أين نحن من هؤلاء؟
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- أين
نحن من هؤلاء؟
- أولاً: أين نحن من هؤلاء في التعامل مع الله
- ثانيًا: أين نحن من هؤلاء في: الخوف من الله
- ثالثًا: أين نحن من هؤلاء في: العناية بالقرآن
- رابعًا: أين نحن من هؤلاء في: العناية بالدعاء
- من أحوال بعض الصحابة رضي الله عنه في إجابة الدعاء
- خامسًا: أين نحن من هؤلاء في: التوبة وطلب المغفرة
- سادسًا: أين نحن من هؤلاء في: الورع
- سابعًا: أين نحن من هؤلاء في التقوى
- ثامنًا: أين نحن من هؤلاء في: ترك الحرام
- تاