
ولو استعرض القارئ فهرس أحد الكتب التي اعتنت بسيرته وشمائله لوجد ذلك واضحاً جلياً([457]).
ولهذا فإنه _عليه الصلاة والسلام_ لم يكن ليتحرج من نقل ما يقوم به من أعمال حتى في داخل منزله؛ فترى _من جراء ذلك_ كثرة الأحاديث التي ترويها أمهات المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولم يكن ذلك إلا لأن سِرَّه كعلانيته، وظلمةَ ليلِه كضوء نهاره؛ فسيرته معلومة منذ ولادته إلى ساعة وفاته.
7_ أنها أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل أو عظيم مصلح: فقد وصلت إلينا سيرة النبي الأكرم _عليه الصلاة والسلام_ من أصح الطرق العلمية، وأقواها ثبوتاً؛ فخذ مثلاً سيرة موسى وعيسى _عليهما السلام_ فقد أُدخل في التوراة والإنجيل زيفٌ وتحريف.
وإذا نظرت في سير أصحاب الديانات الأخرى المزعومة كبوذا، وكونفوشيوس وجدتَ أن الروايات التي يتناقلها أتباعهم ليس لها أصل معتبر في نظر البحث العلمي، وإنما يتلقاها الكهان والرواة فيما بينهم، ويُدْخَلُ فيها الكثير من الأساطير والخرافات([458]).
يقول د. القِسُّ شارك آندرسون سكوت: ( ينبغي أن يتنازل الإنسان عن محاولة وضع كتاب عن سيرة المسيح بكل صراحة؛ فإنه لا وجود للمادة والمعلومات التي تساعد على تحقيق هذا الغرض.
والأيام التي توجد عنها بعض المعلومات لا يزيد عددها على خمسين يوماً ) ([459]).
8_ أن هذه السيرة تحكي صورة إنسان لا أسطورة: فهي سيرة إنسان أكرمه الله بالرسالة؛ فلم تخرجه عن بشريته، ولم تلحق حياته بالأساطير، ولم تُضْفِ عليه من الألوهية قليلاً ولا كثيراً.
وإذا نظرت إلى ما يقول النصارى في عيسى _عليه السلام_ وجدت أنهم يضفون عليه من ادعاء الإلهية والربوبية ما يجعل سيرته أبعد من أن تكون مثالاً للإنسان في حياته الشخصية.
بينما يظل محمدٌ _ عليه الصلاة والسلام _ المثل الإنساني الحي لكل من أراد أن يعيش سعيداً كريماً في نفسه، وأسرته، ومجتمعه.
ثم إن تلك السيرة تحكي لنا سيرة الشاب الأمين الصادق، كما تحكي سيرة الرسول الداعية الصابر، وسيرة الإمام العادل، وسيرة الأب الحاني، والزوج الوفي، والمربي العظيم، والمرشد الحكيم، والصديق المُواتي الكريم، والمحارب القائد الشجاع.
فهي _باختصار_ سيرة شاملة تجعله قدوة صالحة لكل داعية، وأب، وزوج، ومحارب، وسياسي، ورئيس دولة([460]).
الفصل الثالث
بشارةُ موسى وعيسى _عليهما السلام _ بمحمد صلى الله عليه وسلم وأقوال المنصفين من غير المسلمين
تمهيد: في بشارات الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم
إن رسولاً عظيماً كمحمد صلى الله عليه وسلم في عموم بعثته، وخلود دينه، وشريعته _ جدير بأن يُعْلِمَ الله _سبحانه_ بمبعثه رُسُلَه وأنبياءه _عليهم السلام_ ويصفه لهم ببعض نعوته، وعلاماته، ويعهد إليهم بأن يبشروا أقوامهم بظهوره، ويوصوهم بقبول دعوته، وحسن طاعته([461]).
وهذا ما وقع حقًّا؛ قال الله _عز وجل_ [وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ] آل عمران 81 .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ( قال علي بن أبي طالب، وابن عمه ابن عباس _رضي الله عنهما_: ( ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ) ([462]).
هذ وإن أعظم بُشْرَى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم كانت على يد نبيين من أولي العزم من الرسل ألا وهما موسى وعيسى _عليهما السلام_ وفي المبحثين التاليين شيء من أخبار تلك البشارتين:
المبحث الأول: بشارة موسى بمحمد _ عليهما السلام _
لقد جاء بني إسرائيل الخبر اليقين بالنبي الأمين، على يد نبي الله موسى منذ أمد بعيد، جاءهم الخبر اليقين ببعثته، وبصفاته، ونهج رسالته، وبخصائص ملته؛ فهو النبي الأمي الذي يأمر الناس بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحلُّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عن من يؤمنون به من بني إسرائيل الأثقال والأغلال التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم، فيرفعها عنهم النبي الأمي حين يؤمنون به، وأتباع هذا النبي يتقون ربهم، ويخرجون زكاة أموالهم، ويؤمنون بآيات الله.
جاء بني إسرائيل الخبر اليقين بأن الذين يؤمنون بهذا النبي الأمي، ويعظمونه، ويوقرونه، وينصرونه، ويؤيدونه،ويتبعون النور الذي أنزل معه هم المفلحون الفائزون بخيري الدنيا والآخرة.
قال الله في محكم تنزيله: [قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ ١٥٦ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ] الأعراف([463]).
فهذه الآية صريحة في أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مكتوب في التوراة والإنجيل، والمراد بكتابته فيهما: ذِكْرُ مبعثه، ودعوته، وشيء من نعوته.
وهذا المعنى موجود في الكتابين يقيناً، فقد نزلت الآية على مسمع من علماء الأمتين: اليهودية والنصرانية، فمنهم من يؤمن به _عليه الصلاة والسلام_ ويخبر بما في كتبهم من ذكره بصفته وعلاماته، ومنهم من لا ينكر أن يكون قد ذكر في الكتابين رسول بهذه النعوت والعلامات، ولكنه يكابر في أن المراد منه المصطفى _صلوات الله عليه_ ويقول: المقصود منه نبي آخر، وفي مثل هؤلاء نزل قوله _تعالى_: [ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ] البقرة: 146 .
وقد تصدى لجمع هذه البشائر من كتابي التوراة والإنجيل طائفةٌ من أهل البحث والعلم، وبينوا وجه انطباقها على حال النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا تأخذ الناظر شبهة في أنه الرسول الذي بشرت الأنبياء بمبعثه وعموم رسالته.
ولشدة موقع هذه البشارات في الدلالة على صدق نبوته _عليه الصلاة والسلام_ ذكرها القرآن الكريم في دلائل النبوة، قال الله _تعالى_: [أَوَ لَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُۥ عُلَمَٰٓؤُاْ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ] الشعراء: 197 .
وإنما كان علم علماء بني إسرائيل من آيات صدقه؛ لأنهم يستندون في هذا العلم إلى ما في التوراة من نعوته وعلاماته، مع القطع بأن هذه النعوت والعلامات مطابقة لحاله _عليه الصلاة والسلام_([464]).
وقد بقي بقية بشارة موسى _عليه السلام_ في التوراة، ففي سفر التثنية الإصحاح (18) فقرة 18_19 قال الله لموسى: ( أقيم لهم ( أي لبني إسرائيل ) نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه؛ فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع كلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه ) .
ودلالة هذه البشارة على رسولنا صلى الله عليه وسلم بيّنة؛ ذلك أنه من بني إسماعيل وهم إخوة بني إسرائيل؛ فجدهم هو إسحاق، وإسماعيل وإسحاق أخوان، ثم هو أوسط العرب نسباً.
وقوله: مثلك أي صاحب شريعة مثل موسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جعل كلامه في فمه؛ حيث كان أمياً لا يقرأ من المصحف، ولكن الله يوحي إليه كلامه فيحفظه ويرتله، وهو الرسول المرسل إلى الناس كافة، وبنو إسرائيل مطالبون باتباعه، وترك شريعتهم لشريعته، ومن لم يفعل فإن الله معذبه ( ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه ) .
ومما يعرفنا أن هذه البشارة هي بقية البشارة العظيمة التي أوحى الله بها إلى موسى، وأخبرنا بها القرآن الكريم _ أن هذه البشارة وردت في موقف معين عندما اختار موسى من قومه سبعين رجلاً لميقات الله فأخذتهم الرجفة، وذلك بسبب طلبهم رؤية الله _جل وعلا_ فدعا موسى ربه وتوسل إليه، فبعثهم الله من بعد موتهم، قال الله بعد توسل موسى ودعائه: [عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ...] الآيات.
وإذا رجعت إلى التوراة في سفر الخروج تجد أن هذه البشارة إنما أوحى الله بها بعد ذهابه لميقات الله، وتتحدث التوراة عن شيء قريب من الرجفة؛ حيث جاء في التوراة: ( وكل الشعب سمع الأصوات وصوت البوق، ونظروا الشهب والجبل دخاناً ونظر كل القوم وتشردوا ووقفوا من بعد... ) سفر الخروج الإصحاح (20) من التوراة السامرية([465]).
والتوراة التي بين أيدي الناس اليوم محرفة مغيرة يَدُلُّكَ على ذلك هذا الاختلافُ الذي نجده في أمور كثيرة بين نسخها وطبعاتها، فهناك ثلاث نسخ للتوراة: العبرانية، واليونانية، والسامرية، وكل قوم يدعون أن نسختهم هي الصحيحة، وهناك فروق واضحة بين طبعات التوراة وترجماتها.
وقد أدى هذا التحريف إلى ذهاب كثير من البشارات، أو طمس معالمها.
ومع ذلك فقد بقي من هذه البشارات شيء كثير، ولا تخفى هذه البشارات على من يتأملها، ويعرضها على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم متجرداً من الهوى.
والكلام في إيراد هذه البشارات _وهي كثيرة_ يطول([466]).
المبحث الثاني: بشارة عيسى بمحمد _ عليهما السلام _
لقد بشر عيسى _عليه السلام_ بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأخبرنا الله _عز وجل_ في كتابه العزيز بهذه البشارة، قال _تعالى_: [وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِين] الصف: 6 .
وأحمد من أسماء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح البخاري عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب ) ([467]).
وقد مر عند الحديث عن بشارة موسى بمحمد _عليهما السلام_ ذكر لآية الأعراف، وهي تتضمن وجود وصف النبي صلى الله عليه وسلم مكتوباً في الإنجيل، كما هو مكتوب في التوراة.
ومما ورد ذكره في القرآن من هذا القبيل ما جاء في سورة الفتح، حيث ضرب الله _عز وجل_ في التوراة والإنجيل مثلين لرسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال _تعالى_: [مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطَۡٔهُۥ فََٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا] الفتح: 29 .
ومن البشارات الموجودة في الإنجيل ما جاء في إنجيل متى الإصحاح (11) عدد (14) ( وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع ) .
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ليس بينه وبين عيسى نبي، فيكون إيلياء الذي بشر به عيسى هو محمداً صلى الله عليه وسلم ، وإيليا بحساب الجُمَّل الذي أغرمت به اليهود يساوي محمداً.
وفي إنجيل يوحنا إصحاح (14) عدد (15) ( إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد، وفي اللغات الأجنبية ( فيعطيكم باركليتوس ) ليمكث معكم إلى الأبد ) .
والمعنى الحرفي لكلمة ( باركليتوس ) اليونانية هو أحمد، وهو من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم .
وفي إصحاح يوحنا (15) عدد (26) ( ومتى جاء المعزى الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي ) ويشهد لي لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شهد للمسيح بالنبوة والرسالة، وروح الحق كناية عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعاني الواردة في هذه الترجمة الحديثة ليست دقيقة؛ لأن أصلها باليونانية وهي اللغة التي ترجمت منها هذه الأناجيل _ مكتوبة ( بيركليتوس ) وفي التراجم العربية المطبوعة سنة 1821م، سنة 1831م، سنة 1844م، في لندن تجدها ( فارقليط ) وهي أقرب إلى العبارة اليونانية المشار إليها، أما ترجمتها في الطبعات الحديثة إلى المعزى فهو من التحريف الذي ذم الله أهل الكتاب به [يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ] النساء: 46 ) .
ويلاحظ أن هناك جملة ساقطة قبل الجملة الواردة في عدد (26) من هذا الإصحاح سقطت من الطبعات الحديثة، لكنها ورادة صراحة في الطبعات القديمة للإنجيل، ونص هذه الجملة: ( فلو قد جاء المنحمنا الذي يرسله الله إليكم ) ومعنى المنحمنا الحرفي باللغة السريانية محمد([468]).
المبحث الثالث: في أقوال المنصفين من غير المسلمين في محمد صلى الله عليه وسلم
كل عاقل منصف لا يسعه إلا الإعجاب بعظمة النبي صلى الله عليه وسلم والتصديق بما جاء به؛ ذلك أن الأمارات الكثيرة شاهدةٌ بعظمته، ناطقةٌ بصدقه.
ولا ريب أن شهادةَ المخالف لها مكانتها؛ فالفضل _كما قيل_ ما شهدت به الأعداء.
وفيما يلي عدد من الشهادات التي أدلى بها جمع من الفلاسفة والمفكرين من غير المسلمين من النصارى وغيرهم.
1_ شهادة الفيلسوف الإنجليزي الشهير (توماس كارليل) الحائز على جائزة نوبل للسلام، وهذه الشهادة تكاد تكون أشهر وأعظم شهادة نطق بها كاتب غربي، وتكاد تظن أن الذي كتبها مسلم خبير بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيما يلي مقتطفات مما قال كارليل في كتابه الأبطال مخاطباً قومه النصارى: ( لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوِّر.
وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة؛ فإن الرسالة التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة؟!
أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم مثل هذا القبول، فما الناس إلا بُلْهٌ مجانين، فوا أسفا! ما أسوأ هذا الزعم، وما أضعف أهله، وأحقهم بالرثاء والرحمة.
وبعد، فعلى من أراد أن يبلغ منزلة ما في علوم الكائنات ألا يصدق شيئاً ألبتة من أقوال أولئك السفهاء؛ فإنها نتائج جيل كفر، وعصر جحود وإلحاد، وهي دليل على خبث القلوب، وفساد الضمائر، وموت الأرواح في حياة الأبدان.
ولعل العالَم لم يرَ قط رأياً أكفر من هذا وأَلأَم، وهل رأيتم قط _معشر الإخوان_ أن رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً، وينشره علناً؟
والله إن الرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتاً من الطوب؛ فهو إذا لم يكن عليماً بخصائص الجير، والجص، والتراب، وما شاكل ذلك _ فما ذلك الذي يبنيه ببيت، وإنما هو تل من الأنفاق، وكثيب من أخلاط المواد.
نعم، وليس جديراً أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرناً يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه، فينهدم؛ فكأنه لم يكن ) .
إلى أن قال: ( وعلى ذلك، فلسنا نَعُدُّ محمداً هذا قط رجلاً كاذباً متصنعاً، يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته، ويطمح إلى درجة ملك أو سلطان، أو إلى غير ذلك من الحقائر.
وما الرسالة التي أدَّاها إلا حقٌ صراحٌ، وما كلمته إلا قول صادق.
كلا ( ما محمد بالكاذب ) ولا المُلفِّق، وهذه حقيقة تدفع كل باطل، وتدحض حُجة القوم الكافرين.
ثم لا ننسى شيئاً آخر، وهو أنه لم يتلق دروساً على أستاذ أبداً، وكانت صناعة الخط حديثة العهد إذ ذاك في بلاد العرب _وعجيب وأيم الله أُمِّيَة العرب_ ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر، ولم يغترف من مناهل غيره، ولم يكن إلا كجميع أشباهه من الأنبياء والعظماء، أولئك الذين أشبِّههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور.
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق العزم بعيداً، كريماً بَرًّا، رؤوفاً، تقياً، فاضلاً، حرًّا، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو _مع ذلك_ سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان _على العموم_ تضيء وجهه ابتسامةٌ مشرقة من فؤاد صادق؛ لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله ) .
إلى أن قال: ( كان عادلاً، صادق النية، كان ذكي اللب، شهم الفؤاد، لوذعياً، كأنما بين جنبيه مصابيح كلِّ ليل بهيم، ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك.
ويزعم المتعصبون من النصارى والملحدين أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية، ومفاخر الجاه والسلطان.
كلا _وأيم الله_ لقد كان في فؤاد ذلك الرجل ابن القفار والفلوات، المتوقد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيراً وحكمة، وحِجىً _ أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا، وتلك نفس صامتة كبيرة، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين؛ فبينما ترى آخرين يرضون الاصطلاحات الكاذبة، ويسيرون طبق الاعتبارات الباطلة إذ ترى محمداً لم يرض أن يَتَلَفَّع بمألوف الأكاذيب، ويتوشح بمبتدع الأباطيل.
لقد كان منفرداً بنفسه العظيمة، وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سرُّ الوجود يسطع لعينيه _كما قلت_ بأهواله، ومخاوفه، وروانقه، ومباهره، ولم يكن هناك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكان لسان حال ذلك السر الهائل يناجيه: ها أنا ذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس، فإذا تكلم هذا الرجل فكل الآذان برغمها صاغية، وكل القلوب واعية، وكل كلام ما عدا ذلك هباء، وكل قول جفاء ) .
إلى أن قال: ( إذاً فلنضرب صفحاً عن مذهب الجائرين أن محمداً كاذب، ونعد موافقتهم عاراً، وسبة، وسخافة، وحمقاً؛ فلنربأ بأنفسنا عنه ) .
إلى أن قال: ( وإن ديناً آمن به أولئك العرب الوثنيون، وأمسكوه بقلوبهم النارية لجدير أن يكون حقًّا، وجدير أن يُصَدَّق به.
وإنما أودع هذا الدين من القواعد هو الشيء الوحيد الذي للإنسان أن يؤمن به.
وهذا الشيء هو روح جميع الأديان، وروح تلبس أثواباً مختلفة، وأثواباً متعددة، وهي _في الحقيقة_ شيء واحد.
وباتباع هذه الروح يصبح الإنسان إماماً كبيراً جارياً على قواعد الخالق، تابعاً لقوانينه، لا مجادلاً عبثاً أن يقاومها ويدافعها.
لقد جاء الإسلام على تلك الملل الكاذبة، والنحل الباطلة، فابتلعها، وحق له أن يبتلعها؛ لأنه حقيقة، وما كان يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب، وجدليات النصرانية، وكل ما لم يكن بحق؛ فإنها حطب ميت ) .
إلى أن قال: ( أيزعم الأفَّاكون الجهلة أنه مشعوذ ومحتال؟
كلا، ثم كلا، ما كان قط ذلك القلب المحتدم الجائش كأنه تَنُّور فِكْر يضور ويتأجج _ ليكون قلب محتال ومشعوذ، لقد كانت حياته في نظره حقًّا، وهذا الكون حقيقة رائعة كبيرة ) .
إلى أن قال: ( مثل هذه الأقوال، وهذه الأفعال ترينا في محمد أخ الإنسانية الرحيم، أخانا جميعاً الرؤوف الشفيق، وابن أمنا الأولى، وأبينا الأول.
وإنني لأحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار رجلاً مستقل الرأي، لا يقول إلا عن نفسه، ولا يدّعي ما ليس فيه، ولم يكن متكبراً، ولكنه لم يكن ذليلاً ضَرِعاً، يخاطب بقوله الحرِّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة، وللحياة الآخرة، وكان يعرف لنفسه قدرها.
ولم تخل الحروب الشديدة التي وقعت له مع الأعراب من مشاهد قوة، ولكنها كذلك لم تخل من دلائل رحمة وكرم وغفران، وكان محمد لا يعتذر من الأولى، ولا يفتخر بالثانية ) .
إلى أن قال: ( وما كان محمد بعابث قط، ولا شابَ شيئاً من قوله شائبةُ لعبٍ ولهوٍ، بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح، ومسألة فناء وبقاء، ولم يكن منه بإزائها إلا الإخلاص الشديد، والجد المرير.
فأما التلاعب بالأقوال، والقضايا المنطقية، والعبث بالحقائق _ فما كان من شأنه قط، وذلك عندي أفظع الجرائم؛ إذ ليس هو إلا رقدة القلب، ووسن العين عن الحق، وعيشة المرء في مظاهر كاذبة.
وفي الإسلام خَلَّة أراها من أشرف الخلال وأجلها، وهي التسوية بين الناس، وهذا يدل على أصدق النظر، وأصوب الرأي؛ فنفس المؤمن رابطة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء ) .
إلى أن قال: ( وسع نوره الأنحاء، وعمَّ ضوؤه الأرجاء، وعقد شعاعه الشمال بالجنوب، والمشرق بالمغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل في الهند، ورجل في الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة، ودهوراً مديدة بنور الفضل والنبل، والمروءة، والبأس، والنجدة، ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة ) ا_هـ.([469])
2_ وهذه شهادة قالها (الكونت هنري دي كاستري) وهو أحد وزراء فرنسا، وأحد حكام الجزائر السابقين في كتابه (الإسلام) الذي عرَّبه الأستاذ فتحي زغلول باشا رحمه الله يقول الوزير الفرنسي الكونت: ( إن أمة العرب قبل النبي كانت وثنية على وجه العموم، وكان مذهب توحيد الإله يخطر في الأذهان رويداً رويداً، وكان المشخصون لهذا الاعتقاد فريقاً يقال لهم الأحناف([470]) بقوا على مذهب إبراهيم، وأما المسيحيون فكانوا فرقاً كثيرة كلها تعتقد بمذهب التكثير _تعدد الآلهة_.
وتلقى محمد مذهب أولئك الأحناف بحالة سطحية، لكن لما كانت نفس ذلك النبي مفطورة على التشبع بالدين تكيف هذا المذهب في وجدانه حتى صار اعتقاداً لم تصل إليه نفسٌ قبله إلا قليلاً، وهو ذلك الاعتقاد المتين الذي أحدث انقلاباً كلياً في النوع البشري.
ومن الخطأ أن نبحث عن هذا المبدأ العميم فيضه في غير طريقة الأحناف؛ لأن محمداً ما كان يقرأ ولا يكتب، بل كان _كما وصف نفسه مراراً_ نبياً أمياً.
وهو وصف لم يعارضه فيه أحد من معاصريه، ولا شك أنه يستحيل على رجل في الشرق أن يتلقى العلم بحيث لا يعلمه الناس؛ لأن حياة الشرقيين كلَّها ظاهرة للعيان، على أن القراءة والكتابة كانت معدومة في ذلك الحين من تلك الأقطار؛ فثبت _إذن_ مما تقدم أن محمداً لم يقرأ كتاباً مقدساً، ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه؛ إذ لو فرض وكان القرآن قد نقل بعضاً من الكتب المقدسة الأخرى لبقي الأمر مشكلاً كما كان عليه في معرفة حقيقة ما اختلج بروحه الديني، وكيف وجد فيها ذلك الاعتقاد الثابت بوحدانية الله حتى استولى عليه روحاً وجسماً؟
ولقد نعلم أنه مرَّ بمتاعب كثيرة، وقاسى آلاماً نفسية كبرى قبل أن يُخْبَر برسالته؛ فقد خلقه ذا نفس تمحضت للدين، ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس؛ لكي يهرب من عبادة الأوثان، ولكي ينفرد بما نزل فيه من الفكر العظيم وهو وحدانية الله _تعالى_ اعتكف في جبل حراء، وأرخى عنان التفكير يجول في بحار التأملات عابداً مجتهداً.
ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين وهو في ريعان الذكاء، ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيل، وقوة الإدراك، لا بوضع المقدمات، وتعليق النتائج عليها ما كان إلا أن يقول مراراً، ويعيد تكراراً هذه الكلمات ( الله أحد، الله أحد ) كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده، وغاب عنا _معشر المسيحيين_ مغزاها؛ لبعدنا عن فكرة التوحيد.
ولم يزل عقله مشتغلاً حتى ظهر هذا الفكر في كلامه على صور مختلفة جاءت في القرآن [لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ] الإخلاص.
وكانت مترادفات اللغة العربية تساعده بمعانيها الرقيقة على ترداد ذلك الفكر السامي الذي دل عليه، ومن تلك الأفكار وتلك العبادة تولدت كلمة الإسلام ( لا إله إلا الله ) ذلك هو أصل الاعتقاد بإله فرد، ورب صمد، منزه عن النقائص، وهو اعتقاد قوي يؤمن به المسلمون على الدوام، ويمتازون به على غيرهم من القبائل والشعوب، أولئك حقًّا هم المؤمنون كما يسمون أنفسهم، فظهور هذا الاعتقاد بواسطته دفعة واحدة هو أعظم مظهر في حياته، وهو ذاته أكبر دليل على صدقه في رسالته، وأمانته في نبوته ) .
ثم تكلم عن الوحي، ومعجزات القرآن في بلاغته ومعانيه واعتراف فصحاء العرب بإعجازه، وذكر منهم عتبة بن ربيعة، وذكر مسيلمة الكذاب، وأثبت بطلان ادعائه.
ثم قال: ( ولو قال قائل: إن القرآن ليس كلام الله، بل كلام محمد _ فلا بد لنا على الحالين من الاعتراف بأن تلك الآيات البينات لا تصدر عن مبتدع أبداً، خلافاً لرأي من ذهب إلى تكذيب نبوته، ولعل رأيهم جاء من ضيق اللغة التي تلجئنا إلى أن نرمي بالكذب نبياً هو في الحقيقة شخص مليء أمانة وصدقاً ) .
إلى أن قال: ( إذاً ليس محمد من المبتدعين، ولا من المنتحلين كتابهم، وليس هو نبي سلاب كما يقول موسيو (سايوس) ولا نسلم بإنكار هذه الحقيقة، وحينئذ لا عجب إذا تشابهت تلك الكتب في بعض المواضيع خصوصاً إذا لاحظنا أن القرآن جاء ليتممها، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ) .
ثم قال: ( ولكن الأمر الذي تهم معرفته هو أن القرآن آخر كتاب سماوي ينزل للناس، وصاحبه خاتم الرسل؛ فلا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ولن تجد بعده لكلمات الله تبديلاً ) .
وقال بعد أن أطال البحث في تحليل ما تقدم، ورد على المتطرفين من المستشرقين فرياتهم على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم : ( وبالجملة فإن الإسلام ما دخل بلداً إلا وصار ذا المقام الأول بين الديانات المسيحية من غير أن يتعرض لمحوها، وعلى هذا يتحقق أن الدين الإسلامي لم ينتشر بالعنف والقوة، بل الأقرب للصواب أن يقال: إن كثرة مسالمة المسلمين، ولين جانبهم كان سبباً في سقوط الممالك الغربية ) .
إلى أن قال: ( إن ديانة القرآن تمكنت من قلوب جميع الأمم اليهودية، والمسيحية، والوثنية في أفريقيا الشمالية، وفي قسم عظيم من آسيا؛ حتى إنه وجد في بلاد الأندلس من المسيحيين المتنورين من تركوا دينهم حباً في الإسلام كل هذا بغير إكراه ) .
هذه نبذة وجيزة من نظرية الكونت هنري دي كاستري الوزير الفرنساوي من كتابه (الإسلام) وهذا الكتاب يحتوي على مواضع شتى دحض بها مفتريات القسس، والمبشرين، وبعض المستشرقين المتطرفين الذين لا يقيمون للإنصاف وزناً، وكل ما أذاعوه من التشنيع على الإسلام، وكتابه ونبيه مع أنه قد صرح أنه مسيحي المذهب، ولكن الذي دفعه إلى ذلك هو:
أولاً: حرية الرأي، والإنصاف في القول الحق، وإن كان ذلك ضد مذهبه.
ثانياً: أراد أن يطلع الأمة الفرنساوية على حقيقة الدين الإسلامي؛ لتكون على بينة من أمرها، ولا تغتر بفريات المبشرين الذين يستنزفون أموال أمتهم باسم التبشير لدينهم دون جدوى ولا طائل تحته غير تضحية الأموال الضخمة في سبيل شهوات القسس، وغطرستهم التي لا حد لها.([471])
3_ وهذه شهادة للأستاذ الموسيو (سيديو) الفرنساوي أحد أعلام الإفرنج، وأحد وزراء فرنسا السابقين في كتابه (خلاصة تاريخ العرب) تعريب علي باشا مبارك رحمه الله في المقدمة بعد ذكره لفضل الأمة العربية فقال: ( ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فربط علائق المودة بين قبائل جزيرة العرب، ووجَّه أفكارها إلى مقصد واحد؛ فعلا شأنها حتى امتدت سلطتها من نهر التاج _المار بأسبانيا، وبرتغال_ إلى نهر الكنج _وهو أعظم أنهار الهند_ وانتشر نور العلوم والتمدن بالشرق والغرب، وأهل أوربا إذ ذاك في ظلمة جهل القرون المتوسطة، وكأنهم نسوا نسياناً كلياً ما وصل إليهم من أحاديث اليونان والرومان.
واجتهد العباسيون ببغداد، والأمويون بقرطبة، والفاطميون بالقاهرة في تقدم الفنون، ثم تمزقت ممالكهم، وفقدوا شوكتهم السياسية؛ فاقتصروا على السلطة الدينية التي استمرت لهم في سائر أرجاء ممالكهم، وكان لديهم من المعلومات، والصنائع، والاستكشافات ما استفاده منهم نصارى أسبانيا حين طردوهم منها، كما أن الأتراك والمغول بعد تغلبهم على ممالك آسيا استفادوا معارف من تغلبوا عليهم ) .([472])
4_ وقال الأستاذ المستشرق (دوزي): ( لو صح ما قاله القساوسة من أن محمداً نبي منافق كذاب؛ فكيف نعلل انتصاره؟ وما بال فتوحات أتباعه تترى، ويتلو أحدها الآخر؟ وما بال انتصاراتهم على الشعوب لا تقف عند حد؟ وكيف لا يدل ذلك على معجزة هذا الرسول؟
ولقد كانوا يعتقدون أول أمرهم أن خذلان المسلمين سيتم بمعجزة قريبة؛ فقد طالما سمعوا عن معجزات الكنيسة التي كانت تحدث لأقل مناسبة، وانتظروا هذه المعجزة التي تخلص البلاد المسيحية من غزوات المسلمين، ولكن انتظارهم تلك المعجزات قد طال، وذهب صبرهم أدراج الرياح، وعبثاً حاولوا وقوع هذه المعجزة.
وأعجب من ذلك أن المعجزة _إن لم نقل معجزات_ قد حدثت حقًّا في ذلك العصر، وكانت معجزات أعظم مما كان يتوهمه القديسون أنفسهم، وأي معجزة أروع وأعجب من أن نرى شعباً كان إلى زمن قليل في غيابة من الخمول، ثم ظهر إلى الدنيا فجأة، وظل يتقدم بسرعة لا مثل لها، وهو يغزو الأرجاء الفسيحة، وينتصر على قطر بعد قطر؛ فَتَدِيْنُ له البلاد بالطاعة والولاء، وتقبل على دينه من كل حدب وصوب راضية غير مكرهة؟
ولو أننا عزونا إقبال المسيحيين على الإسلام إلى الفائدة الشخصية، أو الرغبة في التخلص من الذل والضعة _ فنحن جديرون أن نقرر أن من الثابت المحقق أن كثيراً من المسيحيين دانوا بالإسلام عن عقيدة وإيمان ) اهـ.([473])
5_ وهذه مقولة لشاعر فرنسا (لامارتين):
يقول الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله في كتابه المذكرات: ( وآخر ما قرأناه في سيرة النبي العربي، وتحليل عمله العظيم، ما قاله شاعر فرنسا العظيم (لامارتين) قال: لم يقصد رجل قط مختاراً أو غير مختار إلى غاية أسمى؛ لأن تلك الغاية كانت فوق طاقة البشر، وهي القضاء على ما دخل من الخرافات بين الخالق والمخلوق؛ ليجعل الله للعبد والعبد لله، وأن يعدّل فكرة الألوهية المعقولة في الوثنية المادية المشوهة.
وما عهد قط رجل مثله قام في وقت قصير بثورة عظيمة مستديمة في العالم؛ لأن الإسلام بعد أقل من قرنين من انتشاره بالدعاة والقوة عم الأقطار العربية الثلاثة، ودعا إلى الله الواحد الأحد في فارس، وخراسان، وما وراء النهر، والهند الغربية، والشام، ومصر، والحبشة، وجميع الأقطار المعروفة من شمالي إفريقية، وعدة أجزاء من البحر المتوسط، وأسبانيا، وشطر من غاليا (فرنسا).
فإذا كانت عظمة الغاية، وقلة الوسائط، ووفرة النتيجة هي الأسباب الثلاثة التي تبين عن نبوغ المرء _ فمن يجرؤ أن يُشَبِّهَ بمحمد رجلاً عظيماً من رجال التاريخ الحديث؛ فإن من اشتهر منهم لم يُجَيِّش إلا جيوشاً، ولم يسن إلا قوانين، ولم يؤسس إلا ممالك، فلم يُنْشِئوا فيما أنشأوا إلا دولاً عادية كان حظها أن تداعت أركانها بعدهم.
أما ذاك الرجل فأباد جيوشاً، ووضع شرائع، وأسس ممالك، وأَلَّف بين شعوب، وأقام دولاً، وضم شمل ملايين من البشر في ثلث العالم المعمور، وزاد على ذلك أن بدل أفكاراً، ومعتقداتٍ، وأرواحاً، وأتى بكتاب أصبح كل حرف من حروفه شريعة قومية روحية سرت إلى شعوب من جميع اللغات والعناصر، وطبع هذه الجنسية الإسلامية بطابع ثابت، وقضى على الأرباب المصنوعة، ودعا إلى الاعتقاد بالله الواحد الأحد.
ومن يكون أكثر عظمة إذا قيست العظمة البشرية بكل مظاهرها بعظمة محمد الحكيم الخطيب الداعية المشرع المحارب المبدع في أفكاره، ومؤسس التعاليم القائمة على العقل، وعلى عبادة لا صور فيها، ومنشئ عشرين مملكة أرضية، ومملكة روحية واحدة ) .([474])
هذا نزر يسير مما ورد في هذا السياق، والشهادات فيه لا تكاد تحصى كثرةً.([475])
الباب الرابع
مسائل في علم الغيب
تمهيد
الإيمان بالغيب من أخص صفات المؤمنين؛ فهم يؤمنون بكل ما ورد من الأخبار التي جاءت بها الرسل، وبَلَّغت به عن الله _ عز وجل _.
والأمور المدركة لا تحصر بالمادة وحدها؛ فالملاحدة لما آمنوا بالمادة وحدها حصروا الأمور المدركة في دائرة ضيقة؛ فما أدركوه بحواسهم وتجاربهم أثبتوه، وما لم يدركوه نفوه وأنكروه.
ومن أجل ذلك أنكروا علوم الغيب، وما جاءت به الرسل، وما أُنزلت به الكتب.
وهذا الزعم باطل، شرعاً، وعقلاً، وتجربة؛ ذلك أن الأمور المدركة لا تقتصر على ما أثبته الحس فحسب؛ فهناك مدارك أخرى؛ فهناك الأخبار الصادقة، وأعلاها وأحقها خبر الله ورسله؛ ففي ذلك تبيان لكل شيء.
وإذا نسبت العلوم المدركة بالحس إلى ما جاءت به الرسل من العلوم _ كانت كقطرة في بحر لجي.
ثم إن هناك أشياء يؤمن بها الناس وإن لم يشاهدوها كالروح مثلاً؛ فهي لا ترى ومع ذلك لو خرجت لأصبح الإنسان جماداً؛ فهل ينكر الروحَ أحدٌ بحجة أنها لا تدخل في المحسوس؟
وكذلك الكهرباء؛ فهل شاهدها أحد؛ إنما يشاهد الناس أثرها، أتكون الكهرباء أيسر أن نؤمن بها وأقرب إلى أن نصدق بها من أن نؤمن بالله الذي أبدعها ضمن ما أبدع من أسرار هذا الكون ؟
ثم إن الملاحدة ينقضون مبدأهم في حصر الإدراك بالمحسوس، والتجربة؛ فهم يثبتون تجارب ونظريات ثم تحصل لهم تجارب ونظريات أخرى تنفي ما أثبتوه، وتثبت ما نفوه([476]).
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ضمن ردوده على الملاحدة: ( أن يقال لهؤلاء الملحدين المنكرين لأمور الغيب التي أخبر بها الله ورسوله: لم أنكرتموها؟
فيجيبون بأنها لم تدخل تحت علومنا التي بنيناها على إدراكات الحواس والتجارب، فيقال لهم: قدروا أنها لم تدخل في ذلك؛ فإن طرق العلم اليقينية كثيرة، وأكثرها لا تدخل تحت إدراكاتكم؛ فإن إدراكاتكم قاصرة حتى باعترافكم؛ فإنكم تعترفون أن مدركاتكم خاصة ببعض المواد الأرضية وأسبابها وعللها، ومع ذلك لم تدركوها كلها باعترافكم وأعمالكم؛ فإنكم لا تزالون تبحثون وتعملون التجارب التي تنجح مرة، وتخفق مرات؛ فإذا كانت هذه حالكم في الأسباب والمواد الأرضية التي يشترك بنو آدم في إدراكها، ويفترقون في مقدار الإدراك _ فكيف تنفون بقية العوالم عوالم السماوات وعوالم الغيب؟ وما هو أعظم من ذلك من أوصاف الرب وعظمته، وأنتم لم يتصل شيء من علومكم بذلك؟ فإن هذا النفي باطل بإجماع العقلاء، وإنما هذا مكابرة ) ([477]).
هذا وقد مر شيء من مسائل الإيمان بالغيب عند الحديث عن أركان الإيمان.
وفيما يلي شيء من ذلك من خلال الفصول التالية.
الفصل الأول
عالم الجن والشياطين
المبحث الأول: التعريف بعالم الجن والشياطين
أولاً: معنى كلمة الجن: قال ابن منظور رحمه الله : ( جنَّ الشيء يجنه جَنـًّا: ستره.
وكل شيء ستر عنك فقد جُنَّ عنك ) .([478])
ومما يمكن أن يتضح به معنى الجن أن يقال: الجن عالم غير عالم الإنسان وعالم الملائكة، بينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتصاف بصفة العقل والإدراك، ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر، ويخالفون الإنسان في أمور أهمها أن أصل الجان مخالف لأصل الإنسان .
وسموا جنّاً لاجتنانهم، أي: استتارهم، واختفائهم عن الأبصار: [إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ] (الأعراف : 27 ) . ([479])
ثانياً: أصل الجن: أخبرنا الله _ جلّ وعلا _ أن الجنّ قد خُلقوا من النار في قوله: [وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ] ( الحجر : 27 ) ، وقال في سورة الرحمن: [وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ] (الرحمن : 15) .
وقد قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغير واحد في قوله: [مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ]: طرف اللهب، وفي رواية : من خالصه وأحسنه.([480])
وقال النووي في شرحه على مسلم: ( المارج : اللهب المختلط بسواد النار ) ([481]).
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خلقتْ الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) ([482]) ([483]).
ثالثاً: خَلْقُ الجن: خلق الجن متقدم على خلق الإنسان ؛ لقوله _تعالى_: [وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ ٢٦ وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ](الحجر: 26_27)، فقد نصّ في الآية أن الجان مخلوق قبل الإنسان.([484])
رابعاً: معنى الشيطان: قال ابن منظور رحمه الله : ( قيل: الشيطان على وزن فيعال من شطن إذا بعد فيمن جعل النون أصلاً، وقولهم الشياطين دليل على ذلك.
والشيطان معروف، وكل عاتٍ متمرد من الجن، والإنس، والدواب شيطان ) .([485])
إلى أن قال: ( وقيل: الشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق ) .
وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله : ( الشياطين مردة الجن، وأشرارهم، وكذلك يقال: مارد وشيطان من الشياطين ) ([486]).
خامساً: الشيطان والجان: الشيطان الذي حدثنا الله عنه كثيراً في القرآن من عالم الجنّ، كان يعبد الله في بداية أمره، وسكن السماء مع الملائكة، ودخل الجنة، وعندما أمره رَبُّهُ أن يسجد لآدم أبى السجودَ، استكباراً وعلواً، فطرده الله من رحمته.
والشيطان _كما مر_ في لغة العرب يطلق على كل عاتٍ متمرد، وقد أطلق على هذا المخلوق؛ لعتوّه وتمرده على ربّه.
وأطلق عليه لفظ (الطاغوت): [ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا] النساء: 76 .
وإنما سمي طاغوتاً؛ لتجاوزه حده، وتمرده على ربه، وتنصيبه نفسه إلهاً يعبد.
وقد يئس هذا المخلوق من رحمة الله ، ولذا أسماه الله إبليس.
والَبَلَس في لغة العرب : من لا خير عنده ، وأُبلس : يئس وتحيّر .
ويذكر جمع من علماء السلف أن اسمه قبل أن يعصي (عزازيل) والله أعلم بمدى صحة ذلك. ([487])
سادساً: الشيطان مخلوق: فالذي يطلع على ما جاء في القرآن والحديث عن الشيطان يعلم أنه مخلوق يعقل ويدرك ويتحرك، وليس كما يقول بعض الذين لا يعلمون: إنه روح الشّر متمثلة في غرائز الإنسان الحيوانية التي تصرفه _ إذا تمكنت من قلبه _ عن المثل الروحية العليا.([488])
سابعاً: أصل الشيطان: سبق القول بأن الشيطان من الجن، وقد نازع في هذه المسألة بعض المتقدمين والمتأخرين، وحجتهم في ذلك قوله _تعالى_: [وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ] البقرة: 34.
وأمثال هذه الآية التي يستثني الله فيها إبليس من الملائكة ، والمستثنى لا يكون إلا من جنس المستثنى منه عادة .
وما احتجوا به من أن الله استثنى إبليس من الملائكة ... ليس دليلاً قاطعاً ، لاحتمال أن يكون الاستثناء منقطعاً، بل هو كذلك حقًّا، للنصّ على أنّه من الجن في قوله _تعالى_ : [وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ]الكهف: 50 .
والذي عليه المحققون من أهل العلم أن إبليس من الجن، وقد ثبت لدينا بالنص الصحيح أن الجن غير الملائكة والإنس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ) .([489])
قال الحسن البصري: ( لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين ) . ([490])
والذي حققه ابن تيمية: ( أن الشيطان كان من الملائكة باعتبار صورته، وليس منهم باعتبار أصله، ولا باعتبار مثاله ) . ([491])
ثامناً: التكذيب بعالم الجن والشياطين والرد على من زعم ذلك: أنكرت طائفة من الناس وجود الجنّ إنكاراً كلياً، وزعم بعض المشركين: أن المراد بالجن أرواح الكواكب.
وزعمت طائفة من الفلاسفة: أن المراد بالجن نوازع الشر في النفس الإنسانية وقواها الخبيثة، كما أن المراد بالملائكة نوازع الخير فيهم. ([492])
وزعم فريق من الـمُحْدَثين: أن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها العلم الحديث إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة .
وغاية ما عند هؤلاء المكذبين أنه لا علم عندهم بوجودهم، وعدم العلم ليس دليلاً، وقبيح بالعاقل أن ينفي الشيء لعدم علمه بوجوده، وهذا مما نعاه الله على الكفرة: [بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ] يونس: 39.
وهذه المخترعات الحديثة التي لا يستطيع أحد أن يكابر فيها، أكان يجوز لإنسان عاش منذ مئات السنين أن ينكر إمكان حصولها لو أخبره صادق بذلك؟ وهل عدم سماعنا للأصوات التي يعج بها الكون في كل مكان دليل على عدم وجودها، حتى إذا اخترعنا (الراديو)، واستطاع التقاط ما لا نسمع بآذاننا صدقنا بذلك ؟!
وهل كان أحد سيصدق قبل مئات السنين أنك تستطيع محادثة إنسان عبر الصوت والصورة وأنت في أقصى الدنيا، وهو في أقصاها من الناحية الأخرى؟
فالقول الحق _إذاً_ أن الجن عالم ثالث غير الملائكة والبشر، وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة، ليسوا بأعراض ولا جراثيم، وأنهم مكلفون مأمورون منهيون. ([493])
ومن الأدلة على ذلك: التواتر، يقول ابن تيمية رحمه الله : ( لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن.
أمّا أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم مقرّون بهم كإقرار المسلمين، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك، كما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك كالجهمية والمعتزلة، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرّين بذلك .
وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالضرورة، ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفاتٍ وأعراضاً قائمة بالإنسان أو غيره، كما يزعمه بعض الملاحدة؛ فلما كان أمر الجن متواتراً عن الأنبياء تواتراً تعرفه العامة والخاصة _ فلا يمكن لطائفة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم ) . ([494])
وقال: ( جميع طوائف المسلمين يقرون بوجود الجن، وكذلك جمهور الكفار كعامة أهل الكتاب، وكذلك عامة مشركي العرب وغيرهم من أولاد حام، وكذلك جمهور الكنعانيين واليونان من أولاد يافث، فجماهير الطوائف تقرّ بوجود الجن ) .([495])
هذا وقد جاءَت نصوص كثيرة تقرر وجودهم كقوله _تعالى_ : [قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ] الجن: 1 .
وقوله: [وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا] الجن: 6 .
وهي نصوص كثيرة تغني كثرتها وشهرتها عن ذكرها . ([496])
المبحث الثاني: موت الجن والغاية من خلقهم، ومساكنهم وقدرتهم
أولاً: موت الشياطين ومقدار أعمارهم: لا شك أن الجن _ ومنهم الشياطين _ يموتون؛ إذ هم داخلون في عموم قول الله _تعالى_: [كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ٢٦ وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٢٧ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ] الرحمن: 26_28.
وقد جاء عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( أعوذ بعزتك، الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون ) .([497])
أما مقدار أعمارهم فلا نعلمها إلا ما أخبرنا الله عن إبليس، أنه سيبقى حيّاً إلى أن تقوم الساعة كما في قوله _عز وجل_ عنه: [قَالَ أَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٤ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ] الأعراف : 14_15.
أما غيره فلا ندري مقدار أعمارهم. ([498])
ثانياً: مساكن الجن: الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها، ويكثر تجمعهم في الخراب والفلوات، ومواضع النجاسات كالحمامات، والحشوش، والمزابل، والمقابر، ونحو هذه الأماكن، التي هي مأوى الشياطين([499]).
وقد جاءت الأحاديث ناهية عن الصلاة في الحمام؛ لأجل ما فيها من نجاسة، ولأنها مأوى الشياطين، وفي المقبرة ؛ لأنها ذريعة إلى الشرك .
ويكثر تجمعهم في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق، فقد أوصى سلمان الفارسي رضي الله عنه أحد أصحابه قائلاً: ( لا تكونن _إن استطعت_ أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته ) .([500])
والشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس، وتطردها التسميةُ، وذكرُ الله، وقراءةُ القرآن، خاصة سورة البقرة، وآية الكرسي منها، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تنتشر، وتكثر بحلول الظلام.
والشياطين تهرب من الأذان ولا تطيق سماع صوته، وفي رمضان تُصَفّد الشياطين . ([501])
ثالثاً: قدرة الجن: أعطى الله الجنّ قدرة لم يعطهـا للبشر، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم، فمن ذلك سرعة الحركة والانتقال؛ فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش مَلِكَةِ اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوسه.
قال الله _عز وجل_ عن ذلك: [قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٞ ٣٩ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي...]النمل : 39_40 . ([502])
رابعاً: الغاية من خلق الجن: خلق الله الجن للغاية نفسها التي خلق الإنس من أجلها: [وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ] الذاريات: 56 .
فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواهٍ فمن أطاع رضي الله عنه، وأدخله الجنة، ومن عصى وتمرد فله النار، يدلّ على ذلك نصوص كثيرة .
ففي يوم القيامة يقول الله مخاطباً كَفَرةَ الجن والإنس موبخاً مبكتاً : [يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ]الأنعام : 130.
ففي هذه الآيات دليل على بلوغ شرع الله الجن، وأنه قد جاءهم من ينذرهم ويبلغهم.
والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله _تعالى_: [قَالَ ٱدۡخُلُواْ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ فِي ٱلنَّارِۖ] الأعراف: 38.
وقال: [وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ] الأعراف: 179.
وقال: [لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ] السجدة: 13 .
والدليل على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة قوله _تعالى_ : [وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ ٤٦ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ]الرحمن: 46_47.
والخطاب هنا للجن والإنس؛ لأن الحديث في مطلع السورة معهما، وفي الآية السابقة امتنان من الله على مؤمني الجن بأنهم سيدخلون الجنة، ولولا أنهم ينالون ذلك لما امتن عليهم به . ([503])
المبحث الثالث: الشيطان وابن آدم
للشيطان تسلط على بني آدم، ولهم علاقة ببعض البشر الذين يسلمون قيادهم للشيطان، فيطيعونه في معصية الله _ عز وجل _.
وله مع بعضهم معارك، وصراعات، وفيما يلي مسائل في علاقة الشيطان مع ابن آدم.
أولاً: جريان الشيطان في ابن آدم مجرى الدم: جاء في الصحيحين عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) . ([504])
وجاء في الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثمّ قمت فانقلبت، فقام معي لِيَقْلِبَني _يردني_ وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( على رِسْلِكما، إنها صفية بنت حيي ) .
فقالا: سبحان الله يا رسول الله !! قال : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً ) ، أو قال: ( شيئاً ) . ([505])
ثانياً: ضعف الشياطين وقُوَّتُهم: الشياطين يتسلطون على بني آدم لاغوائهم، وقد مكنهم الله بحكمته، وقدره الكوني من ذلك.
ومع هذا فإن سلطان الشياطين يقوى ويضعف بحسب قوة إيمان الإنسان وضعفه، ويقظته فإذا قوي إيمان الإنسان، ويقظته ضعف تسلط الشيطان عليه والعكس؛ فالشياطين فيهم جوانب قوة، وجوانب ضعف، قال _تعالى_: [إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا] النساء : 76.
ولم يعط الرَّب _سبحانه _ الشيطان القدرة على إجبار الناس، وإكراههم على الضلال والكفر، قال الله _عز وجل_: [إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلٗا] الإسراء : 65، وقال _جل ثناؤه_: [وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ] سبأ : 21 .
ومعنى ذلك أن الشيطان ليس له طريق يتسلط بها عليهم، لا من جهة الحجة، ولا من جهة القدرة، وإنما من جهة التزيين، والإغواء.
والشيطان يدرك هذه الحقيقة: [قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٣٩ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ] الحجر : 39_40 .
وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بإغوائه، ويتابعونه عن رضا وطواعية، قال الله _تعالى_: [إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ] الحجر: 42 .
وفي يوم القيامة يقول الشيطان لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم: [وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ] إبراهيم : 22 .
وفي آية أخرى يبين الله _عز وجل_ أن سلطان الشيطان إنما هو على الذين يتولونه، قال _تعالى_: [إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ] النحل :100 ([506]).
والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال، وتمكنه منهم، بحيث يَؤُزُّهم على الكفر والشرك ويزعجهم إليه، ولا يدعهم يتركونه، كما قال _تعالى_: [أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا] مريم : 83، ومعنى تؤزهم: تحركهم، وتهيجهم، وتزعجهم إزعاجاً شديداً.
وسلطان الشيطان على أوليائه ليس لهم فيه حجّة وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم لما وافقت أهواءَهم وأغراضهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم، ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما أعطوه أيديهم، واستأسروا له سُلّط عليهم عقوبةً لهم؛ فالله لا يجعل للشيطان على العبد سلطاناً، حتى يجعل له العبد سبيلاً بطاعته والشرك به، فجعل الله حينئذٍ له عليه تسلطاً وقهراً .
وقد يسلط على المؤمنين بسبب ذنوبهم، وقد حدثنا الله في كتابه عن شخص آتاه الله آياته، فعلمها، وعرفها، ثمّ إنه ترك ذلك كله، فسلط الله عليه الشيطان، فأغواه ، وأضله، وأصبح عبرة تروى، وقصة تتناقل قال _عز وجل_: [وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ ١٧٥ وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ] الأعراف: 175_176.
وواضح أن هذا مَثَلٌ لمن عرف الحق، وكفر به كالذين يعلمون أن محمداً مرسل من ربه، ثم هم يكفرون به.
وهذا الصنف _الذي يؤتى الآيات ثم يكفر_ صنف خطر، به شَبَه من الشيطان؛ لأنّ الشيطان كفر بعد معرفته الحق([507]).
ولكن إذا تمكن العبد في الإسلام، ورسخ الإيمان في قلبه، وكان وقّافاً عند حدود الله، فإنّ الشيطان يخاف منه، ويفرّ منه، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ) .([508])
كما في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب ( والذي نفسي بيده ، ما لقيك الشيطان سالكاً فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك ) .([509])
وليس ذلك خاصًّا بعمر؛ فإن مَن قوي إيمانه قهر شيطانه، وأذله، كما جاء عند الإمام أحمد: ( إن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر ) .([510])
قال ابن كثير رحمه الله : ( لينضي شيطانه ) : أي يهزله، ويجعله نضواً، أي مهزولاً لكثرة إذلاله له، وجعله أسيراً تحت قهره وتصرفه ) ([511]).
ويروى الحديث بالصاد: ( لينصي ) ومعنى ( لينصي شيطانه ) : لَيَأْخُذُ بناصيته، فيغلبه، ويقهره، كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه. ([512])
المبحث الرابع: العداوة بين الإنسان والشيطان
أولاً: أسباب العداء وتاريخه: العداء بين الإنسان والشيطان عداء بعيد الجذور، يعود تاريخه إلى اليوم الذي صور الله فيه آدم، قبل أن ينفخ فيه الروح، فأخذ الشيطان يطيف به، ففي صحيح مسلم عن أنس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لما صوّر الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يُطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف، عرف أنه خُلِقَ خلقاً لا يتمالك ) .([513])
فلما نفخ الله في آدم الروح أمر الملائكة بالسجود لآدم، وكان إبليس يتعبد الله مع ملائكة السماء، فشمله الأمر، ولكنه تعاظم في نفسه واستكبر، وأبى السجود لآدم: [قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ] الأعراف:12.
لقد فتح أبونا آدم عينيه فإذا به يجد أعظم تكريم؛ يجد الملائكة ساجدين له، ولكنّه يجد عدواً مبيناً يتهدده وذريته بالهلاك والإضلال.
وطرد الله الشيطان من جنة الخلد بسبب استكباره، وحصل على وعد من الله بإبقائه حيّاً إلى يوم القيامة: [قَالَ أَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٤ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ] الأعراف .
وقد قطع اللعين على نفسه عهداً بإضلال بني آدم: [قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ] الأعراف .
وقوله هذا يصور مدى الجهد الذي يبذله لإضلال بني آدم، فهو يأتيه من كل طريق، عن اليمين وعن الشمال، ومن الأمام ومن الخلف؛ أي من جميع الجهات.([514])
ثانياً: تحذير الله لنا من الشيطان: لقد أطال القرآن في تحذيرنا من الشيطان؛ لعظم فتنته، ومهارته في الإضلال، ودأبه وحرصه على ذلك، قال الله _عز وجل_: [يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ] الأعراف: 27 .
وقال: [إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ] فاطر: 6، وقال: [وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا]النساء: 119.
وعداوة الشيطان لا تحول ولا تزول؛ لأنه يرى أن طرده ولعنه وإخراجه من الجنة كان بسبب أبينا آدم، فلا بدّ أن ينتقم من آدم وذريته من بعده: [قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا] الإسراء : 62. ([515])
ثالثاً: غاية ما يسعى إليه الشيطان: أما غاية ما يسعى إليه الشيطان فهو أن يلقي الإنسان في الجحيم، ويتسبب في حرمانه من الجنة.
وإذا لم يستطع ذلك سعى إلى ما هو دون ذلك؛ فهو يسعى _في الأصل_ إلى إيقاع العباد في الشرك والكفر، وإذا لم يستطع رضي منهم بأن يقعوا في الذنوب التي هي دون الشرك والكفر، وسعى في إيقاع العداوة بينهم، وصدهم عن طاعة الله، وإفساد طاعاتهم، وتخويفهم بالفقر، وأمرهم بكل ما هو قبيح إلى غير ذلك مما يأمر به الشيطان، ويسعى إليه؛ فإنْ هم أطاعوه في أمر سعى إلى أن يهبطوا أكثر مما وقعوا به؛ فلا يزال بهم حتى ينزلهم إلى أقصى ما يستطيع من دركات الحضيض.
رابعاً: جنود الشيطان: إبليس هو قائد المعركة مع بني الإنسان، وله جنود من الجن؛ فلكل إنسان قرين من الجن لا يفارقه كما في حديث عائشة عند مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً، قالت: فغرت عليه، فجاء، فرأى ما أصنع، فقال: ( ما لك يا عائشة؟ أغرت؟ ) فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( أقد جاءك شيطانك ) .
قلت: يا رسول الله، أو معي شيطان؟ قال: ( نعم ) ، قلت: ومع كل إنسان ؟ قال: ( نعم ) ، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: ( نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم ) ([516]).
قيل في معنى قوله: ( فأسلم ) : قيل: أَسْلَمَ يعني الشيطان، فيكون الفعل ماضياً.
وقيل: أَسْلَمُ: أي أَسْلَمُ من شره، فيكون الفعل مضارعاً([517]).
كما أن للشيطان جنوداً من الإنس ممن يسيرون على خطاه، قال الله _تعالى_: [وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ] البقرة:257([518]).
خامساً: أساليب الشيطان في إضلال الإنسان: الشيطان لا يأتي الإنسان مباشرة، فيقول له: اترك هذه الأمور الطيبة، وافعل تلك الأمور القبيحة؛ كي تشقى في دنياك وأخراك؛ لأنه لو فعل ذلك لما أطاعه أحد.
ولكنه يسلك طرقاً شتى يضل بها عباد الله كتزيين الباطل، وتسمية الأمور المحرمة بأسماء محببة، وكدخوله من باب الإفراط والتفريط، وكتثبيطه العبادَ عن العمل، ورميهم بالتسويف والكسل، وكوعده لهم بالوعود الكاذبة، والأماني المعسولة؛ كي يوقعهم في الضلال: [يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا]النساء:120.
ومن أساليب الشيطان في إغواء بني آدم أنه يتدرج في إضلالهم، وينسيهم ما فيه خيرهم وصلاحهم، ويخوفهم أولياءه، ويدخل إلى النفوس من الباب الذي تحبه، ويتسلل إلى الإنسان من خلال مكامن الضعف التي تغلب عليه كالمرض، والشهوة، والغضب، واليأس، والجهل، والغفلة، والبخل، وحب النساء، وشدة الفرح، وشدة الحزن، ونحو ذلك.
سادساً: طريقة وصول الشيطان إلى قلب الإنسان: الطريقة هي الوسوسة، فالشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان وقلبه بطريقة لا ندركها، ولا نعرف كيفيتها، يساعده على ذلك طبيعته التي خلق عليها، وهذا هو الذي يسمى بالوسوسة، وقد أخبرنا الله بذلك إذ سماه: [ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ٤ ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ]الناس: 4_5 .
فالشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس.
وقد ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) .([519])
والإنسان يشعر من نفسه بأثر هذه الوسوسة، التي تغويه، وتغريه بفعل المعصية، والغفلةِ عن عواقبها.
وبهذه الوسوسة أضل الشيطانُ آدمَ، وأغواه بالأكل من الشجرة، قال الله _عز وجل_: [فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ ٱلشَّيۡطَٰنُ قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكٖ لَّا يَبۡلَىٰ] طه: 120. ([520])
سابعاً: أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان: مع شدة عداوة الشيطان، وعظم كيده، وحرصه على إضلال بني آدم _ فإنه يخسأ ويخنس، ويرجع ذليلاً صاغراً إذا أخذ المؤمن بالأسباب التي تقيه من الشيطان الرجيم، ومن تلك الأسباب على سبيل الإجمال: أخذ الحذر والحيطة، والالتزام بما جاء بالكتاب والسنة، والاستعاذة الصادقة بالله _عز وجل_ من شر الشيطان، والمحافظة على ذكر الله، ومعرفة أساليب الشيطان، والتزود بالعلم النافع، والمبادرة إلى التوبة والاستغفار إلى غير ذلك من الأسباب المعينة على دحر الشيطان. ([521])
المبحث الخامس: الحكمة من خلق الشيطان
الله _ عز وجل _ خلق إبليس الذي هو مادة الفساد التي تمد كل فساد في هذه الدنيا، في الأديان، والاعتقادات، والشهوات، والشبهات، وهو سبب لشقاوة العباد، وعَمَلِهم ما يغضب الله _ عز وجل _ وذلك لحكم عظيمة كثيرة، منها ما يلي:
1_ أن يَظهر للعباد قدرةُ الرب _ تعالى _ على خلق المتضادات والمتقابلات: فخلق هذه الذات _ إبليس _ التي هي أخبث الذوات، وهي سبب كل شر، وخَلَق في مقابلها ذات جبريل التي هي من أشرف الذوات وأزكاها، والتي هي مادة كل خير، فتبارك من خلق هذا وهذا، كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار، والحر والبرد، والماء والنار، والداء والدواء، والموت والحياة، والحسن والقبيح، فالضد يظهر حسنه الضد، وهذا أدلُّ دليل على كمال قدرته، وعزته، وملكه، وسلطانه؛ فإنه خلق هذه المتضادات، وقابل بعضها ببعض، وسلط بعضها على بعض، وجعلها محل تصرفه، وتدبيره، وحكمته، فخلوُّ الوجود عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته، وكمال تصرفه، وتدبير مملكته([522]).
2_ أن يُكَمِّلَ الله لأوليائه مراتب العبودية: وذلك بمجاهدة إبليس وحزبه، وإغاظته بالطاعة لله، والاستعاذة بالله منه، واللجوء إلى الله أن يعيذهم منه ومن كيده، فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية، والأخروية ما لا يحصل بدونه.
ثم إن المحبة، والإنابة، والتوكل، والصبر، والرضا، ونحوها أحب أنواع العبودية لله، وهذه إنما تتحقق بالجهاد، وبذل النفس، وتقديم محبته _ عز وجل _ على كل من سواه، فكان خلق إبليس سبباً لوجود هذه الأمور([523]).
3_ حصول الابتلاء: ذلك أن إبليس خُلق ليكون محكًّا يمتحن به الخلق؛ ليتبين به الخبيث من الطيب؛ فإن الله _ سبحانه _ خلق النوع الإنساني من الأرض، وفيها الطيب والخبيث؛ فلا بد أن يظهر فيهم ما هو من مادتهم([524]).
4_ ظهور آثار أسمائه _ تعالى _ ومقتضياتها، ومتعلقاتها: فمن أسمائه: الرافع، الخافض، المعز، المذل، الحكم، العدل([525]).
وهذه الأسماء تستدعي متعلقاتٍ يظهر فيها أحكامُها، فكان خلق إبليس سبباً لظهور آثار هذه الأسماء، فلو كان الخلق كلهم مطيعين، ومؤمنين لم تظهر آثار هذه الأسماء.
5_ استخراج ما في طبائع البشر من الخير والشر: فالطبيعة البشرية مشتملة على الخير والشر، والطيب والخبيث، وذلك كامن فيها كمون النار في الزناد؛ فَخُلق الشيطانُ مستخرجاً لما في طبائع أهل الشر من القوة إلى الفعل، وأرسلت الرسل تستخرج ما في طبيعة أهل الخير من القوة إلى الفعل؛ فاستخرج أحكم الحاكمين ما في هؤلاء من الخير الكامن فيها؛ ليترتب عليه آثاره، وما في أولئك من الشر؛ ليترتب عليه آثاره، وتظهر حكمته في الفريقين، وينفذ حكمه فيهما، ويظهر ما كان معلوماً له، مطابقاً لعلمه السابق([526]).
6_ ظهور كثير من آيات الله وعجائب صنعه: فلقد حصل بسبب وقوع الكفر والشر من النفوس الكفَّارة الظالمة ظهور كثير من الآيات والعجائب، كآية الطوفان، وآية الريح، وآية إهلاك ثمود وقوم لوط، وآية انقلاب النار على إبراهيم برداً وسلاماً، والآيات التي أجراها الله على يد موسى، وغير ذلك من الآيات؛ فلولا تقدير كفر الكافرين وجحد الجاحدين لما ظهرت هذه الآيات الباهرة التي يتحدث بها الناس جيلاً بعد جيل إلى الأبد.
أما كونه _ سبحانه وتعالى _ أنظر إبليس إلى يوم القيامة _ فليس ذلك إكراماً له، بل إهانة له ليزداد إثماً، فتعظم عقوبته، ويتضاعف عذابه، إضافة إلى ذلك فالله جعله محكًّا ليميز به الخبيث من الطيب _ كما سبق _ وما دام أن الخلق مستمر إلى يوم القيامة _ فإن هذا يقتضي بقاءه ببقاء خلق البشر، والله أعلم([527]).
الفصل الثاني
الموت والبرزخ والقبر
المبحث الأول: الموت والبرزخ، والقبر وفتنته
أولاً: الموت
1_ تعريف الموت: الموت ضد الحياة، ونقيضها.
قال القرطبي رحمه الله في تعريفه: ( قال العلماء: الموت ليس بعدمٍ مَحْض، ولا فناء صِرْف، وإنما هو انقطاعُ تعلُّق الروحِ بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتَبَدُّل حالٍ، وانتقال من دار إلى دار ) ([528]).
2_ الموت يأتي فجأة: قال القرطبي رحمه الله : ( وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سنٌّ معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم؛ وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعدًّا لذلك ) ([529]) .
ثانياً: الـبــرزخ
1_ تعريفه في اللغة: البرزخ في كلام العرب هو الحاجز بين الشيئين.
قال الله ـ تعالى ـ: [وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا] الفرقان: 53: أي حاجزاً.
2_ البرزخ في الشرع: ( هو الدار التي تعقب الموت إلى البعث.
قال الله ـ تعالى ـ: [وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ]المؤمنون: 100.
قال مجاهد: هو ما بين الموت والبعث.
وقيل للشعبي: مات فلان، قال: ليس هو في دار الدنيا، ولا في الآخرة ) ([530]).
وقال ابن القيم رحمه الله : ( البرزخ: هو ما بين الدنيا والآخرة، وهذا البرزخ يُشْرِف أهله فيه على الدنيا والآخرة ) ([531]).
ثالثاً: القـبـر وفتنته
1 ـ تعريفه: القبر مدفن الإنسان، وجمعه قبور، والمقبَُرةُ بفتح الباء وضمها موضع القبور، والمقبَر: موضع القبر([532]) .
2 ـ فتنة القبر: الفتنـة تطلـق على عـدة معـان، منها الاختبار والامتحان، كما قال ـ تعالى ـ: [لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ] طه: 131.
وتطلق على الشرك، كما قال ـ تعالى ـ: [وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ] البقرة: 193.
وتطلق على الإحراق والتعذيب بالنار كما قال ـ تعالى ـ: [إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ]البروج: 10.
وفتنة القبر: هي سؤال الملكين الميتَ بعد دفنه عن ربه، ودينه، ونبيه.
3 ـ صفة فتنة القبر: إذا دفن الميت في قبره تُعادُ له الروح، فَيُسأل، ويقال له: مَنْ ربُّك، وما دينك، ومن نبيك؟
فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد.
ويضل الله الظالمين، فيقول الكافر: هاه، هاه لا أدري.
ويقول المنافق أو المرتاب: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
وقد جاءت صفة فتنة القبر في عدة أحاديث منها ما جاء في حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وهو يُلْحد له، فقال: ( أعوذ بالله من فتنة القبر ) ثلاث مرات. الحديث
وفيه عن العبد المؤمن ( فتعاد له روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول رسول الله، فيقولان له: ما عِلمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدقتُ، فينادي منادٍ من السماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة ) .
وفيه عن العبد الكافر ( ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك، فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري؛ فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار؛ فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه في قبره، حتى تختلف أضلاعه ) ([533]).
4 ـ وصف الملكين وتسميتها: جاء في بعض الأحاديث وصف الملكين الموكلين بفتنة القبر، وتسميتها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قبر أحدكم ـ أو الإنسان ـ أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير ) ([534]).
5 ـ هل تفتن الأمم السابقة في قبورها أو أن ذلك خاص بهذه الأمة؟: قال بعض العلماء: إن الأمم السابقة لا تفتن في قبورها؛ بحجة أنها رفضت الاستجابة لرسلها، فعوجلت بالعذاب وأن هذه الأمة قد أُمسك عنها العذاب، وبعث الرسول بالسيف فمن دخل الإسلام مخافة القتل ثم نافق عذب في قبره.
وهذا القول محل نظر، والصحيح أن الأمم السابقة تفتن في قبورها، وتعذب أو تنعم.
ومن الأدلة في ذلك ما جاء في عذاب آل فرعون الذين قال الله فيهم:[ ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ] غافر: 46.
وفي صحيح مسلم عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة _ رضي الله عنها _ قالت: ( دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرتِ أنكم تفتنون في القبور؟
قالت: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( إنما تفتن اليهود ) .
قالت عائشـة: فلبثـنا ليالي، ثم قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد: ( وهل شعرت أنه أوحي إليَّ: تفتنون في القبور ) .
قالت عائشة: ( فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر ) ([535]).
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر الخلاف في هذه المسألة: ( والظاهر _والله أعلم_ أن كل نبي مع أمته كذلك، وأنهم معذبون في قبورهم بعد السؤال لهم، وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال، وإقامة الحجة، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم ) ([536]).
6 ـ هل يفتن الكافر في قبره؟: الصحيح أنه يفتن، فالفتنة عامة للكافر وغيره، كما مر في الأحاديث الماضية من أن الكافر أو المنافق يقول إذا سُئل ( هاه هاه لا أدري ) .
7 ـ هل الأطفال يمتحنون في قبورهم؟: الجواب أن هذه المسألة قد اختلف فيها على قولين:
الأول: قول من قال: إنهم يسألون، وحجة أولئك أنه يُشْرَعُ الصلاةُ عليهم، وسؤالُ الله أن يقيهم عذابَ القبرِ وفتنة القبر.
الثاني: قَوْلُ مَنْ قال بأنهم لا يُسألونَ؛ لأن السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمُرْسِل، فيسأل: هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا.
أما الطفل الذي لا تمييز له بوجه ما ـ كيف يسأل؟([537])
والذي يظهر من كلام ابن تيمية، وابن القيم ـ رحمهما الله ـ أنهما يميلان إلى القول الأول.
وهذا ما سيتضح في الفقرة التالية.
8 ـ هل يفتن غير المكلف؟: الجواب أن هذه المسالة قد اختلف فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفتنة من حديث البراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبي هريرة وغيرهم _رضي الله عنهم_.
وهي عامة للمكلفين إلا النبيين فقد اختلف فيهم، وكذلك اختلف في غير المكلفين كالصبيان والمجانين؛ فقيل يفتنون وقيل لا يفتنون؛ لأن المحنة إنما تكون للمكلفين، وهذا قول القاضي وابن عقيل.
وعلى هذا فلا يلقنون بعد الموت.
وقيل يلقنون، ويفتنون ـ أيضاً ـ.
وهذا قول أبي حكيم، وأبي الحسن بن عبدوس، ونقله عن أصحابه، وهو مطابق لقول من يقول: إنهم يكلفون يوم القيامة كما هو قول أكثر أهل العلم، وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه عن أهل السنة، واختاره، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد ) ([538]).
وقال في موضع آخر بعد كلام قريب من الكلام السابق بعد أن ذكر حجة القائلين بالقول بأنهم يفتنون: ( ومن قال بالأول: يستدل بما في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى على صغير لم يعمل خطيئة قط فقال: ( اللهم قه عذاب القبر، وفتنة القبر ) وهذا يدل على أنه يفتن.
وأيضاً فهذا مبنيٌّ على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة، كما وردت بذلك أحاديث متعددة.
وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة؛ فإن النصوص عن الأئمة كالإمام أحمد وغيره: الوقف في أطفال المشركين كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنهم فقال: ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) .
وثبت في صحيح البخاري أن منهم من يدخل الجنة.
وثبت في صحيح مسلم أن الغلام الذي قتله الخَضِر طُبِعَ يوم طُبِعَ كافراً.
فإن كان الأطفال وغيرهم منهم شقي وسعيد فإذا كان ذلك لامتحانهم في الدنيا لم يمنع امتحانهم في القبور.
لكن هذا مبني على أنه لا يُشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، وإن شُهد لهم مطلقاً، ولو شهد لهم مطلقا؛ فالطفل قد يكون منافقاً بين مؤمنين، والله أعلم ) ([539]).
قال ابن القيم رحمه الله : ( وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ([540])فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة على الطفل على ترك طاعة، أو فعل معصية؛ فإن الله لا يعذب أحداً بلا ذنب عمله.
بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله ) أي يتألم، ويتوجع منه، لا أنه يعاقب بذنب الحي:[وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ] الأنعام: 164 .
وهذا كقول النبـي صلى الله عليه وسلم : ( السفر قطعة من العذاب ) .
فالعذاب أعم من العقوبة.
ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل؛ فيتألم به؛ فيشرع للمصلي عليه أن يسأل الله ـ تعالى ـ له أن يقيه ذلك العذاب، والله أعلم ) ([541]).
المبحث الثاني: نعيم القبر وعذابه
أولاً تعريفه: هو اسم لما يحصل في البرزخ من النعيم أو العذاب، وهو نتيجة لفتنة القبر؛ فنعيم القبر للمؤمنين الصادقين، وعذابه للظالمين من المنافقين والكافرين.
ثانياً: تواتر الأخبار في نعيم القبر وعذابه:
يقول شارح الطحاوية: ( لقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان أهلاً لذلك؛ فيجب اعتقاد ذلك، والإيمان به ) ([542]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ومذهب سائر المسلمين، بل وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى، وقيام الناس من قبورهم والثواب والعقاب هناك، والثواب والعقاب في البرزخ ـ ما بين الموت إلى القيامة ـ هذا قول السلف قاطبة،وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع ) ([543]).
ثالثاً: نعيم القبر وعذابه في القران الكريم: نعيم القبر وعذابه في البرزخ مذكور في غير ما آية؛ حيث وردت إشارات في القرآن تدل على وقوعه.
وقد ترجم البخاري رحمه الله في كتاب الجنائز لعذاب القبر، فقال: ( باب ما جاء في عذاب القبر ) .
ثم ساق في الترجمة قوله _تعالى_: [وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ] الأنعام: 93.
وقوله ـ تعالى ـ: [وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ] التوبة: 101.
وقوله ـ تعالى ـ: [وَحَاقَ بَِٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ ٤٥ ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ] غافر([544]).
والآية الأولى التي ساقها البخاري إنما هي في تعذيب الملائكة الكفار في حال الاحتضـار، والآية الثانية تـدل على أن هناك عذابين سيصيبان المنافقين قبل عذاب يوم القيامة.
العذاب الأول: ما يصيبهم الله به في الدنيا إما بعقاب من عنده، وإما بأيدي المؤمنين.
والعذاب الثاني: عذاب القبر، قال الحسن البصري: ( سنعذبهم مرتين: عذاب الدنيا وعذاب القبر ) ([545]).
وقال الطبري: ( والأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر، والأخرى تحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع، أو السبي، أو القتل والإذلال، وغير ذلك ) ([546]) .
والآية الثالثة حجة واضحة لأهل السنة الذين أثبتوا عذاب القبر؛ فإن الحق _تبارك وتعالى_ قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، وهذا قبل يوم القيامة؛ لأنه ـ عز وجل ـ قال بعد ذلك: [وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ] غافر: 46 .
قال القرطبي: ( الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر ) ([547]).
وهناك آيات أخرى تشير إلى عذاب القبر ونعيمه غير ما ذكر([548]).
رابعاً: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه بلا كيفية:
فالشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول؛ فإن عودة الروح للجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا([549]).
خامساً: هل عذاب القبر ونعيمه خاص بمن دفن في قبر، أو هو شامل؟ والجواب عن ذلك أن عذاب القبر ونعيمه شامل لمن دفن في قبر أو غيره؛ فكل من مات وهو مستحق للعذاب أو النعيم ناله نصيبه منه، سواء قبر أم لم يقبر، وسواء كان في فلاة، أو في مكان يحفظ فيه كالثلاجة، أو أنه قد أكلته السباع، أو احترق حتى صار رماداً ونسف بالهواء، أو صلب، أو غرق في البحر، أو غير ذلك؛ فالعذاب أو النعيم يصل إليه كما يصل إلى المقبور.
وإنما سمي عذاب القبر ونعيمه باعتبار الغالب والأصل([550]).
سادساً: هل عذاب القبر ونعيمه على البدن أو على الروح؟
الجواب أن عذاب القبر ونعيمه يكون على البدن والروح معاً.
قال ابن تيمية رحمه الله : ( مذهب سلف الأمة، وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمةً أو معذبةً، وأنها تتصل بالبدن أحياناً، فيحصل له معها النعيم والعذاب ) ([551]).
وقال: ( العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس، وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون العذاب والنعيم عليهما في هذه الحال مجتمعين كما يكون للروح منفردة عن البدن ) ([552]).
سابعاً: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟:
عذاب القبر على نوعين:
أحدهما: دائم، ويدل على هذا قوله ـ تعالى ـ: [ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ] غافر: 46 .
وكذلك في حديث البراء بن عازب في قصة سؤال الكافر في قبره، وفيه ( ثم يفتح له باب إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة ) .
وقد مر الحديث عن ذلك قبل قليل
النوع الثاني: أنه إلى مدة ثم ينقطع: وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه، كما يعذب في النار مدة ثم يزول عنه العذاب.
وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء، أو صدقة، أو ثواب حج يصله من بعض أقاربه، أو غيرهم([553]).
ثامناً: أسباب عذاب القبر، وأسباب النجاة منه:
أما أسباب عذاب القبر فيمكن إجمالها بالجهل بالله، وإضاعة أمره، وارتكاب معاصيه.
وأما أسباب النجاة منه فبا العكس من ذلك([554]).
المبحث الثالث: الرد على من أنكر عذاب القبر ونعيمه
أنكر بعض الزائغين من الملاحدة والزنادقة ومن نحا نحوهم عذاب القبر، وسعته، وضيقه، وكونه حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، وكون الميت لا يُجلس، ولا يقعد.
والجواب عن هذه المزاعم يسير _بحمد الله_ فهي مزاعم باطلة مردودة بالشرع، والحس، والعقل، وإليك بعض الوجوه التي يرد بها على تلك المزاعم.
1ـ أن عذاب القبر ونعيمه ثابت بالشرع: ومن تلك النصوص _زيادة على ما مضى_ ما جاء في حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: ( إنهما ليعذبان، وما يعذبان بكبير، بلى، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة؛ فدعا بجريدة رطبة، فشقها نصفين، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) ([555]).
2_ أن أحوال البرزخ من أحوال الغيب التي لا يدركها الحس: ولو كانت تدرك بالحس لفاتت فائدة الإيمان بالغيب، ولتساوى المؤمنون بالغيب، والجاحدون في التصديق بها.
3_ أن الحس يدل على وقوع عذاب القبر: فالنائم يرى في منامه أنه في مكان فسيح بهيج يتنعم فيه، ويرى أنه في مكان ضيق موحش يتألم منه، وربما يستيقظ أحيانا مما رأى، وربما يرى أثراً للألم في بدنه، وهو مع ذلك في فراشه داخل حجرته على ما هو عليه.
والنوم أخو الموت، ولهـذا سمـاه الله _ تعالى _ وفاة، قال الله _تعالى_: [ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ] الزمر: 42.
4_ أن العقل لا ينكر وقوع عذاب القبر: وقد مر ما يدل على ذلك في الفقرة الماضية، ومن ذلك ـ أيضاً ـ أن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع، وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته، ومن رآه على صفته فقد رآه حقًّا.
ومع ذلك فإن النائم في حجرته على فراشه بعيداً عما رأى.
فإذا كان هذا ممكناً في أحوال الدنيا أفلا يكون ممكنا في أحوال الآخرة؟.
5_ أن النعيم، والعذاب، وسعة القبر، وضيقه إنما يدركها الميت دون غيره: ونظير ذلك _كما مضى ـ أن النائم يرى في منامه أنه في مكان ضيق موحش، أو في مكان واسع بهيج، وهو بالنسبة لغيره لم يتغير حاله، فهو في منامه وبين فراشه وغطائه.
6_ إن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله ـ تعالى ـ من إدراكه: فلا يُمْكِنهم أن يدركوا كل شيء؛ فكما أن أبصارهم وأسماعهم، وقواهم لها حد تقف عنـده فكذلك عقولهم لها حد يجب أن تقف عنده، فالسموات السبع والأرض ومن فيهن، وكل شيء يسبح بحمد الله تسبيحاً حقيقياً يُسمعهُ الله مَن شاء مِن خلقه أحياناً.
فإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود فإنه لا يجوز لهم أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب ولم يدركوه([556]).
الفصل الثالث
أشراط الساعة
تمهيد
أولاً: قواعد عامة مجملة:
1ـ الساعة آتية لا ريب فيها، قال ـ تعالى ـ: [إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ] طه: 15 .
2ـ الساعة قريبـة، قال _تعالـى_:[ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ] القمر:1.
3ـ لا يعلم وقت الساعة إلا الله قال _عز وجل_: [يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ] الأعراف: 187 .
4ـ الساعة غيب، والإيمان بها من جملة الإيمان بالغيب.
5ـ لا يجوز الاشتغال بتحديد زمن الساعة.
6ـ للساعة أمارات تدل على قربها، ووقوعها.
ثانياً: الموقف الصحيح من أشراط الساعة:
أن نؤمن بما جاء من النصوص في شأنها، وألا نكلف أنفسنا في استدعائها وطلبها وتنزيلها على الواقع.
بل ندع تفسيرها للواقع؛ أي أن وقوعها على نحو ما جاء في نصوص الشرع هو الذي يفسرها؛ وبذلك نسلم من أن نرجم بالغيب، ونقْفُوَ ما ليس لنا به علم.
وفي ذلك نجاة وسلامة، واقتداء بالسلف الصالح الذين آمنوا بتلك النصوص، وأدوها إلينا بكل صدق وأمانة، ولم يقحموا الظنون في تعيينها، وترتيب بعضها على بعض بمجرد الرأي.
وبذلك نسلم من صنيع بعض الناس الذين ربطوا بين النصوص الواردة في أحوال آخر الزمان وأشراط الساعة وبين حال العالم في زماننا هذا، فرتبوا بعضها على بعض، وبنوا على ذلك أموراً نتج عنها فتن عظيمة، وانتهاك للحرمات.
وخلاصة القول في هذه المسألة: أن نؤمن بتلك النصوص، وندع تفسيرها للواقع([557]).
ثالثاً: الإيمان بأشراط الساعة لا يعني البطالة، وترك الأخذ بالأسباب:
لأن تلك الأشراط أمـور قدريـة كونية، ونحن مأمورون شرعاً وديناً بالتكاليف الشرعية من طاعة الله، والجهاد في سبيله، وطلب العلم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في ذلك كله، وغير ذلك من الواجبات.
هذا هو المنهج الصحيح لا كما يتوهم بعض الجهلة والبطالين من أن ظهور تلك الأشراط كخروج المهدي، ونزول عيسى ـ عليه السلام ـ سيكون بداية الكسل، والدعة.
بل إن النصوص تشير إلى أن ذلك بداية الفتوح، والجهاد، والبذل في سبيل إعلاء كلمة الله ـ عز وجل ـ([558]).
المبحث الأول: مفهوم أشراط الساعة
إذا كان الله _عز وجل_ أخفى وقت وقوع الساعة على عباده ـ فإنه قد أعلمهم بأمارات وعلامات تدل على قرب وقوعها.
وقد سمى الله ـ عز وجل ـ تلك الأمارات أشراط الساعة.
قال ـ تعالى ـ: [فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ] محمد: 18 .
وإليك هذه المسائل حول مفهوم هذه الأشراط.
أولاً: تعريف الأشراط: أصل الكلمة: مادة (شَرَطَ) والأشراط جمع.
قال ابن فارس رحمه الله : ( الشين، والراء، والطاء أصلٌ يدل على عَلَمٍ، وعلامة، وما قارب ذلك ) ([559]).
وقال ابن منظور رحمه الله : ( الشَّرط بالتحريك: العلامة، والجمع أشراط ) ([560]).
ثانياً: تعريف كلمة الساعة:
1_ الساعة في اللغة: أصل هذه الكلمة في اللغة مادة (سَوَع) ([561]).
وكلمة الساعة تطلق في اللغة والعرف عدة إطلاقات، وتدور حول معنى الوقت أو جزء الوقت، أو الحاضر منه.
قال القرطبي رحمه الله : ( والساعة كلمة يعبر عنها في العربية عن جزء من الزمان غير محدود.
وفي العرف على جـزء من أربعـة وعشرين جزءاً في يوم وليلة، واللذان هما أصل الأزمنة.
وتقول العرب: أفعل كذا الساعة، وأنا الساعة في أمر كذا؛ تريد الوقت الذي أنت فيه، والذي يليه تقريباً.
وحقيقة الإطلاق فيها أن الساعة بالألف واللام عبارة في الحقيقة عن الوقت الذي أنت فيه، وهو المسمى بـ: الآن ) ([562]).
2_ الساعة في الاصطلاح الشرعي: هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة([563]).
ثالثاً: سبب تسمية الساعة بذلك: إما لقربها؛ فإن كل آتٍ قريب، أو لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تأتي بغتة في ساعة، أو لسعي الأرواح إلى الأجساد بسرعة في ذلك اليوم، أو لغير ذلك([564]).
رابعاً: تعريف أشراط الساعة: هي علاماتها، وأعلامها التي تسبقها، وتدل على قربها، وقيامها، ومجيء الساعة بعدها، وانتهاء الدنيا وانقضائها([565]).
خامساً: إطلاقات الساعة في الشرع: تطلق الساعة في الشرع على ثلاثة إطلاقات:
1 ـ الساعة الصغرى: وهي موت الإنسان؛ فمن مات قامت قيامته؛ لدخوله في عالم الآخرة.
2 ـ الساعة الوسطى: وهي موت أهل القرن.
3 ـ الساعة الكبرى: وهي بعث الناس من قبورهم للحساب والجزاء([566]).
سادساً ـ ما المراد بالساعة إذا أطلقت في القرآن: المراد بها القيامة الكبرى([567]).
سابعاً ـ أقسام أشراط الساعة: تنقسم إلى قسمين:
1 ـ أشراط صغرى: وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وتكون من نوع المعتاد، كقبض العلماء، وظهور الجهل، وشرب الخمر، والتطاول في البنيان، ونحو ذلك.
وقد يكون بعضها مصاحبا للأشراط الكبرى.
2 ـ أشراط كبرى: وهي الأمور العظام التي تظهر قرب قيام الساعة، وتكون غير معتادة الوقوع، كظهور الدجال، ونزول عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها([568]).
ثامناً ـ الحكمة في تقديم أشراط الساعة ودلالة الناس عليها: قال القرطبي رحمه الله : ( والحكمة في تقديم الأشراط،ودلالة الناس عليها تنبيه الناس من رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة؛ كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم؛ فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم، وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها، والله أعلم ) ([569]).
المبحث الثاني: ترتيب أشراط الساعة الكبرى وتتابعها
أولاً: ترتيب أشراط الساعة الكبرى:
لقد جاءت الأحاديث التي نصت على أشراط الساعة الكبرى مجموعة غير مرتبة؛ إذ كان ترتيبها في الذكر لا يقتضي ترتيبها في الوقوع؛ فقد جاء العطف فيها بالواو، وذلك لا يقتضي الترتيب.
ومن النصوص مـا خالف ترتيـب الأشراط فيها ترتيبها في نص آخر([570]).
وهذه جملة من الأحاديث التي تعرضت لذكر الأشراط الكبرى جملة، أو ذكر بعضها.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا، ونحن نتذاكر، فقال: ( ما تذاكرون؟ ) قالوا: نذكر الساعة، قال:
( إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ) .
فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم([571]).
وروى مسلم هذا الحديث عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد بلفظ آخر، قال أسيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة، ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا فقال: ( ما تذكرون؟ ) قلنا الساعة، قال: ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس ) .
وفي رواية في العاشرة : نزول عيسى ابن مريم .
وفي رواية : وريح تلقي الناس في البحر ([572]).
وروى مسلم ـ أيضا ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستًّا، طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة ) ([573]).
وفي لفظ آخر: ( بادروا بالأعمال ستًّا: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم ) ([574]).
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله حديثاً لم أُنْسَهُ بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً ) ([575]).
والذي يمكن معرفته من خلال هذه الأحاديث هو ترتيب بعض الأشراط من خلال حدوث بعضها إثر بعض؛ لأن الترتيب جاء بلفظين مختلفين في ترتيب بعض الأشراط، وفي أداة العطف؛ حيث جاء مرة بـ:(أو) ، ومرة بـ:(الواو) وهما لا يدلان على الترتيب([576]).
ولهذا اختلف العلماء في ترتيب الأشراط، وقد جمع الحافظ ابن حجر رحمه الله بين أولية الدجال، وأولية خروج الشمس من مغربها، فقال: ( الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ـ عليه السلام ـ.
وأن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة.
ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب ) .
ثم قال: ( والحكمة في ذلك أنه عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة؛ فتخرج الدابة؛ تميز المؤمن من الكافر؛ تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة.
وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس ) ([577]).
وقال الطيبـي رحمه الله : ( الآيات أمارات للساعة، إما على قربها، وإما على حصولها.
فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف.
ومن الثاني: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس ) ([578]).
وهذا تقسيم حسن دقيق، وسيكون الحديث عن أشراط الساعة الكبرى في المبحث الآتي حسب هذا الترتيب الذي ذكره الطيبي .
ثانياً: تتابع ظهور الأشراط الكبرى:
بغض النظر عن ترتيب الأشراط الكبرى؛ فإنها إذا ظهر منها أول علامة تتابعت الآيات كتتابع الخرز في النظام، يتبع بعضها بعضاً، ولا يكاد يفصل بينها فاصل([579]).
روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خروج الآيات بعضها على إثر بعض، يتتابعْن كما تتابع الخرز في النظام ) ([580]).
وروى الإمام أحمـد عن عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الآيات خرزات منظومات في سلك؛ فإن يقطع السلك يتبعْ بعضها بعضاً ) ([581]).
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن المراد بهذه الآيات هي علامات الساعة الكبرى؛ فإن ظاهر هذه الأحاديث يدل على تقارب ظهورها تقارباً شديداً ([582]).
قال ابن حجر رحمه الله : ( وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلك إذا انقطع تناثر الخرز بسرعة وهو عند أحمد ) ([583]).
المبحث الثالث: أشراط الساعة الكبرى الدالة على قربها
المطلب الأول: ظهور المسيح الدجال
أولاً: تعريف المسيح الدجال: هو مسيح الضلالة الذي يخرج في آخر الزمـان، والذي يفتن الناس بما يعطـاه من الآيـات والخـوارق كإنـزال المطر، وإحياء الأرض بالنبات، ونحو ذلك.
ثانياً: صفة الدجال: الدجال رجل من بني آدم له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث؛ لتعريف الناس به، وتحذيرهم من شره؛ حتى إذا خرج عرفه المؤمنون؛ فلا يفتنون به، بل يكونون على بَيِّنة من أمره.
وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس؛ فلا يغترُّ بِهِ إلا الجاهل الذي غلبت عليه الشقوة.
ومن صفات الدجال: أنه رجل شاب، أحمر، قصير، أفحج، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى، وهذه العين ليست بناتئة، _أي بارزة_ ولا جحراء _ أي غائرة منجحرة _ كأنها عنبة طافئة، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة، ومكتوب بين عينيه (ك ف ر) بالحروف المقطعة، أو (كافر) بدون تقطيع، يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب.
ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له.
هذه بعض صفاته التي صرحت بها الأحاديث.([584])
ثالثاً: مكان خروجه: يخرج الدجال من جهة المشرق من خراسان، من يهودية أصبهان.
رابعاً: سرعة انتقاله في الأرض: بعد أن يخرج الدجال يسير في الأرض فلا يدع بلداً إلا دخله إلا مكـة والمدينة فلا يستطيع دخولهما؛ لأن الملائكة تحرسهما.
خامساً: دعاوى الدجال: الدجال يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، والألوهية.
سادساً: ما يدعو إليه: الدجال يدعو إلى فتنة الناس، وصدهم عن دينهم، ويدعو إلى تصديقه، والإيمان بأنه الرب الإله، وذلك بسبب ما يعطاه من الآيات والخوارق.
سابعاً: عظم فتنته: فتنة الدجال أعظم الفتن، أو من أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة؛ وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول، وتحير الألباب.
فقد ورد أن معه جنةً وناراً، وجنته ناره، وناره جنته، وأن معه أنهار الماء، وجبال الخبز، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت.
وورد أن كنوز الأرض تتبعه، وأنه يقطع الأرض بسرعة عظيمة كسرعة الغيث إذا استدبرته الريح، وأن الجماد والحيوان يستجيب له، وأنه يقتل شاباً ثم يحييه إلى غير ذلك من الخوارق التي جاءت بها الأحاديث الصحيحة.
ومن أجل ذلك فإن جميع الأنبياء حذروا أقوامهم من فتنة الدجال، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان أشدهم؛ تحذيراً منه.
جاء في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم _يقول_ ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال ) ([585]) .
وجاء في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه ( ما بُعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب كافر ) ([586]).
ثامناً: مكثه في الأرض: يمكث في الأرض أربعين يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كسائر أيامنا؛ فمجموع مكثه في الأرض بأيامنا هذه أربعة عشر شهراً، وأربعة عشر يوماً تقريباً.
جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في ذكر الدجال أن الصحابة قالوا: ( يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ ( قال أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم ) ([587]) .
تاسعاً: هلاك الدجال: يكون هلاك الدجال على يدي عيسى بن مريم _عليه السلام_ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
وذلك أن الدجال يظهر على الأرض كلها إلا مكة والمدينة، ويكثر أتباعه وتعم فتنته، ولا ينجو منها إلا قلة من المؤمنين.
وعند ذلك ينزل عيسى _عليه السلام_ على المنارة الشرقية بدمشق، ويلتف حوله عباد الله المؤمنون، فيسير بهم قاصداً المسيح الدجال، ويكون الدجال عند نزول عيسى متوجهاً نحو بيت المقدس، فيلحق به عيسى عند باب (لـدّ) .
فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح، فيقول له عيسى _عليه السلام_: ( إن لي فيك ضربة لن تفوتني.
فيتداركه عيسى، فيقتله بحربته، وينهزم أتباعه، فيتبعهم المؤمنون، فيقتلونهم، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبدالله! هذا يهودي خلفي فاقتله، إلا شجر الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود ) ([588]) .
المطلب الثاني: نزول عيسى بن مريم _عليه السلام_ آخر الزمان
مر بنا أن من أشراط الساعة الكبرى نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ والحديث في هذا الشأن سيتناول الجوانب التالية:
أولاً_ صفة عيسى _عليه السلام_: صفته التي جاءت بها الروايات أنه رجل مربوع القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أحمر، جعد الرأس، عريض الصدر، سبط الشعر، كأنما خرج من ديماس ـ أي حمام ـ له لِمَّةٌ قد رجَّلها تملأ ما بين منكبيه([589]) .
ثانياً ـ تواتر الأخبار في نزوله: يستخلص من النصوص الواردة في شأن عيسى _عليه السلام ـ أنه نازل لا محالة، وأن النصوص بذلك متواترة؛ فالتكذيب بنزوله تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم .
بل هو تكذيب للقرآن الكريم الذي دل على نزول عيسى ـ عليه السلام ـ([590]).
ولقد مضى شيء من الأدلة على نزوله، ومنها قوله ـ تعالى ـ: [وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ] الزخرف: 57 إلى قوله ـ تعالى ـ: [وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيم] الزخرف: 61.
أي نزول عيسى ـ عليه السلام ـ قبل يوم القيامة علامة على قرب الساعة.
ويدل على ذلك القراءة الأخرى [وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ]: بفتح العين واللام.
( أي علامة وأمارة على قيام الساعة، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما من أئمة التفسير ) ([591]).
وروى الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسير هذه الآية ( وإنه لعلم للساعة ) قال: ( هو خروج عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ قبل يوم القيامة ) ([592]).
ومن السنة ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها ) ثم يقول أبو هريرة: ( اقرؤوا إن شئتم: [وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا] النساء: 159([593]) .
وهذا تفسير من أبي هريرة رضي الله عنه لهذه الآية بأن المراد بها أن من أهل الكتاب من سيؤمن بعيسى ـ عليه السلام ـ قبل موته، وذلك عند نزوله في آخر الزمان كما سبق بيانه([594]) .
ثالثاً ـ صفة نزوله: بعد خروج الدجال، وإفساده في الأرض يبعث الله عيسى _عليه السلام ـ فينزل إلى الأرض، ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق الشام وعليه مهرودتان([595])، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جمانٌ كاللؤلؤ، ولا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه إلا مات، ونـفَسُه ينتهي حيث ينتهي طَرْفـه.
ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق، وتكون مجتمعة لقتال الدجال؛ فينزل وقت إقامة صلاة الفجر، ويصلي خلف أمير تلك الطائفـة، بعد أن يقـال له: تعال صل لنا، فيقـول ـ عليه السلام ـ: ( لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تَكْرِمة الله هذه الأمة ) ([596]).
رابعاً_ طيب العيش، وعموم الرخاء، وانتشار الأمن، وظهور البركات في عهده: فزمن عيسى ـ عليه السلام ـ زمن أمن وسلام ورخاء، وبركات.
حيث يرسل الله فيه المطر الغزير، وتُخرج الأرض ثمرتها وبركتها، ويفيض المال، وتزول الشحناء، والتباغض، والتحاسد.
جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل: ( ثم يرسل الله مطراً لا يُكَنُّ منه بيت مدر، ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة([597])، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، ودُرِّي بركتك، فيؤمئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها([598])، ويبارك في الرِّسل([599])حتى إن اللقحة([600])من الإبـل لتكفـي الفئام من الناس، واللقحـة من البقر لتكفي القبيلة، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ([601])من الناس ) ([602]).
وورد أحاديث في هذا النحو كثيرة، والمجال لا يتسع لبسطها([603]).
خامساً ـ مدة بقائه بعد نزوله: جاء في بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين، وفي بعضها أربعين سنة؛ ففي رواية الإمام مسلم عن عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ: ( فيبعث الله عيسى بن مريم، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال من خير أو إيمان إلا قبضته ) ([604]).
وفي رواية الإمام أحمد وأبي داود: ( فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون ) ([605]).
وكلا هاتين الروايتين صحيحة، وهذا مشكل إلا أن تُحْمَل رواية السبع سنين على مدة إقامته بعد نزوله، ويكون ذلك مضافاً إلى مكثه في الأرض قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور، والله أعلم([606]).
المطلب الثالث: خروج يأجوج ومأجوج
فمما يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بخروج يأجوج ومأجوج؛ فذلك من أشراط الساعة، وعلاماتها الكبرى.
والحديث في هذا الشأن سيتناول الجوانب التالية:
أولاً ـ أصل يأجوج ومأجوج: أصلهم من البشر، ومن ذرية آدم وحواء([607]).
فعن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وأنهم لو أرسلوا إلى الناس لأفسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً ) ([608]).
ثانياً ـ صفتهم: أما صفتهم التي جاءت بها الأحاديث فهي أنهم يشبهون أبناء جنسهم من الترك الغتم([609])المغول، صغار العيون، ذلف الأنوف، صهب الشعور، عراض الوجوه، كأن وجوههم المَجَانُّ المُطرَقة على أشكال الترك وألوانهم([610]) .
والذي تدل عليه الروايات الصحيحة أنهم رجال أقوياء لا طاقة لأحد بقتالهم، ففي حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم أن الله ـ تعالى ـ يوحي إلى عيسى _عليه السلام_ بخروج يأجوج ومأجوج، وأنه لا يدان لأحد بقتالهم، ويأمره بإبعاد المؤمنين من طريقهم ويقول: ( أحرز عبادي إلى الطور ) ([611]).
ثالثاً ـ فسادهم: إذا خرج يأجوج ومأجوج حصل على أيديهم أذى كبير، وفتنة عظمى، وشر مستطير.
وهم جموع كثيرة حتى إنهم؛ لكثرتهم إذا مر أولهم على بحيرة طبرية عند خروجهم شربوا الماء الذي فيها جَميعَه؛ فإذا مر آخرهم قالوا قد كان في هذه البحيرة ماء([612]).
قال ابن العربي رحمه الله : ( وأما خروج يأجوج ومأجوج فإنه يكون بعد نزول عيسى ـ عليه السلام ـ وهما أمتان مُضرتان مفسدتان كافرتان ) ([613]).
هذا وسيتضح شيء من إفسادهم في الفقرات التالية:
رابعاً ـ هلاكهم: يكون هلاك يأجوج ومأجوج بعد أن يقتل عيسى الدجالَ حيث يُهلك الله يأجوج ومأجوج ببركة دعاء عيسى ـ عليه السلام ـ كما جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل، وفيه: ( إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرِّز عبادي إلى الطور.
ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أولئك على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماء، ويُحْصَر نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم؛ فيرغب نبي الله عيسى وأصحابهُ، فيرسل الله عليهم النغف([614]) في رقابهم فيصبحون فرسى([615]) كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم([616]) ونتنهم؛ فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت([617]) ، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله ) رواه مسلم .
وزاد في رواية بعد قوله: ( لقد كان بهذه ماء ) : ( ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر([618]) ، هو جبل بيت المقدس،فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بِنُشَّابهم([619]) إلى السماء، فيرد الله عليهم نُشَّابهم مخضوبة دماً ) ([620]).
المبحث الرابع: أشراط الساعة الدالة على حصولها
المطلب الأول: الدخــان
فظهور الدخان في آخر الزمان من علامات الساعة الكبرى التي دل عليها الكتاب والسنة([621]).
أولاً: أدلة ظهوره من الكتاب: قال الله ـ تعالى ـ: [فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيم] الدخان: 10_11.
وللعلماء في المراد بهذا الدخان قولان:
أحدهما: أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشاً من الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يستجيبوا له؛ فأصبحوا يرون في السماء كهيئة الدخان.
وإلى هذا القول ذهب ابن مسعود رضي الله عنه وتبعه جماعة من السلف([622]).
الثاني: أن هذا الدخان من الآيات المنتظرة التي لم تجئ بعد، وسيقع قرب قيام الساعة، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس وبعض الصحابة والتابعين([623]).
ثانياً ـ أدلة ظهوره من السنة: مضى ذكر بعض الأحاديث في ذلك، ومنها ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستاً: الدجال، والدخان ) ([624]) الحديث.
وجاء في حديث حذيفة في أشراط الساعة الكبرى: ( والدخان ) ([625]) .
المطلب الثاني: طلوع الشمس من مغربها
فطلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى، وهو ثابت بالكتاب والسنة.
أولاً: أدلة طلوع الشمس من مغربها: قال الله ـ تعالى ـ: [يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ] الأنعام: 158 .
فقد دلت الأحاديث الصحيحة أن المراد ببعض الآيات المذكورة في الآية طلوع الشمس من مغربها، وهو قول أكثر المفسرين([626]).
وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، فرآها الناس آمنوا أجمعون؛ فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) ([627]) .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها ) الحديث([628]) .
ثانياً: العلة من كون الإيمان لا ينفع إذا طلعت الشمس من مغربها: قال القرطبي رحمه الله : ( قال العلماء: وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم؛ لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت من انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم؛ فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت ) ([629]) .
المطلب الثالث: الدابة
ظهور دابة الأرض في آخر الزمان من أشراط الساعة الكبرى الثابتة بالكتاب والسنة.
أولاً: الأدلة من الكتاب: قال الله ـ تعالى ـ: [وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ] النمل: 82.
فهذه الآية الكريمة صرحت بخروج الدابة، وأن ذلك يكون عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، فيخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم على ذلك.
قال القرطبي رحمه الله : ( قال العلماء معنى [وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ]: أي وجب الوعيد عليهم؛ لتماديهم في العصيان والعقوق والطغيان، وإعراضهم عن آيات الله، وتركهم تدبرها، والنزول على حكمها، وانتهى بهم في المعاصي إلى ما لا ينجع معه موعظة، ولا يصرفهم عن غيهم تذكرة.
يقول ـ عز من قائل ـ فإذا صاروا كذاك: [أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ] أي دابة تعقل، وتنطق.
وذلك ـ والله أعلم ـ ليقع لهم العلم بأنه آية من قبل الله ـ تعالى ـ ضرورة؛ فإن الدواب في العادة لا كلام لها ولا عقل ) ([630]).
ثانياً: الأدلة من السنة على ظهور الدابة: وأما الأدلة من السنة فكثيرة، وقد مضى شيء منها، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض ) ([631]).
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تخرج الدابة، فَـتَسِم الناس على خراطيمهم([632])، ثم يُغمرون فيكم، حتى يشتري الرجل البعير، فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول من أحد المخطيين ) ([633]).
ثالثاً: مكان خروج الدابة: قيل: في مكة من أعظم المساجد، وقيل: لها ثلاث خرجات، فمرة تخرج في بعض البوادي، مرة في بعض القرى، ثم تظهر في المسجد الحرام.
وهناك أقوال أخرى غالبها يدور على أن خروجها من الحرم المكي([634]).
رابعاً ـ عمل الدابة: إذا خرجت الدابة العظيمة فإنها تسم المؤمن والكافر.
فأما المؤمن؛ فإنها تجلو وجهه حتى يشرق، ويكون ذلك علامة إيمانه.
وأما الكافر فإنها تخطمه على أنفه؛ علامة على كفره([635]).
المطلب الرابع: النار التي تحشر الناس
فمن أشراط الساعة الكبرى خروج النار العظيمة، وهي آخر أشراط الساعة، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة.
أولاً ـ مكان خروج النار: جاءت الروايات بأن خروجها يكون من اليمن من قعرة عدن، وتخرج من بحر حضرموت كما جاء في روايات أخرى.
جاء في حديث حذيفة بن أسيد في صحيح مسلم في ذكر أشراط الساعة قوله صلى الله عليه وسلم : ( وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) .
وفي رواية لمسلم عن حذيفة ـ أيضا ـ: ( ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس ) ([636]) .
ثانياً ـ كيفية حشرها: عند ظهور هذه النار العظيمة من اليمن تنتشر في الأرض، وتسوق الناس إلى أرض المحشر، والذين يحشرون على ثلاثة أفواج:
الأول: فوج راغبون، طاعمون، كاسون، راكبون.
الثاني: فوج يمشون تارة، ويركبون أخرى، يعتقبون على البعير الواحد.
الثالث: تحشرهم النار، فتحيط بهم من ورائهم، وتسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر، ومن تخلف أكلته النار.
وقد صحت بذلك الأحاديث([637]).
ثالثاً ـ أرض المحشر: يحشر الناس إلى الشام في آخر الزمان، وهي أرض المحشر، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة([638]).
رابعاً ـ هذا الحشر في الدنيا: وليس المراد به حشر الناس بعد البعث من القبور([639]).
الباب الخامس
مسائل في الذنوب والتوبة والدعاء
تمهيد
لقد راعت الشريعة الإسلامية حال العباد، وما يعتريهم من الغفلة، والتقصير، والضعف البشري، فتقع منهم الذنوب التي هي من أعظم أسباب البلاء، والعقوبة في الدنيا والآخرة.
ومن هنا جاء الشرع المطهَّر في بيان مفهوم الذنوب، و أنواعها، وأضرارها، وعواقبها؛ لكي يَحْذرها العباد، و يسلموا من غوائلها.
كما جاءت الشريعة _أيضاً_ بعلاج الذنوب صغيرها وكبيرها، وأعظم تلك العلاجات _ التوبة إلى الله _عز وجل_.
ثم إن حاجة العباد إلى دعاء ربهم ماسَّة، بل إن ضرورتهم إليه مُلِحَّة؛ فالدعاء هو العبادة، وهو سبيل السعادة؛ فمن لزم دعاء ربه فتحت له أبواب الخيرات، وصرفت عنه الشرور والآفات.
والفصول الآتية بيان لمفهوم الذنوب وما يتعلق بها، ولمفهوم التوبة، وحِكَمها، وأحكامها، وللدعاء وما يتعلق به من مسائل؛ فإلى تلك الفصول.
الفصل الأول
مفهوم الذنوب، وما يتعلق بها
المبحث الأول: مفهوم الذنوب، وأصولها
أولاً: مفهوم الذنوب
الذنوب جمع ذنب، والذَّنب: الإثم, والجرم, والمعصية والجمع ذنوب, وذُنوبات جمع الجمع([640]).
والذنب في الأصل الأخذ بذَنب الشيء, يقال: ذنَبتُه أصبت ذنَبَه, ويستعمل في كل فعل يُستَوخَم عقباه؛ ولهذا يسمى الذَّنب تبعةً؛ اعتباراً لما يحصل من عاقبته, وجمع الذنب ذنوب, قال _تعالى_: [فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ] آل عمران: 11, وقال: [فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ] العنكبوت:40, وقال: [وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ] آل عمران:135 إلى غير ذلك من الآيات ([641]).
فالذنوب _إذاً_ هي المعاصي، والمخالفات التي يخالف فيها العبد أمر ربه _جل وعلا_.
ثانياً: أصول الذنوب
هناك تقسيمات نافعة، تُعرف من خلالها أصول الذنوب، وما يمكن أن يدخل تحتها من آحاد الذنوب وأفرادها.
قال ابن القيم رحمه الله : ( ولما كانت الذنوب متفاوتة في درجاتها ومفاسدها _ تفاوتت عقوباتها في الدنيا والآخرة بحسب تفاوتها.
ونحن نذكر فيها _بعون الله وحسن توفيقه_ فصلاً وجيزاً جامعاً فنقول:
أصلها نوعان: ترك مأمور، وفعل محظور.
وهما الذنبان اللذان ابتلى الله _سبحانه_ بهما أبوي الجن والإنس.
وكلاهما ينقسم باعتبار محله إلى ظاهر على الجوارح، وباطن في القلوب.
وباعتبار مُتعلَّقه إلى حق الله، وحق خلقه، وإن كان كل حق لخلقه فهو متضمن لحقه، لكن سمي حقًّا للخلق لأنه يجب بمطالبتهم، ويسقط بإسقاطهم ) ([642]).
ثم شرع رحمه الله بتقسيم هذه الذنوب إلى قسمة أخرى فقال:
( ثم هذه الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام: ملكية، وشيطانية، وسَبُعية، وبهيمية، ولا تخرج عن ذلك ) ([643]).
وفيما يلي تفصيل يسير لتلك الأصول التي ترجع إليها الذنوب.
1_ الذنوب الملكية أو الربوبية: وهي أن يتعاطى الإنسان ما لا يصلح له من صفات الربوبية، كالعظمة، والكبرياء، والفخر، والجبروت، والعلو في الأرض، ومحبة استعباد الخلق، ونحو ذلك.
ومن هذه الذنوب يتشعب جملة من الكبائر غفل عنها أكثر الخلق، ولم يعدوها ذنوباً، وهي المهلكات، العظيمة التي هي كالأمهات لأكثر المعاصي.
ويدخل في هذه الذنوب، الشرك بالله، والقول على الله بغير علم.
2_ الذنوب الشيطانية: وهي ما كان في صاحبها شَبهٌ من الشيطان، ويدخل تحت ذلك الحسدُ، والبغي، والغش، والغل، والخداع، والمكر، والأمر بالفساد، وتحسين المعاصي، والنهي عن الطاعات وتهجينها، والابتداع في الدين، والدعوة إلى البدع والضلال.
وهذا النوع يلي الأول في المفسدة، وإن كانت مفسدته دونه.
3_ الذنوب السبعية: ومنها يتشعب الغضب، وسفك الدماء، والحقد، والتوثب على الضعفاء والعاجزين، والقتل.
4_ الذنوب البهيمية: ومنها يتشعب الشَّرَهُ، والكَلَبُ، والحرص على قضاء شهوة الفرج والبطن، ومنها يتولد الزنى واللواط، والسرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل، والشح، والجبن، والهلع، والجزع، وجمع الحطام لأجل الشهوات، وغير ذلك.
وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق؛ لعجزهم عن الذنوب السبعية والملكية.
ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام؛ فهو يجرهم إليها بالزمام، فيدخلون منه إلى الذنوب السبعية، ثم إلى الشيطانية، ثم إلى منازعة الربوبية، والشرك في الوحدانية([644]).
المبحث الثاني: تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر
وهو أن يقال: إن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، قال الغزالي رحمه الله : ( اعلم أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد كثر اختلاف الناس فيها؛ فقال قائلون: لا صغيرة ولا كبيرة، بل كل مخالفة لله فهي كبيرة.
وهذا ضعيف؛ إذ قال _تعالى_: [إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلٗا كَرِيمٗا] النساء:31، وقال _تعالى_: [ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ] النجم:32.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة يكفرن ما بينهن إن اجتنبت الكبائر ) وفي لفظ آخر: ( كفارات لما بينهن إلا الكبائر ) ([645]).
وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_: ( الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس ) ([646])([647]).
وقال ابن القيم رحمه الله : ( وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم والأئمة على أن من الذنوب كبائرَ وصغائر ) ([648]).
وقال رحمه الله : ( والذين لم يقسموها إلى كبائر وصغائر قالوا: الذنوب كلها _بالنسبة إلى الجراءة على الله سبحانه ومعصيته ومخالفة أمره_ كبائر؛ فالنظر إلى من عُصي أمرُه، وانتُهك محارمه يوجب أن تكون الذنوب كلها كبائر، وهي مستوية في هذه المفسدة ) ([649]).
وقال _بعد أن ساق بعض ما أورده مَنْ قال: إن الذنوب كلها كبائر_: ( فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل؛ فما كان أشدَّ منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له، وما كان أشدَّ موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات، وأفرض الطاعات؛ فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر تفاصيله تعرف به حكمةَ أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده، وحَرَّمه عليهم، وتفاوتَ مراتب الطاعات والمعاصي ) ([650]).
هذا وإن الكلام في ماهية الكبائر والصغائر يطول، وخلاصته أن يقال: كل ذنب ترتب عليه حدٌّ في الدنيا، أو وعيدٌ في الآخرة فهو كبيرة.
وما لم يترتب عليه لا هذا ولا هذا فهو صغيرة ([651]).
المبحث الثالث: نتائج الذنوب، وأضرارها وآثارها
للذنوب والمعاصي نتائج وخيمة، وأضرار عظيمة، وآثار مدمرة، وعقوبات متنوعة سواء في الدنيا أو في الآخرة، على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات.
فمن أضرارها حرمان العلم والرزق، والوحشةُ التي يجدها العاصي في قلبه، وبينه وبين ربه، وبينه وبين الناس.
ومنها تعسير الأمور، وسواد الوجه، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، وتقصير العمر، ومحق بركته.
ومنها ظلمة القلب، وضيقه، وحزنه، وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه، واضطرابه، وتمزق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعَرِّيه من زينته.
ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها، وتقوي في القلب إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ إرادة التوبة من القلب بالكلية، فيستمرئ صاحبها المعصية، وينسلخ من استقباحها.
ومنها أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، وأن شؤمها لا يقتصر على العاصي، بل يعود على غيره من الناس والدواب.
ومنها أن المعصية تورث الذل، وتفسد العقل، وتدخل العبد تحت اللعنة، وتحرمه من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوة الملائكة، ودعوة المؤمنين.
كما أنها تطفئ نار الغيرة من القلب، وتذهب الحياء، وتضعف في القلب تعظيم الرب، وتستدعي نسيان الله لعبده، وتَخْليته بينه وبين نفسه وشيطانه.
ومن أضرار المعاصي أنها تنزل الرعب في قلب العاصي، وتزيل أمنه، وتبدله به مخافة؛ فأخوف الناس أشدهم إساءة.
كذلك تخرج العبد من دائرة الإحسان، وتمنعه ثواب المحسنين، وتضعف سير قلبه إلى الله والدار الآخرة، وتصغر نفسه، وتُعمي قلبه، وتسقط منزلته، وتسلبه أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذل والصغار، وتجعله من السفلة بعد أن كان مُهيَّأً لأن يكون من العِلْية، وتجرئ عليه شياطين الجن والإنس، فيصير في أسرهم بعد أن كانوا يخافونه ويرهبونه.
ومنها وقوع العاصي في بئر الحسرات؛ فلا يزال في حسرة دائمة؛ فكلما نال لذة نازعته نفسه إلى نظيرها إن لم يقض منها وطراً، أو إلى غيرها إن قضى وطره منها، وما يعجز عنه من ذلك أضعافُ أضعاف ما يقدر عليه، وكلما اشتد نزوعُه وعرف عجزَه اشتدت حسرتُه وحزنُه؛ فيا لها ناراً قد عُذِّب بها القلبُ في هذه الدار قبل نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة.
ومنها ضياع أعز الأشياء وأنفسها وأغلاها وهو الوقت الذي لا عوض عنه، ولا يعود إليه أبداً.
وبالجملة فالآثار القبيحة للمعاصي أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علماً؛ فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصية الله([652]).
الفصل الثاني
التوبة: مفهومها وحِكَمها وأحكامها
المبحث الأول: مفهوم التوبة
أولاً_ تعريف التوبة في اللغة: التوبة في اللغة: تدور حول معاني الرجوع، والعودة، والإنابة، والندم.
والتوبة تكون من الله على العبد، ومن العبد إلى الله؛ فإذا كانت من الله عُدِّيت بحرف الجر: على، وإذا كانت من العبد إلى الله عديت بحرف الجر: إلى.
قال الله _تعالى_: [إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا] النساء:17.
وقال_عز وجل_: [وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ] النور:31.
وقال: [وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتَابٗا] الفرقان: 71 ([653]).
ثانياً_ تعريف التوبة في الشرع:
يمكن أن تعرف التوبة بأنها: ترك الذنب علماً بقبحه، وندماً على فعله، وعزماً على ألا يعود إليه إذا قدر، وتداركاً لما يمكن تداركه من الأعمال، وأداءً لما ضيع من الفرائض؛ إخلاصاً لله، ورجاءً لثوابه، وخوفاً من عقابه، وأن يكون ذلك قبل الغرغرة([654])، وقبل طلوع الشمس من مغربها([655]).
فهذا التعريف يجمع شروط التوبة.
وهناك تعريفات أخرى أخصر من هذا التعريف؛ فقد عرَّفها الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله: ( فحقيقة التوبة هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على ألا يعاوده في المستقبل ) ([656]).
وعرَّفها في موضع آخر فقال: ( حقيقة التوبة: الرجوع إلى الله بالتزام فعل ما يجب، وترك ما يكره؛ فهي رجوع من مكروه إلى محبوب؛ فالرجوع إلى المحبوب جزءُ مسماها، والرجوع عن المكروه الجزء الآخر ) ([657]).
ثالثاً: من أي شيء تكون التوبة؟: التوبة تكون من الذنوب صغيرها وكبيرها، ولا بد للتائب من معرفة ما يتاب منه ولو على سبيل الإجمال.
قال الغزالي رحمه الله : ( اعلم أن التوبة ترك الذنب، ولا يمكن ترك شيء إلا بعد معرفته.
وإذا كانت التوبة واجبة كان ما لا يتوصل إليها إلا به واجباً؛ فمعرفة الذنوب _إذاً_ واجبة، والذنب عبارة عن كل ما هو مخالف لأمر الله _تعالى_ في ترك أو فعل.
وتفصيل ذلك يستدعي شرح التكليفات من أولها إلى آخرها، وليس ذلك من غرضنا، ولكننا نشير إلى مجامعها، وروابط أقسامها، والله الموفق للصواب برحمته ) ([658]).
ثم شرع رحمه الله في بيان أقسام الذنوب([659]).
وعقد ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين فصلاً قال فيه: ( فصل في أجناس ما يتاب منه ) .
ثم قال: ( ولا يستحق العبد اسم ( التائب ) حتى يتخلص منها.
وهي اثنا عشر جنساً مذكورة في كتاب الله_عز وجل_هي أجناس المحرمات:
الكفر، والشرك، والنفاق، والفسوق، والعصيان، والإثم، والعدوان، والفحشاء، والمنكر، والبغي، والقول على الله بغير علم، واتباع غير سبيل المؤمنين.
فهذه الاثنا عشر عليها مدار كل ما حرم الله، وإليها انتهاء العالم بأسرهم إلا أتباع الرسل_صلوات الله وسلامه عليهم_.
وقد يكون في الرجل أكثرها وأقلها، أو واحدة منها، وقد يعلم ذلك، وقد لا يعلم.
فالتوبة النصوح: هي بالتخلص منها، والتحصُّن من مواقعتها، وإنما يمكن التخلص منها لمن عرفها ) . ([660])
المبحث الثاني: باب التوبة مفتوح
لقد فتح الله _بجوده وكرمه_ باب التوبة؛ حيث أمر بها، وحض عليها، ووعد بقبولها، سواء كانت من الكفار أو المشركين، أو المنافقين أو المرتدين، أو الطغاة، أو الملاحدة، أو الظالمين، أو العصاة المقصرين.
ومن خلال ما يلي يتبين لنا شيء من فضل الله_عز وجل_في فتح باب التوبة.
1_ أن الله_عز وجل_أمر بالتوبة: قال_تعالى_: [وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ] الزمر: 54.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( أي ارجعوا إلى الله، واستسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون أي بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة ) ([661]).
2_ أن الله وعد بقبول التوبة مهما عظمت الذنوب: قال _تعالى_: [وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّئَِّاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ] الشورى: 25.
وقال: [وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا] النساء: 110.
وقال_عز وجل_في حق المنافقين: [إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا ١٤٥ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ] النساء: 145_146.
وقال في شأن النصارى: [لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ]المائدة: 73.
ثم قال _جلت قدرته_ محرضاً لهم على التوبة: [أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم] المائدة: 74.
وقال_تعالى_ في حق أصحاب الأخدود الذين خدوا الأخاديد لتعذيب المؤمنين وتحريقهم بالنار: [إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ] البروج: 10.
قال الحسن البصري رحمه الله : ( انظروا إلى هذا الكرم والجود؛ قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة ) ([662]).
3_ أن الله حذر من القنوط من رحمته: قال _تعالى_: [قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ] الزمر: 53.
قال ابن كثير رحمه الله : ( قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ في هذه الآية: قال: قد دعا الله _تعالى_ إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عزيراً ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله _تعالى_ لهؤلاء: [أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم] المائدة:74.
ثم دعا إلى التوبة من هو أعظم قولاً من هؤلاء؛ من قال: [أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ] النازعات: 24، وقال: [مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي] القصص: 38.
قال ابن عباس _رضي الله تعالى عنهما_: ( من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله_عز وجل_ ) ([663]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، في الآية السابقة_آية الزمر_: ( المقصود بها النهي عن القنوط من رحمة الله_تعالى_وإن عظمت الذنوب وكثرت، فلا يحل لأحد أن يَقْنَط من رحمة الله، ولا أن يُقَنِّط الناس من رحمته؛ لذا قال بعض السلف: وإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيّس الناس من رحمة الله، ولا يجرؤهم على معاصي الله.
والقنوط يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له إما لكونه إذا تاب لا يقبل توبته ويغفر ذنوبه، وإما بأن يقول: نفسه لا تطاوعه على التوبة بل هو مغلوب معها، والشيطان قد استحوذ عليه؛ فهو ييأس من توبة نفسه وإن كان يعلم أنه إذا تاب غفر الله له، وهذا يغري كثيراً من الناس ) ([664]).
4_ أن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله_عز وجل_يبسط يده بالليل؛ ليتوب مُسيء النهار ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها ) ([665]).
5_ أن الله رتب الثواب الجزيل على التوبة: ووعد من تاب بالخير الكثير، وهذا ما سيتبين في المبحث الآتي_إن شاء الله تعالى_.
المبحث الثالث: فضائل التوبة وأسرارها
للتوبة فضائل جمة، وأسرار بديعة، وفوائد متعددة، فمن ذلك مايلي([666]):
1_ التوبة سبب للفلاح: قال_تعالى_: [وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ] النور: 31.
قال أبو السعود رحمه الله : ( تفوزون بذلك بسعادة الدارين ) ([667]).
2_ بالتوبة تكفر السيئات: فإذا تاب العبد توبة نصوحاً كفَّر الله بها جميع ذنوبه وخطاياه.
قال_تعالى_: [قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ] الزمر: 53.
وقال: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ] التحريم: 8.
3_ بالتوبة تبدل السيئات حسنات: فإذا حسنت التوبة بدَّل الله سيئات صاحبها حسنات، وذلك فضل من الله، وتكرم.
قال_تعالى_: [إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا] الفرقان: 70.
قال ابن القيم رحمه الله في هذه الآية: ( وهذا من أعظم البشارة للتائبين إذا اقترن بتوبتهم إيمان وعمل صالح، وهو حقيقة التوبة.
قال ابن عباس_رضي الله عنهما_: ( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بهذه الآية لما أنزلت، وفرحه بنزول: [إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا ١ لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ] الفتح: 1_2([668]).
4_ أن الله يحب التوبة والتوابين: فعبودية التوبة من أحب العبوديات إلى الله وأكرمها؛ فإنه_سبحانه_يحب التوابين، قال _تعالى_: [إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ] البقرة: 222.
5_ أن الله يفرح بتوبة التائبين: فللتوبة عنده_عز وجل_منزلة ليست لغيرها من الطاعات؛ ولهذا يفرح _سبحانه_ بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يُقَدَّر _كما مَثَّله النبي صلى الله عليه وسلم بفرح الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض الدَّويَّة المهلكة بعدما فقدها وأيس من أسباب الحياة_.
قال صلى الله عليه وسلم : ( لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومةً، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله.
قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومةً، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده ) ([669]).
قال ابن القيم رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: ( ولم يجئ هذا الفرح في شيء من الطاعات سوى التوبة، ومعلوم أن لهذا الفرح تأثيراً عظيماً في حال التائب وقلبِه، ومزيدُه لا يُعبَّر عنه.
وهو من أسرار تقدير الذنوب على العباد؛ فإن العبد ينال بالتوبة درجة المحبوبية، فيصير حبيباً لله؛ فإن الله يحب التوابين، ويحب العبد المفتن التواب ) ([670]).
الفصل الثالث
مسائل في الدعاء
المبحث الأول: مفهوم الدعاء، وفضائله
أولاً: مفهوم الدعاء
1_ الدعاء في اللغة: الدعاء مصدر الفعل دعا، قال ابن منظور: ( دعا الرجل دعوًا ودعاءً: ناداه، والاسم الدعوة، ودعوت فلانًا أي صِحْتُ به واستدعيته ) .([671])
2_ تعريف الدعاء في الشرع: أما في الشرع فقد عرف بعدة تعريفات منها:
أ_ هو الرغبة إلى الله _ عز وجل _ .([672])
ب_ وقال الخطابي رحمه الله : ( ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه _ عز وجل _ العنايةَ، واستمدادُه إياه المعونة.
وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول، والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله _عز وجل_ وإضافة الجود والكرم إليه ) .([673])
ج_ وعرفه ابن القيم رحمه الله بقوله: ( هو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره أو دفعه ) .([674])
د_ وعُرِّف بأنه: الابتهال إلى الله _ تعالى _ بالسؤال، والرغبة فيما عنده من الخير، والتضرع إليه في تحقيق المطلوب، والنجاة من المرهوب.([675])
ثانياً: فضائل الدعاء
للدعاء فضائل عظيمة، وثمرات جليلة، وأسرار بديعة منها:
1_ أن الدعاء طاعة لله وامتثال لأمره _عز وجل_: قال_تعالى_:[وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ](غافر:60)، وقال:[وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۚ] الأعراف:29.
فالداعي مطيع لله، مستجيب لأمره.
2_ السلامة من الكبر: قال_تعالى_:[وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]غافر:60.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في هذه الآية: ( والآية الكريمة دلت على أن الدعاء من العبادة؛ فإنه _سبحانه وتعالى_ أمر عباده أن يدعوه، ثم قال:[إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي].
فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة، وأن ترك دعاء الرب _سبحانه_ استكبار، ولا أقبح من هذا الاستكبار.
وكيف يستكبر العبد عن دعاء من هو خالق له، ورازقه، وموجده من العدم، وخالق العالم أجمع، ورازقه، ومحييه، ومميته، ومثيبه، ومعاقبه؟!
فلا شك أن هذا الاستكبار طرف من الجنون، وشعبة من كفران النعم ) ([676]).
3_الدعاء عبادة: للآية السابقة، وكما جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الدعاء هو العبادة ) ([677]).
4_الدعاء أكرم شيء على الله: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ليس شيء أكرم على الله _عز وجل_ من الدعاء ) ([678]).
5_ الدعاء محبوب لله _عز وجل_: فعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: ( سلوا الله من فضله؛ فإن الله يحب أن يُسأل ) ([679]).
6_الدعاء سبب لانشراح الصدر: ففيه تفريج الهم، وزوال الغم، وتيسير الأمور.
7_الدعاء سبب لدفع غضب الله: فمن لم يسألِ الله يغضبْ عليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يسأل الله يغضبْ عليه ) .([680])
8_ ثمرة الدعاء مضمونة _بإذن الله_: فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير،وسينال نصيبًا وافرًا من ثمرات الدعاء ولا بد.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من سوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ) .([681])
ففي ذلك دليل على أن دعاء المسلم لا يهمل، بل يعطى ما سأله، إما معجلاً، وإما مؤجلاً، تفضلاً من الله_جل وعلا_.([682])
قال ابن حجر رحمه الله : ( كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة؛ فتارة تقع بعين ما دعا بِهِ، وتارة بعِوَضِهِ ) .([683])
9_ الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله: قال_عليه الصلاة والسلام_: ( ولا يرد القدر إلا الدعاء ) ([684])
قال الشوكاني رحمه الله عن هذا الحديث: ( فيه دليل على أنه _سبحانه_ يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة ) .([685])
وقال: ( والحاصل أن الدعاء من قدر الله _ عزَّ وجلَّ _ فقد يقضي على عبده قضاءً مقيدًا بأن لا يدعوه، فإذا دعاه اندفع عنه ) .([686])
10_ الدعاء سبب لرفع البلاء بعد نزوله: قال صلى الله عليه وسلم : ( من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعطى _ أحبَّ إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل؛ فعليكم عباد الله بالدعاء ) .([687])
ولهذا يجدر بالعبد إذا وجد من نفسه النشاط إلى الدعاء والإقبال عليه أن يستكثر منه؛ فإنه مجاب، وتقضى حاجته بفضل الله، ورحمته، فإنَّ فَتْحَ أبواب الرحمة دليل على إجابة الدعاء.([688])
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة ) .([689])
ومعنى يعتلجان: أي يتصارعان، ويتدافعان.
11_ الدعاء يفتح للعبد باب المناجاة ولذائذها: فقد يقوم العبد لمناجاة ربه، وإنزال حاجاته ببابه _ فَيُفْتَح على قلبه حال السؤال والدعاء من محبة الله، ومعرفته، والذل والخضوع له، والتملق بين يديه _ ما ينسيه حاجته، ويكون ما فتح له من ذلك أحبَّ إليه من حاجته، بحيث يحب أن تدوم له تلك الحال، وتكون آثر عنده من حاجته، ويكون فرحه بها أعظمَ من فرحه بحاجته لو عجلت له وفاته تلك الحال.([690])
المبحث الثاني: شروط الدعاء
للدعاء شروط عديدة لا بد من توفرها؛ كي يكون الدعاء مستجابًا مقبولاً عند الله، ومن تلك الشروط ما يلي:
1_ أن يكون الداعي عالمًا بأن الله _ وحده _ هو القادر على إجابة دعائه: فلا يجلب له النفع إلا الله، ولا يكشف عنه السوء إلا هو، قال _ تعالى _ :[أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ]النمل: 62 .
وهذا هو التوحيد العلمي الاعتقادي _ توحيد الربوبية _.
2_ ألا يدعو إلا الله: فلا يجوز له أن يسأل إلا الله، أو أن يدعو غيره معه؛ لأن هذا شرك بالله _ عز وجل _، قال _ تعالى _:[وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا]الجن: 18.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس _ رضي الله عنهما _: ( وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ) ([691]).
3_ تجنب الاستعجال: وذلك بألا يستعجل العبد الإجابة إذا دعا، وألا يستبطئ الإجابة إذا تأخرت؛ فإن الاستعجال من الآفات التي تمنع أثر الدعاء.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي ) ([692]).
قال ابن القيم رحمه الله : ( ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر، ويدع الدعاء.
وهو بمنزلة من بذر بذرًا، أو غرس غرسًا، فجعل يتعاهده، ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله ) .([693])
4_ الدعاء بالخير: فحتى يكون الدعاء مقبولاً عند الله _ فلا بد أن يكون في الخير بعيدًا عن الإثم وقطيعة الرحم، قال صلى الله عليه وسلم : ( يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ) .([694])
5_ حسن الظن بالله _ عز وجل _: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ) .([695])
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل وفاته بثلاث: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله _ عز وجل _ ) .([696])
وقال صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله _ عز وجل _: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني ) .([697])
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في قوله _ تعالى _ في الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي ) : ( فيه ترغيب من الله لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسابها؛ فمن ظن به خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميل تَفَضُّلاته، ونثر عليه محاسن كراماته، وسوابغ عطياته.
ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله _ تعالى _ له هكذا.
وهذا هو معنى كونه _ سبحانه وتعالى _ عند ظن عبده؛ فعلى العبد أن يكون حسن الظن بربه في جميع حالاته، ويستعين على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدالة على سعة رحمة الله _ سبحانه وتعالى _ ) .([698])
6_ حضور القلب: فينبغي للداعي أن يكون حاضر القلب، متفهمًا لما يقول، مستشعرًا عظمة من يدعوه؛ إذ لا يليق بالعبد الذليل أن يخاطب ربه ومولاه بكلام لا يعيه هذا الداعي، وبِجُمَلٍ قد اعتاد تكرارها دون فهم لفحواها، أو أن تجري على لسانه _ هكذا _ على سبيل العادة.
قال _ عليه الصلاة والسلام _: ( واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ ) .([699])
المبحث الثالث: آداب الدعاء
هناك آداب يحسن توافرها: كي يكون الدعاء كاملاً، ومنها الثناءُ على الله قبل الدعـاء، والصلاة ُعلى النبي صلى الله عليه وسلم والإقرارُ بالذنب، والاعترافُ بالخطيئة، والتضرعُ، والخشوعُ، والرغبةُ، والرهبةُ، والجزمُ في الدعاءِ، والعزمُ في المسألة، والإلحاحُ بالدعاء، والدعاءُ في كل الأحوال، والدعاءُ ثلاثاً، واستقبالُ القبلة، ورفعُ الأيدي، والسواكُ، والوضوءُ، واختيارُ الاسم المناسبِ أو الصفةِ المناسبةِ كأن يقول: يا رحمن ارحمني، برحمتك أستغيث.
ومن آداب الدعاء: خفضُ الصوتِ، وأن يتخير الداعي جوامعَ الدعاء، ومحاسنَ الكلامِ، وأن يتجنب التكلفَ، والسَجْعَ، وأن يبدأ الداعي بنفسه، وأن يدعو لإخوانه المسلمين.
ومن الأسباب _ أيضاً _: الإخلاص لله حالَ الدعاء، وقُوةُ الرجاء، وشدةُ التحرّي، وانتظارُ الفَرَجِ، والتوبةُ، وردُّ المظالمِ، والسلامةُ من الغفلة، وكثرةُ الأعمالِ الصالحةِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكر، والتقربُ إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وبِرُّ الوالدين، واغتنامُ الفُرصِ، وذلك بتحري أوقات الإجابة، واغتنامُ الأحوال، والأوضاع، والأماكن التي هي مظانُّ إجابة الدعاء.
هذه بعض آداب الدعاء على سبيل الإجمال، والأدلة على ذلك مبسوطة في الكتاب والسنة، والمجال لا يتسع للتفصيل؛ فالإتيان بشروط الدعاء وآدابه من أعظم الأسباب الجالبة لإجابة الدعاء([700]).
الباب السادس
النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري
في الإسلام
الفصل الأول
النظام السياسي في الإسلام
المبحث الأول: في مفهوم النظام السياسي في الإسلام
الوقوف على معنى النظام السياسي في الإسلام يحتاج إلى معرفة كلمة النظام والسياسة باعتبار إفرادهما، ثم باعتبار تركيبهما وإضافتهما إلى الإسلام، وهذا ما سيتبين من خلال ما يلي:
أولاً: معنى كلمة (النظام) في اللغة: النظام اسمُ مصدرِ الفعل نَظَم ينظم، والمصدر نظماً، واسم المصدر نظاماً.
ويطلق النظم على الجمع والضم، يقال: نظمت اللؤلؤ: أي جمعته في السلك.
وكل شيء قرنته بآخر، أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته.
والنظام: ما نظمت فيه الشيء من خيط وغيره.
ونظام كل أمر: مِلاكه، والجمع أنظمة، وأناظيم، ونظم.
والانتظام: الاتساق. ([701])
وقد أُطلقت لفظة النظام على الأحكام التي تنتظم في موضوع واحد هي ملاك هذا الموضوع؛ فكأنها حبات لؤلؤ نظمت بخيط واحد. ([702])
ثانياً: معنى كلمة (السياسي) في اللغة: السياسي نسبة إلى السياسة، وهي مصدر الفعل ساس يسوس.
والسياسة والسَّوس: الرياسة، والطبيعة، والجبلة.
والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه.
يقال: ساسوهم سوساً، وإذا رأَّسوا أحداً قيل: سوَّسوه، وأساسوه، وساس الأمر سياسة: قام به، وسوَّسه القوم: جعلوه يسوسهم.
ويقال: سوَّس فلانٌ أمرَ بني فلان: أي كُلِّف سياستهم. ([703])
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي ) .([704])
قال ابن الأثير رحمه الله : ( تسوسهم الأنبياء: تتولى أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية ) .([705])
ثالثاً: معنى النظام السياسي: تطلق كلمتي النظام السياسي باعتبار التركيب على عدة إطلاقات باعتبارات:
1. فتطلق على كل ما يتعلق بسياسة الدولة، ونظام الحكم فيها.
2. وتطلق على جانب الحكم فيها على اعتبار أن نظام الحكم يشمل النظام السياسي، والنظام الإداري، والنظام المالي، والنظام القضائي.
3. وتتناول ألواناً أخرى من النظم، والأحكام، والقوانين التي لا يمكن أن يُتَصَوَّر نظام الحكم إلا بها. ([706])
رابعاً: مفهوم النظام السياسي في الإسلام: لقد عني الإسلام بالسياسة ونظامها؛ بمعنى تدبير شؤون الأمة، ورعاية مصالحها لا بمعنى الختل، والتضليل، والخداع، والمناورة؛ فموضوع السياسة في الإسلام تدبير الأمة، وتصريفها على الوجه الأصلح الذي جاءت به الشريعة الإسلامية، وهو ما يعرف بالسياسة الشرعية؛ فهي مفهومٌ وممارسةٌ تربط بين السياسة وهي القيام على الأمر بما يصلحه، وبين الشرعية وهي تطبيق أحكام الشرع فيما ورد فيه نص، ومراعاةُ مطلق المصلحة فيما لا نص فيه.
وبهذا المفهوم تُعَرَّف السياسة الشرعية بأنها: تدبير الشؤون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح، ودفع المضار مما لا يتعدى حدود الشريعة، وأصولها الكلية.
ولا ريب أن مفهوم علم النظام السياسي الإسلامي جزء من السياسة الشرعية، وهو معرفة نظام الحكم، وكيفية اختيار الحاكم، وحقوقه، وواجباته، وحقوق المحكوم، وواجباته، والعلاقة بين الحاكم، والمحكوم، والعلاقة بين الدول في حالتي السلم والحرب وفق الشريعة([707]).
المبحث الثاني: خصائص النظام السياسي للشريعة الإسلامية
الإسلام دين الفطرة، ودين السلامِ، والأمانِ، وللشريعة الإسلامية خصائص تمتاز بها عن غيرها.
والنظام السياسي في الإسلام أحد مفردات منظومة دين الإسلام، وله خصائص خالدة تبرز دوره، وتميزه عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى.
ومن أهم تلك الخصائص ما يلي:
1. الربانية: وتتمثل الربانية في نظام الإسلام السياسي في ربانية المصدر، وربانية الوجهة.
أما ربانية المصدر فتتمثل في كونه من عند اللهِ، والله _عز وجل_ أعلم بما يصلح عباده، قال _تعالى_: [أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ] الملك: 14.
ولهذه الخصيصة ثمار عديدة منها: العصمة من التناقض، والبراءة من التحيُّز والظلمِ، والميلِ لمصلحة طائفة من البشر، أو بلد دون آخر.
ومنها: التحرر من عبودية الإنسان في الوقت الذي انحرفت فيه الأنظمة السياسية الوضعية بتذليل الأتباع للمتبوعين، وانحرفت في جانب آخر من جوانب العبودية من جهة أن السادة قد يُحَرِّمون على أتباعهم ما يشاؤون، ويحللون لهم ما يشاؤون.
وأما ربانية الوجهة فتتمثل في ابتغاء الإنسانِ بعمله وجهَ الله _عز وجل_ فالمسلم هو الذي تكون أعماله لله _سبحانه_ كما قال _عز وجل_: [قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] الأنعام: 162 .
هكذا يعلق الإنسان المؤمن توجهه لله _سبحانه_ في جميع أموره، ومن جملتها منهجه السياسي الذي يسير عليه.
والعمل بالنظام السياسي الإسلامي أمر يُتعبد الله به، فالسياسي المسلم الذي يسير على شرع الله مخلصاً في نيته لله _ مأجور عند الله _عز وجل_ على عمله، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) وذكر منهم: ( الإمام العادل ) ([708]).
وفي مقابل ذلك فإن من أعرض في سياسته عن الحكم بما أنزل الله فإنه معرض للعقوبة من الله _سبحانه_ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يُحِطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة ) .([709])
2. الشمول: قال الله _عز وجل_: (مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ) الأنعام: 38.
فالنظام السياسي في الإسلام لم يأت قاصراً على ما يهم الحاكم، أو على ما يهم المحكوم، بل جاء شاملاً لكل ما يحتاجه النظام من بيان لواجبات الحاكم وحقوقه، وواجبات المحكوم وحقوقه.
وجاء بما ينظم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الأمم والشعوب المسلمة وغير المسلمة.
ثم إنه شامل لحل جميع المشكلات؛ لاشتمال شريعة الإسلام وأصولها على أحكام ما لا يتناهى من الوقائع.
ومما يدل على ذلك الشمول، قول الله _سبحانه_: [وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ] النحل: 89 .
قال ابن الجوزي رحمه الله : في تفسير هذه الآية: ( لكل شيء من أمور الدين، إما بالنص عليه، أو بالإحالة على ما يوجب العلم مثل بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين ) .([710])
3. العالمية: فالنظام السياسي في الإسلام له صفة العالمية؛ لأنه منزل لجميع الناس على حدٍّ سواء صالح لكل زمان، ومكان، وأمة، وحال؛ فشريعته أحكم ما تساس به الأمة، وأصلح ما يقضى به عند التباس المصالح، أو التنازع في الحقوق؛ فعالمية الزمان تعني أنه صالح إلى قيام الساعة، وعالمية المكان تعني أنه صالح لأي جزء من أجزاء المعمورة، ولجميع الناس على اختلاف أجناسهم، ولغاتهم، وأحوالهم.
ولقد تظاهرت النصوص الشرعية في بيان ذلك، منها قول الله _عز وجل_: [قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا] الأعراف: 158 .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً عن بعض مااختصه الله به، قال: ( وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة ) .([711])
ولا غرو في ذلك فالإسلام هو آخر الأديان، ولا دين بعده؛ فلا بد أن يكون صالحاً لكل زمان ومكان، ولجميع الأمم، ولكافة الأحوال من حرب وسلم، وقوة وضعف، وغنى وفقر، ونحو ذلك.
4. الوسطية: فالإسلام وسط في عقيدته، وشريعته بين الغلو والتقصير.
وهو كذلك وسط في أنظمته، ومن جملتها النظام السياسي؛ فلا هو نظام ديكتاتوري مُفْرِط، ولا نظام ديموقراطي مُفَرِّط.
ولقد وصف الله هذه الأمة بالوسطية، وقال: [وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ] البقرة: 143 .
والوسط: هو الخيار، والعدل، والأجود.
ومن أجلى مظاهر ملائمة النظام السياسي الإسلامي للمطالب البشرية تميزه بالتوازن والوسطية، فالثبات فيما يجب أن يبقى ويَخْلُد، والمرونة فيما ينبغي أن يتغير ويتطور.
5. الواقعية وملائمة الفطرة: فالنظام السياسي يتسم بهذه الخصيصة؛ فهو ممكن التطبيق، والتحقيق في الحياة الإنسانية؛ لأنه ليس بعيداً عن الحقائق وأمور الحياة، فهو ليس نظاماً مغرقاً في الخيال والمثالية التي ليس له حقيقة إلا في التصور الذهني فحسب.
وإنما هو نظام يُشَرِّعُ للناس كما هم في عالم الواقع؛ فهو يراعي طبيعة البشر، ولا يتعامل معهم تعاملاً جامداً مجرداً.
ومن هنا فالنظام السياسي الإسلامي يفوق في واقعيته النظم السياسية التي وضعها أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وغيرهم من الفلاسفة الذي حلقوا في عالم الخيال، ولم يراعوا الواقع وطبيعة الناس؛ فجاءت تصوراتهم بعيدة عن الحقيقة والواقع؛ لأن النظم السياسية التي وضعوها قائمة على فروض عقلية مجردة، ولم تأت من النظر في واقع الحياة ومشكلاتها.
ومن أكبر مظاهر واقعية النظام السياسي في الإسلام أنه يتعامل مع هذه الحياة الواقعية بكل ما فيها من خير وشر، وما فيها من بشر من لحم ودم وأعصاب، وعقل ونفس وروح، يقول تعالى: [لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ] البقرة: 286.
وقوله: [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمََٔابِ ١٤ ۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ] آل عمران: 14_15 .
هذه بعض النصوص القرآنية التي تقرر طبيعة الإنسان وضعفها، وتضع حدود المنهج الإسلامي للحياة، وهي تدل على الواقعية في هذا المنهج وانطباقها على واقعية الفطرة الإنسانية وحدود طاقاتها الموهوبة لها، وحدود الاستعدادات المهيأة للعمل والنشاط؛ بحيث لا تكبت طاقة واحدة، ولا تكف عن العمل، لا تكلف النفس بما ليس من وسعها ولا من فطرتها التي فطرها الله _تعالى_ عليها. ([712])
المبحث الثالث: الشريعة الإسلامية والأنظمة البشرية
مرَّ بنا في المبحث الماضي ذكرُ بعضِ الخصائص التي اختصت بها الشريعة الإسلامية ونظامها السياسي.
ويكفي في تميز الشريعة الإسلامية عن غيرها من الأنظمة البشرية أن الشريعة الإسلامية جاءت من لدن رب البشر الذي خلقهم، ويعلم ما يصلحهم.
بخلاف الأنظمة البشرية التي يعتريها ما يعتريها من الهوى، والغفلة، والجهل، والنقص وما إلى ذلك.
والحديث عن تميز الشريعة الإسلامية عن غيرها لا يحتاج إلى إطالة، وكثرة استدلال؛ إذ هو واضح لكل عاقل منصف، ولو استرسل الحديث في ذكر أوجه التفاضل والتميز للشريعة الإسلامية عن غيرها لطال الكلام، ولكن المقام لا يسمح بذلك.
وإنما سيكون ذكر لبعض المقارنة بين النموذج السياسي الإسلامي وغيره، وذلك من خلال ما يلي:
1. أن العلاقة في الإسلام بين الحاكم والمحكوم مباشرة، لا تعرف الوسيط، ولا يفصل بين الاثنين أية عقبة اجتماعية أو نظامية.
2. العلاقة السياسية تنبع من مفهوم العلاقة الدينية، وتُحَدَّد بها؛ فعلاقة المسلم بكتاب الله وسنة رسوله وتعاليمها هي التي تحدد روابط العلاقة السياسية.
3. أن تلك العلاقة مشتركة؛ فكل مسلم مطالب بالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام بالوسائل المشروعة حسب استطاعته، والدولة تفعل ذلك.
4. أن هذه العلاقة مطلقة غير مقيدة بفئة ولا طبقة، والتمييز بين الحاكم والمحكوم هو تمييز وظيفي.
5. أن العلاقة السياسية في الإسلام ظلت تمتاز بالبساطة، فلم تعرف المثالية المجردة التي عرفها النموذج اليوناني، ولا التركيب النظامي الذي عرفه النموذجان: الروماني والكاثوليكي، ولا الاستيعاب المطلق الذي سيطر على النموذج القومي([713]).
المبحث الرابع: النظام القضائي في الإسلام
أولاً: مفهوم القضاء: أ. تعريف القضاء في اللغة: القضاء في اللغة مصدر الفعل قضى يقضي قضاءً.
قال ابن فارس في مادة (قضى): ( القاف والضاد، والحرف المعتل أصل صحيح يدل على إحكام أمر، وإتقانه، وإنفاذه لجهته ) .([714])
والقضاء هو الحكم، والصنع، والحتم، والبيان.
وأصله: القطع، والفصل، وقضاء الشيء، وإحكامه، وإمضاؤه، والفراغ منه([715]).
ب. تعريف القضاء في الاصطلاح الشرعي: هو تبيُّن الحكم الشرعي، والإلزام به، وفصل الخصومات. ([716])
ثانياً: مكانة القضاء وأهميته: للقضاء مكانة عظيمة، وأهمية بالغة؛ فهو من ضروريات الحكم، ومن أعظم الأسس والقواعد التي تقوم عليها أي دولة؛ فمصلحة الأمة تقضي بوجوده، والعناية به.
ولو عُدِمَ القضاءُ لاختل الاجتماع، ولاضطربت الأمور، وضاعت الحقوق، وعمت الفوضى.
ولأهمية القضاء عُني الإسلام به أعظم عناية، وعَدَّه من أعظم الولايات، ووضع لمن يتولاه شروطاً خاصة تضمن تحقيق أهداف سلطة القضاء.
ولقد أجمع الصحابة _رضي الله عنهم_ على إقامة القضاء بين الناس، وباشروه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده.
بل لقد كانت السلطة القضائية في صدر الإسلام في يد الخلفاء.
يقول ابن خلدون رحمه الله : ( كان الخلفاء في صدر الإسلام يباشرون القضاء بأنفسهم، ولا يجعلون القضاء إلى من سواهم.
وأول من دفعه إلى غيره، وفوَّضه فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وإنما كانوا يولون القضاء لغيرهم، وإن كان مما يتعلق بهم؛ لقيامهم بالسياسة العامة، وكثرة أشغالها ) ([717]).
ولما للقضاء من شأن خطير وردت الأحاديث فيه ترغيباً وترهيباً، فقد رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم فيه؛ لما يترتب عليه من المصالح العظيمة ومن أهمها تحقيق العدل.
وزهَّد فيه لمن لا يستطيع تحمل تبعاته، وتقدير عواقبه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة؛ قاضٍ قضى بغير حق وهو يعلم ذلك فذلك في النار، وقاضٍ لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى بالحق فذلك في الجنة ) ([718]).
وقال _عليه الصلاة والسلام_: ( إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ؛ فإذا جار تخلى عنه، وألزمه الشيطان ) ([719]).
هذا وقد نوَّه العلماء بالقضاء، قال السرخسي رحمه الله : ( في القضاء بالحق إظهار العدل، وبالعدل قامت السماوات والأرض، ورفعُ الظلم، وهو ما يدعو إليه عقل كل عاقل، وإنصاف المظلوم من الظالم، وإيصال الحق إلى المستحق، وأمر بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر.
ولأجله بعث الأنبياء والرسل _صلوات الله عليهم_ وبه اشتغل الخلفاء الراشدون _رضوان الله عليهم_ ) ([720]).
ولهذا تولى كثير من العلماء القضاء؛ فقاموا بالعدل، ونشروا لواءه.
وأحجم كثير منهم عن تولي القضاء؛ إكباراً لشأنه([721]).
ثالثاً: مقاصد القضاء: من خلال ما مضى تبين شيء من مقاصد القضاء، وفيما يلي إجمال لأهم تلك المقاصد:
1. الفصل في الخصومات بطريق الصلح، أو بالحكم القضائي الملزم.
2. استيفاء الحقوق ممن هي عليه، ودفعها إلى مستحقيها.
3. النظر في أموال اليتامى، والمجانين، والسفهاء، والحَجْر على من يُرى الحجر عليه؛ لِسَفَهٍ أو نحوه.
4. مكافحة الفساد، ورد المفسدين بالحكم عليهم بالعقوبات الشرعية الزاجرة.
5. إقامة العدل، ونصرة المظلوم، وإحلال النظام.
6. تنفيذ الوصايا على شروط المُوْصِين حسب أحكام الشريعة.
7. النظر في الأوقاف، وتنميتُها، وحفظُها، وصرفُ ريعها للمستحقين.
8. تطبيق أحكام الشريعة فيما يتعلق بالزواج والطلاق، وما يستتبعهما من الولاية على من لا ولي لها، ونحو ذلك مما يسمى بالأحوال الشخصية.
9. النظر في قضايا الدماء، من قصاص، وجراحات، ونحوها.
10. التأكد من أهلية الشهود، وإبدالهم بغيرهم إذا ثبت جرحهم.
فهذه مقاصد القضاء على سبيل الإجمال. ([722])
رابعاً: شروط القضاء: القضاء منصب خطير _كما مر_ ولذا اشترط العلماء فيمن يتولى القضاء شروطاً عديدة مستنبطة من الكتاب والسنة.
ومن أهم تلك الشروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، وأن يكون عدلاً، عفيفاً، ظاهر الأمانة، وأن يكون عالماً بالأحكام الشرعية المستقاة من الكتاب والسنة، وأن يكون ذا علم بالإجماع والقياس، وأن يكون سليم الحواس من السمع والنطق، والبصر؛ ليدرك الأشياء، ويفهمها.
وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، فيجب تولية الأمثل فالأمثل.
وأركان تلك الشروط التي يجب أن تتوافر في القاضي اثنان:
القوة والأمانة؛ لقوله _تعالى_: [يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ] مريم: 12 .
وقوله _عز وجل_: [يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ] ص: 26 .
فالقاضي يحتاج إلى تنفيذ ما يحكم به؛ فإذا لم يكن صاحب قوة تعطلت الأحكام، وضاعت الحقوق.
والقضاء يحتاج إلى الأمانة أكثر من غيره؛ فإذا لم يكن القاضي أميناً ذا خشية لله استحل المحرم؛ فأعطى الحقوق غير مستحقيها، أو منعها مستحقيها؛ لمجرد هوى أو دنيا. ([723])
خامساً: آداب القاضي: ذكر العلماء آداباً يحسن بالقضاة أن يتحلوا بها؛ ليكون قضاؤهم تاماً كاملاً مؤدياً للغرض من غير جلب ضرر، أو مفسدة؛ فمن ذلك ما يلي:
1_ أن يجمع القاضي بين الحزم والحلم؛ فيكون قوياً من غير عنف، ولَيِّناً من غير ضعف.
2_ أن يكون ذا أناة، وصبر وتثبت، وطولِ نفس.
3_ أن يكون ذا فطنة مستيقظة، بحيث لا يؤتى من غفلة، أو يخدع لِغِرَّة.
4_ أن يكون عفيفاً ورعاً زاهداً بعيداً عن المطامع.
5_ أن يكون صادق اللهجة، بعيداً عن المواربة.
6_ أن يكون ذا رأي ومشورة، واستخارة، وألا يكون غشوماً عسوفاً مستبداً.
7_ أن يكون بصيراً بالقضاء وآدابه، وبأحكام الحكام قبله؛ ليستفيد منها ما يتجدد من الوقائع.
8_ يستحب للقاضي إذا ولي بلداً أن يعرف عادات ذلك البلد، وأن يسأل عمن فيه من الفقهاء والفضلاء، والعدول؛ ليعرف من خلالهم أحوال البلد، ويستعين بهم في الإصلاح ونحو ذلك.
9_ أن يخرج للناس في أعدل أحواله غير غضبان، أو متكدر، أو جائعٍ، أو مهموم بأمر يشغله، وألا يستسلم لما يعرض له من أحوال خاصة كالرضا، والغضب، والاستحسان، والاستهجان.
10_ أن يكون مستعيناً بالله، عظيم التوكل عليه، كثير السؤال والدعاء أن يوفقه الله للصواب، وأن يجنبه الخطأ والزلل.
11_ أن يصون نفسه عن مواطن الرِّيَب، وعن كل ما يسقط الهيبة والمروءة.
12_ أن يجمع بين التواضع، وعزة النفس.
13_ أن يعنى بملبسه ومجلسه بما يليق بحاله وزمانه دون تكلف أو تصنع.
14_ اتخاذ الديوان، والمحاضر، والتدقيق في المدونات.
هذه بعض آداب القاضي التي يستحب للقاضي أن يتمثلها، ويأخذ بها، وهناك تفصيلات كثيرة يطول ذكرها. ([724])
سادساً: أحوال الناس في القضاء: مر شيء من ذلك عند الحديث عن مكانة القضاء وأهميته، ويمكن إجمال أحوال الناس في القضاء فيما يلي:
1. من الناس من لا يجوز له الدخولُ في القضاء، وهو من لا يحسنه، ولم تجتمع فيه شروطه.
2. منهم من يجوز له ولا يجب عليه، وهو من كان من أهل العدالة، والاجتهاد، ويوجد غيره مثله.
3. ومنهم من يجب عليه أن يتولى القضاء، وهو من يصلح للقضاء، ولا يوجد غيره يقوم مقامه؛ فهذا يتعين عليه؛ لأن القضاء فرض كفاية؛ فإذا لم يوجد من يقوم به غيره تعين عليه كسائر فروض الكفايات. ([725])
سابعاً: استقلالية القضاء في الإسلام: لقد أكدت الشريعة الإسلامية استقلال القضاء والقاضي.
ويُعنى بذلك حصانة القضاء والقاضي، وحريته في اتخاذ الحكم، وتقرير الحق، ومنع التدخل في أحكامه، وابتعاده عن المؤثرات الخارجية، والسياسية، والشخصية.
وذلك لأن القاضي ملاذ المظلومين، وكهف المكروبين، ومُنْصِف المُحِقِّين، وقامع المبطلين الظالمين، فمهمته أن يعيد الحقوق إلى أربابها، وأن يحكم بالحق دون أي مؤثرات خاصة أو عامة.
قال الله _عز وجل_: [وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ] المائدة: 8 .
وقال _جل ثناؤه_: [وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ] المائدة: 49 .
وقال: [وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا] النساء: 105 .
وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز للوالي أن يملي عليه إرادته إلا إذا تنكب القاضي عن طريق الحق، فيعزل بعد التحقق من أمره.
هذا وإن التاريخ الإسلامي منذ فجر الإسلام حافل بما يؤكد استقلالية القضاء، ونزاهة القضاة([726]).
المبحث الخامس: الشورى في الإسلام
المطلب الأول: مفهوم الشورى
1. الشورى في اللغة: أصل هذه الكلمة الشين، والواو، والراء (شور).
قال ابن فارس رحمه الله : ( الشين والواو والراء أصلان مُطّردان، الأول منهما: إبداء شيء وإظهاره، وعرضه، والآخر أخذ شيء ) .([727])
إلى أن قال رحمه الله : ( قال بعض أهل اللغة: من هذا الباب شاورت فلاناً في أمري.
قال هو مشتق من شور العسل؛ فكأن المستشير يأخذ الرأي من غيره ) .([728])
فمعاني الشورى _إذاً_ تدور حول إبداء الشيء، وإظهاره، وعرضه، واستخراجه.
ووجه المناسبة من كون الشورى مشتقة من شور العسل ههنا أن المستشار بمثابة النحلة التي تطوف على أنواع العسل والثمار؛ لتتغذى منها.
ومشورته تكون بمثابة العسل الذي هو خلاصة الغذاء؛ فالمستشير يأخذ من المستشار رأيه، كما يفعل من يأخذ العسل من الخلية، فيصفيه، وينقيه من الشمع ومما يَعْلَقُ به. ([729])
2. الشورى في الاصطلاح: عرفت الشورى في الاصطلاح بعدة تعريفات.
ومما يمكن أن تعرف به أن يقال: الشورى استخراج الرأي من أهل الرأي، ومراجعة بعضهم بعضاً؛ رغبة في الوصول إلى الصواب في أي شأن من الشؤون([730]).
أو يقال: الشورى هي النظر في الأمور من أرباب الاختصاص؛ لاستجلاء المصلحة المقصودة شرعاً، وإقرارها. ([731])
وهذا يعني أن الشورى تتكون من طرفٍ يشير، وطرفٍ يسمع، ويتخلَّل ذلك تغليبٌ للرأي، وتبادلٌ لوجهات النظر في الشأن الذي ينظر فيه.
ويهدف من وراء هذا الحوار إلى الاستنارة بالآراء، والخروج برأي واحد قبل أن ينفرد أحد، فيتصرف برأيه وحده.
بل يقوم بالتصرف بعد التشاور في المسألة، وأخذ الرأي ممن عرفوا بالسداد.
وتكون الشورى _أيضاً_ خصوصاً في الشؤون العامة بالرجوع إلى آراء أهل الخبرة، من أفراد الأمة ممن لهم معرفة، وتجربة، أو من أهل الاختصاص بالأمر المرادِ التشاورُ فيه، كأن يكونوا أطباء إن كان طبيباً، أو عسكريين إن كان عسكرياً، وهكذا في كل شأن من الشؤون التي تحتاج إلى مشاورة؛ ذلك أن مجالات الشورى متعددة، ومتنوعة، وشاملة لجميع مجالات الحياة الإنسانية، سواء في الحكم، أو القضاء، أو الإرادة، أو البيت، أو الشؤون الخاصة([732]).
المطلب الثاني: الشورى في القرآن الكريم
ورد ذكر الشورى بمعناها العام المتعلق بنظام الحكم في الإسلام في آيتين من القرآن الكريم:
الأولى: في سورة الشورى، وهي مكية نزلت قبل الهجرةِ وقيامِ الدولة الإسلامية، قال تعالى: [وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ] الشورى: 38 .
يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: ( [وَأَمۡرُهُمۡ] الديني والدنيوي [شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ] أي لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعاً عن اجتماعهم، وتوالفهم، وتواددهم، وتحاببهم، فمن كمال عقولهم أنهم إذا أرادوا أمراً من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها اجتمعوا لها، وتشاوروا، وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء، أو غيرهما ) ([733]).
ويظهر لنا من هذه الآية الكريمة أن الله _سبحانه وتعالى_ ذكر الصفات الأساسية التي تميز المؤمنين ومدحهم لها، وذكر من ضمن هذه الصفات أن أمرهم شورى بينهم، وهذا يفيد أن الشورى من خصائص المسلمين التي يجب أن يتحلوا بها، سواء كانوا يشكلون جماعة لم تقم لهم دولة بعد كما كان حال المسلمين في مكة، أو كانوا يشكلون دولة قائمة بالفعل كما كانت الحال في المدينة بعد الهجرة.
ويرى بعض الباحثين من خلال تدبرهم للآية الآنفة أن الشورى وصف ملازم للمؤمنين كالصلاة، فإذا لم يُسمح للمسلم أن يترك الصلاة؛ فكذلك لا يسمح له بترك إقامة الشورى خاصة في الأمور المتعلقة بالمصالح العامة، ويتأكد ذلك بأن الله _عز وجل_ ذكر صفة الشورى بعد صفة الصلاة التي هي عماد الإسلام، وقبل صفة الزكاة، وهذا يدل على عظم شأن الشورى([734]).
الآية الثانية في سورة آل عمران، وهي مدنية، قال _تعالى_: [فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ]. آل عمران:159
تتضمن هذه الآية الكريمة أمراً من الله _عز وجل_ لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يستشير من معه من المؤمنين، فإذا كان الله _عز وجل_ يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، مع كمال عقله، وجزالة رأيه، ونزول الوحي عليه، ووجوب طاعته على الخلق فيما أحبوا أو كرهوا، فكيف بغيره؟!.([735])
ويرد هذا الأمر الإلهي في سياق إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتودد إلى جماعة المسلمين بوصفه رئيساً للدولة الإسلامية، فقرنت الشورى هنا إلى جانب صفات الرحمة واللين، والابتعاد عن الفظاظة والغلظة، والعفو عن زلاتهم، والاستغفار لهم، وعليه فإن ظاهر الآية يرشد أنها جاءت تبين سلوكاً يجعل رئيس الدولة محبوباً مرغوباً لدى جماهير الناس. ([736])
إن الناظر في أمر القرآن الكريم بالشورى، والمتدبر للمنافع المترتبة عليها لا يشك في مدى أهميتها الكبيرة في النظام السياسي الإسلامي، ويمكن إيجاز تلك الأهمية في العناصر الآتية([737]):
1. ذكر مدح المؤمنين بالشورى بين ركنين عظيمين من أركان الإسلام وهما الصلاة والزكاة كما تقدم في الآية الأولى، وإيرادها بهذا السياق يدل على خطورتها البالغة وعظم شأنها.
2. أن الأمر إذا تم عن طريق المشاورة تقل فيه نسبة الخطأ، وتكثر الإصابة؛ فإن الحاكم مهما بلغ من رجاحة عقله وسعة اطلاعه، وكثرة تجاربه، فهو محدود بنقصه البشري الذي لا ينفك عنه.
3. أن الشورى في الحقيقة توزيع للمسؤولية، فلا تقع نتيجتها مهما كانت على كاهل واحد بعينه، بل يتقاسمها الجميع، فلا يتلاوم الناس ويتنافرون ويتشاجرون إن كانت نتيجتها على خلاف ما يريدون.
4. أن المجتمع الذي تطبق فيه الشورى على الطريقة الشرعية يشعر فيه الأفراد بالمسؤولية تجاه قضاياهم الدنيوية والدينية، ولا تجد ذلك المجتمع يعاني من قلة المسؤولية، أو انعدامها تجاه قضايا الأمة الخطيرة والمهمة.
5. أن الشورى وقاية للمجتمع من الاضطراب، وقلة الاستقرار؛ فهي تولد الثقة بين الحاكم والمحكوم، فتزول الأحقاد، ويذهب التدابر والتنازع؛ فالشورى صمام أمان وحاجز عن الفتن والقلاقل؛ لأنه من خلالها تُدرس المسائل والقضايا من أهل الحل والعقد والعلماء والخبراء، فإما أن يؤخذ بها، وإما أن ترد، وعلى كلا الحالين ترتاح النفوس، وتزول الضغائن، وبذلك يسود المجتمع الترابط والإخاء والمحبة والألفة والتراحم بين الحكام والمحكومين.
6. أن الواقع التاريخي شاهد على أن أسعد الأوقات التي مرت بها الأمة يوم طبقت شرع الله، وساد مبدأ الشورى في حياتها، كما أن أشقى الأوقات هي تلك التي نُحِّيت فيها الشورى، وانتشر الاستبداد الذي تولد عنه النزاعات والفتن([738]).
المطلب الثالث: نماذج تطبيقية للشورى في القرآن الكريم
ما ورد ذكره من النص على الشورى في الآيتين السابقتين ليس هو جميع ما ورد في شأن الشورى في القرآن الكريم.
يقال هذا لأن كثيراً ممن يكتب عن الشورى في القرآن الكريم لا يكاد يذكر إلا هاتين الآيتين، وما تنطويان عليه من أحكام، وأسرار.
ولا ريب أنهما نصٌّ في الموضوع، وأصلٌ فيه.
غير أن القرآن حافلٌ بتقرير الشورى في كثيرٍ من سوره وآياته.
ومن ذلك ما جاء في قصة بدء الخلق من المحاورة بين الرب _جل وعلا_ وملائكته، كما في قوله _تعالى_: [وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبُِٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ] البقرة .
فهذه المحاورة تنطوي على نوعٍ من المشاورة، مشاورة أريد لها أن تكون في بدء الخليقة؛ لتكون هدياً ملازماً لبني آدم منذ الخلق الأول؛ ولتكون كالاستشارة للملائكة، وتكريماً لهم؛ فيكون تعليماً في قالب تكريم، ولِيَسُنَّ الاستشارة في الأمور، ولتنبيه الملائكة على ما دقَّ وما خفي من حكمة الله.
فالشورى هي من أول السنن الاجتماعية التي سنَّها الله لخلقه؛ ليقتدوا بها، ويهتدوا بهداها([739]).
2_ الشورى عند إبراهيم _عليه السلام_: قال الله _تعالى_: [فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ] الصافات: 102 .
فالمسألة محسومة معزومة، ومع ذلك يستشير إبراهيم ولده: [يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ] فيجيب الولد: [يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ].
فهذه الآيات تبين لنا أنه لا يمنع العزم عن إنفاذ الرأي وظهور جوابه عن الاستشارة، ألا ترى أن إبراهيم _عليه السلام_ أُمر بذبح ابنه عزمة لا مشورة فيها؛ فَحَمَلَهُ حسن الأدب، وعلمه بموقعه في النفوس على الاستشارة فيه فقال لابنه: [يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ].
إن من يعتاد المشاورة حتى فيما هو واضح جلي لا يمكن أن يتنكبها فيما هو غامض خفي؛ فكون الشورى مسنونة ومحمودة ومفيدة في قضايا قطعية ومحسوسة إنما هو إيذان بمدى ضرورتها، ولزومها، وأولويتها فيما تتعدد فيه الوجوده والإشكالات، وتتضارب فيه الأنظار والاحتمالات([740]).
هذا وإن هناك نماذج تطبيقية أخرى للشورى في القرآن الكريم لا يتسع المقام لذكرها.
المطلب الرابع: كيفية الشورى في الإسلام
لم يأت نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية يحدد لنا كيفية ممارسة الشورى وأسلوبها، وطريقة إجرائها.
كما لم يرد نَصٌّ يُلزم الأمة بعدد معين لأعضاء الشورى، أو كيف يعرفون؟ أو كيف يستشارون؟
وهذا كله دليل على المرونة التي اتَّسم بها الإسلام؛ فتكون الشورى حينئذ خاضعة للمصلحة الزمانية، والمكانية حسب أحوال المجتمعات.
وبهذا يعلم أن المهم أن تقوم حقيقة الشورى في المجتمع المسلم بأي وسيلة لا تعارض الشرع. ([741])
المطلب الخامس: بين الشورى والديموقراطية
اعتمد المسلمون الشورى أسلوباً في حياتهم وهي _كما مر_ استطلاع الرأي من ذوي العلم والخبرة والأمانة للتوصل إلى أقرب الأمور للحق.
ولم تكن الشورى في أمر ورد النص الشرعي فيه ( إذ لا اجتهاد في مورد النص ) .
ولكن الشورى كانت في الأمور العامة في المجالات المختلفة، والشورى كذلك في الاجتهاد الشرعي من النصوص.
ولقد اعتمد الغرب ( الديموقراطية ) أسلوباً في حياته، وهي مشتقة من كلمتي ( demes ) ديموس، و ( cratos ) كراتوس أي حكم الرعاع، ويقابلها كلمة الاستقراطية وهي حكم النبلاء، ثم استقر معناها السياسي في حكم الشعب وأصبحت تعني ( الإرادة العامة للشعب هي أصل السلطة وأن الشعب صاحب السيادة ) .
واتخذت الديموقراطية بعد ممارسات طويلة أنماطاً مختلفة في الحكم ثم استقرت في الجهاز الرأسمالي التعددي الذي يهدف إلى حكم الشعب بنفسه عن طريق اختيار ممثليه وحكامه وممارسته لحرياته، وفي الحكم الاشتراكي في الحزب الواحد، وقد زال من أوروبا تقريباً وبقي في بلدين هما الصين وكوبا وهو في طريقه إلى الزوال.
والشورى تتفق مع الديموقراطية في أمور وتفترق في أمور؛ فما تتفقان فيه ما يلي:
1_ ترشيح رئيس الشعب، وانتخابه من الشعب.
2_ رفض جميع أشكال الحكم المطلق أو الاستبدادي أو القبلي أو الثيوقراطي _الحكم الكهنوتي_ لأن الإسلام ليس ديناً كهنوتياً، وليس فيه رجال دين، ولاهيئات دينية، ولكن علماء وفقهاء، وكل مسلم منتسب هو رجل دين.
3_ تعددية الأحزاب في الإسلام ضمن إطار الإسلام، وفي الديموقراطية ضمن أحكام الدساتير وتوجهات المواثيق.
4_ إقرار الملكية الفردية _ضمن تعاليم الإسلام لتحقيق مصلحة الجماعة_ في الشورى، أو ضمن أحكام الدستور ولمصلحة الجماعة في الديموقراطية.
5_ إعطاء الحريات العامة ولا سيما السياسية ضمن النظام العام.
6_ اختيار الشعب لممثليه في بيان الرأي.
وتفترقان فيما يلي:
1_ الشورى مستمدة من الوحي الإلهي؛ فمخالفته تعد معصية لمخالفتها الحكم الشرعي، بينما الديموقراطية تستمد أصولها من إقرار الناس والناس يخطئون ويصيبون.
2_ الشورى تكون في سلطة الشعب لا في سيادته؛ فالسيادة في الإسلام للشرع والسلطان للشعب في اختيار حكامه وممثليه، بينما تعتبر الديموقراطية السيادة والسطان للشعب معاً.
3_ الشورى تعتمد على تكوين المواطن وفق تعاليم الدين لا سيما الدين الإسلامي تربية تقوم على خشية الله ومراقبته، والنصح للحاكم، والصراحة في القول في حدود الأدب والحكمة؛ فهي علاقة أخلاقية بين الراعي والرعية.
4_ الدستور والمواثيق والقوانين والتشريعات في الشورى تكون مستمدة من الشرع _القرآن والسنة النبوية_ ولا تمنع الإجماع، وتعتمد اجتهادات المجتهدين من أصول الإسلام في المسائل التي تواجهها الأمة.
والديموقراطية تترك ذلك لرأي الناس دون الاعتماد على أسس ثابتة باعتبار أن الناس عرضة لتغير الرأي في الأسس بين الحين والحين.
5_ مفهوم الحريات في الإسلام يجب أن لا يخرج عن نطاق القيم العليا والأخلاق الإسلامية أي هي مقيدة بالأوامر والنواهي الربانية.
وفي الديموقراطية في ظل القيم التي يتفق عليها المجتمع.
6_ تحدد الشريعة السلطات في الشورى الإسلامية السلطان (أي السلطة التنفيذية) للشعب، وتعطي حق اختيار القوانين من اجتهادات الفقهاء للشعب إما مباشرة أو عن طريق ممثليه أو عن طريق الحاكم كما ورد في القاعدة الشرعية ( رأي الإمام يرفع الخلاف ) ، والديموقراطية تعتبر الشعب مصدر السلطات.
هذا وإن الديموقراطية اتخذت أنماطاً مختلفة في التطبيق سواء في نمط النيابة الآمرة وهي التي تسمح للناخبين بمراقبة المنتخبين وعزلهم، أو في حق الاقتراع الشعبي وصياغة القوانين وعرضها على المجلس النيابي والتصويت عليه، أو في حق الاستفتاء الشعبي، أو الاعتراض الشعبي على القوانين مباشرة، أو من خلال النواب.
والإسلام لا يمنع أن تتطور أساليب الشورى في إطار الإسلام والحزم والضبط وتطبيق الأحكام الشرعية، والقناعة والتوصل إلى الرأي الأصوب.
ولا يمنع من اتباع النظم أو الطرق الحديثة التي أخذت بها الديموقراطية من انتخاب ممثلين للأمة، وتعيين مجلس من العلماء والوجهاء والخبراء والسياسيين والزعماء والقضاة وغيرهم، وتنفيذ رأي الإسلام في اختيار الحاكم وانتخابه، ووضع الدساتير والمواثيق ضمن إطاره العام.
وإذا كان هناك ثغرات وسلبيات فإنها تزال ويمنع الغش والخداع والتزييف والغوغائية، وشراء الأصوات والتلاعب بها، واستغفال الجماهير واستغلالها بالوعي الصحيح. ([742])
المطلب السادس: نماذج من تطبيق الشورى في السيرة النبوية
السيرة النبوية حافلة بالشورى وتطبيقاتها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به موقف يستدعي الاستشارة حاور أصحابه، واستخرج ما لديهم من آراء؛ استجابة لأمر ربه _جل وعلا_ بقوله: (وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ) آل عمران:159.
فقد أذن الله له بالاستشارة، وهو _عليه الصلاة والسلام_ غني عنها بما يأتيه من وحي السماء؛ تطييباً لنفوس أصحابه، وتقريراً لسنة المشاورة للأمة من بعده؛ إذ كان العرب من أشد الناس كراهةً للاستبداد، ونفوراً من الرئيس الذي لا يجعل لهم في تصريف الأمور العامة نصيباً من الرأي.
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في قصة أسارى بدر، فقد جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: ( فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ( ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ ) .
فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار؛ فعسى الله أن يهديهم للإسلام.
فقال رسول الله: ( ما ترى يا ابن الخطاب؟ ) .
قال عمر: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا؛ فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكني من فلان _نسيباً لعمر_ فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده.
فهويَ رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت.
فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال رسول الله: ( أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ) _شجرة قريبة من نبي الله_ وأنزل الله عز وجل_:[مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٧ لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٦٨ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٦٩ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ] الأنفال: 67_70([743]).
ففي هذه الحادثة وغيرها يقرر النبي صلى الله عليه وسلم في حواراته مبدأ الشورى؛ لما فيها من تقريب القلوب، وتخليص الحق من احتمالات الآراء، واستطلاع أفكار الرجال، ومعرفة مقاديرها؛ فإن الرأي يمثل لك عقل صاحبه كما تمثل لك المرآة صورة شخصه إذا استقبلها.
كما أن في استشاراته أصحابه زرعاً للثقة في نفوسهم، وأنه يراهم مَطْلَعَ الآراء السديدة، ومواطن الإخلاص.
وأي منزلة أرفع من منزلة قوم يَعرِضُ عليهم الأمرَ يستطلع آراءهم فيه، وهو الغني بما يأتيه من وحي السماء _ كما مر _ وبما رزقه الله من سمو الفكر وصفاء البصيرة؟
ولهذا صار أصحابه، وقادة الأمة الكبار من بعده يأخذون بسنة المشاورة؛ فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من العلم بالشريعة والخبرة بوجوه السياسة في منزلة عَلِيَّة.
ومع هذا كان لا يبرم حكماً في حادثة إلا بعد أن تتداولها آراء جماعة من الصحابة([744]).
وهكذا كان عمر رضي الله عنه في الشورى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فكان عمر يشاور في الأمور لعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي موسى ولغيرهم، حتى كان يدخل ابن عباس معهم مع صغر سنه.
وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله: (وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ) الشورى: 38.
ولهذا كان رأي عمر، وحكمه، وسياسته من أسدِّ الأمور، فما رؤي بعده مثله قط، ولا ظهر الإسلام وانتشر، وعزَّ كظهوره، وانتشاره، وعِزِّه في زمنه.
وهو الذي كسر كسرى، وقصر قيصر، والروم والفرس، وكان أميره الكبير على الجيش الشامي أبا عبيدة، وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص، ولم يكن لأحدٍ _ بعد أبي بكر _ مثل خلفائه ونوابه وعماله وجنده وأهل شوراه ) ([745]).
وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باباً عنوانه: (باب قوله _تعالى_: (وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ) و (وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ).
وقد قرر فيه مبدأ الشورى في حوارات النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده.
قال رحمه الله : ( وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج، فرأوا له الخروج فلما لبس لأْمته، وعزم قالوا: أقم، فلم يمل إليهم بعد العزم، وقال: ( لا ينبغي لنبي يلبس لأْمَتَهُ فيضعها حتى يحكم الله ) .
وشاور علياً وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة، فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين، ولم يلتفت إلى تنازعهم، ولكن حكم بما أمره الله.
وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة؛ ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) ؟.
فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تابعه بعدُ عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة؛ إذ كان عنده حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه ) .([746])
بل كان _عليه الصلاة والسلام_ يقبل المشورة إذا أبداه أحد فأصاب المرمى، حيث يؤخذ برأي ذلك المشير، ويُصار إليه.
والشواهد على ذلك من السيرة النبوية كثيرة، ومن أحسن ما يمثل هذا الأدب الجميل ما جاء في خبر مشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه في غزوة بدر، ومما جاء في ذلك الخبر أن الله _عز وجل_ بعث السماء، فأصاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ماءٌ لبَّدَ لهم الأرض، وأصاب قريشاً ماءٌ لم يقدروا أن يرتحلوا معه، ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، وقال لهم: ( سيروا على بركة الله؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين؛ فكأني أنظر إلى مصارع القوم ) .
ثم مضى يبادر قريشاً إلى الماء إذا جاء أدنى من ماء بدر نزل به.
فجاء الحباب بن المنذر بن الجموح أحد بني سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟
أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
قال: ( بل هو الرأي والحرب والمكيدة ) .
قال: يا رسول الله؛ فإن هذا ليس بمنزل؛ فانهض حتى نأتي أقرب قليب القوم، ثم نُغَوِّر ما سواه من القُلُب، ثم نبني حوضاً؛ فنملأه، ثم نقاتل، فنشرب، ولا يشربون.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد أشرت بالرأي ) .
ثم أمر بإنفاذه؛ فلم يجئ نصفُ الليل حتى تحولوا كما رأى الحباب، وامتلكوا مواقع الماء.([747])
ففي هذه القصة أدب نبوي عظيم من آداب الحوار؛ حيث استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مبادرة الحباب، وفيه أدب الحباب مع الوحي؛ حيث سأل هل هذا من قبيل الوحي والنص الذي لا اجتهاد معه؟
أو هو من قبيل الرأي القابل للأخذ، والرد، والمداولة؟
ولما تيقن الحباب أنه من قبيل الرأي أبدى رأيه بكل صراحة وأدب.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وجاهة رأي الحباب قَبِلَه، وعَدَلَ عما كان مقبلاً عليه.
وفي هذا رفعة لشأن الحباب، وإشادة برجاحة رأيه، ونفاذ بصيرته.
الفصل الثاني
النظام الاقتصادي في الإسلام
المبحث الأول: مفهوم الاقتصاد الإسلامي ومصادره
أولاً: تعريف الاقتصاد في اللغة: أصل هذه الكلمة مادة (قصد) يقصد قصداً.
والقصد يطلق على معانٍ منها: استقامة الطريق، والعدل، والسهولة، والقرب، والاعتدال، والتوسط، والوجهة([748]).
والاقتصاد قريب من القصد؛ فمن معانيه التوسط في الأشياء، والاعتدال فيها.
وهذا هو مضمون علم الاقتصاد وجوهره، وهو ما نصت عليه الآيات القرآنية في العديد من المواضع، كما في قول الله _تعالى_: (وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا) الفرقان: 67 .
وقوله _عز وجل_: (وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا) الإسراء: 29 .
وقوله _تعالى_: [وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ] الأعراف: 31.
كما أن هذا المعنى هو الذي استعمله العلماء _رحمهم الله_ في تعريفهم لمصطلح الاقتصاد؛ حيث أرادوا به التوسط والاعتدال بين الإسراف والتقتير([749]).
ثانياً: تعريف النظام الاقتصادي في الإسلام: لعل الأنسب في تعريف النظام الاقتصادي في الإسلام أن يقال: هو مجموعة الأحكام، والسياسات الشرعية التي يقوم عليها المالُ، وتَصَرُّفُ الإنسان فيه([750]).
ويقصد بمجموعة الأحكام: الحكم الشرعي، وهو ما نصَّ عليه الشارع.
والسياسات الشرعية: هي ما يفعله ولي الأمر، أو تسنُّه الدولة من نظم يُقصد بها تنظيم أحوال المجتمع، وتعاملهم فيه، وتكون غير معارضة للأحكام المنصوص عليها.
ويقصد بالمال: الذي له منفعة مقصودة مباحة، وله قيمة مادية بين الناس.
ومعنى تَصَرُّف الإنسان فيه: أي في المال، كإنفاقه، أو بيعه، ونحو ذلك من التصرفات المالية([751]).
ثالثاً: مصادر النظام الاقتصادي الإسلامي: يستمد النظام الاقتصادي الإسلامي قواعده من مصادر الدين الإسلامي، وهي:
1_ القرآن الكريم. 2_ السنة النبوية.
3_ الإجماع: وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد عصر النبوة على حكم شرعي([752]).
4_ القياس: وهو إلحاق فرع بأصل في الحكم لجامع بينهما([753]).
ومن أمثلة قياس الأوراق النقدية المتداولة الآن كالريالات، والجنيهات، والدولارات على العملة النقدية الموجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهي الدينار الذهبي، والدرهم الفضي بجامع أن العلة واحدة، وهي التنمية.
5_ سد الذرائع: ويقصد بها منع الوسائل المباحة التي تؤدي إلى مفاسد([754]).
6_ العرف: وهو كل ما تعارف عليه الناس، وأَلِفُوه حتى أصبح شائعاً في مجرى حياتهم([755]).
فإذا كان العرف شائعاً بين أهله، ولم يخالف نصاً شرعياً فإنه يكون معتبراً إلا إذا صرح المتعاقدان على خلافه.
ومن الأمثلة على الأخذ بالعرف في الجانب الاقتصادي: نفقة الزوج على زوجته وأبنائه؛ حيث يرجع في تحديد مقدارها إلى العرف، قال الله _تعالى_: [وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ]البقرة: 233 ([756]).
المبحث الثاني: الأصول الاعتقادية للاقتصاد الإسلامي، وأهدافه، وخصائصه
المطلب الأول: الأصول الاعتقادية للاقتصاد الإسلامي
لكل نظام اقتصادي أصوله وقواعده الفكرية التي يؤمن بها وينطلق منها في رسم أنظمته وسياساته الاقتصادية.
وإذا كان النظامان الرأسمالي والاشتراكي ينطلقان من قاعدة اعتقادية واحدة هي (المادية) أو (تقديس المال) فإن النظام الاقتصادي الإسلامي يختلف عنهما في الوجهة؛ حيث يقيم أصوله الفكرية على قاعدة أعظم وأهم، بل هي الأصل لكل جوانب الحياة، ألا وهي قاعدة الإيمان.
فالإيمان يمثل المنطلق الرئيس، والركيزة الأولى لكل جوانب الاقتصاد الإسلامي ومجالاته؛ فهو في حقيقته وجوهره فرع من فروع عقيدة الإيمان، ومهمته أن يحمي هذه العقيدة ويعمق جذورها، وينشر نورها، ويضع الصور العملية التي تعبر عنها، وتحقق أهدافها في واقع الحياة.
ولذا نجد أن الله _سبحانه وتعالى_ يوجه الخطاب في كتابه الكريم إلى الذين آمنوا، وذلك في سائر الأحكام الشرعية، ومنها أحكام المعاملات.
يقول _تعالى_ في آيات الربا: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ] البقرة: 278 .
فَوَجَّهَ الخطاب إلى عباده المؤمنين طالباً منهم تقواه، وذلك بتركهم الربا إن كانوا مؤمنين حقًّا، وفي آخر الآيات أعاد الأمر بتقواه، والتحذير من عقوبته في الدار الآخرة: [وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ] البقرة: 281 .
مما يعني أن الالتزام في أساسه التزام عقدي إيماني.
والمسلم حين يلتزم بهذه الأوامر والنواهي من إيتاء الزكاة، وبذل الصدقات، وترك الربا والغش...إلخ فإنه إنما يلتزم بها؛ لأنها من عند الله _عز وجل_ وهو يدرك في قرارة نفسه أنها خيرٌ له في عاجل أمره وآجله.
وارتباط الاقتصاد الإسلامي بالعقيدة يظهر في علاقته المباشرة بأركان الإيمان وخاصةً الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره([757]).
لأنه يؤمن بأن الله مطلع عليه في كل ما يأتي وما يذر، ويؤمن بأن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه مجازىً في الآخرة على كل عمل، ويؤمن بأنه لن يأتيه من الرزق إلا ما قدره الله له.
ومن هنا تراه يأخذ بالأسباب المشروعة، ويبذل جهده في تحصيل الرزق، راضياً بما قسم الله له، غير متسخط ولا جازع مما يصيبه من خسارة بعد فعل الأسباب.
المطلب الثاني: أهداف الاقتصاد الإسلامي
يسعى النظام الاقتصادي إلى تحقّق عدة أهداف يمكن إبرازها في النقاط التالية:
أولاً: تحقيق حد الكفاية المعيشية:
فالإسلام يهدف في نظامه الاقتصادي إلى توفير مستوى ملائم من المعيشة لكل إنسان، ولهذا فقد فرض الإسلام أموراً معينة كالزكاة لِتُسهم في تحقيق المعيشة للذين لا يقدرون على كفاية أنفسهم.
والتاريخ الإسلامي مليء بالشواهد التي تثبت أن الدولة الإسلامية كانت تنفق على الفقراء والمحتاجين، ولو كانوا غير مسلمين، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لعماله على الزكاة: ( إذا أعطيتموهم فأغنوا ) ([758]).
وليست الزكاة هي الوسيلة الوحيدة المسؤولة عن ضمان حد الكفاية في الاقتصاد الإسلامي، بل يعد من ذلك تدخل الدولة في سوق العمل؛ لإيجاد فرص العمل، والكسب للعاطلين، و إقرار الأجر العادل الذي يحقق الكفاية المعيشية للأجير، وتوجيه الموارد الاقتصادية وفقاً لاحتياجات المجتمع الحقيقية.
كل ذلك يعد من الوسائل التي تسهم في تحقيق حد الكفاية في الاقتصاد الإسلامي([759]).
ثانياً: الاستثمار _التوظيف_ الأمثل لكل الموارد الاقتصادية:
يعد التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية من الأهداف الرئيسة للنظام الاقتصادي الإسلامي، ويتحقق توظيف هذه الموارد في الاقتصاد الإسلامي من خلال عدة طرق أهمها ما يلي:
1_ توظيف الموارد الاقتصادية في إنتاج الطيبات من الرزق، والبعد عن إنتاج السلع أو الخدمات الضارة والمحرمة.
2_ العناية بإنتاج الضروريات والحاجات التي تسهم في حماية مقاصد الشريعة.
3_ إبعاد الموارد الاقتصادية عن إنتاج السلع والخدمات التي تتطلب إنفاقاً ذا طبيعة إسرافية([760]).
ثالثاً: تخفيف التفاوت الكبير في توزيع الثروة والدخل: فالإسلام ينكر التفاوت الصارخ في توزيع الدخل والثروة، وهو التوزيع غير العادل، الذي تستأثر فئة بالجزء الأكبر منه، مما يؤدي إلى الإضرار بالأغلبية الساحقة التي لا تستطيع ضمان تغطية حاجاتها الأساسية.
ولهذا لا يقر الغنى المطغي، أو تسلط الأقلية على مقدرات الجماعة _كما هو الحال في النظم الاقتصادية الوضعية_.
كما لا يقر الفقر المعدم، أو حرمان أحدٍ من وسائل المعيشة، بل يقاوم ذلك كله، ولا يقبله؛ فليس في نظام الاقتصاد الإسلامي أن يكون الظلمُ الاجتماعيُّ، أو إهمالُ حقِّ الفقراء والضعفاء، أو تكديس الثروة واكتنازها هو الغايةَ التي يسعى إليها عنصر المال، أو التوزيع في الإسلام، بل العكس هو الصحيح؛ إذ إن تخفيف التفاوت، وتقريب الفقراء من الأغنياء، ومنع تراكم الثروات المفرطة المولدة للاستبداد المضر بالأخلاق _ هدفٌ من أهداف الإسلام في مجال الاقتصاد [كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ] الحشر: 7 .
ولهذا فهو ينبذ اكتناز الأموال، والاحتكار، والربا، والقمار، والرشوة، والغش، وكل صور الاستغلال، والأنانية التي يكون الفقيرُ هو ضحيتَها.
ثم إن الإسلام يفرض الزكاة، والنفقات الواجبة، ويحث على الوصايا والأوقاف والصدقات التطوعية بما يحقق في النهاية توزيعاً عادلاً للدخل والثروة في المجتمع، ويرتقي بحال الفقير([761]).
رابعاً: تحقيق القوة المادية والدفاعية للأمة الإسلامية: فإذا كان النظام الاقتصادي في الإسلام يهدف إلى تحقيق حد الكفاية، والتصدي للفقر والفاقة _ فإن أهدافه لا تتوقف عند ذلك فحسب، وإنما تتجاوزه إلى هدف سام يتمثل في تحقيق القوة المادية والدفاعية للأمة الإسلامية بما يكفل لها الأمن والحماية، ويدرأ عنها العدو المتربص بها، والمستنزف لطاقتها الاقتصادية، يقول _تعالى_: [وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ] الأنفال: 60 ([762]).
المطلب الثالث: خصائص الاقتصاد الإسلامي
للاقتصاد الإسلامي خصائص متعددة تميزه عن غيره من النظم الاقتصادية، أهمها على سبيل الإجمال ما يلي:
أولاً: يقوم الاقتصاد الإسلامي على أساس الاعتراف بالملكية المزدوجة، العامة _بما فيها الملكية الجماعية، وملكية الدولة، وبيت مال المسلمين_ والملكية الخاصة، ونظرته الخاصة للمال.
ثانياً: يقوم النشاط الاقتصادي في الإسلام على أساس الحرية الاقتصادية المُقيَّدة.
ثالثاً: ارتكاز الاقتصاد الإسلامي على أساس التكافل بين أفراد الأمة الإسلامية عامة.
رابعاً: الاقتصاد الإسلامي جزء من الشريعة الإسلامية _نظام الإسلام_.
خامساً: للنشاط الاقتصادي في الإسلام طابع تعبدي.
سادساً: للنشاط الاقتصادي في الإسلام هدف سامٍ يجمع بين الآخرة والأولى.
سابعاً: الرقابة على ممارسة النشاط الاقتصادي في الإسلام رقابة ذاتية في المقام الأول.
ثامناً:الاقتصاد الإسلامي لا يقول بالندرة ولا بالوفرة المطلقة، بل كل شيء بمقدار.
تاسعاً: الاقتصاد الإسلامي يحقق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. ([763])
المبحث الثالث: أسس الاقتصاد والتمويل الإسلامي
يرتكز الاقتصاد الإسلامي على عدة أسس وأصول وأركان، وهي كما يلي:
الأصل الأول: المال والملكية الاقتصادية: فتعد قضية المال والملكية من المعالم البارزة التي تميز نظاماً اقتصادياً عن غيره، وهي محور النشاط الاقتصادي في كل مجتمع؛ ولقد أقر الإسلام الملكية الفردية بكل صورها، ولم يضع لها حداً، بما في ذلك التصرف في الملكية، وطرق تنميتها، وحرية الانتفاع بها؛ فالإسلام يراعي غريزة التملك، وحب الاستئثار بالشيء.
قال الله _عز وجل_: [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمََٔابِ] سورة آل عمران: 14.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يهرم ابن آدم، وتشيب معه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر ) ([764]).
ولذلك جاءت الشريعة الإسلامية بإقرار التملك الفردي للإنسان، وحقه في التصرف ما دام أنه في الإطار الشرعي؛ رعاية للمصالح، واستجابة للغريزة التي أودعها الله فيه.
وهذا النظام الإسلامي يخالف النظام الرأسمالي الذي يعد الملكية الخاصة هي الأصل، وما عداها استثناء.
ويخالف النظام الاشتراكي الذي يعد الملكية العامة هي الأصل، ولا يعترف بالملكية الخاصة إلا في أضيق الحدود. ([765])
الأصل الثاني: الحرية الاقتصادية المقيدة: وتعني إعطاء الفرد الحرية في الاكتساب والتمتع بالطيبات، والقيام بجميع أوجه النشاط الاقتصادي ضمن دائرة الحلال والقيم والأخلاق الإسلامية.
هذا وقد وضع الإسلام قيوداً على الحرية الاقتصادية تعود آثارها الطيبة على الأفراد، والمجتمعات، فمن تلك القيود ما يلي:
1_ أن يكون النشاط الاقتصادي الذي يمارسه الأفراد مشروعاً نافعاً لهم ولمجتمعاتهم.
2_ تحريم إنتاج واستهلاك السلع، والخدمات الخبيثة المضرة بالإنسان، كما فيه قوله _تعالى_: [وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ] الأعراف: 157.
فحرية الإنتاج والاستهلاك تقع داخل دائرة الحلال.
أما السلع المحرمة، والخدمات الخبيثة فهي ممنوعة كالخمر، والمخدرات.
3_ تحريم طرق الكسب غير المشروع كالربا، والغرر، والغش بجميع صوره، كالرشوة، والتزوير([766]).
الأصل الثالث: التكافل الاجتماعي: ومعنى ذلك أن يتساند المجتمع أفراده وجماعته؛ بحيث لا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة كما في الرأسمالية، ولا تذوب مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة كما في الاشتراكية.
وإنما يبقى للفرد كيانه، وإبداعه، ومميزاته، وللجماعة هيئتها، وسيطرتها؛ فيعيش الأفراد في كفالة الجماعة، كما تكون الجماعة متلاقية في مصالح الأفراد، ودفع الضرر عنهم.
وهذا ما يقرره صريح القرآن، كما في قول الله _تعالى_: [وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ] المؤمنون: 52 .
وتؤيده الأحاديث النبوية الكثيرة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاَ ) وشبك بين أصابعه([767])، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ([768]).
المبحث الرابع: الربا
أولاً: تعريف الربا: أ. تعريف الربا في اللغة: الربا مصدر ربا يربو، ربواً، ورباً، يعني الزيادة، والنمو، والارتفاع([769]).
ب. تعريف الربا في الشرع: هو زيادة في أشياء ونسأ في أشياء جاء الشرع بتحريمها([770]).
ثانياً: أنواع الربا: ينقسم الربا إلى نوعين:
النوع الأول: ربا النسيئة وله صور:
1_ الزيادة في الدين مقابل الزيادة في الأجل: ومثال ذلك أن يطلب المدين من الدائن _صاحب الدين_ تمديد أجل الدين بعد حلوله، فيقبل الدائن ذلك بشرط الزيادة في مقدار الدين.
وهذا هو ربا الجاهلية؛ لأنه كان الغالب على تعاملاتهم، فكان أحدهم إذا جاءه المدين يطلب تأجيل الدين يقول له: إما أن تقضي، وإما أن تربي، أي: إما أن تقضي الدين الذي حلَّ عليك، أو تزيد في مقداره؛ لقاء تأجيله.
2_ الزيادة المشروطة: وذلك بأن يحدد الدائن للمدين موعداً معيناً لسداد الدين، ويشترط عليه في العقد زيادة معينة إذا لم يسدد في الموعد المحدد.
النوع الثاني: ربا الفضل: وهو بيع ربوي بمثله متفاضلاً حالاً أو مؤجلاً.
ويقع في الأعيان الربوية التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإن اختلفت الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) ([771]).
ويقاس على هذه الأشياء المذكورة ما يشترك معها في عِلَّة الربا، ومثال ذلك: بيع خمسين جراماً ذهباً بسبعين جراماً ذهباً في الحال، أو بيع خمسين ريالاً بسبعين ريالاً حالاً([772]).
ثالثاً: علة الربا: نص النبي صلى الله عليه وسلم على الأصناف الستة المذكورة في حديث عبادة المتقدم، ويقاس عليها ما شاركها في العلة، و العلة فيها كما يلي:
الذهب والفضة: العلة فيهما الثمنية؛ فهما أثمان للأشياء، فيقاس عليهما ما كان ثمناً كالأوراق النقدية المعروفة؛ حيث يجري فيها الربا؛ لكونها أثماناً قياساً على الذهب والفضة.
الأصناف الأربعة الأخرى: العلة فيها على الصحيح الطعمُ مع الكيل أو الوزن، فالأطعمة التي تكال أو توزن يجري فيها الربا قياساً على الأصناف الأربعة الواردة في حديث عبادة بن الصامت t ( البر، الشعير، التمر، الملح ).
رابعاً: ضوابط التعامل بالأجناس الربوية: التعامل بالأجناس الربوية لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: بيع جنس ربوي بمثله كبيع ذهب بذهب مثلاً، فيشترط لجواز التعامل في هذه الحالة شرطين:
1_ التماثل في القدر بين الجنسين.
2_ التقابض في مجلس العقد: ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( ... مِثلاً بِمثْل سواء بسواء يداً بيد.. ) .
الحالة الثانية: بيع جنس ربوي بجنس ربوي آخر، كبيع بر بتمر مثلاً، فيشترط لجواز التعامل في هذه الحالة التقابض في مجلس العقد، وتجوز الزيادة بينهما.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا اختلفت _ أي الأجناس _ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) .
خامساً: أدلة تحريم الربا: الربا محرم، وكبيرة من كبائر الذنوب دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقد قال تعالى: [ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٢٧٥ يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ] البقرة.
وقال تعالى: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ] البقرة: 278.
وأما السنة: فعن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء([773]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنه قال سمعت أبا القاسم يقول: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) ([774]).
وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على تحريم الربا([775]).
سادساً: الحكمة من تحريم الربا:
هناك حكم كثيرة لتحريم الربا، ومنها ما يلي:
1_ الابتعاد عن الظلم واكل أموال الناس بالباطل: قال تعالى [فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ] البقرة: 279.
2_ الربا طريق للكسل والبطالة: فالنفس البشرية تميل بطبعها إلى كثرة المال مع الراحة والدعة، والربا من أقوى العوامل المؤدية إلى الكسل، والخمول، وترك البحث عن الرزق والاكتساب وبذل الجهد في ذلك.
ولا شك أن هذا مذموم في هذه الشريعة المباركة التي جاءت بالحث على العمل والاكتساب، وقد كان من صفات الأنبياء _عليهم الصلاة والسلام_ حب العمل والحث عليه؛ حيث اشتغل النبي صلى الله عليه وسلم بالرعي، والتجارة فأكل من كسب يده.
3_ الربا يربي الإنسان على الجشع والطمع، ويهدم الأخلاق الفاضلة: ذلك أن المرابي يستغل حاجات أفراد المجتمع بتطويق أعناقهم بالديون مما يجعل المدين في موقف يصعب عليه التخلص من ربقة الديون،ويسد بالتالي أبواب الخير والتعاون على البر والتقوى، ويغلق باب القرض الحسن، كما يحمله على الشح والبخل المنهي عنه، فالربا إذاً يقضي على عوامل التكافل، والتعاون.
4_ الربا طريق إلى الجريمة، وتوجيه الأموال نحو الاستثمار الضار: ذلك أن المدين مطالب بتسديد ما عليه من مستحقات هي في الغالب باهظة لصاحب المال، لذلك فهو يلجأ إلى طريق سريع تخلصه من هذه الأعباء التي أحاطت به، وحيث إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما قال ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لذلك فغالبا ما يلجأ المدين إلى الحصول على المال بأي طريق كان، إما بالسرقة المترتب عليها زعزعة الأمن، واضطراب أحوال الناس، ومعايشهم، وعدم أمنهم على أموالهم، وإما بالاشتغال في المحرمات كالمخدرات، والمسكرات، وغيرها من الوسائل المحرمة، والتي يترتب عليها إفساد المجتمع بأفراده وجماعاته.
ولهذا جاءت هذه الشريعة المباركة بتحريم الربا والتحذير منه، وترتيب الوعيد الشديد على من تعامل به.
5_ للربا آثار نفسية وصحية مدمرة: ذلك أن المرابي يستعبده المال، فيسعى للوصول إليه دونما مبالاة باعتداء على المحرمات، أو تجاوز للحدود.
ويرى بعض الأطباء أن الاضطراب الاقتصادي الذي يولد الجشع الذي لا تتوافر أسبابه الممكنة_يسبب كثيراً من الأمراض التي تصيب القلب، فيكون من مظاهرها ضغط الدم المستمر، أو الذبحة الصدرية، أو الجلطة الدموية، أو النزيف في المخ، أو الموت المفاجىء.
وهذا ما يلاحظ أثناء وقوع الخسائر في الشركات، أو المساهمات.
ولقد قرر عميد الطب الباطني في مصر الدكتور عبدالعزيز إسماعيل في كتابه (الإسلام والطب) أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب.
ثم إنه مزيل للترابط والتآخي والتكافل بين الناس، فأضراره على الأفراد والمجتمعات كثيرة جدًّا ([776]).
المبحث الخامس: الاحتكار
أولاً: مفهوم الاحتكار: يعرف الاحتكار في اصطلاح الفقهاء بأنه: هو حبس الطعام أو غيره مما يحتاج إليه الناس بقصد إغلائه عليهم.
وهو ما يعرف في الاقتصاد الوضعي بالسيطرة على عرض أو طلب السلعة، بقصد تحقيق أقصى ربح ممكن، ومن باب التحكم بهذه السلعة لغرض غير إنساني([777]).
ثانياً: مساوئ الاحتكار: يمكن أن تجمل مساوئ الاحتكار بما يلي:
أ. ارتفاع أثمان السلع والخدمات.
ب. التحكم ولو بقدر يسير في أسعار المواد الخام والسلع المصنوعة.
ت. إبقاء النواحي الفنية على حالها لعدم وجود المنافسة العادلة.
ث. تحديد الإنتاج ونقص كمياته في كثير من الأحيان.
ج. أنه لا يشبع حاجات الأفراد بالقدر الكافي.
ح. العمل على إذلال الشعوب، والسيطرة عليهم بشتى الوسائل، حتى إن بعض المحتكرين؛ تحقيقاً لأهداف الاحتكار يلجأون إلى إتلاف فائض الإنتاج للإبقاء على الأسعار على المستوى المطلوب، أو تخزينها رغم ما يتحملونه من تكاليف باهظة للتخزين؛ للتحكم بأقوات الشعوب في عصر يسمى عصر العولمة.
أما من الجانب الآخر فربما يكون الاحتكار احتكار شراء _طلب_ فيتآمر المحتكرون على بخس أثمان المواد الخام التي تنتجها البلاد النامية بخاصة. ([778])
ثالثاً: حكم الاحتكار: تضافرت الأحاديث النبوية الشريفة على بيان حرمة الاحتكار، ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحتكر إلا خاطئ ) وفي رواية: ( من احتكر فهو خاطئ ) .([779])
ويعلق الشوكاني على أحاديث الاحتكار بقوله: ( ولا شك أن الأحاديث تنهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار، والتصريح بأن المحتكر خاطئ كافٍ لإفادة عدم الجواز؛ لأن الخاطئ: المذنب العاصي ) . ([780])
رابعاً: الاحتكار المباح: يعدُّ من الاحتكار المباح ما يلي:
أ. ما يدخره الإنسان لقوته وقوت عياله، إلا في أوقات الأزمات؛ حيث يغالي الناس في خزن المواد الضرورية، مما يؤدي إلى اعتباره احتكاراً.
ب. ما يخزن؛ ليستهلك في وقت لاحق؛ لأن إنتاجه ربما يكون موسمياً، في حين أن استهلاكه يستمر طيلة أيام السنة مثل الحبوب، أو التمر.
ج. ما يدخل ضمن احتياطيات الدولة لمواجهة الطوارئ؛ وذلك لحماية المنتجين والمستهلكين، كالاحتياطي الاستراتيجي من الوقود والحبوب. ([781])
الفصل الثالث
النظام الاجتماعي في الإسلام
المبحث الأول: مفهوم الاجتماع، والحياة الاجتماعية في الإسلام
المطلب الأول: مفهوم الاجتماع، وما يتعلق به
يحسن قبل الدخول في بعض تفصيلات النظام الاجتماعي في الإسلام الوقوف على بعض المصطلحات التي تدور في ذلك الفلك، كالمجتمع، والجماعة، والأمة.
1. معنى الاجتماع: أصل مادة اجتماع (جمع) من جمع الشيء عن تفرقه يجمعه جمعاً، وجَمَّعه، وأَجْمَعه فاجتمع، وكذلك وتَجَمَّع واستجمع.
والمجموع: الذي جمع من ههنا وههنا، وتَجَمَّع القوم: اجتمعوا من ههنا وههنا _كما يقول ابن منظور_([782]).
ويُلْحظ في هذا التعبير: استحضار نشأة المجتمعات([783]).
2. معنى المجتمع البشري: المجتمع البشري عبارة عن مجموعة من الناس مُكَوَّنة من أفراد([784]).
أو: هو عدد كبير من الأفراد المستقرين، تجمعهم روابطُ اجتماعيةٌ، ومصالحُ مشتركةٌ تصحبها أنظمة تضبط السلوك، وسلطةٌ ترعاها([785]).
3. معنى المجتمع الإسلامي: لا يبعد مفهوم المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات إلا بما فيه من خصائص وصفات سيأتي بيان لشيء منها.
وعلى هذا فيمكن تعريف المجتمع الإسلامي بأنه: خلائق مسلمون في أرضهم، مستقرون تجمعهم رابطة الإسلام، وتدار أمورهم في ضوء تشريعاته، وأحكامه، ويرعى شؤونهم ولاة أمر منهم([786]).
4. معنى الجماعة: الجماعة هي الطائفة من الناس يجمعها رابط فأكثر، كالقرابة، أو الجنس؛ فهي بهذا المفهوم جزء من مكونات المجتمع([787]).
5. تعريف الأمة: تطلق كلمة الأمة على عدة إطلاقات، فتطلق على الفترة الزمنية، وعلى الجماعة من الناس، وعلى الشريعة، وعلى غير ذلك.
وتطلق في الاصطلاح الاجتماعي على كل جماعة يجمعهم أمْرٌ ما، إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك بغير إرادتهم كالجنس واللون، أو باختيارهم كالمعتقد والأرض([788]).
6. تعريف الأمة الإسلامية: يمكن أن تعرف الأمة الإسلامية في ضوء دلالة النصوص الشرعية بأنها: جماعات من الناس تجمعهم عقيدة الإسلام بغض النظر عن أي اعتبار.
ويشهد لهذا الإطلاق: القرآن الكريم، قال الله _عز وجل_: [وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ] المؤمنون: 52 .
وإذا تأمل الباحث في أحوال الدول عموماً رأى أنها _مع محاولاتها الجادة للانضواء تحت أمة واحدة_ لم تستطع ذلك.
وما زال الناس يسمعون بمصطلح الأمم الأوربية.
وكذلك الدول الإفريقية؛ فإنها على ما بينها من روابط تسمى الأمم الأفريقية.
على حين أنك لا تسمع بمصطلح الأمم الإسلامية، بل هي أمة مسلمة واحدة، برغم ما بين أفرادها من اختلاف في اللغة، والجنس، والأرض.
وهذا يعني أن أمة الإسلام تتكون من عدة مجتمعات لاعتبارات تفرض نفسها.
لكن التوافق بين المجتمعات الإسلامية ملحوظ؛ بسبب اتفاقهم على مرجعية عليا واحدة، وهي الإسلام([789]).
المطلب الثاني: الحياة الاجتماعية في الإسلام
للشرائع السماوية مزية تقويم النفوس، وإنارة البصائر، وفتح طريق الحكمة.
ولا ريب أن نصيب الإسلام من هذه المزية أوفر وأجلى؛ فهو خير الأديان، وخاتمها، وأشملها، وأكملها؛ فلا غرو _إذاً_ ألا يغادر صغيرة ولا كبيرة من قضايا العقائد والسلوك، والتربية، والأخلاق، والأحكام، والاجتماع، والسياسة إلا وأحاط بها جملة وتفصيلاً.
والذي يعنينا ههنا ما كان من شأن الاجتماع الذي أعلى الإسلام مناره، فلبست به النفوس أدباً ضافياً، وأخذت به صورةً منتظمةً، وبَصُرَت العقول بحقائق كانت غامضة.
فبعد أن تكاملت هدايةُ الإسلام، وأخذت بالإصلاح من جميع أطرافه _ وضعت مكان الجهالة علماً، ومكان الأهواء الطاغية همماً سامية، ومكان الخسران فلاحاً وصلاحاً.
ولم يكتف الإسلام بإصلاح النفوس بالعقائد الصحيحة السليمة، وبتشريع العبادات التي تؤكد صلة العبد بربه.
بل زوَّد النفوس بالأخلاق الزاهرة، وأرسى قواعد الاجتماع على أحسن ما يكون؛ حيث نظر إلى أن الإنسان لم يخلق في عُزْلةٍ من الناس، وإنما خلق ليكون في جماعة تتعاون على القيام بمصالح الحياة، والأخذ بوسائل السعادة؛ فَعُني بحقوق ذوي القربى، فقرر النفقات، والمواريث في نظم محكمة، وحرص على إسعادهم بالبر بهم من طريق المروءة، ومكارم من الأخلاق، وحاط الزوجية بحقوق تجعل الزوجية في ألفة صادقة، وعيشة راضية، وأخذ بإصلاح رابطة أخرى هي رابطة الجوار، إلى غير ذلك مما يحفظ نظام الاجتماع من الاختلال([790]).
فمن أجل ذلك كانت دعوة الإسلام تخالف ما سبقها مخالفة بينة من جهة كونه ديناً عاماً؛ حيث استعد البشر إلى قبول دين عام، ومن جهة اتساع أصول دعوته فضلاً عن فروعها، ومن جهة اقتضاء العلم العمل، وامتزاج العقيدة فيه بالشريعة، وتلازمهما؛ فضبط للأمة نظامها الاجتماعي في تصاريف الحياة كلها، تكملةً للنظام الديني الذي هيأ الناس للاتحاد، والمعاشرة؛ فلما اكتملت للإسلام هذه الصفة عُلِم أنه الدين المراد لله _تعالى_ أن يكون دين البشر، وأن ما تقدم من الأديان كان تمهيداً، وتدرجاً إلى قمته.
قال الله _عز وجل_: [إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ] آل عمران: 19 .
وقال: [وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ] المائدة: 48 .
والحاصل أن الإسلام داعٍ إلى إصلاحِ البشر من جميع نواحي حياتهم، وإصلاحُ البشرِ يحصل بإصلاح أفراده، ثم بإصلاح مجموعه في حال اجتماعه؛ فالإصلاح الاجتماعي _إذاً_ هو من أسمى أغراض الإسلام؛ قال الله _عز وجل_: [وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا] الأعراف: 56 ([791]).
قال العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله : ( ومن عجيب المناسبات وبديع تأييد الله _تعالى_ هذا الدين وتيسير أسباب ظهوره أن جعل لمدة ظهوره طورين عظيمين هما: طور إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم بموطنه مكة _وهذا طور ما قبل الهجرة_ وطور ما بعد هجرته إلى يثرب.
وإن غَرَضَيْ التشريع الإسلامي كانا موزعين على ذينك الطورين، فكان الطور الأول معظمه للإصلاح الفردي، وكان الطور الثاني معظمه للإصلاح الاجتماعي، و ما دخل الإسلام في طوره الثاني عند الهجرة إلا وقد كانت له جماعة صالحة كاملة الأُهبة لما يناط بعهدتها من الإصلاح، فكانت جامعة المسلمين يومئذ تتألف من المسلمين الأولين القاطنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهم نحو خمسين رجلاً، ومن المسلمين المهاجرين إلى الحبشة وهم نحو ثمانين رجلاً، ومن مسلمي الأوس والخزرج أهل المدينة وهم زهاء أربعة آلاف رجل.
هذا كله عدد صالح لنشر إصلاح الإسلام، وبثّ فضيلته في نفوس الناس فيما بعد، والصدع بدعوته على رؤوس الملأ؛ فكان الإسلام يومئذ حقيقاً بأن يسرع في إصلاحه الاجتماعي، وتأسيس قواعده، وإشادة صروحه ) ([792]).
هذا وسيتبين فيما يلي من مباحث شيء من عناية الإسلام بالاجتماع، وذلك من خلال الحديث عن بعض الروابط الاجتماعية، والأخلاق التي ترسي دعائم الاجتماع.
المبحث الثاني: مكانة الجار في الإسلام
المطلب الأول: مفهوم الجوار
أولاً: تعريف الجار: أ. الجار في اللغة: قال ابن منظور رحمه الله : ( والجوار: المجاورة، والجار الذي يجاورك.
وجاور الرجلَ مجاورة وجِوارًا وجُوارًا، والكسر أفصح: ساكَنَهُ.
وإنه لَحَسنُ الجيرة: لحالٍ من الجوار، وضربٍ منه ) ([793]).
وقال: ( وجارُك: الذي يجاورك، والجمع أجوار، وجيرة، وجيران، ولا نظير له إلا قاعٌ، وأقواعٌ، وقيعان، وقيعة ) ([794]).
ب. تعريف الجار في الاصطلاح: هو مَنْ جاورك جوارًا شرعيًا سواء كان مسلمًا أو كافرًا، برًّا أو فاجرًا، صديقًا أو عدوًّا، محسناً أو مسيئاً، نافعًا أو ضارًّا، قريـبًا أو أجنبيًّا، بلديًّا أو غريبًا.
وله مراتب بعضها أعلى من بعض، تزيد وتنقص بحسب قربه، وقرابته، ودينه، وتقواه، ونحو ذلك، فَيُعْطى بحسب حاله وما يستحق ([795]).
ثانياً: حد الجوار: اختلفت عبارات أهل العلم في حد الجوار المعتبر شرعًا، فمما قيل في ذلك ما يلي:
1_أن حد الجوار أربعون دارًا من كل جانب، وقد جاء ذلك عن عائشة _رضي الله عنها_ كما جاء عن الزهري والأوزاعي _رحمهما الله_.
2_أنه عشرة دور من كل جانب.
3_أن من سمع النداء هو جار، وقد جاء ذلك عن علي رضي الله عنه .
4_أن الجار هو الملاصق الملازق.
5_أن حد الجوار هم الذين يجمعهم مسجدٌ واحدٌ.
والأقرب _والله أعلم_ أن حد الجوار يُرجع فيه إلى العرف؛ فما علم عرفاً أنه جار فهو جار([796]).
ثالثاً: شمول مفهوم الجار: لا ريب أن الجوار في المسكن هو أجلى صور الجوار وأوضحها.
ولكن مفهوم الجار والجوار _في الإسلام_ لا يقتصر على الجوار في المسكن فحسب؛ بل هو أعم من ذلك؛ فالجار معتبر في المتجر، والسوق، والمزرعة، والمكتب، ومقعد الدرس.
ومفهوم الجار يشمل الرفيق في السفر؛ فإنه مجاور لصاحبه مكانًا وبدنًا، ولكل واحد منهما على الآخر حق الجوار.
والزوجة كذلك تسمى جارة، كما جاء في تفسير قوله_تعالى_[وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ] (النساء: 36).
وكذلك مفهوم الجار يشمل الجوار بين الدول والممالك؛ فلكل دولة على جارتها حق الجوار.
وكذلك يُقال للذي يستجير بك: جار، وللذي يجير: جار.
المطلب الثاني: وصاية الإسلام بالجار
لقد أوصى الإسلام بالجار، وأعلى من قدره؛ فللجار في الإسلام حرمة مصونة، وحقوق كثيرة لم تعرفها قوانين الأخلاق، ولا شرائع البشر.
بل إن تلك القوانين والشرائع الوضعية لتتنكر للجار، وتستمرئ العبث بحرمته؛ إذ غالبًا ما يكون العبث بحق الجار أسهل تناولاً، وأقل كلفة، وأسنح فرصة.
ولقد بلغ من عِظَم حق الجار في الإسلام أن قرنَ الله حق الجار بعبادته وتوحيده_تبارك وتعالى_وبالإحسان إلى الوالدين، واليتامى، والأرحام.
قال _عز وجل_ في آية الحقوق العشرة: [وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ] (النساء: 36).
فقوله _تعالى_: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قَرُبَ جوارُه، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.
وقوله: [وَالْجَارِ الْجُنُبِ]: قيل: هو الذي يعد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.
وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة: وقيل: غير المسلم ([797]).
أما السنة النبوية فقد استفاضت نصوصها في بيان رعاية حقوق الجار، والوصاية به، وصيانة عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسد خلَّته، وغض البصر عن محارمه، والبعد عن ما يريبه ويسيء إليه.
ومن أجلى تلك النصوص وأعظمها ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة وابن عمر _رضي الله عنهما_أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه ) ([798]).
أي ظننت أنه سَيَبْلُغني عن الله الأمرُ بتوريث الجارِ الجارَ.
وهذه كلمة جامعة بالغة؛ فإن الوصاية بالجار تشمل كف الشر عنه، وإسداء الخير إليه، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى ظننت أنه سيورِّثه ) يدل على أن الوصاية بالجار كانت على جانب عظيم من التأكد، والحث على رعاية حقوقه ([799]).
المطلب الثالث: حقوق الجار في الإسلام
حقوق الجار على وجه التفصيل كثيرة جدًا وأما أصولها فتكاد ترجع إلى أربعة حقوق، وهي كما يلي:
1_ كف الأذى: فقد تقدَّم أن للجار مكانةً عالية، وحرمةً مصونة.
ومن أجل ذلك جاء الزجر الأكيد والتحذير الشديد في حق من يؤذي جاره؛ فالأذى بغير حق محرم، وأذية الجار أشد تحريمًا.
جاء في صحيح البخاري عن أبي شريح رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والله لايؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن ) .
قيل: من يا رسول الله ؟
قال: ( من لا يأمن جارُه بوائقه ) ([800]).
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) ([801]).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة_رضي الله عنه _: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره ) ([802]).
2_ حماية الجار: فمن الوصية بالجار ومن حقه حمايته، ومما ينبه لشرف همة الرجل نهوضه لإنقاذ جاره في بلاء يُنال به، سواء كان ذلك في عرضه، أو بدنه، أو ماله أو نحو ذلك.
3_الإحسان إلى الجار: فلا يكفي الرجل في حسن الجوار أن يكف أذاه عن جاره، أو أن يدفع عنه بيده أو جاهه يدًا طاغيةً، أو لسانـًا مقذعًا.
بل يدخل في حق الجار أن يُحْسَن إليه في كافة وجوه الإحسان، فذلك دليل الفضل، وبرهان الإيمان، وعنوان الصدق.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) ([803]).
ولمسلم_أيضًا_: ( فليحسن إلى جاره ) ([804]).
فمن الإحسان إلى الجار تعزيته عند المصيبة، وتهنئته عند الفرح, وعيادته عند المرض، وبداءته بالسلام، و طلاقة الوجه عند لقائه، وإرشاده إلى ما ينفعه في أمر دينه ودنياه، ومواصلته بالمستطاع من ضروب الإحسان.
4_احتمال أذى الجار: فللرجل فضل في أن يكف عن جاره الأذى، وله فضل في أن يذود عنه، ويجيره عن أيدٍ أو ألسنة تمتد إليه بسوء، وله فضل في أن يواصله بالإحسان جهده.
وهناك فضل رابع، وهو أن يغضي عن هفواته، ويتلقى بالصفح كثيرًا من زلاته وإساءاته، ولا سيما إساءة صدرت عن غير قصد، أو إساءة ندم عليها وجاء معتذرًا منها.
فاحتمال أذى الجار وترك مقابلته بالمثل من أرفع الأخلاق وأعلى الشيم.
ولقد فقه السلف هذا المعنى وعملوا به.
( روى المرُّوذي عن الحسن: ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى ) ([805]).
المبحث الثالث: صلة الرحم
المطلب الأول: مفهوم صلة الرحم، وكيفية تحققها
أولاً: مفهوم صلة الرحم
قال ابن منظور رحمه الله : ( وصلت الشيء وَصْلاً وصِلةً, والوصل ضد الهجران ) ([806]).
وقال: ( ويقال: وصل فلان رحمه يَصِلُها صِلةً وبينهما وصْلةٌ: أي اتصال وذريعة ) ([807]).
وقال: ( التواصل ضد التصارم ) ([808]).
وقال: عن صـلة الرحم: ( قال ابن الأثير: وهي كناية عن الإحسان إلى الأقـربين من ذوي النسب والأصهار, والعطف عليهم, والرفق بهم, والرعـاية لأحوالهـم, وكـذلك إن بعـدوا وأسـاءوا, وقَطْعُ الرحمِ ضد ذلك كله ) (4).
ثانياً: كيفية تحقق صلة الرحم
صلة الرحم تتحقق بأمورٍ عديدة؛ فتكون بزيارتهم، وتفقد أحوالهم, والسؤال عنهم, والإهداء إليهم, وإنزالهم منازَلهم, والتصدق على فقيرهم, والتلطف مع غنيِّهم, وتوقير كبيرهم, ورحمة صغيرهم وضعفتهم, وتعاهدهم بكثرة السؤال والزيارة إما أن يأتي الإنسان إليهم بنفسه, أو يصلهم عبر الرسالة, أو المكالمة الهاتفية.
وتكون باستضافتهم, وحسن استقبالهم, وإعزازهم, وإعلاء شأنهم, وصلة القاطع منهم.
وتكون _أيضًا_ بمشاركتهم في أفراحهم, ومواساتهم في أتراحهم, وتكون بالدعاء لهم, وسلامة الصدر نحوهم, وإصلاح ذات البين إذا فسدت بينهم, والحرص على تأصير العلاقة وتثبيت دعائمها معهم.
وتكون بعيادة مرضاهم, وإجابة دعوتهم.
وأعظم ما تكون به الصلة, أن يحرص المرء على دعوتهم إلى الهدى, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر([809]).
المطلب الثاني: فضائل صلة الرحم في الشريعة الإسلامية
لقد جاءت الشريعة الإسلامية ببيان فضل صلة الرحم؛ ونصوص الكتاب والسنة في ذلك متظاهرة, وكذلك أقوال العلماء والحكماء, فمن تلك الفضائل ما يلي:
1_صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليـوم الآخر فليكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ) ([810]).
2_صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يبسط له في رزقه, ويُنْسَـأَ له في أثره فَليصل رحمه ) ([811]).
ومما قاله العلماء في معنى زيادة العمر, وبسط الرزق الواردين في الحديث ما يلي:
1_ أن المقصود بالزيادة أن يبارك الله في عمر الإنسان الواصل, ويهبه قوة في الجسم, ورجاحة في العقل, ومضاءً في العزيمة, فتكون حياته حافلة بجلائل الأعمال.
2_أن الزيادة على حقيقتها; فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره, ويوسع له في رزقه.
ولا غرو في ذلك; فكما ( أن الصحة وطيب الهواء, وطيب الغذاء, واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب من أسباب طول العمر_فكذلك صلة الرحم جعلها الله سبباً ربانـيًّا; فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة تدخل في إدراك الحواس, ومدارك العقول، وأمور ربانية إلهية قدَّرها مَنْ هو على كل شيء قدير, ومَنْ جميعُ الأسباب وأمور العالم منقادةٌ لمشيئته ) ([812]).
3_صلة الرحم تجلب صلة الله للواصل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة, قال: نعم, أما ترضين أن أصل من وصلك, وأقطع من قطعك? قالت: بلى, قال: فذلك لك ) ([813]).
4_صلة الرحم من أعظم أسبـاب دخـول الجنــة: فعـن أبي أيوب الأنصاري رحمه الله أن رجلاً قال: يا رسول الله, أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار, فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعبد الله ولا تشرك به شيئًا, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصل الرحم ) ([814]).
5_صلة الرحم طاعة لله _عز وجل_: فهي وصل لما أمر الله به أن يوصل.
قال _تعالى_ مُثْنياً على الواصلين: [وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ] (الرعد: 21).
6_وهي من محاسن الدين: فالإسلام دين الصلة, ودين البر والرحمة, فهو يأمر بالصلة, وينهى عن القطيعة, مما يجعل جماعة المسلمين مترابطة, متآلفة, متراحمة, بخلاف الأنظمة الأرضية التي لا ترعى ذلك الحق, ولا توليه اهتمامها.
7_وهي مما اتفقت عليه الشـرائـع: فالشرائـع السماوية كلها أمرت بالصلة, وحذرت من ضدها, وهذا يدل على فضلها, وعظم شأنها.
المبحث الرابع: كرامة الإنسان، ومعيار العدل والتكريم في الإسلام
المطلب الأول: كرامة الإنسان في الإسلام
لقد قرر الإسلام كرامة الإنسان بما لا يُقرره أي نظام في الدنيا؛ وأدلة الكتاب والسنة شاهدة بذلك، ناطقة به.
ويكفي في ذلك قول الله _تعالى_: (وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا) الإسراء: 70 .
وهذا من كرم الله _عز وجل_ وإحسانه الذي لا يُقْدَرُ قَدْرُه؛ حيث كَرَّم بني آدم بجميع وجوه الإكرام؛ فكرمهم بالعلم، والتمييز، والعقل، والصورة، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتسخير ما في الأرض لهم. ([815])
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسير الآية السابقة: ( والمراد ببني آدم جميع النوع؛ فالأوصاف المثبتة هنا إنما هي أحكام للنوع من حيث هو كما هو شأن الأحكام التي تسند إلى الجماعات.
وقد جمعت الآية خمس منن: التكريم، وتسخير المراكب في البر، وتسخير المراكب في البحر، والرزق من الطيبات، والتفضيل على كثير من المخلوقات ) ([816]).
ثم شرع رحمه الله في بيان ذلك بكلام عظيم، فقال: ( فأما مِنَّةُ التكريمِ فهي مزية خصّ بها الله بني آدم من بني سائر المخلوقات الأرضية.
والتكريم: جَعْلُه كريماً، أي نفيساً غير مبذول ولا ذليل في صورته ولا في حركة مشيه وفي بشرته؛ فإن جميع الحيوان لا يعرف النظافة، ولا اللباس، ولا ترفيه المضجع والمأكل، ولا حسن كيفية تناول الطعام والشراب، ولا الاستعداد لما ينفعه ودفع ما يضره، ولا شعوره بما في ذاته وعقله من المحاسن فيستزيد منها، والقبائح فيسترها ويدفعها، بله الخلوّ عن المعارف والصنائع، وعن قبول التطور في أساليب حياته وحضارته.
وقد مَثَّل ابن عباس للتكريم بأن الإنسان يأكل بأصابعه، يريد أنه لا ينتهش الطعام بفمه، بل يرفعه إلى فيه بيده، ولا يكرع في الماء بل يرفعه إلى فيه بيده؛ فإن رفع الطعام بمغرفة، والشراب بقدح فذلك من زيادة التكريم وهو تناول باليد.
والحمل: الوضع على المركب من الرواحل، فالراكب محمول على المركوب، وأصله في ركوب البر، وذلك بأن سخر لهم الرواحل، وألهمهم استعمالها ) ([817]).
إلى أن قال رحمه الله : ( وأما الحمل في البحر فهو الحصول في داخل السفينة، وإطلاق الحمل على ذلك الحصول استعارة من الحمل على الراحلة، وشاعت حتى صارت كالحقيقة، قال _تعالى_: [إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ] الحاقة: 11 .
ومعنى حمل الله الناس في البحر: إلهامه إياهم استعمال السفن، والقلوع، والمجاديف؛ فجعل تيسير ذلك كالحمل.
وأما الرزق من الطيبات؛ فلأن الله _تعالى_ ألهم الإنسان أن يطعَم ما يشاء مما يروق له، وجعل في الطعوم أماراتٍ على النفع، وجعل ما يتناوله الإنسان من المطعومات أكثر جدًّا مما يتناوله غيره من الحيوان الذي لا يأكل إلا أشياء اعتادها، على أن أقرب الحيوان إلى الإنسية والحضارة أكثرها اتساعاً في تناول الطعوم.
وأما التفضيل على كثير من المخلوقات، فالمراد به التفضيل المشاهد؛ لأنه موضع الامتنان، وذلك الذي جُمَّاعُه تمكينُ الإنسان من التسلط على جميع المخلوقات الأرضية برأيه وحيلته، وكفى بذلك تفضيلاً على البقية.
والفرق بين التفضيل والتكريم بالعموم والخصوص؛ فالتكريم: منظورٌ فيه إلى تكريمه في ذاته، والتفضيل: منظور فيه إلى تشريفه فوق غيره، على أنه فضله بالعقل الذي به استصلاح شؤونه، ودفع الأضرار عنه، وبأنواع المعارف والعلوم، هذا هو التفضيل المراد ) ([818]).
المطلب الثاني: معيار العدل في الإسلام
العدل إعطاء الحق إلى صاحبه، بحيث يمكَّن من أخذه بيده، أو يد نائبه، وتعيينه له قولاً أو فعلاً.
والعدل هو الأصل الجامع للحقوق، وهو مما تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، وتَمَدَّح بادعاء القيام به عظماء الأمم.
وحسن العدل مستقر في الفطرة؛ فإن كل نفس تنشرح لمظاهر العدل؛ فالبشر كلهم في جميع الأعصار والأمصار متفقون على مدح العدل، وتمجيده، والمطالبة بنشره على الإجمال، وإن اختلفوا في جزئياته، وعند تطبيقاته([819]).
هذا وإن للعدل في دين الإسلام مكانة سامية؛ فهو أصل من أصول النظام الاجتماعي فيه.
ولقد تظاهرت نصوص الشرع من الكتاب والسنة في بيان فضل العدل، وتفصيل جزئياته، والتحذير من ضده، وهو الظلم، واتباع الهوى.
ومرجع تفاصيل العدل إلى أدلة الشريعة؛ إذ العدل كلمة مجملة جامعة.
وفيما يلي ذكر لبعض ما جاء في شأنه في الشريعة الإسلامية:
1_ أن الله _عز وجل_ أمر بالعدل أمراً عزماً: ويتبين ذلك من خلال تكراره في كتابه من الآيات الآمرة بالعدل، قال الله _عز وجل_: [إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ] النحل:90 .
2_ أن الله قرن بالأمر بالعدل التحذير من مخالفته: قال الله _عز وجل_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ] المائدة: 8 .
أي: لا يحملنكم عداوتُكم لأناس أن تظلموهم، وتتركوا استعمال العدل معهم([820]).
3_ تنوع الأمر بالعدل، وعمومه: فالأمر بالعدل يشمل العدل بالقول، ويشمل العدل في القضاء بين الناس في منازعاتهم، وفي فرض الواجبات، والتكاليف عليهم، وفي التشريع لهم، وفي الإفتاء، وفي الشهادة بينهم.
قال الله _عز وجل_:[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ] النساء: 135 .
والقسط: هو العدل.
4_ التحذير من التهاون بإقامة العدل: وذلك بدافع الرقة، أو اللين، أو الهوى، أو القرابة؛ قال الله _عز وجل_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا] النساء: 135 .
ولا ريب أن العدالة خلق يبعث المتخلق به على إقامة العدل في نفسه، وفي الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
5_ أن الشريعة بينت وجوه الأحكام في الأعمال؛ قصداً لإيصال الحقوق إلى أصحابها، وحياطةً للعدل في الأحكام بحيث لا يلتبس الجور على الناس.
قال الله _تعالى_: [إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا] النساء: 105 .
وقال: [وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ] النحل: 89 .
ثم وكَلَ الله ذلك إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: [وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ] النحل: 44 .
فتصدى رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيان والتفصيل في خطبه، ومجالس تعليمه، ومنازل الوحي إليه.
6_ إقامةُ التشريعِ الإسلاميِّ القضاةَ: وذلك من أجل تمييز الحق، وتعيين صاحبه في جزئيات الحوادث بين الناس، ومخاصماتهم، واشترط بالقضاء شروطاً، وصفاتٍ تجعل من تحققت فيه مأموناً على هذه الأمانة العظمى.
وترجع تلك الصفات إلى خلق تعظيم الشريعة في نفس القاضي واتقاء الحياد عنها، وإلى جودة الفهم بأبلغ ما يمكن من ثبات الرأي، وشجاعة النفس بحيث لا تأخذه لومة لائم.
واشترطت الشريعة في القاضي أن يكون ملحوظاً بعين الإجلال والحرمة؛ لِيُسَلِّموا إليه فيما يقضي بينهم([821])، قال الله _تعالى_: [ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا] النساء: 65 .
7_ أن الأمر بالعدل شامل لجميع أفراد الأمة: فليس مقتصراً على الحاكم الأعلى في سياسته لرعيته، أو القاضي في مقطع أحكامه.
وإنما هو شامل لجميع أفراد الأمة بما فيهم الوالد في بيته وبين أولاده، والزوجة في بيت زوجها، والخادم في مال سيده.
ولزوم العدل مأمور به مع القريب والبعيد، والموافق والمخالف، والقوي والضعيف.
كما أن الأمر بالعدل شاملٌ لحال السلم والحرب، والبيع والشراء، وسائر الأحوال.
وتفصيل ذلك يحتاج إلى بسط وإطالة([822]).
المطلب الثالث: معيار التفاضل والتكريم في الإسلام
الإسلام _كما مر_ دين الكرامة والعدل؛ فالله _عز وجل_ كرَّم بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً.
والشريعة الإسلامية قررت مبدأ العدل مع كل أحد وفي كل حال.
والحديث ههنا عن معيار التفاضل والتكريم في الإسلام؛ فالتكريم يقوم على العدل، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه دون وكس ولا شطط؛ فلا طبقية في الإسلام، ولا عنصرية، ولا تفضيل لعرق، أو جنس، أو لون، أو بلد على آخر؛ فهذه الأمور ليست معياراً للتفاضل والتكريم في الإسلام.
إنما المعيار بالتقوى، وبما يمتاز به الإنسان من الكمالات.
قال الله _تعالى_ مقرراً هذا المعنى العظيم: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ] الحجرات: 13 .
وبعد أن بين الله _جل وعلا_ أصل الناس جميعاً، وأنهم خلقوا من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء أَبَوَا البشر _ قرر معيار التفاضل فقال _عز وجل_: [إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ] الحجرات: 13 .
وفي معنى الآية ما خطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إذ قال: ( يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسودَ على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ) ([823]).
فالمعيار في التفاضل _إذاً_ إنما هو بزيادة التقوى؛ فمن فَضُل بالتقوى، وزاد في الأخذ بشعبها فَضُلَ غيرَه ممن هو دونه في ذلك.
ولا ينافي ذلك أن تكون للناس مكارم أخرى في المرتبة الثانية بعد التقوى مما شأنُه أن يكون له أثرُ تزكيةٍ في النفوس كحسن التربية، والعراقة في العلم والحضارة، وحسن السمعة في الأمم وفي الفضائل([824]).
وكذلك بحسب ما خلده التاريخ الصادق للأمم والأفراد، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تجدون الناس معادن؛ فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) ([825]).
وما كان للشريعة الكاملة الحقة أن تدعو إلى مساواة تُلْغَى فيها جميع الفروق، والمميزات، والحقوق الكائنة بين البشر مما له أثر في صلاح العالم.
ولو دعت إلى ذلك لدعت إلى ما لا يطيقه البشر، ولحملت الناس على إهمال مواهبهم السامية، وفي ذلك فسادٌ قبيحٌ يؤول إلى اختلال نظامِ العالم في إلغاء المميزات والحقوق المفيدة رفعةً وصلاحاً.
والمقصود أن الإسلام جعل التمايز، والتفاضل للتقوى دون إهمال لسائر الميزات، ودون تحيز للون، أو جنس، أو عرق، أو عصر؛ فهو ينظر إلى الناس على أنهم سواسية في الكفاءة، والصلاح للمزايا والجزاء على ما يصدر من نفع يخص أو يعم لا يختص بذلك عصر دون عصر، ولا قبيلة دون قبيلة، ولا سـنٍّ دون سن، ولا طبقة دون طبقة، ولا صنف من الناس دون صنف([826]).
بخلاف ما كان سائداً قبل الإسلام، أو ما كان بعيداً عن هداية الإسلام ؛ فلقد تمايز الأمم والقبائل من فروع كل قانون، وكل شريعة سبقت الإسلام؛ ففي شريعة التوراة خصائص لبني إسرائيل، وخصائص لأبناء لاوي بن يعقوب.
وفي قوانين الفرس والروم لم يكن للدخيل فيهم من الحقوق مثل ما للأصيل.
وقد كان العرب قبل الإسلام لا يسمحون لِلَّصِيق في القبيلة بمثل ما للصريح، ولا يرفعون قدر الموالي.
أما الإسلام فقد أبطل ذلك، واعتبر المسلمين بفضائلهم وكفاءتهم([827]).
ومما يشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على بعض الناس لما طعنوا في إمارة أسامة بن زيد وهو مولى بن مولى؛ فقد جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر _رضي الله عنهما_ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً، وأمَّر عليهم أسامة رضي الله عنه فطعن الناس في إمارته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده ) ([828]).
وإنما طعنوا فيهما؛ لأنهما من الموالي لا من صميم العرب، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنهما لمن أحب الناس إلي ) كناية عن درجتهما في الفضل؛ إذ لا تكتسب محبةُ الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالكمالات الدينية النفسانية([829]).
ثم إن الناس في الإسلام يتساوون في إقامة الحق عليهم، واستيفائه منهم.
والسيرة النبوية حافلة بما يؤكد هذا المعنى، ومما جاء فيها من هذا القبيل قضية المرأة المخزومية التي سرقت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت من أهل بيت مَجْدٍ؛ فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة الحد عليها عظم ذلك على المهاجرين؛ فقد جاء في الصحيحين عن عائشة _رضي الله عنها_ أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت؛ فقالوا: ومن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن يتجرأ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ ) .
ثم قام فخطب، قال: ( يا أيها الناس! إنما أضل من قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ) . ([830])
فهذه نبذة تشير إلى معيار التفاضل والتكريم في الإسلام.
المبحث الخامس: أصول الأخلاق ودورها في بناء المجتمع
تمهيد
سبق الكلام على منزلة الأخلاق، وفضلها في الإسلام، وما جرى مجرى ذلك في الباب الأول.
والحديث ههنا إكمالٌ لما مضى، وتأكيدٌ عليه، و بيانٌ لدور الأخلاق في تماسك المجتمعات وصلاحها، ونظرةٌ في أوامر الإسلام ونواهيه، وأثرها في الاجتماع، والنهوض بالهمم، وتوضيحٌ لأمهات الفضائل، وأصول الأخلاق، وذلك من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: مكارم الأخلاق ودورها في انتظام أمر الاجتماع
لا يكاد أمر الاجتماع ينتظم كمال انتظامه ما لم تكن مكارم الأخلاق غالبة على جمهورها، وسائدة على معظم تصاريفها وأمورها؛ لأن مِلاك مكارم الأخلاق هو تزكيةُ النفس الإنسانية، وتعويدُ العقل على إدراك الفضائل، وتمييزه عن الرذائل، وتدريبُه على التحلي بتلك الفضائل، والتخلي عن الرذائل.
وإذا بلغت الأمة إلى غاية مكارم الأخلاق، وغلبت تلك الحال على جمهورها زكت نفوسها، وأثمرت غروسُها؛ فحينئذ يسود الأمن، ويرقى الذوق العام، وتسود الألفة، وتنصرف العقول إلى الأعمال النافعة؛ فتكون العاقبة رُشداً، وفلاحاً، وتعقلاً، ورفاهية، وإنصافاً.
وعلم الأخلاق _الذي أعلى الإسلام مناره_ كفيل بتهذيب الأخلاق، وإيقاف الناس على حدودها، وحملهم على امتثالها؛ ذلك أن التربية الإسلامية لها أثر أعظم من كل أثر؛ فإن التربية غير الدينية قد تضعف أمام كثير من الأهواء الطاغية؛ فلا تستطيع كبح جماحها.
أما تربية دين الإسلام فلديها من المتانة ما يطارد تلك الأهواء.
وليس الذي يؤمن بأنه سيقف بين يدي علام الغيوب؛ فيحاسبه على ما ارتكبه من جنايات، ويجازيه عليها جزاء العادل الحكيم _ مثل الذي لا يعرف زاجراً عن الجناية سوى موضع لوم من يطلعون عليها، أو عقوبة من ترفع إليهم قضيتها.
لذلك كان تهذيب الأخلاق أصلاً عظيماً من أصول النظام الاجتماعي في الإسلام؛ لأنه من أعظم ما يهيئ أفراد الأمة لتكوين جامعة صالحة لهم([831]).
ألا ترى أن مثال تمام مكارم الأخلاق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله في خطابه له: [وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ] القلم: 4 .
ألا ترى أنه لما سئلت عائشة _رضي الله عنها_ عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( كان خلقه القرآن ) ([832]).
وقولها: ( كان خلقه القرآن ) كلمة جامعة يرجع معناها إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يتأول القرآن، ويعمل بما فيه، فيأتمر بأمره، وينتهي عن نهيه، ويقف عند حدوده، ويتأدب بآدابه؛ فصار العمل بالقرآن خلقاً له كالطبيعة التي لا تفارقه([833]).
لذلك لو عَرَضْتَ أيَّةَ آيةٍ من القرآن الواردة في خلق حسن، وعمل صالح، وتأملت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجدت سيرته مطابقة لما تضمنه القرآن؛ فالقرآن _إذاً_ هو جامع مكارم الأخلاق، والرسول صلى الله عليه وسلم هو مظهر تلك المكارم؛ فتبين من ذلك أن الإسلام هو مكارم الأخلاق، وجماع مكارم الأخلاق يعود إلى التقوى، ولذلك قال الله _عز وجل_: [إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ] الحجرات: 13 .
ويؤيد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) ([834]).
إن أعظم ما بنى عليه الإسلام دعوته إلى مكارم الأخلاق وتهذيبها هو العناية بتربية النفس، وكمالها، وتدريبها على متابعة الهدى والإرشاد الذي يشهد العقل السليم بحقيقته وصلاحه ونفعه؛ فالإسلام يتميز عن ما سواه من الشرائع والدعايات بأنه أقام مبانيه على أساس جميع الفضائل الحقة دون الواهية، وبأنه حث إلى بث تلك المباني بين جميع الأمم، وبأنه جعل الإنصاف بمكارم الأخلاق حـقًّا على الولاة، والهداة، والرعايا كلٌّ فيما يخصه من الأفعال المتعلقة بالإسلام، أو بمعاشرة المسلمين، أو غيرهم من الأمم، أو حتى بالتصرف مع الحيوان المسخر([835]).
وإن نظرة عامة على أوامر الإسلام ونواهيه لتكشف مدى ما يدعو إليه من الرقي بالأفراد والأمم، والنهوض بأخلاقها وأعمالها _كما سيتبين شيء من ذلك في الفقرة التالية_.
المطلب الثاني: نظرة في أوامر الإسلام ونواهيه
النظر في أوامر الإسلام ونواهيه يبيِّن لك مدى ما عليه دين الإسلام من المكارم والسمو، وأنه دين السعادة والفلاح، وأنه لم يَدَع الإنسان في خاصة نفسه أو مع أهله، أو مع جيرانه، أو أهل ملَّته، أو الناس أجمعين _ إلا علَّمه من دقائق الآداب، ومحاسن المعاملات ما يصفو به عيشه، ويتم سروره.
ولا يَريبَنَّك ما عليه بعض المسلمين من سوء الحال؛ فإن ذلك بمقتضى أهوائهم لا من طبيعة دينهم.
ومحاسن الدين الإسلامي تتجلى بوضوح من خلال النظر في أوامر الإسلام ونواهيه؛ فإليك نبذة عن ذلك فيما يلي من أسطر([836]):
أولاً: من أوامر الإسلام: الإسلام يأمر بأوامر عظيمة تنتظم بها الأمور المدنية، وتصلح بها حالة المعاش؛ فالإسلام في ذلك الشأن هو البحر الذي لا يدرك غوره، والغاية التي ليس بعدها أمل لآمل، ولا زيادة لمستزيد.
وهذه الأوامر حثَّ عليها الإسلام بأبلغ العبارات، وأقربها إلى الأفهام، وتوعد على الخروج عن هذه الجادة بالعقاب، ووعد من أخذ بها بجزيل الثواب.
فمن تلك الأوامر العظيمة التي جاء بها الإسلام ما يلي:
1_ الإسلام يأمرك بما تكون به كبير النفس عن التشبه بما دونك من أنواع الحيوانات، رفيعَ القدر عن أن تكون عبداً لشهواتك وحظوظك، عالي المنزلة عن أن تعظم غير ربك، أو تخضع لغير حكمه.
2_ الإسلام يأمرك بما يشعرك أنك عضو نافع عامل تأنف أن تقلد غيرك التقليد الأعمى، أو تكون عالة على سواك.
3_ الإسلام يأمرك باستعمال عقلك، وجوارحك فيما خُلِقْتَ له، من العمل النافع في أمر دينك ودنياك.
4_ الإسلام يأمرك بالتوحيد الخالص، والعقيدة الصحيحة التي لا يقبل العقل غيرها، ولا تطمئن القلوب إلا بها؛ فالعقيدة التي أمرك الإسلام بها تجعلك عظيماً كبيراً، وتشعر قلبك العزة، وتذيقك حلاوة الإيمان.
5_ الإسلام يأمرك بستر عورات المسلمين، واتقاء مواضع التهم.
6_ الإسلام يأمرك بالسعي لقضاء حاجات الناس، وتنفيس كرباتهم.
7_ الإسلام يأمرك بالبدء بالسلام على كل مسلم، وأن تنصر أخاك المسلم في غيبته، وأن ترده عن الظُّلم إذا ظلم.
8_ الإسلام يأمرك بعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، والدعاء لإخوانك المسلمين.
9_ الإسلام يأمرك بإنصاف الناس من نفسك، وأن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك.
10_ الإسلام يأمرك بالسعي في طلب الرزق، وأن تعز نفسك، وأن ترفعها عن مواطن الذل والهوان.
11_ الإسلام يأمرك بالرحمة بالخَلق، والعطف عليهم، وحُسن رعايتهم ومداراتهم، والسعي في نفعهم، وجلب الخيرات لهم، ودفع المضرات عنهم.
12_ الإسلام يأمرك ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الجار، والرفق بالحيوان.
13_ الإسلام يأمرك بالوفاء للأصحاب، وحُسن المعاملة للزوج والأبناء.
14_ الإسلام يأمرك بالحياء، والحلم، والسخاء، والكرم، والشجاعة، والغيرة على الحق.
15_ ويأمرك بالمروءة، وحسن السمت، والحزم، والحكمة في الأمور.
16_ ويأمرك بالأمانة، والعدل، وإنجاز الوعد، وحُسن الظن، والأناة في الأمور، والمبادرة في فعل الخير.
17_ ويأمرك بالعفة، والاستقامة، والشهامة، والنزاهة.
18_ الإسلام يأمرك بشكر الله، ومحبته، وخوفه، ورجائه، والأنس به، والتوكل عليه.
إلى غير ذلك من المعاني الجميلة العظيمة([837]).
ثانياً: من نواهي الإسلام: فمن أعظم محاسن الإسلام ما جاء به من النواهي التي تحذر المسلم من الوقوع في الشر، وتنذره سوء العاقبة التي تترتب على الأفعال القبيحة؛ فمما نهى الإسلام عنه مايلي:
1_ نهى عن الكفر، والفسوق، والعصيان، واتباع الهوى.
2_ ونهى عن الكِبْر، والحقد، والعجب، والحسد، والشماتة بالمبتلين.
3_ ونهى عن سوء الظن، والتشاؤم، واليأس، والبخل، والتقتير، والإسراف، والتبذير.
4_ ونهى عن الكسل، والخور، والجبن، والضعف، والبطالة، والعجلة، والفظاظة، وقلة الحياء، والجزع، والعجز، والغضب، والطيش، والتسخط على ما فات.
5_ ونهى عن العناد، وعن قسوة القلب التي تمنع صاحبها من إغاثة الملهوف والمضطر.
6_ ونهى عن الغِيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره، وعن النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد.
7_ ونهى عن كثرة الكلام بلا فائدة، وعن إفشاء السر، والسخرية بالناس، والاستهزاء بالآخرين.
8_ ونهى عن السب، واللعن، والشتم، والتعبير بالعبارات المستقبحة، والتخاطب بالألقاب السيئة.
9_ ونهى عن كثرة الجدال، والخصومة، وعن المزاح البذيء الذي يجر إلى الشر والتطاول.
10_ ونهى عن الكلام فيما لا يعني.
11_ ونهى عن كتمان الشهادة، وعن شهادة الزور، وعن قذف المحصنات، وسب الأموات، وكتم العلم.
12_ ونهى عن السفاهة، والفُحش، وعن المن بالصدقة، وعن ترك الشكر لمن أسدى إليك معروفاً.
13_ ونهى عن الاستطالة في الأعراض، وانتساب المرء إلى غير أبيه، وعن ترك النصيحة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
14_ ونهى عن الظلم، والغش، والخيانة، والمكر، وإخلاف الوعد، والفتنة التي توقع الناس في اضطراب.
15_ ونهى عن عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وإهمال الأولاد، وأذية الجار.
16_ ونهى عن التجسس، والتحسس، وتتبع عورات الناس.
17_ ونهى عن تشبه الرجال بالنساء، وعن تشبه النساء بالرجال، وعن إفشاء سر الزوج.
18_ ونهى عن شرب الخمر، وتعاطي المخدرات، وعن المقامرة التي تعرض المال للمخاطرة.
19_ ونهى عن ترويج السلعة بالحلف الكاذب، وعن بخس الكيل والوزن، وعن إنفاق المال بالمحرمات.
20_ ونهى عن السرقة، والغصب، وخطبة الإنسان على خطبة أخيه، وشرائه على شراء أخيه.
21_ ونهى عن خيانة أحد الشريكين لشريكه، وعن استعمال العارية بغير ما أذن بها صاحبها، وعن تأخير أجرة الأجير، أو منعه منها بعد فراغه من عمله.
22_ ونهى عن الإكثار من الطعام بحيث يضر صاحبه.
23_ ونهى عن التهاجر، والتشاحن، والتدابر، وحذَّر أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال.
24_ ونهى عن الضرب لأحد بغير مسوغ شرعي، وعن ترويع الناس بالسلاح.
25_ ونهى عن الزنا، واللواط، وقتل النفوس التي حرَّم الله قتلها.
26_ ونهى عن قبول القاضي هديةً من أحد لم يكن له عادة بإهدائها له قبل توليه، وعن قبول الضيافة الخاصة.
27_ ونهى عن أخذ الرشوة من محق أو مبطل، وعن دفع الرشوة من محق أو مبطل، إلا من محق مضطر إلى دفعها، دون أن تكون على حساب تضييع لحق أحد.
28_ ونهى عن خذلان المظلوم مع القدرة على نصره.
29_ ونهى عن اطِّلاع المرء على دار غيره بغير إذنه ولو من ثقب، وعن التسمع لحديث قوم يكرهون سماعه.
30_ ونهى عن كل ما يضر بالهيئة الاجتماعية، أو النفس، أو العقل، أو الشرف، أو العرض.
هذه نبذة موجزة عن أوامر الإسلام ونواهيه، وبسط ذلك وذكر أدلته يحتاج إلى مجلدات ضخام([838]).
المطلب الثالث: نظرة في أمهات الفضائل، وأصول الأخلاق
مر في الفقرات الماضية شيء من البيان المجمل في شأن أمهات الفضائل، وأصول الأخلاق.
والحديث ههنا سيتناول ذلك بشيء من الإيضاح دون إطناب وتفصيل، وذلك من خلال النظر في أصول تلك الفضائل والأخلاق، مع ملاحظة أن الأخلاق والفضائل تتلاقى، وتجتمع، ويحمل بعضها على بعض، وملاحظة أن الإسلام قد رفع من قدر تلك الأخلاق، وجعل لها المكانة العلية:
1_ الصبر: الحديث عن الصبر ذو شجون، فهو يبدأ ولا ينتهي سواء عن فضله، أو أنواعه، أو منزلته، أو ثمراته.
والكلام على الصبر ههنا أشبه ما يكون بالإشارات التي تدور حوله، والتي قد يُغْفل عنها في شأنه.
فالصبر _في أيسر تعريفاته_ هو: حبس النفس عن شيء تحبه، أو حبسها على شيء تكرهه.
ويدخل تحت هذا التعريفِ: الصبرُ على طاعة الله، والصبرُ عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة.
ويدخل تحت ذلك من أفراد الصبر ما لا يحصى مما سيرد ذكر لشيء منه فيما يلي.
ولا ريب أن الصبر ملاك الفضائل؛ فإن الارتياض بالأخلاق الحميدة _ كما يقول ابن عاشور _ لا يخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة؛ ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبر عليه؛ حتى تكون مكارم الأخلاق مَلَكَةً لمن راض نفسه عليها([839]).
ثم إن الفضائل تنبعث عن مكارمِ الخلالِ، والمكارمُ راجعةٌ إلى قوة الإرادة، وكبحِ زمام النفس عن الإسامة في شهواتها عما لا يفيد كمالاً، أو عما يورث نقصاناً؛ فكان الصبرُ ملاكَ الفضائل؛ فما التحلم، والتعلم، والتقوى، والشجاعة، والعدل، والعفة، والكرم ونحوها _ إلا من ضروب الصبر.
وأنت إذا تأملت وجدت أصل التدين والإيمان من ضروب الصبر؛ فإن فيه مخالفةَ النفس هواها ومألوفَها([840]).
وأما فضل الصبر فحدث ولا حرج؛ إذ هو نصف الإيمان، فالإيمان شكر وصبر، والقرآن الكريم حافل بذكر الصبر؛ ذلك الخلقُ العظيم الذي أمر الله به، وأعلى مناره، وأكثر من ذكره في كتابه، وأثنى على أهلِه القائمين به، ووعدهم بالأجر الجزيل عنده.
قال _تعالى_: [وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ] النحل: 127 .
وقال: [وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ] الشورى: 43 .
وقال _عز وجل_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ] آل عمرآن: 200 .
وقال: [وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ] البقرة: 155 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً أعظمَ ولا أوسعَ من الصبر ) ([841]).
فإذا تحلى الإنسان بالصبر كان جديراً بأن يفلح في حياته، وأن يقدِّمَ الخيرَ العميمَ لأمته، ويتركَ فيها الأثرَ الكبيرَ.
وإن عَطُل من الصبر فما أسرعَ خورَه، وما أقل أثرَه.
ثم إن الإنسان _أيَّ إنسان_ لا بد له من الصبر، إما اختياراً وإما اضطراراً؛ ذلك أنه عُرضةٌ لكثير من البلاء في نفسه بالمرض، وفي ماله بالضياع، وفي أولاده وأحبته بالموت، وفي حياتِه العامةِ بالحروبِ وتوابِعها من فقدان كثير من حاجاته التي تعوَّدها في حياته؛ فإذا لم يتعوَّدِ الصبرَ على المشاقِّ وعلى تركِ ما يألف _وقع صريع تلك الأحداث.
وكذلك حال الإنسان مع الشهوات؛ فهي تتـزين له، وتغريه، وتتمثل له بكل سبيل؛ فإذا لم يكن معه رادعٌ من الصبر، ووازعٌ من الإيمان أوشك أن يتردى في الحضيض.
وبالجملة فإن الصبر من أعظم الأخلاق، وأجلّ العبادات، وإن أعظمَ الصبرِ وأحمده عاقبةً الصبرُ على امتثال أمر الله،والانتهاء عمّا نهى الله عنه؛ إذ به تَخْلُص الطاعة،ويصِحُّ الدينُ، ويُسْتَحَقُّ الثوابُ؛ فليس لمن قل صبرُه على الطاعةِ حظٌ من بِرٍّ، ولا نصيبٌ من صلاح([842]).
2_ العفة: قال الجرجاني رحمه الله في تعريفها: ( العفة هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوةِ، والخمود الذي هو تفريطها؛ فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة ) ([843]).
وقال ابن حزم رحمه الله : ( حد العفة أن تغض بصرك وجوارحك عن الأجسام التي لا تحل لك؛ فما عدا ذلك فهو عهر، وما نقص حتى يمسك عما أحل الله _تعالى_ فهو ضعف وعجز ) ([844]).
ومن خلال ذلك يتبين لنا أن العفة أصل من أصول الأخلاق، وأساس من أسس الاجتماع؛ فإذا شاعت في مجتمع ما حملت أفراده على اجتناب الرذائل والقبائح؛ وعلى تمثل الحياء الذي هو رأس كل خير، ومنعت من الفحشاء، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة، والذلة([845]).
3_ عزة النفس: وهو من الأخلاق العالية، فعزة النفس تعني الارتفاع عن مواضع الإهانة، ويقابلها الضعة، وهي انحدار النفس في المهانة.
وعزة النفس تلقي على صاحبها مهابة ووقاراً في العيون، وتحرز له جلالة ومكانة في القلوب، وذلك لما تنشرح له صدور العظماء.
ولهذه _كذلك_ آثار صالحة في الاجتماع؛ فإن الأمة التي تشرب نفوسها العزة يشتد فيها الحرص على أن تكون مستقلة بشؤونها، غنيةً عن غيرها، وتبالغ في الحذر في أن تقع في يد من يطعن في كرامتها، ولا يستحيي من هضمها حقًّا من حقوقها([846]).
4_ السخاء: فالسخاء يقوم على الشعور بأن للمال قيمة تستدعي عدم الإسراف في إنفاقه؛ وأن للحياة الفاضلة مطالب يبذل المال في سبيلها غير مأسوف عليه؛ فهو بذل ما ينبغي في الوجه الذي ينبغي الإنفاق فيه.
فمن أطلق يده في اتباع الشهوات فهو مسرف، ومن قبضها عن الإنفاق في وجوه الخير فهو بخيل، أما السخاء فكان بين ذلك قواماً.
وبما أن السخاء يقوم على الرحمة، وقلة الحرص على جمع المال _ كان متصلاً بفضائل أخرى تعد من مقومات الهمة العالية، ومن مظاهرها الجلية؛ فالسخي في أغلب أحواله يأخذ بالعفو، ويتحلى بالحلم، ويجري في معاملاته على الإنصاف، فيؤدي حقوق الناس من تلقاء نفسه، وإذا قضى كان عادلاً، فلا تطمح نفسه إلى رشوة، ولا تحدثه أن يأخذ حق ضعيف إلى قوي.
ولتجدن السخي بحق متواضعاً، لا يطيش به كبر، ولا تستخفه الخيلاء، ولتجدنه أقرب الناس إلى الشجاعة وعزة النفس، وإنما يخسر الإنسان الشجاعة والعزة بشدة حرصه على متاع الحياة الدنيا.
وللسخاء أثر في سيادة الأمة؛ فالأمة تبلغ القدر الأسمى من السيادة بحفظ دينها، وسعة معارفها، وسمو أخلاقها، وصيانة أعراضها، ونابهة ذكرها، ومتانة اتحادها، وحماية أوطانها.
وكل هذه المقاصد الرفيعة الشأن _ إنما تتحقق بالمال الذي يبذله الأسخياء من الناس([847]).
5_ الشجاعة: فهي خلق فاضل يحمل على عزة النفس، وإباءة الضيم، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب، ومفارقته.
وهي تحمل صاحبها على كظم الغيظ، والحلم؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها، ويكبحها بلجامها عن النزق والطيش([848]).
ولهذا قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشجاع المحمود شرعاً هو الذي يملك نفسه عند الغضب، قال _عليه الصلاة والسلام_: ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) ([849]).
والشجاعة لا تقتصر على الإقدام في ميادين الوغى، بل هي أعم من ذلك؛ فتشمل الشجاعة الأدبية في التعبير عن الرأي، والصدع بالحق، والاعتراف بالخطأ، وبالرجوع إلى الصواب إذا تبين([850]).
6_ الوفاء: قال الجرجاني رحمه الله : ( الوفاء: هو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء ) .([851])
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفى الناس، وأبرهم في جميع صور الوفاء.
ومن صور وفائه ما كان من وفائه، وحفظه لودِّ زوجته خديجة _رضي الله عنها_ فبعد أن ماتت، وتزوج بعائشة وغيرها من ذوات الجمال والشرف _رضي الله عنهن_ لم ينس خديجة، وما لها من سابقة في الإسلام، ونفقة في سبيل الله؛ فلقد كان كثيراً ما يلهج بذكرها، والثناء عليها.
بل لقد كان _عليه الصلاة والسلام_ يتعاهد صديقاتها بعد موتها، وربما ذبح الشاة، فقطعها، ثم يبعثها إليهن، وكان يُذَكِّرهن بالهدية والصدقة برَّ خديجة، وإحسانها الذي ألفوه منها، وعرفوه عنها، فيترحمون عليها، وينقلون الحديث عن كرمها وجودها.
حتى لقد بلغ من كثرة ذكره لخديجة _رضي الله عنها_ أن غارت منها عائشة _رضي الله عنها_ مع أن خديجة ماتت قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بثلاث سنين.
جاء في الصحيحين عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: ( ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة؛ من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها.
قالت: وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمر ربه _عز وجل_ جبريل _عليه السلام_ أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب ) .([852])
وجاء فيهما عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: ( ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: ( إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد ) ([853]).
وجاء فيهما _أيضاً_ عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: ( استأذنَتْ هالة بنت خويلد _أخت خديجة_ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، فقال: ( اللهم هالة ) قالت: فغرت ) الحديث([854]).
فهذه نبذة عن أصول الأخلاق في الإسلام، وأما تفصيلاتها فمبثوثة في كثير من نصوص الوحيين، وكتب التفسير، وشروح الحديث.
المبحث السادس: الصداقة، والصحبة في الإسلام، وعلاقة المسلمين بغيرهم
أولاً: الصداقة، والصحبة في الإسلام
الصداقة عاطفة سامية القدر، غزيرة الفائدة، لذيذة المطعم.
والإسلام بشموله، وسعته، وتشريعاته الحكيمة لم يغفل جانب الصداقة والصحبة.
بل لقد عُني بالصداقة الحقة، ورغّب فيها، ووضع لها الأسس العامة التي تكفل استمرارَها، وإيتاءَها ثمارَها الطيبةَ.
وفيما يلي بيان لشيء من مظاهر عنايته بها:
1. إن الإسلام رغَّب في أن يحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه، وبين أن ذلك علامة إيمان، وأنه من كمال الإيمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .([855])
2. أن الإسلام استحب للمسلم أن يؤثر أخاه المسلم وإن كانت به خصاصة، وهي الحاجة الشديدة، وذلك أقصى ما يفعله الصديق لصديقه.
قال الله _عز وجل_ في معرض الثناء على الأنصار _رضي الله عنهم_: [وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ] الحشر: 9 .
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة، بل مع الضرر، والخصاصة.
وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله _تعالى_ مقدمة على شهوات النفس ولذاتها.
ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حيث آثر ضيفه بطعامه، وطعام أولاده وباتوا جياعاً.
والإيثار عكس الأثرة؛ فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة؛ لأنها من خصال البخل والشح، ومن رزق الإيثار فقد وُقي شح نفسه [وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ] الحشر: 9 . ([856])
3. أن الإسلام رغب في مصاحبة الجليس الصالح وصداقته، وحذر من جليس السوء والقرب منه؛ فلقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بأبلغ ما يكون، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.
ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ) .([857])
4. بيان أن الصداقة الحقة الصالحة تستمر إلى ما بعد الممات: ففي يوم القيامة حين يتبرأ كل صديق من صديقه تبقى صداقة المؤمنين المتقين ظاهرة في ذلك اليوم العصيب.
قال الله _عز وجل_: [ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ] الزخرف:67 .
فالمتصاحبون المجتمعون على الكفر والتكذيب والعصيان يتعادون في ذلك اليوم؛ لأن صحبتهم وخلتهم في الدنيا لغير الله، فانقلبت عداوة يوم القيامة.
أما المتقون فإن محبتهم وصداقتهم تدوم وتتصل بدوام من كانت المحبة لأجله([858]).
5. أن الصداقة الخالصة يترتب عليها الثواب الجزيل: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) وذكر منهم: ( رجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه ) .([859])
فهذا شيءٌ مما جاء به الإسلام في شأن الصداقة.
ثانياً: علاقة المسلم بغير المسلم
علاقة المسلم بغير المسلم من الكفار والمشركين تقوم في أصلها على الإحسان، والبر، والصلة، والعدل، وحب الخير والهداية لهم.
قال الله _عز وجل_: [لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ] الممتحنة: 8 .
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين، والإخراج من دياركم؛ فليس عليكم جناح أن تصلوهم؛ فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها ولا مفسدة ) .([860])
وهذا ما فهمه الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ حيث ذبح شاةً فقال: هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟ ثلاث مرات.
ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) ([861]) .
ففهم هذا الصحابي الجليل من هذا الحديث في حسن معاملة الجار أنه يشمل المسلم والكافر.
وفي ظل هذا التوجيه القرآني عاش أهل الكتاب في جوار المسلمين ينعمون بالأمن والطمأنينة على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
بل لقد وجدوا معاملةً وعدلاً لم يكونوا يجدونها بين أهليهم وبني جنسهم وملَّتهم.
وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنة والعدل والخلق من المسلمين أحبوا دين الإسلام، وسارعوا إلى الدخول فيه عن قناعة ويقين.
ومما يوضح هذا المعنى ويجليه غاية الجلاء ما جاء في السيرة النبوية من التعامل مع كافة الطبقات من غير المسلمين، وإليك بيان ذلك بشيء من البسط، الذي يتبين من خلاله شيء من سماحة الإسلام وعدله:
1_ التعامل مع طائفة المنافقين: الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر؛ فهؤلاء كان _عليه الصلاة والسلام_ يعاملهم بما يشبه معاملة المهتدين من الرحمة، والرفق، والإحسان، ومقابلة الإساءة بالعفو أو الإحسان؛ فكان يعاملهم على ظواهرهم دونما بحث عما تُكِنُّه سرائرهم، وتنطوي عليه دخائل نفوسهم.
ويشهد لذلك حوادثُ كثيرةٌ، ومن أجلاها مواقفه العظيمة مع رأس المنافقين عبدالله بن أُبَيِّ بنِ سلول الذي آذى النبي صلى الله عليه وسلم أيما أذية؛ حيث آذاه في بيته كما في قصة الإفك _ فهو الذي تولى كبره، وأشاع قالة السوء عن عائشة _رضي الله عنها_.
وهو الذي رجع بمن تبعه من الطريق يوم أحد، فخذل النبي صلى الله عليه وسلم في أحرج أوقاته، وهو الذي قال _كما أخبر الله عز وجل عنه_: [لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ] (المنافقون:8).
وهو صاحب المواقف المشهورة بالخزي والشنار.
هذا الرجل الذي كان من شأنه ما كان لما مات طلب ابنُه من النبي صلى الله عليه وسلم قميصه؛ ليكفنه فيه؛ تطهيراً له؛ فأعطاه قميصه كفناً لزعيم المنافقين !
أرأيت أكرم من هذا الصنيع؟ وهل وقف الأمر عند هذا الحد؟
لا، بل مشى _عليه الصلاة والسلام_ إلى قبره، فوقف يريد الصلاة عليه، فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: أتصلي على ابنِ أُبَيٍّ وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ يعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( أخِّر عني يا عمرُ ) .
فلما أكثر عليه قال: ( إني خيِّرت فاخترت؛ لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها ) .
وذلك إشارة إلى قوله _تعالى_ في المنافقين: [ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ] (التوبة:80).
ففي الخيار بين أن يستغفر أو لا يستغفر نزعت به طبيعته الرحيمة إلى الاستغفار لأعدائه.
قال عمر بن الخطاب في نهاية الحديث: ( فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف؛ فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: [وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ] (التوبة: 84).
قال: فعجبت بَعْدُ من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، والله ورسوله أعلم ) .([862])
فهذه مواقفه مع زعيم المنافقين؛ فما ظنك بمن دونه؟
3_ طائفة المخالفين المسالمين: فهؤلاء يحرص على هدايتهم، ويلقاهم بالأدب الجميل، ويقسط إليهم، ولا يهضم لأحد منهم حقًّا، ويأخذ فيهم بأدب قوله _تعالى_: [لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ] (الممتحنة:8).
والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، ومنها ما جاء في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: ( أسلم ) .
فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأَسْلَمَ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( الحمد لله الذي أنقذه من النار ) ([863]).
ثم إن حسن معاملته _عليه الصلاة والسلام_ للمخالفين الذين دخلوا معه في عهده، أو رضوا بأن يعيشوا تحت راية الإسلام _ من أوضح الشواهد على سماحة الدين الحنيف وبنائه على رعاية قاعدتي الحرية وتوطيد السلام؛ فراية الإسلام صالحة لأن تخفق على رؤوس أمم مختلفة في عقائدها، متفاوتة على مرافق حياتها.
وقد جرى أمراء الإسلام العادلون على هذه السيرة في معاملة أهل الذمة؛ فكانوا ينصحون لنوابهم بالعدل، ويخصون أهل الذمة في نصيحتهم بالذكر.
وأحسن مثل على هذا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يومئذ الوالي على مصر.
ومما جاء في هذا الكتاب: ( وإن معك أهلَ ذمةٍ وعهد، وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ) .([864])
ومنه ( وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا خصمه يوم القيامة ) ([865]).
احذر يا عمرو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لك خصماً؛ فإنه من خاصمه خصمه ) ([866]).
ومن الأحاديث الثابتة في هذا الصدد قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قذف ذميًّا حُدَّ له يوم القيامة بسياط من نار ) .([867])
فانظروا إلى مكانة العهد في نظر الإسلام، وزنوها بمعاهدات يأخذ فيها بعض الأقوياء على أنفسهم احترام حقوق شعب إسلامي حتى إذا أمسكوا بناصيته لم يستحيوا أن يعبثوا بالأرواح، وتجول أيديهم في الأموال، ويعملوا جهدهم على أن يقلبوهم إلى جحود بعد إيمان، ويغضبون بعد هذا كله على من يسميهم أعداء الإنسانية، وقابضي روح الحرية.
لقد أدرك فقهاء الإسلام رعايةَ شارعِ الإسلامِ لأهل الذمة، وحرصَه على احترام حقوقهم؛ فاستنبطوا من أصوله أحكاماً جعلوا المسلم وغير المسلم فيها على سواء.
ومن هذه الأحكام أنهم أجازوا للمسلم أن يوصي أو يقف شيئاً من ماله لغير المسلمين من أهل الذمة، وتكون هذه الوصية أو الوقف أمراً نافذاً.
ولما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض([868]) ) قالوا: البيع على بيع غير المسلم الداخل في ذمة الإسلام كالبيع على بيع المسلم.
والخطبة على خطبته كالخطبة على خطبة المسلم: كلاهما حرام.
وإذا ذكر الفقهاء آداب المعاشرة نبهوا على حقوق أهل الذمة، وندبوا إلى الرفق بهم، واحتمال الأذى في جوارهم، وحفظ غيبتهم، ودفع من يتعرض لأذيتهم.([869])
قال شهاب الدين القرافي رحمه الله في كتاب الفروق: ( إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا؛ لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا وذمة الله _تعالى_ وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم، أو أي نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك _ فقد ضيع ذمة الله _تعالى_ وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام.
وكذلك حكى ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع: أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه _ وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك؛ صوناً لمن هو في ذمة الله _تعالى_ وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة ) .([870])
4_ طائفة المخالفين المحاربين: فهؤلاء يخرج لهم _عليه الصلاة والسلام_ في مظهر الحزم والاحتراس، ويدفعهم بالتي هي أحكم وأعدل؛ فيرفق بهم إن كان هناك موضع للرفق، ويأخذ فيهم بسنة الحزم إن طغى بهم الشر، ولم يزدهم الرفق إلا تمرداً.([871])
الفصل الرابع
نظام الأسرة في الإسلام
تمهيد
البيت هو المدرسة الأولى للأولاد، وفي الأسر الكريمة الراشدة التي تقوم على دعائم المحبة والرحمة والإيثار والتعاون والتقوى _ ينشأ رجال الأمة ونساؤها، وقادتها وعظماؤها.
وفي تلك الأسر الطيبة تحفظ الحقوق، وتصان الكرامات، وترفرف السعادة.
ولقد حاط الإسلام البيت المسلم بعناية تامة، فحاط الزوجية بحقوق تجعلها في ألفة صادقة، وعيشة راضية، وكفل للوالدين، والأولاد كافة الحقوق، وناط بكل فرد من أفراد الاسرة المسلمة أمانة يسأل عن رعايته لها بين يدي رب العالمين.
وفيما يلي من مباحث بيان لشيء من نظام الأسرة في الإسلام.
المبحث الأول: مكانة المرأة في الإسلام
المطلب الأول: تكريم الإسلام للمرأة
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيدٍ بسوء، ولا ألسنةٌ بأذى، ولا أعينٌ بخيانة.
وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله _تعالى_ وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض.
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.
وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان لها حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر، ونحو ذلك([872]).
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى.
بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاًّ منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه([873]).
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها([874]).
بل ومن المحاسن _ أيضاً _ أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه([875]).
ومما يؤكد ما قيل في الأسطر الماضية كثرة النصوص الواردة في شأن المرأة وإعلاء قيمتها سواء كانت أمًّا، أو زوجة، أو أختاً، أو غير ذلك.
وهذا ما سيتبين في المطلبين الآتيين:
المطلب الثاني: آيات من القرآن الكريم في شأن المرأة
لقد نوَّه القرآن بشأن المرأة، وأكثر من ذكرها، وبيان مكانتها، وحقوقها، وهناك سورة من طوال سور القرآن اسمها النساء.
وفيما يلي ذكرٌ لبعض الآيات القرآنية الواردة في شأن النساء.
قال الله _تعالى_:[وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا] (النساء:36).
وقال _تعالى_: [قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ] (الأنعام:151).
وقال _عز وجل_:[وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا] (الإسراء).
وقال _تبارك وتعالى_:[وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ] (لقمان:14).
وقال:[وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (البقرة:228).
وقال:[يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا] (النساء:1).
وقال:[لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا] (النساء:7).
وقال:[ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ] (النساء:34).
وقال:[إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا] (الأحزاب:35).
وقال:[وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا] (الأحزاب:58).
وقال:[وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ] (الروم:21).
وقال:[وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ] (النحل:72).
وقال: [فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ] (آل عمران:195).
وقال:[مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ] (النحل:97).
وقال:[وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا] (الأحزاب :36).
وقال:[ فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ] (محمد:19).
المطلب الثالث: أحاديث نبوية في شأن المرأة
السنة النبوية حافلةٌ بذكر النساء، وما لهن من الحقوق، وما عليهن من الواجبات.
وفيما يلي بيان لشيء مما جاءت به السنة النبوية في ذلك الشأن.
1_ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ( أمك ) قال: ثم من؟ قال: ( أمك ) قال: ثم من؟ قال : ( أمك ) قال ثم من؟ قال: ( أبوك ) ([876]).
2_ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ([877]).
3_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها الذي أنفقته على أهلك ) ([878]).
4_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فَضُل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا ) ([879]).
5_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج، وإن أعوج شيء في الضِّلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيراً ) ([880]).
6_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يَفْرَك _ أي يبغض _ مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) رواه مسلم.
7_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وخياركم خياركم لنسائهم ) أخرجه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح.
8_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن من أشر الناس منزلةً يوم القيامة الرجلَ يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها ) رواه مسلم.
9_ وقال: ( إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة ) أخرجه أحمد، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
10_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( النساء شقائق الرجال ) أخرجه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وأبو داود، وصححه أحمد شاكر في تحقيق الترمذي.
11_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها ) .
12_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل ) ([881]).
13_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تُنكح الأيِّم حتى تستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تستأذن ) .
قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: ( أن تسكت ) ([882]).
14_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن ستراً له من النار ) ([883]).
15_ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن، ويحسن إليهن إلا دخل الجنة ) ([884]).
المطلب الرابع: نظرة في منزلة المرأة عند النظم الأخرى
مر في المطالب الماضية شيء من مكانة المرأة في دين الإسلام؛ فأين النظم الأرضية من نظم الإسلام العادلة السماوية، فالنظم الأرضية لا ترعى للمرأة كرامتها، حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها، ولقمة تسد جوعتها، وربما كان ذلك على حساب الشرف، ونبيل الأخلاق.
وأين إكرامُ الإسلام للمرأة، وجَعْلُها إنساناً مكرماً من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار، وتعدها مخلوقاً نجساً؟
وأين إكرام الإسلام للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات؟
وأين إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعة تنتقل فيه الزوجة؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت؛ لتنظر في حقيقة المرأة وروحها أهي من البشر أو لا؟!([885])
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها، ورعاية زوجها، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها، أو شبابها، أو هرمها، وفي حال فقرها أو غناها، أو صحتها أو مرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام _ فإنما هو بسبب القصور والجهل، والبُعد عن تطبيق شرائع الدين، والوزر في ذلك على من أخطأ، والدين براء من تبعة تلك النقائص.
وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه؛ لعلاج الخطأ.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال: عفة، وصيانة، ومودة، ورحمة، ورعاية، وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً من تلك المعاني، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية، وأنها لابد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج، والاختلاط، وإظهار المفاتن، وإبداء الزينة، وكشف الصدور، والأفخاذ، وما هو أشد؟!
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة؟!
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات؟!
ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة، فإذا استنفدت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت مدة صلاحيتها؟!
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة؟ وما نصيب الأم المسنة، والجدة، والعجوز؟
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء، ودور العجزة والمسنين؛ حيث لا تُزار ولا يُسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد، أو نحوه، فتأكل منه حتى تموت؛ فلا رحم هناك، ولا صلة، ولا ولي حميم([886]).
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها، وعظم حقها، وتنافس أولادها وأقاربها على برها _ كما سبق _ لأنها أدَّت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها، وأحفادها، وأهلها، ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية _ فزعم باطل، بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب، والتخلف بعينه، وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زادت نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم، كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة([887]).
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام، ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن الإسلام.
هذه نبذة يسيرة، وصور موجزة من تكريم الإسلام للمرأة.
المبحث الثاني: الزواج في الإسلام
تمهيد
الزواج في الإسلام رباط مقدس، وميثاق غليظ، تسوق إليه الفطر القويمة، وتدعو إليه الشرائع الحكيمة.
وما زالت نفوس البشر تنساق فيه مع الفطرة، وتجيب به داعي الحكمة؛ فبالزواج يحصل السكن، وتكون المودة والرحمة، ويُلَمُّ الشَّعث، ويجتمع القلب، وتُبتغى الذرية.
ثم إن طيب الحياة ومتعتها يتحققان في زوجيَّةٍ سعيدةٍ، وسعادةُ الزوجيةِ أن يكون الزوجان على دين صحيح، وخلق سجيح، وأن يجمعا إلى ذلك صفاء الود، والقيام بالحقوق، ونصح كلِّ واحدٍ منهما لصاحبه.
وإذا قام كل من الزوجين بواجبه تماماً على أحسن _ حلَّت الأفراح والمسرات، وزالت أو قلَّت المشكلات، وكان لذلك أبلغ الأثر في صلاح الأسرة، وقوة الأمة؛ فصلاح البيوت صلاح للأمة، وصلاح الأمة هو السبب الأعظم لعزتها، وسعادتها، وكرامتها.
ومن أجل ذلك جاء الإسلام بمراعاة رابطة الزوجية، وتقويمها، وتمكينها، وإحاطتها بما يحفظ وجودها، ويعلي منارها([888]).
والحديث في هذا المبحث سيتناول شيئاً من مشروعية الزواج في الإسلام، وحِكَمِه، وأحكامه.
المطلب الأول: مشروعية الزواج في الإسلام
الزواج مشروع في دين الإسلام، وأقل درجات المشروعية الإباحة.
بل إن المتأمل في أدلة الشرع يجدها لا تدل على الإباحة فحسب، بل تدل على الاستحباب أو الوجوب.
وقد استدل القائلون بالفرضية، أو الوجوب العيني أو الكفائي بالنصوص الآمرة بالنكاح كقوله _تعالى_: [فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ] (النساء:3).
وقوله: [وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ] (النور:32).
وقوله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ) ([889]).
فالأمر عندهم للوجوب، ولم يأتِ صارف يصرفه عن الوجوب، وقد تأكد الوجوب من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أن النكاح من سنته، ومن إنكاره _عليه الصلاة والسلام_ على من ترك النكاح وعزم على التبتل([890]).
وذهب جمهور أهل العلم إلى استحباب النكاح للتائق إليه الذي لا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا؛ فإن كان توقانه شديداً بحيث يخشى على نفسه الوقوع في الزنا وجب عليه الزواج متى قدر على تكاليفه([891]).
المطلب الثاني: حِكَم الزواج في الإسلام
حِكَم الزواج في الإسلام كثيرة جدًّا، ومن تلك الحكم ما يلي:
أ_ أنه إجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال _تعالى_: [وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ](النور:32).
وقال: [فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ](النساء:3).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج ) ([892])
ب_ حصول الأجر والثواب: قال النبي_ عليه الصلاة والسلام_: ( وفي بضع أحدكم صدقة ) ([893]).
ولقد قرر كثير من أهل العلم أن الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادات؛ لما يشتمل عليه النكاح من المصالح الكثيرة([894]).
جـ _ حصول العفاف: فإذا نظرت إلى هناك فضيلة يقال لها العفاف_ فالزواج من أعظم ما يعين على التحلي بها؛ فالزواج وسيلة من وسائل الفضائل، وكثيراً ما تأخذ الوسائل أحكام المقاصد في نظر الشارع، وعرف الناس.
د_ بقاء النسل، والمحافظة على النوع الإنساني: فإذا نظرت إلى أن حكمة الله قد اقتضت بقاء النسل لإقامة الشرائع، وعمران الكون، وإصلاح الأرض، وأن النسل الصالح لا يبقى إلا بالزواج _ رأيت كيف كان الزواج وسيلة إلى تحقيق أمور عظيمة أحب الله أن تكون، وحبب الناس للقيام عليها.
هـ_ حصول السكن والمودة والرحمة: أوليس الزواج يكسب الرجل رفيقة تخلص له ودها، وتشمل منزله برعايتها؟
ومثل هذه الرفيقة التي تحمل حبه الطاهر، وتعمل لتدبير منزله من غير مِنَّةٍ ولا تباطؤ_ لا تتمثل إلا فيمن تربطه بها صلة الزواج.
قال_تعالى_: [وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ] (الروم:21).
و_ حصول القرابة والمودة بين الناس: فليس الزواج يكسب صلة مقصورة على الزوجين فحسب، بل تمتد هذه الصلة من الزوجين لأسرتيهما، فتكون حلقة واسعة في سلسلة اتحاد الأمة.
وللصلات الخاصة كالقرابة والصهر أثر في التناصر كبير.
ز_ حصول نعمة الولد: فالزواج يكسب الزوج ولداً إن يُحْسِنْ تربيته كان له قرة عين في حياته، وذِكْراً طيباً بعد وفاته.
ح_ سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي، والأمراض الفتاكة التي تنشأ عن الفوضى الخلقية.
ط_ حصول الغنى وانتفاء الفقر: فالزواج سبب للغنى ونفي الفقر.
وهذا من لطائف النكاح وأسراره التى تخفي على كثير من الناس، وخصوصاً من يحجمون عن الزواج بحجة الفقر.
ومصداق ذلك قوله_تعالى_: [وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيم] (النور:32).
ومصداقه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة على الله عونُهم: الناكح يريد العفاف، والمُكاتَب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله ) ([895]).
وبالجملة فللزواج مصالح تكثر بكثرته، وتقل بقلته، وتفقد بفقده، وقد عَرَفْت قيمة هذه المصالح ومكانتها في إعلاء الدين، وبسط أجنحة العمران؟، وتخفيف متاعب الحياة.
المطلب الثالث: في أحكام الزواج _الواجبات والحقوق_
الزواج في الإسلام يقوم على واجبات وحقوق من قِبَل الزوج والزوجة؛ فلكل منهما حقوق، وعليه واجبات.
كما أن هناك أحكاماً لا بد من مراعاتها، والأخذ بها في شأن الزواج سواء قبل الزواج أو بعده، فمن ذلك ما يلي:
1_ أنه لا يجوز إرغام المرأة على الزواج بمن لا تريد: فقد قرر أهل العلم أنه لايجوز إرغام المرأة على الزواج بمن تقدم لخطبتها، بل لا بد من موافقتها على ذلك بكراً كانت أم ثيباً؛ فليس لوليها أن يكرهها على الزواج بمن لا تريد.
وقد استدل أهل العلم على عدم صحة إكراه الولي للثيب البالغ من الزواج بما رواه البخاري ومسلم عن خنساء بنت خذام الأنصارية: ( أن أباها زوَّجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ) ([896])
وبما رواه البخاري عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ) ([897]).
2_أنه لا يجوز أن يخطب الرجل على خطبة أخيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض ) ([898]).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ) .
زاد البخاري : ( حتى ينكح أو يترك ) .
وفي رواية عن مسلم : ( حتى يذر ) ([899]).
والحكمة من وراء النهي عن الخطبة على الخطبة أن هذا الفعل يورث العداوة و البغضاء، كما يؤدي إلى تزكية المرء نفسه، وذم غيره، كما أن في ذلك عدواناً وظلماً؛ فالخطبة على الخطبة كالبيع على البيع، والشراء على الشراء، وذلك مما يولد الكراهية، ويوهي حبال المودة.
والإقدام على الخطبة سواء علم الخاطب أن المخطوبة أجابت أم لم تجب بعد _ يحدث مفسدة بين المسلمين.
فإذا أذن الخاطب الأول، أو صرف النظر عن الخطبة، أو رَدَّته المخطوبة _ فلا إشكال.
أما إذا أجابت الخاطب الأول، أو كانت في مرحلة تردد وتأمل _ فإن ذلك لا يجوز؛ فإن خطبة الثاني قد تجعلها تعدل عن الأول، وتصرف النظر عنه([900]).
3_ أركان عقد النكاح: أركان عقد النكاح هما الإيجاب والقبول([901]).
والمراد بالإيجاب والقبول: الألفاظ التي يُصْدِرُها كلٌّ من العاقدينِ للدلالة على رضاه بالمعقود عليه، وبهما ينعقد النكاح إذا صدرا ممن يَصِحُّ منه عقد النكاح، وهما الخاطب والمخطوبة إذا كان كل منهما أهل لعقد النكاح.
كما يصح صدورهما من وكيل الخاطب، أو المخطوبة([902]).
4_ المهر: المهر اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح.
وقد سماه الله في كتابه: صداقاً، وأجراً، وفريضة([903]).
وهو واجب بدلالة الأمر في قوله _تعالى_: [وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ] النساء: 4 .
والنحلة ما يوهب بطيب نفس من الواهب، وأقوى من النص السابق في الدلالة على الوجوب قوله _تعالى_: [فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فََٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ] النساء: 24 .
فقد أمر النص بإيتاء الزوجات أجورهن، والأجور المهور.
5_ النفقة على الزوجة: من حق الزوجة على زوجها أن ينفق عليها بالمعروف، والمراد بالنفقة ههنا ما يفرض للزوجة على زوجها من مال للسكنى، والطعام، والحضانة، واللباس، وما إلى ذلك مما تصان به حرمة الزوجة من الابتذال، وما تحفظ به صحتها وكرامتها، كل ذلك في حدود الطاقة والوسع.
فإن أعسر الزوج إعساراً تتعذر معه النفقة، واختارت الزوجة فراقه؛ لعدم صبرها عليه فقد ذهب أكثر العلماء إلى أنه يفرق بينهما، وخالف آخرون.
والذي يظهر من أصول الشريعة أن لها الحق في مفارقته؛ دفعاً للضرورة([904]).
6_ حسن العشرة للزوجة: من حق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها فيهش عند لقائها، ويمازحها ويداعبها؛ تطييباً لقلبها، وإيناساً لها في وحدتها، وإشعاراً لها بمكانتها من نفسه، وقربها من قلبه.
ومن حسن المعاشرة أن يعتني الزوج بمحادثة زوجته، فيصغي لها إذا تحدثت، ويظهر العناية بحديثها، فلا يتشاغل عنها، ولا يقوم قبل أن تكمل حديثها إلا بعد إذنها؛ فذلك من كمال الأدب مع كل أحد فكيف بالزوجة وهي من أحق الناس بالبر؟.
ومن حسن العشرة للزوجة أن يتجمل الرجل لها، فذلك من حقوقها، قال الله _تعالى_:[وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ] البقرة: 228 .
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسير هذه الآية: ( إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله _تعالى_ يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) ([905]).
ومن حسن العشرة وحق الزوجة على زوجها حفظ سر الفراش، جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: ( إن من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة ـ الرجلَ يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها ) ([906]).
ومما يترخص فيه في إفشاء سر الفراش إذا احتاج الإنسان للفتيا أو العلاج، ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة المعقولة؛ فله أن يتحدث عن أمر الفراش بما تدعو إليه الحاجة.
7_ حسن عشرة الزوجة لزوجها: من حق الزوج على زوجته أن تعترف له بنعمته، وأن تشكر له ما يأتي به من طعام، ولباس، وهدية ونحو ذلك مما هو في حدود قدرته، وأن تدعو له بالعوض والإخلاف، وأن تظهر الفرح بما يأتي به؛ فإن ذلك يفرحه، ويبعثه إلى المزيد من الإحسان.
كما يحسن بالزوجة أن تستحضر أن الزوج سبب الولد، والولدُ من أجل النعم.
ومن حق الزوج على زوجته أن تقوم على خدمته، من نحو صناعة الطعام، وغسيل الثياب، وتنظيف المنزل ونحو ذلك حق على الزوجة.
وهذا من الحق الواجب على القول الصحيح.
والحجة في ذلك ما جاء في حديث عمة حصين بن محصن حين سألها النبي صلى الله عليه وسلم : ( أذات بعل أنت؟ ) قالت: نعم، قال: ( فأين أنت منه؟ ) قالت: ما آلوا إلا ما عجزت عنه، قال: ( فانظري أين أنت منه؛ إنما هو جنتك ونارك ) ([907]).
ومع ما تقرر من وجوب قيام المرأة بخدمة زوجها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً _ فإنه ليس للزوج أن يكلفها ما لا تطيق، بل عليه أن يرفق بها، ويعينها على شؤون بيتها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
تقول أم المؤمنين عائشة _ رضي الله عنها _ حين سُئلت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: يكون في مهنة أهله _ تعني خدمتهم _ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ) ([908]).
وفي رواية أخرى أنها سُئلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته ) ([909]).
وإذا لم يقم الزوج بذلك فلا أقل من أن يسمع زوجته كلمة ثناء وأن يريها ابتسامة رضا([910]).
المبحث الثالث: الطفل في الإسلام
للطفل في دين الإسلام مكانة عالية، حيث أَوْلَتْهُ الشريعة عناية تامة، وحاطته بحقوق تكفل له السعادة، والعيشة الكريمة، وتنأى به عن الشقاء والضياع.
وفيما يلي بيان لشيء من ذلك بما يسمح المقام:
أولاً: جاء التحذير الشديد من بعض العادات الجاهلية التي كان بعض العرب يمارسها قبل الإسلام من قتل الأطفال؛ خشية الفقر.
قال الله _عز وجل_: [وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡٔٗا كَبِيرٗا] الإسراء: 31 .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( هذه الآية الكريمة دالة على أن الله _تعالى_ أرحم بعباده من الوالد بولده؛ لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث، وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات، بل كان أحدهم ربما قتل ابنته؛ لئلا تكثر عيلته، فنهى الله _تعالى_ عن ذلك، وقال: [وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ] أي خوف أن تفتقروا في ثاني الحال؛ ولهذا قدم الاهتمام برزقهم، فقال: [نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ].
وفي الأنعام: [وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ] الأنعام: 151، أي: من فقر [نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ] الأنعام: 151 .
وقوله: [إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡٔٗا كَبِيرٗا] أي: ذنباً عظيماً ) ([911]).
وجاء في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود _رضي الله عنهما_ قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟
قال: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ) . قلت: ثم أي؟ قال: ( أن تقتل ولدك؛ خشية أن يطعم معك ) قلت: ثم أي؟ قال: ( أن تزني بحليلة جارك ) ([912]).
ثانياً: ما جاء في الشريعة من استحباب طلب الولد: قال الله _تعالى_: [فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ] البقرة: 187 .
عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ في تفسير قوله _تعالى_: [وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ] قال: ( هو الولد ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا الولود الودود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) ([913]).
ثالثاً: أن الشرع جاء بالنهي عن التسخط بالبنات: حيث بيَّن الله _عز وجل_ في كتابه أن التسخط بالبنات من أخلاق أهل الجاهلية الذين ذمهم الله بقوله: [وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيم] النحل: 58 .
رابعاً: أن الشرع أوجب على الأم إرضاع طفلها، كما أوجب على الأب أن ينفق على هذه الأم؛ لتتمكن من إرضاع هذا الطفل حتى لو طلقها زوجها في أثناء فترة الرضاع، قال الله _عز وجل_: [وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ] البقرة: 233 .
خامساً: ترتب الثواب الجزيل على حسن تربية الأطفال حتى يكبروا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا ) وضم أصابعه([914]).
ومعنى قوله: ( من عال جاريتين ) : أي قام عليهما بالمؤونة، والتربية، والإصلاح.
وقال _عليه الصلاة والسلام_: ( من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جِدَتِهِ كن له حجاباً من النار يوم القيامة ) ([915]).
ومعنى ( من جدته ) : أي من غناه.
بل بيَّن _عليه الصلاة والسلام_ أن النفقة على الأهل أعظم أجراً من أي نفقة، قال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ) ([916]).
قال أبو قلابة _أحد رواة الحديث_: ( وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار يُعِفُّهم، أو ينفعهم الله به ويغنيهم ) .
وقال _عليه الصلاة والسلام_: ( دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً للذي أنفقته على أهلك ) ([917]).
سادساً: أن القيام على الأولاد أمانة يسأل عنها الإنسان يوم القيامة؛ فإن أحسن القيام بتلك المسؤولية فله الثواب الجزيل، وإن فرَّط خشي عليه من العقاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته... والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ) ([918]).
سابعاً: أن الإسلام أولى اليتيم عناية بالغة: حيث عظم من شأن الاهتمام به، ورغب في الإحسان إليه، وحذّر من الإساءة إليه، وتعنيفه، والنصوص من الكتاب والسنة في هذا السياق لا تكاد تحصى كثرة.
ومن ذلك أن الله _عز وجل_ قال في معرض الحديث عن صفات أهل الجنة: [وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا] الإنسان: 8 .
وقال _عز وجل_ منبهاً إلى مزيد العناية باليتيم: [فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ] الضحى:9 .
وقال محذراً من أكل مال اليتيم: [إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا] النساء: 10 .
وقال ذاماً من لا يكرم اليتيم: [كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ] الفجر: 17 .
وقال في حق من يهين اليتيم: [أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ١ فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ] الماعون.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً عظم منزلة كافل اليتيم: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) وأشار بأصبعيه: السبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً([919]).
ثامناً: أن الإسلام حرَّم قتل الأطفال في الحرب: فلقد كان النبي _عليه الصلاة والسلام_ يوصي قواد جيشه، ومن تلك الوصايا قوله: ( اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تَغلُّو، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً ) ([920]).
إلى غير ذلك من الوصايا في هذا الصدد، والتي سيمر ذكر بعضها عند الحديث عن الجهاد.
تاسعاً: أن الإسلام حرم ظلم الأطفال داخل كيان الأسرة؛ بحيث يكون التعامل مع الأبناء صغاراً وكباراً جارياً على العدل بلا تفضيل أحد على أحد، يقول الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنه : تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَه على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفعلتَ بولدك هذا كلهم ) قال: لا، قال: ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) .
فَرَدَّ أبي تلك الصدقة.
وفي رواية: ( فلا تشهدني؛ فإني لا أشهد على جور ) ([921]).
والعدل ههنا لا يقتصر على العدل في المال فحسب، بل يشمل العدل في الأمور المعنوية كالعطف، والحنان، والتقريب، وما إلى ذلك.
وبالجملة فإن أحكام الأطفال في الشريعة الإسلامية كثيرة جدًّا؛ فهي شاملة للطفل قبل ولادته إلى أن يشب عن الطوق، ويصبح مكلفاً بالأحكام الشرعية التي تخص البالغين والمكلفين.
وللأطفال حقوق كثيرة كتسميتهم بالأسماء المناسبة، وتعليمهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم، وتجنيبهم ما يضرهم إلى غير ذلك من الأحكام والحقوق التي لا يتسع المقام لذكرها([922]).
المبحث الرابع: بر الوالدين ، ومنزلتهما
تمهيد: في مفهوم بر الوالدين
بر الوالدين ضد العقوق، قال ابن منظور رحمه الله : ( والبر ضد العقوق، والمبَرَّةُ مثله، وبَرِرْت والدي: بالكسر أبَرُّه برَّاً، وقد برَّ والدَه يَبَرُّه ويَبِره بِرَّاً، فَيَبَرُّ على بَرِرْتُ، ويَبِر على بَرَرْتُ ) .
وقال: ( ورجل برٌّ من قوم أبرار، وبارٌّ من قوم بررة، وروي عن ابن عمر أنه قال:إنما سماهم الله أبرارًا؛ لأنهم بروا الآباء والأبناء.
وقال: كما أن لك على ولدك حقًّا كذلك لولدك عليك حق ) ([923]).
المطلب الأول: حق الوالدين ومنزلتهما
حق الوالدين عظيم، ومنزلتهما عالية في الدين؛ فبرّهما قرين التوحيد، وشكرهما مقرون بشكر الله _عز وجل_ والإحسان إليهما من أجل الأعمال، وأحبها إلى الكبير المتعال.
قال الله_عز وجل_:[وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا] (النساء:36).
وقال _تبارك وتعالى_:[وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا] (الإسراء: 23_24).
ثم إن الأحاديث في هذا السياق كثيرة جدًّا، منها ما رواه ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أي العمل أحبُّ إلى الله ؟ قال: ( الصلاة في وقتها ) قلت:ثم أيُّ ؟ قال: ( بر الوالدين ) قلت:ثم أيّ ؟ قال: ( الجهاد في سبيل الله ) ([924]).
ثم إن بر الوالدين مما أقرته الفطر السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية، وهو خلق الأنبياء، ودأب الصالحين.
كما أنه دليل على صدق الإيمان، وكرم النفس، وحسن الوفاء.
وبرّ الوالدين من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل، وعنوان على كمال الشريعة، وإحاطتها بكافة الحقوق.
بخلاف الشرائع الأرضية التي لا تعرف للوالدين فضلاً، ولا ترعى لهما حقًّا، بل إنها تتنكر لهما، وتزري بهما.
وها هو العالم الغربي بتقدمه التكنولوجي شاهد على ذلك؛ فكأن الأم في تلك الأنظمة آلةً إذا انتهت مدة صلاحيتها ضُرب بها وجهُ الثرى.
وقصارى ما تَفَتَّقَتْ عنه أذهانهم من صور البر أن ابتدعوا عيداً سنوياً سموه: (عيد الأم).
حيث يُقدِّم الأبناء والبنات في ذلك اليوم إلى أمهاتهم باقات الورد معبرين لهن عن الحب والبرِّ.
هذا منتهى ما توصولوا إليه من البر، يوم في السنة لا غير!
أين الرعاية ؟ أو أين الترحم ؟ أو أين الوفاء ؟ !
لا علم لهم بتلك المعاني الشريفة الفاضلة، ولا حظّ لها عندهم.
أما حق الوالدين في الإسلام فقد مرّ بك شيء منه، وليس ذلك فحسب، بل إن الإسلام نهى عن العقوق، وحذر منه أشد التحذير، فهو كبيرة من الكبائر، وهو قرين للشرك.
ويكفي في ذلك قوله _تعالى_:[فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا] (الإسراء:23).
فما بالك بما فوق كلمة ( أف ) .
والأحاديث في هذا السياق كثيرة جدًّا، ومنها ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص_رضي الله عنهما_عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكبائر:الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس([925]) ) .
المطلب الثاني: الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الوالدين
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بآداب كثيرة حال التعامل مع الوالدين، ولقد قرر أهل العلم شيئاً من تلك الآداب التي استنبطوها من الكتاب والسنة، ويكفي في ذلك أن يُسْتَحضرَ في ذلك قول الله _تعالى_: [وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ] لقمان: 15 .
فقوله _عز وجل_: [وَصَاحِبۡهُمَا] من ألطف ما يكون في الحث على بر الوالدين؛ ذلك أن الصحبة في هذه الآية تقتضي الملازمة, ومن شأن الملازمة الدوام على تقلب الأحوال؛ فالصحبة الطويلة يعتريها الملل, والفتور؛ فإذا استحضر الولد هذا الإرشاد الإلهي علم أن لوالديه حقًّا عظيماً, فيلزم صحبتهما _ وهما أحق الناس بحسن صحابته _ بالمعروف.
وذلك يشمل الملاطفة, والمشاورة, والمداراة.
ويشمل كذلك مراعاة أدب المحادثة مع الوالدين؛ لأن طول الصحبة يفضي إلى الملل من جرَّاء تكرار الأحاديث, والوقائع؛ فيسمعها الولد بروايات كثيرة متنوعة, مما يضجره, ويجلب له السآمة؛ فإذا لزم حسن الصحبة لم يظهر الملالة سواء خصه الوالد بالحديث, أو كان حاضراً مع أناس يتحدث إليهم الوالد, حتى لو كان الحديث معلوماً للولد,مكروراً على سمعه.
ويشمل كذلك الإكرام بالمال خصوصاً إذا كان الوالد محتاجاً,فكم من الأولاد مَنْ يُقصِّر في هذا الحق إما تكاسلاً، أو غفلةً, أو بخلاً.
وكم من الأولاد من يقول: إن أبي, أو أمي لا يحتاجان إلى شيء؛ فَيَحْرِمُ نفسه من بركة الإنفاق على الوالدين.
وكم من الأولاد من يقول: إن إخواني أو أخواتي يرفدون والديَّ بما يحتاجان إليه؛ فليسا _ إذاً _ في حاجة إلي.
وربما قال ذلك جميع الأولاد, فاعتمد كل واحد منهم على الآخر, فخلت يد الوالدين من أي معونة من الأولاد.
فحري بالولد ألا ينسى نصيبه من رفد والديه, ولو كانا غير محتاجين فضلاً عن كونهما كذلك.
وجدير به أن يبادر إلى ذلك ولو كان إخوانه يقومون به [وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ] المطففين: 26 .
ومن حسن الصحبة أن يعين والده على البر والصدقات والإحسان؛ فيحدث أحياناً أن يكون الوالد ثرياً محسناً، ولكنه لا يوفق بأولاد يعينونه على البر والإحسان، بل ربما قطعوا عليه الطريق، وخذلوه عن الخير؛ فإذا هَمَّ بالمعروف قالوا له: مهلاً؛ إما خوفاً من ضياع مال والدهم _ كما يزعمون _ وإما رغبة في زيادة الميراث، أو شحاً بالخير، أو غير ذلك؛ فحقيق على الأولاد ألا يقفوا حجر عثرة في طريق والدهم، بل عليهم أن يعينوه على الخير.
ومن صور الصحبة السفر مع الوالدين، والرحلة معهما.
ومن صور المصاحبة في المعروفِ القيامُ بإكرام ضيف الوالد, والحرص على راحته حال قدوم الضيف.
ومن ذلك صحبة الوالد إذا طلب منك الصحبة لأي مكان، أو أناس ما لم يكن في ذلك مأثم.
ومن ذلك أن تُعرِّف أصحابك على والدك؛ حتى يطمئن على سيرك، ويأنس بأصحابك إذا زاروك.
ومن ذلك قضاء حوائج الوالد _ أباً أو أماً _ بكل ارتياح ونشاط وتَدَفُّع.
ومن ذلك ملاحظتُه في علاجه، ومراجعاته، ومرافقته في المستشفى إن احتاج إلى ذلك.
ومن ذلك ألا يتأفف الولدُ إذا أمره والده دون إخوانه، بل عليه أن يفرح بذلك، بل يجمل به أن يبادر إلى التنفيذ ولو لم يؤمر.
ويحسن به أن يتحمل جفوة الوالد، وقسوته، وتغير مزاجه.
وجماع حسن الصحبة للوالدين أن يحرص الولد على إدخال السرور عليهما, وأن يبتعد عن كل ما يكدِّر خاطرهما.
فهذه إشارات مما حملته الآية الكريمة من معان, أما تفاصيل الحديث عن البر فليس هذا مجالها([926]).
المبحث الخامس: الأبناء في الإسلام حقوق وواجبات
تمهيد
مر في المبحث الماضي شيء من الواجبات على الأبناء تجاه والديهم.
وفيما يلي بيان لشيء من حقوق الأبناء على والديهم؛ فالأولاد أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسؤولان عن تلك الأمانة، والتقصير في تربية الأولاد خلل واضح، وخطأ فادح; فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، وهو اللبنة التي يتكون من أمثالها بناء المجتمع، وفي الأسر الكريمة الراشدة التي تقوم على حماية حدود الله وحفظ شريعته، وعلى دعائم المحبة والمودة والرحمة والإيثار والتعاون والتقوى _ ينشأ رجال الأمة ونساؤها، وقادتها، وعظماؤها.
والولد قبل أن تربيه المدرسة والمجتمع _ يربيه البيت والأسرة، وهو مدين لأبويه في سلوكه الاجتماعي المستقيم، كما أن أبويه مسؤولان إلى حد كبير عن انحرافه الخلقي([927]) .
قال ابن القيم رحمه الله : ( وكم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء ) ([928]) .
وكما أن للوالدين حقًّا على الأولاد _ فكذلك للأولاد حق على الوالدين، وكما أن الله _عز وجلّ_ أمرنا ببر الوالدين _ فكذلك أمرنا بالإحسان إلى الأولاد، فالإحسان إليهم، والحرص على تربيتهم _ أداءٌ للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقوقهم _ غش وخيانة.
ولقد تظاهرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة_آمرةً بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم، محذرة من إهمالهم والتقصير في حقوقهم.
قال _سبحانه وتعالى_: [إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا] (النساء: 58 ).
وقال: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ] (الأنفال: 27 ).
وقال: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ] (التحريم: 6)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته; فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته ) ([929]) .
وقال: ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) ([930]) .
ومن حق الأولاد على والديهم أن يدعوا لهم، وأن يسموهم بالأسماء الحسنة، وأن يغرسوا في نفوسهم الإيمان والعقيدة الصحيحة، وأن يربوهم على مكارم الأخلاق، و حميد الخصال([931]).
هذا وقد مر شيء من حقوق الأبناء على الأولاد عند الحديث عن حقوق الطفل في الإسلام.
الباب السابع
موقف الإسلام من بعض القضايا المعاصرة
تمهيد
الحديث في هذا الباب سيدور حول قضايا معاصرة يكثر الحديث عنها، وقد يساء إلى الإسلام بسبب الجهل بها، وبموقف الإسلام منها.
والقضايا التي سَتُطْرَقُ في الباب ستكون عبر الفصول الآتية:
الفصل الأول: الإسلام، والعقل، والعلم، والعمل.
الفصل الثاني: الإسلام، والصحة العامة، والنظافة.
الفصل الثالث: قضايا الإسلام والتعايش، والتسامح، والإكراه، والعنف، والإرهاب.
الفصل الرابع: الجهاد في الإسلام.
الفصل الأول
الإسلام والعقل، والعلم، والعمل
المبحث الأول: موقف الإسلام من العقل
لقد مرَّ في أبواب سابقة حديث عن العقل، وعظيم منزلته في الإسلام، ودلالته على كثير من مسائل الإيمان.
والحديث ههنا سيكون مزيد بيان عن العقل، وموقف الإسلام منه، وذلك من خلال ما يلي:
أولاً: مفهوم العقل: أ ـ تعريف العقل: هو نور روحاني، به تدرك النفس العلوم الضرورية، والنظرية.
هذا تعريف العقل عند صاحب القاموس ([932]).
ويقول الأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين في بيان ماهية العقل: هو أحد غرائز النفس، أو قوة من قُواها تُمكِّنها من إدراك المعاني والحقائق([933]).
ب ـ ابتداء وجود العقل: يقول الفيروز بادي: ( وابتداء وجوده عند اجتنان الولد، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ ) ([934]) .
ج ـ من إطلاقات العقل: يطلـق العقل على العلم، أو بصفات الأشياء من حسنها وقبحها، وكمالها ونقصانها.
أو العلم بخير الخيرين وشرِّ الشرَّين، أو مطلقٌ لأمور أو لقوة بها يكون التميز بين القبيح والحسن، ولمعان مجتمعة بمقدمات يستتب بها الأغراض والمصالح، ولهيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه.
د ـ مَنِ العاقل؟: هو الجامع لأمره، الذي يحبس نفسه عن هواها.
هـ ـ لم سمي العقل بهذا الاسم؟: لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، ويحجزها عما لا ينبغي من اعتقاد فاسد، أو فعل قبيح([935]).
ثانياً: منزلة العقل في الإسلام: لقد أعلى الإسلام منزلة العقل، ورفع مناره؛ فالعقل في الإسلام أساس التكليف، ومناط الأهلية.
والقرآن الكريم مليء بالأمر بالتعقل، والنظر، والتدبر، والثناء على من كانوا كذلك.
كما أنه مليء بذم الذين عطلوا عقولهم، وركنوا إلى التقليد الأعمى، واتبعوا ما ألفوا عليه آباءهم من غير ما بينة أو أثارة من علم([936]).
ثالثاً: وظيفة العقل: العقل نور أودعه الله في الإنسان؛ ليكشف له الأشياء، والحقائق الواقعة، وليفهم به عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولينظر من خلاله في ملكوت السموات والأرض، وليدرك به أسرار الكون، ويتدبر في نفسه وآيات الله من حوله، ويصل من خلاله إلى كثير من أمور الاعتقاد في حدود طاقته، ويبحث من طريقه إلى ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه([937]).
هذه ـ بإجمال ـ وظيفة العقل.
رابعاً: حدود العقل: فمع أن الإسلام ينظر تلك النظرة العظيمة للعقل، ومع أن للعقل وظيفته العظمى ـ كما مر ـ إلا أن الإسلام يحدد مجال العقل، وذلك صوناً للطاقة العقلية أن تتشتت أو تتبدد وراء الأمور الغيبية التي لا يستطيع العقل إدراكها أو الوقوف على حقيقتها، كالذات الإلهية، والروح، والجنة، والنار، وكيفية صفات الله ـ عز وجل ـ وغيرها؛ ذلك أن العقل البشري له مجاله الذي يعمل فيه؛ فإذا ما حاول أن يتخطى هذا المجال فإنه سَيَضِل ويتخبط في متاهات لا قبل له بها؛ فمجال العقل كل ما هو محسوس.
أما الغيبيات التي لا تقع تحت مداركه فلا مجال للعقل أن يخوض فيها، ولا يخرج عما دلت عليه النصوص الشرعية في شأنها.
خامساً: العقل في مجال العقيدة: لا يجوز تعطيل العقل في مجال العقيدة وغيرها؛ إلا أنه لا يجوز للعقل ـ كما مر ـ أن يتجاوز وظيفته، ويجنح في أودية الخيال الفاسد، ويتيه مع الأوهام الكاذبة؛ فالخيال والوهم لا يصلحان أساساً للعقيدة والمعرفة الصحيحة.
والعقيدة الإسلامية حقيقة ثابتة دل عليها الشرع بالقواطع من الأدلة النقلية.
والعقل السليم لا يعارضها على القاعدة التي تقول:
( العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ) .
فإذا كان العقل هو الذي دلنا على معرفة الله ـ عز وجل ـ وعلى أن محمداً رسول الله حقًّا ـ فإن أي معارضة تُفْرَض بين العقل وما جاء في الكتاب والسنة، أو رَدّ خبر الله، وخبر رسوله؛ بحجة مخالفتها للعقل ـ تعد مناقضة صريحة لما دل عليه العقل نفسه([938]) .
سادساً: بين العقل والنقل: القاعدة العريضة العامة المشهورة تقول: ( العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ) .
والعقل الصريح: هو الخالي من الشبهات والشهوات، والنقل الصحيح هو السالم من العلل والقوادح.
القاعدة الأخرى تقول: ( إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل ) ([939]).
سابعاً: الإسلام يحفظ العقول ويرتقي بها: ولهذا حرم الإسلام الخمر، والمخدرات تحريماً لا هوادة فيه، وحرم كل ما يؤدي إلى فساد العقل.
وكما أن الإسلام ارتقى بالعقول، وأبعدها عن التناقض، وحمى معتنقيه من الفوضى الفكرية، والضياع، والتخبط؛ فهو دين واضح سهل ميسور، مفتوح لكل أحد.
المبحث الثاني: الإسلام والعلم
الإسلام دين العلم والحقيقة، بل إن الإسلام عدو الجهل والخرافة، والقرآن الكريم والسنة النبوية قائمان على العلم الصحيح، وفيما يلي بيان لبعض مظاهر التوافق بين الإسلام والعلم.
أولاً: أن الإسلام جعل طلب العلم فريضة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) ([940]).
ولا ريب أن الناس يتفاوتون في مداركهم؛ ويجب على بعضهم من العلم ما لا يجب على بعضهم الآخر؛ غير أن الواجب الذي لا يعذر به أحدٌ هو ما يقيم به الإنسان دينه، وما افترضه الله عليه.
ثانياً: أن أول كلمة نزلت من القرآن الكريم كانت أمراً بالعلم: فمن المعلوم أن أول سورة أنزلت من القرآن الكريم كان سورة العلق، وأن أول كلمة منها هي قوله _تعالى_: [ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ] العلق: 1 .
وفي هذا إيماء إلى أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستصير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم([941]).
ثالثاً: أن الله _عز وجل_ نوَّه بالعلم وأهله: قال _عز وجل_: [أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ] الرعد: 19 .
فانظر كيف قرن الجهل بالعمى؟
وقال _عز وجل_: [يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ] المجادلة: 11 .
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_: ( العلماء فوق المؤمنين مائة درجة، ما بين الدرجتين مائة عام ) ([942]).
ولا ريب أن أول ما يدخل في مفهوم العلم في نصوص الشرع هو العلم الشرعي، ولكن يدخل في ذلك كل علم نافع؛ والعلم النافع الذي دل عليه الكتاب والسنة هو كل علم أثمر الثمار النافعة، وأوصل إلى المطالب العالية، فكل ما زكى الأعمال، ورقى الأرواح وهدى إلى السبيل _ فهو من العلم النافع، لا فرق في ذلك بين ما تعلق بالدنيا أو بالآخرة؛ فشرف الدين لازم لشرف الدنيا، وسعادة المعاش مقترنة بسعادة المعاد.
والشريعة بكمالها وشمولها أمرت بتعلم جميع العلوم النافعة من العلم بالتوحيد وأصول الدين، ومن علوم الفقه والأحكام، ومن العلوم العربية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والحربية، والطبية، إلى غير ذلك من العلوم التي يكون بها قوام الأمة، وصلاح الأفراد و المجتمعات.([943])
رابعاً: أن الإسلام يتفق مع الحقائق العلمية: فالحقائق العلمية تشهد للقرآن والسنة بالصحة؛ فمع اتساع علوم الطبيعة وما استجد من العلوم العصرية لم يأت علم صحيح ينقض شيئاً مما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، مع أن الذي جاء بتلك الحقائق نبينا محمد الأمي صلى الله عليه وسلم ([944]).
فالعلم الصحيح لا يناقض النقل الصحيح، بل يتفق معه تمام الاتفاق، كما لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة _ فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً([945]).
وهذا ما قرره العلماء في القديم والحديث، ولقد بنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) على هذه القاعدة.
بل لقد صرح كثير من الكتاب الغربيين بهذه الحقيقة، ومنهم الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم).
حيث قرر في ذلك الكتاب أن التوراة والإنجيل المحرفين الموجودين اليوم يتعارضان مع الحقائق العلمية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكاتب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآن العلم الحديث.
وأثبت من خلال ذلك أن القرآن لا يتعارض أبداً مع الحقائق العلمية، بل يتفق معها تمام الاتفاق([946]).
خامساً: تضافر البراهين الحسيَّة، والعلميَّة، والتجريبيَّة على صدْق ما جاء به الإسلام حتى في أشد المسائل بُعداً عن المحسوس، وأعظمها إنكاراً في العصور السابقة.
خذ على سبيل المثال قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أُولاهنَّ بالتراب ) ([947]).
ولقد جاء الطب باكتشافاته ومكبراته فأثبت أن في لعاب الكلب ميكروباتٍ وأمراضاً فتَّاكة لا يزيلها الماء وحده، وأظهرت البحوث العلمية الحديثة أنه يحصل من إنقاء التراب لهذه النجاسة ما لا يحصل بغيره.
وجاء _ أيضاً _ أن شرب الكلب في الإناء يسبب أمراضاً خطيرة، فالكلب كثيراً ما تكون فيه ديدان مختلفة الأنواع، ومنها: دودة شريطية صغيرة جدًّا، فإذا شرب في إناء، أو لمس إنسان جسد الكلب بيده أو بلباسه انتقلت بويضات هذه الديدان إليه، ووصلت إلى معدته في أكله، أو شربه، فتثقب جدرانها، وتصل إلى أوعية الدم، وتصل إلى الأعضاء الرئيسة، فتصيب الكبد، وتصيب المخ، فينشأ عنه صداع شديد، وقيءٌ متوالٍ، وفقد للشعور، وتشنجات، وشلل في بعض الأعضاء، وتصيب القلب، فربما مزَّقته، فيموت الشخص في الحال([948]).
بل إنه قد ثبت أن جميع أجناس الكلاب لا تسلم من الإصابة بهذه الديدان الشريطية؛ فيجب إبعادها عن كل ما له صلة في مأكل الإنسان أو مشربه([949]).
وسيأتي مزيد بيان وأمثلة على ذلك في الفصل الثاني من هذا الباب.
سادساً: أن العلوم الطبيعية تؤيد الإسلام، وتؤكد صحته على غير علم من ذويها؛ مثال ذلك: تلقيح الأشجار الذي لم يُكتَشف إلا منذ عهد قريب، وقد نصَّ عليه القرآن الذي أُنزل على النبي الأمي منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً في قوله _تعالى_: [وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ] (الحجر: 22)، وكذلك قوله _ تعالى _: [وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ] (ق: 7)، وقوله: [وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ] (الذاريات: 49)، وقوله: [سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا] (يس: 36).
فهذا كلام رب العالمين في القرآن قبل أن تبيِّن لنا العلوم الطبيعية أن في كل نبات ذكراً وأنثى.
ولقد اعتنق بعض الأوربيين الإسلام لما وجد وصف القرآن للبحر وصفاً شافياً مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر طول عمره، وذلك مثل قوله _ تعالى _: [أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ]([950]) (النور: 40).
فهذا شيء مما يبين أن الإسلام دين العلم، وسيأتي مزيد بيان لذلك في المباحث التالية.
المبحث الثالث: الإسلام والعمل
تمهيد: في مكانة العمل ومفهومه في الإسلام
أولاً: مكانة العمل في الإسلام:
الإسلام دين العزة, والكرامة, ودين السمو, والارتفاع, ودين الجد, والاجتهاد؛ فليس دين ذلة ومسكنة, ولا دين كسل وخمول ودعة.
ولقد تبوأ العملُ قيمةً حضاريةً عاليةً, ونظرة متميزة في الدين الإسلامي؛ فقد رسم له الإسلام منهجاً رائعاً متكاملاً, يقوم على مراعاة التوازن بين حقوق العمال, وحقوق أصحاب العمل على حد سواء.
ويؤكد سبق الإسلام في الدعوة إلى مراعاة حقوق الإنسان وتكريمه, والرفع من شأنه؛ ليكون عضواً فاعلاً في هذه الحياة.
ولقد كان نظام العمل من الأمور التي أَوْلَتْها الحضارةُ الإسلامية رعاية واهتماماً, وذلك بمتابعة المستجدات حول هذا النظام, ومواكبتها بالأحكام والضوابط، والحرص على مراعاة احتياجات العامل وصاحب العمل.
وكان من بوادر تنظيم العمل في الإسلام نظرةُ التكريم للعاملين, والدعوة الصريحة إلى العمل المهني, واعتباره وسيلةً شريفةً ساميةً لكل قادر عليه, وسمةً من سمات المسلمين المنتسبين للعيش في حياة كريمة ([951]).
وهذا ما سيتبين في الفقرات التالية.
ثانياً: مفهوم العمل في الإسلام وما يلحق به:
الحديث ههنا سيدور حول تعريف العمل, وما يلحق به, ويرتبط به من مصطلحات ذات علاقة مباشرة بالعمل, أو صاحب العمل.
وهي مصطلحات مترادفة متداخلة تؤدي معاني متقاربة كالصناعة, والحرفة, والمهنة.
أ_ تعريف العمل: يمكن أن يعرف العمل بشموله بأنه: الطريق المباح للكسب الحلال الضروري لاستقامة الحياة الذي يشمل على جهد يقوم به الإنسان لتحقيق منفعة خاصة به, أو متعدية إلى غيره مقابل أجر يحصل عليه العامل.
وهذا الجهد يمكن أن يكون ذهنياً, أو يدوياً, أو فنياً, أو بدنياً، أو غير ذلك سواء كان لشخص, أو لجهة عامة, أو خاصة.
ب_ تعريف الصناعة: هي نشاط يترتب عليه إنتاج محسوس له مردود اقتصادي, أو يخدم منفعة معينة.
ج_ تعريف الحرفة: تطلق على كل عمل يقوم به الإنسان, ويتطلب مهارة معينة مكتسبة, وربما يتخصص به المحترف دون غيره.
د_ تعريف المهنة: المهنة تستخدم في الغالب للتعبير عن مصدر رزق الشخص, فيقال: فلان مهنته كذا, أو أنه امتهن هذه الحرفة، أو تلك.
فهذه المصطلحات تتصل اتصالاً مباشراً بالعامل ومصدر رزقه مقابل قيامه بمهمة أُوكلت إليه, وإن اختلفت تلك المفهومات في استخدامها؛ فإنها تؤدي إلى مدلولات متقاربة ترمز إلى مصطلح العمل بمفهومه العام([952]).
وبعد أن تبين شيء من مكانة العمل ومفهومه في الإسلام ينتقل الحديث إلى نظرة الإسلام, وموقفه من العمل, وذلك من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: دعوة الإسلام إلى العمل
لقد كانت دعوة الإسلام إلى العمل صريحة قوية, وذلك من خلال ورود تلك الدعوة في كثير من آيات الكتاب العزيز والسنة النبوية.
وسيتضح من خلال ما يلي ما يؤكد ذلك.
أولاً: دعوة القرآن الكريم إلى العمل: لقد تظاهرت الآيات القرآنية المؤكدة على مشروعية العمل, وأهميته, ومدى الحاجة إليه.
ولقد تنوعت دلالة تلك الآيات تنوعاً كثيراً يؤكد مكانه العمل في الإسلام, وإليك طرفاً مما ورد في القرآن الكريم بشأن العمل.
1_ أن تلك الدعوة جاءت بصيغة الحث على المشي في الأرض؛ والضرب فيها, والسعي والانتشار؛ ابتغاء الرزق الحلال: قال الله _تعالى_: [هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ] الملك: 15 .
وقال الله _تعالى_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ] الجمعة.
وقال _ عز وجل_: [وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَۗ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ] الأعراف: 10 .
وقال _ جل وعلا_: [وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا] النبأ: 11 .
2_ أن القرآن ارتفع بالعمل, والسعي في طلب الرزق إلى مصاف العبادات الكبرى؛ حيث قرنه بالجهاد في سبيل الله, قال _ عز وجل_ في معرض الثناء على المؤمنين: [وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ] المزمل: 20 .
3_ أن القرآن أشاد بعمل اليد, وعدَّه نعمةً يُستوجب شكرها, قال _عز وجل_: [لِيَأۡكُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡۚ أَفَلَا يَشۡكُرُونَ] يس: 35 .
4_ أن القرآن نوَّه بشأن كثير من الصناعات الضرورية للحياة, كما في قول الله _عز وجل_: [وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ] الحديد: 25 .
وقال ممتناً على نبيه دواد _عليه السلام_: [وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ١٠ أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ] سبأ .
والسابغات: هي الدروع, كما في قوله_ تعالى_ عن داود _ عليه السلام_: [وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ] الأنبياء: 80.
وقال _ عز وجل_ في صناعة الجلود: [وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ] النحل: 80 .
وقال في صناعة الأكسية: [وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ] النحل: 80 .
أي: من أصواف جلود الأنعام, وأوبارها, وأشعارها.
وأشار القرآن إلى اتخاذ البيوت مساكن كما في قوله _تعالى_: [وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا] النحل: 80.
وفي بناء القصور يقول _عز وجل_: [وَبَوَّأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُيُوتٗاۖ] الأعراف: 74 .
وقال آمراً نوحاً _عليه السلام_ بصناعة الفلك: [وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا] هود: 37 .
وقال مثنياً على خاصة المؤمنين: [رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ] النور: 37 .
فلم يقل إنهم لا يتاجرون, وإنما ذكر أن التجارة لم تكن تلهيهم عن ذكر الله وإقامة الصلاة.
فهذه الآيات وغيرها كثير تُعَدُّ دعوة إلى العمل, والحث عليه, وتؤكد مشروعية اتخاذ الأسباب, والاكتساب المباح عن طريق العمل على اختلاف أنواعه([953]).
ثانياً: الدعوة إلى العمل في السنة النبوية: لقد جاءت السنة القولية والعملية بالدعوة إلى العمل, وإلى تغيير النظرة الخاطئة لدى العرب قبل الإسلام, سواء بالتوجيه المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم أو بتطبيق أمور يُخالِف بها مفهوماً شائعاً عند الناس؛ حتى يرى أصحابه ذلك منه, ومن ثم يقتدون به, وينقلون ذلك عنه إلى الناس.
ولقد خَصَّصت معظمُ كتبِ السنة أبواباً عن الكسب والعمل باليد؛ فقد أفرد الإمام البخاري في كتابه الصحيح باباً سماه (باب في كسب الرجل, وعمله بيده).
كما وضع ابن ماجة في سننه باباً (في الحث على المكاسب) وباباً (في الصناعات) ووضع الدارمي في سننه باباً سماه (باب في الكسب, وعمل الرجل بيده).
وغيرهم كثير من أصحاب الكتب التي دونت السنة النبوية.
وقد أوردوا تحت هذه الأبواب العديد من الأحاديث التي تحث المسلمين على العمل, واكتساب المال عن طريق بعض الأعمال والحرف([954]).
ومن الأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن ما روته أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_ أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عمالَ أنفسهم, وأنه كان يكون لهم أرواح([955])؛ فقيل لهم: لو اغتسلتم ) ([956]).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده, وما أنفق الرجل على نفسه, وأهله, وولده, وخادمه فهو صدقة ) ([957]).
وفي مواضع كثيرة بين النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل من أشرف وسائل الارتزاق, وفي هذا الصدد يقول: ( إن خير الكسب كسب يدي عامل إذا نصح ) ([958]).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث كثيراً إلى أصحابه حديثاً يحبب إليهم العمل, ويحثهم عليه؛ فكان يذكِّر أصحابه بأنه كان يعمل بالرعي, وأن الأنبياء _عليهم السلام_ كانوا يحترفون لأنفسهم؛ للكسب والتعفف عن أموال الناس؛ حيث كان لكل واحد منهم حرفة يعيش بها؛ فكان آدم حراثاً وحائكاً, وكان إدريس خياطاً, وكان نوح وزكريا نجارين, وكان أيوب زراعاً, وكان يونس وشعيب ومحمد _ عليهم السلام_ رعاةً للغنم([959]).
بل يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من نبي إلا رعى الغنم, وقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله قال: ( وأنا كنت أرعاها لأهل مكة على قراريط ) ([960]) ([961]).
وكان من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم في بيته بِمَهْنةِ أهله يفلي ثوبه, ويحلب شاته, ويرقع ثوبه, ويَخْصِفُ النعل, ويخدم نفسه, ويَقُمُّ بيته, ويعلف بعيره, ويطحن مع أهله, ويحمل بضاعته من السوق, ويَنْحَرُ ذبائحه إلى غير ذلك من الأعمال التي كان _عليه الصلاة والسلام_ يقوم بها؛ تواضعاً منه, وحثاً لأصحابه, وأمته على العمل, وبياناً لفضله([962]).
وبالجملة فإن الأحاديث التي تحث على العمل, وتمجِّده, وترفع من شأن العاملين كثيرة جدًّا, وكلها توجيه للأمة نحو العمل والكسب الحلال؛ فكان لهذه التوجيهات أبلغ الأثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه كثير منهم إلى عمل يعمله, ويتكسب من خلاله([963]).
المطلب الثاني: نهي الإسلام عن الكسل والبطالة واستجداء الناس
لم يكتف الإسلام بالدعوة إلى العمل , والتحفيز إليه, والتذكر بفضله, بل _مع ذلك_ حذَّر أشد التحذير من البطاله, والكسل, والقعود, والتواكل, والاستسلام للفقر, واستجداء الناس؛ فكل قادر على العمل مطالب في شريعة الإسلام بأنه يسعى, ويبذل جهده في سبيل طلب الرزق.
ولا ريب أن ذلك مما يرفع من شأن المسلم, ويزرع في نفسه العزة والكرامة, ويجتث منها منابت السقوط والمهانة.
ومن تربية الإسلام للمسلمين على هذا الخلق _ أن وجههم لكسب الرزق المباح عن طريق الكدح, والعمل, والمشي في مناكب الأرض؛ حتى يعف الإنسان نفسه ويستغني عن غيره.
كما وجههم في المقابل إلى أن يترفعوا عن مسألة الناس ونفَّرهُم من ذلك الخلق الذميم ما لم تَدْعُ الضرورة إلى ذلك وعلَّمَهُم أن اليدَ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى؛ فمنع القادر على الكسب من بسط كفه؛ للاستجداء إذا كان في استجدائه إراقة لماء وجهه بين يدي من تكون يده هي العليا.
بل إن من أحكام الشريعة إباحةَ التيمم للمكلف، وعدمَ إلزامه بقبول هبة الماء للوضوء؛ لما في ذلك من المنّة التي تنقص حظاً وافراً من أطراف الهمة الشامخة.
بل ومنها عدم إلزامه باستهابة ثوب يستر به عورته في الصلاة.
وأبيح له أن يصلي عارياً؛ صيانةً لضياء وجهه من الانكساف بسواد المطالب.
ومن الأحكام القائمة على رعاية هذا الخلق أن التبرعات لا تتقرر إلا بقبول المتبرع له؛ فلو وهب شخص لآخر مالاً لم تنعقد الهبة إلا أن يقبلها الموهوب له؛ إذ قد يربأ به خلق العزة عن قبولها؛ كراهة احتمال مِنَّتها, والمنة تصدع قناة العزة؛ فلا يحتملها ذوو المروءات إلا حال الضرورة ولا سيما منة تجيء من غير ذي طبع كريم، أو قدر رفيع([964]).
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب فيكف الله به وجهه خير من أن يسأل الناس أعطي أو منع ) ([965]).
وقال: ( ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه, وما لا فلا تتبعه نفسك ) ([966]).
وقال: ( من يستغن يغنه الله, ومن يستعفف يعفه الله, ومن يتصبر يصبره الله, وما أعطي أحد خيرا وأوسع من الصبر ) ([967]).
وقال_عليه الصلاة والسلام_: ( من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا؛ فليستقل, أو يستكثر ) ([968]).
وعن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: ( تحمَّلت حَمَالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: ( أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ) .
قال: ثم قال: ( يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ( أو قال سِداداً من عيش ) ، ورجل أصابته فاقةٌ حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقةٌ فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ( أوقال: سداداً من عيش.
فما سواهن من المسألة ياقبيصة سحتا يأكلها صاحبها سُحتاً ) ([969]).
بل لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم نفراً من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً.
ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم مع طائفة من أصحابه أَسَرَّ إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كلمة خفية: ( ألا تسألوا الناس شيئاً ) ([970])؛ فكان أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه ) .
المطلب الثالث: القواعد المنظمة للعمل في الإسلام
لقد أرسى الإسلام القواعد المنظمة للعمل, ونظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل, وضبط تلك العلاقة بما يسمى في الفقه الإسلامي بالعقد, وجعلها تقوم على أساس قوي من الوضوح, وضمان الحقوق كاملة.
وفي المقابل أكد أهمية التزامه بمجموعة من الواجبات التي تضمن لصاحب العمل حقوقه.
كما ترك الإسلام الحرية التامة للإنسان في اختيار ما يناسبه من أعمال في حدود ما تبيحه الشريعة الإسلامية, وبما يعود على العامل ومجتمعه بالخير العميم.
وفيما يلي ذكر لبعض القواعد المنظمة للعمل في الإسلام على سبيل الإجمال؛ لأن المقام لا يحتمل التفصيل([971]):
أولاً: عقد العمل: وهذا العقد يشتمل على أركان أربعة وهي: العامل, وصاحب العمل, والعمل المتفق عليه، وأجر ذلك العامل.
ويمكن أن يشار هنا إلى أبرز الأمور التي يجب أن يشتمل عليها عقد العمل فيما يأتي:
1_ بيان نوع العمل: وهو أمر جوهري في تمام العقد, فالإجارة على المجهول فاسدة.
2_ بيان المدة أو الزمن المشروط لإنفاذ العمل: وهو أمر مهم في تمامِ العقدِ, وعَدَمُه يؤدي إلى التنازع في الغالب.
3_ بيان الأجر: وهو من أهم الأمور التي ينشدها العامل في إقدامه على العمل, وهو حقٌ شرعيٌ ثابتٌ له فلابدّ من اشتمال العقد على الأجر المتفق عليه([972]).
ثانياً: حقوق العمال وواجباتهم: 1_ حقوق العمال: ويمكن إجمال أبرز تلك الحقوق بما يلي:
أ_ استيفاء الأجر: وهو إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه بعد أدائه ما كلف به.
ب_ مراعاة كرامة العامل, وعدم تكليفه ما لا يطيق.
ج_ تأمينه من إصابات العمل, وتعويضه عن الضرر, ويمكن أن يلحق بذلك الاهتمام بصحة العامل, وغذائه, ومسكنه.
ولا ريب أن هذه الحقوق التي قررها الإسلام للعمال هي موضع أمان, واطمئنان لهم, وحفز لمزيد من العطاء والجد ([973]).
2_ واجبات العمال: في مقابل الحقوق التي ضمنها الإسلام للعاملين أكد أهمية التزام هؤلاء بمجموعة من الواجبات التي من أهمها ما يلي:
أ. الإخلاص في العمل، والأمانة، ومراقبة الله _عز وجل_.
فإذا كان صاحب العمل مسؤولاً فإن العامل مؤتمن ومسؤول أمام الله القائل: [إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا] النساء: 58 .
والقائل: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ] الأنفال: 27 .
ب. الإتقان، والقيام بالعمل وفْق ما هو متفق عليه.
ويتأتى ذلك بإحكام العمل، وإجادته دون إهمال أو تقصير.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) ([974]).
ومن إتقان العمل حسن رعايته، والشعور بالمسؤولية تجاه ما يوكل إليه من عمل.
ج. حفظ أسرار المهنة، والحرص على مصلحة من ائتمنه من أسرار، والحذر من إفشاء سر من أسراره.
د. أن يقنع بالأجر الذي تم الاتفاق عليه مع صاحب العمل دون مساس بمال صاحب العمل([975]).
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فغلول ) ([976]).
ثالثاً: تحريم العمل غير المشروع: فهذا هو أحد القواعد في العمل في الإسلام؛ فإذا كان الإسلام يحفز على العمل، ويدفع الناس إليه حتى يعيشوا أعزة كرماء _ فإنه ينأى بهم عن الأعمال المحرمة، قال الله _عز وجل_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ] البقرة:172 .
ومعنى ذلك أنه لا يجوز للمسلم أن يعمل أي عمل يعده الشرع معصية.
كما أن الإسلام حرم على الإنسان أي عمل يجلب الضرر على الإنسان نفسه، أو على مجتمعه([977]).
فهذا شيء من موقف الإسلام من العمل.
الفصل الثاني
الإسلام والصحة العامة والنظافة
المبحث الأول: الإسلام والصحة العامة
الإشارة إلى نظرة الإسلام إلى الصحة, واهتمامه بها, ودلالتها على ما يحفظ الصحة قد مرت عند الحديث عن آثار الإيمان بأركان الإيمان الستة, وعن الحديث عن أركان الإسلام, وما يستتبع ذلك من حفظ الصحة البدنية, والنفسية.
كما مر الحديث عن ذلك عند الحديث على أضرار المعاصي, وعن آثارها المدمرة على صحة الإنسان, ونفسيته, وأن تركها يحفظ على الإنسان صحته, وطُمأنينة نفسه؛ إلى غير ذلك مما مرت الإشارة إليه في أبواب سابقة.
والحديث ههنا إكمال لما مضى, وإلقاء للضوء على شيء من ذلك القبيل, فلقد وردت في حفظ الصحه إشارات, وإرشادات في الكتاب العزيز, والسنة النبوية فمن ذلك ما يلي:
أولاً: أن الإسلام أرشد إلى الاقتصاد في المطعم والمشرب: ولا يخفى ما في ذلك من حفظ الصحة والوقاية من الأمراض, فالتخلي عن الطعام والشراب جملة, أو ترك ما يحتاجه الجسم من ذلك سبب في الهلاك أو المرض .
كما أن الإسراف في المطاعم والمشارب من أعظم أسباب الأدواء المتنوعة.
والإقتصاد في ذلك هو الصحة, والوقاية _بإذن الله_ وإلى هذا المعنى أرشد قول الله _عز وجل_: [وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ] الأعراف: 31 .
قال بعض العلماء : ( جمع الله بهذه الكلمات الطب كلَّه ) ([978]).
وقريب مما جاء في الآية ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من البطنة: ( ما ملأ آدميٌ وعاءً شرًّا من بطن؛ بحسب ابن آدم لقيماتٌ يُقمن صلبه؛ فإن كان لامحالة فثلثٌ لطعامه,وثلثٌ لشرابه, وثلثٌ لنفسه ) ([979]).
ثانياً: ورود كثيراً من الإشارات في حفظ الصحة: فمن ذلك أن الإسلام حرَّم الخمر، ولا يخفى ما في الخمر من أضرار صحية كثيرة، فهي تضعف القلب، وتفري الكلى، وتمزق الكبد إلى غير ذلك من أضرارها المتنوعة.
ومن ذلك: أن الإسلام حرَّم الفواحش من زناً ولواط، ولا يخفى ما فيهما من الأضرار الكثيرة، ومنها الأضرار الصحية التي عُرِفَتْ أكثر ما عُرِفَتْ في هذا العصر من: زهري، وسيلان، وهربس، وإيدز ونحوها.
ومن حِفظ الإسلام للصحة أنه حرَّم لحم الخنزير، الذي عُرِفَ الآن أنه يولِّد في الجسم أدواءً كثيرة، ومن أخصِّها الدودة الوحيدة، والشعرة الحلزونية، وعَمَلُهما في الإنسان شديد، وكثيراً ما يكونان السبب في موته([980]).
ومن الإشارات في هذا الصدد ما عُرف من أسرار الوضوء، وأنه يمنع من أمراض الأسنان، والأنف، بل هو من أهم الموانع للسل الرئوي؛ إذ قال بعض الأطباء: إن أهم طريق لهذا المرض الفتاك هو الأنف، وإن أنوفاً تُغسَلُ في اليوم خمس عشرة مرة لجديرة بألا تبقى فيها جراثيم هذا الداء الوبيل، ولذا كان هذا المرض في المسلمين قليلاً وفي الإفرنج كثيراً.
والسبب أن المسلمين يتوضؤون للصلاة خمس مرات في اليوم، وفي كل وضوء يغسل المسلم أنفه مرة أو مرتين أو ثلاثاً ([981]).
وسيأتي مزيد بيان لأسرار الوضوء، وفوائده.
ثالثاً: ورود كثير من النصوص في مشروعية التداوي والدلالة عليها: وقد مضى شيء من ذلك, ومنه_ أيضاً_ قول الله _تعالى_: [مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ] المائدة: 32 .
ووجه الدلالة أن الله _تبارك وتعالى_ امتدح من سعى في إحياء النفس وإنقاذها من الهلاك.
ومعلوم أن الطب ينتظم في كثيرٍ من صوره إنقاذ النفس المحرمة من الهلاك المحقق؛ فكثير من الأمراض التي تستلزم علاجاً, أو حمية, أو جراحة قد يكون المريض فيها مهدداً بالموت إذا لم يُقَمْ بمداواته؛ فإذا قام الطب بوصف شيء من ذلك أو فِعْله, وشفي المريض عُدَّ _بإذن الله_ منقذاً لتلك النفس المحرمة, ودخل في قبيل من امتدحهم الله_ عز وجل_ في الآية السالفة.
وفي ذلك إشارة إلى علم الطب وفضله([982]).
رابعاً: ورود الدلالة على الجراحة الطبية: حيث دلت السنة المطهرة على جواز الجراحة الطبية, ومشروعيتها, ويظهر ذلك من خلال عدد من الأحاديث الشريفة, ومنها ما ورد في شأن الحجامة, ومن ذلك ما جاء في حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_ أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه([983]).
وما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه عاد مريضاً، ثم قال: ( ألا تحتجم ) ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن فيها شفاءً ) ([984]).
ووجه الدلالة من الحديثين أنها نصَّت على مشروعية التداوي بالحجامةِ, والحجامةُ تقوم على شق موضع معين من الجسم وشَرْطِه، ومصِّ الدم الفاسد، واستخراجه؛ فتعد أصلاً في جواز شق البدن, واستخراج الشيء الفاسد من داخله سواء كان عضواً, أو كيساً مائياً, أو ورماً أو غير ذلك([985]).
والحجامة في العصر الحديث تعد نوعاً من الجراحة الطبية الصغرى؛ حيث يجري استعمالها في علاج عدد من الأمراض, والالتهابات([986]).
ويدل على ذلك ما جاء في حديث جابر بن عبدالله _رضي الله عنهما_ قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيِّ بن كعب طبيباً، فقطع منه عرْقاً, ثم كواه عليه([987]).
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الطبيب على قطع العرق, وكَيِّه.
وقطع العرق ضرب من العلاج الجراحي, وهو مستخدم في الجراحة الطبية الحديثة, حيث يتم قطع مواضع من العرق في حال انسدادها, أو وجود آفة تستدعي قطع جزء منها([988]).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في هذا السياق([989]).
خامساً: أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح العقول لمعرفة الطب, ومزيد التطور فيه؛ ومن أجلى الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاءً ) ([990]).
ومعنى أنزل: أي قدَّر.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في شرح هذا الحديث: ( وعموم هذا الحديث يقتضي أن جميع الأمراض الباطنة لها أدوية تقاومها: تدفع مالم ينزل, وترفع ما نزل بالكلية أو تُخَفِّفه.
وفي هذا الترغيب في تعليم طب الأبدان, كما يتعلم طب القلوب, وأن ذلك من جملة الأسباب النافعة.
وجميع أصول الطب وتفاصيله شرح لهذا الحديث؛ لأن الشارع أخبرنا أن جميع الأدواء لها أدوية, فينبغي لنا أن نسعى إلى تعلمها, وبعد ذلك إلى العمل بها وتنفيذها ) ([991]).
ثم إن في الحديث دلالةً واضحةً إلى أنه لا يأس من وجود علاج لأي مرض؛ طالما أن مسبب الأسباب وهو الله _تعالى_ لم ينزل داءاً إلا أنزل له شفاءً.
ولقد كان كثير من الناس يظن أن بعض الأمراض ليس لها دواء, وعندما ارتقى علم الطب، ووصل الناس إلى ما وصلوا إليه من علم _ عرفوا مصداق هذا الحديث([992]).
سادساً: ما كان عليه العلماء المسلمون من الإسهام في تطوير الطب: فلقد عاشت أوربا في العصور الوسطى سنوات طويلة في ظلام دامس من الجهل، وتعد هذه الفترة فترة ركود حضاري بالنسبة لها.
وفي الوقت نفسه كانت البلاد الإسلامية تعيش حياة علمية مزدهرة, حتى أصبحت في ذلك الحين محط الرحل لطلاب العلم والمعرفة الذين يقصدونها, خاصة من البلاد الأوربية؛ طمعاً في الحصول على المعارف والفنون التي نبغ المسلمون فيها نبوغاً عظيماً.
ولقد تفجرت ينابيع المعرفة على أيدي جهابذة العلماء المسلمين في شتى العلوم والمعارف, حتى شمل ذلك علوم الطب, والحساب, والفلك, وغيرها من العلوم الأخرى.
وأمسكت تلك الأيدي الأمينة بزمام الحضارة العلمية, وقادتها بعقولها الفذة التي صقلتها رُوحانية الكتاب والسنة, فَسَمَتْ بها إلى ذروة المجد والعلياء([993]).
يقول الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي _حفظه الله_: ( وكان من ضمن ما نبغ به المسلمون في تلك العصور المزهرة علم الطب على اختلاف تخصصاته, والتي من ضمنها الجراحة الطبية.
فقد كانت الجراحة الطبية في العصور الإسلامية الأولى تعتبر صنعة ممتهنة, وكان علماء الطب المسلمين من الأوائل يترفعون عن القيام بها وأدائها, وكانوا يسمونها ( عمل اليد ) وكانت آنذاك من مهمة الحجامين الذين يقومون بالكي, والفصد والحجامة, وبتر الأعضاء تحت إشراف الأطباء وإرشاداتهم.
ثم لم تمض مدة حتى نبغ علماء الطب المسلمون في تطوير الجراحة الطبية والإسهام في تقدمها حتى وصلت إلى درجة عالية من الدقة والمهارة, وذلك بفضل الله _تعالى_ ثم بفضل جهودهم المخلصة التي تمثلت في جوانب عديدة ساعدت على الوصول إلى هذه الغاية ) ([994]).
إلى أن قال _حفظه الله_: ( فقد كانوا أول من أفرد علم الجراحة الطبية بالكتابة عنه في مواضع مخصوصة من كتبهم الطبية, ثم بالتأليف المستقل الذي يجمع شتاته, ويعتني بصياغتة في أسلوب علمي بديع.
وقد اعتنوا في تلك المؤلفات ببيان عدد من أنواع الجراحة الطبية التي لم يُسْبقوا إلى معرفتها, وقاموا بوصف مراحلها في كتبهم لأول مرة في التاريخ, ومن تلك الأنواع التي بينوها ما يلي:
1_ عملية تفتيت الحصى الموجود في المثانة.
2_ عملية تجبير الكسور الموجودة في الأنف.
3_ عملية فتح القصبة الهوائية
4_ عملية استئصال اللوزتين.
5_ عملية فتح الخراج الموجود في اللهاة.
6_ عملية قطع اللحم النابت في الأذن.
7_ عملية ثقب الأذن المسدودة.
ومع اكتشافهم لهذه الأنواع، ووصفهم لها لأول مرة في التاريخ نجدهم _أيضاً_ قد تكلموا على بعض المعلومات المهمة جدًّا في علم الجراحة, وكانوا أول من نبه عليها, ومن تلك المعلومات تفريقهم بين الأورام الخبيثة _السرطانية_ والزوائد اللحمية, حيث وضعوا بعض الأمارات والعلامات التي يمكن للطبيب أن يستهدي بها لمعرفة نوعية الورم هل هو خبيث فيتجنبه, أم هو من الزوائد اللحمية التي يمكن استئصالها ومداوتها بالجراحة ) ([995]).
ثم ذكر الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي _حفظه الله_ نماذج عديدة من الأطباء المسلمين الذين كانت لهم الريادة والسبق في كثير من مجالات الطب كعبدالملك بن زهر([996]), والرازي([997]).
ثم أطال الحديث عن الزهراوي, وجهوده في علم الطب, والجراحة, والتأليف في ذلك, واستفادة علماء الطب الجراحين الأوروبيين وغيرهم من الزهرواي على مدى القرون.
ثم تحدث عن مقالة للزهراوي أفرد فيها الحديث عن علم الجراحة, وجاء فيها بالعجيب من الجراحات المبتكرة التي لم يَسْبِقْ أحدٌ إلى فعلها, والكتابة عنها.
ثم تحدث عن جهود الزهراوي في جراحة العيون,والأنف, والأذن, والحنجرة, والفم, الأسنان, وعظام الفكوك, وأنه أول من وصف ما يسمى بعملية تفتيت الحصى.
ثم تحدث عن جهود الزهراوي في علاج الفتوق, وما يعرف بتضخم الغدة الدرقية([998]).
ثم ختم الشيخ الشنقيطي حديثه عن الزهراوي وجهوده في الطب بذكر بعض ما قيل عنه, ومن ذلك أنه أورد ما قاله عن الدكتور سيمون حايك, حيث قال: ( غي دي شولياك 1267_1300م تأثر بالزهراوي, وبهذا الجراح الفرنسي تبتدئ سلسلة طويلة من الجراحين الفرنسيين وغيرهم.
وقد أثر تأثيراً كبيراً في الجراحين الذين جاؤوا من بعده؛ فقد أقلع عن استعمال المبيدات, وعاد إلى استعمال المراهم, والزيت, والفتيل, مقتفياً بذلك أثر الزهراوي ) ([999]).
فانظر إلى هذا النموذج وهو الزهراوي, وانظر إلى آثاره مع أنه مات قبل ما يزيد عن ألف سنة, حيث مات في الأندلس بعد الأربعمائة الهجرية([1000]).
سابعاً: أن الفقهاء عَدُّوا حفظ الصحة أحد مقاصد الشريعة: ذلك أن تشريعات الإسلام كلها تُولي هذا المقصد _حفظ البدن وصحته_ مكانة خاصة, بل تعده ركناً أساساً.
ولهذا كان من أعظم الأدعية النبوية سؤال الله العافية, بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العافية تلي نعمة الإيمان في الأهمية, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سلوا الله اليقين والمعافاة, فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من العافية ) ([1001]).
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم ( اللهم عافني في بدني ,اللهم عافني في سمعي, اللهم عافني في بصري, لا إله إلا أنت ) ([1002]).
يقول الطبيب الدكتور محمد نزار الدقر: ( وتتطابق نظرة الإسلام للصحة مع المفهوم الحديث؛ فالصحة في مفهوم الطب الحديث ليست مجرد الخلوِّ من العاهات أو الأمراض, بل أن يتمتع الفرد برصيد من القوة في وظائف أعضائه تجعله يتحمل ما قد يتعرض له من مسببات كثيرة من الأمراض.
وهذا تطابقٌ مُعْجِزٌ حقًّا مع ما قال به نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي خير وأحب إلي من المؤمن الضعيف ) ([1003]) ([1004]).
ثامناً: أن الإسلام عني بصحة الإنسان قبل أن يتخلق: إذ أرشد إلى حسن انتقاء شريك الحياة زوجاً أو زوجة؛ حتى تخرج منهما ذرية سليمة.
ومصداقه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تخيروا لنطفكم ) ([1005]).
كما أن الإسلام حث على الرضاعة: حيث أرشد إليها, وحث على إطالة مدتها قدر الإمكان؛ ليحصل الطفل على عناصر المناعة الطبيعية اللازمة التي لا تعطيها الرضاعة الصناعية.
قال الله _عز وجل_[وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ] البقرة:233([1006]) .
تاسعاً: تقرير بعض الأمور العلاجية: حيث وجه الإسلام الأمة لأمور تنفعها بوحي السماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بهذه الحبة السوداء؛ فإن فيها شفاءً من كل داء ) ([1007]).
ثم إن في إرشادات القرآن الكريم توجيه إلى الطب الوقائي الذي يعمل على حماية صحة الفرد, ويحافظ على صحة المجتمع كله, قال الله _تعالى_: [وَلَاتُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ] البقرة: 195 .
وفي الإسلام نظام صحي عالمي, يكاد يكون أول نظام في ذلك, ألا وهو إقرار الحجر الصحي عند حدوث الأوبئة كالطاعون, والكوليرا؛ حيث وضع له قواعد راسخة أقرها الطب الحديث, فقد روى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( إن هذا الطاعون رجز، وبقية من عذاب عُذِّبه من كان قبلكم؛ فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ؛ فراراً منه, وإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلو عليه ) ([1008]).
يقول الدكتور محمد الدقر معلقاً على هذا الحديث: ( والذي يعرف أهمية الحجر الصحي في حياة الأمم يعرف عظمة ما جاء النظام الصحي الإسلامي منذ قرون ) ([1009]).
عاشراً: أن في آداب الطعام في الإسلام إشاراتٍ كثيرةً لحفظ الصحة: يقول الدكتور محمد الدقر: ( وآداب الطعام مفخرة من مفاخر الهدي النبوي العظيم, حرص من خلالها على أن يتناول المسلم طعاماً نظيفاً خالياً من أي تلوث, فأمر بالأكل باليد اليمنى, وأمر بتغسيل اليد قبل الطعام وبعده, وأمر بتجنب الإسراف في الأكل, وتجنب إدخال الطعام على الطعام ) .
إلى أن قال: ( وجعل _سبحانه_ من أهم أهداف البعثة المحمدية أن يحل لأمته الطيب النافع, ويحرم عليها الخبيث الضار, وقال _تعالى_ معدداً أهداف بعثة محمد صلى الله عليه وسلم : [وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ] الأعراف : 157([1010]).
ويواصل الدكتور الدقر حديثه فيقول: ( هذا وإن تحريم الخمر والتدخين والمخدرات يمكن اعتباره أهم منجزات شريعتنا الغراء في مجال الطب الوقائي؛ إذ إن التزام المجتمع باجتناب هذه الخبائث يقيه من الوقوع في براثن العديد من الأمراض المهلكة, ويحمي الأجنة من التشوهات، ويقي الأفراد من الحوادث ) ([1011]).
حادي عشر: أن الشريعة الإسلامية وضعت القواعد للوقاية من الحوادث التي تؤدي إلى إزهاق الأرواح, أو الحاق الأضرار بالناس, وذلك ضمن أوامرَ ونواهٍ محددة واضحة تقود من يأخذ بها إلى السلامة, وتنأى به عن العطب, فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيت المسافر في طريق الناس, فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق؛ فإنها مأوى الهوام بالليل ) .
وفي رواية ( وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق؛ فإنها طريق الدواب, ومأوى الهوام ) ([1012]).
ومن النواهي الواردة في ذلك الشأن أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النوم على سطح غير محجور عليه([1013]).
ونهى أن يترك أحدٌ النار مشتعلة وينام عنها فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ) ([1014]).
فهذا نزرٌ يسيرٌ في شأن ما جاء من عناية الإسلام بشأن الصحة, وسيأتي مزيد بيان لذلك عند الحديث عن عناية الإسلام بالنظافة في المبحث التالي.
المبحث الثاني: الإسلام والنظافة
مر في كثير من أبواب هذا الكتاب إشارات إلى عناية الإسلام بالنظافة .
والحديث في هذا البحث سيتناول هذا الجانب بشيء من البسط, وذلك من خلال المطالب التالية التي ستدور حولها وقفات لما جاء في حديث خصال الفطرة، وما جاء في شأن الوضوء والغسل، وحث الإسلام على النظافة العامة.
ولا ريب أن ما سيذكر إنما هو نزرٌ يسيرٌ جدًّا من عناية الإسلام بالنظافة.
المطلب الأول: ما جاء في حديث خصال الفطرة
عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عشر من الفطرة: قص الشارب, وإعفاء اللحية, والسواك, واستنشاق الماء, وقص الأظفار, وغسل البراجم, ونتف الإبط, وحلق العانة, وانتقاص الماء _يعني الاستنجاء_ قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) ([1015]).
فهذا الحديث احتوى على جملة من الإرشادات الراقية في شأن النظافة؛ حيث عدها من الفطرة التي هي الخلقة التي خلق الله عبادَه عليها, وجعلهم مفطورين عليها: على محبة الخير وإيثاره, وكراهة الشر ودفعه.
كما أن هذا الحديث جعل شرائع الفطرة على نوعين:
أحدهما: ما يطهر القلب والروح, وهو الإيمان وتوابعه التي تُزكي النفس, وتُطهر القلب, وتُذهب عنه الآفات الرذيلة, وتُحلِّيه بالأخلاق الجميلة.
النوع الثاني: ما يعود إلى تطهير الظاهر, ونظافته, ودفع الأقذار والأوساخ عنه, وهي هذه العشرة المذكورة في الحديث([1016]).
وإليك هذه الوقفة حول هذه الخصال:
1_ قوله: ( قص الشارب ) : المقصود قصه, أو حفُّه حتى تبدو الشفة؛ لما في ذلك من النظافة, والتحرز مما يخرج من الأنف؛ فإن الشارب إذا تدلى على الشفة بَاشَرَ بِهِ الإنسانُ ما يتناوله من مأكول, أو مشروب , مع تشويه الخلقة بوفرته([1017]).
يقول الدكتور الطبيب محمد الدقر: ( ومن الناحية الطبية فإن الشوارب إذا طالت تلوثت بالطعام والشراب, وقد تكون سبباً في نقل الجراثيم ) .
إلى أن قال: ( وسنة الإسلام في قص الشوارب تتفق مع ما دعا إليه الطب بقص ما زاد عن حدود الشفة العليا ) ([1018]).
2_ قوله: ( إعفاء اللحية ) المقصود:إكرامها, وتوفيرها, وترك حلقها.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : ( فإن الله جعلها وقاراً للرجل, وجمالاً له, ولهذا يبقى جماله في حال كبره لوجود شعر اللحية ) ([1019]).
( ومن الناحية الصحية فإن الدكتور عبد الرازق كيلاني يرى أن عمل الرجل يؤدي إلى كثرة تعرضه لأشعة الشمس والرياح الباردة والحارة, والذي يؤثر سلباً على الألياف المرنة, والكلاجين الموجودين في جلد الوجه, ويؤدي إلى تخربها شيئاً فشيئاً إلى ظهور التجاعيد, والشيخوخة المبكرة ) ([1020]).
3_ قوله: ( السواك ) : السواك دلك الأسنان بعود أراك أو نحوه؛ لتذهب عنها الصفرة ونحوها([1021]).
فالسواك يشرع في كل وقت, ويتأكد عند الوضوء, والصلاة, والانتباه من النوم, وتغير الفم, وصفرة الأسنان، ونحوها.
وفي ذلك تطهير، ونظافة للفم الذي هو عضو التواصل، كما هو مدخل معظم الجراثيم إلى البدن, ولهذا ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين نظافة الفم ورضا الله _ عز وجل_([1022]) بقوله: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) ([1023]).
4_ قوله: ( واستنشاق الماء ) المقصود به استنشاق الماء عند الوضوء, ويراد به غسل الأنف باستنشاق الماء إلى داخل الأنف وإخراجه منه, وذلك مشروع في الوضوء والغسل, وهو فرض فيهما من تطهير الأنف, وتنظيفه؛ لأن الأنف يتوارد عليه كثير من الأوساخ, والأبخرة, ونحوها, والإنسان محتاج إلى إزالة ذلك([1024]).
ولا ريب أن ذلك نظافة, وصحة زيادة على كونه أجراً ومثوبة.
جاء في كتاب أسباب الشفاء من الأسقام والأهواء؛ ما نصه: ( أظهر بحث علمي حديث أجراه فريق من أطباء جامعة الإسكندرية أن غالبية الذين يتوضؤون باستمرار قد بدا أنفهم نظيفاً خالياً من الأتربة والجراثيم والميكروبات.
ومن المعروف أن تجويف الأنف من الأماكن التي يتكاثر فيها العديد من هذه الميكروبات والجراثيم.
ولكن مع استمرار غسل الأنف والاستنشاق والاستنثار بقوة _أي طرد الماء من الأنف بقوة_ يحدث أن يصبح هذا التجويف نظيفاً خالياً من الالتهابات والجراثيم مما ينعكس على الحالة الصحية للجسم كله؛ حيث تحمي هذه العملية من خطر انتقال الميكروب من الأنف إلى الأعضاء الأخرى للجسم ) ([1025]).
5_ قوله: ( قص الأظفار ) : المراد تقليمها كما جاء في بعض الروايات([1026]), ومعنى التقليم: القطع.
ولا ريب أن قص الأظفار سلامة من الجراثيم التي تتكون في الأظفار إذا طالت.
6_ قوله: ( وغسل البراجم ) : البراجم جمع بُرجُمة.
قال النووي رحمه الله : ( البراجم هي عقد الأصابع ومفاصلها كلها.
قال العلماء: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وهو الصماخ, فيزيله بالمسح؛ لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع.
وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف, وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق, والغبار ونحوها والله أعلم ) ([1027]).
7_ قوله: ( ونتف الإبط ) وهو إزالة الشعر النابت بالإبط, قال النووي رحمه الله : ( أما نتف الإبط فَسُنةٌ بالاتفاق، والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه, ويحصل _أيضاً_ بالحلق ) ([1028]).
8_ قوله: ( وحلق العانة ) المراد بالعانة: الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه, وكذلك الشعر الذي حوالي فرج المرأة, ويلحق به الشعر النابت حول حلقة الدبر([1029]).
قال النووي رحمه الله : ( فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق ما على القبل والدبر وحولهما.
وأما وقت حلقه فالمختار أنه يُضْبَط بالحاجة, وكذلك الضبط في قص الشارب, ونتف الإبط, وتقليم الأظفار.
وأما حديث أنس المذكور في الكتاب: ( وُقِّت لنا في قص الشارب, وتقليم الأظفار, ونتف الإبط, وحلق العانة ) ([1030]) فمعناه لا يترك تركاً يتجاوز أربعين إلا أنهم وقت لهم الترك أربعين والله أعلم ) ([1031]).
ولا ريب أن في ذلك رقيٌّ، ونظافة, وتطهر، وصحة، وراحة.
يقول الدكتور الكيلاني متحدثاً عن نتف الإبط, وفوائد ذلك: ( إن النتف يضعف إفراز الغدد العَرَقية, والدهنية, وإن الاعتياد عليه _أي بالنتف_ منذ بدء نموه, ودون أن يحلقه أبداً يضعف الشعر _أيضاً_ ولا يشعر المرء بأي ألم عند نتفه.
والمقصود أن يكون باليد, ويمكن إزالته بالرهيمات المزيلة للشعر.
وفي الحقيقة فإن نمو الأشعار تحت الإبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غُددٍ عرقية خاصة تفرز موادَّ ذات رائحة خاصة إذا تراكمت مع الأوساخ والغبار أزنخت, وأصبح لها رائحة كريهة.
وإن نتف هذه الأشعار يخفف إلى حد كبير من هذه الرائحة, ويخفف من الإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب المنطقة كالمذح, والسعفات الفطرية, والتهابات الغدد العرقية, والتهابات الأجربة الشعرية وغيرها.
كما يقي من الإصابة بالحشرات المتطفلة على الأشعار كقمل العانة ) ([1032]).
ويقول الدكتور محمد نزار الدقر متحدثاً عن الفوائد الصحية الناتجة عن إزالة شعر العانة, وعن حكمة الإسلام في سن هذه الإزالة التي ينتج عنها نظافة وصحة قال: ( إن ناحية العانة, وما يحيط بالقبل والدبر منطقه كثيرة التعرق, والإحتكاك ببعضها البعض.
وإنه إن لم يحلق شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق والدهن.
وإذا ما تلوثت بمفرغات البدن من بول وبراز صعب تنظيفها حينئذ وقد يمتد التلوث إلى ما يجاورها فتزداد, وتتوسع مساحة النجاسة, ومن ثم يودي تراكمها إلى تخمُّرها, فتنتن, وتصدر عنها روائح كريهة جدًّا, وقد تمنع صحة الصلاة إن لم تنظف, وتقلع عنها النجاسات ) .
ويواصل الدكتور الدقر حديثه عن حكمة حلق شعر العانة, فيقول: ( وفي حلق شعر العانة _أيضاً_ وقاية من الإصابة بعدد من الأمراض الطفيلية المؤذية كقمل العانة الذي يتعلق بجذور الأشعار, ويصعب حينئذ القضاء عليها.
كما يخفف الحلق من إمكانية الإصابة بالفطور المضنية؛ لذا سن الإسلام حلق العانة, والأشعار حول الدبر كلما طالت تأميناً لنظافتها المستمرة, ولأنها من أكثر مناطق الجسم تعرضا للتلوث والمرض ) ([1033]).
9_ قوله: ( وانتقاص الماء ) : يعني الاستنجاء, وهو إزلة الخارج من السبيلين بماء أو حجر, فهو لازم, وشرط من شروط الطهارة([1034]).
قال الله _عز وجل_ في معرض الثناء على أهل قباء: [فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ] التوبة: 108 .
قال ابن الجوزي رحمه الله : ( سبب نزولها أن رجالاً من أهل قباء كانوا يستنجون بالماء, فنزلت هذه الآية, قاله الشعبي.
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية آتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( ما الذي أثنى الله به عليكم ) .
فقالوا: ( إنا نستنجي بالماء ) ([1035]).
لقد فطر الله _عز وعلا_ الإنسان, وجبله على أن يتخلص مما في أمعائه ومثانته من غائط وبول وغيرهما من نفايات الجسم, حتى يظل الجسم الإنساني في حالة من النقاء، والصحة، والقدرة على أداء الوظائف الطبيعية والحيوية التي يقوم بها, وبعد عملية التخلص تلك فإنه يجب على المسلم أن ينظف هذه الأماكن بالماء, وفي هذا يقول رسول صلى الله عليه وسلم : ( تنزهوا من البول فإنه عامة عذاب القبر منه ) ([1036]).
ومعنى التنزه: هو التطهر والاستنجاء, ولهذا العملية فائدة طبية وقائية عظيمة, فقد أثبت الطب الحديث أن النظافة الذاتية لتلك الأنحاء تقي الجهاز البولي من الالتهابات الناتجة عن تراكم الميكروبات والجراثيم, كما أنها تقي الشرج من الاحتقان، ومن حدوث الالتهابات والدمامل, وفي حالة المرضى خصوصاً مرضى السكر أو البول السكري؛ لأن بول المريض يحتوي على كمية كبيرة من السكر, فإذا بقيت آثار البول فإن هذا يجعل العضو عرضة للتقيح والالتهابات, وقد تنتقل الأمراض في وقت لاحق إلى الزوجة عند الجماع, وقد يؤدي إلى عقم تام([1037]).
كذلك سنَّ الإسلام استعمال اليد اليسرى لإزالة النجاسة؛ حتى تظل اليد اليمنى المخصصة للطعام طاهرة نظيفة, وكذلك اشترط غسلها بعد التطهير.
وقد يعجب بعض الناس من اهتمام الإسلام حتى بهذه الأمور, ولكن لا عجب لمن يعرف لهذا الدين قدره, ومن يؤمن أنه الدين الذي أتمه الله وأكمله منهاجاً أبديًّا للبشر إلى قيام الساعة, منهاجاً لا يحمل إلا الخير لعبادة المسلمين قال الله _تعالى_: [ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ] المائدة: 3 .
فإزالة النجاسة وقاية _بإذن الله_ من كثير من الأمراض، وأمان من انتقال كثير من الأمراض المعدية([1038]).
جاء في كتاب أسباب الشفاء ما نصه: ( في عام 1963 في دولة انجلترا وبالتحديد في مدينة ( دانداي ) حدث أن انتشر مرض التيفود بشكل عاصف، مما أصاب السكان بالذعر الشديد, وبذل الجميع طاقاتهم في محاولات شتى لوقف انتشار المرض.
وفي النهاية اتفق العلماء على إذاعة تحذير في مختلف وسائل الإعلام يأمرون الناس بعدم استعمال الأوراق في دورات المياة, واستبدالها باستخدام المياه مباشرة في النظافة؛ وذلك لوقف انتشار العدوى.
وبالفعل استجاب الناس, وللعجب الشديد توقف فعلاً انتشار الوباء وتمت محاصرته, وتعلم الناس هناك عادة جديدة عليهم بعد معرفة فائدتها, وأصبحوا يستخدمون المياه في النظافة بدلاً من المناديل الورقية.
ولكننا لسنا متأكدين ماذا يقول هؤلاء لو علموا أن المسلمين يفعلون هذا أكثر من ألف وأربعمائة سنة, ليس لأن التيفود تَفَشَّى بينهم، ولكن لأن خالق التيفود وغيره من الأمراض أمرهم بكل ما يجلب لهم الصحة والعافية، فقالوا سمعنا وأطعنا قال الله _تعالى_: [أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ]([1039]) الملك:14.
10_ قوله: ( المضمضة ) : هي تحريك الماء في الفم للوضوء, لأجل تطهير الفم, وتنظيفه.
وقد أثبت العلم الحديث أن المضمضة تحفظ الفم والبلعوم من الالتهابات, وتحفظ اللثة من التقيح, ولذا تقي الأسنان وتنظفها بإزالة الفضلات الغذائية التي تبقى بعد الطعام في ثناياها.
وفائدة أخرى مهمة جدًّا للمضمضة فهي تقوي بعض عضلات الوجه, وتحفظ للوجه نضارته, واستداراته, وهي تمرين مهم يعرفه المتخصصون في التربية الرياضية, وهذا التمرين يفيد_أيضاً_ في إضفاء الهدوء النفسي على المرء لو أتقن تحريك عضلات فمه أثناء المضمضة([1040]).
المطلب الثاني: ما جاء في مشروعية الوضوء
الوضوء طهارة مائية تتعلق بالوجه, واليدين والرجلين؛ فغسل هذه الأعضاء يعد فروضَ الوضوء.
وللوضوء سنن، كالتسمية في أوله, والسواك قبله, وغسل الكفين ثلاثاً في أول الوضوء, والمضمضة ثلاثاً, والاستنثار ثلاثاً, ومعنى الاستنثار إخراج الماء من الأنف بعد استنشاقه.
ومن سنن الوضوء التيامن _أي البدء بغسل اليمين_ وتخليل الأصابع, ومسح الأذنين, والاقتصاد بالماء([1041]).
قال الله _تعالى_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِۚ] المائدة: 6 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) ([1042]).
ولقد جاء تفصيل الوضوء في السنة النبوية في أحاديث كثيرة, وقد أطنب العلماء والفقهاء في بيان ذلك مفصلاً، وليس هذا موضع بسطه, وإنما الذي يعني ههنا بيان علاقة الوضوء بالنظافة؛ ذلك أن للوضوء أسراراً, وحكماً, وتعلقاً بالنظافة, بل والصحة.
ولقد مَرَّ في الفقرة الماضية بيان لشيء من ذلك.
ومما يحسن الإشارة إليه في شأن الوضوء ههنا ما يلي:
1_ أن الوضوء ليس مجرد تنظيف للأعضاء الظاهرة فحسب؛ وليس مجرد تطهير للجسد يتوالى عدة مرات في اليوم.
بل إن الأثر النفسي، والسمو الروحي الذي يشعر به المسلم بعد الوضوء لشيءٌ أعمق من أن تعبر عنه كلماتٌ، خاصةً مع إسباغ الوضوء وإتقانه، واستحضار فضله؛ فللوضوء أثر عظيم في حياة المسلم؛ حيث يجعله في يقظة, وحيوية, وتألق([1043]).
2_ أن عملية غسل الأعضاء التي نُص عليها في الوضوء تعد من منتهى الأهمية للنظافة والصحة العامة؛ ذلك أن تلك الأعضاء تتعرض _كما يقول الأطباء_ لعدد هائل من الميكروبات التي تقدر بالملايين في كل سنتمتر مكعب من الهواء، وهي دائماً في حالة هجوم على الجسم الإنساني من خلال الجلد في المناطق المكشوفة منه.
وعند الوضوء تُفاجأ هذه الميكروبات بحالة كسح شاملة لها من فوق سطح الجلد خاصة مع الإسباغ الجيد الذي هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك لا يبقى بعد الوضوء أيُّ أثرٍ من أدرانٍ أو جراثيمَ على الجسم إلا ما شاء الله([1044]).
3_ أن لغسلِ الوجه واليدين إلى المرفقين حالَ الوضوء فائدةً كبيرةً جدًّا في إزالة الأتربة, والميكروبات فضلاً عن إزالة العرق من سطح الجلد, كما أنه ينظف الجلد من المواد الدهنية التي تفرزها الغدد الجلدية.
وهذه غالباً ما تكون موطناً ملائماً جدًّا لمعيشة الجراثيم وتكاثرها([1045]).
4_ أن لغسل الرجلين أثناء الوضوء مع الإسباغ الجيد أثراً في النظافة, وإطفاء السكينة, لما في الأَقْدام من منعكسات لأجهزة الجسم كله.
وهذا من أسرار ذلك الشعور بالهدوء الذي يجده المسلم بعد الوضوء([1046]).
5_ أنه قد ثبت بالبحث العلمي أن الدورة الدموية في الأطراف العلوية من اليدين والساعدين, والأطراف السفلية من القدمين والساقين أضعف منها في الأعضاء الأخرى ؛ لبعدها عن المركز المنظم للدور ة الدموية وهو القلب؛ لذا فإن غسل هذه الأطراف جميعاً مع كل وضوء يقوي الدورة الدموية؛ فيزيد في نظافة الجسم, ونشاطه, وحيويته.
وقد ثبت _أيضاً_ تأثيرُ أشعة الشمس ولا سيما الأشعة فوق البنفسجية في إحداث سرطان الجلد, وهذا التأثير ينحسر جدًّا مع توالي الوضوء؛ لما يحدثه من ترطيب دائم لسطح الجلد بالماء, خاصة تلك الأماكن المعرضة للأشعة مما يتيح لخلايا الطبقات السطحية والداخلية للجلد أن تحتمي من الآثار الضارة للأشعة([1047]).
المطلب الثالث: ما جاء في مشروعية الغسل
الغسل هو تعميم البدن بالماء، قال الله _تعالى_: [وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ] المائدة: 6 .
وقال _عز وجل_: [وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ] البقرة: 222 .
والغسل معروف عند جميع الأمم؛ فلقد اكتشف الإنسان على مدار التاريخِ الأهميةَ العظمى لتنظيف البدن عن طريق الاغتسال, وعالج به كثيراً من الأمراض.
ولكن لم يَعْرِفِ التاريخُ أمةً شُرِعَ لها تنظيمُ هذا الأمر أعظم مما جاء به الإسلام الذي جعله الله خاتم أديانه.
ولو أراد باحث أن يستقصي ما ورد في الغسل من النصوص الشرعية, ومن شروح العلماء عليها لطال به المقام في تفصيلات كثيرة جدًّا تُبِيْنُ عن عِظمِ هذا الدين، ودقة تشريعاته في هذا الباب كما هي في غيره.
فهناك الغسل الواجب كما في حال خروج المني دفقاً بلذة, وعند التقاء الختانين, وعند انقطاع دم الحيض, أو النفاس, وإذا أسلم الكافر.
وهناك الأغسال المستحبة التي يمدح المكلف على فعلها ويثاب, وإذا تركها فلا لوم عليه, كغسل الجمعة, وغسل العيدين, وغسل الإحرام, وغسل دخول مكة, وغسل يوم عرفة([1048]).
وبالجملة فما يقال في الوضوء يقال في الغسل, ويزيد الغسل في التنظيف, والصحة.
المطلب الرابع: ما جاء من حث الإسلام على النظافة العامة
من نظافة البيوت, ونظافة الطرقات, ونظافة الملابس, ونحوها؛ فقد وردت نصوص كثيرة جدًّا في هذا السياق؛ فمن ذلك ما يلي:
1_ أن إزالة الأذى عن الطرقات شعبة من شعب الإيمان: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان يضع وسبعون أو بضع وستون شعبة؛ فأفضلها قول:لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان ) ([1049]).
2_ أنه جاء النهى عن البول في الماء الراكد: فعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يُبال في الماء الراكد([1050]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تبل في الماء الدائم الذي يجري ثم تغتسل منه ) ([1051]).
ففي هذين الحديثين نهي عن البول في الماء المستقر؛ لأن البول فيه يسبب تقذيره وتوسيخه عن الناس, ويلحق بذلك تحريم التغوط, والاستنجاء بالماء الراكد([1052]).
3_ أنه جاء النهي عن الاغتسال في الماء الراكد: فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) فقيل كيف يفعل يا أبا هريرة؛ قال: يتناوله تناولاً([1053]).
فهذا شيء مما جاء به الإسلام في شأن النظافة.
الفصل الثالث
قضايا السلام والتعايش والتسامح, والإكراه والعنف والإرهاب والجهاد
تمهيد
مر في الفصل الماضي إشارات في هذا الشأن, والحديث ههنا سيتناول قضايا حية, يكثر حولها الجدل, ويشيع الجهل بموقف الإسلام منها عند كثير من الناس الذين لم يدرسوا حقائق الإسلام, ولم يرجعوا إلى مصادره الأصلية التي تجلي تلك القضايا, ولا إلى تاريخه المجيد الذى كان يعطي صورة صادقة لما كان عليه المسلمون من العدل, والرحمة, والتسامح, مع ملاحظة أن تلك القضايا متقاربة, داخل بعضها في بعض.
المبحث الأول: الإسلام والحفاظ على السلام العالمي
الإسلام _ كما هو معلوم وكما مر فيما سبق _ دين السلام, والخير, والعدل, والإحسان، بل إن ذلك حاصل حتى في حال الحرب التي قد تقوم فيه لمسوغات معقولة.
وأما غير حال الحرب فالأمر أجلى وأوضح, ومن مظاهر حرص الإسلام على السلام, وأن يعيش الناس براحة, وأمان, وحرية مايلي:
أولاً: أن كلمة السلام من أكثر الكلمات وروداً في شريعة الإسلام: فذلك مما يدل على أنه دين السلام، والخير.
ويتجلى ذلك المعنى غاية الجلاء من خلال شواهد كثيرة من الكتاب والسنة، ومنها ما يلي:
1_ أن السلام اسم من أسماء الله _عز وجل_: قال الله _تعالى_: [هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ... الآية] الحشر: 23 .
2_ أن اسم السلام مشتق من السِّلْم: والسلم، والسلام من أسماء الإسلام.
قال الله _تعالى_: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ] البقرة: 208.
والسِّلْم ههنا بمعنى الإسلام([1054]).
وقال _عز وجل_: [وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا] النساء: 94 .
قال الشوكاني رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( فالسلم، والسلام بمعنى الاستسلام، وقيل: هما بمعنى الإسلام ) ([1055]).
3_ أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على إفشاء السلام، وبين أنه من أعظم أسباب الألفة، ودخول الجنة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم ) ([1056]).
4_ أن أفضل تحية بين المسلمين هي السلام: وهي أن يقول المُحَيِّي: السلام عليكم، أو يقول: السلام عليكم ورحمة الله، أو يزيد: وبركاته.
ويرد عليه المسلَّم عليه بقوله: وعليكم، أو: وعليكم السلام، أو يزيد: ورحمة الله، أو يزيد على ذلك كله: وبركاته.
قال النووي رحمه الله : ( يستحب أن يقول المبتدئ بالسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيأتي بضمير الجميع وإن كان المسلم عليه واحداً.
ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فيأتي بواو العطف في قوله: وعليكم ) ([1057]).
عن عمران بن حصين _ رضي الله عنهما _ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عشر ) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: ( عشرون ) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ( ثلاثون ) ([1058]).
وهذا الحديث يعني زيادة الحسنات بزيادة التحية.
وقد ذكر أهل العلم تفصيلات في كيفية السلام ورده، وعن السلام وآدابه، وتسليم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، وعن استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه، واستحبابه لمن دخل بيته، وعن السلام على الصبيان، ولمن قام من المجلس، أو فارق جلساءه إلى غير ذلك من أحكام السلام التي تعطي دلالة على مكانة السلام في دين الإسلام([1059]).
5_ أن تحية المسلمين في الجنة سلام: قال الله _عز وجل_: [وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ] يونس: 10 .
وقال _أيضاً_ عن تحية الملائكة لأهل الجنة: [سَلَٰمٌ عَلَيۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ] الرعد: 24 .
وقال _سبحانه_: [ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٖۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ] ق: 34 .
6_ أن الله _عز وجل_ أثنى على المؤمنين الذين يقابلون السفه والجهل بقولهم سلام: قال الله _عز وجل_ في معرض ذكر صفات عباد الرحمن: [وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا] الفرقان: 63 .
وقال في موضع آخر: [وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِي ٱلۡجَٰهِلِينَ] القصص: 55 .
7_ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن المسلم حقًّا هو من يَسْلَمُ الناسُ من شره: قال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ([1060]).
فهذا نزر يسير من مكانة السلام في شريعة الإسلام.
ثانياً: أن الإسلام يحفظ الأموال: وفي ذلك إشاعة للسلام، والأمان؛ ولهذا حثَّ على الأمانة، وأثنى على أهلها، ووعدهم بطيب العيش، ودخول الجنة، وحرَّم السرقة، وتوعد فاعلها بالعقوبة، وشرع حد السرقة وهو قطع يد السارق؛ حتى لا يتجرأ أحد على سرقة الأموال؛ فإذا لم يرتدع خوفاً من عقاب الآخرة ارتدع خوفاً من قطع اليد؛ ولهذا يعيش أهل البلاد التي تُطَبَّق حدود الشرع آمنين على أموالهم، بل إن قطع اليد في تلك البلاد قليل جدًّا ؛ لقلة من يسرق.
ثم إن قطع يد السارق فيه حكمة الزجر للسارق من معاودة السرقة، وردع أمثاله عن الإقدام عليها، وهكذا تحفظ الأموال في الإسلام، ويعيش أهله في أمن وسلام.([1061])
ولا يعني قطع يد السارق أن كل من سرق أي شيء قطع، بل لا بد له من توافر شروط، وانتفاء موانع، ولا بد من النظر في قضية السرقة من قبل القاضي، في تفصيلات يطول شرحها، وانطباق حد السرقة فيها.
ثالثاً: أن الإسلام يحفظ الأنفس: ولهذا حرَّم قتل النفس بغير الحق، وعاقب قاتل النفس بغير الحق بأن يقتل؛ ولأجل ذلك يقل القتل في بلاد المسلمين، التي تطبق شرع الله؛ فإذا علم الإنسان أنه إذا قَتَل شخصاً بغير حق سيُقتل به كفَّ عن القتل، وارتاح الناس من شر المقاتلات.
ثم إن أهل القتيل لهم حق؛ فإذا كان القاتل سَيَقْتُل، ثم يخرج بعد ذلك يتمتع بالحياة كيفما شاء _ كان ذلك _ مُغِيظاً لأهل المقتول، وربما حملهم على الثأر، فيزيد الأمر ضراوة وفتنة.
فإذا اقْتُصَّ من القاتل ارتاحت نفوس أهل القتيل، واشتفت صدورهم بأخذ حقهم.
ثم إن القصاص ليس الطريقَ الوحيدَ، بل إن لورثة القتيل الحقَّ في العفو، أو أخذ الدية، وهذا من التخفيف والرحمة.
بل إن الإسلام حث على العفو، ورتب عليه الجزاء العظيم، والثواب الجزيل من الله _ عز وجل _.
قال الله _ تبارك وتعالى _: [وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ] البقرة: 179 .
وقال: [فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ] الشورى: 40 .([1062])
والقصاص من القاتل ليس كلأً مباحاً لكل أحد، بل هو مسؤولية الوالي المسلم، أو من ينصِّبه من القضاة، ولا بد في قضية القتل من اجتماع شروط، وانتفاء موانع في تفصيلات يطول شرحها.
ثم إن النفس التى حرم الإسلام قتلها بغير الحق شامل عام؛ فيشمل قتل النفس المؤمنة قال الله _عز وجل_: [وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا] النساء: 93 .
ويشمل تحريم الاعتداء على حياة الآخرين ممن لم يدخلوا دين الإسلام, وحفظ الإسلام ذممهم, قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً ) ([1063]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما رجل آمن رجلاً على دمه, ثم قتله فأنا من القاتل بريء وإن كان المقتول كافراً ) ([1064]).
وفي لفتة أخرى يحسن ذِكْرُ هذه الحادثة التى حصلت لما فتح نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم مدينة خيبر، وكانت من معاقل اليهود شمال المدينة المنورة _ دخلها الصحابي عبدالله بن سهيل رضي الله عنه ثم وجد مقتولاً ومرمياً في أحد آبارها, فجاء أهله إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتهمون اليهود في قتله, فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود في ذلك, فكتبوا: إنا والله ما قتلناه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل القتيل: ( أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ ) قالوا: لا , قال: ( أفتحلف لكم يهود؟ ) قالوا: ليسوا بمسلمين, فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته لأهله, وكانت مائة ناقة([1065]).
وما من شك أن الشبهاتِ القويةَ, والقرائنَ الدالةَ كانت تحوم حول يهود؛ حيث وجد الصحابي المقتول بينهم, وألقي في بئر لهم, وكانت خيبر مدينة يهودية، وقد اعتاد المسلمون الغدر من اليهود.
ولكن نبي الإسلام لم يأخذهم بهذه الشُّبَهِ القوية , ودفع بنفسه الدين عن هذا القتيل؛ حفاظاً منه على حرمة النفس, وإشاعة السلام والعدل مع الأعداء.
رابعاً: الإسلام حرم اعتداء الإنسان على نفسه: فلم يقتصر على تحريم الاعتداء على الآخرين، بل حرَّم حتى اعتداء الإنسان على نفسه التي هي أخص ما يملك؛ فلم يجز له الإسلام أن يفسد عقله, أو يدمر صحته, فضلاً عن أن يعتدي عليها بالقتل.
ولذلك جاء الوعيد الشديد في حق من قتل نفسه, قال الله_تعالى_:[وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا ٢٩ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنٗا وَظُلۡمٗا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا] النساء .
خامساً: أن الإسلام يكفل الحريات ويضبطها: وذلك من أجلى صور السلام؛ فحرية التفكير في الإسلام مكفولة، وقد منح الله الإنسان الحواس من السمع، والبصر، والفؤاد؛ ليفكر، ويعقل، ويصل إلى الحق، وهو مأمور بالتفكير الجاد السليم، ومسؤول عن إهمال حواسه وتعطيلها، كما أنه مسؤول عن استخدامها فيما يضر.
والإنسان في الإسلام حُرٌّ في بيعه، وشرائه، وتجارته، وتنقلاته، ونحو ذلك ما لم يتعد حدود الله في غش، أو خداع، أو إفساد.
والإنسان في الإسلام حُرٌّ في الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا من: مأكول، أو مشروب، أو مشموم، أو ملبوس، ما لم يرتكب محرماً يعود عليه أو على غيره بالضرر.
ثم إن الإسلام يضبط الحريات؛ فلا يجعلها مطلقة سائمة في مراتع البغي والتعدي على حريات الآخرين؛ فالشهوة على سبيل المثال لو أُطلِقت لاندفع الإنسان وراء شهوته، التي تكون سبباً في هلاكه؛ لأن طاقته محدودة، فإذا استُنفِذت في اللهو والعبث والمجون _ لم يبق فيها ما يدفعها إلى الطريق الجاد، ويدلها على مسالك الخير؛ فليس من الحرية _إذاً_ أن يسترسل في شهواته وملذاته غير مبالٍ بحلال أو حرام، وغير ناظر في العواقب.
إن نهايته ستكون وخيمة في العاجل قبل الآجل؛ إن ثرواته ستتبدد، وإن قواه ستنهار، وصحته ستزول، وبالتالي سيكون تعيساً محسوراً.
ثم هب أن الإنسان أطلق لشهواته العنان، هل سيجد الراحة والطمأنينة؟
الجواب: لا؛ وإذا أردت الدليل على ذلك فانظر إلى عالمنا المعاصر بحضارته المادية؛ لما أطلق حرية العبث والمجون، ولم يُحسن استخدامها _ حدثت القلاقل، والمصائب، والأمراض الجسدية والنفسية، وشاع القتل، والنهب، والسلب، والانتحار، والقلق، وأمراض الشذوذ.
وليست الحرية _ أيضاً _ بالسير وراء الأطماع التي لا تقف عند حد دونما مبالاة في آثارها على الآخرين؛ فهل يعد من الحرية ما يقوم به الأقوياء من سطو على الضعفاء، واستخفاف بحقوقهم، ومصادرة لآرائهم كما هي حال الدول الكبرى في عالمنا المعاصر؟
الجواب: لا؛ فالحرية الحقة هي ما جاء به الإسلام، وهي الحرية المنضبطة التي تحكم تصرفات الإنسان، والتي يكون فيها الإنسان عبداً لربه وخالقه؛ فذلك سر الحرية الأعظم؛ فالإنسان إذا تعلق بربه خوفاً، وطمعاً، وحباً، ورجاء، وذلاً، وخضوعاً _ تحرر من جميع المخلوقين؛ ولم يعد يخاف أحداً غير ربه، ولا يرجو سواه، وذلك عين فلاحه وعزته([1066]).
وهذا وسيأتي مزيد بيان لترسيخ الإسلام لمبدأ السلام في المباحث التالية.
المبحث الثاني: الإسلام والتعايش والتسامح
الإسلام _كما هو معلوم_ هو الدين الخاتم, وهو رسالة الله الأخيرة للبشرية, فلا غرو أن تكون تلك الرسالة شاملة عامة صالحة لكل زمان, ومكان وأمة _كما مر_.
وأحكام الإسلام لم تختص بتعامل المسلمين فيما بينهم , بل هي عامة تُظِل جميع الناس على اختلاف أديانهم؛ ففي شمول الإسلام وعمومه ما يبيِّن كيفيه التعامل مع كافة الطبقات من أهل الإسلام وغيرهم.
وهذا يعنى أن الإسلام دين عملي, واقعي, وليس نظرياتٍ مُغْرِقةً في المثالية التي لا تتلاءم مع واقع الحياة والناس.
والله _عز وجل_ خلق الناس, وقرر أن منهم كافراً, ومنهم مؤمناً.
وأمر_عز وجل_ بدعوة الناس إلى الهدى, ولكن لم يُكَلِّف الداعين بإدخال الناس في الدين الحق [إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ] الشورى: 48 .
ومن هنا فإن سنة الاختلاف بين الناس قائمة, مقررة في القرآن: [وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ] هود.
ولا يعنى ذلك إقرار الباطل , ولا قبول كل المذاهب أو تسويغها, أو الرضا بها, أو ترك الإنكار عليها, وبيان زيفها، ودعوتها إلى الحق.
وإنما المطلوب في ذلك حسن التعامل مع تلك الاختلافات, واتباع هدي الإسلام بالحوار مع المخالف([1067])، والأخذ _في الأصل_ بمبدأ الرفق واللين؛ فجماع آداب المعاملة في الدين يرجع إلى الدعوة للدين بالحكمة, والموعظة الحسنة, والجدال بالتي هي أحسن في قالب التسامح بقدر الإمكان تسامحاً لا ينتقض شيئاً من عرى الإسلام, ولا يُجرِّؤُ أحداً على حرمته وسلطانه([1068]).
فهذا هو مفهوم التعايش الإنساني بين البشر, فكلمة التعايش شائعة في هذا العصر, وهي قريبة من كلمة التسامح التي كانت أشهر وأسْير.
هذا وإن الناظر في نصوص الشرع, وتاريخ المسلمين ليجد أن روح التسامح والإحسان واضحة جلية.
وإليك فيما يلي نبذة عن التسامح الذي هو قريب من التعايش, وعن بعض مظاهره في الشريعة الإسلامية الغراء, وعن بعض تطبيقاته في تاريخ أمة الإسلام:
أولاً: مفهوم التسامح: يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رضي الله عنه : ( التسامح في اللغة مصدر سامحه إذا أبدى له السماحة القوية )
إلى أن قال: ( وأصل السماحة: السهولة في المخالطة والمعاشرة, وهما لين في الطبع في مظانَّ تكثر في أمثالها الشدة.
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ) ([1069])([1070]).
إلى أن قال رحمه الله : ( وأنا أريد بالتسامح في هذا البحث إبداء السماحة للمخالفين للمسلمين بالدين, وهو لفظ اصطلح عليه العلماء الباحثون في الأديان من المتأخرين في أواخر القرن الماضي أخذاً من الحديث: ( بعثت بالحنفية السمحة ) ([1071]).
فقد صار هذا اللفظ حقيقة عرفية في هذا المعنى.
وربما عبروا عنه سالفاً بلفظ:(تَسَاهُل)
وهو مرادف له في اللغة, ولكن الاصطلاح الذى خَصَّ لَفْظَ التسامح بمعنى السماحة الحاصلة تلقاء المخالفين في الدين كان حقيقاً أن يترك مرادفه في أصل معناه؛ فلذلك هجروا لفظ: (التساهل) إذ كان يُؤْذِنُ بقلة تمسك المسلم بدينه؛ فتعيَّن لفظُ التسامح للتعبير عن هذا المعنى.
وهذا لفظ رشيق الدلالة على المعنى المقصود لا ينبغي استبداله بغيره ) ([1072]).
ثانياً: أهمية البحث في تسامح الإسلام: البحث عن تسامح الاسلام _كما يقول ابن عاشور_ من أهم المباحث للناظر في حقائق دين الاسلام؛ فإن كثيراً من العلماء والمفكرين خصوصاً من غير المسلمين لا يتصور معنى سماحة الإسلام حَقَّ تصورها.
وربما اعتقدوا أنها غير موجودة في الإسلام, وربما اعتقد مثبتوها أحوالاً لها تزيد في حقيقتها، أو تنقصها عما كانت عليه.
ولبعض هؤلاء العذر في هذا الخطأ؛ لأنهم قد يشاهدون من أحوال عامة المسلمين في كثير من عصور التاريخ ما يجعلهم يظنون أن ذلك حقيقة دين الإسلام, فيخالفون بذلك صورة الإسلام الحقيقية التي قامت عليها البراهين والشواهد.
على أن بعضاً من المسلمين قد حملهم على تناسي التسامح الإسلامي ما يلاقيهم به بعضُ أهل الملل الأخرى من صلابة المعاملة، وسوء الطوية، وتبييت الشر، وتربص الدوائر، واستغلال ما للمسلمين من تسامح؛ لتحصيل فوائدهم، وإدخال الرزايا على المسلمين مما يبعث المسلمين إلى أخذ الحذر، والمعاملة بالمثل طيلة القرون، حتى أنساهم تسامحهم.
ولكن هذا لهُ مجال آخر؛ فلا يكون ذلك باعثاً على تحريف معنى التسامح.
على أن هذه المعاملة التى لقيها المسلمون في كل العصور في وقت ظهور الدين لم يكن حائلاً بين المسلمين وبين تخلُّقهم بخلق التسامح، واكتساب فضائله مع العلم بما ينالهم من جَرَّائه من متاعب الحذر؛ فإن محاسن الخلال لا يشينها ما قد يضيع بسببها من المنافع، وعلى المتخلق بالفضائل أن لا ينبذها لذلك، ولكن أن يأخذ الحيطة لدفع مكارهها([1073]).
ومن جهة أخرى فإنة لا ينبغي للناظر إلى دين الإسلام أن ينطر من زاوية ما يلقاه من أحوال بعض المسلمين في بعض فترات التاريخ, خصوصاً مثل هذه العصور المتأخرة؛ إذ إن من الظلم, وقصور النظر أن تُجْعل حالُ بعضِ المسلمين هي الصورة التي تمثل الإسلام؛ فَيُظنَّ أن الإسلام لم يُهذِّب طباع أهله, ولم يرفع عنهم الذلة, والقسوة؛ لذا كان لزاماً على من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى دين الإسلام من خلال مصادره الصحيحة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف الأمة الصالح، وأن ينظر إلى الإسلام من خلال الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم، فسيتبين له أن الإسلام يدعو إلى إسعاد البشر، وإضفاء السلام والأمن، وإشاعة العدل والإحسان.
أما انحرافات بعض المنتسبين إلى الإسلام _قَلَّتْ أو كثرت_ فلا يجوز بحال من الأحوال أن تحسب على الدين، أو أن يعاب بها، بل هو براء منها، وتبعة الانحراف تعود على المنحرفين أنفسهم؛ لأن الإسلام لم يأمرهم بذلك؛ بل نهاهم وزجرهم عن الانحراف عما جاء به.
ثم إن العدل يقتضي بأن يُنظر في حال القائمين بالدين حق القيام، والمنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم؛ فإن ذلك يملأ القلوب إجلالاً ووقاراً لهذا الدين وأهله؛ فالإسلام لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من الإرشاد والتهذيب إلا حثَّ عليها، ولا رذيلة أو مفسدة إلا صدَّ عن سبيلها.
وبذلك كان المعظمون لشأنه، المقيمون لشعائره في أعلى طبقة من أدب النفس، وتربيتها على محاسن الشيم، ومكارم الأخلاق، يشهد لهم بذلك القريب والبعيد، والموافق والمخالف.
أما مجرد النظر إلى حال المسلمين المفرِّطين في دينهم، الناكبين عن صراطه المستقيم _ فليس من العدل في شيء، بل هو الظلم بعينه([1074]).
ثالثاً: أن التسامح في الإسلام وليد إصلاح التفكير ومكارم الأخلاق: اللذين هما من أصول النظام الاجتماعي في الإسلام.
وهذا التسامح ناشىء من صحة الاعتقاد الذي يأمر صاحبه بكل خير, وينأى به عن كل شر, ويضبط عواطفه, ويجتث من نفسه كافة الرعونات.
ولا ريب أن العقل السالم من الشهوات والشبهات يسوق صاحبه إلى العقائد الحقة, ويكسبه الثقةَ بعقيدته, والأمنَ من أن يزلزلها مخالف.
غير أنه ربما أحس من ضلال مخالفه بإحساس يضيق به صدره, وتمتلئ منه نفسه تعجباً من قلة اهتداء المخالفين إلى العقيدة الحقة, وكيف يغيب عنهم ما يبدو له هو واضحاً بيناً؛ فههنا يجيء عملُ مكارم الأخلاق, فيكون من النشأة على مكارم الأخلاق, ومن التأدب بآداب الشرع الحكيم مَعْدلٌ لذلك الحرج, وشارحٌ لذلك الصدر من الضيق؛ فيتدرب بذلك على تلقي مخالفات المخالفين بنفس مطمئنة, وصدر رحب, ولسان طلْق؛ لإقامة الحجة, والهدى إلى المحجة دون ضجر ولا سآمة.
وقد جاءت وصايا الإسلام مثيرةً لهذين الأصلين، وهما أصل الثقة بصحة العقيدة, وأصل مكارم الأخلاق في نفوس أبنائه, فأما إثارة أصل الثقة بصحة العقيدة دون التفات لعقيدة الآخرين فبمثل قول الله _تعالى_:[إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِينِ ٧٩ إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ] النمل: 79_80.
وقوله: [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ] المائدة: 105 .
وأما إثارة أصل مكارم الأخلاق فبمثل قوله _تعالى_: [فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا] الكهف: 6 .
ومعنى باخع: مهلك.
ولا ريب أن إثارة هذا الأصل تُوَسِّع الصدر, وتوطِّن النفس على احتمال ما يكون من المخالف.
فلذلك يحق لنا أن نقول: إن التسامح من خصائص دين الإسلام، ومن أشهر مميزاته, وإنه من النعم التي أنعم بها على أضداده وأعدائه, وأدلّ حجة على رحمة الرسالة الإسلامية المُقَرَّرة بقول الله _تعالى_:[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] الأنبياء: 107 ([1075]).
رابعاً: أن الإسلام أرْسى القواعد العامة للتسامح: حيث أسَّس الأسس الراسخة, وعَقَد المواثيقَ المتينة, وفصَّل تفصيلاً بَيِّناً بَيْن واجب المسلمين بعضهم بعضاً، وبَيْن حسن المعاملة لأهل الملل الأخرى؛ فالقرآن والسنة يُعلِّمان المسلمين أن الاختلاف ضروري في جبلَّة البشر؛ فإذا استحضر المرء ذلك، وتخلَّق به صار ينظر إلى الاختلاف نَظَرَه على أنه تفكير جِبِلِّي تتقارب فيه المدارك إصابةً وخطأً، لا نَظَرَهُ إلى الأمر العدواني المثير للغضب.
قال الله _تعالى_:[وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ] هود: 118_119 .
وقال: [وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ] الكهف:29 .
وقال: [لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ] الحج:67 .
إلى غير ذلك من الآيات في هذا السياق.
ولا ريب أن ذلك أساسٌ خُلُقيٌّ عظيم, وهو أن يكون المسلم يضع الأشياء مواضعها, ويحكم لها بأوصافها، لا أن يكون مُنْدَفعاً إلى جميع العوارض التي تعرض له([1076]).
خامساً: شهادة التاريخ على تسامح المسلمين: فلقد عاش الذميون وغيرهم في كنف الدولة الإسلامية دون أن يتعرض أحد لعقائدهم وديانتهم.
وتاريخ الإسلام الطويل شاهد على أن الشريعة وأهلها قد كفلوا لأتباع الأديان الذين يعيشون في ظل الإسلام البقاء على عقائدهم.
ومعلوم لدى القاصي والداني أن هذا لم يكن موقفَ ضعْفٍ من دولة الإسلام, بل كان هذا هو مبدؤها حتى حين كانت في أوج قوتها([1077]).
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله بعد أن قرر تسامح المسلمين مع غيرهم؛ قال: ( وإن شئت فَلُذْ بشواهد التاريخ في عصور الإسلام الجارية على تعاليمه الحقة، والمنزهة عن الأفن والتحريف تَجِدْ مصداقَ ما ذكرناه.
لقد مازج المسلمون أمماً مختلفة الأديان دخلوا تحت سلطانهم من نصارى العرب، ومجوس الفرس، ويعاقبة القبط، وصابئة العراق، ويهود أريحاء, فكانوا مع الجميع على أحسن ما يعامل به العشيرُ عَشيرَه ) ([1078]).
إلى أن قال: ( ولم يحفظ التاريخ أمة سَوَّت رعاياها المخالفين لها في دينها برعاياها الأصليين في شأن قوانين العدالة، ونوال حظوظ الحياة بقاعدة: لهم مالنا وعليهم ما علينا مع تخويلهم البقاء على رسومهم وعاداتهم _ مثل أمة المسلمين؛ فحقيق هذا الذي نسميه التسامح بأن نسميه العظمةَ الإسلاميةَ؛ لأنا نجد الإسلام حين جعل هذا التسامح من أصول نظامه قد أنبأ على أنه مليء بثقة النفس، وصدق الموقف، وسلامة الطوية، وكل إناء بالذي فيه يرشح, وقد أعرب عن ذلك كله قوله _تعالى_: [قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ] يوسف: 108([1079]).
فهذا شيء من تسامح المسلمين, وتعايشهم مع غيرهم, وقد مضى بيان لشيء من ذلك في مباحث سابقة.
وسيأتي مزيد بيان لذلك في المبحث التالي, حيث سيتضح أن من سماحة المسلمين أنه لا يكره أحداً على الإسلام , كما سَيُورَد شهادات لغير المسلمين على سماحة الإسلام.
المبحث الثالث: موقف الإسلام من الإكراه
هذا المبحث مكمل لما مضى من المباحث, حيث سيؤكد من خلاله على مدى روح التسامح في دين الإسلام, وعلى نَبْذِهِ للإكراه، وذلك من خلال ما يلي:
أولاً: مفهوم الإكراه: الإكراه في الأصل إلزام شخص بأمر وهو كاره له([1080]).
وفي الاصطلاح: هو كل ما أدى بشخص لو لم يفعل المأمورَ به إلى ضرب, أو حبس, أو قطعِ رزقٍ يستحقه، أو نحو ذلك([1081]).
ثانياً: موقف الإسلام من المخالفين: لا يوجد هناك ديانة من الديانات فَصَّلت في أحكام المخالفين لها _حقوقاً وواجبات_ كما هو الحال بالنسبه للشريعة الإسلامية، وقد مر شيء من ذلك فيما سبق, بل لقد ألف بعض علماء الإسلام في ذلك, كما في صنيع ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم (أحكام أهل الذمة([1082])).
ولذا يرى بعض الباحثين الغربيين في مجال حقوق الإنسان أن عهد الذمة التي كان يعقدها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم كانت أول ميثاق في حرية الاعتقاد([1083]).
ثالثاً: انتفاء الإكراه على دخول الإسلام: الأصل في دين الإسلام أن لا يُكْرِه أحداً على الدخول فيه.
وهذا الأمر ظاهر البيان في نصوص القرآن الكريم, والسنة النبوية, وعليه سار المسلمون في تعاملهم مع الشعوب([1084]).
فالإكراه على الدين والعقيدة منتفٍ من عدة جهات:
الأولى: أن من آمن مُكرهاً لا ينفعه إيمانه؛ إذ لابد أن يكون الإيمان عن قناعة ويقين، واعتقادٍ صادق, واطمئنانِ قلب([1085]).
قال ابن تيمية رحمه الله : ( ولهذا لم يكن عندنا نزاع في أن الأقوال لا يثبت حكمها في حق المكره بغير حق؛ فلا يصح كُفْرُ المكره بغير حق, ولا إيمان المكره بغير حق ) ([1086]).
الثانية: أن وظيفة الرسل وأتباعهم من بعدهم إنما هي البلاغ, وإيصال الحق الى الناس.
قال الله _تعالى_ لرسوله صلى الله عليه وسلم :[إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ] الشورى: 48 .
وقال : [قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مُنذِر] ص: 65 .
فالمهمة الـمُناطة بهم _إذاً_ إنما هي الدعوة والبلاغ, والمناصحة, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وهي ما يعرف بهداية الدلالة والإرشاد.
أما هداية التوفيق والإلهام, وإدخال الإيمان في القلوب فهي لله وحده.
وهذا ما يؤكد جانباً من جوانب الحرية, ألا وهو تَحَرُّرُ الإنسان من كل رقابة بينه وبين خالقه؛ فالعلاقة _في الإسلام_ مباشرة بين الإنسان وربه من غير واسطة من أحد مهما كانت منزلته([1087]).
الثالثة: واقع غير المسلمين في بلاد المسلمين, وقد مر الإشارة إلى ذلك في المبحث الماضي
الرابعة: شهادات غير المسلمين في ذلك, وستأتي الإشارة إليها.
الخامسة: أن المسلم إذا تزوج كتابية فإنه لا يلزمها بالتخلي عن دينها والدخولِ في الإسلام، بل لها الحق الكامل بالبقاء على ديانتها مع حفظ كامل حقوقها([1088]).
رابعاً: أشهر النصوص في انتفاء الإكراه عن الإسلام: لعل أشهر النصوص من الكتاب والسنة في أن الإسلام لا يجبر أحداً على الدخول فيه كما قال الله _تعالى_: [لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ] البقرة: 256 .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه واضح جَليةٌ دلائلُه وبراهينه, لا يحتاج إلى أن يُكْرَهَ أحَدٌ على الدخول فيه.
بل من هداه الله للإسلام , وشرح صدره, ونوَّر بصيرته دخل فيه على بينة.
ومن أعمى الله قلبه, وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول مكرهاً مقسوراً ) ([1089]).
كما يُظْهر القرآن صورة أخرى في المعاملة الحسنة مع المخالفين في قوله _تعالى_: [لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨ إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ] الممتحنة.
فالآية تشهد بطريق واضح أن هؤلاء بقوا مع المسلمين مع احتفاظهم بدينهم المخالف للإسلام, ولم يمنع الإسلام من الإحسان في معاملتهم.
ونجد مبدأ الحرية في الديانة مقرراً في قوله_تعالى_: [وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ] الكهف: 29 .
والمراد ههنا دعوة الناس، ولا يلزم من ذلك أن كلَّ من دُعي إلى الإسلام والهدى أنه سيجيب, وإن كان الواجب عليهم أن يكونوا مسلمين جميعاً([1090]).
خامساً: شهادة غير المسلمين على تسامح المسلمين: هناك الكثير من الشهادات التى تجلي تسامح المسلمين, وعدلهم، بل الإحسان للمخالفين لهم في الدين.
وأكثر هذه الشهادات من المنصفين, وبعضها ممن يسمون برجال الدين المسيحيين, بل إن بعضها ممن يتسمون بالحقد والجهل على الإسلام.
وفيما يلي شيء من تلك الشهادات:
1_ تقول دائرة المعارف الكتابية _والتي كتبها جماعة من المختصين في شأن اللاهوت والكتاب المقدس_ عن الحالة الدينية، وما ناله المسيحيون في مصر إبَّان الفتح الإسلامي؛ من معاملة عادلة: ( وحظي اليهود والأقباط من العرب أفضل من معاملة الرومان، أو رجال الكنيسة اليونانية.
وبعد الفتح العربي استراحت الكنيسة من الاضطهاد، فازدهرت، وربحت كثيراً من النفوس حتى بين غير المسيحيين ) ([1091]).
2_ وهذا المطران ميشيل يتيم يتحدث عن الفتح الإسلامي لمنطقة الشام والعراق, والتي كان معظم سكانها من المسيحيين؛ فيقول: ( ولما استتب الأمر للعرب بعد السنوات الأولى من الفتوحات اضطر الخلفاء والحكام إلى إصدار أحكام واضحة تحدد موقف المسلمين من النصارى, وتنظم أوضاعهم الدينية والسياسية والاجتماعية.
لقد اتصفت هذه العهود بالسماحة ورحابة الصدر, فسمحت لمن يشاء من السكان والرهبان والموظفين بالهجرة إلى الأراضي البيزنطية, فغادر الدولة الإسلامية عدد وافر، وحافظ الباقون على كنائسهم, وأموالهم، وحريتهم الدينية, وشرائعهم الخاصة بقيادة أساقفتهم ) .
ثم ذكر بعض الواجبات المترتبة عليهم إزاء ذلك([1092]).
3_ وهذا جولدزيهر وهو المستشرق المعروف بطعنه في عدد من الشرائع الإسلامية نجده لا يخفي إعجابه, حيث يقول: ( وروح التسامح في الإسلام قديماً, تلك الروح التى اعترف بها المسيحيون المعاصرون أيضاً, كان لها أصلها في القرآن: [لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ] البقرة: 256 .
وقد جاءت الأخبار عن السنين العشر الأولى للإسلام بمُثُل للتسامح الديني للخلفاء إزاء الأديان القديمة, وكثيراً ما كانوا يوصون في وصاياهم للفاتحين بالتعاليم الحكيمة ) ([1093]).
4_ وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: ( فما يدَّعيه بعضهم من اتهامهم _أي المسلمين_ بالتعصب والوحشية إن هو إلا مجرد أسطورة من نسج الخيال تكذبها آلاف من الأدلة القاطعة في تسامحهم، وإنسانيتهم في معاملاتهم مع الشعوب المغلوبة.
التاريخ لا يقدم لنا في صفحاته الطوال إلا عدداً ضئيلاً من الشعوب التي عاملت خصومها والمخالفين لها في العقيدة بمثل ما فعل العرب, وكان لمسلكهم هذا أطيب الأثر, مما أتاح للحضارة العربية أن تتغلغل بين تلك الشعوب بنجاح لم تحظ به الحضارة الإغريقية ببريقها الزائف, ولا الحضارة الرومانية بعنفها وفرض إرادتها بالقوة ([1094]) ) .
5_ ويقول المستشرق الإنجليزي توماس آر نولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام: ( لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح ) ([1095]).
6_ ويقول _أيضاً_: ( لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قُصد منه استئصال الدين المسيحي ) ([1096]).
فهذا فيض من غيض من الشهادات التي تبين ما كان عليه المسلمون من التسامح([1097]).
المبحث الرابع: موقف الإسلام من العنف
تمهيد في مفهوم العنف: قال ابن منظور رحمه الله : ( العنف: الخرقُ بالأمر, وقلة الرفق به, وهو ضد الرفق ) ([1098]).
فالعنف _ إذاً _ هو الشدة والغِلظة, والجفاء في المواضع التي تحتاج إلى الرفق.
ويقصد بالعنف في الاصطلاح العالمي الآن ما يكون من استعمال الشدة في التعبير، والخطاب، وما إلى ذلك مما يدخل في معنى العنف، وينافي الرفق.
وسيكون الحديث فيما يلي من خلال بيان موقف الإسلام من العنف، ومن خلال ذكر نماذج من رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالمخالفين.
المطلب الأول: موقف الإسلام من العنف
لقد جاء الإسلام بنبذ العنف, والتحذير منه, وبيان سوء عاقبته.
كما جاء بالحث على لزوم الرفق, والأخذ به, والترغيب فيه.
والنصوص من الكتاب والسنة حافلة بذلك إما تصريحاً, أو إشارة, أو أمراً بلزوم الرفق, أو نهياً عن العنف, أو بياناً في فضل الرفق وذم العنف، وذلك في شتى الشؤون سواء بالدعوة إلى الله، أو الدعوة إلى التغيير والإصلاح، أو في الأمور الخاصة، أو العامة.
قال الله _تعالى_ في خطاب هارون وموسى _عليهما السلام_ :[ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ٤٣ فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ] طه .
ولقِّن موسى _عليه السلام_ من القول اللين أحسنَ ما يخاطب به جبار يقول لقومه: أنا ربكم الأعلى، فقال _تعالى_:[فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ ١٨ وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ] النازعات.
قال ابن القيم رحمه الله : ( وتأمل امتثال موسى لما أُمِر به كيف قال لفرعون: [هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ ١٨ وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ]النازعات.
فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مَخْرجَ الأمر، وقال: [إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ]ولم يقل: ( إلى أن أزكيك ) .
فنسب الفعل إليه هو، وذكر لفظ التزكِّي دون غيره؛ لما فيه من البركة، والخير، والنماء.
ثم قال:[ وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ] أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك.
وقال: [إِلَىٰ رَبِّكَ] استدعاءً لإيمانه بربه الذي خلقه، ورزقه، ورباه بنعمه صغيراً وكبيراً ) .([1099])
ولهذا فإن المحاورة التي تُلقى في أدب، وسعة صدر، تسيغها القلوب، وتهش لها النفوس، وترتاح لها الأسماع.
ولقد امتن ربنا _جل وعلا_ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن جبله على الرفق، ومحبة الرفق، وأن جنبه الغلظة، والفظاظة، فقال _عز وجل_: [فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ] آل عمران: 159.
ولقد كانت سيرته _عليه الصلاة والسلام_ في الحوار وغيره حافلةً بهذا الخلق الكريم الذي مَنْ مَلَكَه بسط سلطانه على القلوب.
وكما كان _عليه الصلاة والسلام_ متمثلاً هذا الخلق فقد كان يأمر به ويبين فضله.
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على غيره ) . ([1100])
وقال _عليه الصلاة والسلام_: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه ) . ([1101])
ولما بعث أبا موسى الأشعري ومعاذاً إلى اليمن قال لهما: ( يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا ) . ([1102])
هذا وإن الأمثلة على ذلك الخلق من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًّا، ومنها ما جاء في الصحيحين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه، فأغلظ له في القول، فهمَّ به أصحابه، فقال: ( دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً ) .([1103])
وجاء في الصحيحين أن رهطاً من اليهود دخلوا عليه وقالوا: ( السام عليكم ) محرفين كلمة (السلام) إلى (السام) والسام الموت، فلم يزد رسول الله على أن قال: ( وعليكم ) .
ولما ردَّت عليهم أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_ بقولها: ( وعليكم السام واللعنة ) قال لها: ( مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق بالأمر كله ) .([1104])
وجاء في صحيح البخاري أن عائشة _رضي الله عنها_ تصفُ رسول الله فتقول: ( والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط؛ حتى تنتهك حرمات الله؛ فينتقم لله ) .([1105])
وإذا تقصَّيتَ سيرته بحثاً وتنقيباً، وجدت مُصَدَّقه لما وصفته به أم المؤمنين من الرفق والحلم، فما عاقب _عليه الصلاة والسلام_ أحداً مسه بأذى، ولا اضطغن على أحد أغلظ له في القول، بل كان يلاقي الإساءة بالحسنى، والغلظة بالرفق إلا أن يتعدى الشر، فيلقي في سبيل الدعوة حجراً، أو يحدث في نظام الأمة خللاً.([1106])
فالرفق واللين _إذاً_ هو المتعين، وهو الأليق، وهو الأصل في أحوال النبي صلى الله عليه وسلم .
ومع ذلك فقد يُحْتَاج إلى الحزم، وذلك في حالات خاصة، ومن أناس مخصوصين، وفي حق من يستحق ذلك؛ فإذا كان الإنسان ذا مكانة، وكان المقام يقتضي الحزم، ولم يترتب على ذلك مفسدة أكبر _أُخِذ بهذا الأسلوب.
ولهذا كان موسى _عليه السلام_ متلطفاً مع فرعون غاية التلطف في بداية الأمر _كما مر قريباً_ وعندما رأى من فرعون العناد والاستكبار ومحاولة الصد عن الهدى من بعد ما تبين له _ أغلظ له في الخطاب كما في قوله _تعالى_: [وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا] الإسراء:102.
فأين هذا الخطاب من الخطاب الأول؟
وكما في قوله _ تعالى_: [وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ] العنكبوت:46.
وكما قال إبراهيم _عليه السلام_ لقومه: [أُفّٖ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ] الأنبياء:67.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بهذا الأسلوب عند الحاجة إليه.
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين في قصة المرأة المخزومية التي سرقت، فعن عائشة _رضي الله عنها_ أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت؛ فقالوا: ومن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن يتجرأ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ ) .
ثم قام فخطب، قال: ( يا أيها الناس! إنما أضل من قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ) . ([1107])
ولقد بوب البخاري في كتاب الأدب من صحيحه باباً سماه: ( باب: ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله ) .
ثم ساق تحته خمسة أحاديث. ([1108])
وخلاصة القول أنَّ الرفق هو الأصل، وهو الأليق ما لم تدع الحاجة إلى الحزم، وأنَّ الحزم قد لا يلائم كل أحد، خصوصاً ممن ليس له قَدْرُ سنٍّ، أو علم، أو منزلة، أو قبول عند الناس.
ولعل السبب في تنويع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يراعي أحوال الناس من حيث الشدة والرفق؛ فهو يستعمل الرفق في الأصل، ومع الجاهلين، أو الصغار، أو حديثي العهد بالإسلام، أو في غير ذلك من الأحوال والمصالح التي يحسن فيها الرفق.
ويستخدم الشدة أحياناً مع من صدر منهم ما لا يليق بهم ذلك؛ لطول صحبتهم، أو لعلمهم، وورعهم، وتقواهم([1109]).
كما كان يستعمل الشدة مع المعاندين والمتكبرين، والمستهزئين، والمستخفين بالدعوة؛ فاستعمال الرفق في موضعه حكمة، كما أن استعمال الشدة في مكانها حكمة.
المطلب الثاني: نماذج من رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالمخالفين
السيرة النبوية حافلة بنماذج كثيرة من رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالمخالفين من سائر الطبقات، وإليك هذين المثالين في هذا الشأن:
المثال الأول: جاء في الصحيحين عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول: ( بعث رسول الله خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( ماذا عندك يا ثمامة؟ ) .
فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تُعطَ منه ما شئت.
فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد، فقال: ( ما عندك يا ثمامة؟ ) .
قال: ما قلت، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فَسَلْ تعط منه ما شئت.
فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد، ثم قال: ( ماذا عندك يا ثمامة؟ ) .
فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أطلقوا ثمامة ) فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد! والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغضَ إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلِّها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟
فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .([1110])
فانظر إلى هذا الحلم، والصبر، وطول النفس؛ حيث أمهله النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام وهو يقول له: ( ماذا عندك يا ثمامة ) .
ولما أحس منه العِزَّة، وأدرك _بذوقه المرهف_ أنه سيد لا يقبل الضيم صفح عنه، وأطلق سراحه بعد حوار دام ثلاثة أيام.
فما كان من ذلك السيد إلا أن دخل في الإسلام عن طواعية، وصار في قبيل أهله بفضل ذلك الحوار الراقي، وذلك الرفق، والحلم، والصبر، وطول النفس.
يقول النووي رحمه الله : ( قوله: وما عندك يا ثمامة؟ ) وكرر ذلك ثلاثة أيام _ هذا من تأليف القلوب، وملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأشراف الذين يتبعهم على إسلامهم خلق كثير ) ([1111]).
المثال الثاني: جاء في صحيح مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من اليهود، فقال: السلام عليكم يا محمد؛ فدفعته دفعةً كاد يصرع منها، فقال: لِمَ تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله، فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ) .
فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أينفعك شيء إن حدثتك؟ ) .
قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه، فقال: ( سل ) فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هم في الظلمة دون الجسر ) قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: ( فقراء المهاجرين ) .
قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟
قال: ( زيادة كبد النون ) .
قال: فما غذاؤهم على إثرها؟
قال: ( ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ) .
قال: فما شرابهم عليه؟ قال: ( من عين فيها تسمى سلسبيلاً ) قال: صدقت.
قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي، أو رجل، أو رجلان، قال: ( أينفعك إن حدثتك؟ ) قال: أسمع بأذني.
قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ( ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا، فعلا مَنِيُّ الرجل مَنِيَّ المرأةِ أَذْكَرا بإذن الله، وإذا علا منيُّ المرأةِ منيَّ الرجل آنثا بإذن الله ) .
قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف، فذهب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به ) ([1112]).
فالنبي _عليه الصلاة والسلام_ كان يُلْزِم أهل الكتاب بما في كتبهم من العلم، وينعى عليهم مخالفتهم لما جاءت به رسلهم، وكانوا؛ لعلمهم بالكتاب يوجهون أسئلة تشتمل على شيء من الدقة والمعرفة وإن كانوا ضالين.
والحبر اليهودي في هذا الحديث حاور النبي صلى الله عليه وسلم ودار في خلده أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يستطيع الإجابة عن أسئلته، غير أن ظنه لم يكن في محله؛ حيث أجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك الأسئلة([1113]).
كما أن في ذلك الحوار أدباً نبوياً عالياً، ألا وهو التواضع الجم، والرفق بالمخالف؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم تواضع لهذا اليهودي، وتنزل في محاورته؛ حيث وافقه، ورضي منه بأن يناديه باسمه المجرد دون أن يعترف له بالرسالة؛ طمعاً في هدايته.
كما أن فيه أدباً آخر من آداب الحوار ألا وهو ترك التحاور فيما لا ينفع؛ حيث سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحبرَ عن مدى نفع جوابه له، فقال: ( أينفعك إن حدثتك؟ ) .
ولهذا آتى الحوار ثمرته، وانقطع اليهودي، وأقر بالنبوة للنبي صلى الله عليه وسلم .
المبحث الخامس: الجهاد في الإسلام
تمهيد
الحديث عن الجهاد في الإسلام يطول، والمقام لا يسمح بالتفصيل، وإنما سيدور حول بعض المسائل التي تعطي صورة عامة عن مفهوم الجهاد، وإيضاح شيء من مقاصده، وعن بعض ما جاء في السيرة النبوية في شأنه، وعن أدب الحرب في الإسلام، وعن أمثلة من أخلاق المسلمين في الجهاد؛ فإلى بيان ذلك من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: مفهوم الجهاد
أولاً_ حقيقة الجهاد: يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : ( حقيقة الجهاد هو الجد والاجتهاد في كل أمر يقوي المسلمين، ويصلحهم، ويلم شعثهم، ويضم متفرقهم، ويدفع عنهم عدوان الأعداء أو يخففه بكل طريقة ووسيلة ) .([1114])
ثانياً_ أقسام الجهاد في الإسلام: يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : ( الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم، وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية والعملية.
وهذا النوع هو أصل الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين من الكفار والملحدين وجميع أعداء الدين، ومقاومتهم.
وهذان نوعان: جهاد بالحجة والبرهان واللسان، وجهاد بالسلاح المناسب في كل وقت وزمان.
هذا مجمل أنواعه على وجه التأصيل ) .([1115])
ثم شرع في بيان أنواع الجهاد على وجه التفصيل، فذكر أنواعاً كثيرة متعددة من الجهاد، فذكر منها: الجهاد المتعلق بالمسلمين بقيام الألفة، واتفاق الكلمة، ووجوب الاستعداد للأعداء بكل قوة، وأخذ الحذر منهم، وأن الوجوب يتعلق بالقدرة والاستطاعة.
وذكر أَنَّ معرفة أحوال الأمم وَدَرْسَها، ومعرفة سياساتها داخل في الجهاد، وأن القيام بالقسط والوفاء بالعهود والمعاقدات، وربط الصداقات، وعقد المعاهدات بين الحكومات الإسلامية من الجهاد في سبيل الله.
وذكر أن الاعتناء بالتربية والتعليم من أصول الجهاد، وأنَّ من الجهاد رعايةَ الأمانة، وتخيُّرَ الأكفاء من الرجال في الولايات والأعمال، وأَنَّ شرح محاسن الدين الإسلامي من أعظم الجهاد إلى غير ذلك مما ذكره، وفصَّل القول فيه. ([1116])
وبهذا يتضح لنا شيء من سعة مفهوم الجهاد في الإسلام، وأنه ليس مقتصراً على القتال والحرب، وإنما هو أعم وأشمل من ذلك.
ثالثاً_ الإسلام دين القوة: والقوة أمر محمود في كل شيء، وهي صفة تتعلق بها النفس البشرية وتحبها، والإنسان حينما يأخذ أموره بحزم، وينجز أعماله ويدير شؤونه بقوة فإنه منجز ما يريد سواء في ذلك القوة الفكرية أو القوة العلمية أو القوة المادية.
فالبدن القوي، والرأي القوي والشخصية القوية كلها صفات مستحبة.
ومعلوم أن وجه الاستحباب والاستحسان لا يكون محموداً إلا إذا كان في طرق الخير، ووجوه المنفعة للنفس والناس أجمعين.
والدولة لا تحفظ مهابتها وتقرُّ بها أعين حلفائها إلا إذا كانت القوة سمة ملازمة لها.
وهذه سنة إلهية من السنن التي تبنى عليها الحياة؛ فلا خير في حق لا نفاذ له، ولا يقوم حق ما لم تسانده قوة تحفظه، وتحيط به.
وما فتئت أمم الدنيا ودولها تعد لنفسها القوة بمختلف الأساليب والأنواع حسب ظروف الزمان والمكان، وعصرنا الحاضر تَفَتَّقت أذهان أبنائه عن أنواع من القوى وأساليب من الاستعداد فاقت كل تصور، فهذه مقدمة في القوة وأهميتها.
ومقدمة أخرى تتعلق بطبيعة الإسلام وأهله، أما الإسلام فيخطئ كثير من غير المسلمين حين يظنون أن الإسلام ملة مقصورة على مجموعة من العقائد الغيبية والشعائر التعبدية مما يجعل الإسلام في مفهومهم لا يعدو أن يكون مسألة شخصية يختار الإنسان لنفسه ما شاء من عقيدة وديانة يعبد ربه بأي طريقة رضيها لنفسه، لا يعدو الأمر عندهم غير ذلك.
ولكن الإسلام في معناه ومرماه غير ذلك، فهو اعتقاد صحيح في القلب إيماناً بالله إلهاً و احداً لا يستحق العبادة سواه، موصوفاً بصفات الكمال، منزهاً عن كل عيب ونقص.
وهو إلى جانب ذلك شريعة حاكمة شاملة لكل ما يحتاجه الإنسان في نفسه ومجتمعه، في سلمه وحربه، في تعامله مع أهله، والقريب والبعيد، والعدو والصديق في شرائع وأحكام وآداب تشمل النظم السياسية، والاجتماعية، والخلقية، والاقتصادية، وسائر شؤون الدنيا.
وأما أهل الإسلام فليسوا أمة على المعنى المصطلح عندهم، والذي يعني طائفة من الناس توافقت فيما بينها، وتألفت في خصائص معينة.
ولكن أمة الإسلام تضم كل من اعتنق الدين من أي جنس أو لون أو قطر في الشرق وفي الغرب. ([1117])
وانطلاقاً من هذا الإيضاح يتبين أن الإسلام ليس بتلك النحلة الضيقة، وأهل الإسلام ليسوا بتلك الأمة المنزوية على نفسها.
وبناءً عليه فإن الجهاد في الإسلام مشروع لنشر الحق، وليدخل الناس في الإسلام كافة.
وفي هذا الصدد يحسن التنبيه إلى أن المصطلح الإسلامي هو ( الجهاد ) وليس الحرب أو القتال، وإنما مفهومه أشمل وأعم _كما مر_.
إن لفظ الحرب _غالباً_ ما يراد به القتال الذي يشب لهيبه، وتستعر ناره بين الرجال والأحزاب والشعوب لمآرب شخصية، وأغراض ذاتية، وأهداف مادية.
والقتال المشروع في الإسلام ليس من هذا القبيل، وليس لهذه الأغراض، ولا لتلك الأهداف.([1118])
رابعاً_ معنى كون الجهاد في سبيل الله: بعد ما سبق إيضاحه من معنى الجهاد وحقيقته، و سر اختيار هذه الكلمة، لا بد من التنبيه على كلمة لصيقة بها في المصطلح الإسلامي ألا وهي عبارة ( في سبيل الله ) .
إنها تحدد بجلاء المقصود من هذه القوة الإسلامية، إنه شرط لا ينفك عنه أبداً بل لو انفك عنه لبطل المصطلح، ولفسد الأمر، واضمحل الهدف.
إن معنى ( في سبيل الله ) أن كل عمل يقوم به المسلم يقصد به وجه الله، ثم المصالح العامة، وسعادة الأمة؛ فهو في سبيل الله _كما مر_ فإنفاق المال في وجوه الخير والبر إذا قصد به المنفق منافع دنيوية، أو ثناء الناس فهو ليس في سبيل الله، حتى ولو دفعه إلى مسكين معوز.
( في سبيل الله ) مصطلح يطلق على الأعمال التي تؤدى خالصة لوجه الله من غير أن يشوبها شيء من شوائب الأهواء والشهوات.
والجهاد ما قُيِّد بهذا القيد إلا للدلالة على هذا المعنى؛ فالجهاد الإسلامي الحق لا بد أن يكون مجرداً من كل غرض، مبرأً من كل هوى، أو نزعات شخصية، لا يُقْصَد به إلا تأسيس نظام عادل يقوم عليه الناس بالقسط؛ فينشر الحق، وينصر العدل.
يقول الله _عز وجل_: [ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ] النساء: 76 .
وجاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله؛ ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً، ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه.
قال وما رفع رأسه إليه إلا أنه كان قائماً، فقال: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) ([1119]).
والقرآن والسنة مملوءان ببيان هذا المعنى، وتأكيده، وضرورة التزامه. ([1120])
المطلب الثاني: نظرة في الجهاد من خلال السيرة النبوية
من ذا يجهل أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أفاض على العالم حكمة وهداية وإصلاحاً، وما الحسام الذي يأمر بانتضائه إلا كمبضع طبيب ناصح يشرط به جسم العليل؛ لينزف دمه الفاسد حرصاً على صحته وسلامته.
ومن تقصى السيرة النبوية وجد فيها ما يصدق قول عائشة _رضي الله عنها_: ( ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله، فينتقم لله ) .([1121])
فمحمد _عليه الصلاة والسلام_ لم يقاتل الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون حرصاً على حياته، وإنما كان يقاتلهم حرصاً على حياة الفضيلة، وظهور الحق، وبسط أنوار التوحيد، وإقامة نظم المدنية المهذبة، ولكن الناشئين على اللهو واتباع الشهوات لا يفقهون.([1122])
فما الذي كان يريده المفترون على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعد ما ألح عليه العدوان هكذا, حتى كاد يأتي عليه؟!.
إن الدنيا لَتَعرف كيف تَكتَّلَ الكفار ضده في شعب أبي طالب ذلك الحصار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المشهور الذي أنزل بمحمد وصحبه وبعض قرابته من الضُّر ما آذاهم حتى أكل بعضهم يوماً من الجوع أوراق الشجر.
ولولا أن الله عَطَّف عليه قلوبَ بعض الكرام لبلغ الكفار مرادهم، مما أكره الرسول صلى الله عليه وسلم على الإذن لصحبه بالهجرة الكبرى إلى المدينة.
ثم أدركهم بعدها صبيحة الليلة التي جمع الكفارُ فيها من كل قبيلة فتىً، وقرروا أن ينُهْوا حياته بالسيف؛ حتى يضيع في القبائل دمه، وما تقوى على حربهم قريش.
فأي صبر كانوا ينتظرون من الرسول صلى الله عليه وسلم فوق هذا الصبر؟ وكيف تكون الموادعةُ بعد هذا سبيلَ التفاهمِ من أناس رفعوا عليه السيف, ولم يَحْمِهِ منه أحدٌ غيرُ رعايةِ الله له؟!
إن صبر محمد صلى الله عليه وسلم على قومه حتى هذا المدى لَهُوَ آيةٌ من الآيات على عظمة التسامح والمسالمة عند محمد، وإرخائه العِنان لقوم لم يكونوا يستحقون سوى الكبريت والحطب.
لقد سَالَمَ محمدٌ المشركين , وجاوز حدود الصبر, فما أجدت المسالمة, ولا أفاد الصَّبرُ, وأصبح الاستمرار عليهما مما لا يتفق ومنطقَ الحياة, ومما لا يتفق _كذلك_ ومنطقَ النبي الذي جاء قوياً كفرسان العرب, عظيماً في حسبه ونسبه وفضائله, والذي جاء قبل هذا ليكون رسولَ حياةٍ يخاطب أهلها بما يفهمون.
إنْ لقيه الناس بالإحسان فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وإن كانت الأخرى فَدِيْنُ محمدٍ فيه ترياقُ السموم، وقرعُ الحديد بالفولاذ.
ومن عَجَبٍ أن ما اتخذه محمد _صلوات الله عليه_ سلوكاً لنفسه، وطريقاً لحماية دعوته منذ القرون الطوال هو نفسه الطريق الذي آثرته البشرية دون غيره لضمان البقاء.
ولو خضع الناس للبغي، وأداروا خدودهم اليسرى لمن يصفعهم على اليمنى لما قام على وجه الدنيا أحدٌ في وجه ظالم, ولعاش الطغاة أعمارهم محفوفين بالإجلال والإعظام.
ولو قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مقالة أصحاب موسى: [فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ] (المائدة: 24) لما قُدِّرَ للحياة أن تفيد من أسرار هذا الدين العظيم الذي لا يوجد لمشكلات عالم اليوم من حلول أفضل مما فرضها لها دين محمد صلى الله عليه وسلم !([1123])
وإذا جنح _عليه الصلاة والسلام_ إلى خيار الحرب؛ فهل يعني ذلك أن يتجرد من الرحمة، ويكون هدفُه الأولُ والأخير سفكَ الدماءِ دون مراعاة لعهد أو حرمة؟
هذا ما سيتبين خلال المطلب التالي.
المطلب الثالث: آداب الحرب في الإسلام
إن الحرب في الإسلام لها آداب، وأحكام محفوفة بالرفق، والرحمة.
فمن الرفق الذي أقام عليه الإسلام سياسته الحربية أنه منع من التعرض بالأذى لمن لم ينصبوا أنفسهم للقتال كالرهبان، والفلاحين، والنساء، والأطفال، والشيخ الهرم، والأجير، والمعتوه، والأعمى، والزَّمِن.
ومن الفقهاء من لا يجيز قتل الأعمى، والزَّمِن ولو كانا ذوي رأي في الحرب وتدبير.
ولا يجوز قتلُ النساءِ وإن استعملن لحراسة الحصون أو رمين بنحو الحجارة، ودليل هذا قوله _تعالى_: [وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ] (البقرة:190) فجعل القتال في مقابلة القتال.
ونبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن من لا يقاتل لا يقتل، حين وجد امرأة في بعض الغزوات قتيلة؛ فأنكر ذلك، وقال: ( ما كانت هذه لتقاتل ) ! ([1124])
وإذا وضع المحاربون الأطفال والنساء أمامهم، وجب الكف عن قتالهم، إلا أن يَتَّخِذوا ذلك ذريعة للنصر علينا، ونخشى أن تكون دائرة السوء على جندنا.
ولا يجيز الإسلامُ التمثيلَ بالمحارب، قال صلى الله عليه وسلم : ( ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً ) ([1125]).
ويمنع من حمل الرؤوس من بلد إلى بلد، أو حملها إلى الولاة، وقد أنكر أبوبكر الصديق رضي الله عنه هذا؛ فقد روى البيهقي عن عقبة بن عامر الجهني أن عمرو ابن العاص، وشرحبيل بن حسنة بعثا عقبة بريداً إلى أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه برأس يناق بطريق الشام؛ فلما قدم على أبي بكر أنكر ذلك، فقال له عقبة: يا خليفة رسول الله فإنهم يصنعون ذلك بنا.
قال أبو بكر: تأسِّياً أو استناناً بفارس والروم؟
لا يحمل إليّ برأس، وإنما يكفي الكتاب والخبر.([1126])
وأخرج أحمد وأبو داود من حديث عمران بن حصين وسمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن المُثْلة.([1127])
والمثلة: تعذيب المقتول بقطع أعضائه، وتشويه خلقه قبل أن يُقتل أو بعده، وذلك كأن يجدع أنفُه، أو تصلم أذنُه، أو تفقأ عينُه، وما أشبه ذلك من أعضائه.([1128])
ولم يشرعِ الإسلامُ للأسير حكماً واحداً، بل جعل أمره موكولاً إلى الأمير الذي يقدر مصلحة الحرب، وله أن يخلي سبيله بفداء، أو بغير فداء.
ومن أدب الحرب في الإسلام الوفاءُ بتأمين المحارب؛ فإذا أعطى أحدُ الجند الأمان لأحد المحاربين _ وجب احترام هذا التأمين، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لذلك المحارب بأذى.
وإلى هذا يشير قوله _صلوات الله عليه_: ( ويسعى بذمتهم أدناهم ) .([1129])
وقد أمضى النبي صلى الله عليه وسلم تأمين أم هانئ بنت أبي طالب لرجل من المشركين، وقال لها: ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) .([1130])
وحدث في عهد عمر بن الخطاب أن عبداً أَمَّن أهل بلد بالعراق، فكتب قائد الجيش وهو أبو عبيدة إلى عمر يأخذ رأيه في هذا التأمين، فكتب إليه عمر: ( إن الله عظّم الوفاء، فلا تكونون أوفياء حتى تفوا؛ فوفوا لهم، وانصرفوا عنهم ) .([1131])
ومن آداب الحرب في الإسلام، ومما يُجَلِّي معنى الرفق والرحمة مجاملةُ رسل العدو، وترك التعرض لهم بأذى؛ فقد يأتي رسول العدو في شأن الصلح أو غيره مما فيه تخفيف شر الحرب؛ فمن حسن الرأي أن لا يُتَعَرَّض للرسل بأذى، وأن يكونوا في أمن حتى يعودوا إلى قومهم؛ فإن التعرض لهم بأذى يقطع صلة الرسالة بين الفريقين، ويسد طريق المفاوضات التي يُتَوسَّل بها إلى عدم الدخول في الحرب، أو إنهائها إذا كانت ناشبة.
ومكارم الأخلاق تأبى أن يُتَعَرَّض لرسول بأذىً ولو أرسله قومه لإبلاغ ما عزموا عليه من محاربتنا، أو صدر منه كلام في تعظيم أمر قومه بقصد الفخر أو الإرهاب.
وقد جرى نظام الإسلام في الحرب على هذا الأدب المقبول.([1132])
قدم أبو رافع بكتاب من قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله ألقِيَ في قلبه الإسلام، فقال: يا رسول الله: إني _والله_ لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما أني لا أخيس بالعهد، ولا أحبسُ البُرُدَ، ولكن ارجع فإن كان في قلبك الذي في قلبك الآن، فارجع ) .
قال: فرجعت، ثم أقبلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسلمت.([1133])
هذه نبذة من آداب الحرب في الإسلام، تلك الآداب التي غَيَّرت نظرةَ الناس للحرب؛ إذ كانت نظرتهم تعني أن مبدأ الشفقة مناقض للحرب التي تعني الكُلوحَ، والعبوس، والقسوة بكل حال.
وبخاصة ما نراه اليوم من حروب هذا العصر التي تأكل الأخضر واليابس، وتتسم بالوحشية، ولا تعرف الرحمة لا في أثنائها، ولا بعد نهايتها.
غير أن الناظر في تاريخنا المجيد، وسيرة نبينا الأعظم يجد هذا المعنى لائحاً واضحاً _كما مر_ ويراه _كذلك_ بعد نصره صلى الله عليه وسلم ، وتمكنه من الأعداء الذين ناصبوه العداوة، ولم يَدَعوا طريقاً في سبيل إيذائه إلا وسلكوه.
وإذا أردت مثالاً يثبت فؤادك فانظر إلى ما كان منه _عليه الصلاة والسلام_ يوم فتح مكة الذي حصل بعد صراع مرير، وبعد أن فعلت قريشٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما فعلوا.
فعندما انتصر عليهم، وأحاط بهم إحاطة السِّوار بالمِعْصم، وظنت قريش الظنـون؛ لعلمهـم بسـوء صنيعهم السابق، وحسبوا أنه سيدخل مكة دخول الجبابرة والطغاة مزهوًّا منتقماً _ فاجأهم بأن جاء متواضعاً متخشعاً لربه، غير مَزْهوٍّ بنصره، ولا شامت بأعدائه.
وعندما رأى قريشاً وهم يتوقعون الإجهاز عليهم، ورأى جموع الصحابة وهم ينتظرون أدنى إشارة منه أشار النبي صلى الله عليه وسلم حتى يبيدوا خضراء قريش _ قال النبي _عليه الصلاة والسلام_ مخاطباً قريشاً: ( ما تظنون أني فاعل بكم ) ؟
قالوا: أخ كريم وابن أخٍ كريم.
قال: ( فاذهبوا فأنتم الطلقاء ) .([1134])
ولقد كان لتحلِّي المسلمين بأدب الحرب من الرحمة والسماحة أثر بالغ في نفوس كثير من أعدائهم؛ حيث أعجبوا بدين الإسلام، ونبيِّه، ورحمةِ أهله، وحسنِ معاملتهم.
بل لقد وجدوا عدلاً ورحمة لم يجدوها عند بني ملتهم، مما حدا بكثير منهم إلى الدخول في الإسلامِ، والحوادثُ في هذا السياق لا تكاد تحصى.
المطلب الرابع: أمثلة على أخلاق المسلمين في الجهاد
من الأمثلة على أخلاق المسلمين في الجهاد أن كثيراً من زعماء الصليبيين، وكثيراً من عامتهم الذين قطعوا الأرض لقطع رقاب المسلمين _ ارتَموا في أحضان الدعوة الإسلامية التي غامروا كل مغامراتهم للقضاء عليها منذ أول تعارف؛ ذلك هو أعجبُ آثارِ التسامح!
( فقد أسلم في الحرب الصليبية الأولى ممن أسلم (رينود) أمير طوائف الجرمان واللمبارديين، وأسلم معه خلق كثير منهم.
وأسلم في الحرب الصليبية الثانية خلقٌ كثيرٌ، كما يروي السير توماس عن راهب من رهبان سنت دنيس كان قسيساً في المعبد الخصوصي للملك لويس السابع، ورافقه في هذه الغزوة طائفة كبيرة، وإليكم ما يقوله الراهب في عبارة شائقة:
( وفي طريق الصليبيين إلى المقدس، عبر جبال الأناضول التقوا بجيش المسلمين، فهُزِم الصليبيون شرَّ هزيمة.
وكان في الممرِّ الجبلي (فريجيا) وذلك سنة 1148م، ولم يصلوا إلى مرسى (أضاليا) إلا بشقِّ الأنفس، ومنها استطاع القادرون بعد تلبية طلبات التجار اليونانيين الباهظة أن يرحلوا إلى أنطاكية بحراً، وقد دفعوا مبالغ طائلة، وتركوا خلفهم الجرحى، والمرضى، والحجاج، فدفع كذلك لويس خمسمائة مارك لليونانيين على أن يُعْنَوْا بهؤلاء الضعفاء حتى يُشْفَوا، وعلى أن يرافقهم حرسُ اليونان حتى يلحقوا بمن سبقهم، فما كان من اليونان الغادرين إلا أن تربصوا حتى تباعد جيش الصليبيين، واتصلوا بالمسلمين الأتراك، وأخبروهم بما عليه الحجاج والجرحى، ممن تخلفوا من الوهن والعجز، ثم قعدوا ينظرون إلى إخوانهم في الدين ينال منهم البؤس، والمرض، وسهام المسلمين.
ولما ضاق الصليبيون المتخلفون ذَرْعاً بما أصابهم خرج ثلاثةُ آلاف أو أربعة من قلعتهم محاولين النجاة بأنفسهم، فحصرهم المسلمون، وشدُّوا عليهم، ثم حملوا على المعسكرات الصليبية، وكان حال من خرج ومن بقي في المعسكر ليس فيه أقلَّ رجاءٍ، ولم يُنْقَذُوا إلا بما نزل في قلوب المسلمين من الرحمة، حين اطَّلعوا على ما فيه عدُّوهم من بأساء، وما أصابهم من ضراء رقَّت قلوبهم، وذابت نفوسهم؛ رحمة لأعدائهم الصليبيين المساكين، فواسَوا المريضَ، وأحسنُوا للفقيرِ، وأطعموا المسكينَ بسخاءٍ وكرم، وبلغ من إحسانهم أن بعضهم استردَّ بالشِّراء أو الحيلة أو القهر النقودَ الفرنساوية التي أخذها اليونان من الحجاج، وردَّها عليهم، ووزعها على المحتاجين من الصليبيين.
( وقد كان الفرق واضحاً بين معاملة هؤلاء الكفار _يقصد المسلمين_ للحجاجِ المسيحيينَ، ومعاملة اليونان الذين سخَّروا إخوانهم في الدين، ونهبُوا أموالَهم وضربوهم.
كان الفرق عظيماً لدرجةٍ حملت الصليبيين على اعتناق دين الأعداء المنقذين، ومن غير أن يُكرَهوا أو يُقْهرُوا.
لقد فرُّوا من إخوانهم في الدين الذين أساؤوا إليهم، فلَحِق ثلاثةُ آلافٍ بالجيشِ الإسلاميِّ بعد أن رجع عنهم ودخلوا في دينه.
لقد كانت الرحمةُ أشدَّ قسوةً من الخيانةِ !
لقد أعطاهم المسلمون الخبزَ وسلبوهم الإيمانَ، واحسرتاهُ !
لقد ارتدُّوا عن المسيحية من غيرِ أن يُجْبَرَ واحدٌ منهم على ترك دينه ) .
ذلك ما يقوله الراهب!
ولقد بلغ تأثير الإعجاب بشجاعة صلاح الدين وفضائله في الصليبيين، أن كثيراً من أمرائهم وعامَّتهم المُعجَبين به ذهب بهم هذا الإعجابُ إلى ترك دينهم، وأهلهم والدخول في الإسلام.
مثلُ ذلك ما فعل الزعيم الإنجليزيُّ (روبرت سنت أليان) وكان ذلك قبل انتصار صلاح الدين في معركة حِطّين الفاصلة التي وقع فيها ملكُ القدسِ (جاي) أسيراً.
ويقول بعضُ مؤرخي النصارى: إن ستةً من أمراء هذا الملك استولى عليهم الشيطانُ ليلةَ المعركة، فأسلموا، وانضموا إلى صفوف الأعداء دون أن يُقهروا من أحدٍ على ذلك.
وقد وصل الأمرُ (بريمون الثالث) أمير طرابلس الشام أن اتفق مع صلاح الدين على أن يدعو قومه إلى الإسلام([1135]).
وحتى بعد صلاح الدين، لما قام الصليبيون بحربهم الثالثة انتقاماً لسقوط بيت المقدس، وحاصروا عكا، وأصابتهم البأساءُ، وعضَّهم الجوع _ فرّ كثير إلى صفوف المسلمين؛ فمنهم من آمن، ومنهم من رجع إلى قومه، ومنهم من استمر على نصرانيته، واختار البقاءَ وأن يقاتل في صفوف المسلمين.
وفي هذا المعنى يقول السير (جون ما ندفيل) أحدُ المعاصرين للصليبيين: ( كان بعضُ المسيحيين يرتدُّون عن دينهم، ويصيرون عرباً؛ لفقرهم، أو غباوتهم، أو شقاوتهم ) .
ولا يُنتظر _ بالطبع _ من صليبيٍّ كالسير جون أن يفسِّرَ ما يسميه المسلمون بالهداية إلا بالغباوة والشقاوة.
والذي يعنينا من الأمر أن الفقراء والأغبياء والضالين الذين ذكرهم السير ما ندفيل دخلوا في الإسلام الذي جاؤوا لمحوه مختارين، واجْتُذِبُوا إليه بالدعوة والإرشاد لا القهر والاضطهاد، بل إنَّ بعض المؤرخين المسيحيين المعاصرين للفتح الإسلامي واسترداد بيت المقدس، وبعد ذلك بكثير بعد انهيار دُوَل الفرنجة في الشام كلِّها يُشيرون إلى فرحِ النصارى بالتحرّر من حكم الصليبيين.
ويقول السير توماس في هذا المعنى: ( لقد سكنوا إلى الحكم الإسلامي وادعين مستبشرين، كما استمر الحكامُ المسلمون على عادتهم القديمة من التسامح، وسعة الصدر لأهل الملل الأخرى ) .
يقول الأستاذ عبدالرحمن عزام رحمه الله : ( وإذا كان ما ذكرنا هو بعض الشواهد على انتشار الدعوة المحمدية بالحجة بين أشدِّ خصومها المحاربين، وفي أحلكِ أيام الدولة الإسلامية أيام غاراتِ الصليبيين والتتر _ فإن لنا شاهداً آخرَ من بطريقِ خراسانَ في أعزِّ أيام الدولة الأموية العربية، نختتمُ به هذا الفصل، يقول البطرقُ (يوساب الثالث) اليعقوبيُّ في خطاب طويل بعث به لحَبْرٍ زميلٍ: ( أين أبناؤك أيها الأب ! أين هذا الشعب العظيمُ شعبُ مَرْو ! لم تصبهم جائحة، ولا سقطوا للسيف، ولا عُذِّبوا بنار، وإنما أصابهم متاع الدنيا، فارتدّوا عن دينهم، وقذفوا بأنفسهم كما يَقْذِفُ المجانينُ في مهاوي الهلاك والكفر، فلم ينجُ من هذا السعير إلا قسِّيسان اثنان فرَّا بنفسيْهما من جحيم الكفر _أي الإسلام_ واحسرتاه على الآلاف المؤلَّفة الذين حملوا اسمَ المسيحية وصفتَها، ولم يقعْ منهم شهيدٌ واحد، ولا ضحى واحد منهم لدينه !!
أين كذلك بِيَعُ كِرْمانَ، وكنائسُ فارس !
لم يكن قدومُ شيطانٍ، ولا ملَك، ولا أميرٍ، ولا أمرُ خليفة أو سلطان هو الذي قضى عليها.
لم يكن ساحراً موهوباً أُوتِيَ المنطقَ، وسلطةَ الشيطان على النفوس، ولكنه ساحرٌ هز رأسَه فقط، فخرّت كنائسُ فارسَ كله على الأرض !
أما العرب الذين آتاهم الله ملك الدنيا كما تعلم _ فإنهم عندك كذلك_ فلم يطعنوا في ديننا، ولا اعتدوا على بِيَعنا، بل بالعكس ضالعوا مع ديننا، وفضّلوه على غيره، وأكرموا رهباننا وقساوستنا، واحترموا أولياءنا، وأحسنوا الهباتِ إلى معابدنا، فلماذا _إذاً_ هجر أهلُ مَرْو نصرانيتَهم زُلْفى لهؤلاء العرب، وهم يعلمون ويقولون: إن العربَ ما طلبوا منهم تغييرَ دينهم، بل أقرُّوهم عليه كاملاً، ولم يسألوهم إلا ضريبةً بسيطةً يؤدُّونها عن أنفسهم، ولكنهم اشترَوا خلودَ أرواحهم في دين المسيح بمتاعٍ قليلٍ ؟! ) ([1136]).
المبحث السادس: موقف الإسلام من الإرهاب
تمهيد
تبين من خلالِ إشاراتٍ كثيرة من الفصول والمباحث الماضية موقفُ الإسلام من الإرهاب, وتبين _كذلك_ سماحة الإسلام, وتسامح المسلمين, وأن ذلك هو الأصل عندهم.
والحديث ههنا إتمام لما مضى, وتأكيد عليه, وذلك من خلال إيضاح مفهوم الإرهاب, وموقف الإسلام منه، ورد التلبيس الوارد في اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب.
ولن يطول الحديث ههنا؛ لأن كثيراً مما يتعلق بالإرهاب، ويدور في فلكه قد مر في غضون كثيرٍ من مباحث وفصول هذا البحث.
وسيدور الحديث في هذا المبحث من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: مفهوم الإرهاب
أولاً_ الإرهاب في اللغة: أصل هذا المادة (رَهِبَ) يرهب رَهبةً ورُهْباً, ورَهَبا: أي خاف.
وأرهبه, ورهَّبه, واسترهبه: أخافه, وفزَّعه.
واسترهبه استدعى رهبته حتى رَهِبه الناس.
وبذلك فسر قوله _عز وجل_: [وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ] الأعراف: 116 .
أي أرهبوهم([1137]).
ثانياً_ الإرهاب في الاصطلاح العام العالمي: الإرهاب لفظ يكتنفه الغموض؛ حيث إن كُلاًّ يفسره على ما يشاء.
كما أنه من الألفاظ التي صار لها دوي وشهرة وسيرورة في العصر الحاضر؛ فلا يكاد مصطلح من المصطلحات السياسية ينافسه, أو يقترب منه في الحضور الإعلامي العالمي.
وإذا أراد باحث أن يضع تعريفاً جامعاً للإرهاب _ فإنه سيجد صعوبة بالغة؛ لما يكتنف هذا المصطلح من غموض _ كما مر _.
ولقد حاول مُؤَلفٌ قانوني أن يضع تعريفاً للإرهاب فوضع مائة وتسعة تعريفات للإرهاب من وضع علماء متنوعين في عدد من فروع العلوم ([1138]).
ومهما يك من شيء فهذه تعريفات تُقَرِّب مفهوم مصطلح الإرهاب.
ومن خلال ذلك سيتبين الخلل الذي يعتري بعض هذه التعريفات, ثم يعقب بتعريف المجمع الفقهي الإسلامي الذي جلى مفهوم الإرهاب بتعريف شامل واضح.
أ_ عرفت النشرة الأمريكية الإرهاب بقولها: الإرهاب يعني عنفاً بدافع سياسي يُرتكب ضد غير المنازعين, أو غير المخاصمين, موجَّهٌ بواسطة مجموعات قومية, أو وكلاء خائنين([1139]).
ب_ وعرفت الموسوعة الأكاديمية الأمريكية, الإرهاب بقولها: هو الاستعمال المحسوب لأعمال العنف, أو التهديد بها, بما فيها من قتل, وخطف, وتفجيرات لتخويف الناس, وإخضاعهم.
وعادة ما يكون بفرض تحقيق أهداف سياسية معينة([1140]).
ج_ وعرفت الموسوعة العربية العالمية الإرهاب بقولها: هو استخدام العنف, أو التهديد به؛ لإثارة الخوف والذعر, ويعمل الإرهابيون على قتل الناس, أو اختطافهم, كما يقومون بتفجير القنابل, واختطاف الطائرات, وإشعال النيران, وارتكاب غير ذلك من الجرائم الخطيرة , كما أن معظم الإرهابيين يرتكبون جرائمهم لدعم أهداف سياسية معينة([1141]).
ولا يخفى ما في هذه التعريفات من الملحوظات والمآخذ([1142]).
د_ وأخيراً فإن إضافة تعريف للإرهاب من وجهة النظر الإسلامية يُعَدُّ من الأهمية بمكان؛ حيث إن الإرهاب بمفهوماته الحديثة تم ربطه ظلماً بالإسلام والمسلمين.
وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي تعريف للإرهاب يكاد يكون أحسن ما عرف به الإرهاب, حيث عَرَّف المجمع الإرهاب بقوله: ( هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات, أو دول بغياً على الإنسان _دمه, وماله, وعقله, وعرضه_.
ويشمل صنوف التخويف, والأذى, والتهديد, والقتل بغير حق, وما يتصل بصور الحرابة, وإخافة السبيل, وقطع الطريق, وكل فعل من أفعال العنف, أو التهديد يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي, أو جماعي, ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس, أو ترويعهم بإيذائهم, أو تعريض حياتهم, أو حريتهم أو أموالهم للخطر؛ فكل هذا من صور الفساد في الأرض كما قال الله_تعالى_: [وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ] القصص: 77 .
والإرهاب هو بغي بغير حق, قال _تعالى_: [قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ] الأعراف: 33([1143]).
المطلب الثاني: موقف الإسلام من الإرهاب
من خلال ما مضى من تعريف الإرهاب يمكن بيان شيء من موقف الإسلام من الإرهاب, وذلك من خلال ما يلي:
1_ أن حماية الحوزة الإسلامية, والدفاع عنها لا يعد إرهاباً: فحوزة الإسلام هي حدود بلاده و نواحيها؛ لأنها في حوزة ملكه.
والدفاع عنها حفظ للأمة الإسلامية من اعتداء عدوها عليها.
ومن أعظم مقاصد الإسلام أن تكون الأمة مرهوبة الجانب, محترمة، منظوراً إليها في أعين الأمم الأخرى نظرة المهابة والوقار؛ فذلك مما يردع عن مناوشتها, وتكدير صفو الأمن فيها.
قال الله _ تعالى_:[لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم] الحشر: 13([1144]).
وقال _عز وجل_:[وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ] الأنفال: 60 .
فإعداد القوة _إذاً_ وحماية الأمة ليس من الإرهاب في شيء؛ فلا خير في أمة لا تستطيع حماية نفسها، ولا خير في حق لا تحوطه القوة.
2_ أن الإسلام ينهى أشد النهي عن الإرهاب الذي يعني الإفساد: فالإسلام ينهى عن كل فساد, أو إفساد قَلَّ أو كثر في أي شيء من الشؤون العامة أو الخاصة.
والأدلة من الكتاب والسنة على ذلك متكاثرة متظاهرة, قال الله _عز وجل_: [وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ] البقرة .
قال العلامة ابن عاشور مبيناً معنى الفساد وعمومه: ( والحرث هنا: مرادٌ منه الزرع, والنسل: أطفال الحيوان مشتق من نسل الصوف نسولاً إذا سقط وانفصل.
وعندي أن إهلاك الحرث والنسل كناية عن اختلال ما به قوام أحوال الناس.
وكانوا أهل حرث وماشية؛ فليس المرادُ خصوصَ هذين الأمرين, بل المراد ضياع مابه قوام الناس, وهذا جارٍ مجرى المثل ) ([1145]).
إلى أن قال رحمه الله : ( ومن أجل ذلك نُهي عن إحراق الديار في الحرب, وعن قطع الأشجار, إلا إذا رجح في نظر أمير الجيش أن بقاء شيءٍ من ذلك يزيد قوة العدو, ويطيل مدة القتال ) ([1146]).
وقال في موضع آخر: ( فالإفساد في الأرض تصيير الأشياء الصالحة مُضِرَّة, كالغش في الأطعمة, ومنه إزالة الأشياء النافعة كالحرق, والقتل للبرآء, ومن إفساد الأنظمة كالفتن والجور, ومن إفساد المساعي كتكثير الجهل, وتعليم الدعارة, وتحسين الكفر, ومناوأة الصالحين ) ([1147]).
فالإسلام _إذاً_ بريء من الإرهاب, محارب له, مناوئ لجميع صوره _على نحو ما مضى_.
وإذا وجد من ينتسب إلى الإسلام من يقوم بالإرهاب, أو شيء من صوره فتبعة ذلك على من فعله لا على الإسلام _ كما مر بيان ذلك_ في مواطن متعددة من هذا الكتاب.
المطلب الثالث: تلبيس مردود في اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب
إن تعجب بعد ما مضى بيانه في المباحث الماضية فاعجب من صنيع كثير من الظالمين البعيدين كل البعد عن العدل، وحقائق التاريخ، ممن يصفون دين الإسلام ونبيه وأهله بالقسوة والهمجية، والتطرف والإرهاب إلى غير ذلك مما هو محض افتراء، ومحاولة للصد عن دين الإسلام.
والحقيقة الماثلة للعيان تقول بأن الإسلام دين الرحمة، والرفق، والتسامح؛ فماذا فعل المسلمون حين انتصروا على خصومهم؟ هل تكبَّروا، وتسلطوا، واستبدوا؟ وهل انتهكوا الأعراض، وقتلوا الشيوخ، والنساء، والأطفال؟
ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما انتصر على خصومه الذين كانوا يؤذونه أشد الأذى؟ ألم يكن يصفح عنهم؟ ويمنَّ عليهم بالسبي والأموال؟
وماذا فعل المسلمون عندما انتصروا على كسرى وقيصر؟ هل خانوا وغدروا؟ هل تعرَّضوا للنساء؟ وهل أساؤوا للرهبان في الأديرة؟ وهل عاثوا في الأرض فساداً؟ وهل هدموا المنازل، وقطعوا الأشجار؟
وماذا فعل صلاح الدين لما انتصر على الصليبيين الذين فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، ونكَّلوا بهم أيَّما تنكيل؟ فماذا فعل بهم صلاح الدين لما انتصر عليهم؟ ألم يصفح عن قائدهم؟ ويعالجه؟ ويطلق سراحه؟
وماذا كانت أحوال أهل الذمة في بلاد المسلمين عبر العصور المتطاولة إلى يومنا هذا؟ ألم يكونوا ينعمون بالأمان، والعدل، والإحسان؟
ألم يجدوا من عدل المسلمين وإحسانهم ما لم يجدوه من بني جلدتهم؟
فهذه المواقف النبيلة وأمثالها كثير في تاريخ المسلمين، مما كان له أبلغ الأثر في محبة الناس للإسلام، والدخول فيه عن قناعة ويقين.
أفغير المسلمين يقوم بهذا؟ آلغرب يقدم مثل هذه النماذج؟
الجواب ما تراه، وتسمعه؛ فمن أين خرج هتلر، وموسوليني، ولينين، وستالين، ومجرمو الصرب؟ أليست أوربا هي التي أخرجت هؤلاء وأمثالهم من الشياطين الذين قتلوا الملايين من البشر، ولاقت منهم البشرية الويلات إثر الويلات؟
ألا يعد أولئك هم طلائع حضارة أوربا؟ فَمَنِ الهمج القساة العتاة إذاً؟
ومَنِ المتطرفون الإرهابيون حقيقة؟
ثم مَنِ الذين صنعوا القنابل النووية، والعنقودية، والذرية، والجرثومية، وأسلحة الدمار الشامل؟
ومن الذين لوَّثوا الهواء بالعوادم، والأنهار بالمبيدات؟
ومن الذين يسلكون الطرق القذرة التي لا تمت إلى العدل، ولا إلى شرف الخصومة بشيء؟
من الذين يُعَقِّمون النساء؟ ويسرقون أموال الشعوب وحرياتهم؟ ومن الذين ينشرون الإيدز؟
أليس الغرب، ومن يسير في ركابهم؟
ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة التسلط والإرهاب؟
وماذا حصل في محاكم التفتيش، وما أدراك ما محاكم التفتيش؟
وماذا حصل في بعض السجون كأبي غريب وغيره مما يندى له الجبين؟
هذه هي الحقيقة الواضحة، وهذا هو الإرهاب والتسلط.
ولا يعني ذلك بحال من الأحوال أن يكون غير المسلمين على سُنَّة واحدة من الظلم والتسلط والجبروت، لا بل إن فيهم من هو قائم بالعدل، بعيد عن الظلم.
أما جهاد المسلمين لإحقاق الحق، وقمع الباطل، ودفاعهم عن دينهم، وأنفسهم وبلادهم فليس إرهاباً، وإنما هو العدل بعينه.
وما يحصل من بعض المسلمين من الخطأ في سلوك سبيل الحكمة فقليل لا يكاد يذكر بجانب وحشية الغرب، وتبعته تعود على من أخطأ السبيل، ولا تعود على الدين، ولا على المسلمين، ولا يُقَرُّ عليها من قام بها، بل إن أهل الإسلام ينكرون مثل ذلك أشد الإنكار([1148]).
وهكذا ينبغي للعاقل المنصف؛ أن ينظر إلى الأمور كما هي بعيداً عن الظلم والتزوير والنظرة القاصرة.
وبعد هذا فإن كان للإنسان من عجبٍ فإنه من الأوربيين، والأمريكان؛ حيث لم يكتشفوا حقيقة الدين الإسلامي وعظمة نبيِّه فيما اكتشفوه، وهو أجلُّ من كل ما اكتشفوه، وأضمن للسعادة الحقيقية من كل ما وصلوا إليه؛ فهل هم جاهلون بحقيقة الإسلام حقًّا؟ أو أنهم يتعامون ويصدون عنه؟!
إن كانت الأولى، فهي مصيبة، وإن كانت الثانية فمصيبتان!
الباب الثامن
الدلائل على حقيقة الإسلام
تمهيد
هذا الباب _وهو الدلائل على حقيقة الإسلام_ يكاد يدخل في جميع أبواب هذا البحث، وفصوله، ومباحثه؛ إذ هي جميعاً دلائل على حقيقة الإسلام؛ فما الحديث عن مفهوم الإسلام، ولا الحديث عن مصادر التشريع، أو أركان الإسلام، والإيمان وعلم الغيب، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا شهادات المنصفين عن دين الإسلام ونبيه، ولا الحديث عن نظام الإسلام السياسي، والاقتصادي، والقضائي، والاجتماعي، والأسري، ولا الحديث عن موقف الإسلام من العقل، والعمل، والسلام، والصحة العامة، والنظافة، وغيرها _ إلا دلائل واضحة على حقيقة الإسلام وعظمته، وكونه صادراً من لدن حكيم عليم؛ إذ إن كل باب من أبواب هذا البحث، وما يندرج تحته يدل دلالة قاطعة على حقيقة الإسلام، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
والحديث في هذا الباب إكمال لما هو مبثوث في غضون هذا البحث من الإشارات الكثيرة على حقيقة هذا الدين.
وسيتناول هذا الباب بياناً لإعجاز القرآن والسنة النبوية، وورود الإسلام في الكتب السابقة؛ فإلى فصول هذا الباب، والله المستعان وعليه التكلان.
الفصل الأول
الإعجاز في القرآن الكريم
المبحث الأول: في كون القرآن معجزاً
كل رسول له معجزة تكون دليلاً من أدلة نبوته ورسالته، وأنه مرسل من قِبَلِ ربه؛ إذ بدون ذلك لا تقع حجة الله على الخلق بالإيمان برسله؛ فمهما سمت أخلاق الرسول، وعلت همته، وجادت قريحته، وتوقد ذهنه، وتبوأ المكانة العليا في قومه _ فإن كل هذا لا يكفي دليلاً على أنه مرسل من قبل الله؛ فلا يمكن للعقل أن يصدق ويذعن ويعترف بأن هذا رسول إلا بما يظهره الله على يديه من معجزات، فيخرق له السنن الكونية: أسبابها ومسبباتها؛ إذ المعجزة هي الأمر الخارق للعادة، وهي خارجة عن الأسباب المعروفة، هادمة للنتائج المبنية على المقدمات؛ فالنار مثلاً محرقة عادة، ولكنها أصبحت برداً وسلاماً على سيدنا إبراهيم _عليه السلام_ فالذي جعلها محرقة على وَفْق السنن والقوانين التي نعرفها هو الذي جعلها برداً وسلاماً؛ فكانت بذلك معجزة لإبراهيم _عليه السلام_ ودليلاً على نبوته([1149]).
والمقصود من المعجزة ليس هو إعجازَ الناس لذات الإعجاز _ أي لمجرد إيقاعهم في العجز عن الإتيان بمثل المعجزة _ بل المقصود هو الإذعان والإيمان بصاحبها أنه رسول من قبل خالق هذه السنن وهو الله _تعالى_.
لذا فإن الله _تعالى_ قد بعث كل رسول إلى قومه، وأظهر على يديه المعجزات التي من شأنها أن تجعل قومه يدركون إدراكاً يرفع عنهم كل لبس وغموض أن هذا رسول من عند الله، وليس بِمُدَّعٍ عليه؛ لذا كانت معجزات كل نبي ورسول نابعة من بيئته، ملائمة لقومه؛ فتأتيهم على وَفْق ما برعوا فيه حتى يكون ذلك أدعى لإيمانهم، ولإقامة الحجة على صدق رسولهم، وإلا وصفت بأنها سحر وخيال وضرب من المحال؛ لأن المعجزة لا تُحَقِّق الغايةَ منها إلا إذا حصل التحدي بها، ولا يتحقق التحدي لأمة من الأمم لا تعرف شيئاً عن المُتَحَدَّى به.
هذا وإن المتتبع لآيات القرآن الكريم والمتدبر لآياته التي تتحدث عن المعجزات بصورة عامة لتتبين له كل هذه المعاني التي مَرَّ ذِكْرُها([1150]).
فهناك معجزة موسى _عليه السلام_ التي كانت في عصاه، وهي تتلاءم مع قوم احترفوا السحر، وفاقوا غيرهم فيه.
ويدلنا على معرفة قومه بالسحر تلك الآيات القرآنية التي تحدثت عن فرعون، ودعوته للسحرة في زمنه، كما في قول الله _تعالى_: [وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ٱئۡتُونِي بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ] يونس: 79 .
وقوله: [وَأَرۡسِلۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ١١١ يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ] الأعراف.
وقوله: _عز وجل_: [وَٱبۡعَثۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ٣٦ يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٖ] الشعراء.
وقوله _جل ثناؤه_: [وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرۡعَوۡنَ قَالُوٓاْ إِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ] الأعراف: 113 .
وقل مثل ذلك في معجزة عيسى _عليه السلام_ حين برع قومه بالطب، فجعل الله معجزة عيسى من جنس ما عرف قومه، وبرعوا به؛ فجعل الله على يد عيسى إحياء الموتى قبل دفنهم أو بعده، وجعل مَسْحةً من يديه ترد الأعمى بصيراً، وتبرئ الأبرص فيعود سليماً.
وأَعْلَمُ الناس إدراكاً لهذه المعجزة هم أولئك الذي يعرفون الطب وعلومه، فهم أقدر الناس على التمييز بين إحياء حقيقي أو إحياء مزعوم، وعلى معرفة الفارق بين حياة حقيقية بعد موت محقق، أو إغفاءة نتيجة سكرات المرض، ثم صحوة منه.
وقل مثل ذلك في معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد بعث الله _تعالى_ محمداً صلى الله عليه وسلم في قوم كان الكلام بضاعتهم، فكانوا فرسان البلاغة والفصاحة والبيان، فالشعر الجزل، والخطب البليغة، والحكمة السائرة تبلغ من نفوسهم ما لا يبلغه السحر.
والقصيدة الشاردة تَعْلَقُها نفوسهم، ويضعونها في أعز مكان، وتكون من المعلقات.
وكانت أسواقهم تبادلاً وتداولاً، يتبادلون فيها بضائعهم، ويتداولون أشعارهم.
فجاءتهم معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جنس ما عرفوا وأَلِفوا، فجاء التحدي لهم بالمعروف عندهم، والمألوف لديهم؛ فكان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التي تحدى الله بها الناس قاطبة؛ فكان حجة الله البالغة التي لا يحيد عنها إلا مكابر معاند([1151]).
قال الباقلاني رحمه الله في فصل عقده في كتابه (إعجاز القرآن) قال فيه: ( الفصل الأول: في أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم معجزتها القرآن ) .
ومما قال تحت هذا الباب: ( الذي يوجب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن أن نبوة نبينا محمد _عليه السلام_ بنيت على هذه المعجزة، وإن كان قد أُيِّد بمعجزات كثيرة إلا أن تلك المعجزات قامت في أوقات خاصة، وأحوال خاصة، وعلى أشخاص خاصة ) .
إلى أن قال رحمه الله : ( فأما دلالة القرآن فهي معجزة عامة عَمَّت الثقلين، وبقيت بقاء العصرين، ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة على حدِّ واحد ) ([1152]).
المبحث الثاني: في وجه الإعجاز القرآني
القرآن الكريم مُعْجز بلا ريب، وبعض الباحثين يرى أن إعجاز القرآن عام، فيرى من وجوه الإعجاز: الإعجازُ البياني، والإعجاز العلمي التجريبي، والإعجاز التشريعي، والإعجاز الغيبي؛ فهذه هي أشهر وجوه الإعجاز التي يذكرها الباحثون في شأن الإعجاز القرآني.
ويذهب أولئك للتدليل على رأيهم بقوله _تعالى_: [مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ] الأنعام: 38 .
ولا ينكر أن القرآن يتسع للكثير مما هدى الله إليه البشر في بعض المجالات؛ فلقد اتسعت مدارك علماء التفسير، فأبرزوا لنا هذه المعاني، وبينوا مدى مطابقتها للواقع، ومدى اجتماع الآيات القرآنية لمعانيها العلمية.
غير أن أعظمَ وجوه الإعجاز القرآني وأجلَّها هو الوجه الذي تحدى به القرآن سائر العرب، ألا وهو بلاغة القرآن، وحسن بيانه؛ فالتحدي الأكبر إنما هو بلفظ القرآن، ونظمه([1153]).
قال الله _عز وجل_ في شأن القرآن الكريم وإعجازه: [قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا] الإسراء: 88 .
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في شأن إعجاز القرآن الكريم: ( القرآن كلام الله المعجز للخلق في أسلوبه ونظمه، وفي علومه وحُكْمه، وفي تأثير هدايته، وفي كشفه الحجب عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وفي كل باب من هذه الأبواب للإعجاز فصول، وفي كل فصل منها فروع ترجع إلى أصول.
وقد تحدى محمدٌ رسولُ اللهِ النبيُّ العربيُّ الأميُّ العربَ بإعجازه، وحكى لهم عن ربه القطع بعجزهم عن الإتيان بسورة من مثله؛ فظهر عجزهم على شدة حرص بلغائهم على إبطال دعوته، واجتثاث نبتته.
ونقل جميعُ المسلمين هذا التحدي إلى جميع الأمم، فظهر عجزهم _أيضاً_ ) ([1154]).
إلى أن قال رحمه الله مبيناً عظمة القرآن، وشيئاً من سِرِّ إعجازه: ( فالقرآن في البيان والهداية كالروح في الجسد، والأثير في المادة، والكهرباء في الكون تُعْرَفُ هذه الأشياء بمظاهرها وآثارها، ويعجز العارفون عن بيان كُنهها وحقيقتها، وفي وَصْف ما عُرِف منها، أو عنها لذة عقلية لا يستغنى عنها.
كذلك ما عرف من أسباب عجز العلماء والبلغاء على الإتيان بسورة مثل سور القرآن في الهداية، وحسن البيان.
فيه لذات عقلية وروحية، وطمأنينة ذوقية وجدانية تتضاءل دونها شبهات الملحدين، وتنهزم من طريقها تشكيكات الزنادقة والمرتابين ) ([1155]).
ومن هنا يتبين أن الآياتِ القرآنية التي جاءت متحدية للإنس والجن إنما تحدتهم _وما زالت_ أن يأتوا بمثل هذا القرآن نظماً وبياناً.
وهذا هو الوجه الذي أعجز سائر الناس سابقاً ولاحقاً.
وهم إذ عجزوا عن الإتيان بمثله فقد انتفى أن يكون القرآن كلامهم، أو من كلام محمد صلى الله عليه وسلم لأنه واحد منهم؛ فتعيَّن أن يكون كلام رب البشر _جل وعلا_.
قال الباقلاني رحمه الله متحدثاً عن عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن: ( والذي يدل على أنهم كانوا عاجزين عن الإتيان بمثل القرآن أنه تحداهم إليه حتى طال التحدي، وجعله دلالة على صدقه ونبوته ) .
إلى أن قال: ( فلو كانوا يقدرون على تكذيبه لفعلوا، وتوصلوا إلى تخليص أنفسهم وأهليهم وأموالهم من حكمه بأمر قريب هو عادتهم في لسانهم، ومألوف في خطابهم.
وكان ذلك يغنيهم عن تكلف القتال، وإكثار المراء والجدال، وعن الجلاء عن الأوطان، وعن تسليم الأهل والذرية للسَّبي؛ فلما لم يحصل هناك معارضة منهم عُلِمَ أنهم عاجزون عنها ) ([1156]).
ثم إنه ثبت لنا أحاديث نبوية كثيرة، قالها الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغت أمداً قصياً في البلاغة، ولا يجاريها قول بشر، غير أن تلك الأحاديث لا تقارن بآيات الكتاب العزيز من ناحية البلاغة([1157]).
فإعجاز القرآن الأعظم _إذاً_ هو بلفظ القرآن، وبلاغة نظمه([1158]).
وهذا ما سيتبين في المبحث التالي.
المبحث الثالث: مميزات الأسلوب القرآني المعجز
مقدمة في بلاغة القول
لقد تفرد الأسلوب القرآني بميزات عظيمة معجزة، وذلك من ناحية بلاغة وحسن بيانه.
وبلاغة القول: أن تكون ألفاظه فصيحة، ونَظْمه محكماً، ودلالته على المعنى منتظمة وافية.
أما فصاحة ألفاظه: فبأن يسهل جريانها على اللسان ويخفّ وقعها على السمع، ويألفها الذوق غير نابٍ عنها، وهي مع ذلك جارية على ما ينطق به العرب، أو يجري على قياس لغتهم.
وأما إحكام نظمه: فبأن تقع كل كلمة منه موقعها اللائق بها، بحيث تكون كلماته متناسبة يأخذ بعضها برقاب بعض، فلا يمكنك أن تضع يدك على كلمة وتقول: ليت هذه الكلمة تقدمت عن تلك الكلمة، أو تأخرت عنها.
وأما انتظام دلالته: فَبِأَنْ يَطْرُقَ اللفظُ سمعَك، فيخطر معناه في قلبك.
وحصولُ المعنى في القلب بسرعة أو بعد مهلة يرجع إلى حال السامع من الذكاء أو بطء الفهم، وحالُ المعنى من جهة ظهوره وقرب مأخذه، أو دقته وغرابته.
ويتحقق انتظام دلالة الكلام بإخراج المعاني في طرق تُريكَها في أقوم صورة، وأعلقها بالنفس، كالتشابيه، وضرب الأمثال، والاستعارات، والكنايات المصحوبة بقرائن تجعل قصد المتكلم قريباً من فهم السامعين.
وأما كون الدلالة على المعنى وافية: فبأن يؤديَ اللفظُ صورَ المعاني التي يقصد المتكلم البليغ إفادتها للمخاطبين على وجه أكمل، بحيث تكون العبارة بمفرداتها وأسلوبها كالمرآة الصافية تعرض عليك ما أودعت من المعاني لا يفوت ذهنك منها شيء.
ويُراد من المعاني التي يؤديها الكلام غير منقوصة ما يشمل المعاني التي يراعيها البليغ زائدة على المعنى الأصلي الذي يقصد كل متكلم إلى إفادته، وهي المعاني التي يبحث عنها في علم البيان، وتسمى: ( مستتبعات التراكيب ) .
هذه الوجوه التي يَرْجِعُ إليها حسنُ البيان، يتنافس فيها البلغاء من الكتاب والشعراء، ويتفاضلون فيها درجات؛ فترى كلاماً في أدنى درجة، وآخر فيما هي أرفع منها، ولا تزال تُصَعِّد نظرَك في هذه الدرجات المتفاوتة إلى أن تصل إلى كلام يبهرك بفصاحة مفرداته، ومتانة تأليفه، وانتظام دلالته، وبهجة معانيه المالئة ما بين جوانبه([1159]).
مميزات بلاغة القرآن وحسن بيانه
وبعد هذه المقدمة عن معنى البلاغة وحسن البيان إليك شيئاً من مميزات بلاغة القرآن، وحسن بيانه المعجز:
1_ فصاحة مفردات القرآن: فلا تكاد تمر بك كلمة إلا وجدتَها محكمة الوضع، خفيفة الوقع على السمع.
2_ متانة نظمه: التي بلغت الغاية التي ليس وراءها مطلع، فلا يمكن العارف بقوانين البيان، الناظر في منشآت البلغاء بإمعان أن يشير إلى جملة من جمل القرآن فيقول: ليتها جاءت على غير هذا الوضع، أو يشير إلى كلمة من كلمه فيقول: لو استبدل بها كلمة أخرى لكانت الجملة أشد انسجاماً، وأصفى ديباجة. ([1160])
3_ انتظام دلالته على ما يقصد إفادته وإحضاره في الأذهان: فإنك ترى فيه التشابيه الرائعة، والأمثال البارعة، والاستعارات الطريفة، والمجازات اللطيفة، والكنايات المنقطعة النظير، والتعريض الذي يقتضيه المقام، فيكون أقرب إلى حسن البيان من القول الصريح.
4_ استيفاؤه للمعاني: التي يستدعي الحالُ الإفصاحَ عنها أو الإيماء إليها؛ فإنك تنظر في الآية، وتتدبر المعنى الذي سيقت من أجله، فتعود منها ويدك مملوءة من الفوائد التي تقع إليها؛ من حيث تُقَرِّر شريعة، أو تُقيم حجة، أو تلقي موعظة، أو تُرسل حكمة، إلى نحو هذا مما تستبين به سبيلُ الرشد، وتنظم به شؤون الحياة، وترتفع به النفوس إلى أعلى درجات الفلاح في دنياها وآخرتها.
5_ تناسبه في حسن بيانه دون تفاوت أو تباين: فأنت ترى البليغ من البشر يحسن البيان، ويأخذ لبَّكَ بالمنشآت الرائقة، حتى إذا طال به مجال القول، وقطع فيه أشواطاً واسعة _ رأيت في جُمَله أو أبياته تفاوتاً في البراعة، وأمكنك أن تبصر فيها ضعفاً، وتستخرج بنقدك الصحيح من أواخر كلامه مآخذ أكثر مما تستخرج من أوائلها.
ولكن القرآن الكريم على طول أمده، وكثرة سوره نزل متناسباً في حسن بيانه، كما قال _تعالى_: [ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا] الزمر : 23 .
ثم قال: [وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا] النساء:82 .
وترى البليغ من البشر يخوض في فنون من الكلام متعددة، فإذا هو يرتفع في فَنٍّ، وينحط في آخر.
ولكن القرآن الكريم يتصرف في فنون كثيرة، مثل الوعظ، وإقامة الحجج، وشرع الأحكام، والوصف، والوعد، والوعيد، والقصص، والإنذار، وغير ذلك من الوجوه التي تتصل بالهداية العامة؛ فلا تتفاوت فيها ألفاظه الرشيقة، وأساليبه البديعة([1161]).
6_ صوغ الأقوال على قدر الحقائق: فمن المعروف أن القرآن أتى بحقائق أَسَّسَ بها شريعة واسعة النطاق، وليس من شأن هذه المعاني أن تظهر فيها براعة البلغاء كما تظهر فيما أَلَّفوه من نحو: المديح، والرثاء، والتهنئة، والغزل، وَوَصْفِ المشاهد، إلى غير ذلك مما يطلقون لأفكارهم فيه العنان، فتذهب مع الخيال كل مذهب، وترتكب من المبالغات ما استطاعت أن ترتكب.
والقرآن الكريم يعبر عن تلك المعاني التي تستدعي صدقَ اللهجة، وصوغَ الأقوال على أقدار تلك الحقائق، فترى الفصاحة ضاربة أطنابها، والبلاغة مرسلةً أَشِعَّتها([1162]).
7_ خلوه من التصنع: ففي بلغاء البشر من تحس من شعره أو خطبته أو رسالته أنه لم يكن يتصنع فيما يقوله؛ ذلك أنك تجد في كلامه الجيدَ، والوسط، والرديء، وفيهم من تحس فيما يقوله التصنع.
وهذا هو الذي يغلب على كلامه المنظوم أو المنثور الجودة في تصوير المعنى والتعبير عنه بكلام موزون، أو غير موزون.
ولكن القرآن الكريم بالغٌ الغايةَ من حسن البيان، فلا يجد فيه الراسخ في نقد المنشآت البليغة ما ينزل عن الدرجة العليا، بل يحس روح البلاغة التي لا يحوم عليها شيء من التصنع سارية في آياته وسوره، سواء في ذلك تصويره للمعاني، أو نظم الألفاظ الناطقة بها([1163]).
8_ تكرار القصص في أكمل ما يكون من حسن البيان: فمن أعظم مظاهر بلاغة القرآن، أنه يورد القصة في أوفى درجة من حسن البيان، ثم يعيدها في سورة أخرى على حسب ما يقتضيه مقام الوعظ، حتى إذا عقدت موازنة بين حكايتها هنا وحكايتها هناك، وجدتهما في مرتبة واحدة من البلاغة لا تنزل إحداهما عن الأخرى بحال.
أما البليغ من البشر، فقد يسوق إليك القصة في عبارات أنيقة، ثم يريد أن يعيدها مرة أخرى، فإذا هي في درجة من البراعة منحطة عن درجتها الأولى ([1164]).
9_ أنه جاء على أسلوب التقسيم والتسوير: وهي سنة جديدة في الكلام العربي؛ حيث أدخل بها عليه طريقة التبويب والتصنيف([1165]).
فهذا شيء من مميزات الإعجاز البياني القرآني.
المبحث الرابع: الإعجاز العلمي التجريبي
ويقصد بهذا النوع من الإعجاز القرآني ما جاء في القرآن الكريم من الآيات التي تحدثت عن سنن الله في الكون ونظامه, وألوان العناية الربانية بالمخلوقات.
فهذا النوع من الإعجاز ميدان فسيح للنظر والتفكيرِ, والقرآنُ الكريم حافل به, مليء بذكر تفاصيله, والإرشاد إليه.
ويقدر بعض الباحثين في هذا النوع أن عدد الآيات التي تحدثت عن الكون الآفاق والأنفس _ بما يزيد على تسعمائة آية مبثوثة في غضون آيات القرآن الكريم([1166]).
وهذا النوع من الإعجاز يحتاج إلى ضبط, وتَقَيُّدٍ بالمنهج القرآني, وبُعْدٍ عن تحميل النصوص ما لا تحتمل.
فإذا كان كذلك كان من أمضى الأسلحة لإقامة الحجة, وإثبات صحة الرسالة, وصدق الرسول, قال الله _عز وجل_:[سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ] فصلت: 53 .
ولا ريب أن الغاية العظمى للقرآن الكريم هو تبصير الناس بطريق الهداية, ودعوته لسلوكها [إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا] الإسراء: 9 .
وجاءت هذه الهدايات والدعوة إليها بأساليب متنوعة, فمن مخاطبة للفطرة الإنسانية, ومن استدلال بواقع الأشياء المحسوسة, إلى مجادلة عقلية, إلى تذكير بعاقبة الأمم السابقة, إلى لفت نظر إلى واقع القصور البشري.
ولما كان المخاطبون هم جملة الناس بمختلف طبقاتهم وفئاتهم وعلى اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية _ جاء في القرآن الكريم من البراهين والأدلة والأمثال ما يعم الشرائح الاجتماعية على مختلف العصور والبيئات؛ لأن المنطلقات الإنسانية محكومة بالفطرة والعقل والتجارب, وكل ذلك في دائرة المحدود الممكن؛ لذا كانت قواعد المخاطبات وأسسها العامة تعم كل من كان في عصر نزول الوحي ومن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة: [وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا] الكهف: 54 .
وإذا أدركنا هدف القرآن ومنهجه في الخطاب أدركنا أن ورود الآيات الكونية سواء ما يتعلق منها بالآفاق وما يتعلق منها بالأنفس البشرية شيء بدهي أيضاً؛ لأن من فئات الناس المكلفين المخاطبين بالقرآن الكريم مَنْ يَنْصَبّ جلُّ اهتمامه على هذا الجانب من مخلوقات الله.
ولا بد من إقامة الحجة على هؤلاء, وإظهار أن القرآن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ليبشر به المؤمنين, وينذر به قوماً لُدًّا ([1167]).
ومن العسير أن تتذوق هذه الطوائفُ الجمالَ البياني، وتدرك فصاحته وبلاغته؛ لتعترف أنه كلام الله المعجز.
ولكن أولئك يدركون أن هذه المعارف الإنسانية، وهذه الحقائق الكونية لا يتصور أن يدركها بشر من ذاته؛ لأن كثيراً منها لم تكتشف إلا في عصور متأخرة جدًّا بعد التقدم العلمي في العلوم الكونية, وبعد اختراع آلات دقيقة لم يكن للسابقين عهد بها.
ولا ريب أن ورود هذه الحقائق الضخمة والدقيقة على لسان رجل لم يكن له إلمام بمثل هذه العلوم لدليل على أنه تلقَّاها ممن يعلم السر في السماوات والأرض [قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا] الفرقان: 6([1168]).
ولقد مر بنا في غضون هذا البحث إشارات كثيرة إلى هذا النوع مما يغني عن إيراد كثير من الأمثلة عليه.
ولعل من أَجَلِّ ما في القرآن من الآيات التي تدور حول هذا المعنى تلك الآيات التي تتحدث عن النفس البشرية, وعن خلقها, وطبيعتها, وما يعتريها.
وكذلك الآيات التي تتحدث عن السماء والأرض, والشمس والقمر, والليل والنهار, والجبل والبحر, والظواهر الجوية كالرياح, والسحب، والمطر, والبرق, والرعد.
وكذلك الآيات التي تتحدث عن الإنسان الذي حظي بالجانب الأكبر من ذلك.
وكذلك الحديث عن الرحم, والنشأة الجنينية إلى غير ذلك مما لا يتسع المقام لِذِكْرِه([1169]).
ووجه دلالة الإعجاز العلمي التجريبي على مصدرية القرآن الكريم أن تلك الإشارات الكثيرة التي وردت في هذا الشأن قد بلغت مبلغاً لا تستطيع أجيال من العلماء الإحاطة بها مهما أوتوا من وسائل وإمكانات وجهود وطاقات؛ فهي من الشمول بحيث تمتد في البعد الزمني إلى أصل الكون بمجراته وأفلاكه ونجومه وكواكبه.
ومن الإحاطة بحيث تتعرض للأنظمة المرئية وغير المرئية التي تسير عليها الكائنات الحية والجمادات من رياح, وسحب, وبحار, ونبات, وحيوان, وإنسان.
وبلغت هذه الإشارات والتلميحات مبلغاً من الدقة بحيث تعجز أحدث الوسائل والمختبرات العلمية عن متابعة هذه الحقائق التي يقف العلم التجريبي الحديث إزاءها مبهوتاً.
إن سَوْقَ القرآنِ الكريمِ هذه الحقائقَ بهذه السعة والشمول, وبهذه الدقة المتناهية يحمل كلَّ صاحبِ عقل منصف إلى القول بأن هذا تنزيل العزيز الحكيم الذي أحاط بكل شيء علماً.
إن البشرية كلها عاجزة عن الإحاطة بهذه الحقائق والوصول إلى ماهيتها وأسرارها, فهل يعقل أن هذا القرآن من عند رجل أمي عاش في بيئة أمية لم يذكر التاريخ عن أسلافها تقدماً في فنون علوم الكون أو النفس البشرية؟.
قال الله _تعالى_: [وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا ٤ وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا ٥ قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا] الفرقان([1170]).
فهذا شيء مما يوحي به الإعجاز التجريبي في القرآن الكريم.
المبحث الخامس: الإعجاز التشريعي
الحديث عن الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم حديث عن النظام الخالد للكون وما فيه, فالذي أبدع الكون من العدم وأوجد فيه من المخلوقات ما لا يحُصى, وجعل أشرف هذه المخلوقات وأكرمها بني آدم اختار لهذا المخلوق المعزز دستوراً في الحياة يُنَظِّم سلوكه في الدنيا وعلاقته بنفسه وبخالقه _سبحان الله_ ورتب نتائج دنيوية وأخروية على نتيجة سيره وَفْق هذا الدستور الإلهي الكريم؛ حيث يحصل الإنسان على الطمأنينة والعزة في الدنيا, فيشعر بإنسانيته الحقة, ويدرك الحكمة الإلهية من خلقه وإيجاده وتفضيله على سائر المخلوقات.
كما ضمن الله له السعادة في الآخرة استمراراً لسعادته الدنيوية: [قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ] الأعراف: 32 .
واشتمل القرآن الكريم على الأنظمة التي يحتاجها البشر في حياتهم المعيشية, ولم يدع جانباً من جوانب الحياة إلا كانت له نظرته الخاصة, وتشريعه المستقل بحيث ينتج من مجموع أنظمته تشريع متكامل لمناحي الحياة كلها قال الله _تعالى_: [ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ] المائدة: 3 ([1171]).
وينتج من تطبيقه على الناس أمة متكاملة الشخصية متميزة الملامح والسلوك عن سائر الأمم [كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ] آل عمران: 110 .
إن الجانب التشريعي والخُلُقي في القرآن الكريم لآية _وأيما آية_ على كون القرآن من عند الله, وليس من عند البشر.
فالأسس الأخلاقية والقواعد التشريعية السامية التي تضمنها القرآن الكريم تخرج عن طوق البشر إحاطةً ودقةً وشمولاً.
إن تاريخ الإنسانية يدُلُّ على أنها لم تنجب مفكراً أو فيلسوفاً أو مصلحاً اجتماعياً استطاع أن يضع نظاماً كاملاً للعلاقات الداخلية والخارجية لدولة ما.
وكم من حكيم حاول ذلك, ولكن نظرياته يعتريها النقص أحياناً,والتناقض طوراً, ومجانبة الصواب كثيراً, فثار على بعضها أتباعه في حياته أو بعد مماته.
ولا تزال هذه الظاهرة تتكرر إلى يومنا هذا في الأمم والشعوب التي لا تدين دين الحق, علماً أن هذه النظريات لا تناول إلا جانباً واحداً, بل جانباً ضيقاً من جوانب الحياة الاجتماعية.
أما أن توضع نظرية متكاملة الجوانب للكون والمخلوقات والأفراد والجماعات في شتى صورها وحالاتها _ فهذا مما يخرج من طاقة البشر مهما أوتوا من علم وحكمة؛ فما بالك إذا ورد مثل هذا النظام الكامل على لسان رجل أمي لم يشتهر في حياته بالاطلاع على كتب وفلسفات الأقدمين, ولم يعرف بالأسفار العلمية والتجوال في الآفاق بحثاً وراء الأنظمة والتشريعات([1172]).
ولقد بقيت تلك العلوم والمبادئ قروناً وأجيالاً كلما مر عليها دول وأزمان وتناولتها الأيدي والأفكار بالبحث والدراسة ظهر بريقها, وأدرك المنصفون من أهل كل عصر ربانية مصدرها، وجدارة تطبيقها وصلاحها دون غيرها لكل زمان ومكان.
إن المبادئ السامية التي وردت في الشريعة الإسلامية وتضمنها القرآن الكريم لبرهان ساطع على مصدر القرآن الكريم, ودليل صدق على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه تلقاها من لدن الحكيم الخبير؛ ليكون رحمة للعالمين([1173]).
ولقد مر في تضاعيف هذا البحث بيان لعقائد الإسلام وشرائعه, وأخلاقه, وأنظمته وما تشتمل عليه من وضوح، وسلامة من التناقض, وملاءمة للفطرة, وصلاح لكل زمان ومكان وحال وأمة _ ما يعد إعجازاً لا يمكن لأي عقل بشري أن يأتي بمثل ذلك النظام التشريعي.
ومما يؤكد وجه دلالة الإعجاز التشريعي في القرآن أن المتعمق في دراسة التشريعات الإسلامية في مختلف مناحي الحياة يدرك إدراكاً واضحاً أن هذه التشريعات تهدف إلى هداية الإنسان في حياته الدنيا إلى أقوم السبل التي تحفظ للإنسان إنسانيته,وتطلق طاقاته نحو الكمالات البشرية, وتحفظ له نظرته المستقيمة, وتوفر له التوازن الدقيق في متطلباته الجسدية , والروحية, والعقلية مما يثمر له الطمأنينة النفسية والسعادة في حياته الدنيا التي هي السبيل إلى الحياة الباقية في الدار الآخرة.
إن تاريخ البشرية لم يحدثنا عن مصلح اجتماعي أو فيلسوف عبقري أنه وضع نظام حياة لشعب من الشعوب بمختلف فئاته, وتنوع مجالاتها.
بل حاول كثير من المصلحين أن يضعوا قوانينَ تنظيميةً لدولة من الدول, ولكن محاولاتهم _كما مر_ لم تسلم من كثرة الانتقاد عليها في حياتهم وبعد مماتهم؛ لأنها كانت متأثرةً بِبيئةِ واضعِها قاصرةً عن استيعاب المشكلات من جميع أطرافها.
وما قانون حمورابي وصولون وغيرهم, وما أخذ عليها وما نتج من تطبيقاتها قديماً إلا مظهر من المظاهر التي ابتلي بها الإنسان في مراحل شقائه, ولا زالت هذه الظواهر تتكرر في المجتمعات التي لا تدين دين الحق, فالمجتمعات الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية والوثنية تكتوي بمثل هذه التجارب المريرة إلى يومنا هذا.
إن التشريعات الإسلامية التي جمعت بين مطالب الروح والمادة فأشبعت كلاّ منهما في الإنسان بما يناسبها, ووفرت السعادة والطمأنينة في الحياة الدنيا وأزالت القلق عن النفوس من المستقبل مع مراعاة الفطرة وتلاؤمها معها _ لدليل على أن أحداً من البشر لا يستطيع أن يدرك هذه المجالات أو يحيط بها, وهي برهان ساطع على أنها مُنَزَّلَة من خالق الإنسان الذي أودع فيه هذه الطاقات والقدرات والاستعدادات فأنزل ما ينظمها جميعاً ويوجهها لعبادة الخالق.
وتكون الدلالة أوضح, والبرهان أظهر عندما تعلم أن الذي نزلت عليه كان أميا لم يتلق العلم على يد أحد من البشر, ولم يُعرف بتجواله في الآفاق بحثاً عن النظريات والدساتير الإصلاحية([1174]).
يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله : ( إن ما اشتمل عليه القرآن من أحكام تتعلق بتنظيم المجتمع وإقامة العلاقات بين آحاده على دعائم من المودة والرحمة والعدالة لم يسبق به في شريعة من الشرائع الأرضية.
وإذا وازنَّا ما جاء في القرآن بما جاءت به قوانين اليونان والرومان, وما قام به الإصلاحيون للقوانين والنظم بما جاء في القرآن وجدنا أن الموازنة فيها خروج عن التقدير المنطقي للأمور, مع أن قانون الرومان أنشأته الدولة الرومانية في تجارب ثلاثمائة سنة وألف من وقت إنشاء مدينة روما إلى ما بعد خمسمائة من الميلاد, ومع أنه قانون تعهده علماء قيل: إنهم ممتازون منهم: سولون الذي وضع قانون أثينا ومنهم ليكورغ الذي وضع نظام اسبرطة.
فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ومعه القرآن الذي ينطق بالحق عن الله _سبحانه وتعالى_ من غير درس درسه, وكان في بلد أمي ليس فيه معهد ولاجامعة ولامكان للتدريس, وأتى بنظام للعلاقات الاجتماعية والتنظيم الإنساني, لم يسبقه سابق, ولم يلحق به لاحق ) ([1175]).
إن الإعجاز التشريعي لآية بينة على أن القرآن الذي اشتمل عليه هو كلام الله أنزله على قلب عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من ظلمات الانحراف والضلال والشقاء إلى نور الإيمان والهداية والتمسك بحبل الله المتين: [هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ] التوبة: 33([1176]).
المبحث السادس: الإعجاز الغيبي
أولاً: مفهوم الإعجاز الغيبي
من وجوه الإعجاز للقرآن الكريم التي ذكرها العلماء الإعجاز بما فيه من أنباء الغيب ويقصدون بذلك كل ما كان غائباً عن محمد صلى الله عليه وسلم ولم يشهد حوادث الواقعة، ولم يحضر وقتها, فيدخل في الغيب بهذا المفهوم كلُّ ما ورد في القرآن الكريم عن بداية نشأة الكون، وما وقع منذ خلق آدم _ عليه السلام _ إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيمات الأمور ومهمات السير.
وكذلك يشمل ما غاب عن محمد صلى الله عليه وسلم في وقته من الحوادث التي كانت تَحْدُث ويُخْبر بها بطريق الوحي, كإخبار الله _عز وجل_ له بما يكيده اليهود والمنافقون.
ويشمل _أيضاً_ ما تضمنه من الإخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان([1177]).
فالإعجاز الغيبي _إذاً_ يشمل غيب الماضي, وغيب الحاضر, وغيب المستقبل.
ولقد مر في بعض أبواب هذا البحث ذكر لشيء من الإخبار عن المغيبات كالإخبار عن أحوال الأمم الماضية؛ كالإخبار عن أمور حاضرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكالإخبار عن أمور مُستقبلة كأشراط الساعة, وأحوال القيامة ونحو ذلك .
ثانياً: أهداف غيب الماضي
من خلال تتبع القصص القرآني وما ورد فيه من أنباء الأمم السابقة ندرك أن الهدف الأساس من هذا النوع من الغيب هو إثبات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيراً ما يستدل القرآن الكريم على ذلك بالإشارة إلى مطابقة ما ورد في القرآن لما ورد في الكتب السابقة, كما في قوله تعالى: [وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] يونس: 37 .
وهناك أهداف تبعية لغيب الماضي مثل:
أ_ تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإدخال الطمأنينة إلى قلبه أن منهجه هو منهج الأنبياء والرسل السابقين, وأن ما يلاقيه من عنت المشركين وعنادهم هو سنّة الله في جميع الأقوام, كما في قوله _تعالى_: [وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ] هود: 120 .
ب_ تربية الأمة وتهذيبها من خلال العظات والعبر التي ترد في قصص السابقين كالإخلاص والتوكل في قصة إبراهيم _عليه السلام_ والبر والوفاء والطاعة في قصة إسماعيل _عليه السلام_ والصبر والتحمل في قصة سيدنا أيوب _عليه السلام_.
ج_ تنمية المشاعر النبيلة, كما في قوله تعالى في قصة يوسف _عليه السلام_: [لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ] يوسف: 111.
وقوله _تعالى_: [وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۢ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ] القصص: 58 .
د_ إبراز وجه من وجوه الإعجاز البياني للقرآن الكريم, فالقصة الواحدة تتكرر أحياناً عدة مرات, وتحس في كل مرة بقضايا وأمور جديدة مع الحفاظ على أصل القصة, ومن غير تناقض في وقائعها ويؤدى ذلك كله بأسلوب معجز, وهذا ليس في قدرة البشر ([1178]).
ثالثاً: الغاية من غيب الحاضر
فالغاية الأساسية من غيب الحاضر هو تأييد الدعوة, والأخذ بيدها, والسير بها على بينة من أمرها, وتربية الأمة وتهذيبها.
وإن كان يؤخذ إلى جانب ذلك من هذا النوع من الغيب صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه؛ حيث لم يكن له علم بما دار في غيابه, وما خطط وما جرى تنفيذه, حتى أماط القرآن الكريم اللثام عن هذه الأمور([1179]).
رابعاً: الغاية من غيب المستقبل
الهدف الأساسي في إيراد هذا النوع من الغيب ترسيخ الإيمان في القلب, وحسن التوكل على الله خالق السماوات والأرض, الذي بيده مقاليد الأمر, الذي يقول للشيء كن فيكون.
والهدف التبعي لمثل هذا النوع من الغيب تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى([1180]).
خامساً: وجه دلالة الغيب على صدق القرآن
إن حالة محمد صلى الله عليه وسلم عند إطلاق هذه الأنباء الموغلة في القدم, أو الحاضرة الخفية في صدور أهلها, أو الوعود المستقبلة التي كانت في مجاهل الغيب _ هي حال الواثق المتيقن من الأمر, وهو بشر لم يطلع على كتب السابقين ولا يملك من تصرف أمور المستقبل شيئاً وكان بذاته ينفي عن نفسه علم الغيب قال الله _تعالى_: [قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ] الأعراف: 188 .
فلو لم يكن مستنداً إلى ركن قوي ما أطلق مثل هذا, ولما جازف بدعوته وهو الذي عرف عنه التعقل والحكمة, ولم يعهد منه تسرعٌ في أمر, أو قولٌ بلا رَويَّة, حتى قبل أن يكرمه الله بالرسالة.
فلا شك أن الوحي الإلهي كان ينطقه, كما أن الصدق المطلق الذي وافق القرآن الكريم من يوم نزوله إلى يوم انقطاع الوحي بالتحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى, أمر يوجب التوقف والتدبر.
إن الصدق في أخبار القرآن الكريم ظاهرة لا يستطيع إنكارها أحد, حتى الذين عادوا الإسلام؛ فقد كان هؤلاء يضمرون في أنفسهم احترام صدق القرآن وحقيقته بالرغم من ركام الوثنية والشرك والتكذيب الذي لا قوه به, بل كان هذا الاحترام المنتزع منهم والمفروض عليهم ملازماً لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان ينطق بالقرآن.
ولقد أدرك مشركو العرب هذه الحقيقة من خلال اختلاطهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به, حيث صدَّقت الحوادث الكونية كثيراً مما أخبرهم به القرآن الكريم([1181]).
كما أدرك أهل الكتاب صدق القرآن فيما أخبرهم به من الحوادث الغابرة التي كانوا يعرفونها من بطون كتبهم, وكذلك أدركوا هذا الصدق المطلق من خلال كشف القرآن لمخططاتهم ومؤامراتهم على الإسلام وأهله([1182]).
إن هذه الأنباء الصادقة التي جاء بها القرآن الكريم لدليل ظاهر, وبرهان قاهر على أنه كلام رب العالمين, الذي يستوي عنده علم السابق واللاحق, ولا تخفى عليه خافية.
لقد ظهر صدق القرآن الكريم لكل ذي عينين في عشرات الحوادث التي أخبر عن وقوعها في المستقبل ووقعت بالفعل كما أخبر, ولا زالت الأيام تكشف عن جوانب من هذه الأنباء, سواء في الكون أو الإنسان أو الحوادث الكونية العامة الشاملة.
إن ظاهرة الإخبار بالمغيبات في القرآن الكريم وتصديق الوقائع لها وعدم تخلف الصدق عنها ولو في جزئية بسيطة _ لدليل على أنه وحي ممن خلق الأرض والسماوات العلى, أنزله على رسوله ليكون دلالة على صدقه ([1183]).
الفصل الثاني
الإعجاز في السنة النبوية
المبحث الأول: الإعجاز اللفظي في الحديث النبوي
ما يقال في شأن إعجاز القرآن من جهة علومه، وكشفه الحجب عن الغيوب الماضية والمستقبلية، وعن ما فيه من علوم، وحكم، وأحكام، ونظم، وتشريعات، ونحو ذلك _ يقال في شأن السنة تماماً؛ لأن الكتاب والسنة من عند الله _عز وجل_ فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.
وقد تقرر ذلك في مباحث ماضية عند الحديث عن السنة النبوية، كما تقرر _أيضاً_ في الفصل الماضي عند الحديث عن جوانب من الإعجاز التشريعي، والإعجاز العلمي التجريبي، والإعجاز الغيبي.
وتقرر كذلك عند الكلام عن الصحة والنظافة في الإسلام، وغيرها من المباحث.
وإنما الشأن ههنا في ألفاظ الحديث النبوي، ونظمه وأسلوبه.
فهل يبلغ الحديث النبوي في هذه الناحية مبلغ القرآن في الإعجاز؟.
والجواب عن ذلك أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمت ألفاظه إلى الذروة، وأحرز من خصلتي الفصاحةِ والبلاغةِ الغايةَ التي ليس وراءها لمخلوق غاية، فلا يستطيع بشر أن يجاريه في ذلك.
ولكن تلك البلاغة لم تصل إلى حد الإعجاز الذي هو خاص بالقرآن المجيد.
والفرق بين بلاغة الحديث وبلاغة القرآن لا يخفى على ذوي الفطر السليمة، لا سيما الذين دَرَبوا في فنون البلاغة، وقَلَّبوا أنظارهم في أساليبها المختلفة، وعرفوا كيف يَضَعون كُلَّ كلامٍ بليغ في مرتبته.
وهذا التفاوت الواضح بين القرِآن والحديث من أصدق الشواهد على أن القرآن الكريم كتاب منزل من السماء، لا أنه من النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعم من يجحدون بآيات الله([1184]).
ولقد أبان كثير من العلماء عن بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من أعظم دلائل نبوته، قال القاضي عياض رحمه الله : ( وأما فصاحة اللسان، وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، وفصاحة لفظ، وجزالة قول، وصحة معانٍ، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخصَّ ببدائع الحكم ) ([1185]).
وقال الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي رحمه الله متحدثاً عن البلاغة النبوية: ( هذه هي البلاغة الإنسانية التي حسرت العقول دون غايتها، لم تُصنع وهي من الإحكام كأنها مصنوعة، ولم يُتكلف لها وهي على السهولة بعيدة ممنوعة.
ألفاظ النبوة يعمرها قلبٌ متصلٌ بجلال خالقه، ويصقلها لسان نزل عليه القرآن بحقائقه، فهي إن لم تكن من الوحي ولكنها جاءت من سبيله، وإن لم يكن لها منه دليل فقد كانت هي من دليله، مُحكمةُ الفصول، حتى ليس فيها عُرْوةٌ مفصولة، محذوفة الفضول، حتى ليس فيها كلمة مفضولة.
وكأنما هي في اختصارها وإفادتها نبضُ قلب يتكلم، وإنما هي في سُمُوِّها وإجابتها مظهر من خواطره صلى الله عليه وسلم .
إن خَرَجَتْ في الموعظة قُلْتَ: أنينٌ من فؤاد مقروح، وإن رَاعَتْ بالحكمة قلتَ: صورة بشرية من الروح، في مَنزع يلين، فينفر بالدموع، ويشتد، فينزو بالدماء ) ([1186]).
وقال رحمه الله موضحاً بعض مكامن الفصاحة والبلاغة في الحديث النبوي: ( أما فصاحته صلى الله عليه وسلم فهي من السمات الذي لا يؤخذ فيه على حقه، ولا يتعلق بأسبابه متعلق؛ فإن العرب _وإن هذبوا الكلام وحذقوه وبالغوا في إحكامه وتجويده_ إلا أن ذلك قد كان منهم عن نظر متقدم، ورويَّة مقصودة، وكان عن تكلف يُستعان له بأسباب الإجادة التي تسمو إليها الفطر اللغوية فيهم، فيشبه أن يكون القول مصنوعاً مقدَّراً على أنهم مع ذلك لا يسلمون من عيوب الاستكراه والزلل والاضطراب، ومن حذف في موضع إطناب، وإطناب في موضع حذف، ومن كلمةٍ غيرها أليقُ، ومعنىً غَيْرُهُ أردُّ، ثم هي في باب المعاني ليس لهم إلا حكمة التجربة، وإلا فَضْلُ ما يأخذ بعضهم عن بعض، قلّ ذلك أو كثر.
والمعاني هي التي تعمر الكلام وتستتبع ألفاظه، وبحسبها يكون ماؤه ورونقه، وعلى مقدارها وعلى وجه تأديتها يكون مقدار الرأي فيه ووجه القطع به.
بَيْدَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب، على أنه لا يتكلف القول، ولا يقصد إلى تزيينه، ولا يبغي إليه وسيلة من وسائل الصنعة، ولا يجاوز به مقدار الإبلاغ في المعنى الذي يريده، ثم لا يعرض له في ذلك سقط ولا استكراه، ولا تستزلّه الفجاءة وما يبْدَهُ من أغراض الكلام عن الأسلوب الرائع، وعن النمط الغريب والطريقة المحكمة، بحيث لا يجد النظر إلى كلامه طريقاً يتصفح منه صاعداً أو منحدراً.
ثم أنت لا تعرف له إلا المعاني التي هي إلهام النبوة، ونتاج الحكمة، وغاية العقل، وما إلى ذلك مما يخرج به الكلام وليس فوقه مقدارٌ إنسانيٌ من البلاغة والتسديد وبراعة القصد والمجيء في كل ذلك من وراء الغاية ) ([1187]).
ويوضح العلامة الشيخ محمد الخضر حسين جوانب من البلاغة النبوية فيقول: ( ومن ينظر فيما روي عنه من الخطب والرسائل والمحاورات والفتاوى، وما يلقيه في أثنائها من الحكم، وما يورده فيها من الأمثال والاستعارات _ يرى في ذلك من وجوه البلاغة وحسن البيان ما لم يره، ولن يراه قد تَأَتَّى لأحد البلغاء من غيره ) ([1188]).
وقال: ( والحق أن فصاحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وروعة بيانه لا يدركها إلا من تردد بنظره على الحديث الشريف، ودخل في كل باب من أبوابه؛ إذ يرى الكلام الذي يصدر عفواً دون أن يكون للتصنع فيه أثر، ويمر فيما يقرأ على جمل تهتز لروعتها القلوب، ومن لم يسعده الحال أن يطالع كتب الحديث فلينظر في كتب غريب الحديث؛ فإنه يَطّلع في أقرب وقت على جانب عظيم من الألفاظ النبوية البالغة منتهى الفصاحة، وحكمة الأسلوب.
وفي الناس من تسمو حكمته في بعض نواحي الحياة، وتُقَصِّر في بعض، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلقي الحكمة في النواحي المختلفة من شؤون الحياة الفردية أو الاجتماعية، فترد في أعلى طبقة من سمو اللفظ وحسن التصوير ) ([1189]).
ثم ينتقل إلى مظاهر أخرى من بلاغته صلى الله عليه وسلم فيقول: ( وفي الناس من إذا خطب في الجمهور رأيته في درجة عالية من حسن البيان، فإن عرض له حديث مع بعض الأفراد، أو حديث في معان قريبة التناول رأيته قد انحط إلى درجة دون الدرجة الأولى.
أما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأفراد، أو في المعاني السهلة الفهم _ فإنه لاينزل عن مرتبة بلاغته العليا ) ([1190]).
ومن مظاهر البلاغة في الحديث النبوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوع في الأساليب، ويراعي مقتضيات الأحوال، ويستخدم أنواعاً من التأثير التي سبقت كثيراً من النظريات والدراسات الحديثة في فن الحوار، والإلقاء، والتأثير في الناس.
ولو انبرى دارس لجمع شيء من ذلك لظفر بما لا يخطر بالبال من تلك المادة، فترى في أحاديثه جمال العرض، وقوة التأثير، وحسن الاستفتاح، والتشويق لما يلقي، والترسل في الكلام، وإلقاؤه مفصلاً دون إبطاء أو تعجيل، فتأتي كلماته مفصلة متمايزة الحروف.
قالت أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_: ( كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصْلاً يفهمه كل من سمعه ) ([1191]).
وجاء في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: ( كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيل، أو ترسيل ) ([1192]).
وفي رواية للترمذي: ( كان يتكلم بكلام بَيْنَهُ فصلٌ يحفظه من جلس إليه ) ([1193]).
ومن أعظم مظاهر البلاغة في الحديث النبوي صوغ التشابيه، وضرب الأمثلة، واستعمال القياس، وقرن القول ببعض الإشارات المناسبة التي تناسب المعنى إلى غير ذلك من مظاهر البلاغة النبوية([1194]).
المبحث الثاني: أقسام معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وطرق ثبوتها
المطلب الأول: أقسام معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
تنقسم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقسام باعتبارات؛ حيث قسَّمها بعض العلماء إلى قسمين:
القسم الأول: معجزات حسية: وهي ثلاثة أنواع:
1_ معجزات خارجة عن ذات النبي صلى الله عليه وسلم وهي المعجزات التي أجراها الله على يديه.
2_ معجزات في ذاته صلى الله عليه وسلم كخاتم النبوة الذي بين كتفيه, وما شوهد من خلْقته, وصورته الدالة على نبوته.
3_ معجزات في صفاته,وكمالاته صلى الله عليه وسلم كصدقه, وأمانته, وشجاعته, وسائر أخلاقة التي تبلغ حد الإعجاز.
القسم الثاني: معجزات عقلية: وهي ستة أنواع:
1_ أنه من قبيلة وبيئة لا تُعْرف بالعلم, ولم يرحل إلى الشام إلا مرتين؛ ولا طلب العلم عند أحد؛ فلا يتهم _ والحالة هذه_ بأنه أدعى النبوة من تلقاء نفسه.
2_ أنه انقضى من عمره أربعون سنة دون أن يخوض في شيء من شأن النبوة.
ولا ريب أن سن الشباب هو وقت الحماسة والتَدَفع لمثل تلك الدعوى.
3_ أنه تَحَمَّل في سبيل أداء الرسالة من أنواع المشاق, وصنوف المتاعب ما لا يتحمله بشر,وهو مع ذلك واثق مما جاء به, مستقبلٌ كلَّ ما يعترضه بكل ثقة, ويقين وراحة بال.
4_ أنه كان مجاب الدعوة؛ فما من دعوة دعا بها إلا وأجابها الله _عز وجل_ له.
5_ ما جاء به من المعجزة الكبرى, وهي القرآن الكريم, وقد مضى الحديث عنه.
6_ ما كان عليه من الفصاحة والبلاغة التي تصل إلى حد الإعجاز, وهو ما سبق الحديث عنه في المبحث الماضي.
7_ أن البشارة به جاءت في الكتب السابقة, والنصوص في ذلك كثيرة جدا, وسيأتي ذكر لشيء منها.
8_ إخباره عن الغيوب الماضية, والحاضرة, والمستقبلة بما يشهد أنه نبي من عند الله _ عز وجل_([1195]).
وهناك تقسيمات أخرى للمعجزات باعتبارات أخرى، حيث قسم ابن تيمية رحمه الله معجزات النبي صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالقدرة، والفعل والتأثير إلى تسعة أنواع وهي كما يلي:
النوع الأول: ما هو في العالم العلوي كانشقاق القمر، وحراسة السماء بالشهب الحراسة التامة لما بعث.
النوع الثاني: آيات الجو: كاستسقائه صلى الله عليه وسلم أي طلبه السقيا والمطر، وكاستصحائه: أي طلبه الصحو، وانكشاف الغيم والسحب.
النوع الثالث: تصرفه في الحيوان: الإنس، والجن، والبهائم.
النوع الرابع: آثاره صلى الله عليه وسلم في الأشجار والخشب.
النوع الخامس: آثاره في الماء، والطعام، والثمار الذي يكثر ببركته صلى الله عليه وسلم فوق العادة.
النوع السادس: تأثيره صلى الله عليه وسلم في الأحجار، وتصرفه فيها، وتسخيرها له؛ كما جاء في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً _جبل أحد_ ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اسكن ) وضربه برجله ( فليس عليك إلا نبيٌّ وصدِّيق وشهيدان ) ([1196]).
النوع السابع: تأييد الله له بملائكته: قال الله _تعالى_: [إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ] الأنفال: 9 .
النوع الثامن: في كفاية الله له أعداءه، وعصمته له من الناس.
النوع التاسع: في إجابة دعوته.
فهذه أنواع تسعة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجواب الصحيح، وشرحها شرحاً مفصلاً، وذكر أمثلة، وأدلة كثيرة على كل واحدٍ منها([1197]).
هذا وقد مرَّ وسيمر ذكرٌ لشيء من تلك المعجزات.
المطلب الثاني: طرق ثبوت معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
المعجزات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنواعها لم تثبت جزافاً، أو عن طريق روايات ضعيفة أو موضوعة، وإنما وردت من طرق يتبين بها أنها تفيد العلم القطعي اليقيني.
ولقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ست طرق كبرى، وشرع في تفصيل كل واحدة منها على حِدَةٍ، وهذه الطرق على سبيل الإجمال هي:
1_ التواتر العام. 2_ التواتر الخاص. 3_ التواتر المعنوي.
4_ حضور الخلق الكثير للآية، وتصديقها.
5_ تواتر أنواع من آيات النبوة عند كل من صنف العلماء.
6_ تصنيف العلماء في آيات النبوة([1198]).
المبحث الثالث: نماذج من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم
لقد أجرى الله _ عز وجل _ على يد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معجزاتٍ باهراتٍ, وآيات مبصرات إذا نظر فيها مريد الحق دلته على أنها شهادة صادقة من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد عدَّها بعض العلماء فزادت على ألف معجزة, وقد أُلَّفت فيها مؤلفات, وتناولها العلماء بالشرح والبيان ([1199]).
ولا ريب أن أعظم الآيات التي أعطيها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بل أعظم آيات الرسل أجمعين_ هو القرآن الكريم؛ فهو آية باقية إلى يوم الدين لا يطرأ عليها التغيير أو التبديل [وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ٤١ لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ] فصلت([1200]) .
ولقد مر الحديث عن القرآن وإعجازه في الفصل الماضي.
وهناك معجزات أخرى كثيرة أجراها الله_ عز وجل_ على يد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم غير معجزة القرآن الكريم, والمقام لا يتسع إلا لذكر القليل من تلك المعجزات؛ فإلى بيان شيء من ذلك فيما يلي:
1_ معجزة انشقاق القمر: وهذا المعجزة من أعظم المعجزات الحسية الدالة على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم .
وذلك أن المشركين من أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية, فأراهم انشقاق القمر نصفين.
وقد أخبر الله _ عز وجل_ عن هذه المعجزة بقوله:[ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١ وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ] القمر.
قال ابن تيمية رحمه الله : ( فذكر اقتراب الساعة وانشقاق القمر, وجعل الآية في القمر دون سائر الكواكب؛ لأنه أقرب إلى الأرض من الشمس والنجوم, وكان الانشقاق فيه دون سائر أجزاء الفلك؛ إذ هو الجسم المستنير الذي يظهر فيه الانشقاق لكل من يراه ظهوراً لا يتُمارى فيه ) ([1201]).
إلى أن قال رحمه الله : ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهذه السورة([1202]) في المجامع الكبار, مثل صلاة الجمعة, والعيدين؛ ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة, ودلائلها, والاعتبار بما فيها.
وكل الناس يقر بذلك, ولا ينكره؛ فَعُلِم أن انشقاق القمر كان معلوماً عند الناس عامة ) ([1203]).
وقد جاء في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟
قال: كان يقرأ فيهما بـ: [قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ], [ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ] ) ([1204]).
قال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على ذلك: ( ومعلوم بالضرورة في مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لأسرع المؤمنون به إلى تكذيب ذلك فضلاً عن أعدائه الكفار والمنافقين.
ومعلوم أنه كان من أحرص الناس على تصديق الخلق له, وإتباعه إياه؛ فلو لم يكن انشق لما كان يُخْبِرُ به, ويقرؤه على جميع الناس ويستدل به, ويجعله آية له ) ([1205]).
وجاء في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية؛ فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما ) ([1206]).
وعن جبير بن مطعم قال: ( انشق القمر ونحن بمكة حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل, فقال الناس سَحَرنا محمدٌ.
قال رجل: إن كان سحركم فلم يسحر الناس كلَّهم ) ([1207]).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن كفار قريش _ أهل مكة_ لما رأوا القمر منشقاً شقين قالوا: هذا سحر, انظروا السُّفار([1208])؛ فإن كانوا رأوا مثل ما رأيتم فهو صدق, وإلا لم يكونوا قد رأوا مثل ما رأيتم فهو سحر.
قال: فسُئل السُّفار, وقدموا من كل وجه؛ فقالوا: رأينا.([1209])
قال ابن كثير رحمه الله عن آية انشقاق القمر بعد أن أورد كثيراً من الأدلة على وقوعها قال : ( وقد شوهد ذلك في كثير من بقاع الأرض.
ويقال: إنه أُرِّخ ذلك ببعض بلاد الهند, وبني بناءٌ تلك الليلة, وأرِّخ بليلة انشقاق القمر ) ([1210]).
ويعلل رحمه الله خفاء تلك الآية على بعض أهل الأرض بقوله: ( ولعل ذلك في بعض ليالي الشتاء؛ حيث يكون أكثر الناس في البيوت, أو سترت غيم في كثير من الأرض ) ([1211]).
فهذا شيء مما جاء في معجزة انشقاق القمر([1212]).
2_معجزة الإسراء والمعراج: وهو إسراء الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ حيث جمع الله له الأنبياء فصلّى بهم إماماً.
قال الله_ عز وجل_:[سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ] الإسراء: 1 .
ومن هناك عرج به إلى السموات العلا, وهناك رأى ما رأى من آيات ربه الكبرى؛ حيث رأى جبريل على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها, وصعد به إلى سدرة المنتهي, وجاوز السبع الطباق وكلّمه الرحمن، وقَرَّبه.
قال الله_ عز وجل_مبيناً ذلك الشأن: [أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ١٢ وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ ١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ ١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰٓ ١٥ إِذۡ يَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا يَغۡشَىٰ ١٦ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ١٧ لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ].
وقد استعظمت قريش دعوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسراء, والمعراج؛ فقد كانت القوافل تمضي الأسابيع في الذهاب إلى بيت المقدس والعودة منها؛ فكيف يتسنى لرجل أن يمضي، ويعود في جزء من ليلة! ذلك أمر عجيب, وهو حقًّا عجيب, ولكن العجب يتلاشي إذا علمنا أن الذي أسرى به هو الله _تعالى_ والله على كل شيء قدير([1213]).
3_تكثيره صلى الله عليه وسلم الطعام: وقد وقع هذا أكثر من مرة, فمن ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه , قال: قال أبو طلحة لأم سليم, لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً, أعرف فيه الجوع, فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم, فَأَخْرَجَتْ أقراصاً من شعير, ثم أخرجت خِمَاراً لها، فَلفَّت الخبز ببعضه, ثمَّ دَسَّته تحت ثوبي, وردتني ببعضه, ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت به, فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد والناس معه, فقمت عليهم, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرسلك أبو طلحة ) ؟ قلت: نعم, قال: ( بطعام ) قلت: نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: ( قوموا ) فانطلق, وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة, فأخبرته, فقال أبو طلحة: يا أمَّ سليم, قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس, وليس عندنا ما نطعمهم, فقالت: الله ورسوله أعلم.
قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هلمي يا أمَّ سليم, ما عندك ) فأتت بذلك الخبز, فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم , فَفُتَّ, وعَصَرت أم سليم عُكَّةً([1214]) لها, فَأَدَمتهُ, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول, ثمَّ قال: ( ائذن لعشرة ) , فَأَذِن لهم, فأكلوا, حتى شبعوا, ثم قال: ( ائذن لعشرة ) فأذن لهم, فأكلوا, حتى شبعوا, ثم خرجوا, ثم قال: ( ائذن لعشرة ) , فأذن لهم, فأكلوا حتى شبعوا, ثم خرجوا, ثم قال: ( ائذن لعشرة ) فأكل القوم كلهم, وشبعوا, والقوم سبعون أو ثمانون رجلاَ ) .
وفي رواية: ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة، وأم سليم، وأنس، وفَضُل فضلةٌ، فأهديناها لجيراننا([1215]).
4_تكثير الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة: وقد وقع من هذا شيء كثير من الرسول صلى الله عليه وسلم , فمن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( عطش الناس يوم الحديبية, ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة([1216]) فتوضأ منها, ثم أقبل الناس نحوه, قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به, ونشرب إلا ما في ركوتك, فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة, فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون, قال: فشربنا, وتوضأنا.
قيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا, كنا خمس عشرة مائة ) ([1217]).
5_إبراؤه المرض _ بإذن الله _: فمن ذلك إبراؤه من كسرت رجله فعن البراء بن عازب قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رهطاً إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلاً وهو نائم فقتله عبد الله بن عتيك: فوضعت السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفتُ أني قتلته، فرجعت أفتح الأبواب حتى انتهيت إلى درجة، فوضعت رجلي، فوقعت في ليلة مقمرةٍ، فانكسرت ساقي, فعصبتها بعمامة فانطلقتُ إلى أصحابي فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتهُ فقال: ( ابسط رجلك ) .
فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنما لم أشتِكها قط([1218]).
ومن ذلك إبراؤه عين علي بن أبي طالب _ بإذن الله _: فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه, يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّهم يرجو أن يعطاها فقال: ( أين علي بن طالب؟ ) فقالوا: هو يا رسول يشتكي عينيه, قال: ( فأرسلوا إليه ) فأتي به فبصق رسول الله في عينه فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع, فأعطاهُ الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: ( انفُذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعُهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله فيه فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدً خيرٌ لك من أن يكون لك حمرُ النعم ) ([1219]).
وحمر النعم: لون من ألوان الإبل المحمودة، وكانت مما تفاخر به العرب.
6_ تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم : في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن ) ([1220]).
7_ تسليم الشجر والجبال على النبي صلى الله عليه وسلم : فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجر، ولا جبل إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله ) ([1221]).
فهذه أمثلة يسيرة جدًّا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ومن أراد المزيد فليرجع إلى الكتب التي اعتنت بمعجزاته _عليه الصلاة والسلام_ ككتاب دلائل النبوة لأبي زرعة الرازي، ودلائل النبوة لأبي الشيخ الأصبهاني، ودلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ودلائل النبوة للبيهقي، ودلائل النبوة لابن أبي الدنيا، وغيرها كثيرة من الكتب التي اعتنت بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا غير الكتب التي تكلمت على المعجزات ضمن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو كتب الصحاح والمسانيد([1222]).
الفصل الثالث
الإسلام في الكتب السابقة
تمهيد
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: في كون الإسلام دين جميع الأنبياء
أولاً: الإسلام العام: هو الاستسلام لله وحده, و هو بهذا الاعتبار دين جميع الأنبياء.
فدين الإسلام واحد, وهو دين الأنبياء وأتباعهم كما أخبر الله _ تعالى _ عنهم بذلك, من لدن نوح _عليه السلام_ إلى حواري عيسى_ عليه السلام_.
قال الله _تعالى_: [وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ٧١ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ] سورة يونس.
وقال _تعالى_: [وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٣٠ إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٣١ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ] سورة البقرة.
وقال الله _تعالى_ عن يوسف الصديق _عليه السلام_: [رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّٰلِحِينَ] سورة يوسف: 101 .
وقال عن بلقيس ملكة اليمن:[رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] سورة النمل: 44 .
وقال عن موسى _عليه السلام_: [يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ] سورة يونس: 84 .
وقال عن أنبياء بني إسرائيل: [إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ] سورة المائدة: 44 .
وقال_ عز وجل_ عن المسيح عليه السلام: [فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ] سورة آل عمران: 52 .
فالإسلام هو دين الأولين والآخرين من الأنبياء وأتباعهم, وهو عبادة الله وحده لا شريك له, وعبادته _تعالى_ في كل زمان ومكان بطاعة رسله _عليهم السلام_([1223]).
فهذا هو الإسلام العام.
ثانياً: الإسلام الخاص: وهو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو شريعة القرآن الكريم ([1224]).
وقد تقرر ذلك عند الحديث عن حقيقة الدين الإسلامي.
والحديث في المباحث التالية سيتناول شيئاً مما جاء في الكتب السابقة بشأن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حيث إن الكتب السماوية أشارت إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم وبشرت بنبوته صلى الله عليه وسلم , وذكرت وَصْفَ مبعثه, ومكان مبعثِه, وَوَصْفَ أمتِه إلى غير ذلك مما ورد عن الإسلام في الكتب السابقة.
وقد مر شيء من ذلك عند الحديث عن بشارات موسى وعيسى بمحمد _عليهم الصلاة والسلام_.
المطلب الثاني: شهادة القرآن على ذكر الإسلام في الكتب السابقة
لقد شهد القرآن الكريم في آيات كثيرة على أن الإسلام هو الدين الخاتم، وأثبت أن الكتب السابقة بشرت بذلك الدين, ووصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ووصف أمته, وفضلها, وبينت أن أهل الكتاب يعلمون ذلك, ولكن أكثرهم يردونه كبراً, وحسداً.
وإليك شيئاً من آيات الكتاب العزيز التي بينت ما جاء في هذا الشأن.
1_ قال الله_ تعالى_: [وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ] الصف: 6 .
2_ قال الله _تعالى_: [ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ] الأعراف: 157 .
3_ قال الله _عز وجل_: [مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطَۡٔهُۥ فََٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ] الفتح:29 .
4_ قال الله _عز وجل_:[قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ١٩ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ] الأنعام.
5_ قال الله _تعالى_: [قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ ١٤٤ وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٤٥ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٤٦ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ] البقرة.
6_ قال الله _عز وجل_: [وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ] البقرة: 89 .
7_ قال الله _تعالى_: [أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ] الأنعام: 114 .
8_ قال الله _تعالى_:[أَوَ لَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُۥ عُلَمَٰٓؤُاْ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ] الشعراء: 197 .
9_ قال الله _عز وجل_: [قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ] الرعد: 43 .
10_ قال الله _عز وجل_:[وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ] المائدة: 83 .
11_ قال الله _عز وجل_: [إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ ١٠٧ وَيَقُولُونَ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعۡدُ رَبِّنَا لَمَفۡعُولٗا ١٠٨ وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا] الإسراء .
12_ قال الله _تعالى_: [ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ ٥٢ وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِينَ ٥٣ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ] القصص .
13_ قال الله _تعالى_: [فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسَۡٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ] يونس: 94 .
فهذه الآيات وغيرها دالة على شهادة القرآن لما ورد في الكتب السابقة من ذِكْرٍ للإسلام ونبيه, ووصف أمته([1225]).
كما أنها دالة على أن أكثر علماء أهل الكتاب يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعلمون صدق رسالته، وأنه مكمل لرسالة إخوانه الأنبياء.
ولكن أكثر علماء أهل الكتاب يجحدون ذلك.
وهذا ما سيتبين _بإذن الله_ في المباحث التالية التي ستدور حول بعض ما ورد في الكتب السابقة في ذلك الشأن.
وقبل ذكر ذلك يحسن الحديث عن شهادة بعض المهتدين من علماء أهل الكتاب على صحة دين الإسلام، وعلى تصريحهم بتفسير ما وردت به البشارات بدين الإسلام، ووصف نبيه، وأمته.
المبحث الأول: مهتدو أهل الكتاب, وشهادتهم على صحة الإسلام
لعل من أعظم الدلائل على حقيقة الإسلام, وصحة ما جاء به هدايةَ كثيرٍ من علماء أهل الكتاب إلى الإسلام , وتسجيلهم شهاداتهم بأنه الدين الخاتم الحق, وتنزيلهم ما ورد في كتبهم السابقة من البشارات بظهور دين جديد, ونبي جديد, وأمة مصطفاة على دين الإسلام, ونبيه, وأمته.
ومن خلال ما يلي من مطالب سيتبين شيء من ذلك.
المطلب الأول: هداية علماء أهل الكتاب إلى الإسلام
لقد أرسل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق, ليظهره على الدين كله, ولو كره المشركون, وجعل _سبحانه وتعالى_ في هذا الدين بيناتِ الهدى, ودلائل الرشاد ظاهرة واضحة لمن نظر إليها بعين البصيرة.
وقد اهتدى بتلك الدلائل أمم من ورائها أمم؛ حيث فتح الله بصائرها على النور والهدى, فتركوا الغواية والضلالة, وسلكوا سبيل الفلاح والسعادة.
والمهتدون للحق طوائف وأصناف شتى من الناس, ففيهم الرئيس والمرؤوس, والعالم وغير العالم, والذكر والأنثى, حتى عم هذا النورُ والهدى أرجاء الأرض, ودخل الناس في دين الله أفواجاً تلو أفواج.
وكان من أولئك المهتدين مَنْ هو رأسٌ في أهل ملته, وخاصة من اليهود والنصارى, ممن سلموا من الحسد والكبر, وممن كتب الله لهم الهداية, فإذا اهتدوا إلى الإسلام شعروا بعظيم الضلالة التي كانوا عليها,وبعظم المنة والنعمة التي اهتدوا إليها, فيجتهدون في نصرة دين الإسلام، ودعوة بني جنسهم إليه, فيصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تجدون الناس معادن؛ فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) ([1226])
فيصبح هؤلاء المهتدون خيار الذين أسلموا من اليهود والنصارى, ويبذلون في نصرة الإسلام مثل أو أكثر ما كانوا يبذلونه في نصرة أديانهم.
ولاشك أن من أوسع المجالات أمام أهل العلم منهم هو بيان الحق بدليله, والتحذير من الباطل، وسلوكِ سبيله؛ فيكون أولئك المهتدون من خير من يدعو إلى الإسلام, ويحذر من الأديان الباطلة بتلك الوسيلة؛ لأن أهل الدار أعرف بما فيها, فقد كانوا يهوداً أو نصارى فيعرفون ما لا يعرفه غيرهم بحكم علمهم العميق في الديانة, واتصالهم المباشر بأهل ملتهم, وخاصة في ديانة يدَّعي أصحابها بأنها ذات أسرار مثل النصرانية, فيكون لدعوتهم وَقْعٌ مؤثر يستجيب له العديد من أصحاب الملل الباطلة.
كما أن تحول بعض أهل العلم من الأديان الباطلة إلى الإسلام ودخولهم فيه, ونصرتهم له من الأدلة الظاهرة على أن الإسلام حق لا ريب فيه, وأن التحول لم يتم إلا بعد القناعة التامة بصحة الإسلام, فيكون هذا المهتدي شاهداً على قومه وحجة عليهم([1227])
المطلب الثاني: نماذج ممن أسلم من علماء أهل الكتاب
من المعلوم أن الاهتداء للإسلام من قبل بعض علماء اليهود والنصارى قد واكب وقت ظهور الإسلام, واستمر وسيستمر إلى يوم القيامة ما دام في الأرض عقلاء يريدون الحق، ويبحثون عنه.
وفيما يلي ذكرٌ لبعض من اهتدى لدين الإسلام من علماء اليهود والنصارى.
1_ عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقد كان من أوائل المهتدين لدين الإسلام، وقد كان سيد اليهود وكبيرهم وابن كبيرهم في المدينة, وإسلامه حجة على جميع اليهود إلى يوم القيامة.
2_ النجاشي ملك الحبشة, فهو ممن أسلم من كبار النصارى وملوكهم، وذلك في العهد الملكي وبعد أن اتصل بالإسلام عن طريق مهاجرة الحبشة من الصحابة _رضي الله عنهم_.
3_ علي بن ربن الطبري, الذي اهتدى للإسلام في عهد أبي جعفر المنصور, وكان قبل إسلامه نصرانيًّا ذا علم بالفلسفة والطب, وكتب في الدعوة إلى الإسلام كتابه ( الدين والدولة ) و ( الرد على أصناف النصارى ) .
4_ السموأل بن يحيي المغربي المهتدي, كان من أحبار اليهود, عالماً بالطب, توفي سنة 570هـ وله كتاب ( إفحام اليهود ) .
5_ اللورد هدلي الفاروق, الذي كان عضواً في مجلس اللوردات البريطاني, وقد أعلن إسلامه عام 1913هـ, وتسمى بالفاروق, وكتب كتاباً في الإسلام عنوانه ( رجل من الغرب يعتنق الإسلام ) .
6_ناصر الدين دينيه الفرنسي الذي كان نصرانيًّا رساماً مبرزاً, أسلم عام 1927م, وكتب كتاباً سماه ( أشعة خاصة بنور الإسلام ) وقد توفي رحمه الله سنة 1929م.
7_عبد الأحد داود, الذي كان كاهناً كلدانياً قد حصل على درجة أستاذ في علم اللاهوت, وكان زعيمَ طائفة الروم الكاثوليك لطائفة الكلدانين وكتب كتابه ( الإنجيل والصليب ) و ( محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس ) .
8_القس إبراهيم خليل الذي كان قساً في كنيسة ( بافور ) الإنجيلية بأسيوط مصر, وكان له نشاط تنصيري كبير, وأعلن إسلامه سنه 1959م, وله كتب عديدة في الدعوة إلى الإسلام, منها: ( محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن ) و ( المستشرقون والمبشرون في العالم الإسلامي ) و ( محاضرات في مقارنة الأديان ) و ( المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن ) وغيرها من الكتب.
ولقد أسلم غير هؤلاء كثير ممن لا يحصي عددهم إلا اللهُ _عز وجل_.([1228])
ومن الملاحظ أن من ذُكروا وغيرهم كثير لم يكونوا من عوام الناس, وإنما هم رؤوس أهل ملتهم السابقة, فلم تكن تَنْقُصهم دنيا، ولا مكانة اجتماعية, كما لا ينقصهم الذكاء والفهم, وربما فقدوا بإسلامهم كثيراً من الأمور الدنيوية, التي كانت مُحَقِّقَةً لهم أوضاعاً اجتماعية عالية, بل قد يَُعرِّضون أنفسهم للقتل.
ومع كل هذا لم يطيقوا الاستمرار على تلك الحال؛ فَيَغُشُّوا أنفسهم ببقائهم على الباطل, ويعيشوا عيشة الشقاء والزيف بعد أن تبين لهم الهدى ودين الحق؛ فأعلنوا إسلامهم متحملين في سبيل ذلك الضرر الجسدي والمادي الذي قد يتعرضون له, بل إنهم قاموا بالدفاع عن الإسلام والدعوة إليه حتى يؤدوا بعض الواجب الملقى على عواتقهم بدخولهم في الإسلام.
وهذا كله دليل واضح على أن الإسلام هو الدين الحق, وأن براهين صحته وشرفه وكماله متوافرة ([1229]).
المطلب الثالث: نبذة عن أحد علماء أهل الكتاب الذين أسلموا، وجهوده في نشر الإسلام
لقد كان من هذه الطائفة المباركة, التي اهتدت إلى الإسلام عن قناعة ويقين بعد تمحيص وتدقيق _ الشيخ زيادة بن يحي النصب الراسِي الذي كان من رجال الدين النصارى, ومن ذوي العلم فيهم؛ فبعد أن تبين له الهدى ودين الحق أعلن إسلامه, وبدأ رحمه الله يدعو إلى هذا الدين بالقَدْر والطاقة التي مكنه الله منها, ووصل إلى علمنا من جهده في ذلك كتابان وهما: ( البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح ) وكتاب ( الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية ) .([1230])
والشيخ زيادة عاش خلال القرن الحادي عشر, وينسب إلى مدينة رأس العين في الشام من مدن الجزيرة تقع بين حران ونصيبين, وهي ضمن سوريا الآن.
أما كتابه: ( الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية ) فلم يطبع, وإنما عُلِمَ من تلخيص له للشيخ محمد بن عبد الرحمن الطيبي الدمشقي.
وأما كتابه (البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح) فقد طُبع مؤخراً بتحقيق ودراسة الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف.
ويتضح من كتاب ( البحث الصريح ) أن الشيخ زيادة بن يحيى كان نصرانياً, ثم هداه الله _ تعالى _ للإسلام, حيث يقول في مقدمة كتابه: ( أما بعد, فيقول العبد الفقير إلى ربه الغني الشيخ زيادة بن يحيى النصب الراسي, المتشرف في الدين المحمدي: إنني لما كنت متفرغاً للبحث والمطالعة عن أيما هو الدين الصحيح بكل جهد, وبغاية التنقيح, وغِبَّ الفحص والتفتيش في ذلك _ قَصَدْتُ أن أحرر ما قد حَصَّلْتُه من المقابلة في تلك المسالك, وأبينه لذوي البصائر القادحة ) ([1231]).
ويتضح _أيضاً_ أن سبب دخوله في الإسلام هو مما تولد في نفسه من الشكوك في ديانته الأولى النصرانية, مما جعله ينظر في الإسلام، ويبحث ويقابل، ويطالع, حتى تبين له أن الإسلام هو الحق؛ فهداه الله له، فدخل فيه, ثم بدأ يحرر ما تبين له به بطلان ديانة النصارى, وصحة الإسلام, وجعل ما حرره وسيلة لدعوة النصارى ([1232]).
ويتضح من النظر في كتاب الشيخ زيادة ( البحث الصريح ) أن معلومات مؤلفه عن النصرانية معلومات جيدة مركزة؛ فاستدلالاته من العهد القديم والجديد متنوعة عميقة؛ حيث يطالع ويقابل بين النسخ المتعددة والترجمات المتعددة من عربية ويونانية وعبرية وسريانية.
ويظهر من هذا أنه يجيد اللغة اليونانية, والعبرية, والسريانية، ويترجم منها إلى العربية, بل يطالع قواعد اللغتين اليونانية والعبرية، ويصحح، ويرجح بعض الترجمات على بعض.
وهذا ما يؤكَّد أنه كان قبل إسلامه من علماء النصارى ورجال دينهم؛ لأن العلم بهذه الأمور من اختصاص رجال الدين, ولأن هذه اللغات: اليونانية والعبرية والسريانية هي لغات دينية؛ فقد يكون في الأصل نصرانياً سريانياً, فهو يجيد السريانية, وهي لغة نصارى سورية باعتباره من أهلها.
أما اللغة اليونانية فإنها لغة العهد الجديد واللغة الدينية للنصارى الكاثوليك.
وأما اللغة العبرية فهي لغة العهد القديم بالنسبة للنصارى البروتستانت, ولا يستغني عنها رجال الدين النصارى.
فهذا مما يوحي بأن الرجل كان من علمائهم, خاصة إذا علمنا أن عوام النصارى من أبعد الناس عن العلم الديني النصراني.
بل هم في كثير من الأحيان _خاصة في زمن المؤلف_ لا يستطيعون أن يقفوا على شيء من كتب النصارى الدينية سوى ما تأذن به الكنيسة من مقاطع مخصوصة يمكن تداولها بين العوام ([1233]).
أما مباحث الكتاب المذكور _البحث الصريح_ فقد اهتم المؤلف رحمه الله فيه بإبراز المسائل الأساسية التي تدل على صحة نبوة نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم من كتبهم, مما تقوم به الحجة عليهم من كلامهم, فكانت مباحث الكتاب كما أفاد رحمه الله في مقدمة كتابه تشمل الحديث عما يلي:
أولاً: بطلان دعوى النصارى ألوهية المسيح _عليه السلام_ وإثبات أنه نبي كسائر الأنبياء قبله من بني إسرائيل.
ثانياً: بطلان استدلال النصارى على ألوهية المسيح _عليه السلام_ بالآيات التي كانت تظهر على يدي المسيح _ عليه السلام_ وإثبات أن آياته ومعجزاته من جنس الآيات والمعجزات التي أجراها الله على أيدي الأنبياء قبله, بل أجرى الله على أيديهم آياتٍ تَفُوقُ آياتِ المسيح, ولم تدلَّ عند تلك الأمم على ألوهية أولئك الأنبياء الذين ظهرت على أيديهم المعجزات؛ فكذلك عيسى بن مريم _عليه السلام_.
ثالثاً: في رد مطاعن النصارى في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان بطلان كلامهم, وبيان أن الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقعت منهم أمور من جنس ما نسب للنبي صلى الله عليه وسلم وأشد منها, ولم يطعن في أولئك الأنبياء بسببها؛ فكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
رابعاً: في الأدلة على نبوة نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل, وأنه المقصود بكثير من الوعود والبشارات المذكورة في كتابي اليهود والنصارى.
خامساً: في الأدلة الدالة على تحريف التوراة والإنجيل من نصوص الكتابين مما يكون أصرح دليل على تحريفها.
بعد ذلك ذكر المصنف رحمه الله خاتمة اشتملت على أهم النتائج التي توصل إليها من خلال بحثه ([1234]).
أما منهج المؤلف رحمه الله فقد سلك منهجاً اسقرائياً, استعرض فيه الأدلة الدالة على بطلان دعاوى النصارى, سواء في دعوى إلوهية المسيح _ عليه السلام_ أو دعوى صحة التوراة والإنجيل, وأبان عن بطلانها بما يقابلها وينقضها من المعلومات الواردة في التوراة والإنجيل.
كما استعرض شُبَهَ القوم ودعاويهم في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأبان عن بطلانها بنصوص من كتبهم, كما استعرض العديد من الأدلة الدالة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل.
وكان من أهم مصادر المؤلف الإسلامية: القرآن الكريم, واعتمد في الأمور التاريخية على كتاب ( السيرة الحلبية ) وفي إثبات أسماء النبي صلى الله عليه وسلم على كتاب ( دلائل الخيرات ) .
أما مصادره النصرانية, فكان من أهمها: كتاب العهد القديم والجديد, كما رجع في كتاب الكنيسة إلى كتاب ( سعد بن البطريق ) , ورجع أيضاً إلى تاريخ ( يوسيوس ) وهو مؤرخ يهودي, ومؤرخ آخر أسماه ( لافجانيوس ) كما أشار إلى أنه طالع بعض المختصرات في رد بعض أصحاب الملل بعضهم على بعض, وأفاد منها غير أنه لم يُسَمِّ شيئاً منها.
كما رجع إلى قواميسَ وكتبٍ يونانيةٍ وعبريةٍ, مما يشعر بمعرفته بكل من اللغتين اليونانية والعبرية _كما سبق بيانه_([1235]).
هذا وسيرد في المبحث التالي شيء من تعليقاته على البشارات الواردة في الكتب السابقة التي نزَّلها على نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
المبحث الثاني: تصريح الكتب السابقة بنبي الإسلام، وتبشيرها به
لقد بشرت الكتب السابقة بدين الإسلام, وظهور نبيه في مواضع كثيرة, والشواهد على ذلك لا تكاد تحصى.
وهذه الشهادات الموجودة في الكتب المتقدمة تُعُّد من الآيات البينات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة من قبله([1236]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( دلائل نبوة المسيح ومحمد قطعية يقينية لا يمكن القدح فيها بظن؛ فإن الظن لا يدفع اليقين لا سِيَّما مع الآثار الكثيرة المُخْبرة بأن محمداً كان مكتوباً باسمه الصريح فيما هو منقول عن الأنبياء ) ([1237]).
وقد جاء في صحيح البخاري عن عطاء بن يسار أنه قال: ( لقيت عبد الله ابن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة, قال: أجل, والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن:[يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا] (الأحزاب: 45) وحرزاً للأميين, أنت عبدي ورسولي, سميتك المتوكل, ليس بفظٍّ ولا غليظ, ولاسَخَّاب في الأسواق, ولا يدفع بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويغفر, ولن يَقْبِضَهُ الله حتى يقيم به الملَّة العوجاء, بأن يقُولوا: لا إله إلا الله, ويفتح بها أعينُاً عُمياً, وقُلُوباً غُلْفاً ) ([1238]).
قال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذا الأثر: ( ولفظ التوراة والإنجيل والقرآن والزبور قد يراد به الكتب المُعَينَّةُ, ويراد به الجنس, فَيـُعَبَّر بلفظ القرآن عن الزبور وغيره كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم خُفِّفَ على داود القرآن, فكان ما بين أن تُسْرَج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن ) ([1239]) .
والمراد به قرآنه، وهو الزبور، ليس المراد به القرآن الذي لم ينزل إلا على محمد صلى الله عليه وسلم .
كذلك ما جاء في صفة أمة محمد أناجيلهم في صدورهم, فَسَمَّى الكتب التي يقرؤونها _وهي القرآن_ أناجيل.
وكذلك في التوراة ( إني سأقيم لبني إسرائيل نبياً من إخوتهم أنزل عليه توراة مثل توراة موسى ) فسمى الكتاب الثاني توراة .
فقوله: ( أخبرني بصفة رسول الله في التوراة ) قد يراد بها نفس الكتب المتقدمة كلِّها, وكلُّها تسمى توراة, ويكون هذا في بعضها.
وقد يراد به التوراة المعينة.
وعلى هذا فيكون هذا في نسخة لم ينسخ منها هذه النسخ؛ فإن النسخ الموجودة بالتوراة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا ) ([1240]).
وقال الشيخ زيادة بن يحيى الراسي([1241]) كما في مقدمة الباب الرابع في كتابه (البحث الصريح في إيِّما هو الدين الصحيح) قال: ( الباب الرابع: البشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ) .
نورد فيه بينات من كتب العهدين؛ أعني من التوراة والإنجيل على أن نبينا الأعظم محمداً صلى الله عليه وسلم هو النبي الموعود به _أيضاً_ والمشار إليه، والمنبأ عنه من الأنبياء كعيسى _عليه السلام_ بالأدلة الواضحة، والبراهين المتينة كما قد تراها صحيحة ) ([1242]).
ثم شرع رحمه الله بإيراد تلك الشهادات؛ حيث أورد إحدى عشرة شهادة، وأتبع كل شهادة بالشرح، والتحليل، والربط، مثبتاً أنها منطبقة تماماً على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وفيما يلي ذكر لبعض ما جاء في الكتب السابقة عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم مع شيء من التعليق عليها .
1_ جاء في نبوة أشعياء قوله: ( عبدي الذي سُرَّت به نفسي, أنزل عليه وحيي, فَيُظْهر في الأمم عدلي, ويوصيهم بالوصايا، لا يضحك، ولا يسمع صوته في الأسواق يفتح العيون العور والآذان الصم, ويحيي القلوب الغُلْف, وما أعطيه لا أعطي أحداً, يحمد الله حمداً جديداً, يأتي من أقصى الأرض, وتفرح البرية, وسكانها يهللون الله على كل شَرَف ويكبرونه على كل رابية, لا يضعف, ولا يغلب, ولا يميل إلى الهوى, مشقح([1243]), ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة بل يُقَوِّي الصديقين, وهو ركن المتواضعين, وهو نور الله الذي لا يُطْفَأ, أثر سلطانه على كتفيه ) ([1244]).
وهذه البشارة من أشعياء قريبة مما جاء في أثر عبد الله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ قال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على نبوءة أشعياء _ عليه السلام_: ( وهذه صفات منطبقة على محمد وأمته, وهي من أجل بشارات الأنبياء المتقدمين به, ولفظ التوراة قد عرف أنه يراد به جنس الكتب التي يقر بها أهل الكتاب, فيدخل في ذلك الزبور، ونبوة أشعياء، وسائر النبوات غير الإنجيل ) ([1245]).
2_وجاء في سفر التثنية ما نصه: ( وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته, فقال: جاء الرب من سيناء([1246]) وأشرق لهم من سعير([1247]) وتلألأ من جبال فاران([1248]) ) ([1249]).
وقد أورده ابن تيمية بلفظ قريب فقال : ( وذلك مثل قوله في التوراة ما قد ترجم بالعربية: ( جاء الله من طور سينا, وبعضهم يقول تجلى الله من طور سينا، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران ) ([1250]).
قال ابن تيمية معلقاً على هذه البشارة: ( قال كثير من العلماء واللفظ لأبي محمد ابن قتيبة: ليس بهذا خفاء على من تدبره، ولا غموض؛ لأن مجيءَ الله من طور سينا إنزالُه التوراةَ على موسى من طور سينا كالذي هو عند أهل الكتاب وعندنا.
وكذلك يجب أن يكون إشراقُه من ساعير إنزالَه الإنجيلَ على المسيح, وكان المسيح من ساعير أرض الخليل بقرية تدعى ناصرة, وباسمها يسمى من اتبعه نصارى.
وكما وجب أن يكون إشراقُه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب أن يكون استعلانُه من جبال فاران إنزالَه القرآنَ على محمد, وجبالُ فارانَ هي جبال مكة.
قال: وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة؛ فإن ادعوا أنها غير مكة _ فليس يُنْكَر ذلك من تحريفهم وإفكهم _ قلنا: أليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران؟ ) ([1251]).
إلى أن قال ابن تيمية رحمه الله : ( وقلنا دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران والنبي الذي أنزل عليه كتابا بعد المسيح أو ليس (استعلن) و(علن).
وهما بمعنى واحد وهو ما ظهر وانكشف؛ فهل تعلمون ديناً ظهر ظهور الإسلام، وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فُشَوَّه؟ .
وقال ابن ظفر: ساعير جبل بالشام منه ظهرت نبوة المسيح.
قلت: وبجانب بيت لحم القرية التي ولد فيها المسيح قرية تسمى إلى اليوم ساعير, ولها جبل تسمى ساعير، وفي التوراة أن نسل العيص كانوا سكانا بساعير, وأمر الله موسى أن لا يؤذيهم.
وعلى هذا فيكون ذكرُ الجبال الثلاثة حقًّا جبل حراء الذي ليس حول مكة جبل أعلى منه, ومنه كان نزول أول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله من الجبال جبال كثيرة حتى قد قيل: إن بمكة اثني عشر ألف جبل, وذلك المكان يسمى فاران إلى هذا اليوم، وفيه كان ابتداء نزول القرآن.
والبَرِّيَّةُ التي بين مكة وطور سينا تسمى بَرِّية فاران, ولا يمكن أحداً أن يدعي أنه بعد المسيح نزل كتاب في شيء من تلك الأرض، ولا بُعِث نبيٌّ؛ فَعِلمَ أنه ليس بالمراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرسال محمد.
وهو _ سبحانه_ ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني؛ فذكر إنزال التوراة, ثم الإنجيل, ثم القرآن.
وهذه الكتب نُوْرُ الله وهداه, وقال في الأول: جاء أو ظهر, وفي الثاني أشرق, وفي الثالث استعلن.
وكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر, أو ما هو أظهر من ذلك, ونزول الإنجيل مثل إشراق الشمس زاد به النور والهدى.
وأما نزول القرآن فهو بمنزلة ظهور الشمس في السماء؛ ولهذا قال ( واستعلن من جبال فاران ) فإن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر به نور الله وهداه في مشرق الأرض ومغربها؛ أعظم مما ظهر بالكتابين المتقدمين كما يظهر نور الشمس إذا استعلت في مشارق الأرض ومغاربها؛ ولهذا سماه الله سراجاً منيراً، وسمى الشمس سراجاً وهاجاً, والخَلْقُ يحتاجون إلى السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج؛ فإن الوهاج يحتاجون إليه في وقت دون وقت، وكما قيل: قد ينضرون به بعض الأوقات.
وأما السراج المنير فيحتاجون إليه كل وقت, وفي كل مكان ليلاً ونهاراً سراً وعلانية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها؛ وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) ([1252]).
وهذه الأماكن الثلاث أقسم الله بها في القرآن في قوله _ تعالى _: [وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ ١ وَطُورِ سِينِينَ ٢ وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ ٣ لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ ٤ ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ ٥ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ ٦ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ ٧ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ] التين .
فأقسم بالتين والزيتون وهو الأرض المقدسة الذي ينبت فيها ذلك ومنها بعث المسيح وأنزل عليه فيها الإنجيل.
وأقسم بطور سينين, وهو الجبل الذي كلم الله فيه موسى، وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة.
وأقسم بالبلد الأمين، وهي مكة، وهو البلد الذي أسكن فيه إبراهيم ابنه إسماعيل وأمه، وهو الذي جعله الله حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم خلقاً وأمراً قدراً وشرعاً؛ فإن إبراهيم حَرَّمه, ودعا لأهله, فقال: [رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفِۡٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ] ) إبراهيم: 37([1253]).
وقال ابن تيمية رحمه الله فقوله _تعالى_:[وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ ١ وَطُورِ سِينِينَ ٢ وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ] إقسام منه بالأمكنة الشريفة المعظمة الثلاثة التي ظهر فيها نوره وهداه وأنزل فيها الثلاثة التوراة, والإنجيل, والقرآن.
كما ذكر الثلاثة في التوراة بقوله: ( جاء الله من طور سينا وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران ) ([1254]).
وقال ابن القيم رحمه الله عن هذه البشارة : ( وشَبَّه _سبحانه_ نبوة موسى بمجيء الصباح, ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه,و نبوة خاتم الأنبياء بعدهما باستعلاء الشمس وظهورها في الآفاق.
ووقع الأمر كما أخبر به سواء ؛ فإن الله _ سبحانه_ صدع بنبوة موسى لَيْلَ الكفر؛ فأضاء فجره بنبوته, وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح , وكمل الضياء, واستعلن, وطبَّق الأرض بنبوة محمد_صلوات الله وسلامه عليهم ) ([1255]).
3_ وقال شمعون النبي _عليه السلام_: ( الله جاء من تيمان([1256])، والقدوس من جبل فاران، سلاه جلاله غطى السموات والأرض، امتلأت من تسبيحه، وكان لمعانٌ كالنور من يده شعاع، وهناك استثار قدرته ) ([1257]).
وقد أورد الإمام ابن تيمية هذه البشارة بما هو موجود من كتب أهل الكتاب في وقته، فقال في سياق حديثه عن بشارات الأنبياء السابقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم : ( ومثل هذا بشارة أخرى بمحمد صلى الله عليه وسلم من كلام شمعون بما رضوه([1258]) من ترجمتهم وهو: ( جاء الله بالبينات من جبال فاران، وامتلأت السماء والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته ) ([1259]).
ثم علق ابن تيمية على هذه البشارة بقوله: ( فهذا تصريح بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالنبوة من جبال فاران، وامتلأت السماوات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته([1260]).
ولم يخرج أحد قط وامتلأت السماوات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته مما يسمى فاران سوى محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
والمسيح لم يكن في أرض فاران ألبتة، وموسى إنما كُلِّم من الطور، والطورُ ليس من أرض فاران، وإن كانت البرية التي بين الطور وأرض الحجاز من فاران، فلم يُنْزلِ اللهُ فيها التوراة.
وبشارات النبوة قد تقدمت بجبل الطور وبشارة الإنجيل بجبل ساعير ) ([1261]).
4_ ونُقِلَ في نبوة حبقوق أنه قال: ( جاء الله من التيمن، وظهر القُدُس على جبال فاران، وامتلأت الأرض لنوره، وحملت خيله في البحر ) ([1262]).
5_ وقال داود في مزاميره _وهي الزبور_([1263]): ( من أجل هذا بارك الله عليه إلى الأبد، فتقلَّدْ([1264]) أيها الجبار بالسيف؛ لأن البهاء لوجهك، والحمد الغالب عليك، اركب كلمة الحق، وسِمَةَ التألُّه([1265])؛ فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، وسهامك مسنونة، و الأمم يخرون تحتك ) .
وقد أورد ابن تيمية هذه البشارة في كتابه الجواب الصحيح([1266]) عن كتب أهل الكتاب، ثم علق عليها بقوله: ( فليس متقلِّد السيف من الأنبياء بعد داود سوى محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي خرَّت الأمم تحته، وقرنت شرائعه بالهيبة، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) ([1267]) ([1268]).
6_ وقال داود _ عليه السلام _ في مزمور له _ مبشراً بمحمد صلى الله عليه وسلم : ( ويملك من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض, ويخر أهل الجزائر بين يديه, ويلحس أعداؤه التراب, ويسجد له ملوك الفرس, وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد, ويخلّص البائس المضطهد ممن هو أقوى منه, وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له, ويرأف بالمساكين والضعفاء, ويُصَلَّى عليه, ويُبارك في كل حين ) ([1269])
وهذا النص موجود في الترجمة الحالية للعهد القديم ([1270]).
قال ابن تيمية معلقاً على هذه البشارة: ( وهذه الصفات منطبقة على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته لا على المسيح؛ فإنه([1271]) حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي, ومن لدن الأنهار بجيحون وسيحون إلى منقطع الأرض بالمغرب .
كما قال: ( زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) ([1272]).
وهو يُصَلَّى عليه, ويبارك في كل حين في كل صلاة في الصلوات الخمس وغيرها يقول كل من أمته: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد, فيصلي عليه ويبارك ) ([1273]).
وقال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه البشارة: ( ولا يشك عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات, وعرف سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة أمته من بعده أن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا عليه وعلى أمته, لا على المسيح ولا على نبي غيره ) ([1274])
7_ وقال دانيال _عليه السلام_ وذكر محمداً صلى الله عليه وسلم باسمه فقال: ( ستنزِعُ من قِسِيَّك إغراقاً ونزعاً, وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواءًا ) ([1275]).
قال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذه البشارة: ( فهذا تصريح بغير تعريض، وتصحيح بغير تمريض؛ فإن نَازَع في ذلك منازِعٌ فَلْيُوجِدْنا آخر اسمه محمد صلى الله عليه وسلم له سهام تنزع, وأمر مطاع لا يدفع ) ([1276]).
8_ وقال أشعياء النبي _ونص على خاتم النبوة_: ( ولد لنا غلام يكون عجباً, وبشراً, والشامة([1277]) على كتفيه, أركون السلام إله جبار,وسلطانه سلطان السلام, وهو ابن عالمه يجلس على كرسي داود ) ([1278]).
قال ابن تيمية معلقا على هذه البشارة: ( والأركون: هو العظيم بلغة الإنجيل, والأراكنة: المُعَظَّمون ) ([1279]).
وقال: ( فقد شهد أشعياء بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بأخص علاماته وأوضحها, وهي شامته, فلعمري لم تكن الشامة لسليمان, ولا للمسيح.
وقد وصفه بالجلوس على كرسي داود يعني أنه سيرث بني إسرائيل نبوتهم, وملكهم، ويبتزهم([1280]) رياستهم ) ([1281]).
9_ وجاء في سفر الاشتراع في الإصحاح الثامن عشر، والعدد الخامس من قول سيدنا موسى _عليه السلام_ أنه قال لقومه بني إسرائيل: ( إن نبياً من بينك ومن إخوتك مثلي يقيمه الرب ) .
ووردت هذه البشارة بلفظ: ( يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون ) ([1282]).
قال الشيخ زيادة الراسي معلقاً على هذه البشارة: ( إن هذه الشهادة هي بلا ريب منطبقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من حيث إن إسماعيل وخَلَفه الذين منهم نبينا كانوا يسمون إخوة لبني إبراهيم _أعني إسحاق وخَلَفه عليهما السلام_؛ لأن الله _تعالى_ قال لهاجر _رضي الله عنها_ امرأةِ سيدنا إبراهيم عن إسماعيل ابنها: بأن قبالة إخوته ينصب المضارب.
ومن حيث إن إسحاق أبا يعقوب وذريته بني إسرائيل دُعوا إخوةَ إسماعيل؛ فإسماعيل هو أخوهم بلا شك؛ فمن هنا ألغز النبي موسى _عليه السلام_ بكلامه، وأشار إشارة خفيةً غير صريحة في النسق حسب عادة الأنبياء؛ لإخفاء بعض مقاصدهم، وتكلمهم بالرموز عن أن الله _تعالى_ سيقيم لهم نبياً من بني إخوتهم، أي من بني إسماعيل المباينين لهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم لكونه نبياً، ومن ولد إسماعيل؛ لأن من عادة الكتب المنزلة أن تسمي أولاد الأعمام من بعْدٍ بَعيدٍ إخوةً.
ومثل ذلك ورد في القرآن الشريف؛ إذ إنه دعى النبيينِ اللذينِ هما هود وصالح إخوة لعاد وثمود([1283])، وهما على بعدٍ بعيدٍ من أولاد الأعمام _أيضاً_ ) ([1284]).
وبعد أن ساق الشيخ زيادة رحمه الله عدداً من البراهين الدالة على قوله، قال: ( فينتج _إذاً_ أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو المشار إليه من موسى دون شك ) ([1285]).
10_ وفي إنجيل يوحنا: ( وإذا جاء البارقليط([1286]) الذي أَرسله إليكم الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق هو يشهد لي, وأنتم أيضاً شاهدون ) ([1287]).
قال الشيخ زيادة بن يحيى الراسي رحمه الله تعليقاً على هذه البشارة:أقول: ( إن هذه الشهادة والمقصود بها نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم :
أولاً: من اسم ( بارقليط )
ثانياً: من قوله: ( هو يشهد لي )
ثالثاً: من تسميته له : ( روح الحق )
رابعاً: من قوله عنه إنه: ( من الأب ينبثق )
أما عن قوله: ( إنه ينبثق من الأب ) ؛ فهو بمعنى يخرُج, ويرسل, كما هو مصرح به في قواميس اللغة اليونانية, والكنائس الغربية هكذا تفسرها أيضاً.
وهذا الإرسال جاء مصرحاً به عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله_ تعالى_:[قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا] الأعراف: 158، و قوله:[هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ] الصف: 9 .
وأما تسميته له صلى الله عليه وسلم بأنه ( روح الحق ) فنرى هذا الاسم من جملة أسمائه الشريفة ) ([1288]).
إلى أن قال الشيخ زيادة رحمه الله : ( أما اسم ( بارقليط ) فهي لفظة يونانية, من معانيها في القواميس: المعزي, والناصر, والمنذر, والداعي, والاسم المطابق هو الداعي.
فالنصارى الذين آمنوا وأسلموا في العصور القديمة قد فهموا أن معنى هذه اللفظة منصرف إلى القرآن الشريف, وإلى سيد المرسلين الأعظم صلى الله عليه وسلم .
فأما انصرافها إلى النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم فمن كونه قد وُصفَ بمثل هذه الأوصاف في الكتاب المنزل, كقوله_ تعالى_:[وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا] النساء: 75 .
وقوله _تعالى_:[يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ] الأحزاب: 45_46 .
أما النصارى الذين في الدهور المتأخرة, المتناسلين من أولئك, فلم يفهموها إلا عن الروح الذي حل على الحواريين, مع أن الروح الذي يدعون أنه حَلَّّ عليهم لم يسم ( بارقليطاً ) من الذين حل عليهم, ولا سُمِّي روح الحق, ولا دعي المنبثق من الأب مثلما سماه عيسى لما وعد به, بل إنه سمي من الحواريين: روح, وقوة, وألسنة كالنار.
وأما قوله: ( إن البارقليط يشهد لي ) :
فأقول: إنه يظهر من معناه بأن سيدنا عيسى يقصد شخصاً آخر غير شخصه, يشهد له بالحق,وغير الحواريين,وإثباتاً لهذا الدليل هو تعمد إشارته في نسق هذه الجملة الواحدة, القائلة عن البارقليط: هو يشهد لي وأنتم _أيضاً_ شاهدون.
فبقوله هذا يظهر أن المُزمْع والعتيد أن يأتي ويشهد له, هو غير الشاهدين الحاليين, ولو كان واحداً لما قال: هو يشهد لي, بصيغة الزمان المستقبل البعيد كما في اليوناني, وأنتم أيضاً شاهدون بصيغة الزمان الحال ) ([1289]).
ويواصل الشيخ زيادة بن يحيى تعليقه على البشارة السابقة قائلاً: ( وأما اسم بارقليط: فـيُحمل معناه _أيضاً_ على القرآن الشريف؛ لأنه أي القرآن قد ورد من الله _تعالى_ منبثقاً وخارجاً من لدن عنايته, مُعزِّياً بلفظه المحكم لرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ولخواصه _أيضاً_.
فأما ما أورده _تعالى_ من التعزية لرسوله, فمثل قوله [وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ] آل عمران: 176, وقوله _تعالى_: [وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ] المزمل: 10، وقوله: [وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ] المدثر: 7 .
وأما ما قاله _ تعالى_ من التعزية لأصحابه قوله [وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ] آل عمران: 186، وقوله _تعالى_:[لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ] آل عمران: 153 .
وبالإجمال أقول: إذا أمعنت النظر في القرآن الشريف ترى أكثر معانيه منصرفه على التعزية وأجناسها([1290]).
وإن قيل: إن البارقيط كان الوعد فيه للحواريين لأن سيدنا عيسى قال لهم إنه ( يرسله إليهم ) , والقرآن جاء بعد الحواريين بستمائة سنة _ فأجيب: إن قوله: أرسله إليكم قوله لهم: ( وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر ) .
فالحواريون لم يبقوا إلى انقضاء الدهر، بل خَلَفَهُمُ الذين بقوا إلى انقضاء عالم عيسى _عليه السلام_.
والحال أن قوله: ( سيقيم لكم ) مثل قول عيسى _ عليه السلام_ ههنا: ( إنه يرسله إليكم ) فالضمير في اللفظين متساوٍ للمخاطبين ) ([1291]).
11_ وقال إشعياء النبي _عليه السلام_ رامزاً إلى نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم : ( ويرفع علامة للأمم من بعيد ويُصْفر به من أقصى الأرض, وهو ذا يأتي سريعاً بخفة ليس فيهم تاعب ولا عائي, لا ينعس ولا ينام, ولا تَنْحَلُّ منطقة حِقْويه, ولا ينقطع سير حذائه, سهامه حادة, وجميع قِسِيِّه موتورة, حوافر خيله مثل الصوان, وبكراته _ أي نوقه _ مثل العاصف, زئيرة كالأسد, وِبنَهم يدرك الفريسة ويحوزها, وليس من ينجي, ويهر عليه في ذلك اليوم كهدير البحر, وينظر إلى الأرض وإذا هي مظلمة ضيقة, والنور أعتم لضبابها ) ([1292]).
قال الشيخ زيادة بن يحي الراسي رحمه الله معلقاً على هذه الشهادة: ( وبالحق إن هذه الشهادة منطبقة على نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم كما قلنا, ومن كل جهاتها؛ لأن قوله: ( ويرفع علامة للأمم ) ؛ يعني أنه هو العلامة المرفوعة للأمم, والدليل الهادي ليقودها إلى نور دين الله الحق, وهو الذي رفع للأمم أولاً كما عيسى رفع لليهود أولاً, وبعده عمموا نبوته.
وقوله: ( من بعيد ) مشيراً على أن هذه العلامة ليست هي من أرض إسرائيل التي تكلم فيها إشعيا هذه الإشارة, أي قوله : ( ويرفع علامة للأمم ) بل من أرض بعيدة.
وإيضاح ذلك قد يظهر من العدد الذي يتلوه, حيث يكشف هذا الرمز بقوله: ( ويصفر به من أقصى الأرض ) , فقوله: ( من أقصى الأرض ) , يكشف أنه ليس من أرض إسرائيل ترفع العلامة, بل إنها ترفع من بعيد من أقصى الأرض, حيث رمز عنها بهذا الكلام,فكأنه يقول: إن نهاية وأقصى أرض إسرائيل هي الأرض التي خرج منها نبينا صلى الله عليه وسلم أعني: مكة المشرفة, التي هي عند أقصى أرض إسرائيل؛ لأن إقليم العرب لا فاصل بينه وبين أرض الموعد.
ثم إن هذه الجملة قد تضمنت دليلاً رمزياً آخر؛ لئلا تجهل العلامة, وأنه عربي بقوله: ( ويُصْفر به ) يعنى ينادى به, لأن في اللغة العبرانية يقول: ويصفر به, أي أن الله _تعالى_ نادى به الناس كالصفير, كعادة العرب لكونه صلى الله عليه وسلم عربياً؛ لأن العرب ينادون بالصفير عند كمائنهم وأغراضهم الخفية ) ([1293]).
ثم يواصل الشيخ زيادة رحمه الله شرحه لشهادة أشعياء وقوله: ( يأتي سريعاً بخفة, ليس فيهم تاعب ولا عائي, لا ينعس ولا ينام, ولا تَنْحَل حِقويه, ولا ينقطع سير حذائه, سهامه حادة, وجميع قسيِّه موتورة ) .
قال الشيخ زيادة: ( فالحق أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجيوشة بخفة, وما كان في أعوانه تاعب, ولا كان ينعس, بل إنه سهران في عبادة الله _ سبحانه وتعالى_ ونشر دينه الشريف كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم الليل كله حتى ترم قدماه الشريفتان, فأمره الله _ تعالى _ في القرآن العظيم شفقة عليه وحباً وتعظيماً له بقوله له:[يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ ١ قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا ٢ نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا ٣ أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا] المزمل .
و ( لا انحلت منطقة حقويه ) يعنى أن عزيمته نشيطة, ( غير منقطع سير حذائه ) يعنى أن قدميه الكريمتين غير فاترة عن السعي بالخير والعبادة و ( سهامه حادة ) يعني بما أنه لا يوجد من يساويه ممكن كان يضرب بالسهام من قبل الله لأعدائه المعاندين بتلك القسي الموتورة.
ويؤكد هذه المعاني غلاقة القول بأن ( حوافر خيله مثل الصوان ) كما وصفت تلك الخيول في القرآن الكريم في قوله _تعالى_:[وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا ١ فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا] العاديات([1294]) .
ثم إن ههنا إشعيا قد أظهر بنبوءته أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو المقول عنه هذه الأقوال وليس سواه؛ لأن عيسى لم تكن عنده خيل , وإنما نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الذي كانت تقدح حوافر خيله, مثل الصوان المطابق لقوله _تعالى_:[فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا]العاديات.
إلى أن قال الشيخ زيادة رحمه الله : ( ثم قال إشعيا ( وبكراته ) أي نوقه, مثل العاصفة, فلفظة: ( نوقه ) هي أعظم دليل على المصطفى صلى الله عليه وسلم من حيث إن عيسى ما كان عنده نوق ولا جمال.
( وزئيره كالأسد, وكان يدرك الفريسة ويحوزها, وما كان أحد تخلص منه ) ههنا سمى إشعيا ( زئيره كالأسد ) وفي الإصحاح الحادي والعشرين قال: ( فصرخ الأسد ) ونعم هذا التشبيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان سلطان البشر, كما أن الأسد سلطان الحيوانات بالفروسية والشجاعة.
وآخر الأدلة من إشعيا على نبينا صلى الله عليه وسلم : ( يدوي عليه في ذلك اليوم دَويَّ البحر، وينظر إلى الأرض وإذا هي مظلمة ضيقة, والنور اعتم بضبابها ) .
وقد صدق الدليل الأخير أن نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم هو الذي كان ينادي؛ كان يزعق على الكفر كدوي البحر, وانتهره وزجره ورَوَّعه: أي الكفر، وهو الذي نظر إلى الأرض وإذا هي مظلمة بالكفر ضيقة, وبالحقيقة كانت الأرض مظلمة بالكفر عابدة للمخلوقات.
وقوله: ( والنور أظلم بضبابها ) يعني أن نور الاعتقاد بالله الذي كان موجوداً على الأرض عند النصارى واليهود القدماء قد غطّاه ضباب الإلحاد والجحود حينما ضلّوا عما تسلموه من موسى وعيسى _ عليهما السلام_, وهذا بالحقيقة هو النور الذي أظلم بضبابها_أعني بالأمكنة المشرفة مثل مكة والقدس وغيرهما وهؤلاء أركان القُدُس ) ([1295]).
فهذا نزرٌ يسير من البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة.
المبحث الثالث: في ذكر مكة والكعبة في الكتب السابقة
لقد صرحت الكتب السابقة الموجودة بأيدي أهل الكتاب باسم مكة المكرمة, والكعبة المشرفة,وَوَصْفِها بما لا يدع للشك مجالاً بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبكونه بعث من مكة, ودعا إلى تعظيمِ الكعبة, وحَجِّ البيت الحرام, وما إلى ذلك من الأوصاف.
وإذا جادل أهل الكتاب في الآيات الباهرات الواضحات التي جاءت في القرآن الكريم فلن يستطيعوا أن يكابروا فيما هو مسطور في كتابهم المقدس عن مكة, والكعبة.
وفيما يلي ذكر لبعض صفات بيت الله الكعبة,وبلده الحرام.
وأكثر هذه الصفات بالنص الحرفي, وبعضها بالمعنى, وبعد ذلك تُذكر بعض النبوآت , والبشارات.
المطلب الأول: صفات مكة والكعبة في الكتاب المقدس
لقد جاء في الكتاب المقدس ذكر كثير لصفات مكة المكرمة والكعبة المشرفة، ومن ذلك _على سبيل الإجمال_ ما يلي:
1_ أورشليم الجديدة _ أورشليم المشيحية _ بالشين: أي الخلاصية التي في عهد المشيح, أي المخلّص الموعود.
2_ في برِّية أوجبال فاران التي عاش فيها إسماعيل وأمه، وأنبع الله لهم الماء فيها.
3 _ المدينة التي كان إبراهيم يتطلع إليها بشوق.
4 _ سكانها بنو قيدار _ذرية إسماعيل _.
5 _ هي بلد الأمين الصادق رئيس الخليقة.
6_ ليس فيها هيكل.
7_ هيكل سليمان في كل عظمته لا يعتبر شيئاً بالنسبة للبيت الجديد.
8 _ البيت الجديد شكله مكعب.
9_ المكعَّبة فيها حجر كريم.
10_ تتزين بالإكليل والحلي كالعروس.
11_ يهابها كل من يناوِؤها، ولا يدنو منها الرعب.
12 _ عند الكعبة نبع ماء الحياة مجاناً فيه شفاء (زمزم).
13_ تفتح أبوابها ليلاً ونهاراً لا تغلق.
14_ تجثو عندها كل ركبة في الكون.
15 _ تكون هناك سكة وطريق يقال لها: الطريق المقدسة, لا يعبر فيها نجس.
16 _ لا يدخلها شيء نجس.
17 _ أبناؤها أكثر من أبناء القدس.
18_ تضيق بسكانها والداعين فيها.
19 _ يسجد الملوك أمامها، ويلحسون غبارها.
20 _ تزول الجبال والآكام, ولا يزول إحسان الله وسلامه عنها.
21 _ تتحول إليها ثروة البحر, ويأتي إليها غنى الأمم.
22 _ يجتمع إليها الناس، ويأتون من بعيد.
23 _ تضيق أرضها عن الإبل والغنم القادمة من الغرب والشرق _سبأ ومدين وفاران وقيدار_ ويخدمها رجال مأرب.
24_ لها جبل مبارك تسير إليه الأمم؛ ليعبدوا الله فيه _عرفات_.
25 _ الكل عند البيت سواء في حرية التقرب إلى الله.
26 _ مكتوب اسم الله على جباه أهلها _سيماهم في وجوههم من أثر السجود_.
27 _ يمتنع العباد حول البيت عن ما يصدر عن الطبيعة _البول والغائط_ .
28_ يكون رأس الرجل عارياً, والمرأة تغطي رأسها ويلبسون من الحقوين إلى الفخذين ويجزون شعر رأسهم جزًا (الإحرام والتحلل).
هذه بعض صفات مكة التي حيرت مُفَسِّري التوراة بشأن هذه المدينة؛ لأنهم لا يريدون الإقرار بالحقيقة، صفاتٌ جليةٌ كالشمس، ولكن مفسري التوراة تعاموا عنها، وتخبطوا في تفسيرات متناقضة؛ فتارة يزعمون أن هذه الأوصاف لمدينة سماوية،وتارة يزعمون أنها أورشليم رمزية وتارة يزعمون أنها أورشليم الكاملة المشيحية؛ أي التي ستكون في العهد الألفي السعيد.
ولم يعلموا أنهم بهذه التفسيرات قد شهدوا على أنفسهم أنها ليست هي أورشليم القدس المعروفة، وأن أهلها ليسوا بني إسرائيل هؤلاء.
وهكذا أشرق الصبح لذي عينين, ولله الحمد وأظهر الله الحقيقة .
ومن شك في هذا من مثقفي الغرب فما عليه إلا أن يشاهد النقل الحي لشعائر التراويح، أو الحج على الفضائيات, ويقارن بين ما يقرأ من الصفات وما يرى بأم عينه؛ ليعلم لماذا خاطب الله علماء ملته؟ بقوله:[يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ] آل عمران: 71 .
ويتذكر قول المسيح للمرأة السامرية حين سألته أي قبْلَتَيْ بني إسرائيل أفضل؟: ( صدقيني أيتها المرأة تأتي ساعة فيها تعبدون الرب لا في هذا الجبل في السامرة ولا في أورشليم ) يوحنا21:4
وإذا ثبت هذا فالأمانة العلمية وحرية البحث توجب للعاقل أن يعيد النظر في كل النبوءات، ويشك في كل التفسيرات، ولن يجد حينئذٍ أي صعوبة في تمييز بيت الأمة المصطفاة الموعودة بنصر الله؛ فهذه مفاتيح لحل رموز النبوءات كلها من خلال هذه الهدية التي نرجو _ نحن المسلمين_ أن يطلع عليها أولئك القوم؛ ليهدي الله من يشاء هدايته ([1296]).
وفي المطلب التالي ذكر لبعض تلك النبوآت المؤكدة الشاهدة على ما ذكر في هذه الفقرة.
المطلب الثاني: بشارات الكتب السابقة بشأن مكة والكعبة
مر في الفقرة الماضية ذكر لبعض ما جاء من أوصاف مكة والكعبة في الكتب المقدسة, والحديث ههنا سيكون حول إيراد بعض تلك البشارات بنصها؛ تلك البشارات التي تؤكد تلك الأوصاف , وتقيم الحجة على من له أدنى بصيرة
1_ قال أشعياء النبي _عليه السلام_ مثنياً على مكة : ( ارفعي إلى ما حولك بصرك، فستبتهجين, وتفرحين من أجل أن يصير إليك ذخائر البحر, وتحج إليك عساكر الأمم حتى يعم بك قطر الإبل الموبَّلة([1297]) ,وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك، وتساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ ([1298])، ويسير إليك أغنام فاران, ويخدمك رجال مأرب ) ([1299]) ([1300]).
قال ابن تيمية رحمه الله معلقا على هذه البشارة: ( فهذه الصفات كلها حصلت بمكة, فحملت إليها ذخائر البحرين, وحج إليها عساكر الأمم, وسيقت إليها أغنام فاران _ الهدايا والأضاحي_ وفاران هي البرية الواسعة التي فيها مكة, وضاقت الأرض عن قطرات الإبل الموبَّلة الحاملة للناس وأزوادهم إليها, وأتاها أهل سبأ, وهم أهل اليمن ) ([1301]).
2_ وقال أشعياء النبي _عليه السلام_ في مكة: ( سيري واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد, وانطقي بالتسبيح, وافرحي إذ لم تحبلي؛ فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي ) ([1302]).
قال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذه البشارة: ( ويعني بأهله: بيت المقدس, ويعني بالعاقر: مكة _ شرفها الله_ لأنها لم تلد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم .
ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس؛ لأنه بيت للأنبياء, ومعدن الوحي؛ فلم تزل تلك البقعة ولادة ) ([1303]).
3_ وقال أشعياء _والمراد مكة_: ( أنا رسمتك على كفي, وسيأتيك أولادك سراعاً, ويخرج عنك من أراد أن يخيفك ويخونك؛ فارفعي بصرك إلى ما حولك؛ فإنهم سيأتونك, ويجتمعون إليك؛ فتسمي باسمي, إني أنا الحي؛ لتلبسي الحُلل وتزيني بالإكليل([1304]) مثل العروس, ولتضيقن خراباتك([1305]) من كثرة سكانك والداعين فيك, وليهابن كل من يناوؤك, وليكثرن أولادك حتى تقولي من رزقني هؤلاء كلهم وأنا وحيدة فريدة؛ يرون رقوب([1306]) فمن رّبَّى لي هؤلاء ومن تكفل لي بهم؟ ) ([1307]).
قال ابن تيمية رحمه الله : ( وذلك إيضاح من أشعياء بشأن الكعبة؛ فهي التي ألبسها الله الحلل الديباج الفاخرة, ووكل بخدمتها الخلفاء, والملوك, ومكة هي التي رَبَّى الله لها الأولاد من حجاجها, والقاطنين بها.
وذلك أن مكة هي التي أخرج عنها كل من أن أراد أن يخيفها ,ويخربها، فلم تزل عزيزة مكرمة محرمة, لم يهنها أحد من البشر قط, بل أصحاب الفيل لما قصدوها عذبهم الله العذاب المشهور, ولم تزل عامرة محجوجة من لدن إبراهيم الخليل.
بخلاف بيت المقدس؛ فإنه قد أُخْربَ مرة بعد مرة, وخلا من السكان, واستولى العدو عليه وعلى أهله.
وكذلك إخباره بإهانة كل من يناويها: هو للكعبة دون بيت المقدس، قال _تعالى_: [وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۢ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ] الحج: 25 .
إلى أن قال: ( وأما كثرة أولادها, وهم الذين يحجون إليها, ويستقبلونها في صلاتهم, فهم أضعاف أضعاف أولاد بيت المقدس ) ([1308]).
4_ وقال أشعياء _عليه السلام_ في كتابه عن الحرم: ( إن الذئب والجمل يرتعان فيه معاً ) ([1309]).
قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه البشارة: ( إشارة إلى أمنه([1310]) الذي خصه الله به دون بقاع الأرض؛ ولذلك سماه البلد الأمين, وقال:[أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ] العنكبوت: 67 .
وقال يعدد نعمه على أهله:[إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ ٢ فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ٣ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ] قريش([1311]).
فهذا شيء يسير مما ورد بشأن مكة، والحرم, والكعبة في الكتب السابقة.
المبحث الرابع: وصف أمة الإسلام في الكتب السابقة
لقد جاء وصف أمة الإسلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة بما لا يدع مجالاً للشك في أنها الأمة المصطفاة التي وردت أوصافها في بشارات الأنبياء السابقين _عليهم السلام_.
ولقد ورد شيء من تلك الأوصاف في مباحث, وفقرات ماضية, وفيما يلي مزيد بيان لذلك, وتأكيد عليه من خلال إيراد بعض ما جاء من تلك الأوصاف في ما هو موجود في الكتب التي هي بين أيدي أهل الكتاب.
1_ قال داود _عليه السلام_ في بشارة له في مزموره: ( لترتاح البوادي وقراها، ولْتصِرْ أرض (قيدار) مروجاً، وليُسَبِّحْ سكانُ الكهوف, ويهتفوا من قُلَلِ([1312]) الجبال بحمد الرب ويذيعوا تسابيحه في الجزائر ) ([1313]).
قال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذه البشارة: ( فَلِمْن البوادي من الأمم سوى أمة محمد؟ ومن(قيدار) سوى ابن إسماعيل جد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سكان الكهوف, وتلك الجبال سوى العرب ؟ ) ([1314]).
2_ وقال داود _ عليه السلام_ في الزبور في وصف أمة الإسلام : ( سبحوا الله تسبيحاً جديداً, وليفرح بالخالق مَن اصطفى الله له أمته, وأعطاه النصر, وسدد الصالحين منهم بالكرامة, يسبحونه على مضاجعهم, ويكبرون الله بأصوات مرتفعة ) ([1315]).
ولا ريب أن هذه الصفات إنما تنطبق على صفات محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؛ فهم الذين يكبرون الله بأصوات مرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس, وعلى الأماكن العالية, وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في أعيادهم: عيد الفطر, وعيد النحر في الصلاة, والخطبة، وفي ذهابهم إلى الصلاة, وفي أيام منى الحجاج,وسائر أهل الأمصار يكبرون عَقيب الصلوات, ويكبرون إذا رموا الجمار, ويكبرون على الصفا والمروة, ويكبرون في الطواف عند محاذاة الركن.
وكل هذا يجهرون فيه بالتكبير؛ فتكبير الله بأصوات مرتفعة إنما هو من شعائر المسلمين.
فهذا التكبير بالأصوات المرتفعة غير ما يُسِرُّه المسلمون من ذكر الله تكبيراً, وحمداً, وتسبيحاً, وتهليلاً, ونحو ذلك من الأذكار الواردة في الشرع؛ فهم لا يَدَعون ذكر الله في حال, بل يذكرونه في جميع الأحوال.
ثم إن الصلاة أعظم تسبيح؛ فهذا معنى قول داود _عليه السلام_: ( سبحوا الله تسبيحاً جديداً ) .
والتسابيح التي شرعها الله جديداً كالصلوات الخمس التي شرعها الله للمسلمين جديداً.
ولا يمكن أن تنطبق هذه الأوصاف على غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ([1316]).
3_ وقال حبقوق _عليه السلام_: ( لقد أضاء السماء من بهاء محمد, وامتلأت الأرض من حمده ) ([1317]).
قال ابن تيمية رحمه الله معلقا على هذه الجملة من بشارة حبقوق _عليه السلام_: ( وأما امتلاء السماء من بهاء أحمد بأنوار الإيمان, والقرآن التي ظهرت منه, ومن أمته, وامتلاء الأرض من حمده, وحمد أمته في صلواتهم _ فأمر ظاهر؛ فإن أمته هم الحمادون؛ لا بُدَّ لهم من حمد الله في كل صلاة وخطبة، ولا بد لكل مصلٍّ في كل ركعة من أن يقول: [ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ].
فإذا قال: [ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ] قال الله: ( حمدني عبدي ) فإذا قال: [ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ] قال: ( أثنى عليَّ عبدي ) فإذا قال: [مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ] قال: ( مجدني عبدي ) ([1318]).
فهم _أي أمة محمد_ يفتحون القيام في الصلاة بالتحميد, ويختمونها بالتحميد, وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع يقول إمامهم: سمع الله لمن حمده, ويقولون جميعاً: ربنا ولك الحمد, ويختمون صلاتهم بتحميدٍ يجعل التحيات له, والصلوات والطيبات.
وأنواع تحميدهم لله مما يطول وصفه ) ([1319]).
4_ وقال أشعياء _عليه السلام_ شاهداً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالصلاح والديانة: ( سأرفع علماً لأهل الأرض بعيداً, فيصفر لهم من أقاصي الأرض؛ فيأتون سراعاً ) ([1320]).
قال ابن تيميه رحمه الله معلقاً على هذه البشارة: ( والنداء هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية في الحج, وهم الذين جعلوا لله الكرامة, فوحَّدوه, وعبدوه, وأفردوه بالربوبية, وكسروا الأصنام, وعطلوا الأوثان.
والعلم المرفوع: هو النبوة.
وصَفيرُه: دعاؤهم إلى بيته ومشاعره، فيأتونه سامعين مطيعين ) ([1321]).
5_ وقال أشعياء _عليه السلام_ في وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم : ( ستمتلىء البادية, والمدن من أولاد قيدار, يسبحون، ومن رؤوس الجبال ينادون, هم الذين يجعلون لله الكرامة, ويسبحونه في البر والبحر ) ([1322]).
وقال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذه البشارة: ( وقيدار هو ابن إسماعيل باتفاق الناسِ, وربيعةُ ومُضَرُ من ولده, ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم من مُضَر.
وهذا الامتلاء والتسبيح لم يحصل لهم إلا بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ) ([1323]).
6_وقال حزقيال _عليه السلام_ وهو يهدد اليهود, ويصف لهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم : ( وإن الله مظهرهم عليكم وباعث فيكم نبياً, ومنزل عليهم كتاباً, ومملكهم رقابكم, فيقهرونكم, ويذلونكم بالحق, ويخرج رجال بني قيدار في جماعات الشعوب, معهم ملائكة على خيل بيض متسلحين, محيطون بكم, وتكون عاقبتكم إلى النار, نعوذ بالله من النار ) ([1324]).
فهذه بعض البشارات، والشهادات الموجودة في كتب أهل الكتاب، وهي _كما ترى_ شاهدة على خيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد:
ففي خاتمة البحث هذا ملخص لأهم ما ورد فيه.
1_ قصة البشرية بدأت بخلق آدم _عليه السلام_ وأمرِ اللهِ الملائكةَ أن يسجدوا له، واستكبار إبليس عن ذلك، وطرد إبليس، وإهباطه إلى الأرض، وإسكان آدم وزوجه الجنة، وإغواء إبليس لآدم بالأكل من الشجرة، وأكل آدم منها، وإهباطه إلى الأرض، وقيام العداوة بين إبليس وذريته من جهة، وآدم وذريته من جهة.
2_ الإسلام في اللغة يطلق على معان أشهرها، الانقياد، والاستسلام، والطاعة، والإخلاص، والقبول، وإظهار الخضوع.
والإسلام العام: هو استسلام العبد، وخضوعه لله، والتزام ما جاء به نبي من الأنبياء، وإظهار ذلك.
والإسلام الخاص: هو الاستسلام، والانقياد لله، والالتزام بما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
3_ الفطرة في اللغة: هي ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به.
وفي الشرع: هي دين الإسلام، ومعنى فطر الناس عليه: أن الله خلقهم قابلين لأحكام دين الإسلام، وجعل تعاليمه مناسبة لخِلقتهم.
4_ البر من الألفاظ الشرعية العظيمة التي ترد كثيراً في القرآن الكريم والسنة النبوية.
وهو لفظ يحمل في طياته معاني جامعة، وآثاراً عميقة تدور حول كل خير وفلاح.
5_ للأخلاق منزلة سامية في الإسلام، وقد ورد في البحث بيان لمعنى الأخلاق، ومعنى الخلق الحسن، والخلق العظيم، وأسباب اكتساب ذلك.
6_ الله _جل جلاله_: هو رب كل شيء ومليكه، الخالق وحده، المدبر للكون كله، العالم بكل شيء، المحيي، المميت، الرزاق، القادر، المتصف بكل كمال، المتنزه من كل نقص وعيب، المستحق للعبادة وحده.
7_ قدرة الله _عز وجل_ صفة من صفات الله الثابتة له، وهي القدرة التامة الكاملة.
8_ الكتاب والسنة هما مصدرا التشريع الإسلامي؛ فمنهما تُستمد عقائد الإسلام، وشرائعه، وأحكامه، وآدابه، وما جرى مجرى ذلك.
9_ القرآن الكريم هو كلام الله المعجز المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم المنقول تواتراً، المتعبد به تلاوةً.
10_ القرآن محفوظ من الزيادة، والنقص، والتحريف؛ فلقد تكفل الله _عز وجل_ بحفظه.
11_ السنة النبوية هي: كل ما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقيَّة أو خُلُقية، أو سيرة سواء كانت قبل البعثة، أو بعدها.
12_ ورد في البحث بيان لحجية السنة، وعظيم عناية الأمة بها.
13_ أركان الإسلام أسسه التي يُبنى عليها، وهي خمسة أركان:
شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، وقد ورد في البحث تفصيل لتلك الأركان.
14_ أسس العقيدة هي أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، و الإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
وقد ورد في البحث بيان وتفصيل لتلك الأركان.
15_ ورد في البحث بيان لمهيئات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته، وبشارة موسى وعيسى بمحمد _عليهم السلام_.
كما ورد في البحث ذكر لجملة من أقوال المنصفين من غير المسلمين في النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
16_ ورد في البحث ذكر لعلم الغيب، وما يندرج تحته من المباحث كعالم الجن والشياطين، والموت، والبرزخ، وأشراط الساعة.
17_ ورد في البحث تعرض لمسائل في الذنوب، والتوبة، والدعاء.
18_ ورد في البحث بيان لنظام الإسلام السياسي، من حيث مفهومه، والحديث عن القضاء والشورى في الإسلام.
19_ ورد في البحث بيان للنظام الاقتصادي في الإسلام، وما يندرج تحته من المباحث.
20_ اشتمل البحث على تعرض للنظام الاجتماعي في الإسلام، وما يدخل تحته من المباحث كمفهوم الاجتماع، والحياة الاجتماعية، ومكانة الجار في الإسلام، وصلة الرحم، وكرامة الإنسان، ومعيار العدل والتكريم في الإسلام، وأصول الأخلاق في الإسلام، وكالصداقة والصحبة، ونظام الأسرة.
21_ تضمن البحث بياناً لموقف الإسلام من بعض القضايا المعاصرة كموقف الإسلام من العقل، والعلم، والعمل، والصحة، والنظافة.
22_ ذُكر في البحث قضايا يكثر حولها الجدل، مع ذكر موقف الإسلام منها، كقضايا السلام، والتعايش، والتسامح، والإكراه، والعنف، والإرهاب، والجهاد.
23_ ورد في البحث بيان للدلائل على حقيقة دين الإسلام، وذلك من خلال البحث في إعجاز القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعن الإسلام في الكتب السماوية السابقة التي أوردت الكثير من البشارات، والتنويه بدين الإسلام، ونبيه، وأمته.
فهذا هو ملخص لأهم ما ورد ذكره في هذا البحث؛ فأسأل الله _جلَّت قدرته_ أن ينفع به، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
فهرس الآيات
آيات سورة البقرة | الصفحة |
[أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ] 24 | 176 |
[وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ..الآيات]30_31 | 379 |
[أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ]44 | 29 |
[وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ..الآية]89 | 654 |
[قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ ..الآية] 97 | 112 |
[رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ..الآيات] 127_129 | 205 |
[وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِۧمَ ..الآيات] 130_132 | 651 |
[إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ]131 | 15 |
[قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا ..الآية] 136 | 120 |
[وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا ..الآية] 143 | 362 |
[قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ ..الآيات] 144_147 | 654 |
[ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ ۖ..الآية] 146 | 237_653 |
[وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ] 155 | 440 |
[إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ..الآية]159 | 57 |
[وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ ..الآية] 163 | 23 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ..الآية]172 | 512 |
[لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ..الآية] 177 | 29_31 |
[وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ ..الآية] 179 | 549 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ..الآية] 183 | 82_83 |
[أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ ..الآية] 187 | 124 |
[فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ] 187 | 475 |
[وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ]190 | 583 |
[وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ] 193 | 282 |
[وَلَاتُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ] 195 | 524 |
[وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُ..الآيات]204_205 | 595 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ] 208 | 545 |
[وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ ..الآية] 222 | 537 |
[إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ] 222 | 339 |
[فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ] 223 | 192_197 |
[وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ]224 | 28 |
[وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ ..الآية] 228 | 458_472 |
[وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ..الآية] 233 | 475_524 |
[وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ] 233 | 392 |
[ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ ..الآية] 255 | 21 |
[لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ] 256 | 563_565 |
[وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ ..الآية]257 | 273 |
[ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ ..الآية] 268 | 113 |
[ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ ..الآيات]275_276 | 402 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ ..الآية] 278 | 393_402 |
[فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ..الآية]279 | 402 |
[وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ..الآية] 281 | 393 |
[وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ] 284 | 25 |
[ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ..الآية]285 | 120 |
[لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ ..الآية] 286 | 363 |
آيات سورة آل عمران | |
[فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ] 11 | 325 |
[زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ ..الآيات] 14_15 | 363_398 |
[شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ..الآية ] 18 | 93 |
[إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ] 19 | 16_412 |
[فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ ..الآية]20 | 15 |
[إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا ..الآية] 33 | 207 |
[فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ ..الآية] 52 | 652 |
[يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ ..الآية] 71 | 685 |
[وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّۧنَ ..الآية] 81 | 235 |
[وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا] 83 | 15_105 |
[وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ] 85 | 16 |
[لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ] 92 | 29 |
[إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ..الآية] 96 | 207 |
[وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ ..الآية]97 | 86 |
[كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ ..الآية] 110 | 620 |
[وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ] 133 | 197 |
[أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ] 133 | 176 |
[وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ] 135 | 325 |
[لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ..الآية]153 | 678 |
[فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ ..الآية] 159 | 225_376_383_568 |
[وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ] 176 | 678 |
[وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ] 186 | 678 |
[فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ ..الآية] 195 | 459 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ ..الآية] 200 | 440 |
آيات سورة النساء | |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ..الآية] 1 | 458 |
[فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ] 3 | 466_467 |
[وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ] 4 | 471 |
[لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ ..الآية] 7 | 458 |
[إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا ..الآية] 10 | 477 |
[يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ ..الآية] 11 | 65 |
[إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ..الآية]17 | 333 |
[فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فََٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ] 24 | 471 |
[لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ ..الآية]29 | 66 |
[وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ ..الآيات] 29_30 | 550 |
[إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ ..الآية]31 | 327 |
[ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ ..الآية] 34 | 458 |
[وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ ..الآية] 36 | 416_458_479 |
[وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ ..الآية] 36 | 415 |
[إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا] 58 | 485_511 |
[فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ] 59 | 53 |
[فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ..الآية] 65 | 52_140 |
[ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ ..الآية] 65 | 426 |
[وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا] 75 | 677 |
[ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ ..الآية] 76 | 260_580 |
[إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا] 76 | 267 |
[وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا]82 | 614 |
[وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا ..الآية] 93 | 549 |
[وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا]94 | 545 |
[إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ ..الآية] 105 | 425 |
[وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا] 105 | 373 |
[وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسه..الآية] 110 | 335 |
[وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ ..الآية]113 | 49 |
[وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ..الآية] 119 | 272 |
[يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا]120 | 273 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ ..الآية] 135 | 425 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ..الآية]136 | 51_121 |
[وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ ..الآية]136 | 121 |
[إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ..الآيات]145_146 | 335 |
[وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ ..الآية] 159 | 310 |
[وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا ..الآيات] 168_169 | 177 |
آيات سورة المائدة | |
[وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ]2 | 29_31 |
[وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ] 2 | 31 |
[ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ...الآية] 3 | 146_620 |
[ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ ..الآية] 3 | 534 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ..الآية] 6 | 535 |
[وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ] 6 | 537 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ ..الآية] 8 | 425 |
[وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ..الآية] 8 | 373 |
[فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ] 24 | 582 |
[مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ..الآية] 32 | 517 |
[وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا] 38 | 65 |
[إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ ..الآية] 44 | 126_652 |
[يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ]44 | 15 |
[وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ ..الآية] 48 | 44_120_412 |
[لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ] 48 | 124 |
[وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ] 49 | 373 |
[لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ ..الآية] 73 | 335 |
[أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم] 74 | 335_336 |
[وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ ..الآية] 83 | 655 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ ..الآية] 105 | 558 |
آيات سورة الأنعام | |
[ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ ..الآية] 1 | 182 |
[وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ] 19 | 142 |
[قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ ..الآيات] 19_20 | 654 |
[مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ]38 | 3_610_361_610 |
[قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ ..الآية] 50 | 53 |
[وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ ..الآيات]61_62 | 114 |
[قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا ..الآية] 65 | 25 |
[وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ ..الآية] 93 | 114_288 |
[أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا ..الآية] 114 | 654 |
[ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ]124 | 51 |
[يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ ..الآية] 130 | 266 |
[وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ..الآية] 146 | 125 |
[ثُمَّ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ ..الآية] 154 | 126 |
[سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا ..الآية] 148 | 186 |
[كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ] 148 | 186 |
[قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ ..الآية] 151 | 458 |
[وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ] 151 | 474 |
[نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ] 151 | 474 |
[يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ..الآية] 158 | 316 |
[قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ..الآية] 162 | 360 |
آيات سورة الأعراف | |
[فَلَنَسَۡٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ ..الآيات] 6_7 | 161 |
[وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ..الآية]10 | 503 |
[قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ]12 | 271 |
[قَالَ أَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ..الآيات] 14_15 | 264_271 |
[إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ]15 | 9 |
[فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ ..الآيات]16_17 | 9_271 |
[ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ ..الآية]18 | 9 |
[يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ] 27 | 272 |
[إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ] 27 | 259 |
[وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۚ]29 | 344 |
[وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ] 31 | 391_515 |
[قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ ..الآية] 32 | 620 |
[قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ ..الآية]33 | 594 |
[قَالَ ٱدۡخُلُواْ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُم ..الآية]38 | 266 |
[وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا] 56 | 412 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ..الآية]59 | 52 |
[وَبَوَّأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ..الآية]74 | 504 |
[فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ..الآية] 79 | 121 |
[وَأَرۡسِلۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ..الآيات] 111_112 | 608 |
[وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرۡعَوۡنَ ..الآية] 113 | 608 |
[وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ] 116 | 593 |
[قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ..الآيات]156_157 | 236_238 |
[ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ..الآية] 157 | 653 |
[وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ] 157 | 399_525 |
[فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلۡأُمِّيِّ ..الآية]158 | 51 |
[قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا] 158 | 142_145_362_676 |
[وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا..الآيات] 175_176 | 269 |
[وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ] 179 | 266 |
[وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ] 180 | 22 |
[يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ ..الآية] 187 | 297 |
[قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا ..الآية] 188 | 627 |
[خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ] 199 | 36 |
آيات سورة الأنفال | |
[إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ ..الآية] 9 | 640 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ ..الآية] 27 | 485_511 |
[وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ..الآية] 50 | 114 |
[وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ ..الآية] 60 | 396_595 |
[مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ ..الآيات] 67_70 | 384 |
آيات سورة التوبة | |
[وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ ..الآية] 31 | 23 |
[هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ ..الآية] 33 | 146_624 |
[إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ ..الآية] 60 | 81 |
[ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ] 80 | 449 |
[وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا ..الآية] 84 | 449 |
[وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ ..الآية] 101 | 288 |
[فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ ..الآية] 108 | 532 |
آيات سورة يونس | |
[وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ] 10 | 547 |
[هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ] 22 | 197 |
[وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ ..الآية] 37 | 44_625 |
[بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ] 39 | 262 |
[قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ ..الآية] 58 | 121 |
[وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ ..الآيات] 71_72 | 651 |
[وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ٱئۡتُونِي بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ] 79 | 608 |
[يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ ..الآية] 84 | 652 |
[فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ..الآية] 94 | 655 |
آيات سورة هود | |
[وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ] 19 | 149 |
[وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا] 37 | 504 |
[فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ] 106 | 176 |
[وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ ..الآيات] 118_119 | 553_558 |
[وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ ..الآية] 120 | 626 |
آيات سورة يوسف | |
[ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ] 40 | 20 |
[رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ ..الآية] 101 | 651 |
[قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ ..الآية] 108 | 560 |
[لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ..الآية] 111 | 626 |
[مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ ..الآية] 111 | 44 |
آيات سورة الرعد | |
[سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ..الآيات]10_11 | 112 |
[إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ] 11 | 37 |
[ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ] 16 | 182 |
[أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ ..الآية] 19 | 496 |
[وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ ..الآية] 21 | 421 |
[وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ ..الآيات] 23_24 | 111 |
[سَلَٰمٌ عَلَيۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ ..الآية] 24 | 547 |
[قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ ..الآية] 43 | 654 |
آيات سورة إبراهيم | |
[وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ ..الآية] 22 | 268 |
[رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ ..الآية] 37 | 670 |
آيات سورة الحجر | |
[إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ] 9 | 45_49_60_146 |
[وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ ..الآية] 21 | 185 |
[وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ] 22 | 499 |
[وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ..الآيات] 26_27 | 260 |
[وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ] 27 | 259 |
[قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي..الآيات] 39_40 | 268 |
[إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ ..الآية] 42 | 268 |
[نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ] 49 | 135 |
آيات سورة النحل | |
[فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ]35 | 51 |
[وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ] 44 | 426 |
[لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ] 44 | 49_51_63_64 |
[وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ..الآية] 58 | 475 |
[وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ]64 | 63 |
[وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا ..الآية] 72 | 459 |
[وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ ..الآية] 78 | 18 |
[وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا] 80 | 504 |
[وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا ..الآية]80 | 504 |
[وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا ..الآية] 80 | 504 |
[وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ ..الآية] 89 | 361_426 |
[إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ]90 | 424 |
[مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ ..الآية] 97 | 459 |
[إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ ..الآية]100 | 268 |
[وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ] 127 | 440 |
آيات سورة الإسراء | |
[سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ ..الآية] 1 | 645 |
[إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا] 3 | 138 |
[إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ ..الآية] 9 | 616 |
[فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا] 23 | 481 |
[وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ ..الآيات]23_24 | 458_479 |
[وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ ..الآية] 29 | 391 |
[وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ ..الآية] 31 | 474 |
[تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ..الآية] 44 | 105 |
[قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ ..الآية] 62 | 272 |
[إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ ..الآية] 65 | 268 |
[وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ ..الآية] 70 | 422 |
[قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ ..الآية] 88 | 610 |
[وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا]102 | 570 |
[إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ ..الآيات] 107_ 109 | 655 |
آيات سورة الكهف | |
[فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ ..الآية] 6 | 558 |
[وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ ..الآية]29 | 558_563 |
[فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ] 29 | 197 |
[وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا] 45 | 26 |
[وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ ..الآية] 50 | 261 |
[وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ ..الآية] 54 | 617 |
[وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ] 99 | 152 |
آيات سورة مريم | |
[يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ] 12 | 370 |
[وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ]14 | 29 |
[فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا] 17 | 109 |
[وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي]32 | 29 |
[فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَٰدَتِهِۦۚ هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِيّٗا] 65 | 25 |
[وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا] 71 | 171 |
[أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا] 83 | 268 |
آيات سورة طه | |
[ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ] 8 | 22 |
[إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ ..الآية] 14 | 25 |
[إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ] 15 | 297 |
[ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَى..الآيات] 43_44 | 567 |
[رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ] 50 | 101_102 |
[فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ ٱلشَّيۡطَٰنُ ..الآية] 120 | 274 |
[لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ] 131 | 282 |
آيات سورة الأنبياء | |
[وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ..الآية] 25 | 25 |
[وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ..الآية] 47 | 164 |
[أُفّٖ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ] 67 | 570 |
[وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ ..الآية] 80 | 504 |
[فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ ..الآية] 87 | 99 |
[كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ ..الآية] 104 | 156 |
[وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ] 107 | 226_558 |
[قُلۡ إِنَّمَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ ..الآية] 108 | 23 |
آيات سورة الحج | |
[أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ..الآية] 18 | 104 |
[وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۢ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ] 25 | 688 |
[وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا ..الآيات]27_28 | 87 |
[ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ...الآية] 62 | 22_72 |
[لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ ..الآية]67 | 559 |
[أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ..الآية] 70 | 182_184 |
آيات سورة المؤمنون | |
[ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ..الآيات]15_16 | 154 |
[وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ] 52 | 399_410 |
[وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ] 100 | 281 |
[أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا ..الآية] 115 | 154 |
آيات سورة النور | |
[وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا ..الآية]31 | 333_338 |
[وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ] 32 | 466_467_468 |
[رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ..الآية]37 | 504 |
[أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ ..الآية] 40 | 500 |
[أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۗ..الآية] 41 | 105 |
[فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ..الآية] 63 | 53 |
آيات سورة الفرقان | |
[تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ ..الآية] 1 | 138 |
[وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا] 2 | 26 |
[وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ ..الآيات] 4_6 | 619 |
[قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ..الآية] 6 | 618 |
[وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا] 53 | 281 |
[وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا] 63 | 547 |
[وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ ..الآية] 67 | 391 |
[إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا ..الآية] 70 | 338 |
[وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتَابٗا] 71 | 333 |
آيات سورة الشعراء | |
[وَٱبۡعَثۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ..الآيات]36_37 | 608 |
[كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ..الآيات] 123_124 | 675 |
[كَذَّبَتۡ ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ..الآيات] 141_142 | 675 |
[نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ..الآيات]193_194 | 112 |
[أَوَ لَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً ..الآية] 197 | 237_654 |
آيات سورة النمل | |
[وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ] 3 | 149 |
[قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ...الآيات] 39_40 | 265 |
[رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ ..الآية] 44 | 651 |
[أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ] 62 | 348 |
[وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ ..الآية] 82 | 317 |
[إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِينِ ..الآيات] النمل 79_80. | 557 |
آيات سورة القصص | |
[مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي] 38 | 336 |
[ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ ..الآيات] 52_53 | 45_655 |
[وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ ..الآية] 55 | 547 |
[وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۢ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ ..الآية] 58 | 626 |
[وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ] 68 | 182_197 |
[وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ] 77 | 594 |
آيات سورة العنكبوت | |
[فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ]40 | 325 |
[وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ..الآية]46 | 570 |
[فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ ..الآية] 65 | 18 |
[أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا ..الآية] 67 | 688 |
آيات سورة الروم | |
[وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ..الآية] 21 | 459_468 |
[وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ ..الآية] 27 | 156 |
[فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ ..الآية] 30 | 17 |
[مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ]32 | 59 |
آيات سورة لقمان | |
[وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً ..الآية] 14 | 458 |
[وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ] 15 | 481 |
[وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ٞ]22 | 15 |
آيات سورة السجدة | |
[قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ..الآية] 11 | 114 |
[لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ] 13 | 266 |
[فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ ..الآية]17 | 175 |
آيات سورة الأحزاب | |
[لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ] 21 | 36_48 |
[إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ ..الآية] 35 | 458 |
[وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ ..الآية] 36 | 459 |
[ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا] 38 | 26_185 |
[ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ ..الآية] 39 | 120 |
[مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ ..الآية] 40 | 142 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا] 45 | 664_677 |
[وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ..الآية] 58 | 459 |
[إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ..الآيات] 64_ 65 | 177 |
آيات سورة سبأ | |
[عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ ..الآية] 3 | 181 |
[وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ..الآيات] 10_11 | 504 |
[وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ ..الآية] 21 | 268 |
آيات سورة فاطر | |
[ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ..الآية] 1 | 111 |
[إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ] 6 | 272 |
[إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ] 28 | 27 |
[إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا] 44 | 25 |
آيات سورة يس | |
[لِيَأۡكُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡۚ ..الآية] 35 | 503 |
[سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا] 36 | 499 |
[قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ ..الآية] 79 | 156 |
آيات سورة الصافات | |
[فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ ..الآية] 102 | 379 |
آيات سورة ص | |
[يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ ..الآية] 26 | 370 |
[وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ ..الآيات]41_43 | 99 |
[أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ ...الآيات] 45_47 | 138 |
[قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مُنذِر] 65 | 562 |
[فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ..الآيات]82_83 | 9 |
آيات سورة الزمر | |
[ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا] 23 | 614 |
[ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا ..الآية] 42 | 292 |
[قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ..الآية] 53 | 336_338 |
[وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ ..الآية] 54 | 335 |
[وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ..الآية] 68 | 152 |
آيات سورة غافر | |
[وَحَاقَ بَِٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ ..الآيات]45_46 | 289 |
[ ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ ..الآية] 46 | 284_291 |
[فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ] 55 | 195 |
[وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ]60 | 334 |
[وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ ..الآية] 78 | 140 |
آيات سورة فصلت | |
[ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ ..الآية] 39 | 156 |
[وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ..الآيات] 41_42 | 642 |
[سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ] 53 | 102_616 |
آيات سورة الشورى | |
[وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ] 15 | 122 |
[وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ ..الآية] 25 | 335 |
[وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ ..الآية] 38 | 375_385 |
[فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ] 40 | 549 |
[وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ] 43 | 440 |
[إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ] 48 | 553_562 |
[وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢ صِرَٰطِ ٱللَّهِ] | 66 |
آيات سورة الزخرف | |
[وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ] 57 | 309 |
[إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ ..الآية] 59 | 138 |
[وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيم] 61 | 309 |
[ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ]67 | 446 |
[وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ] 84 | 25 |
آيات سورة الدخان | |
[فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ] 4 | 184 |
[فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ..الآيات] 10_11 | 315 |
آيات سورة محمد | |
[فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ ..الآية] 18 | 299 |
[ فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ ..الآية] 19 | 459 |
[فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ..الآية] 27 | 114 |
[مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ ..الآية] 29 | 239 |
آيات سورة الفتح | |
[إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا ..الآيات] 1_2 | 339 |
[مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ ..الآية]29 | 653 |
آيات سورة الحجرات | |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ ..الآية] 13 | 427_432 |
آيات سورة ق | |
[قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ] | 643 |
[وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ] 7 | 499 |
[وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا ..الآيات] 9_11 | 156 |
[وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ ..الآيات]16_18 | 113 |
[ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٖۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ] 34 | 547 |
[وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ] 56 | 265 |
آيات سورة الذاريات | |
[وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ] 49 | 499 |
آيات سورة الطور | |
[أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ]35 | 95 |
آيات سورة النجم | |
[أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ..الآيات]12_18 | 645 |
[ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ]32 | 237 |
آيات سورة القمر | |
[ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ]1 | 297_642_643 |
[فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ ...الآيات]10_12 | 99 |
[إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ ...الآيات] 47_49 | 26 |
[إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ] 49 | 26_185 |
آيات سورة الرحمن | |
[وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ] 15 | 259 |
[كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ..الآيات] 26_28 | 264 |
[كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ] 29 | 185 |
[وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ ..الآيات] 46_47 | 266 |
آيات سورة الحديد | |
[أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ] 21 | 176 |
[وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ] 25 | 504 |
آيات سورة المجادلة | |
[يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ ..الآية] 11 | 496 |
آيات سورة الحشر | |
[كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ] 7 | 396 |
[وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ]7 | 52 |
[وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ ..الآية] 9 | 445_446 |
[لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم] 13 | 595 |
[هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ ..الآيات]22_24 | 21_22 |
[هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ... الآية] 23 | 545 |
آيات سورة الممتحنة | |
[لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ..الآية]8 | 29_447_450_563 |
آيات سورة الصف | |
[وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ..الآية] 6 | 205_239_653 |
[هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ] 9 | 676 |
آيات سورة المنافقون | |
[لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ] 8 | 449 |
آيات سورة التغابن | |
[وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖۡ] 3 | 100 |
[زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ ..الآية] 7 | 155_157 |
آيات سورة الطلاق | |
[ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ..الآية] 12 | 187 |
آيات سورة التحريم | |
[نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ]3 | 135 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا ..الآية] 6 | 485 |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا ..الآية] 8 | 338 |
آيات سورة الملك | |
[ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ]2 | 182 |
[أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ] 14 | 360_534 |
آيات سورة القلم | |
[وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ] 4 | 32_33_34_219_432 |
آيات سورة الحاقة | |
[إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ] 11 | 423 |
[وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ ..الآيات]25_26 | 167 |
[وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ ..الآيات] 44_46 | 139 |
آيات سورة المعارج | |
[فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ]4 | 159 |
آيات سورة الجن | |
[قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ] 1 | 263 |
[وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ ..الآية] 6 | 263 |
[وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا] 18 | 348 |
[وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ..الآية] 23 | 177 |
آيات سورة المزمل | |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ ..الآيات]1_4 | 680 |
[وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ] 10 | 678 |
[وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ..الآية] 20 | 503 |
[وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ] 20 | 78 |
آيات سورة المدثر | |
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ..الآيات] 1_5 | 214 |
[وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ] 7 | 678 |
آيات سورة الإنسان | |
[وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا] 8 | 477 |
[إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ ..الآية] 27 | 158 |
آيات سورة النبأ | |
[وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا] 11 | 503 |
[فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مََٔابًا] 39 | 192 |
آيات سورة النازعات | |
[فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ ..الآيات] 18_19 | 567_568 |
[أنا ربكم الأعلى] 24 | 336 |
آيات سورة عبس | |
[قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ ...الآيات]79_19 | 98 |
آيات سورة التكوير | |
[لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ..الآيات]28_29 | 192_198 |
آيات سورة الانفطار | |
[وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ ...الآيات]10_12 | 113 |
آيات سورة المطففين | |
[أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ ٤ لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ] المطففين | 158 |
[كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ] 7 | 177 |
[كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ] 18 | 177 |
[وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ] 26 | 482_484 |
آيات سورة الانشقاق | |
[فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ..الآية] 7_11 | 166 |
[فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا] 8 | 160 |
آيات سورة البروج | |
[إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ..الآية] 10 | 282_336 |
آيات سورة الأعلى | |
[وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ...الآيات ] 3_5 | 106 |
[سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ ٦ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ] | 139 |
آيات سورة الغاشية | |
[إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ ٢٥ ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم] | 160 |
آيات سورة الفجر | |
[كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ] 17 | 477 |
آيات سورة الشمس | |
[وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا]7 | 101 |
[قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا] 9 | 37 |
آيات سورة الضحى | |
[فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ]9 | 477 |
آيات سورة التين | |
[وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ ..الآيات]1_8 | 669_670 |
[لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ] 4 | 100 |
آيات سورة العلق | |
[ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ..الآيات] 1_5 | 212_496 |
آيات سورة القدر | |
[تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمِ..الآيات] 4_5 | 184 |
آيات سورة البينة | |
[جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ ..الآية] 8 | 176 |
آيات سورة العاديات | |
[وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا ١ فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا] | 681 |
آيات سورة قريش | |
[إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ ..الآيات] 2_4 | 688 |
آيات سورة الماعون | |
[أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ..الآية] 1_2 | 477 |
آيات سورة الكوثر | |
[إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ]1 | 168 |
آيات سورة الإخلاص | |
[قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ..الآيات]1_5 | 22 |
[لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ] | 247 |
آيات سورة الناس | |
[ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِِ..الآيات] 4_5 | 274 |
فهرس الأحاديث
الحديث | الصفحة |
_ أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟... | 551 |
_ أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟... | 432_572 |
_ أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفاً... | 169 |
_ أحرز عبادي إلى الطور... | 315 |
_ أذات بعل أنت؟... | 475 |
_ أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه | 65 |
_ أعظم ما يدخل الجنة: تقوى الله, وحسن الخلق | 36 |
_ أعوذ بعزتك، الذي لا إله إلا أنت... | 266 |
_ أعوذ بالله من فتنة القبر | 284 |
_ أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله | 478 |
_ أفعلتَ بولدك هذا كلهم... | 479 |
_ أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها... | 509 |
_ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً... | 463 |
_ ألا تسألوا الناس شيئاً... | 510 |
_ أما أني لا أخيس بالعهد، ولا أحبسُ البُرُدَ... | 588 |
_ أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان... | 168 |
_ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله... | 388 |
_ أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية... | 645 |
_ أنا فرطكم على الحوض، وَلأُنَازِعنَّ أقواماً... | 171 |
_ أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا... | 479 |
_ أن تجعل لله نداً وهو خلقك... | 476 |
_ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله | 123_150_186 |
_ أنَّه ﷺ سُئِلَ عن برِّ الحجِّ ... | 30 |
_ أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم... | 314 |
_ أن يُنظر في كتابه، فيتجاوز عنه | 161 |
_ أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة | 56 |
_ أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء | 165 |
_ أي العمل أحبُّ إلى الله ؟... | 481 |
_ أيما رجل آمن رجلاً على دمه... | 551 |
_ أين علي بن طالب؟... | 648 |
_ إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي ... | 316 |
_ إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحبه | 112 |
_ إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أُولاهنَّ بالتراب | 499 |
_ إذا قبر أحدكم ـ أو الإنسان ـ أتاه ملكان أسودان أزرقان... | 285 |
_ إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد | 112 |
_ إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً | 113_185 |
_ إن أعرابيَّاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب | 99 |
_ إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها... | 305 |
_ إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي... | 575 |
_ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه... | 571 |
_ إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات... | 304 |
_ إن الشيطان ليخاف منك يا عمر | 271 |
_ إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم... | 269_276 |
_ إن العبد لَيَبْلُغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم | 36 |
_ إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم... | 423 |
_ إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل... | 209 |
_ إن الله رفيق يحب الرفق... | 570 |
_ إن الله_عز وجل_يبسط يده بالليل؛ ليتوب مُسيء النهار... | 339 |
_ إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ... | 370 |
_ إن الميت ليعذب ببكاء أهله | 289 |
_ إن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر | 272 |
_ إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل... | 431 |
_ إن خير الكسب كسب يدي عامل إذا نصح | 407 |
_ إن فيها شفاءً... | 520 |
_ إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن... | 183 |
_ إن لكل نبي حوضاً، وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة... | 171 |
_ إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد... | 241 |
_ إن لي فيك ضربة لن تفوتني... | 310 |
_ إنما الأعمال بالنيات... | 48 |
_ إنما العلم بالتعلم, إنما الحلم بالتحلُّم | 38 |
_ إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق | 435 |
_ إنما تفتن اليهود... | 286 |
_ إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك | 162 |
_ إن من أَحَبِّكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ... | 37 |
_ إن من أشر الناس منزلةً يوم القيامة... | 463_474 |
_ إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد | 446 |
_ إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات... | 304 |
_ إن هذا الطاعون رجز... | 527 |
_ إنه ليأتي الرجل السمين يوم القيامة... | 166 |
_ إنهما ليعذبان، وما يعذبان بكبير... | 294 |
_ إني خيِّرت فاخترت... | 451 |
_ إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقوداً... | 177 |
_ إني عبدالله لَخَاتم النبيين... | 207 |
_ إني فرطكم على الحوض من مرَّ عليَّ شرب... | 169 |
_ إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم... | 171 |
_ إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم قبل أن أبعث... | 649 |
_ ابدأ بنفسك، فتصدق عليها... | 462 |
_ ابسط رجلك... | 648 |
_ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ... | 34 |
_ اتقوا الله في النساء... | 462 |
_ اجتنبوا السبع الموبقات... | 404 |
_ احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز... | 199 |
_ ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة | 351 |
_ استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج... | 462 |
_ اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله... | 479 |
_ اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض... | 178 |
_ الإيمان يضع وسبعون أو بضع وستون شعبة... | 540 |
_ الآيات خرزات منظومات في سلك... | 307 |
_ البر حسن الخلق, والإثم ما حاك في نفسك... | 29 |
_ الحجُّ المبرور ليس لهُ جزاءٌ إلاَّ الجنَّة | 30 |
_ الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع | 86 |
_ الحمد لله الذي أنقذه من النار... | 452 |
_ الدعاء هو العبادة | 346 |
_ الذهب بالذهب، والفضة بالفضة... | 402 |
_ السفر قطعة من العذاب | 289 |
_ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب | 531 |
_ الصيام جنة | 83 |
_ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة يكفرن ما بينهن... | 329 |
_ القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة... | 370 |
_ الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين... | 329_482 |
_ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده | 549 |
_ المؤمن القوي خير وأحب إلي من المؤمن الضعيف | 525 |
_ المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاَ | 401 |
_ الله أعلم بما كانوا عاملين | 288 |
_ اللهم عافني في بدني ,اللهم عافني في سمعي... | 525 |
_ اللهم قه عذاب القبر، وفتنة القبر | 288 |
_ اللهم هالة... | 446 |
_ النساء شقائق الرجال | 463 |
_ بادروا بالأعمال ستاً، طلوع الشمس من مغربها... | 305_317_318 |
_ بعثت بالحنفية السمحة | 556 |
_ بلغوا عني ولو آية | 57 |
_ بني الإسلام على خمس | 82 |
_ بينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء... | 215 |
_ تجدون الناس معادن... | 430_659 |
_ تخرج الدابة، فَـتَسِم الناس على خراطيمهم... | 320 |
_ تخيروا لنطفكم | 526 |
_ تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً... | 52 |
_ تزوجوا الولود الودود... | 477 |
_ تعبد الله ولا تشرك به شيئًا, وتقيم الصلاة... | 323 |
_ تنزهوا من البول فإنه عامة عذاب القبر منه | 535 |
_ ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل... | 320 |
_ ثلاثة على الله عونُهم... | 471 |
_ ثم يرسل الله مطراً لا يُكَنُّ منه بيت مدر... | 313 |
_ ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة... | 173 |
_ ثم يفتح له باب إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة | 293 |
_ ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى لِيتاً ورفع ليتاً... | 153 |
_ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم :... | 548 |
_ جئت تسأل عن البر والإثم؟ ) قلت: نعم.... | 29_32 |
_ حبِّب إلى من دنياكم النساءُ والطيبُ، وجُعِلَت قرةُ عيني في الصلاة | 76 |
_ حسن الخلق, وحسن الجوار يعمران الديار, ويزيدان في الأعمار | 37 |
_ خروج الآيات بعضها على إثر بعض... | 307 |
_ خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار... | 264 |
_ دحْضٌ مزلة، فيه خطاطيف، وكلاليب... | 173 |
_ دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً | 571 |
_ دينار أنفقته في سبيل الله... | 462_478 |
_ رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى | 556 |
_ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... | 160_363_449 |
_ ... سحقاً، سحقاً لمن بدَّل بعدي | 172 |
_ سلوا الله اليقين والمعافاة, فما أوتي أحد بعد اليقين ... | 525 |
_ سلوا الله من فضله؛ فإن الله يحب أن يُسأل | 347 |
_ سيروا على بركة الله؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين... | 389 |
_ صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً _جبل أحد_ ومعه أبو بكر وعمر ... | 641 |
_ صلوا قبل المغرب ) قال في الثالثة: ( لمن شاء | 199 |
_ صلوا كما رأيتموني أصلي | 64 |
_ طلب العلم فريضة على كل مسلم | 497 |
_ عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير.. | 152 |
_ عرضت علي الأمم... | 163 |
_ عشر من الفطرة:... | 529 |
_ عطش الناس يوم الحديبية, ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة... | 647 |
على رِسْلِكما، إنها صفية بنت حيي... | 269 |
_ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها | 52 |
_ عليكم بهذه الحبة السوداء؛ فإن فيها شفاءً من كل داء | 526 |
_ فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل... | 174 |
_ فإذا قال: ( الحمد لله رب العالمين ) ... | 693 |
_ فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله.. | 173 |
_ فتعاد له روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه... | 284 |
_ فيبعث الله عيسى بن مريم، ثم يمكث الناس سبع سنين... | 314 |
_ فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير... | 174 |
_ قال أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة... | 310 |
_ قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ | 587 |
_ كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء... | 360 |
_ كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض... | 126 |
_ كان خُلُقُه ﷺ القرآن | 32_434 |
_ كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض... | 185_199 |
_ كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك... | 158 |
_ كل عمل ابن آدم له: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. | 84 |
_ كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته... | 478_487 |
_ كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان... | 165 |
_ كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير... | 37 |
_ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها... | 649 |
_ لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب... | 509 |
_ لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري... | 53 |
_ لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تَكْرِمة الله هذه الأمة | 313 |
_ لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له | 200 |
_ لا تبل في الماء الدائم الذي يجري ثم تغتسل منه | 541 |
_ لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون | 528 |
_ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا... | 548 |
_ لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها... | 318 |
_ لا تُنكح الأيِّم حتى تستأمر... | 463_471 |
_ لا نورث ما تركناه صدقة | 65 |
_ لا يبع بعضكم على بيع بعض... | 453_472 |
_ ( لا يحتكر إلا خاطئ ) وفي رواية ( من احتكر ) | 408 |
_ لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها | 463 |
_ لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه | 419 |
_ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب | 541 |
_ لا يغني حذر من قدر... | 348 |
_ لا يَفْرَك _ أي يبغض _ مؤمنٌ مؤمنةً... | 462 |
_ لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات... | 463 |
_ لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه | 401_447 |
_ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله _ عز وجل _ | 351 |
_ لتأخذوا مناسككم | 65 |
_ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله... | 404 |
_ لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً... | 646 |
_ لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة... | 341 |
_ لما صوّر الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه... | 273 |
_ ليس الشديد بالصرعة ... | 445 |
_ ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاءً | 521 |
_ ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال | 309 |
_ ما بُعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب... | 309 |
_ ما ترون في هؤلاء الأسارى؟... | 386 |
_ ما تظنون أني فاعل بكم... | 589 |
_ ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه... | 509 |
_ ماذا عندك يا ثمامة؟... | 574 |
_ ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه | 418_449 |
_ ... ما زالوا يرجعون على أعقابهم | 172 |
_ ما لك يا عائشة؟ أغرت؟... | 275 |
_ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟... | 475 |
_ ما كانت هذه لتقاتل... | 585 |
_ ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟... | 645 |
_ ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده... | 507 |
_ ما ملأ آدميٌ وعاءً شراً من بطن... | 518 |
_ ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل... | 347 |
_ ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق | 37 |
_ ما من عبد يسترعيه الله رعية ... | 487 |
_ ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينُه من الجن... | 113 |
_ ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار | 200 |
_ ما من مولود إلا يولد على الفطرة،... | 18 |
_ مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير... | 448 |
_ من أحب أن يبسط له في رزقه... | 422 |
_ من أحق الناس بحسن صحابتي؟... | 462 |
_ من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله | 52 |
_ من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن... | 463 |
_ من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً ... | 511 |
_ من حوسب عذب | 161 |
_ من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا... | 509 |
_ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر.. | 83 |
_ من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته... | 453 |
_ من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا | 477 |
_ من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة... | 348 |
_ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله... | 582 |
_ من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة... | 551 |
_ من قذف ذمياً حُدَّ له يوم القيامة بسياط من نار | 453 |
_ من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة... | 463 |
_ من كان له ثلاث بنات... | 478 |
_ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره | 419 |
_ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت... | 420 |
_ من كان يؤمن بالله واليـوم الآخر فليكرم ضيفه... | 422 |
_ من لم يسأل الله يغضبْ عليه | 347 |
_ من يستغن يغنه الله, ومن يستعفف يعفه الله... | 509 |
_ مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق بالأمر كله | 571 |
_ نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب | 164 |
_ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة... | 164 |
_ نصرت بالرعب مسيرة شهر | 674 |
_ نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وأَدَّاها كما سمعها | 57 |
_ هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم | 111 |
_ وأنا كنت أرعاها لأهل مكة على قراريط... | 407 |
_ وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله... | 350 |
_ وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق؛ فإنها مأوى الهوام بالليل | 528 |
_ وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا... | 187 |
_ وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض... | 105 |
_ وإنه سيكون من أمتي كذابون كلهم يزعم أنه نبي... | 144 |
_ وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم،... | 18 |
_ وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم... | 321 |
_ واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ | 352 |
_ والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء... | 170 |
_ والذي نفس محمد بيده ! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة.. | 16_132 |
_ والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم... | 312 |
_ والذي نفسي بيده ، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً... | 271 |
_ والله لايؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن... | 419 |
_ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة... | 364 |
_ ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً... | 586 |
_ ولَخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك | 84 |
_ وفي بضع أحدكم صدقة... | 469 |
_ وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ... | 173 |
_ وُقِّت لنا في قص الشارب, وتقليم الأظفار... | 533 |
_ ومن يتصبّر يصبّره الله... | 442 |
_ ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس | 321 |
_ ويسعى بذمتهم أدناهم... | 587 |
_ يا بلال! أرحنا بالصلاة | 77 |
_ يا رسول الله مَنْ أبرُّ؟ قالَ : ( أمك ) ... | 30 |
_ يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج... | 468_469 |
_ يحشر الناس يوم القيامة حفاة غرلاً | 155 |
_ يستجاب لأحدكم ما لم يعجل... | 350 |
_ يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم | 351 |
_ يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا | 571 |
_ يقول الله _ عز وجل _: أنا عند ظن عبدي بي... | 351 |
_ يَغُتُّ فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب... | 171 |
فهرس المصادر والمراجع
1 _ الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لابن بطة العكبري، تحقيق ودراسة رضا بن نعسان معطي، ط2، 1409هـ.
2 _ أثر العلماء المسلمين في الحضارة الغربية، لأحمد علي الملا، دار الفكر، دمشق، ط2، 1401هـ _ 1981م.
3 _ الإجماع، لابن المنذر، دار المسلم للنشر والتوزيع، ط1، 1425هـ/ 2004م، تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد.
4 _ أحكام الجان لبدر الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالله الشبلي، تحقيق ودراسة الدكتور السيد الجميلي، دار ابن زيدون، بيروت، ط1.
5 _ أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها، د. محمد المختار الشنقيطي، مكتبة الصحابة، ط2، جدة، 1415هـ _ 1994م.
6 _ أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، د. عمر الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط1، 1418هـ _ 1997م.
7 _ إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي، دار الريان للتراث.
8 _ أخبار الآحاد في الحديث النبوي حجيتها _ مفادها _ العمل بموجبها، د. عبدالله بن جبرين، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1408هـ _ 1987م.
9 _ أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، تصنيف الإمام محمد بن إسحاق الفاكهي، دراسة وتحقيق عبدالله بن عبدالله بن دهيش، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط1، 1407هـ.
10 _ أخلاقنا الاجتماعية،د : مصطفى السباعي,المكتب الإسلامي،ط 2 ,1392هـ
11 _ أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق عصام الدين الصبابطي.
12 _ الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1405هـ _ 1985م.
13 _ أداب الحرب في الإسلام للشيخ محمد الخضر حسين، إعداد وضبط علي الرضا الحسيني، الدار الحسينية للكتاب، ط3، 1413هـ _ 1993م.
14 _ الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح المقدسي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة (ب.ت).
15 _ أدب الدنيا والدين، للماوردي، تحقيق د. محمد الصباح، دار مكتبة الحياة، بيروت 1987م.
16 _ أدب المسلم في العادات والعبادات والمعاملات ،محمد مبيض ،دار ابن كثير ط2 ,1413 هـ .
17 _ الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم لمحيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي، مكتبة الرياض الحديثة.
18 _ الإرهاب دوافعه وعلاجه، د. محمد الشويعر، ط2، الرياض، 1426هـ _ 2005م.
19 _ أسباب الشفاء من الأسقام والأهواء، لأبي إسحاق العراقي، المكتبة الجامعة، مطبعة البغدادي العراقي، 1425هـ _ 2004م.
20 _ الاستذكار، لابن عبد البر ، دار قتيبة، دمشق، بيروت، ط1، 1414هـ _ 1993م.
21 _ الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، مكتبة السنة ،تحقيق د : محمد رشاد سالم .
22 _ الإسلام في نظر أعلام الغرب، للأستاذ حسين عبدالله باسلامة، تهامة، جدة، ط2، 1403هـ _ 1983م.
23 _ الإسلام وبناء المجتمع د. حسن أبو غدة وآخرون، مكتبة الرشد، ط3، 1427هـ _ 2006م.
24 _ أصول الدين، لعبدالقاهر البغدادي، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، 1401هـ _1981م.
25 _ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، دار السلام _ دار سحنون، تونس _ القاهرة، ط2، 1427هـ_ 2006م. )
26 _ إعجاز القرآن ، لأبي بكر الباقلاني، دار إحياء العلوم، بيروت، قدم له، وشرحه، وعلق عليه الشيخ محمد شريف سكر، ط2، 1411هـ _ 1990م..
27 _ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، ط9، 1393هـ _ 1973م.
28 _ أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة، أو 200 سؤال في العقيدة الإسلامية، تأليف الشيخ: حافظ الحكمي، خرَّج أحاديثه وعلَّق عليه مصطفى أبو النصر الشلبي، ط3، 1410هـ، مكتبة السوادي جدة.
29 _ إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت.
30 _ أعلام النبوة، لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، قدَّم له وشرحه وعلَّق عليه محمد شريف سُكَّر، دار إحياء العلوم، بيروت، ط1، 1408هـ _ 1988م.
31 _ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم الجوزية، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي.
32 _ أفول شمس الحضارة الغربية، تأليف مصطفى فوزي غزال، دار السلام للطباعة والنشر، ط1، 1406هـ _1986م.
33 _ اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، تحقيق د.ناصر العقل، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 1411هـ _ 1991م.
34 _ اقتصاديات الغنى في الإسلام، د. عمر المرزوقي، جامعة الملك سعود، عمادة البحث العلمي، 1423هـ.
35 _ الإقناع، للحجاوي، دار المعرفة، بيروت ، لبنان، تحقيق عبداللطيف محمد موسى السبكي.
36 _ الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها، د. محمد علي البار ، دار المنارة، جدة، ط2، 1406هـ.
37 _ الأمراض الجنسية، سيف الدين شاهين، ط4، 1409هـ.
38 _ الأمراض الجنسية عقوبة إلهية، د. عبد الحميد القضاة، دار النشر الطبية، لندن، ط1، 1405هـ _ 1985.
39 _ الأمراض الجنسية، د. نبيل الطويل، مؤسسة الرسالة، ط2، 1402هـ.
40 _ الأم، للشافعي ، دار المعرفة ، بيروت، ط2، 1393هـ.
41 _ الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق محمد خليل هراس، دار الفكر، بيروت، 1408هـ _ 1988م.
42 _ الانحرافات الجنسية وأمراضها، د. فايز الحاج، المكتب الإسلامي، ط1، 1403هـ.
43 _ الأنوار في شمائل النبي المختار، للبغوي، تحقيق الشيخ إبراهيم اليعقوبي.
44 _ أهل الذمة في الحضارة الإسلامية، حسن الممي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1998م.
45 _ أهل الذمة والولايات العامة في الفقه الإسلامي، إعداد نمر محمد خليل النمر، المكتبة الإسلامية، عمَّان، الأردن، ط1، 1409هـ.
46 _ إيقاظ الفكرة بمراجعة الفطرة، تأليف محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق، دار ابن حزم، ط1، 1402هـ _1999م.
47 _ الإيمان بالقضاء والقدر، د. محمد الحمد، ط3، دار ابن خزيمة، 1419هـ _ 1998م.
48 _ الإيمان باليوم الآخر، د. محمد الحمد، ط2، دار ابن خزيمة، 1423هـ _ 2002م.
( ب )
49 _ البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح، للشيخ زيادة بن يحيى الراسي، تحقيق د. سعود بن عبدالعزيز الخلف، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عمادة البحث العلمي، ط1، 1423هـ _ 2003م
50 _ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1406هـ _ 1986م.
51 _ بدائع الفوائد لابن القيم، مكتبة الرياض.
52 _ بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لابن رشد، مكتبة الكليات الأزهرية، 1386هـ _ 1966م.
53 _ البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق أحمد عبدالوهاب فتيح، دار زمزم، الرياض 1414هـ، وط دار الكتب العلمية، ط3، 1407هـ، تحقيق أحمد أبو ملحم وزملائه.
54 _ البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق أ.د عبدالله التركي، دار هجر، ط1، 1419هـ _ 1998م.
55 _ بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، لعبدالمتعال الصعيدي، مكتبة الآداب، القاهرة، 1420هـ _ 1999م.
56 _ بلاغة القرآن، للشيخ محمد الخضر حسين، إعداد وضبط: علي الرضا الحسيني، الدار الحسينية، 1417هـ _ 1997م.
57 _ بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، للشيخ عبدالرحمن بن سعدي، خرج أحاديثه الشيخ بدر البدر، مكتبة السندس، ط3، 1408هـ.
58 _ البيان في علوم القرآن، د. محمد بن علي الحسن، و د. سليمان القرعاوي، مؤسسة بيسان والبدر، دبي.
59 _ البيان والتبيين، للجاحظ، تحقيق وشرح عبدالسلام هارون، الناشر مكتبة الخانجي، القاهرة.
( ت )
60 _ تاريخ الطبري، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، بيروت، دار الكتب العلمية.
61 _ تاريخ الكنيسة الشرقية، للمطران ميشيل يتيم، والارشمندريت أغناطيوس ديك، المكتبة البوليسية، لبنان، ط4، 1999م.
62 _ تاريخ مدينة السلام، للخطيب البغدادي، حققه وضبط نصه، وعلق عليه د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1422هـ _ 2001م.
63 _ تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، شرحه ونشره السيد أحمد صقر، المكتبة العلمية، بيروت.
64 _ التبيان في أقسام القرآن لابن القيم، تحقيق محمد شريف سكر، دار إحياء العلوم، بيروت، ط1، 1409هـ.
65 _ التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية، للشيخ فالح بن مهدي آل مهدي، ط2، 1406هـ.
66 _ تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم، تحقيق بشير عيون، الناشر مكتبة دار البيان، التوزيع: مكتبة المؤيد، ط2، 1407هـ.
67 _ التدمرية، تحقيق الإثبات للأسماء والصفات، وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، لابن تيمية، تحقيق د.محمد بن عودة السعوي، ط1، 1405هـ.
68 _ تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جماعة الكناني، وعلق عليه السيد محمد محمد هاشم الندوي، رمادي للنشر، المؤتمن للتوزيع، ط2، 1416هـ _ 1995م.
69 _ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي، دار الفكر، لبنان، بيروت.
70 _ تربية الأولاد في الإسلام ،عبد الله ناصح علوان ،دار السلام ،ط 9 .
71 _ تعريف عام بدين الإسلام للشيخ علي الطنطاوي، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، ط11، 1408هـ _ 1987م.
72 _ تعريف عام بدين الإسلام المسمى: رسائل السلام ورسل الإسلام للشيخ يوسف الدجوي، دار ابن كثير _ دار القادري، دمشق _ بيروت.
73 _ التعريفات للشريف علي بن محمد الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1416هـ _ 1995م.
74 _ تفسير ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، المكتبة العصرية، صيدا، تحقيق أسعد محمد الطيب.
75 _ تفسير أبي السعود المسمى: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن العظيم، لأبي السعود محمد بن محمد العماد ، دار الإحياء والتراث العربي، بيروت.
76 _ تفسير البغوي، معالم التنزيل، للإمام البغوي، تحقيق محمد بن عبدالله النمر، عثمان جمعة ضميرية، سليمان الحرش، دار طيبة، ط1، 1409هـ _ 1989م.
77 _ تفسير التحرير والتنوير, تأليف العلامة محمد الطاهر بن عاشور, دار سحنون للنشر والتوزيع, تونس.
78 _ تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل، تأليف محمد جمال الدين القاسمي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1398هـ _ 1978م.
79 _ تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، دار الجيل، بيروت، ط1، 1408هـ _ 1988م.
80 _ التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة، للعلامة عبدالرحمن ابن سعدي، مع تعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز، تخريج الشيخ علي بن حسن بن عبدالحميد الحلبي، ط1، 1409هـ، دار ابن القيم.
81 _ تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل، للإمام الشوكاني، علق عليها وخرَّجها الشيخ مشهور بن حسن سلمان، ط1، 1410هـ، دار ابن حزم، بيروت.
82 _ تهذيب الأخلاق، للجاحظ، قرأه وعلق عليه أبو حذيفة إبراهيم بن محمد، دار الصحابة للتراث بطنطا، ط1، 1400هـ _ 1989م.
83 _ توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للشيخ عبدالله البسام، مكتبة الأسدي، مكة المكرمة، ط5، 1423هـ _ 2003م.
84 _ التوبة وظيفة العمر، د. محمد الحمد، ط1، دار ابن خزيمة، 11421هـ _ 2000م.
85 _ تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، للشيخ سليمان ابن عبدالله ابن محمد بن عبدالوهاب، الطبعة الثامنة 1409هـ، المكتب الإسلامي.
86 _ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، للشيخ عبدالله البسام، مكتبة جدة، ط7، 1407هـ _ 1987م.
87 _ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ عبدالرحمن السعدي، اعتنى به سعد بن فواز الصميل، دار ابن الجوزي، الدمام، ط2، 1426هـ.
88 _ تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، لابن سعدي، الطبعة الثانية 1409هـ، مكتبة الأقصى عنيزة.
89 _ تيسير الوصول إلى علم الأصول، د. عبدالرحيم يعقوب، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1424هـ
( ج )
90 _ جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر ، دار الفكر.
91 _ جامع الرسائل لابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم، مطبعة المدني، ط1، 14105هـ.
92 _ جامع الرسائل، لابن تيمية، د. محمد رشاد سالم، مطبعة المدني، ط1، 1405هـ.
93 _ الجامع الصحيح في القدر، للشيخ مقبل بن هادي الوادعي، الناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
94 _ جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، ط2، 1412هـ _ 1991م.
95 _ جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، للإمام محمد بن فتوح الأزدي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، سنة 1966هـ.
96 _ الجراحة الصغرى، د. رضوان با بولي، و د. أنطوان دولي، منشورات جامعة حلب، كلية حلب، 1407هـ.
97 _ جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، لابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
98 _الجنة والنار، د.عمر الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط12، 1423هـ _2002م.
99 _ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1414هـ، تحقيق د.علي حسن ناصر وزميليه.
100 _ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، أو الداء والدواء، لابن قيم الجوزية، تحقيق وتعليق عامر بن علي ياسن، دار ابن خزيمة، الرياض، ط1.
101 _ جوامع السيرة النبوية، لابن حزم الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ _ 1983م.
102 _ جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب، للشيخ جمال الدين القاسمي، مؤسسة قرطبة.
103 _ جواهر الإكليل شرح مختصر خليل مذهب مالك، لصالح بن عبدالسميع الأبي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
( ح )
104 _ حاشية رد المحتار ، لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، دار الفكر، ط2، 1386هـ _ 1966م.
105 _ حاشية السندي على النسائي، أبو الحسن السندي، مكتب المطبوعات الإسلامية _حلب، ط2، 1406 هـ _ 1986م، تحقيق عبدالفتاح أبو غدة.
106 _ الحبائك في أخبار الملائك، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ _ 1985م.
107 _ الحج، د. عبدالله الطيار، مكتبة التوبة، الرياض، ط1، 1412هـ _ 1992م.
108 _ حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، لابن الدّيبع الشيباني الشافعي، حقَّقه عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، طُبع على نفقة صاحب السمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر.
109 _ الحرية في الإسلام للشيخ محمد الخضر حسين، دار الاعتصام.
110 _ حقوق الإنسان في اليهودية والمسيحية والإسلام مقارنة بالقانون الدولي، د. خالد بن محمد الشنيبر ، كرسي الأمير سلطان بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة، ط1، 1430هـ _ 2009م.
111 _ حقوق غير المسلمين في الدولة الإسلامية، د. علي بن عبدالرحمن الطيار، ط1، 1425هـ _ 2004م.
112 _ الحكمة والتعليل في أفعال الله، تأليف: د. محمد بن ربيع المدخلي، ط1، 1409هـ، مكتبة لينة للنشر والتوزيع، دمنهور.
113 _ حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني، دار الكتب العلمية، بيروت.
114 _ الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية، خالد بن محمد المغامسي، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الرياض، ط3، 1428هـ _ 2007م.
115 _ الحوار في السيرة النبوية، د. محمد الحمد، إدارة الثقافة الإسلامية، الكويت، 2010م.
( خ )
116 _ الخصائص الكبرى، أو كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب، للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق د. محمد خليل هراس، دار الكتب الحديثة، شارع الجمهورية بعابدين.
117 _ خطوات في فقه التعايش والتجديد، تأليف د. هانئ أحمد فقيه، دار الفتح للدراسات والفتح، ط1، 1431هـ _ 2010م.
118 _ خلاصة السيرة النبوية، وحقيقة الدعوة الإسلامية، للشيخ محمد رشيد رضا، صححها وعلَّق عليها عبدالله السيد أحمد حجاج، 1400هـ _ 1980م.
( د )
119 _ دائرة المعارف الكتابية، إعداد جماعة من اللاهوتيين، دار الثقافة، مصر، مختلفة الطبعات بحسب أجزائها السبعة.
120 _ درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم، ط1، 1401هـ _ 1981م، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
121 _ دراسات في الأديان: اليهودية والنصرانية، أ.د. سعود بن عبدالعزيز الخلف، مكتبة أضواء السلف، ط1، 1422هـ _ 2002م.
122 _ دروس وعبر من سيرة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ، د. زهير محمد عفانة، دار النقاش، ط1، 1425هـ _ 2005م.
123 _ الدعاء مفهومه _ أحكامه _ أخطاء تقع فيه، د. محمد الحمد، دار ابن خزيمة، ط3، 1430هـ _ 2009م.
124 _ دع القلق، وابدأ الحياة، ديل كارنيجي، تعريب عبدالمنعم محمد الزيادي، 1980م، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة.
125 _ الدعوة إلى الإسلام، لتوماس أرنولد، ترجمة: حسن إبراهيم حسن، مكتبة النهضة المصرية، ط3، 1970م.
126 _ الدعوة إلى الإصلاح، للشيخ محمد الخضر حسين، تحقيق علي الرضا الحسيني، الدار الحسينية للكتاب، ط3، 1410هـ _ 1990م.
127 _ دعوة التوحيد _ أصولها _ الأدوار التي مرت بها _ مشاهير دعاتها، د.محمد خليل هراس، مكتبة الصحابة، طنطا.
128 _ دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مطابع الرياض، الطبعة الأولى، 1375هـ.
129 _ الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة داخلة في الدين الإسلامي، للشيخ عبدالرحمن السعدي، مؤسسة الرسالة، مكتبة الرشد، ط2، 1403هـ _ 1983م.
130 _ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وثَّق أصوله وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه د. عبدالمعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1405هـ _ 1985م.
131 _ الدين الصحيح يحل جميع المشاكل، للشيخ عبدالرحمن السعدي، مكتبة دار الأقصى، الكويت، ط1، 1406هـ _ 1986م.
132 _ ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، شرح وتحقيق د. محمد محمد حسين، مكتبة الآداب بالجماميز، المطبعة النموذجية.
( ذ )
133 _ ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي، مطبعة السنة المحمدية، تحقيق محمد حامد الفقي، 1372هـ.
( ر )
134 _ الرحمة والعظمة في السيرة النبوية، محمد الحمد، دار ابن خزيمة، الرياض، ط1، 1428هـ _ 2007م.
135 _ الرد على البكري ، ابن تيمية ، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط1، 1417هـ.، تحقيق محمد علي عجال.
136 _ الرد على من قال بفناء الجنة والنار، وبيان الأقوال في ذلك، لشيخ الإسلام ابن تيمية، دراسة وتحقيق د. محمد بن عبدالله السمهري، دار بلنسية، ط1، 1415هـ _ 1995م.
137 _ رسائل الإصلاح، للشيخ محمد الخضر حسين، دار الإصلاح، السعودية، الدمام.
138 _ رسائل في العقيدة، د. محمد الحمد، دار ابن خزيمة، ط1، 1423هـ _ 2002م.
139 _ رسائل في العقيدة، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار طيبة، الرياض، ط2، 1406هـ.
140 _ الرسالة، للشافعي، دار الكتب العلمية، تحقيق أحمد محمد شاكر.
141 _ رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه، لابن القيم، تحقيق عبدالله ابن محمد المديفر، ط1، 1420هـ.
142 _ الرسالة المحمدية، للسيد سليمان الندوي، مكتبة دار الفتح، دمشق، ط2، 1383هـ _ 1963م.
143 _ الرسل والرسالات، د. عمر الأشقر، مكتبة الفلاح، الكويت، ط3، 1405هـ _ 1985م.
144 _ رمضان دروس وعبر تربية وأسرار، د. محمد الحمد، دار ابن خزيمة، ط2، 1422هـ _ 2003هـ.
145 _ روائع الطب الإسلامي د. محمد نزار الدقر، موجود في الشبكة العنكبوتية.
146 _ الروح، لابن القيم، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1395هـ _ 1975م.
147 _ الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، لأبي القاسم عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي الحسن الخثعمي السهيلي، ومعه السيرة النبوية للمعافري، علَّق عليه ووضع حواشيه مجدي بن منصور بن سيد الشورى، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1418هـ _ 1997م.
148 _ روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1405هـ.
149 _ رياض الصالحين، لأبي زكريا يحيى النووي، حققه حسان عبدالمنان، دار طيبة، المكتبة الإسلامية، ط1، 1412هـ.
150 _ الرياض الناضرة، والحدائق الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة، تأليف الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، مؤسسة قرطبة، صححه واعتنى به وعلق عليه: أشرف بن عبدالمقصود بن عبدالرحيم.
( ز )
151 _ زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، المكتب الإسلامي، ط4، 1407هـ _ 1987م.
152 _ زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية، تحقيق وتعليق شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط15، 1407هـ _ 1987م.
( س )
153 _ سبل السلام، للصنعاني ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط4، 1379هـ_ 1960م.
154 _ سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي، تحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبدالموجود، والشيخ علي محمد معوض، توزيع مكتبة عباس أحمد الباز، مكة المكرمة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1414هـ _ 1993م.
155 _ السنة لابن أبي عاصم، المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
156 _ السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، مكتبة دار المعرفة، القاهرة، ط1، 1380هـ _ 1961م.
157 _ سنن الترمذي، أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
158 _ سنن الترمذي، دار الدعوة، دار سحنون، ط2.
159 _ سنن الدارمي, للإمام الدارمي, دار المغني, الرياض, ط1, 1421هـ _2000م.
160 _ سنن أبي داود، دار الدعوة، دار سحنون، ط2.
161 _ سنن أبي داود، محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الفكر.
162 _ سنن ابن ماجة، دار الدعوة، دار سحنون، ترقيم محمد عبدالباقي، ط2.
163 _ سنن ابن ماجة، محمد فؤاد عبدالباقي، دار الفكر.
164 _ سنن النسائي، تحقيق الشيخ عبدالفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406هـ، ط2.
165 _ سوء الخلق _ مظاهره_أسبابه_علاجه ، د. محمد الحمد، دار ابن خزيمة، ط2، 1417هـ _ 1996م.
166 _ سيرة عمر بن عبدالعزيز على ما رواه مالك بن أنس وأصحابه، تأليف أبي محمد عبدالله بن عبدالحكم، نسخها وصححها وعلق عليها أحمد عبيد، ط6، 1404هـ، عالم الكتب.
167 _ السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، د. أكرم العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.
( ش )
168 _ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي، تحقيق د. أحمد ابن سعد بن حمدان الغامدي، دار طيبة، الرياض.
169 _ شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، المكتبة الثقافية، بيروت، ط1، 1968م.
170 _ شرح الزركشي على مختصر الخرقي، د. عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، مكتبة العبيكان، ط1، 1413هـ _ 1993م.
171 _ شرح السنة للبغوي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي.
172 _ شرح السنة للإمام أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، تحقيق د. محمد بن سعيد القحطاني، دار ابن القيم، ط1، 1408هـ.
173 _ شرح العقيدة الطحاوية، حققها وراجعها: جماعة من العلماء، خرج أحاديثها: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط8، 1404هـ.
174 _ شرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف الشيخ محمد خليل الهراس، ضبط نصه وخرج أحاديثه: الشيخ علوي السقاف، ط1، 1411هـ، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، الثقبة.
175 _ شرح فتح القدير لابن الهمام مع تكملة نتائج الأفكار في كشف رموز الأسرار، للقاضي زاده، ط1، 1315هـ، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق.
176 _ الشرح الكبير،للإمام ابن قدامة،المكتبة السلفية،مكتبة المؤيد.
177 _ شرح الكوكب المنير، لابن النجار، مكتبة العبيكان، ط2، 1418هـ، 1997 م، تحقيق محمد الزحيلي و نزيه حماد.
178 _ شرح منتهى الإرادات، للشيخ منصور البهوتي، دار عالم الكتب، ط1، 1414هـ _ 1993م.
179 _ شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن قيم الجوزية، تحرير الحساني حسن عبدالله، مكتبة دار التراث، القاهرة.
180 _ الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، تحقيق علي محمد البجاوي، طُبِعَ بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، القاهرة.
181 _ شمائل الرسول ودلائل نبوته وفضائله وخصائصه، لابن كثير، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد، المكتبة الأدبية العربية، ط1، 1402هـ _ 1982م.
182 _ الشمائل المحمدية للإمام الترمذي، إخراج وتعليق محمد عفيف الزعبي، دار المطبوعات الحديثة، جدة، ط2، 1406هـ _ 1986م.
183 _ شمس الغرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، ترجمة: فاروق بيضون، دار صادر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط8.
184 _ الشورى فريضة إسلامية، د. علي الصلابي، دار المعرفة، بيروت _ لبنان، ط1، 1431هـ _ 2010م.
185 _ الشورى، د. محمود الخالدي، ط1، دار الجيل، بيروت، 1404هـ.
186 _ الشورى وأثرها في الديموقراطية دراسة مقارنة د. عبدالحميد الأنصاري، ط3، المكتبة العصرية، بيروت، 1400هـ .
187 _ الشيخ عبدالرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة، د.عبدالرزاق العباد، ط1، 1411هـ، مكتبة الرشد.
( ص )
188 _ صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، بقلم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، دار الصديق للنشر والتوزيع، ط1، 1414هـ _ 1994م.
189 _ صحيح البخاري، للإمام البخاري، بيت الأفكار الدولية، عناية أبي صهيب الكرمي، 1419هـ _ 1998م.
190 _ صحيح البخاري، للإمام البخاري، دار سحنون، دار الدعوة، ط2.
191 _ صحيح الجامع الصغير وزيادته للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، أشرف عليه زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، ط2، 1406هـ.
192 _ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414هـ _ 1993م، ط2.
193 _ صحيح سنن الترمذي، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي، الرياض، ط1، 1408هـ _ 1988م.
194 _ صحيح مسلم بشرح الإمام النووي، دار الفكر.
195 _ صحيح مسلم، عناية أبي صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، 1419هـ _ 1998م.
196 _ صحيح مسلم، للإمام مسلم، من منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، وطبعة دار الدعوة ودار سحنون، بترقيم عبدالباقي.
( ط )
197 _ الطريق إلى الإسلام، محمد الحمد، دار ابن خزيمة، الرياض، ط2، 1427هـ _ 2006م.
198 _ طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن قيم الجوزية، ضبط نصه وخرج أحاديثه عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، ط1، 1409هـ.
( ع )
199 _ عالم الجن والشياطين، د. عمر الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط15، 1423هـ _ 2002م.
200 _ عالم الملائكة الأبرار، د. عمر الأشقر، دار النفائس، ط13، 1423هـ _ 2002م.
201 _ العبودية، لا بن تيمية،تحقيق الشيخ : علي بن حسن بن عبد الحميد،دار الأصالة للنشر والتوزيع،ط 1،1412هـ.
202 _ عبودية الكائنات لرب العالمين، فريد إسماعيل التوني، مكتبة الضياء، جدة، ط1، 1413هـ _ 1992م.
203 _ العقل والنقل عند ابن رشد، د.محمد أمان الجامي، ط3، 1404هـ، الجامعة الإسلامية.
204 _ عقيدة أهل السنة والجماعة، محمد بن إبراهيم الحمد، تقديم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، دار ابن خزيمة، الرياض، ط2، 1419هـ _ 1998م.
205 _ عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية، د. أحمد بن سعد الغامدي، دار طيبة، الرياض، ط1، 1405هـ _ 1985م.
206 _ العقيدة في الله، د. عمر الأشقر، مكتبة الفلاح، الكويت، ط5، 1984م.
207 _ العقيدة والشريعة في الإسلام، جولدرزيهر، ترجمة: محمد يوسف موسى وآخرين، دار الكتب الحديثة، مصر، ط2.
208 _ العلم يدعو للإيمان، تأليف: كريسي موريسون، ترجمة محمد صالح الفلكي، دار القلم، بيروت، ط1، 1986م.
209 _ العمل عند المسلمين رؤية حضارية، د إبراهيم المزيني، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الرياض، ط1، 1424هـ _ 2003م.
210 _ العمل في الإسلام: أخلاقه، مفاهيمه، قيمه، أحكامه، لعز الدين الخطيب التميمي، عمان، الأردن، دار الفيحاء.
211 _ عيون الأخبار لابن قتيبة الدِّينَوري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
( غ )
212 _ غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، للشيخ محمد السفاريني، مؤسسة قرطبة، ط2، 1414هـ _ 1993م.
( ف )
213 _ الفاحشة عمل قوم لوط الأضرار الأسباب سبل الوقاية العلاج، د. محمد الحمد، ط1، دار ابن خزيمة، 1415هـ _ 1994م.
214 _ الفتاوى الكبرى، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق وتعليق وتقديم محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1408هـ.
215 _ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية، ط1، 1407هـ.
216 _ فتح رب البرية بتلخيص الحموية للشيخ محمد بن صالح العثيمين, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, ط4, 1410هـ .
217 _ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، للإمام محمد ابن علي الشوكاني، عالم الكتب، وطبعة دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، تحقيق عبدالرزاق المهدي، ط1، 1420هـ _ 1999م.
218 _ فتح المغيث شرح ألفية الحديث، للسخاوي،دار الكتب العلمية ،لبنان، ط1، 1403هـ.
219 _ الفروق ، لشهاب الدين القرافي، عالم الكتب، بيروت.
220 _ الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، للحافظ ابن كثير، توزيع دار الباز للنشر والتوزيع، دار الكتب العلمية، بيروت.
221 _ فقه الأسماء الحسنى، د. عبدالرزاق البدر، ط1، 1429هـ _ 2008م.
222 _ فقه السنة، للشيخ سيد سابق، دار الكتب العربية، بيروت، ط8، 1407هـ.
223 _ فقه السيرة، للشيخ محمد الغزالي، خرَّج أحاديثها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط7، 1976م، دار إحياء التراث العربي.
224 _ فقه الشورى دراسة تأصيلة نقدية، د. علي بن سعيد الغامدي، ط1، دار طيبة، الرياض، 1422هـ.
225 _ الفوائد لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1406هـ.
( ق )
226 _ القاموس المحيط، للفيروزأبادي، مؤسسة الرسالة، ط2، 1407هـ.
227 _ القدر لأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي، تحقيق عمرو عبدالمنعم سليم، دار ابن حزم، ط1، 1421هـ _ 2000م.
228 _ القضاء والقدر في الإسلام، د. فاروق أحمد الدسوقي، المكتب الإسلامي، بيروت، مكتبة الخاني، ط2، 1406هـ، الرياض.
229 _ القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة، ومذاهب الناس فيه، للشيخ د.عبدالرحمن بن صالح المحمود، دار الوطن، ط2، 1418هـ _ 1997م.
230 _ القضاء والقدر، د. عمر الأشقر، دار النفائس للنشر والتوزيع، الكويت، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، ط1، 1410هـ.
231 _ القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب د. محمد السلومي، سلسلة تصدر عن مجلة البيان، ط1، الرياض، 1424هـ.
232 _ قواعد الحرب في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة للشيخ عواض الوذيناني، مكتبة الرشد ناشرون، المملكة العربية السعودية، الرياض، ط1، 1426هـ، 2005م.
233 _ القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، خرج أحاديثه أشرف بن عبدالمقصود، أضواء السلف، أصداء المجتمع، 1416هـ ـ 1996م.
234 _ القيامة الصغرى، د. عمر الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط13، 1423 _200م.
235 _ القيامة الكبرى، د. عمر الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط13، 1423 _200م.
( ك )
236 _ الكافي في فقه أهل المدينة، لا بن عبد البر ، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط2، 1400هـ/1980م.
237 _ كشف الأستار عن زوائد البزار، تأليف الحافظ نور الدين الهيثمي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، ط2، 1404هـ.
238 _ كفاية الأخيار، لمحمد الحسيني،الشؤون الدينية، دولة قطر.
239 _ الكليات لأبي البقاء الكفوي، قابله على نسخ وأعده للطبع، د. عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، ط2، 1419هـ _ 1998.
240 _ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، تحقيق محمود الدمياطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419هـ_ 1999م.
( ل )
241 _ لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت.
242 _ الله يتجلى في عصر العلم، تأليف نخبة من العلماء الأمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعيات الأرض، أشرف على تحريره: جون كلوفرمونسيما،ترجمة د.الدمرداش عبدالمجيد سرحان، راجعه وعلق عليه. د. محمد جمال الدين الفندي، دار القلم، بيروت.
243 _ لماذا انتحر هؤلاء، إعداد وتوثيق هاني الخيِّر، دار دمشق، ط1، 1992م.
244 _ لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، لابن قدامة، شرح الشيخ محمد ابن عثيمين، ط2، 1412هـ، مكتبة الإمام البخاري، الدار السلفية، حققه وخرَّج أحاديثه: أشرف بن عبدالمقصود ابن عبدالرحيم.
245 _ لوامع الأنوار البهية، وسواطع الأسرار الأثرية، شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية، تأليف العلامة محمد بن أحمد السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت، مكتبة أسامة، الرياض، ط2، 1405هـ.
( م )
246 _ مباحث في إعجاز القرآن، أ.د. مصطفى مسلم، دار التدمرية، ط1، 1432هـ _ 2011م.
247 _ مباحث في العقل أ.د. محمد نعيم ياسين، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن ط1، 1432_2011م .
248 _ المبسوط، للسرخسي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1421هـ 2000م, دراسة وتحقيق خليل محي الدين الميس
249 _ مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد، للهيثمي، ط2، 1402هـ _ 1982م، دار الكتاب العربي، بيروت.
250 _ المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، مركز صالح ابن صالح الثقافي، عنيزة، 1411هـ.
251 _ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم وابنه محمد.
252 _ مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب الشيخ فهد السليمان، دار الوطن، ط1، 1412هـ.
253 _ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الاتباع والابتداع، تأليف عبدالرؤوف محمد عثمان، مكتبة الضياء، جدة، ط1، 1412هـ _ 1991م.
254 _ المحلى، لابن حزم، المكتب التجاري، بيروت، تحقيق أحمد شاكر
255 _ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تأليف محمد رضا، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
256 _ محمد رسول الله _ خلاصة سيرته _ ومقالات نادرة فيها، محمد الحمد، دار ابن خزيمة، الرياض، ط1، 1427هـ _ 2006م.
257 _ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، للعلامة أحمد تيمور باشا، دار الآفاق العربية، ط1، 1424هـ _ 2003م.
258 _ محمد صلى الله عليه وسلم المثل الكامل، لمحمد أحمد جاد المولى بك، ط6، 1388هـ _ 1968م، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح.
259 _ مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، للشيخ عبدالعزيز السلمان، ط10، 1403هـ.
260 _ مختصر المزني _ حاشية كتاب الأم _ طبعة كتاب الشعب، 1388هـ _ 1968م.
261 _ مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، ط8، 1409هـ _ 1989م.
262 _ المختصر الوجيز في علوم الحديث، تأليف د. محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة، ط3، 1407هـ _ 1987م.
263 _ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم، تحقيق وتعليق المعتصم بالله البغدادي، توزيع دار النفائس، الرياض، ط1، 1410هـ.
264 _ المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د.عبدالرحمن عميرة، دار اللواء الرياض، ط5، 1404هـ _ 1984م.
265 _ مذكرة في التوحيد للشيخ محمد بن قاسم، مخطوط.
266 _ المذكرات لمحمد كرد علي، دار أضواء السلف، الرياض.
267 _ مرض الإيدز الطاعون الجديد، د. خالص جلبي، دار الهداية، ط1، 14078هـ.
268 _ مزيل الداء عن أصول القضاء، تأليف الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد، ط1، 1372هـ _ 1953م.
269 _ المستدرك على الصحيحين، للحاكم، مكتبة النصر الحديثة، الرياض.
270 _ مسند الإمام أحمد بن حنبل، دار الدعوة، دار سحنون، ط2.
271 _ المسند للإمام أحمد بن حنبل، شرحه وصنع فهارسه الشيخ أحمد محمد شاكر، مكتبة دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة، ط2.
272 _ مسند الجعد، للحافظ أبي الحسين علي بن الجعد بن عبيد الجوهري، تحقيق د. عبدالمهدي بن عبدالقادر بن عبدالهادي، ط1، 1405هـ _ 1985م، مكتبة الفلاح، الكويت.
273 _ مسند أبي يعلى الموصلي، تحقيق حسين سليم أسد، ط1، 1404هـ _ 1988م، دار المأمون للتراث، دمشق.
274 _ مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة، د. عدنان باحارث، دار المجتمع للنشر والتوزيع، ط1، 1414هـ _ 1993م.
275 _ المسؤولية في الإسلام، د. عبدالله قادري الأهدل، دار العمير للثقافة والنشر، ط 1412هـ _ 1992م.
276 _ مشكاة المصابيح، للتبريزي، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ.
277 _ معارج القبول لشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، للشيخ حافظ الحكمي، مكتبة ابن تيمية، ط2، 1404هـ.
278 _ معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس، تحقيق وضبط عبدالسلام هارون، دار الجيل، بيروت، 1420هـ.
279 _ معجم الطبراني الكبير، ط2، 1404هـ.
280 _ مع الرعيل الأول، للشيخ محب الدين الخطيب، ط2، المكتبة السلفية، القاهرة، 1410هـ.
281 _ المغني، ابن قدامة، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ط3، 1417هـ _1997م.
282 _ مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لمحمد الخطيب الشربيني، مكتبة مصطفى البابي الحلب، القاهرة، 1377هـ _ 1958م.
283 _ مفتاح دار السعادة، لابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت.
284 _ المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، ضبط هيثم طعيمي، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1423هـ _ 2002م.
285 _ مقامات الحريري، دار صادر، بيروت.
286 _ مقدمة ابن خلدون، تأليف: عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق د. علي عبدالواحد وافي، طبع لجنة البيان العربي، القاهرة، ط1، 1376هـ.
287 _ مكارم الأخلاق، للخرائطي، تحقيق أيمن عبد الجابر البحيري، دار الآفاق العربية _ مصر، 1419 هـ.
288 _ من أخطاء الأزواج، د. محمد الحمد، ط1، دار ابن خزيمة، 1419هـ _ 1999م.
289 _ مناهل العرفان ، للشيخ محمد الزرقاني ، دار إحياء الكتب العلمية عيسى البابي الحلبي وشركاؤه.
290 _ من صفات الداعية اللين والرفق، د. فضل إلهي، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1411هـ _ 1991م.
291 _ من صفات الداعية مراعاة أصول المخاطبين في ضوء الكتاب والسنة وسير الصالحين، د. فضل إلهي، ط2، 1419هـ _ 1998م، إدارة ترجمان الإسلام باكستان.
292 _ منهاج السنة النبوية لابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم، ط1، 1406هـ.
293 _ المهدي حقيقة لا خرافة، للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل المقدم، مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث، ط1، 1411هـ _ 1990م.
294 _ المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ عبدالرحمن السعدي، اعتنى بها سمير الماضي، رمادي للنشر، المؤتمن للتوزيع، ط1، 1416هـ.
295 _ موسوعة الأعمال الكاملة، للشيخ محمد الخضر حسين، جمعها وضبطها المحامي علي الرضا الحسيني، دار النبوة، ط1، 1431هـ _ 2010م.
296 _ موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، إعداد مجموعة من المختصين بإشراف معالي الشيخ د. صالح بن حميد، وعبدالرحمن بن محمد مَلُّوح، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1418هـ _ 1998م.
297 _ موقف ابن تيمية من الإشاعرة د. عبد الرحمن المحمود, مكتبة الرشد, الرياض ط2, 1416هـ _ 1995م .
( ن )
298 _ النبوات، لشيخ الإسلام ابن تيمية، دراسة وتحقيق محمد عبدالرحمن عوض، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ.، وأضواء السلف، تحقيق د.عبدالعزيز الطويان، ط1، 1420هـ _2000م.
299 _ النظام السياسي في الإسلام _النظرية السياسية نظام الحكم_ د. عبدالعزيز الخياط، دار السلام، مصر، ط2، 1425هـ_ 2004م.
300 _ النظام السياسي في الإسلام د.سعود آل سعود وآخرون ، مدار الوطن، ط5، 1430هـ _ 2009م.
301 _ نظام الشورى في الإسلام ونظم الديموقراطية، د. زكريا الخطيب، مطبعة السعادة، 1405هـ.
302 _ النظام الاقتصادي في الإسلام د. عمر المرزوقي وزملاؤه، مكتبة الرشد، ط4، 1430ه_ _ 2009م.
303 _ النظام المالي والاقتصادي في الإسلام د. محمود الخطيب، مكتبة الرشد، ط2، 1426هـ _ 2005م.
304 _ نظرات الأسرة المسلمة، د. محمد بن لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي، ط1، 1405هـ _ 1985م.
305 _ نقض المنطق، لشيخ الإسلام ابن تيمية، حققه الشيخ محمد ابن عبدالرزاق حمزة والشيخ سليمان الصنيع، وصححه الشيخ محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية.
306 _ النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 1422هـ.
307 _ نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، للعلامة محمد بن علي الشوكاني، تقديم وتقريظ د. وهبة الزحيلي، توزيع دار الصميعي، الرياض، ودار الخير، دمشق، ط2، 1418هـ _ 1998م.
( هـ )
308 _ الهداية الإسلامية، للشيخ محمد الخضر حسين، جمعها وحققها علي الرضا التونسي، ط1، 1394هـ.
309 _ الهمة ا لعالية معوقاتها ومقوماتها، د. محمد الحمد، دار ابن خزيمة، ط7، 1427هـ _ 2005م.
( و )
310 _ الوابل الصيب من الكلم الطيب، للإمام ابن قيم الجوزية، دراسة وتحقيق محمد عبدالرحمن عوض، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ _ 1985م.
311 _ وجوب التعاون بين المسلمين، للشيخ عبدالرحمن السعدي، مؤسسة الرسالة، مكتبة الرشد، ط2، 1403هـ _ 1983م.
312 _ الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، دراسة وموازنة د.سليمان ابن صالح القرعاوي، مكتبة الرشد، ط1، 1410هـ _ 1990م.
313 _ الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، للدامغاني، حققه ورتبه وأكمله وأصلحه، عبدالعزيز سيد الأهل.
314 _ الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، لهارون بن موسى، كلية التربية جامعة الملك سعود، الرياض، 1402هـ.
315 _ وحي القلم، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت.
316 _ ومضات فكر، للشيخ محمد الفاضل ابن عاشور، الدار العربية للكتاب.
( ي )
317 _ ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، لأبي عُمَر محمد ابن عبدالواحد البغدادي الزاهد المعروف بغلام ثعلب، حققه وقدم له د.محمد ابن يعقوب التركستاني، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1، 1423هـ _ 2002.
[1] _ انظر دعوة التوحيد د. محمد خليل هراس ص 89_91 .
[2] _ انظر تفصيل ذلك في البداية والنهاية لابن كثير 1/161_236، ودعوة التوحيد ص 89_92 .
[3] _ انظر زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 1/58_71.
[4] _ انظر لسان العرب لابن منظور 12/293_294.
[5] _ انظر الوجوه والنظائر في القرآن الكريم دراسة وموازنة د. سليمان القرعاوي ص 367_370 .
[6] _ انظر نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لابن الجوزي 1/51.
[7] _ انظر نزهة الأعين النواظر 1/51.
[8] _ انظر لسان العرب 12/293، وفتح رب البرية بتلخيص الحموية للشيخ محمد بن عثيمين ص94.
[9] _ انظر التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص173 .
[10] _ صحيح مسلم (153).
1_ انظر لسان العرب لابن منظور 5/56.
2_ لسان العرب 5/56.
3_ لسان العرب 5/56.
4_ انظر شفاء العليل لابن القيم، ص572_ 575، وانظر درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية 8/371 .
[15]_ شفاء العليل ص 572_573، وانظر درء تعارض العقل والنقل 8/376.
[16] _ انظر رسائل في العقيدة، للشيخ محمد بن عثيمين ص11، ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية د. سعود الخلف ص27 .
[17] _ رواه البخاري 2/97، ومسلم ( 1258).
[18]_ مسلم (2865).
1_ انظر شفاء العليل ص578_579.
1_ تفسير التحرير والتنوير 21/9 .
1_ تفسير التحرير والتنوير 21/9 .
1_ انظر دراسات في الأديان ص 28_30 .
1_ انظر دراسات في الأديان ص 30_31 .
[24] _ انظر بدائع الفوائد لابن القيم 1/159_170، والقواعد المثلى للشيخ محمد بن عثيمين ص 37_38.
([25]) انظر تفسير ابن جرير2/121، وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبدالوهاب ص30 .
([26]) نقله في: تيسير العزيز الحميد ص30 .
([27]) انظر فقه الأسماء الحسنى د. عبدالرزاق البدر ص 77_78 .
([28]) انظر فقه الأسماء الحسنى ص217 .
([29]) رقم )2656) .
([30]) ذكره شيخ الإسلام في =منهاج السنة+ (3/254) وابن القيم في =شفاء العليل+ ص28 .
([31]) رواه الفريابي في =القدر+ (205) واللفظ له، وابن بطة في =الإبانة+ (1624) واللالكائي في =أصول الاعتقاد+ (1224) وغيرهم .
([32]) رواه ابن بطة في =الإبانة+ (1676) واللالكائي في =أصول الاعتقاد+ (1255) .
[33]_ انظر لسان العرب 4/51، والوجوه والنظائر في القرآن الكريم ص215.
[34]_ المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي المجموعة الخامسة 1/529.
[35]_ انظر الوجوه والنظائر لهارون بن موسى ص429، والوجوه والنظائر للدامغاني ص67، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي 1/95، والوجوه والنظائر للقرعاوي 215_217، والمجموعة الكاملة للسعدي المجموعة الخامسة 1/529.
[36]_ مسلم (2553).
[37]_ رواه أحمد 4/228, والدارمي 2/245_246, وأبو يعلى (1586 و 1587) وحسنه النووي في الأربعين(27).
([38]) أخرجه أحمد 5/3 و5 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 3 ) وأبو داود ( 5139 ) والترمذي (1897 ) وقال الترمذي : =حديث حسن+ .
([39]) أخرجه البخاري ( 1773 ) ، ومسلم ( 1349 ) و ( 437 ).
([40]) المسند 3/325 و334.
([41]) أخرجه الطبراني في =الأوسط+ ( 5325 ) ، والحاكم 1/483.
([42]) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق : 23 – 24 .
([43]) جامع العلوم والحكم 2/97_98 .
([44]) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( 1539 ) .
([45]) جامع العلوم والحكم 2/99 .
([46]) أحمد (6/91، 163، 216)، النسائي في الكبرى (6/412).
([47]) انظر : حاشية السندي على سنن النسائي 3/200 .
([48]) سبق تخريجه .
([49]) سبق تخريجه .
([50]) جامع العلوم والحكم 2/99 .
[51] _ لايكسر: أي لا يجمع جمع تكسير.
[52] _ لسان العرب 10/86_87 وانظر معجم مقاييس اللغة 2/213 _ 214.
[53] _ المرجع السابق.
[54] _ تهذيب الأخلاق للجاحظ ص 12.
[55] _ لسان العرب 13/114.
[56]_ لسان العرب 13/114.
[57] _ لسان العرب 13/114.
[58] _ لسان العرب 13/116.
[59] _ رواه أحمد 1/159، وصححه الألباني 519).
[60] _ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم وابنه محمد 10/658.
[61] _ انظر إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي، 2/357ـ 358.
[62]_ رواه مسلم (746) من حديث هشام بن حكيم أنه سأل عائشة _رضي الله عنها_ عن خلق رسول الله".
[63]_ مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/658.
[64]_ مدارج السالكين 2/289.
[65]_ تفسير التحرير والتنوير 29/64.
[66]_ تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور 29/65.
[67]_ أخرجه أبو داود (4798) والحاكم عن عائشة, وقال الحاكم: إسناده على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وصححه الألباني في الصحيحة (795).
[68] _ أخرجه الترمذي (2004) وابن ماجه (4246), وابن حبان (476), والحاكم 4/324 وكلهم عن أبى هريرة, وقال الترمذي: =الحديث صحيح غريب+.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد, ووافقه الذهبي.
[69]_ أخرجه أحمد 4/193_194, والترمذي (2018) وقال حديث حسن غريب+.
[70]_ أخرجه الطبراني في الكبير 1/18/ (471) وقال الهيثمى في المجمع 8/24: =رجاله رجال الصحيح+.
[71]_ أخرجه أحمد 6/446_448, وأبو داود (4799), والترمذي (2003) وقال حسن صحيح, وابن حبان (481) والخرائطي (50), وصححه الألباني في الصحيحة (876).
[72] _ رواه أحمد 6/159, وصححه الألباني في الصحيحة (519)
[73] _ انظر تفاصيل ذلك في كتاب: سوء الخلق _ مظاهره_أسبابه_علاجه_ لمحمد الحمد ص 81_60
[74]_ أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 9/127, وقال الألباني في الصحيحة (342): إسناده حسن, أو قريب من الحسن+.
[75]_ مضى تخريجه
[76]_ انظر إحياء علوم الدين للغزالي 3/55_56، وجوامع الآداب للقاسمي ص4.
[77] _ انظر لسان العرب لابن منظور 1/128_129، والبيان في علوم القرآن د. محمد بن علي الحسن، و د. سليمان القرعاوي ص3.
[78] _ انظر البيان في علوم القرآن ص3.
[79] _ انظر البيان في علوم القرآن ص3.
[80] _ انظر البيان في علوم القرآن ص 5_6.
[81]_ انظر أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة للشيخ حافظ الحكمي، ص81_82؛ السؤال رقم 80.
[82]_ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن سعدي 1/490.
[83]_ انظر زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 4/384، وفتح القدير للشوكاني 3/139.
[84] _ انظر البيان في علوم القرآن ص9_26.
[85] _ ديوان لبيد بن ربيعة ص179.
[86] _ لسان العرب 13/225.
[87] _ انظر المختصر في علوم الحديث د. محمد عجاج الخطيب ص15..
[88] _ انظر السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي د. مصطفي السباعي ص59، والمختصر من علوم الحديث ص16.
[89] _ البخاري (1) ومسلم (1907) بلفظ: =إنما الأعمال بالنية...+.
[90] _ البخاري (4938) ومسلم (892).
[91] _ انظر السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص59_60، والمختصر الوجيز في علوم الحديث ص15_17.
[92] _ أحكام الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/440.
[93] _ الرد على البكري لابن تيمية 1/171 .
[94] _ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 3/9 .
[95] _ انظر أعلام الموقعين لابن القيم 1/48، والمختصر الوجيز في علوم الحديث ص29.
[96] _ الرسالة، ص75 فقرة 239,
[97] _ رواه البخاري (957).
[98] _ أخرجه مالك في الموطأ 2/899، والحاكم (318) واللفظ له.
[99] _ أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وقال: =حديث حسن صحيح+.
[100] _ أخرجه أبو داود (4604 و 4605)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3848 و 3849): =صحيح+.
[101] _ انظر المختصر الوجيز في علوم الحديث ص30_33.
[102] _ انظر أخبار الآحاد في الحديث النبوي د. عبدالله بن جبرين ص 17_18.
[103] _ انظر المختصر الوجيز في علوم الحديث ص33.
[104] _ انظر كتاب الشفاء 2/43.
[105] _ انظر أخبار الآحاد ص19 .
[106] _ كما في قول الله _تعالى_: [شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ] آل عمران:18، وقوله _ تعالى _: [إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ] فاطر:28، وقوله _تعالى_: [قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ] الزمر:9.
[107] _ كما في حديث صحيح رواه أحمد 4/239، وابو داود (3641) والترمذي (2823) وغيرهم عن أبي الدرداء ÷.
[108] _ أخرجه الترمذي (484) وقال: =حسن غريب+.
[109] _ في حديث زيد بن ثابت رواه أحمد 4/80، وابن ماجه (230) والدارمي 1/75، ورواه أبو داود (3660) والترمذي (2795) بمعناه، ورواه أحمد 4/80، والدارمي 1/74، وابن ماجه (3056) عن جبير بن مطعم.
[110] _ رواه البخاري (3461) وأحمد 2/159 عن عبدالله بن عمرو بن العاص.
[111] _ رواه البخاري (89).
[112] _ الخراءة: قضاء الحاجة.
[113] _ صحيح مسلم (262).
[114] _ رواه الحاكم في المستدرك 1/102، 3/538، وصححه، ووافقه الذهبي.
[115] _ كما في مسند أحمد 3/495 عن جابر قال: بلغني حديث عن رجل فاشتريت بعيراً، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهراً إلخ.
[116] _ انظر كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر 1/112، وقد ذكر آثاراً كثيرة في ذلك.
[117] _ انظر ترجمته في البداية والنهاية 8/199 وغيرها.
[118] _ كما في ترجمة أبي هريرة وقتادة والشعبي وغيرهم في تهذيب التهذيب وغيره.
[119] _ انظر أخبار الآحاد في الحديث النبوي د. عبدالله بن جبرين ص21_22.
[120] _ كقوله ": =من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار+ أخرجه البخاري (1229) ومسلم (3).
[121] _ رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/87.
[122] _ انظر فتح المغيث 1/30، وأخبار الآحاد في الحديث النبوي ص22_24.
[123] _ كقوله ": =لا تكتبوا عني غير القرآن+ رواه مسلم 18/129، والدارمي 1/119، وغيرهما عن أبي سعيد، وأذن في الكتابة لعبدالله بن عمرو بن العاص كما في صحيح البخاري (113) وكتب لعلي صحيفة كما عند البخاري (111).
[124] _ كعلي، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن عمرو، وغيرهم. انظر فتح الباري 9/22.
[125] _ وذلك في حجة الوداع لما طلب كتابة تلك الخطبة كما عند البخاري (112) و (2434).
[126] _ حيث كتب إلى هرقل عظيم الروم وإلى كسرى عظيم الفرس وإلى النجاشي ملك الحبشة وإلى المقوقس ملك مصر وغيرهم وقد ذكر تلك الكتب ابن القيم في زاد المعاد 3/60 وغيره.
[127] _ روى ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله 1/76 بأسانيده المنع من كتابة الحديث عن زيد بن ثابت وعلي ابن أبي طالب وأبي سعيد وعمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وأبي موسى وأبي هريرة ومن التابعين الشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم.
ثم روى الرخصة في الكتابة أو استعمالها عن جابر وابن عمرو بن العاص وأنس وأبي أمامة وغيرهم وحصل عليه الاتفاق بعدهم.
[128] _ روى ابن عبدالبر في العلم 1/88_91 عن ابن شهاب أنه أول من دون الحديث بأمر عمر بن عبدالعزيز.
[129] _ انظر أخبار الآحاد في الحديث النبوي ص24_25.
[130] _ انظر أخبار الآحاد في الحديث النبوي ص18.
[131] _ رواه البخاري (5662 و 1757).
[132] _ رواه مسلم (1297).
[133] _ رواه البخاري (2926) ومسلم (1757) .
[134] _ رواه البيهقي (2626) وانظر سبل السلام 4/27_28 .
[135] _ انظر فتح الباري لابن حجر 5/298 .
[136] _ انظر فتح الباري 5/302 .
[137] _ انظر المختصر الوجيز من علوم الحديث ص34_38، وأخبار الآحاد ص18 .
[138] _ الرسالة للشافعي ص 88_89 والعنود : الطغيان، والعتو، والانحراف.
[139] _ مجموع الفتاوى 5/163 .
[140] _ مجموع الفتاوى 7/40 .
[141] _ مجموع الفتاوى 7/40 .
[142] _ رواه البخاري (8) ومسلم (16).
[143] _ انظر رسائل في العقيدة للشيخ محمد بن عثيمين ص10 .
[144] _ انظر لسان العرب 13/469.
[145] _ انظر بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة لعبدالمتعال الصعيدي 2/3 .
[146] _ انظر مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية للشيخ عبدالعزيز السلمان ص9.
[147] _ انظر تيسير العزيز الحميد ص74_ 80 .
[148] _ انظر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية ص10.
[149] _ انظر الشبهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة للشيخ عبدالرحمن السعدي ص113 ورسائل في العقيدة للشيخ محمد بن عثيمين ص9.
[150] _ انظر لسان العرب 14/464_466.
[151] _ انظر فقه السنة للشيخ سيد سابق 1/81 ، وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام للشيخ عبدالله البسام 1/469.
[152] _ انظر توضيح الأحكام 1/469.
[153] _ انظر رسائل في العقيدة ص9، وتيسير العزيز العلام شرح عمدة الأحكام للشيخ عبدالله البسام 1/100.
[154] _ انظر تيسير العلام 1/100، وتوضيح الأحكام 1/470.
[155] _ انظر رسائل في العقيدة ص9 ، وتيسير العزيز العلام شرح عمدة الأحكام للشيخ عبدالله البسام 1/100.
[156] _ رواه أحمد في المسند (13623) والنسائي (3949) والحاكم 2/160 وقال: =هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه+ ووافقه الذهبي.
[157] _ رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ص31_32 .
[158] _ رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ص33_34 .
[159] _ انظر لسان العرب 14/358_359.
[160] _ انظر توضيح الأحكام 3/381.
[161] _ انظر رسائل العقيدة ص9.
[162] _ انظر توضيح الأحكام 3/282.
[163] _ انظر توضيح الأحكام 3/282.
[164] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام د. عمر المرزوقي وزملاؤه ص 147_148 .
[165] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص 149_163.
[166] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص 163.
[167] _ انظر لسان العرب 12/350 .
[168] _ انظر توضيح الأحكام 3/439.
[169] _ انظر فقه السنة لسيد سابق 1/381.
[170] _ انظر رسائل في العقيدة ص10 .
[171] _ رواه البخاري (8) ومسلم (16) .
[172] _ انظر توضيح الأحكام 1/439 .
[173] _ رواه البخاري (38) ومسلم (760) .
[174] _ تفسير السعدي _تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان_ ص86 . .
[175] _ رواه البخاري (1795) ومسلم (1151).
[176] _ فتح الباري لابن حجر 4/1041 .
[177] _ رواه البخاري (5583) ومسلم (1151) .
[178] _ رواه البخاري (7054) ومسلم (1151) .
[179] _ انظر رمضان دروس وعبر تربية وأسرار لمحمد الحمد ص249_258 .
[180] _ انظر لسان العرب 2/226 .
[181] _ انظر حاشية ابن عابدين 2/454 ، وتوضيح الأحكام 4/3 .
[182] _ انظر: الحج د. عبدالله الطيار ص15 .
[183] _ سبق تخريجه.
[184] _ رواه أبو داود (1463) .
[185] _ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص536 .
1_ انظر أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة للشيخ حافظ الحكمي ص50.
2_ انظر رسائل في العقيدة الإسلامية ص11_17 .
1_ انظر تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن لابن سعدي ص 130_134 .
1_ انظر أعلام السنة المنشورة، ص77، السؤال رقم ( 73 ).
[190] _ انظر رسائل في العقيدة ص11_12.
[191] _ انظر الرياض الناضرة لابن سعدي ص194، ورسائل في العقيدة ، ص11_ 15.
[192] _ انظر صحيح البخاري (765 و3050 و4023 و4854) ورواه مسلم (463).
[193] _ انظر كتاب (الله يتجلى في عصر العلم)، تأليف نخبة من العلماء الأمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعيات الأرض، أشرف على تحريره: جون كلوفرمونسيما،ترجمة د.الدمرداش عبدالمجيد سرحان، راجعه وعلق عليه. د. محمد جمال الدين الفندي،وانظر كتاب العلم يدعو للإيمان، تأليف: كريسي موريسون، ترجمة محمد صالح الفلكي، والكتابان من منشورات دار القلم، بيروت.
1_ كريسي موريسون هو الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك، ورئيس المعهد الأمريكي لمدينة نيويورك، وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي بالولايات المتحدة، وزميل في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، وعضو مدى الحياة للمعهد الملكي البريطاني، انظر كتاب مقدمة المترجم لكتاب كريسي موريسون: العلم يدعو للإيمان ص12_13 .
1_ انظر العقيدة في الله ص74_75.
2_ انظر تفصيل ذلك في المرجع السابق، ص74_98، وانظر إلى كتاب: العلم يتبرأ من نظرية دارون، لزياد أبو غنيمة.
3_ انظر العقيدة في الله ص(79_92 ) ففيه تفصيل الرد على تلك الدعوى، وانظر العلم يتبرأ من نظرية دارون.
1_ انظر البخاري (1033).
[199] _ انظر دعوة التوحيد ص 199_202، وص 125_246 .
[200]_ انظر كتاب: الشيخ عبد الرحمن السعدي وجهوده في توضيح العقيدة، د.عبد الرزاق العباد البدر ص70_72.
[201]_ المرجع السابق ص70ـ72.
1_ انظر شفاء العليل ص147_164.
[203] _ الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في العقيدة ص72_73.
[204]_ المرجع السابق ص72_73.
[205] _ المرجع السابق ص72_73.
1_ انظر عبودية الكائنات لرب العالمين، للشيخ فريد التوني، دار الضياء، ص234_245.
[207] _ أخرجه ابن ماجه (223) وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/1079 رقم 6297.
[208] _ انظر جامع الرسائل لابن تيمية تحقيق د. محمد رشاد سالم، 1/1_45.
3_ مجموع الفتاوى لابن تيمية 2/9.
[210] _ انظر تفاصيل ما مضى في الجزء الأول من مفتاح دار السعادة لابن القيم.
[211] _ انظر لسان العرب 10/392_395.
[212] _ انظر رسائل في العقيدة للشيخ محمد بن عثيمين، ص19.
[213] _ رواه مسلم (8).
[214] _ انظر رسائل في العقيدة ص19_20.
[215] _ انظر رسائل في العقيدة ص20.
[216] _ البخاري (7485) ومسلم (2637).
[217] _ البخاري (3039).
[218] _ انظر رسائل في العقيدة ، ص20_21.
[219] _ رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).
[220] _ مسلم (2814).
[221] _ أخرجه الترمذي (2988)، والنسائي (11051)، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن(38).
[222] _ قال ابن كثير، بعد إيراده لهذا الحديث: =هكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننهما جميعاً، عن هناد بن السري.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه، عن أبي يعلى الموصلي، عن هناد به، وقال الترمذي: حسن غريب، وهو حديث أبي الأحوص، يعني سلام بن سليم لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديثه كذا قال+انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/480 .
[223] _ انظر عالم الملائكة الأبرار، د. عمر الأشقر ص59_76.
[224] _ انظر مجموع الفتاوى 11/350، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني 2/368، وشرح العقيدة الطحاوية ص338، وكتاب السيوطي الحبائك في أخبار الملائك وفيه مبحث طويل في ذلك من ص203_251، وانظر عالم الملائكة الأبرار ص96.
[225] _ مقامات الحريري، ص286، وانظر لسان العرب 1/698_703 .
[226] _ رسائل في العقيدة ، ص23.
[227]_ انظر رسائل في العقيدة ص23.
[228]_ انظر: رسائل في العقيدة ، ص23.
[229]_ رواه البخاري (50) ومسلم (8).
[230]_ انظر الرسل والرسالات، د. عمر الأشقر، ص235.
[231] _ انظر دعوة التوحيد ص 199_202، وص 218_220 .
[232]_ انظر الرسل والرسالات ص235_249 .
[233]_ البخاري (278) مسلم (339).
[234]_ انظر الرسل والرسالات ص250.
[235]_ انظر دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية د. سعود الخلف ص74 .
[236]_ انظر تفسير التحرير والتنوير 3/148 .
[237]_ انظر مقارنة بين القرآن والتوراة لمحمد الصوياني، ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص74_75 .
[238]_ انظر قاموس الكتاب المقدس ص467، ودراسات في الأديان ص75 .
[239]_ نينوى المدينة التي بعث فيها يونس _عليه السلام_، وتقع قبالة الموصل على دجلة، وكانت عاصمة الآشوريين. انظر معجم البلدان (5/339) ، وقاموس الكتاب المقدس ص990، ودراسات في الأديان ص76 .
[240]_ هذا الترتيب حسب ورودها في النسخة البروتستانتية، انظر دراسات في الأديان ص76 .
[241]_ يقول الدكتور سعود الخلف _حفظه الله_ بعد إيراده أسماء هذه الأسفار: =يلاحظ أن أهل الكتاب يحزبون كتابهم إلى أسفار وإصحاحات وفقرات، فكل سفر يحوي عدداً من الإصحاحات، فهو يشبه من هذا الوجه الأجزاء في تحزيب القرآن الكريم، وكل إصحاح يحوي لديهم العديد من الفقرات، فهو يشبه في ذلك السور في تجزئة القرآن الكريم، أما الفقرات فتختلف في الطول والقصر، وهي تشبه من هذا الوجه الآيات في القرآن الكريم والترتيب المذكور هو بالنظر إليها من ناحية موضوعاتها، وإلا فاليهود يرتبونها هكذا: أولاً: أسفار موسى الخمسة.
ثانياً: الأنبياء المتقدمون وهي أسفار يشوع، والقضاة، وصموئيل الأول، والثاني، والملوك الأول والثاني، ثم الأنبياء المتأخرون وهم، إشعياء، وأرميا، وحزقيال، والأنبياء الاثنا عشر الصغار وهم هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونس، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجاي، زكريا، ملاخي.
ثالثاً: الكتب ويغلب عليها الطابع الأدبي وهو المزامير، الأمثال، أيوب، نشيد الأناشيد، والجامعة، وراعوث، والمراثي، واستير، ودانيال، عزرا، نحميا، الأخبار الأول والثاني+ ودراسات في الأديان ص77 .
[242]_ انظر دراسات في الأديان ص 76_77 .
[243]_ انظر الكنز المرصود في قواعد التلمود د. رو هلنج ترجمة يوسف نصر الله ص 47_50، ودراسات في الأديان 120_121 .
[244]_ انظر الرسل والرسالات، 104_105، ودراسات في الأديان 94_124 .
[245]_ انظر البحث الصريح في أيُّما هو الدين الصحيح للشيخ زيادة بن يحيى الراسي _وكان من علماء النصارى الذين أسلموا_ ص 239_309 حيث ذكر في هذه الصفحات ثلاثين صورة من صور الشك والتناقض في التوراة والإنجيل.
[246]_ انظر مقارنة التوراة والقرآن لمحمد الصويان ص35، والتوراة والإنجيل والقرآن والعلم (لموريس بوكاي) ترجمة الشيخ حسن خالد.
[247]_ انظر قاموس الكتاب المقدس ص120، ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص197 .
[248]_ انظر دراسات في الأديان ص197.
[249]_ انظر دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص195.
[250]_ انظر دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص195_196 .
[251] _ انظر محاضرات في النصرانية ص 40.
[252] _ انظر محاضرات في النصرانية ص 46.
[253] _ انظر الموسوعة ص 501.
[254] _ انظر محاضرات في النصرانية ص 47.
[255] _ انظر الموسوعة ص501.
[256]_ انظر محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبو زهرة ص981 .
[257]_ انظر مقارنة التوراة والقرآن ص35 .
[258]_ انظر مقالاً للدكتور محمد الشاهد مجلة البيان عدد (22) ص86 .
[259]_ انظر تفصيل ذلك في كتاب البحث الصريح ص 239_309 ، ودراسات في الأديان ص 210_214 .
[260]_ رواه مسلم (153).
[261] _ انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 5/384_385، ولسان العرب 1/162_164.
[262] _ انظر عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية د. أحمد بن سعد الغامدي ص14_15.
[263] _ انظر لسان العرب 1/283_284.
[264] _ انظر عقيدة ختم النبوة ص15_16.
[265] _ انظر النبوات لابن تيمية ص225_227، وأصول الدين للبغدادي ص154، وعقيدة ختم النبوة ص15_16، ومحبة الرسول" بين الاتباع والابتداع لعبدالرؤوف محمد عثمان ص15، والرسل والرسالات د. عمر الأشقر ص14_15.
[266]_ انظر رسائل في العقيدة الإسلامية ص25_26.
[267] _ انظر صحيح البخاري (1228).
[268] _ أخرجه البخاري (392) ومسلم (572).
[269] _ انظر مجموع الفتاوى 10/293_313 و 15/150، والرسل والرسالات ص99_116.
[270] _ انظر رسائل في العقيدة الإسلامية ص26.
[271] _ انظر رسائل في العقيدة الإسلامية ص27.
[272] _ انظر عقيدة ختم النبوة ص16.
[273] _ انظر عقيدة ختم النبوة ص19_24.
[274] _ انظر عقيدة ختم النبوة ص19_29.
[275] _ انظر عقيدة ختم النبوة ص30_54.
[276] _ أخرجه أحمد (22448) والحاكم 4/496.
[277] _ انظر مذكرة في التوحيد للشيخ محمد بن قاسم ص16_17.
[278] _ انظر عقيدة ختم النبوة ص170_271، وانظر رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص223_315.
[279] _ عقيدة ختم النبوة ص24.
[280] _ أخرجه البخاري (438).
[281]_ أخرجه البخاري (438).
([282]) انظر أعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص 65 .
([283]) رواه مسلم (8).
([284]) التذكرة للقرطبي ص 342 ـ442 .
([285]) رواه مسلم (9992) من حديث صهيب .
([286]) انظر الإيمان باليوم الآخر محمد الحمد ص9_11 .
([287]) انظر لسان العرب 3/62 ـ64.
([288]) انظر لسان العرب 4/474.
([289]) انظر القيامة الكبرى د. عمر الأشقر ص31ـ36.
([290]) اللِّيت: صفحة العنق,وإصغاؤه: إمالته.
([291]) مسلم(294) .
([292]) انظر مجموع الفتاوى 4/460, وشرح الواسطية للهراس ص 205_ 206, ولمعة الاعتقاد شرح الشيخ محمد بن عثيمين 114ـ115, وأعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص104_105, والقيامة الكبرى ص 39ـ42.
([293]) انظر لسان العرب.
([294]) انظر لمعة الاعتقاد شرح الشيخ محمد بن عثيمين ص115والقيامة الكبرى ص51.
([295]) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص404، ورسائل في العقيدة ص29، وأعلام السنة المنثورة ص101ـ103.
([296]) البخاري(3349) ومسلم (2860).
([297]) انظر رسائل في العقيدة ص32ـ33.
([298]) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص404ـ407، ورسائل في العقيدة ص33، والقيامة الكبرى ص73ـ86.
([299]) رواه البخاري(4975) .
([300]) التذكرة ص246.
([301]) انظر التذكرة ص246.
([302]) انظر القيامة الصغرى ص95 ـ99.
([303]) انظر التذكرة ص272 ـ277، ومجموع الفتاوى3/145.
([304]) انظر البخاري(6532) ومسلم (2863).
([305]) انظر التذكرة ص272.
([306]) انظر التذكرة ص277ـ278.
([307]) البخاري(660و1423و6479و6806) ومسلم(1031).
([308]) انظر معجم مقاييس اللغة2/59، ولسان العرب1/311.
([309]) انظر لمعة الاعتقاد ص117، وشرح الواسطية للهراس ص209.
([310]) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص411_412، ومجموع الفتاوى 3/146 ولمعة الاعتقاد ص117، ورسائل في العقيدة ص30، وشرح الواسطية للهراس ص208 ـ 209.
([311]) أخرجه أحمد 6/48، وابن أبي عاصم في السنة(885)، وقال الألباني في تخريج السنة 2/429: =إسناده صحيح+.
([312]) البخاري (103و4939و6536و6537)، ومسلم(2876).
([313]) انظر رسائل في العقيدة ص30.
(3) انظر القيامة الكبرى ص193.
(1) انظر القيامة الكبرى ص193 .
(2) انظر القيامة الكبرى ص202ـ215.
([317]) البخاري(6541) ومسلم(220).
([318]) مجموع الفتاوى 3/146.
([319]) البخاري(876) ومسلم(855, 856).
([320]) أخرجه أحمد 1/282و2/ 274و342، وابن ماجه(4290) وقال البوصيري في الزوائد3/317: =هذا إسناد صحيح رجاله ثقات+.
([321]) انظر سنن الترمذي(413)، وابن ماجه (1426)، والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (2020).
([322]) أخرجه البخاري(6864) ومسلم (1678).
([323]) انظر لسان العرب13/446.
([324]) انظر لمعة الاعتقاد ص120.
([325]) أخرجه البخاري(7563) ومسلم (2694).
([326]) انظر التذكرة ص360 ـ373، وشرح العقيدة الطحاوية ص417ـ419، ولمعة الاعتقاد ص120.
([327]) انظر لمعة الاعتقاد ص119، والقيامة الكبرى249.
([328]) شرح العقيدة الطحاوية ص417، وانظر الأدلة على ذلك في شرح العقيدة الطحاوية ص417_419 .
([329]) شرح العقيدة الواسطية للهراس ص207، ولمعة الاعتقاد ص121.
([330]) البخاري (7429) ومسلم (2785).
([331]) لمعة الاعتقاد شرح الشيخ محمد بن عثيمين ص121.
([332]) شرح العقيدة الطحاوية ص419.
([333]) فتح الباري 3/538.
([334]) لمعة الاعتقاد شرح الشيخ محمد بن عثيمين ص121.
([335]) شرح العقيدة الطحاوية ص419.
([336]) انظر مجموع الفتاوى 3/146، ولمعة الاعتقاد شرح الشيخ محمد بن عثيمين ص122_123، وشرح الواسطية للهراس ص204_206، وأعلام السنة المنثورة ص107_110.
(1) أخرجه أبوداود (4755) والحاكم 4/578،وقال: =صحيح إسناده على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة+، ووافقه الذهبي.
([338]) المرجع السابق.
([339]) لمعة الاعتقاد شرح الشيخ محمد بن عثيمين ص123.
([340]) شرح العقيدة الطحاوية ص227.
([341]) البخاري (6583و7050)، ومسلم (2290).
([342]) البخاري(4964)، ومسلم(162).
([343]) انظر لمعة الاعتقادص124، وشرح الواسطية210ـ211.
([344]) انظر شرح العقيدة الطحاوية288، ومجموع الفتاوى3/146، وشرح الواسطية210.
([345]) انظر على سبيل المثال صحيح البخاري(6583و7050و7051و6593و7048و1344) ومسلم (2290و2292و2293و2298و2299)
([346]) مسلم(2300).
([347]) مسلم(2301).
([348]) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص228، ولمعة الاعتقاد ص125.
([349]) رواه الترمذي(2443) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1589)، وقال في شرح الطحاوية ص228: =حسن+ .
([350]) البخاري(1344 و3596 و4042 و6426 و6590, ومسلم(2296).
([351]) البخاري(6575و6576), ومسلم(2297).
([352]) مسلم(2291).
([353]) مسلم(2294).
([354]) انظر معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص287.
([355]) انظر شرح العقيدة الواسطية للهراس ص210، ولوامع الأنوار البهية 2/189، ولمعة الاعتقاد شرح الشيخ محمد بن عثيمين ص126.
(3) انظر التخويف من النار لابن رجب ص242ـ253، ولوامع الأنوار البهية 2/82 ولمعة الاعتقاد ص126.
(4) انظر التذكرة ص387، وشرح العقيدة الطحاوية ص416.
([357]) البخاري(4581و4919) ومسلم(183).
([358]) المرجع السابق.
([359]) البخاري(7437) ومسلم(182).
([360]) الجسر الذي بين الجنة والنار هو القنطرة أو الجسر الثاني ـ كما سيأتي ـ.
([361]) مجموع الفتاوى 3/146 ـ147.
([362]) مضى تخريجه.
([363]) رواه البخاري (7437) ومسلم(182) .
([364]) انظر القيامة الكبرى ص275.
([365]) التخويف من النار ص232، وانظر القيامة الكبرى ص275ـ276.
([366]) انظر التذكرة ص392ـ394.
([367]) مجموع الفتاوى 3/147.
([368]) انظر معجم مفردات ألفاظ القرآن ص96.
([369]) انظر لمعة الاعتقاد ص131.
([370]) انظر معجم مفردات ألفاظ القرآن ص96.
([371]) انظر لمعة الاعتقاد ص131.
([372]) انظر لمعة الاعتقاد ص133, والجنة والنار د.عمر الأشقر ص154ـ160.
([373]) انظر لمعة الاعتقاد ص133، والجنة والنار ص25، وانظر تفاصيل ذلك في التذكرة ص425ـ602.
([374]) البخاري(1052) ومسلم(907).
([375]) شرح العقيدة الطحاوية ص420،وانظر تفصيل ذلك في شرح العقيدة الطحاوية ص420ـ422، ولمعة الاعتقاد ص131.
([376]) كسابقه.
([377]) شرح العقيدة الطحاوية ص424، وانظر تفصيل ذلك ص424_432،ولمعة الاعتقاد ص132، وانظر ـ أيضاً ـ الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية دراسة وتحقيق د. محمد بن عبدالله السمهري.
([378]) سبق تخريجه.
([379]) سبق تخريجه.
([380]) انظر لمعة الاعتقاد 132ـ133.
([381]) انظر أعلام السنة المنشورة ص115.
([382]) انظر التعريفات للجرجاني ص177، ولوامع الأنوار للسفاريني 1/348، ورسائل في العقيدة للشيخ محمد بن عثيمين ص37، والإيمان بالقضاء والقدر لمحمد الحمد ص35_36.
([383]) انظر شفاء العليل لابن القيم ص61 .
([384]) رواه مسلم (2653).
([385]) رواه البخاري (1632) ومسلم (2647).
([386]) انظر شفاء العليل ص66، وتفسير السعدي 6/52 .
([387])رواه مسلم (2655).
([388]) انظر الإيمان بالقضاء والقدر ص 76 .
([389]) انظر الإيمان بالقضاء والقدر ص 7_9 .
([390]) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص262، وشرح السنة للبربهاري ص36، والقضاء والقدر في الإسلام د. فاروق الدسوقي 1/368، والإيمان بالقضاء والقدر ص 19_25 .
([391]) مسلم (2653) .
([392]) البخاري (3208) ومسلم (2643) .
([393]) انظر زاد المسير لابن الجوزي 7/338، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/140، وفتح القدير للشوكاني 4/572، وأعلام السنة المنثورة للحكمي ص 129_133 .
([394]) انظر زاد المسير 8/114، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/275، وفتح القدير 5/136.
([395]) رواه مسلم (8).
([396]) رواه مسلم (2655).
([397]) مسلم (2664).
([398]) شرح صحيح مسلم للنووي 1/155 .
([399]) فتح الباري لابن حجر 11/287 .
([400]) انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 4/705 .
([401]) انظر الرياض الناضرة للشيخ عبدالرحمن السعدي ص194.
([402]) انظر الشيخ عبدالرحمن السعدي وجهوده في العقيدة د. عبدالرزاق البدر ص 72_73 .
([403]) انظر جوامع الرسائل لابن تيمية 2/341، ودرءتعارض العقل والنقل 8/405.
([404]) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 8/64، وطريق الهجرتين لابن القيم ص 170 .
([405]) انظر مجموع الفتاوى 8/97، والتحفة المهديةفي شرح الرسالة التدمرية للشيخ فالح بن مهدي 2/140، والإيمان بالقضاء والقدر ص 61_63 .
( 1) انظر مدارج السالكين لابن القيم 2/218، والفوائد لابن القيم ص 201_202 .
( 2) انظر مدارج السالكين 2/166_199 .
([408]) انظر الجامع الصحيح في القدر للشيخ مقبل الوادعي ص 11_12، وأفول شمس الحضارة الغربية من نافذة الإجرام لمصطفى غزال ص 109_111، وكتاب: لماذا انتحر هؤلاء إعداد وتدقيق هاني الخيِّر، ففيه قصص لشخصيات سياسية، وعسكرية، وأدبية، واجتماعية، وفنية.
( 3) انظر الهداية الإسلامية للشيخ محمد الخضر حسين ص84_98 .
([410]) انظر مدارج السالكين 2/32، وجامع العلوم والحكم لابن رجب 1/287، ودع القلق وابدأ الحياة لديل كارينجي ص 291_295 .
([411]) انظر منهاج السنة لابن تيمية 2/109_112، والتبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص45، 166_169 .
([412]) انظر شفاء العليل ص 50_53، والرياض الناضرة للسعدي ص 125_126، والقضاء والقدر د. عمر الأشقر ص 83_84 .
[413] _ مجموع الفتاوى 8/179، وانظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/858_859 .
([414]) انظر منهاج السنة النبوية 3/65_78، ومجموع الفتاوى 8/262_268، وإيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة للصنعاني ص306، والإيمان بالقضاء والقدر ص 130_135 .
([415]) انظر مجموع الفتاوى 8/454، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/857_858 .
([416]) انظر الإيمان بالقضاء والقدر ص 184_188 .
([417]) رواه مسلم (2664) .
([418]) البخاري (1183 و 7368) .
([419]) رواه مسلم (2653) .
([420]) رواه البخاري (1362 و 4945) ومسلم (2647) .
([421]) انظر دفع إيهام الاضطراب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص 286_287، والإيمان بالقضاء والقدر ص184_188. .
([422]) انظر العقل والنقل عند ابن رشد د. محمد أمان ص 56_57 .
([423]) ديوان الأعشى الكبير ص61 .
([424]) انظر الاختلاف في اللفظ لابن تيمية ص35، والإبانة لابن بطة 1/390 .
[425]_ انظر المسند (17280) ودلائل النبوة للبيهقي 1/80_82، والروض الأنف للسهيلي 1/290.
[426]_ انظر دلائل النبوة للبيهقي 1/80_84، وخلاصة السيرة النبوية والدعوة الإسلامية للشيخ محمد رشيد ص13_14 .
[427]_ انظر خلاصة السيرة النبوية ص3_7.
[428]_ مسلم (2276).
[429]_ انظر الفصول في سيرة الرسول لابن كثير ص5_7، وخلاصة السيرة النبوية ص10_11
[430]_ انظر خلاصة السيرة ص17_19.
[431]_ انظر خلاصة السيرة ص25.
[432] _ أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، للفاكهي (126) 5/190.
[433]_ انظر جوامع السيرة لابن حزم ص4_6، والروض الأنف 1/23_38 ففيهما تفصيل النسب، وشرح الأسماء الواردة فيه، وحدائق الأنوار، ومطالع الأسرار لابن الدَّيبع 1/94، وسبل الرشاد في هدي خير العباد 1/235_322، وخلاصة السيرة ص11_12، ومحمد رسول الله لأحمد تيمور باشا ص28، وموسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 1/192.
[434]_ انظر خلاصة السيرة ص13_14، والسيرة النبوية الصحيحة د. أكرم العمري 1/90_91.
[435] _ انظر حدائق الأنوار لابن الدَّيبع الشافعي 1/29، وخلاصة السيرة ص14، وفقه السيرة للشيخ محمد الغزالي، خرَّج أحاديثه الشيخ الألباني ص58_63.
[436]_ انظر جوامع السيرة النبوية لابن حزم الأندلسي ص6_7، والروض الأنف 1/278_286 و297.
[437]_ انظر الروض الأنف 1/300_301، وأعلام النبوة للماوردي ص248_249.
[438]_ انظر سنن الترمذي (3620) ودلائل النبوة 1/90_92، والروض الأنف 1/313_318 و322_335، والخصائص الكبرى للسيوطي 1/226، وخلاصة السيرة ص15_16، ومحمد رسول الله لأحمد تيمور باشا ص35_36، وفقه السيرة للغزالي ص68_69.
[439]_ الناموس: صاحب سر المَلِك، قال بعضهم: هو صاحب سر الخير، والجاسوس: صاحب سر الشر. انظر الروض الأنف 1/408.
[440]_ انظر صحيح البخاري (4953) ومسلم (161) والروض الأنف 1/396، وخلاصة السيرة ص19_20.
[441] _ جئثت منه: أي ذُعِرْت وخِفْت. انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/228.
[442]_ البخاري (3238) وانظر الروض الأنف 1/420_422.
[443]_ انظر خلاصة السيرة ص21.
[444]_ انظر جوامع السيرة ص6_7.
[445]_ انظر خلاصة السيرة ص30_31.
[446] _ انظر زاد المعاد لابن القيم 1/37.
[447] _ انظر تفاصيل ما ذكر في الشمائل المحمدية للترمذي ص 186_ 280، 262_ 283 تحقيق محمد عفيف الزعبي، وانظر الأنوار في شمائل النبي المختار للبغوي تحقيق الشيخ إبراهيم اليعقوبي 1/161_ 358، وأخلاق النبي " لأبي الشيخ الأصبهاني تحقيق عصام الدين الصبابطي ص13_ 98، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص 551_ 656، وإحياء علوم الدين 2/357_ 387، وشمائل الرسول ودلائل نبوته وفضائله وخصائصه لابن كثير 1/73_ 152، والحوار في السيرة النبوية ص238_245.
[448] _ تفسير التحرير والتنوير، للعلامة محمد الطاهر بن عاشور، 4/145.
[449] _ تفسير التحرير والتنوير 4/145.
[450] _ جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم ص9.
[451] _ تفسير التحرير والتنوير 17/164_165.
[452] _ تفسير التحرير والتنوير 17/166_167، وانظر تفصيل الحديث عن ذلك في كتاب الرحمة والعظمة في السيرة النبوية.
[453] _ انظر مقدمة كتاب: حدائق الأنوار ومطالع الأسرار 1/3.
[454]_ انظر إلى مقدمة الأستاذ محمد فتحي عبدالمنعم لكتاب محمد رسول الله للعلامة أحمد تيمور باشا ص14_16.
[455]_ انظر مقدمة الدكتور محمد خليل هراس على الخصائص الكبرى للسيوطي 1/3_4.
[456] _ انظر مقدمة كتاب: حدائق الأنوار ومطالع الأسرار 1/40_41.
[457]_ انظر الرسالة المحمدية للسيد سليمان الندوي ص102_104.
[458]_ انظر دروس وعبر من سيرة خير البشر ص 21.
[459]_ انظر دائرة المعارف البريطانية 14/1710.
[460]_ انظر دروس وعبر في سيرة خير البشر ص22، والرحمة والعظمة في السيرة النبوية ص11_15.
[461]_ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين للشيخ محمد الخضر حسين ص 54_55 .
[462]_ انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/357 .
[463]_ انظر الرسل والرسالات د. عمر الأشقر ص165 .
[464]_ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص 55_56 .
[465]_ انظر الرسل والرسالات ص 165_166 .
[466]_ انظر الرسل والرسالات ص 168_173 ففيه ذكر لعدد من تلك البشارات، وانظر الباب الثامن ففيه ذكر وشرح لعدد من البشارات.
[467]_ البخاري (4614) ومسلم (2354).
[468]_ انظر الرسل والرسالات ص 165_166، وانظر تفصيل البشارات في الكتب التي تحدثت حول هذا الشأن ككتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وكتاب النبوات وهما لابن تيمية، وكتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم، وكتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي؛ ففيها ما يشفي ويكفي.
[469] _ انظر الإسلام في نظر أعلام الغرب للأستاذ حسين عبدالله باسلامة ص89_95، ومحمد رسول الله _خلاصة سيرته ومقالات نادرة فيها_ لمحمد الحمد ص30_35.
[470] _ يقصد بهم: الحنفاء الذين بقوا على الفطرة والتوحيد.
[471] _ الإسلام في نظر أعلام الغرب ص25_28.
[472] _ الإسلام في نظر أعلام الغرب ص29.
[473] _ الإسلام في نظر أعلام الغرب ص40_41.
[474] _ المذكرات، محمد كرد علي 4/1315_1316.
[475] _ وإذا أردت المزيد من ذلك فارجع إلى كتاب: الإسلام في نظر أعلام الغرب، وكتاب: أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوربية، لأحمد علي الملا، ص103_106.
[476] _ انظر المذاهب المعاصرة د. عبدالرحمن عميرة ص 142.
[477] _ الأدلة والقواطع والبراهين لابن سعدي ص 322.
[478] _ لسان العرب 13/92، وانظر أحكام الجان لبدر الدين محمد بن عبدالله الشبلي ص19 .
[479] _ انظر عالم الجن والشياطين ص11.
[480] _ البداية والنهاية : 1/59 .
[481] _ صحيح مسلم بشرح النووي : 18/123 .
[482] _ صحيح مسلم : ( 2996).
[483] _ انظر أحكام الجان ص 25_29، وعالم الجن والشياطين ص11.
[484]_ انظر عالم الجن والشياطين ص12.
[485]_ لسان العرب 13/283.
[486]_ أحكام الجان ص21 .
[487] _ انظر عالم الجن والشياطين ص16.
[488] _ انظر عالم الجن والشياطين ص17.
[489] _ أخرجه مسلم (2996).
[490] _ البداية والنهاية لابن كثير 1/79.
[491] _ انظر مجموع الفتاوى 4/316، وانظر عالم الجن والشياطين ص17_18.
[492] _ انظر مجموع الفتاوى 24/280، و 4/346.
[493] _ انظر عالم الجن والشياطين ص12_13.
[494] _ مجموع الفتاوى 19/10.
[495] _ انظر مجموع الفتاوى 19/13.
[496] _ انظر أحكام الجان ص 17_19، وعالم الجن والشياطين ص12_15 .
[497] _ رواه مسلم (2451).
[498] _ انظر عالم الجن والشياطين ص22.
[499] _ انظر الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ص 61_63، وأحكام الجان ص 40_43 .
[500] _ أخرجه مسلم (2451).
[501] _ انظر عالم الجن والشياطين ص22_23.
[502] _ انظر عالم الجن والشياطين ص25.
[503] _ انظر أحكام الجان ص53، وعالم الجن والشياطين ص41.
[504] _ رواه البخاري (7171)، ومسلم (2175).
[505] _ رواه البخاري (3107)، ومسلم (2175).
[506] _ انظر عالم الجن والشياطين ص32 .
[507] _ انظر عالم الجن والشياطين ص 32_33 .
[508] _ أخرجه الترمذي (2913).
[509] _ أخرجه البخاري (3294).
[510] _ أخرجه أحمد ( 8927).
[511] _ البداية والنهاية 1/73 .
[512] _ انظر عالم الجن والشياطين ص31_35.
[513] _ مسلم (2611).
[514] _ انظر عالم الجن والشياطين ص53.
[515] _ انظر عالم الجن والشياطين ص54.
[516] _ أخرجه مسلم (2815).
[517] _ انظر أحكام الجان ص41 .
[518] _ انظر عالم الجن والشياطين ص64_65.
[519] _ البخاري (3107)، ومسلم (2174).
[520] _ انظر عالم الجن والشياطين ص67_91.
[521] _ انظر عالم الجن والشياطين ص127_149.
([522]) انظر مدارج السالكين 2/190_191.
([523]) انظر الحكمة والتعليل في أفعال العباد ص205.
([524]) انظر الحكمة والتعليل ص205، وعالم الجن والشياطين د. عمر الأشقر ص190.
([525]) انظر مدارج السالكين 2/191، وعالم الجن والشياطين ص191.
([526]) انظر شفاء العليل ص494_495، ومدارج السالكين 2/192_193.
([527]) انظر مدارج السالكين 2/193.
([528]) التذكرة ص 4.
([529]) التذكرة ص 10 .
([530]) التذكرة ص200.
([531]) انظر الروح ص 128.
([532]) انظر لسان العرب 5/68.
([533]) أخرجه أحمد 4/287 _ 288، وأبوداود (4753) ، والحاكم 1/37 _40، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي وصححه ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود 7/139_ 146.
([534]) أخرجه الترمذي (1071) ،وقال حسن غريب، وابن أبي عاصم في السنة (864) قال الألباني:=وإسناده حسن ، وفيه رد على من أنكر من المعاصرين تسمية الملكين بمنكر ونكير+.
([535]) أخرجه مسلم (584).
([536]) الروح ص149، وانظر تفصيل الخلاف في ص 147 ـ149.
([537]) انظر تفاصيل هذه المسالة في مجموع الفتاوى 4/257 و277 ـ281،وكتاب الروح ص149 ـ151.
([538]) مجموع الفتاوى 4/257وانظر 4/277 ـ281.
([539]) مجموع الفتاوى 4/281.
([540]) يعني الحديث الذي مضى ذكره قبل قليل، حديث أبي هريرة أنه "صلى على صغير لم يعمل خطيئة قط،فقال: =اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر+.
([541]) الروح ص150ـ151.
([542]) شرح العقيدة الطحاوية ص399.
([543]) مجموع الفتاوى 4/262.
([544]) صحيح البخاري باب 87 ص266.
([545]) فتح الباري لابن حجر العسقلاني 11/233.
([546]) المرجع السابق.
(4) المرجع السابق
([548]) انظر تفصيل ذلك في كتاب الروح ص121_134، وأهوال القبور، وأحوال أهلها إلى النشور لابن رجب الحنبلي ص41ـ60، والقيامة الصغرى ص48ـ51.
([549]) شرح العقيدة الطحاوية ص 399.
([550]) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص400.
([551]) مجموع الفتاوى 4/284.
([552]) مجموع الفتاوى 4/282، وانظر تفصيل ذلك في 4/282 ـ299، الروح ص96 ـ97.
([553]) انظر الروح ص151 ـ154.
([554]) انظر الروح ص134.
([555]) رواه البخاري (216)، ومسلم (292) .
([556]) انظر الروح لابن القيم ص 111_131، ورسائل في العقيدة ص 33_35، والإيمان باليوم الآخر ص 50_62 .
([557]) انظر المهدي حقيقة لا خرافة للشيخ محمد بن إسماعيل ص181.
([558]) المرجع السابق.
([559]) معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/260.
([560]) لسان العرب7/328 .
([561]) انظر معجم مقاييس اللغة 3/116.
([562]) التذكرة ص245.
([563]) انظر أشراط الساعة للشيخ د. يوسف الوابل ص73.
([564]) انظر التذكرة ص245 ـ246.
([565]) انظر معجم مقاييس اللغة 3/360، والتذكرة ص709، ولسان العرب 7/328، وفتح الباري13/79.
([566]) انظر أشراط الساعة ص74 ـ75.
([567]) انظر أشراط الساعة ص75.
([568]) انظر التذكرة ص709 ـ710، وأشراط الساعة ص77.
([569]) التذكرة ص709.
([570]) انظر التذكرة ص739، وأشراط الساعة ص239.
([571]) رواه مسلم (2901).
([572]) رواه مسلم (2901).
([573]) رواه مسلم (2947).
([574]) المرجع السابق.
([575]) رواه مسلم (2941).
([576]) انظر أشراط الساعة ص142.
([577]) فتح الباري 11/353.
([578]) فتح الباري 11/352.
([579]) انظر القيامة الصغرى ص217 ـ218، وأشراط الساعة ص245.
([580]) قال الهيثمي: =رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير عبدالله بن أحمد بن حنبل، وداود الزهراني، وكلاهما ثقة+ مجمع الزوائد 7/331، وقال الألباني في صحيح الجامع (3222) : =صحيح+.
([581]) المسند (7040) تحقيق أحمد شاكر ، وقال: =إسناده صحيح+.
([582]) انظر أشراط الساعة ص246.
([583]) فتح الباري 13/77.
[584]_ انظر على سبيل المثال صحيح البخاري (1882و7132) ومسلم (2940و2941،2942، و2944،2945و2946،2947) وسنن أبي داوود 11/443.
[585]_ رواه مسلم (2946) .
[586]_ رواه البخاري (1317) .
[587]_ رواه مسلم(2937) .
[588]_ انظر صحيح مسلم(2937) .
([589]) انظر صحيح البخاري (3437و3438)، ومسلم (168).
([590]) انظر القيامة الصغرى ص266 ـ268 ،وأشراط الساعة للوابل ص348 ـ355.
([591]) تفسير القرطبي 16/105 ،وانظر تفسير الطبري 25/90 ـ91.
([592]) المسند 4/329 تحقيق أحمد شاكر وقال: =إسناده صحيح+.
([593]) البخاري (3448)، ومسلم(115،2937).
([594]) انظر أشراط الساعة للوابل 347.
([595]) مهرودتان : أي ثوبين مصبوغين بورس، ثم زعفران . انظر شرح النووي لمسلم 18/67.
([596]) انظر صحيح البخاري (3449) ، ومسلم (155) .
([597]) الزلفة، وروي الزلقة بالقاف: وكلها صحيحة، ومعناه أن الأرض تكون شبه المرآة لصفائها ونظافتها. انظر شرح النووي لمسلم 18/69.
([598]) القِحف: مقعر قشرها.
([599]) الرِّسل: اللبن.
([600]) اللقحة: بكسر اللام، وفتحها، والكسر أشهر هي الناقة الحلوب.
([601]) الفخذ: الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة.
([602]) رواه مسلم (2937).
([603]) انظر أشراط الساعة 361ـ363.
([604]) رواه مسلم (2940).
([605]) مسند الإمام أحمد 2/406،بهامشه منتخب الكنز، قال بن حجر: =صحيح+، 6/ 493، وسنن أبي داوود 11/456 مع عون المعبود.
([606]) انظر النهاية _الفتن والملاحم لابن كثير 1/146.
([607]) انظر التذكرة ص 782_783 .
([608]) منحة المعبود2/219 وروى الحاكم طرفاً منه 4/490، وقال: =هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي+.
([609]) الغتم: العجم.
([610]) انظر مسند الإمام أحمد 5/271 بهامشه منتخب الكنز.
([611]) مضى تخريجه .
([612]) انظر الشيخ عبدالرحمن السعدي وجهوده في العقيدة ص253ـ254.
([613]) عارضة الأحوذي لابن العربي 9/34.
([614]) النغف:جمع نغفة،وهي الدود الذي يكون في أنوف الإبل والغنم .
([615]) فرسى: أي هلكى،وهو جمع فريس يعني مفروس مثل قتيل وقتلى وصريع وصرعى، وأصله من فرس الذئب الشاة، وأفرسها أي قتلها؛ كأن تلك النغف فرستهم.
([616]) زهمهم: الزهم النتن.
([617]) البخت: إبل غلاظ الأعناق، عظام الأجسام. انظر التذكرة ص772 ـ773.
([618]) جبل الخمر: الخمر:الشجر الملتف الذي يستر من فيه. انظر شرح النووي لمسلم 18/71.
([619]) النشاب: يطلق على النبل والسهام وواحدته: نشابة .
([620]) رواه مسلم (2937).
([621]) انظر أشراط الساعة ص383 ـ389.
([622]) انظر تفسير الطبري 52/111ـ113، تفسير القرطبي16/131، وتفسير ابن كثير4/140 ـ143.
([623]) انظر تفسير الطبري 52/113، وتفسير ابن كثير 4/140 ـ143.
([624]) رواه مسلم(2947).
([625]) مضى تخريجه.
([626]) انظر تفسير الطبري 96 ـ102، والتذكرة للقرطبي ص792 ـ793، وتفسير ابن كثير 2/184_186.
([627]) البخاري (4635 و4636 و6506 و7121) ومسلم (157).
([628]) مسلم (2947).
([629]) التذكرة للقرطبي ص794.
([630]) التذكرة ص 785.
([631]) مسلم (158).
([632]) الخرطوم: الأنف، وقيل: مقدم الأنف.
([633]) مسند الإمام أحمد 5/26 بهامش منتخب الكنز, وقال الهيثمي في المجمع 8/6: =ورجاله رجال الصحيح غير عمر بن عبد الرحمن بن عطية وهو ثقة+ وقال الألباني في الصحيحة(322): =صحيح+.
([634]) انظر أشراط الساعة ص 413_415.
([635]) انظر أشراط الساعة ص 415_416.
([636]) سبق تخريجه .
([637]) انظر النهاية, الفتن والملاحم 1/230 ـ231، وأشراط الساعة ص 420.
([638]) انظر أشراط الساعة ص422.
([639]) انظر أشراط الساعة ص 426 ـ430.
[640]_ اللسان 1/389.
[641]_ معجم مفردات ألفاظ القرآن ص 184.
([642]) (2) الجواب الكافي لابن القيم ص 303.
[644]_ انظر إحياء علوم الدين 4/ 16 ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص 276_280 والجواب الكافي ص304_305.
[645]_ رواه مسلم (233).
[646]_ رواه البخاري (6656) .
[647]_ إحياء علوم الدين 4/17.
[648]_ الجواب الكافي ص306.
[649]_ الجواب الكافي ص 309.
[650]_ الجواب الكافي 312.
[651]_ وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية × في مجموع الفتاوى 11/650، وقال في 11/650: =إنه أمثل الأقوال في هذه المسألة+، وقال في 11/654: =وإنما قلنا: إن هذا الضابط أولى من سائر تلك الضوابط المذكورة لوجوه . . .+ ثم ذكر خمسة وجوه.
([652]) انظر كتاب الجواب الكافي لابن القيم ففيه تفصيل لتلك الأضرار، وانظر طريق الهجرتين ص 450_454.
([653]) معجم مقاييس اللغة لابن فارس 1/357، و لسان العرب لابن منظور 1/233 .
([654]) الغرغرة: هي حشرجة الروح في الصدر حال الاحتضار، وبداية سياق الموت .
([655]) انظر مدارج السالكين لابن القيم 1/199 و113، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني 11/106.
([656]) مدارج السالكين 1/199 .
([657])مدارج السالكين 1/313 .
([658]) إحياء علوم الدين 4/16.
([659]) انظر إحياء علوم الدين 4/16_22.
([660]) مدارج السالكين 1/344.
([661]) تفسير ابن كثير 4/61_62.
([662]) تفسير ابن كثير4/60.
([663]) تفسير ابن كثير4/60.
([664]) التوبة والاستغفار لابن تيمية تحقيق محمد الحجاجي وعبد الله بدران ص 27_28 وانظر الاستقامة لابن تيمية 2/190.
([665]) رواه مسلم (2759) .
([666]) انظر مدارج السالكين 1/306_312، ومفتاح دار السعادة لابن القيم 1/286_299.
([667]) تفسير أبي السعود 6/171.
([668]) مدارج السالكين1/310.
([669]) رواه البخاري (6308) ، ومسلم (2744) .
([670]) مدارج السالكين 1/306، وانظر كلامًا جميلا ًفي المدارج 1/226_230حول معنى فرح الله_عز وجل_بتوبة التائب..
([671]) لسان العرب، 14/258.
([672]) لسان العرب، 14/257.
([673]) شأن الدعاء للخطابي ص4.
([674]) بدائع الفوائد لابن القيم، 3/2.
([675]) انظر الدعاء للشيخ عبدالله الخضري، ص10.
([676]) تحفة الذاكرين للشوكاني ص28.
([677]) رواه الترمذي(2969)، وقال: =حسن صحيح+، وأبو داود(1479)، وابن ماجة(3828) الدعاء، وقال الألباني في صحيح الجامع(3407) =صحيح+.
([678]) رواه أحمد 2/362، والبخاري في الأدب المفرد(712)، وابن ماجة(3829)، والترمذي (3370) الدعوات، وصححه الحاكم في المستدرك1/490، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد(549).
([679]) رواه الترمذي(3571)، وضعفه، وانظر الضعيفة(492).
([680]) أخرجه أحمد 2/442، والترمذي(3373)، وابن ماجة(3827) الدعاء، وصححه الحاكم(1/491)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد(512).
([681]) رواه أحمد 3/18، والترمذي(3381)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(5678).
([682]) انظر تحفة الذاكرين ص33.
([683]) فتح الباري 11/95.
([684]) أخرجه أحمد5/277، وابن ماجة(90)، والترمذي(139) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(7687)، وانظر الصحيحة(154).
([685]) تحفة الذاكرين ص29.
([686]) تحفة الذاكرين ص30.
([687]) أخرجه الترمذي(3548) وقال: =غريب لا نعرفه إلا من حديث عبدالرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو ضعيف في الحديث، ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه+، وقال الألباني في صحيح الجامع(3409): =حسن+، وانظر: المشكاة(2234)
([688]) انظر تحفة الذاكرين ص28.
([689]) أخرجه الطبراني في الدعاء 2/800(33)، والأوسط (2519)، والحاكم 1/492، والبزار _كما في كشف الأستار للهيثمي_ 3/29(2165) وقال الألباني في صحيح الجامع (7739): =حسن+.
([690]) انظر مدارج السالكين لابن القيم، 2/229.
([691]) رواه أحمد 1/293، 307، والترمذي(2511)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957).
([692]) رواه البخاري (6340) الدعوات، ومسلم(2735).
([693])الجواب الكافي ص10.
([694]) أخرجه مسلم(2735).
([695]) أخرجه الترمذي(3479) والحاكم 1/294، والطبراني في الدعاء(62) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(245).
([696]) رواه مسلم (2877).
([697]) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675).
([698]) تحفة الذاكرين ص 12.
([699]) أخرجه الترمذي (3479)، والحاكم 1/494، والطبراني في الدعاء(62)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245).
[700] _ انظر ذلك مبسوطاً في كتاب الدعاء مفهومه _ أحكامه _ أخطاء تقع فيه لمحمد الحمد ص37_68.
[701] _ انظر لسان العرب 12/578_579 .
[702] _ انظر النظام السياسي في الإسلام _النظرية السياسية نظام الحكم_ د. عبدالعزيز الخياط ص21 .
[703] _ انظر لسان العرب 6/108 .
[704] _ البخاري (3455).
[705] _ النهاية في غريب الحديث 2/421 .
[706] _ انظر النظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص21 .
[707] _ انظر النظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص22، والنظام السياسي في الإسلام د.سعود آل سعود وآخرون ص10 .
[708] _ رواه البخاري (660) .
[709] _ رواه البخاري (7150) .
[710] _ زاد المسير 4/482 .
[711] _ رواه البخاري (323)، ومسلم (810) .
[712] _ انظر تفصيل هذه الخصائص في كتاب النظام السياسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص18_24، والنظام السياسي في الإسلام النظرة السياسية نظام الحكم د. عبدالعزيز الخياط ص83_111 .
[713] _ انظر النظام السياسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص27_28 .
[714] _ معجم مقاييس اللغة 5/99 .
[715] _ انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص441_442، والمفردات لغريب القرآن للراغب الأصفهاني ص423، ولسان العرب 15/186، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص1708، وياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب ص253 و 306 و576 .
[716] _ انظر شرح منتهى الإرادات للبهوتي 6/462، ومزيل الداء عن أصول القضاء للشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد ص11 .
[717] _ انظر مقدمة ابن خلدون 2/567 .
[718] _ أخرجه أبو داود (3573) والترمذي (1322)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3051): =صحيح+.
[719] _ أخرجه الترمذي (1330)، وقال الألباني في صحيح الجامع (1827): =حسن+.
[720] _ المبسوط للسرخسي 16/ 16 .
[721] _ انظر النظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز خياط ص 248_249، والنظام السياسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص 107_108 .
[722] _ انظر مزيل الداء عن أصول القضاء للشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد ص23_26، والنظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص256، والنظام السياسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص111 .
[723] _ انظر مزيل الداء عن أصول القضاء للشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد ص29_30، والنظام السياسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص109_111، والنظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص251_256 .
[724] _ انظر مزيل الداء عن أصول القضاء ص33_46، والنظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص252_253 .
[725] _ انظر مزيل الداء عن أصول القضاء ص21 .
[726] _ انظر النظام الأساسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص267 .
[727] _ معجم مقاييس اللغة 3/226 .
[728] _ معجم مقاييس اللغة 3/227 .
[729] _ انظر النظام السياسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص134 .
[730] _ انظر النظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص89، والنظام السياسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص134، والشورى في الإسلام بين النظرية والتطبيق د. عبدالله الموجان ص16_17 .
[731] _ انظر نظام الشورى في الإسلام ونظم الديموقراطية د. زكريا الخطيب ص18، والشورى في الإسلام ص17 .
[732] _ انظر النظام الأساسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص134_135، والنظام السياسي في الإسلام د. عبدالعزيز الخياط ص89 .
[733] _ تيسير الكريم الرحمن ص760 .
[734] _ انظر الشورى وأثرها في الديموقراطية د. عبدالحميد الأنصاري ص52_53 .
[735] _ انظر تفسير البغوي 1/365 .
[736] _ انظر الشورى للخالدي ص158 .
[737] _ انظر النظام السياسي في الإسلام ص85_89، وفقه الشورى دراسة تأصيلية نقدية ص56_61 .
[738] _ انظر النظام السياسي في الإسلام ص135_138
[739] _ انظر الشورى فريضة إسلامية د. علي الصَّلابي ص17 .
[740]_ انظر الشورى فريضة إسلامية ص 17_18 .
[741]_ انظر النظام الأساسي في الإسلام د. سعود آل سعود وآخرون ص148 .
[742] _ انظر النظام السياسي د. عبدالعزيز الخياط ص92_94.
[743] _ مسلم (1763).
[744]_ انظر الحرية في الإسلام للشيخ محمد الخضر حسين ص21، ومحمد رسول الله وخاتم النبيين ص118_123، ومحمد " المثل الكامل لمحمد أحمد جاد المولى ص18_20.
[745]_ منهاج السنة النبوية لابن تيمية 8/58.
[746] _ صحيح البخاري كتاب الاعتصام 96 باب قوله تعالى: [وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ] ص1404.
[747] _ رواه ابن هشام 2/366 عن ابن إسحاق قال: =فحدثت عن الرجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب...+.
وقال الألباني في تخريج فقه السيرة للغزالي ص240: =وهذا سند ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة، وقد وصله الحاكم 3/26_27+.
[748] _ انظر لسان العرب 3/353_355 .
[749] _ انظر لسان العرب 3/354، والنظام الاقتصادي في الإسلام د. عبدالعزيز المرزوقي وآخرون ص12 .
[750] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص13 .
[751] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص13_14 .
[752] _ انظر روضة الناظر لابن قدامة 1/411، وتيسير الوصول إلى علم الأصول د. عبدالرحيم يعقوب ص200 .
[753] _ انظر روضة الناظر 2/227.
[754] _ انظر شرح الكوكب المنير لابن النجار 4/434، وتيسير الوصول ص221 .
[755] _ انظر تيسير الوصول ص212 .
[756] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص18_23، والنظام المالي والاقتصادي في الإسلام د. محمود الخطيب ص30_31 .
[757] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص28_29 .
[758] _ كتاب الأموال لأبي عبيد ص 502 .
[759] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص 74_75 .
[760] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص76 .
[761] _ انظر اقتصاديات الغنى في الإسلام د. عمر المرزوقي ص60، والنظام الاقتصادي في الإسلام ص76_77 .
[762] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص 77_88 .
[763] _ انظر النظام المالي والاقتصادي في الإسلام ص58 .
[764] _ أخرجه مسلم (1736) و (1739).
[765] _ انظر النظام المالي والاقتصادي في الإسلام ص46_48، والنظام الاقتصادي في الإسلام ص81_82 .
[766] _ انظر النظام المالي والاقتصادي في الإسلام ص51 .
[767] _ رواه البخاري (467) ومسلم (2585) .
[768] _ رواه البخاري (13) ومسلم (45).
[769] _ انظر لسان العرب 14/304 .
[770] _ انظر الإقناع للحجاوي 2/245 .
[771] _ أخرجه مسلم (2971) .
[772] _ انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص 106_107 .
[773] _ أخرجه مسلم (2971) .
[774] _ أخرجه البخاري (2615) و مسلم (2995) .
[775] _ انظر المغني لابن قدامة 6/52 .
([776]) انظر الربا وأثره على المجتمع الإنساني د.عمر الأشقر ص101_133.
[777] _ انظر النظام المالي الاقتصادي في الإسلام ص103 .
[778] _ انظر النظام المالي الاقتصادي في الإسلام ص103_104 .
[779] _ أخرجه مسلم (1605) .
[780] _ نيل الأوطار للشوكاني 5/221 .
[781] _ انظر فقه السنة لسيد سابق 3/267، والنظام المالي والاقتصادي في الإسلام ص105 .
[782] _ انظر لسان العرب 8/53.
[783] _ انظر الإسلام وبناء المجتمع د. حسن أبو غدة وآخرون ص13.
[784] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام للعلامة الشيخ محمد بن عاشور ص39.
[785] _ انظر الإسلام وبناء المجتمع ص13.
[786] _ انظر الإسلام وبناء المجتمع ص13_14.
[787] _ انظر الإسلام وبناء المجتمع ص13.
[788] _ انظر الكليات للكفوي ص176_181.
[789] _ انظر الإسلام وبناء المجتمع ص14 .
[790] _ انظر الدعوة إلى الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسين ص 9 و48 و88_89 و192_193 .
[791] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام للعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ص11_12 .
[792] _ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص97 .
(1) لسان العرب لابن منظور 4/153.
(2) المرجع السابق 4/135.
(3) انظر لسان العرب 4/153_54، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني 10/455_461 .
(4) انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي 1/437، وفتح الباري لابن حجر 10/455، 461.
(1) انظر: تفسير البغوي معالم التنزيل 2/310، 211، وزاد المسير لابن الجوزي 2/78_81 وجامع العلوم والحكم 1/437، 438 وفتح القدير للشوكاني 4/464_465.
(2) البخاري (6014)، ومسلم (2624).
(1) انظر الهداية الإسلامية للشيخ محمد الخضر حسين ص 78.
(2) البخاري (6016).
(3) مسلم (46).
(4) البخاري (6018)، ومسلم (47).
(1) البخاري (6018)، ومسلم (47).
(2) مسلم (47)، (76).
(3) الآداب الشرعية 2/16.
(1) لسان العرب لابن منظور 11/726.
(2) لسان العرب 11/727.
(3)(4) لسان العرب 11/728 ،وانظر: التكافل الاجتماعي في الشريعة الإسلامية د. محمد بن أحمد الصالح ص107.
(1) انظر قطيعة الرحم لمحمد الحمد ص16 .
(2) البخاري (6138).
(3) البخاري (5986), ومسلم (2557).
(1) انظر بهجة قلوب الأبرار للشيخ ابن سعدي, ص74_75، ومجموع الفتاوى, 8/540، وتفصيل الأقوال السابقة في شرح النووي لصحيح مسلم 16/4, وفتح الباري لابن حجر 10/430، وإفادة الخبر بنصه في زيادة العمر ونقصه للسيوطي، وتنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصه من الدلائل للشوكاني ص32، وانظر: تفسير الشيخ ابن سعدي لقوله _تعالى_: [يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ](الرعد: 39), والأدب النبوي لمحمد الخولي ص115
(2) البخاري (5987), ومسلم (2554).
(3) البخاري (1396), ومسلم (13).
[815] _ انظر تفسير القاسمي محاسن التأويل 10/250_251، وتفسير السعدي ص463 .
[816] _ تفسير التحرير والتنوير 15/164 .
[817] _ تفسير التحرير والتنوير 15/165 .
[818] _ تفسير التحرير والتنوير 15/165_166.
[819] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 14/254،وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص174 .
[820] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص174 .
[821] _ مرَّ الحديث عن القضاء بشيء من البسط عند الكلام على النظام السياسي في الإسلام .
[822] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص174_179 .
[823] _ رواه أحمد (23536) .
[824] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 16/260_263 .
[825] _ أخرجه البخاري (3203)، ومسلم (2526).
[826] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص138 .
[827] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص138 .
[828] _ البخاري (4469) ومسلم (2426).
[829] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص139 .
[830] _ البخاري (6788) ومسلم (2648).
[831]_ انظر إحياء علوم الدين 3/55_56، وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص116_119، والدعوة إلى الإصلاح ص192_193 .
[832] _ أخرجه مسلم (746) .
[833] _ انظر جامع العلوم والحكم 2/99 .
[834] _ رواه أحمد (8939)، وقال الألباني في صحيح الجامع (2349): =صحيح+.
[835] _ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص121_123 .
[836] _ انظر تعريف عام بدين الإسلام المسمى: رسائل السلام ورسل الإسلام للشيخ يوسف الدجوي ص71_74 .
[837] _ انظر تعريف عام بدين الإسلام ص74_75، والطريق إلى الإسلام ص 41_43 .
[838] _ انظر تعريف عام بدين الإسلام ص 75_79، والطريق إلى الإسلام ص 43_45 .
[839] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 16/460.
[840] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 1/352.
[841] _ البخاري (1400) ومسلم (1053).
[842] _ انظر أدب الدنيا والدين للماوردي ص 1/360.
[843] _ التعريفات للجرجاني ص151 .
[844] _ انظر الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم ص32 .
[845] _ انظر مدارج السالكين لابن القيم 2/294 .
[846] _ انظر رسائل الإصلاح 1/124_126 .
[847] _ انظر الهداية الإسلامية ص84_92 .
[848] _ انظر مدارج السالكين 3/394 .
[849] _ أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609) .
[850] _ انظر رسائل الإصلاح 1/77_78 .
[851] _ التعريفات ص253.
[852] _ البخاري (3817) ومسلم (2435) .
[853] _ البخاري (3818) ومسلم (2435) .
[854] _ البخاري (3821) ومسلم (2437) .
[855] _ أخرجه البخاري (13) ومسلم (45) .
[856] _ تفسير السعدي ص85 .
[857] _ أخرجه البخاري (5534 و2101 و237) ومسلم (1876) .
[858] _ انظر تفسير السعدي ص769 .
[859] _ أخرجه البخاري (660 و1423) ومسلم (1031) .
[860] _ انظر تفسير السعدي ص8576 .
[861] _ أخرجه احمد 2/160، والبخاري في الأدب المفرد (105)، وأبو داود (5112)، والترمذي (943) وقال: =حسن غريب+.
[862] _ انظر صحيح البخاري (1366).
[863] _ البخاري (1356).
[864] _ كنز العمال، للهندي (14304) وهو في جامع الأحاديث للسيوطي _بسند عمر بن الخطاب_ 28/211 .
[865] _ أخرجه أبو داود في سننه (3052) بلفظ: =ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ _ فأنا حجيجه يوم القيامة+.
[866] _ انظر كنز العمال (14304) وسنن أبي داود (3052).
[867] _ أخرجه الطبراني في الكبير (135).
[868] _ أخرجه مسلم (1412).
[869] _ انظر رسائل الإصلاح، للشيخ محمد الخضر حسين، ص120_122، ومحمد رسول الله وخاتم النبيين ص103.
[870] _ الفروق للقرافي 3/14، وانظر أهل الذمة والولايات العامة في الفقه الإسلامي، لنمر محمد الخليل نمر ص127_161، وأهل الذمة في الحضارة الإسلامية، لحسن المِمّي ص101_105، وحقوق غير المسلمين في الدولة الإسلامية د.علي بن عبدالرحمن الطيار.
[871] _ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص103.
[872] _ انظر أحكام القرآن لابن العربي 1/253، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 29، 32، وزاد المعاد لابن القيم 2/302، وبدائع الفوائد 3/151_152، وبدائع الصنائع 4/23، وأضواء البيان للشنقيطي 3/415_423، وأحكام الزواج للأشقر ص 43، و 49 .
[873] _ انظر نيل الأوطار للشوكاني 6/418 .
[874] _ انظر المغني لابن قدامة 11/347، والمبسوط للسرخسي 5/180، وبداية المجتهد لابن رشد 2/53، وحاشية ابن عابدين 3/572 .
[875] _ انظر مجموع الفتاوى 32، 74، 281، ونداء للجنس اللطيف لمحمد رشيد رضا ص 44_50، والطلاق والعدَّة بين التشريع والواقع لمحمود بزال ص 26_27 .
([876]) أخرجه البخاري (5626) ومسلم (2548).
([877]) أخرجه مسلم (1218) .
([878]) أخرجه مسلم (995).
([879]) أخرجه مسلم (997).
([880]) أخرجه البخاري (3153) ومسلم (1468).
([881]) أخرجه أحمد (7923) والترمذي (1141) وأبو داوود (2135) وقال الألباني في صحيح أبي داود (1851): =إسناده صحيح على شرط الشيخين+.
([882]) أخرجه البخاري (4843) ومسلم (1419).
([883]) أخرجه البخاري (1352) ومسلم (2629).
([884]) أخرجه أحمد (11402) وقال عنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (97): =حسن+.
([885]) انظر ماذا يريدون من المرأة لعبدالسلام بسيوني ص 63_66، و120، ومن أجل تحرير حقيقي للمرأة لمحمد رشيد العويد ص14، و 16_21، و 48_49، والمجتمع العاري بالوثائق والأرقام ص 56_57 .
([886]) انظر حصوننا مهددة من داخلها ص 89_90، ووحي القلم للرافعي 1/204، ورسائل الإصلاح 2/223 .
([887]) انظر تلبيس مردود في قضايا حية د. صالح بن حميد ص65_68، وحصوننا مهددة من داخلها ص 89_90.
([888]) انظر رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسين 1/173_174، وإصلاح المجتمع للبيحاني ص283، وتأخر سن الزواج د. عبدالرب نواب الدين ص 19_34 .
([889]) رواه البخاري (5066) ومسلم (1400).
([890]) انظر أحكام الزواج د. عمر الأشقر ص28.
([891]) انظر حاشية ابن عابدين 3/7، وبدائع الصنائع 2/228، وكفاية الأخيار للحسيني 5/67 وروضة الطالبين 7/18، وصحيح مسلم بشرح النووي 9/522_523، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي للزركشي تحقيق الشيخ عبدالله بن جبرين 5/5_8 ومغني المحتاج 3/125، ومختصر المزني 3/255، والكافي في فقه أهل المدينة لابن عبدالبر 2/519، وجواهر الإكليل للآبي 1/474، وأحكام الزواج ص32.
([892]) رواه البخاري (5066) ومسلم (1400).
([893]) رواه مسلم (1006).
([894]) انظر حاشية ابن عابدين ص33، وأحكام الزواج ص17_19.
([895]) أخرجه أحمد 2/251 و 427 والترمذي (1655) والنسائي 6/61 وابن ماجه (2518) عن أبي هريرة وقال الترمذي: =حديث حسن+.
([896]) البخاري (5138) ومسلم (1419).
([897]) البخاري (5136).
([898]) رواه مسلم (1412).
([899]) البخاري (5142)، ومسلم (1414).
([900]) انظر أحكام الزواج ص43_46.
([901]) انظر الشرح الكبير لابن قدامة 7/370 .
([902]) انظر أحكام الزواج ص80 .
([903]) انظر روضة الطالبين للنووي 7/249 .
([904]) انظر زاد المعاد لابن القيم 5/511_522، وفتح الباري 9/418_421، ونيل الأوطار للشوكاني 6/762_766، والمسؤلية في الإسلام ص126.
([905]) تفسير ابن كثير 1/238.
([906]) مسلم (1437).
([907]) أخرجه أحمد 4/341 و 6/419، وابن أبي شيبة 4/304، والحميدي (355)، والنسائي في الكبرى (8962)، والبيهقي 7/291، والطبراني في الكبير 25/183، والحاكم 2/189، وقال: صحيح، وأقره الذهبي، وجود إسناده المنذري في الترغيب 3/53.
([908]) أخرجه البخاري (6039).
([909]) أخرجه أحمد 6/256، والبخاري في الأدب المفرد (541)، وابن حبان (5646)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (420).
([910]) انظر تفصيل ذلك في كتاب: من أخطاء الأزواج لمحمد الحمد ص 40_41.
([911]) تفسير القرآن العظيم 3/63.
([912]) انظر البخاري (4483) ومسلم (86).
([913]) أخرجه أبو داود (2052).
([914]) أخرجه مسلم (2631).
([915]) أخرجه ابن ماجة (3669)، وصححه الألباني في الصحيحة (294).
([916]) أخرجه مسلم (994).
([917]) أخرجه مسلم (995).
([918]) أخرجه البخاري (2278) ومسلم (1829).
([919]) أخرجه البخاري (4998).
([920]) أخرجه مسلم (1731).
([921]) أخرجه البخاري (2447) ومسلم (1623).
([922]) انظر تفاصيل ذلك في كتاب تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم، والمسؤولية في الإسلام د. عبدالله قاوري ص97_119 و147_153، وتربية الأولاد في الإسلام للشيخ عبدالله علوان، وكتاب مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة د. عدنان باحارث، وحقوق الإنسان في اليهودية والمسيحية، والإسلام مقارنة بالقانون الدولي د. خالد الشنيبر ص 467_472 .
([923]) لسان العرب 4/53.
([924]) رواه البخاري (527)، ومسلم (85).
([925]) رواه البخاري (6675).
(1) انظر في ذلك: أدب المسلم في العادات والعبادات والمعاملات، لمحمد سعيد مبيض، ص158_160، وقرة العينين في فضائل بر الوالدين، لنظام يعقوبي، ص46_52، وتربية الأولاد في الإسلام، لعبد الله علوان، 1/285_286، والإعلام في ما ورد في بر الوالدين وصلة الأرحام، للحازمي، ص 26، وبر الوالدين، لعاشور، ص 16_20، والتكافل الاجتماعي، د. محمد الصالح، ص 98_105، ووصية لقمان لابنه، علي محمد جماز، ص 23_33.
([927]) انظر: نظرات في الأسرة المسلمة د: محمد الصباغ ص154، وأخلاقنا الاجتماعية د. مصطفى السباعي ص155 .
([928]) تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم، ص 146_ 147
([929]) البخاري مع الفتح (853) ، ومسلم (1829) .
([930]) رواه البخاري 13/112 ومسلم (142) .
([931]) انظر تحفة المولود ص92 .
([932]) القاموس المحيط للفيروز بادي ص1336.
([933]) انظر مباحث في العقل أ.د. محمد نعيم ياسين ص130، وهناك أقوال كثيرة في بيان ماهية العقل يطول ذكرها، وفي كتاب ياسين المذكور بيان مفصَّل لذلك، وقد توصَّل في النهاية إلى القول بالتعريف السابق.
([934]) المرجع السابق.
([935]) انظر لسان العرب 8/27، والقاموس المحيط ص1336.
([936]_3) انظر مباحث في العقل ص 223_224.
([938]) انظر العقل والنقل عند ابن رشد، د. محمد أمان 12ـ15 .
([939]) انظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 1/22_23 و 78_81 .
([940]) أخرجه ابن ماجة (224) .
([941]) انظر تفسير التحرير والتنوير 30/433_434.
[942]_ انظر تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ص27 .
[943]_ انظر الدين الصحيح يحل جميع المشاكل للشيخ ابن سعدي ص20، والدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة داخلة في الدين الإسلامي للشيخ ابن سعدي ص6، وانظر ومضات فكر للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ص134.
[944] _ انظر الأدلة والقواطع والبراهين للشيخ عبد الرحمن بن سعدي ص350.
[945] _ انظر مجموعة فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين 3/77.
[946] _ انظر التوراة والإنجيل والقرآن والعلم لموريس بوكاي ترجمة الشيخ حسن خالد.
[947] _ أخرجه مسلم (279).
[948] _ انظر تيسير العلام شرح عمدة الأحكام للشيخ عبدالله البسام 1/34، وتعريف عام بدين الإسلام المسمى رسائل السلام ورسل الإسلام للشيخ يوسف الدجوي ص 38_39 .
[949] _ انظر توضيح الأحكام 1/137 .
[950] _ انظر تعريف عام بدين الإسلام ص41_46 .
[951]_ انظر: العمل عند المسلمين رؤية حضارية د إبراهيم المزيني ص11_12
[952]_ انظر العمل عن المسلمين رؤية حضارية ص 25
[953]_ انظر العمل عن المسلمين رؤية حضارية ص 28_31
[954]_ انظر العمل عن المسلمين رؤية حضارية ص 32
[955]_ أرواح: جمع ريح بسبب تَعَرُّقهم.
[956]_ أخرجه البخاري (1965) ومسلم (847).
[957] _ أخرجه ابن ماجة (2138).
[958] _ أخرجه أحمد في المسند (8691).
[959] _ انظر العمل عن المسلمين رؤية حضارية ص 34
[960]_ قراريط: جمع قيراط, وهو الجزء من الدينار.
[961]_ أخرجه البخاري (2143).
[962] _ انظر العمل عن المسلمين رؤية حضارية ص 38
[963] _ انظر العمل عن المسلمين رؤية حضارية ص 38
[964] ـ انظر حياة الأمة للشيخ محمد الخضر حسين30، ورسائل الإصلاح 1/126.
[965] ـ رواه البخاري 3/79، ومسلم(1042).
[966] ـ رواه البخاري 8/112، ومسلم(1045).
[967] ـ رواه البخاري 3/265، ومسلم(1053).
[968] ـ رواه مسلم(1041).
[969]ـ رواه مسلم (1044).
[970]ـ مسلم (1043).
[971]_ انظر العمل عند المسلمين ص 81 .
[972]_ انظر العمل في الإسلام لعز الدين الخطيب ص 62_63, والعمل عند المسلمين ص 85_86 .
[973]_ انظر العمل عند المسلمين ص 87_93
[974]_ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4929) والطبراني في الأوسط (897) وأبو يعلى في مسنده (4386) .
[975]_ انظر العمل عند المسلمين ص 94_95 .
[976]_ أخرجه أبو داود (2943) .
[977]_ مر الحديث عن تحريم الكسب غير المشروع عند الحديث عن الاقتصاد في الإسلام.
[978]_ تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ص121
[979]_ أخرجه أحمد 4/132, والحاكم 4/ 121 , وصححه الألباني في الصحيحة (2265) وصحيح الجامع(5674)
[980]_ انظر تعريف عام بدين الإسلام المسمى برسائل الإسلام ورسل السلام ص 38_39 .
[981]_ انظر تعريف عام بدين الإسلام ص 45, والطريق إلى الإسلام ص 35_36
[982]_ انظر أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها د. محمد المختار الشنقيطي ص 85_86
[983]_ أخرجه البخاري (5373)
[984] _ أخرجه البخاري(5372)
[985]_ انظر أحكام الجراحة الطبية ص 88
[986]_ انظر الجراحة الصغرى د. رضوان بابولي , ود. أنطوان دولي ص 24
[987]_ رواه مسلم(2207)
[988]_ انظر أحكام الجراحة الطبيةص88
[989]_ انظر كتب الطب في الصحاح, والسنن, وغيرهما؛ ففيها أحاديث كثيرة من هذا القبيل.
[990]_ أخرجه البخاري (5354) .
[991]_ بهجة قلوب الأبرار في شرح جوامع الأخبار للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 213_214
[992]_ انظر بهجة قلوب الأبرار ص 214
[993]_ انظر أحكام الجراحة الطبية ص 50
[994]_ أحكام الجراحة الطبية ص 50_51 .
[995]_ انظر أحكام الجراحة الطبية ص 51_52
[996]_ عبدالملك بن زهر ولد ما بين عامي 484 و 487 وتوفي عام 557، ويعد أول طبيب جراح قام بوصف جراحة الجهاز التنفسي، وذلك في كتابه الفريد في الطب =التيسير في المداواة والتدبير+. انظر أحكام الجراحة الطبية ص 53 .
[997]_ الرازي هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي ولد في الري سنة 254 وتوفي في بغداد سنة311، وهو أول من تكلم عن الفوارق التي يميز بها بين نوعي النزيف: النزيف الشرياني والوريدي، كما تكلم على جراحة الكسور والجبائر؛ فجاء بآراء في غاية الصحة، كما نبه على الطرق التي يمكن بواسطتها إيقاف النزيف الشرياني، والسيطرة عليه. انظر أحكام الجراحة الطبية ص 53 .
[998]_ انظر أحكام الجراحة الطبية ص 54_65
[999]_ أحكام الجراحة الطبية ص 65
[1000]_ انظر جذوة المقتبس للحميدي ص 208_209 وأحكام الجراحة الطبية ص55
[1001] _ أخرجه الترمذي (3558) وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (3558): =حسن صحيح+.
[1002]_ أخرجه أبو داود (5090) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود (5090): =حسن الإسناد+.
[1003]_ أخرجه مسلم (2664)
[1004]_ روائع الطب الإسلامي د. محمد نزار الدقر 1/2 .
[1005]_ أخرجه ابن ماجة (1968) قال عنه الألباني في الصحيحة (1067): =صحيح+ .
[1006]_ انظر روائع الطب الإسلامي د. محمد نزار الدقر 1/3 .
[1007]_ انظر روائع الطب الإسلامي د. محمد نزار الدقر 1/3 .
[1008]_ البخاري (5398) ومسلم(2218) وهذا لفظ مسلم.
[1009]_ روائع الطب الإسلامي 1/3
[1010]_ روائع الطب الإسلامي 1/4
[1011]_ روائع الطب الإسلامي 1/4
[1012] _ أخرجه مسلم (1926).
[1013]_ أخرجه أبو داود (5041).
[1014] _ أخرجه البخاري (5935) ومسلم (2015).
[1015]_ رواه مسلم (216).
[1016]_ انظر صحيح مسلم بشرح النووي 3/149,انظر بهجه قلوب الأبرار في شرح جوامع الأخبار للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 81_81
[1017]_ انظر بهجه قلوب الأبرار في شرح جوامع الأخبار ص 82
[1018] _ روائع الطب الإسلامي ص 1/73_74
[1019] _ بهجة قلوب الأبرار ص 82
[1020] _ روائع الطب الإسلامي 1/74
[1021]_ انظر لسان العرب 10/446, وصحيح مسلم بشرح النووي 3/142
[1022]_ انظر بهجة قلوب الأبرار ص81، وروائع الطب الإسلامي 2/4
[1023]_ أخرجه الشافعي في الأم 1/23, وأحمد 6/47 و62 و124
[1024]_ انظر بهجة قلوب الأبرار ص 81
[1025]_ أسباب الشفاء من الأسقام والأهواء لأبي إسحاق العراقي ص40
[1026]_ انظر صحيح مسلم (257).
[1027]_ صحيح مسلم بشرح النووي 3/150
[1028] _ صحيح مسلم بشرح النووي 3/149
[1029] _ انظر صحيح مسلم بشرح النووي 3/148
[1030] _ أخرجه مسلم (258)
[1031] _ صحيح مسلم بشرح النووي 3/148_149
[1032] _ روائع الطب الإسلامي 1/72 .
[1033]_ روائع الطب الإسلامي 1/72
[1034] _ انظر بهجة الأبرار ص 82 .
[1035] _ زاد المسير لابن الجوزي 3/501 .
[1036] _ أخرجه الدار قطني (7) وصححه الألباني كما في إرواء الغليل برقم (280).
[1037] _ انظر أسباب الشفاء من الأسقام والأهواء ص 35
[1038] _ أسباب الشفاء من الأسقام والأهواء ص 36
[1039] _ أسباب الشفاء من الأسقام والاهواء ص 36
[1040] _ أسباب الشفاء من الأسقام والأهواء ص 40
[1041]_ انظر فقه السنه السيد سابق 1/38
[1042]_ أخرجه البخاري (6554) ومسلم(225).
[1043]_ انظر أسباب الشفاء ص 39
[1044]_ انظر أسباب الشفاء ص 41
[1045]_ انظر صحيح مسلم بشرح النووي 1/105
[1046]_ انظر أسباب الشفاء ص 41
[1047]_ انظر أسباب الشفاء ص 41
[1048]_ انظر صحيح مسلم بشرح النووي 1/219_236, وفقه السنة لسيد سابق 1/59_66 .
[1049]_ أخرجه البخاري (9) ومسلم(35)
[1050]_ أخرجه مسلم (281)
[1051]_ أخرجه البخاري (239) ومسلم(282)
[1052] _ انظر توضيح الأحكام 1/129
[1053]_ أخرجه مسلم (283)
([1054]) انظر تفسير ابن كثير 1/565، وتفسير البغوي 1/240 .
([1055]) فتح القدير للشوكاني 1/501 .
([1056]) أخرجه مسلم (54).
([1057]) رياض الصالحين للنووي ص 260 .
([1058]) أخرجه أبو داود (5195) والترمذي (2689) وقال: =حديث حسن+.
([1059]) انظر رياض الصالحين للنووي ص 256_264 .
([1060]) أخرجه البخاري (10) ومسلم (40) .
[1061]_ انظر الطريق إلى الاسلام ص33_34
[1062]_ انظر الطريق إلى الإسلام ص 34_35
[1063] _ أخرجه البخاري(2995)
[1064] _ أخرجه عبدالرزاق في المصنف (9679) وأحمد في المسند (1910)
[1065]_ انظر صحيح البخاري (6769) ومسلم (1669)
[1066]_ انظر تلبيس مردود ص 22_27 والطريق إلى الاسلام ص 28_40
[1067]_ انظر خطوات في فقه التعايش والتجديد د.هاني فقيه ص19
[1068]_ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص213.
[1069]_ أخرجه البخاري (1970) بلفظ: =رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، إذا اشترى، إذا اقتضى+.
[1070]_ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 213 .
[1071]_ أخرجه الإمام أحمد (22345) والطبراني في الكبير (7803) وصححه الألباني في الصحيحة (2924).
[1072]_ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 213 .
[1073]_ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 214 .
[1074]_ انظر تنزيه الدين وحملته ورجاله للسعدي ص 474
[1075]_ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص215_216 .
[1076]_ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 216_217
[1077]_ انظر تلبيس مردود في قضايا حية ص 31_32
[1078]_ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 219
[1079]_ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 219
[1080]_ انظر لسان العرب 13/535, وفتح الباري لابن حجر 12/311
[1081]_ انظر مجموعة الفتاوى المصرية لا بن تيمية1/56 .
[1082]_ نظر حقوق الإنسان بين اليهود والمسيحية والإسلام ص300
[1083]_ انظر نشأة وتطور حقوق الإنسان بول جوردن ص24
[1084]_ انظر حقوق الإنسان ص 301
[1085]_ انظر تلبيس مردود ص28
[1086]_ الاستقامة لابن تيمية 2/219_220
[1087]_ انظر تلبيس مردود ص 29
[1088]_انظر تلبيس مردود ص 32
[1089]_ تفسير ابن كثير 1/682, وهناك تفسيرات أخرى للآية غير أن هذا التفسير هو الأشهر.
[1090]_ انظر حقوق الإنسان ص 202_205
[1091]_ دائرة المعارف الكتابية إعداد جماعة من اللاهوتيين مادة اسكندر /6 , وانظر حقوق الإنسان ص313 .
[1092]_ تاريخ الكنيسة الشرقية ميشيل يتيم، أغناطيوس ديك ص 168, وانظر حقوق الإنسان ص 314
[1093]_ العقيدة والشريعة في الإسلام جولدزيهر ص46، وانظر حقوق الإنسان ص 315
[1094]_ شمس العرب تسطع على الغرب زيغريد هونكه ص 357
[1095]_ الدعوة إلى الإسلام لتوماس أرنولد ص 98_99
[1096]_ الدعوة إلى الإسلام لتوماس أرنولد ص 99
[1097]_ انظر حقوق الإنسان 312_317
[1098]_ لسان العرب 9/257
[1099] _ بدائع الفوائد لابن القيم 3/132_ 133.
[1100] _ رواه مسلم (2593).
[1101]_ رواه مسلم (2594).
[1102]_ رواه البخاري (6124) ومسلم (1733).
[1103]_ البخاري (2183 و 2260 و 2271 و 2465 و 2467) ومسلم (1601).
[1104]_ البخاري (5678 و 5683 و 5901 و 6038) ومسلم (2165).
[1105]_ أخرجه البخاري (6404).
[1106] _ انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص72، وموسوعة نضرة النعيم 6/2287_2299.
[1107] _ البخاري (6788) ومسلم (2648).
[1108] _ من (6109) إلى (6113).
[1109]_ انظر: من صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين ص86، وانظر: من صفات الداعية الرفق واللين د. فضل إلهي ص39_45.
[1110] _ البخاري (462 و 469 و 2422 و 4372) ومسلم (1764).
[1111]_ صحيح مسلم بشرح النووي 12/89.
[1112] _ مسلم (315).
[1113] _ انظر تاريخ الجدل للشيخ محمد أبو زهره ص49، والحوار للمغامسي ص141.
[1114] _ انظر وجوب التعاون بين المسلمين للشيخ عبدالرحمن السعدي ص7 .
[1115] _ انظر وجوب التعاون بين المسلمين ص 7_8 .
[1116] _ انظر وجوب التعاون بين المسلمين ص8_30 .
[1117] _ انظر تلبيس مردود في قضايا حية ص95_98 .
[1118] _ انظر تلبيس مردود في قضايا حية ص98_99 .
[1119] _ أخرجه البخاري (123) ومسلم (1904) .
[1120] _ انظر تلبيس مردود في قضايا حية ص100_102 .
[1121] _ أخرجه البخاري (3367) ومسلم (2327).
[1122] _ انظر حدائق الأنوار 1/44 و 2/509، ومحمد رسول الله وخاتم النبيين ص104، ومحمد رسول الله لمحمد رضا ص230.
[1123] _انظر مقال نبي الملحمة للأستاذ عبدالصبور مرزوق في كتاب محمد رسول الله لأحمد تيمور باشا ص181_185.
[1124] _ أخرجه أبو داود في سننه (2669) وابن حبان في صحيحه (4791).
[1125] _ رواه مسلم (1731).
[1126] _ سنن البيهقي 9/132، قال في تلخيص الحبير 4/288: =إسناده صحيح+.
[1127] _ المسند 4/439 و 440 و 460، وأبو داود (2667)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2322): =صحيح+.
[1128] _ انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/390_392.
[1129] _ أخرجه الحاكم في مستدركه (2623) وأخرجه أبو داود في سننه (4530)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3797): =صحيح+.
[1130] _ أخرجه البخاري (350 و 3000 و 5806) ومسلم (336).
[1131] _ تاريخ الطبري 3/188.
[1132] _ انظر رسائل الإصلاح 1/117_118، وآداب الحرب في الإسلام للشيخ محمد الخضر حسين ص45.
[1133] _ أخرجه أحمد (23908)، وأبو داود (2758)، و الحاكم في المستدرك (6538)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2396): =صحيح+.
[1134] _ انظر سنن البيهقي الكبرى 9/118، وفتح الباري لابن حجر 8/18.
وما مضى من أحكام الحرب وآدابها إنما هو نزر يسير مجمل، أما تفاصيل ذلك، واستثناءاته وأحكامه فهي مبثوثة في التفاسير، وكتب الفقه، وشروح الحديث، والكتب التي أفردت في الحرب، والجهاد وما إلى ذلك.
انظر المبسوط للسرخسي 10/5، وشرح فتح القدير لابن الهمام 4/90، والمغني لابن قدامة 9/326، وروضة الطالبين للنووي 10/150، وآداب الحرب للشيخ محمد الخضر حسين، وقواعد الحرب في الشريعة الإسلامية للشيخ عواض الوذيناني.
[1135] _ انظر الرسالة الخالدة لعبدالرحمن عزام ص313_315 .
[1136] _ انظر الرسالة الخالدة ص313_320 .
[1137]_ انظر لسان العرب 1/436_437 .
[1138]_ انظر: الإرهاب دوافعه وعلاجه د. محمد الشويعر ص 101
[1139]_ انظر الإرهاب دوافعه وعلاجه ص 101
[1140]_ انظر القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب د. محمد السلومي ص 109
[1141]_ انظر القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب ص 110
[1142]_ انظر القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب ص 110_114
[1143]_ أصدر المجمع الفقهي الإسلامي هذا البيان والتعريف للإرهاب قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وذلك بتاريخ 15/10/1421 هـ الموافق 10/1/2001 م. انظر القطاع الخيري , ودعاوى الإرهاب ص 114
[1144]_ انظر أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 203
[1145]_ تفسير التحرير والتنوير 2/270
_[1146] تفسير التحرير والتنوير 2/270
[1147]_ تفسير التحرير والتنوير 1/284_285 .
[1148]_ انظر الطريق إلى الإسلام ص95_96، والرحمة والعظمة في السيرة النبوية ص66_69 .
[1149] _ انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص 321_323، والبيان في علوم القرآن ص9 .
[1150] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 1/93_97 .
[1151] _ انظر البيان في علوم القرآن ص9_11 ، وإعجاز القرآن للباقلاني ص 28_36 .
[1152] _ إعجاز القرآن للباقلاني ص 27_28، وانظر تفسير التحرير والتنوير 1/111/112، و 119_120 .
[1153] _ انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص43، والبيان في علوم القرآن ص 13_14، ومباحث في إعجاز القرآن د. مصطفى مسلم ص92 .
[1154]_ من مقدمة الشيخ محمد رشيد رضا لكتاب إعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي ص 17_18 .
[1155]_ من مقدمة الشيخ محمد رشيد رضا ص 19_20 .
[1156] _ إعجاز القرآن ص43 .
[1157] _ انظر البيان في علوم القرآن ص14 .
[1158] _ انظر إعجاز القرآن ص 58_59 .
[1159] _ انظر إعجاز القرآن ص50_51، و65، وبلاغة القرآن للشيخ محمد الخضر حسين ص 7_8 .
[1160] _ انظر إعجاز القرآن 260_265، وبلاغة القرآن ص98 .
[1161] _ انظر إعجاز القرآن ص 66_70، و265، وبلاغة القرآن ص 9_10 .
[1162] _ انظر إعجاز القرآن ص76، وبلاغة القرآن ص 10 .
[1163] _ انظر بلاغة القرآن ص11، و تفسير التحرير والتنوير 1/64_65 .
[1164] _ انظر إعجاز القرآن ص 82_83، وبلاغة القرآن ص 10_11 .
[1165] _ انظر تفسير التحرير والتنوير 1/120 .
[1166]_ انظر تفسير التحرير والتنوير 3/159، وكتاب القرآن والعلوم للدكتور جمال الدين الفندي, وانظر مباحث في إعجاز القرآن د.مصطفى مسلم ص131_203
[1167]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص131، وتفسير التحرير والتنوير 1/93_94، و 101_102 .
[1168]_ انظر تفسير التحرير والتنوير 1/126_127، ومباحث في إعجاز القرآن ص 131_132
[1169]_ انظر تفسير التحرير والتنوير 3/348، و 3/438، ومباحث في إعجاز القرآن ص 139_203 .
[1170]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 202_203
[1171]_ انظر تفسير التحرير والتنوير 1/126، ومباحث في إعجاز القرآن ص 205
[1172] _ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 205_206
[1173]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 206
[1174]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 231_232
[1175]_ المعجزة الكبرى للشيخ محمد أبو زهرة ص 455
[1176]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 233
[1177]_ انظر إعجاز القرآن ص 62_65، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية ص 5/319_324,و مباحث في إعجاز القرآن ص 235, والرسل والرسالات ص 174
[1178]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 238_239, والرسل والرسالات ص 174_178
[1179] _ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 241, والرسل والرسالات ص 174_178
[1180]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 260, والرسل والرسالات ص 174
[1181]_ انظر مباحث في إعجاز القرآن ص 261 .
[1182]_ انظر الفصل الثالث من هذا الباب.
[1183]_ انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 5/324_ 328, ومباحث في إعجاز القرآن ص261_262
[1184] _ انظر إعجاز القرآن ص 364 و 366، ومحمد رسول الله وخاتم النبيين _الموسوعة الكاملة_ للشيخ محمد الخضر حسين 3/183 .
[1185] _ الشفا 1/95_96، وانظر أعلام النبوة للماوردي ص266.
[1186] _ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص279، وانظر إعجاز القرآن ص364 .
[1187] _ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 281_282 .
[1188] _ محمد رسول الله وخاتم النبيين ص179 .
[1189] _ محمد رسول الله وخاتم النبيين ص 179_180 .
[1190] _ محمد رسول الله وخاتم النبيين ص 181 .
[1191] _ أبو داود (4839) وقال الألباني في صحيح الجامع (4826): =حسن+.
[1192] _ أبو داود (4838) وقال الألباني في صحيح الجامع (4823): =حسن+.
[1193]_ الترمذي (3639) وقال: =هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الزهري+.
[1194] _ انظر تفصيل ذلك وأمثلته في كتاب الحوار في السيرة النبوية لمحمد الحمد ص127_160.
[1195]_انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 1/399 , إيثار الحق لابن المرتضى اليماني ص79_85, وتنقيح الأبحاث للملل الثلاث لابن كَمُّونة ص 130
[1196]_البخاري (3675).
[1197]_انظر الجواب الصحيح 6/159_323 .
[1198]_انظر تفصيل ذلك في الجواب الصحيح 6/324_523 .
[1199] _انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 1/399, والرسل والرسالات ص 131 .
[1200] _انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص 27_36 .
[1201] _ الجواب الصحيح 6/160
[1202] _ يعني سورة القمر الذي ورد في أولها ذكر هذه المعجزة
[1203] _ الجواب الصحيح 6/160
[1204] _ مسلم (891)
[1205] _ الجواب الصحيح 6/160_161
[1206] _ البخاري (3868)
[1207] _ أخرجه الترمذي (3289)
[1208] _ السُّفار: جمع مسافر
[1209]_ رواه البيهقي في دلائل النبوة مفرقاً2/ 265و266_267, وأبو نعيم في الدلائل 1/369_370
[1210] _ البداية والنهاية 4/299
[1211] _ البداية والنهاية 4/299
[1212] _ انظر تفصيل ذلك في الجواب الصحيح 6/159_164، والبداية والنهاية 4/293_304 .
[1213] _ انظر تفصيل الكلام عن الإسراء والمعراج في صحيح البخاري (3207) و (3886) و(3887) وصحيح مسلم (163) و (170) و (172) و(174) وانظر توجيه الآثار في الإسراء والمعراج إلى الجواب الصحيح 6/165_182، والبداية والنهاية 4/269_292، والرسل والرسالات ص134 .
[1214] _العُكَّة: إناء من جلد مستدير يُجْعَلُ فيه السمنُ غالباً والعسل. انظر فتح الباري 6/590 .
[1215] _أخرجه البخاري (3578) و(5381) ومسلم (2040)
[1216] _الركوة: دلو صغير. انظر المصباح المنير ص238 .
[1217] _أخرجه البخاري (4512).
[1218] _أخرجه البخاري (4031).
[1219] _أخرجه البخاري (4210) ومسلم (2406).
[1220] _أخرجه مسلم (2277).
[1221] _أخرجه الترمذي (3626) وقال: =هذا حديث غريب+، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/620، وقال: =هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه+ ووافقه الذهبي.
[1222] _انظر الجواب الصحيح 6/159_523 .
[1223] _ انظر الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح لابن تيمية /81_84
[1224] _ انظر الرسالة التدمرية ص173 .
[1225] _ انظر الجواب الصحيح 5/147_151
[1226] _ أخرجه البخاري (3203)، ومسلم (2526).
[1227] _ انظر البحث الصريح في أيّما الدين الصحيح ص 7_9
[1228] _ انظر في ذلك: جهود من أسلم من النصارى في كشف فضائح النصرانية رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية ص 2_27
[1229]_ انظر البحث الصريح ص 11
[1230] _ انظر البحث الصريح ص 11_12
[1231] _ انظر البحث الصريح ص 23_24
[1232] _ انظر البحث الصريح ص 25
[1233] _ انظر البحث الصريح ص 25_26
[1234]_ انظر كتاب البحث الصريح ص 35_36
[1235] _انظر كتاب البحث الصريح ص 26_27
[1236] _ انظرالجواب الصحيح 5/197، وانظر الكتب الأخرى التي تكلمت على البشارات الواردة في الكتاب السابقة الدالة على نبوة محمد" ومنها: كتاب الدين والدولة لابن ربن الطبري، وإقحام اليهود للمهتدي السموأل، وتخجيل من حرف الإنجيل للجعفري، وابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح وابن القيم في هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، ومحمد" في الكتاب المقدس لعبدالأحد داود، وإظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي، والبحث الصريح في إيِّما الدين الصحيح، والبشارة بنبي الإسلام لأحمد حجازي السقا، وغيرهم كثير ممن عُنوا بإبراز البشارات بالنبي محمد " في الكتب السابقة، وخصوصاً التوراة والإنجيل.
[1237] _ الجواب الصحيح 5/155
[1238] _ صحيح البخاري ( 2125و2838)
[1239] _ أخرجه البخاري (3417).
[1240] _ الجواب الصحيح 5/156_157, وانظر هداية الحيارى ص 165_166، وقول ابن تيمية: (ليس فيها هذا) يعني أثر ابن عمر، ولكن سيروا في نبوءة أشعياء _كما سيأتي_.
[1241] _ هذا هو أحد علماء النصارى الذين اهتدوا للإسلام، وقد مضى ذكره في المبحث الماضي.
[1242] _ البحث الصريح ص 139.
[1243] _ مِشْقَح: يميل إلى لون الحمرة.انظر لسان العرب 2/499 .
[1244]_ انظر سفر أشعياء الإصحاح 35 فقرة 1_10, العهد القديم 815, وانظر الجواب الصحيح 5/157_158 .
[1245] _ الجواب الصحيح 5/158 .
[1246] _ سيناء, أو طور سينا: اسم جبل بقرب آيلة, أنظر معجم البلدان لياقوت 1/292, 4و48
[1247] _ سعير, أو ساعير: اسم لجبال فلسطين, وهي قرية من الناصرة بين طبرية وعكا, انظر معجم البلدان 3/171
[1248] _ جبال فاران: هي جبال مكة. انظر الجواب الصحيح 5/200
[1249] _ سفر التثنية الإصحاح الثالث والثلاثون 1_3, العهد القديم.
[1250] _ الجواب الصحيح 5/199
[1251] _ الجواب الصحيح 5/199_200
[1252] _ أخرجه مسلم (2889)
[1253] _ الجواب الصحيح 5/200_205 .
[1254] _ الجواب الصحيح 5/207
[1255]_ هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص 119
[1256] _ تيمان أو التيمن: اسم عبرى معناه: اليمين، أو الجنوبي، أو الصحراء الجنوبية، انظر حاشية الجواب الصحيح 5/222 .
[1257] _ انظر سفر حبقوق، الإصحاح الثالث ص3_4، العهد القديم 1046، و انظر الجواب الصحيح 5/221_222 .
[1258] _ يعني أهل الكتاب .
[1259] _ الجواب الصحيح 5/221 .
[1260] _ الجواب الصحيح 5/222.
[1261] _ الجواب الصحيح 5/222
[1262] _ انظر سفر حبقوق الإصحاح الثالث 3_8، العهد القديم 1046، وانظر الجواب الصحيح 5/223.و هداية الحيارى ص 147
[1263] _ انظر الجواب الصحيح 5/237 .
[1264] _ تَقَلَّد السيف: وضع سيفه في علبته، ووضعها على أحد منكبيه.
[1265] _ سمة التأله: أي طريق التعبد والتنسك.
[1266] _ الجواب الصحيح 5/237, وانظر هداية الحيارى ص 151، وانظر كلاماً قريباً من ذلك في الترجمة الحالية للكتاب المقدس: سفر المزامير، المزمور الخامس والأربعون 1_5، العهد القديم 672 .
[1267] _ أخرجه البخاري في صحيحه (335) .
[1268] _ الجواب الصحيح 5/237_238.
[1269] _ الجواب الصحيح 5/446
[1270] _ انظر سفر المزامير المزمور الثاني والسبعون 8_15 العهد القديم ص 688
[1271]_ يعني محمداً "
[1272] _ أخرجه مسلم (2889).
[1273] _ الجواب الصحيح 5/247_248
[1274] _ هداية الحيارى ص 125
[1275] _ انظر الجواب الصحيح 5/275, وسفر دانيال الإصحاح السابع 13_14, والعهد القديم 1000
[1276] _ الجواب الصحيح 5/277
[1277] _ يعني بالشامة: خاتم النبوة الذى كان بين كتفي النبي محمد "
[1278] _ الجواب الصحيح ص 5/260, وانظر هذه البشارة في سفر أشعياء الإصحاح التاسع 6_7 العهد القديم ص 790
[1279] _ الجواب الصحيح 5/260
[1280] _ يبتزهم: يسلبهم
[1281] _ الجواب الصحيح 5/261
[1282] _ أورد هذه البشارة الشيخ زيادة الراسي في كتابه البحث الصريح ص140 .
[1283] _ يشير إلى مثل قوله _تعالى_ : [كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٢٣ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ] الشعراء، وقوله: [كَذَّبَتۡ ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٤١ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ] الشعراء.
[1284] _ البحث الصريح ص 141_142 .
[1285] _ البحث الصريح ص148 .
[1286]_ البارقليط, ويقال _ أيضاً_: الفارقليط.
[1287] _ البحث الصريح 151
[1288] _ البحث الصريح ص 151_152 .
[1289] _ البحث الصريح 152_155
[1290]_ ومن ذلك أن القرآن الكريم تضمن كثيراً من قصص السابقين, وفي قصصهم عبرة للرسول" والمؤمنين, وتعزية لما يصيبهم من جهد وبلاء في الدعوة إلى دين الله _عز وجل_.
[1291] _ البحث الصريح ص 156_157
[1292] _ البحث الصريح ص 168_169
[1293] _ البحث الصريح 169_171
[1294] _ البحث الصريح ص 173 .
[1295] _ البحث الصريح ص 173_174
[1296] _ انظر شواهد ذلك في المبحث الماضي، والمطلب الآتي.
[1297] _ الموبَّلة: المثقلة
[1298] _ سبأ: أرض باليمن
[1299] _ رجال مأرب: هم سدنة الكعبة, وهم أولاد مأرب بن إسماعيل
[1300] _ انظر الجواب الصحيح 5/255, ونحو ذلك في سفر أشعياء الإصحاح الستون 4_7 والعهد القديم 840
[1301] _ الجواب الصحيح 5/ 256, وانظر هداية الحيارى ص 155
[1302]_ لجواب الصحيح 5/259, وانظر نحو ذلك في الترجمة الحالية لهذه البشارة في سفر أشعياء الإصحاح الرابع والخمسون1_3 والعهد القديم 835
[1303]_ الجواب الصحيح 5/259, وانظر هداية الحيارى ص 156
[1304]_ الأكاليل: شبه عصابة للرأس تزين بالجواهر, ويسمى التاج إكليلاً. انظر مختار الصحاح 577
[1305] _ الخرابات: المواضع. انظر مختار الصحاح 171
[1306] _ الرقوب: الذي لا ولد له. انظر المصباح المنير ص 234
[1307] _ انظر الجواب الصحيح 5/263
[1308]_ الجواب الصحيح 5/ 263_265
[1309] _ هداية الحيارى ص 157, وانظر الإصحاح الحادي والستين من سفر أشعياء
[1310] _ يعني أمن الحرم المكي.
[1311] _ هداية الحيارى ص 157
[1312] _ القُلل: أعالي الجبال, مفردها قُلَّة. انظر مختار الصحاح ص 549
[1313] _ الجواب الصحيح 5/245, وأنظره بالمعنى في سفر أشعياء , الإصحاح الخامس: 26_28, والإصحاح الرابع والخمسون:1_17, والعهد القديم 787و 825_826 .
[1314] _ الجواب الصحيح 5/245
[1315] _ الجواب الصحيح 5/226, وانظر المزمور التاسع والأربعين بعد المائة من سفر المزامير. العهد القديم 736
[1316] _ انظر الجواب الصحيح5/266_235, وهداية الحيارى ص 149_150
[1317] _ الجواب الصحيح 5/267,وانظر هداية الحيارى ص 147 وانظر سفر حبقوق الإصحاح الثالث 3_7 والعهد القديم 1046
[1318] _ انظر صحيح مسلم (395)
[1319] _ الجواب الصحيح 5/270_271
[1320] _ الجواب الصحيح 5/258, وانظر النص بكامله في سفر أشعياء الإصحاح الخامس 26_30 والعهد القديم 787
[1321] _ الجواب الصحيح 5/258
[1322] _ الجواب الصحيح 5/262, وانظر قريباً من هذا النص في الترجمة الحالية لسفر أشعياء الإصحاح الثاني والأربعون10_13 والعهد القديم 823
[1323] _ الجواب الصحيح 4/262
[1324] _ الجواب الصحيح2/272, وانظر سفر حزقيال الإصحاح العشرون 45_49, والعهد القديم 949 .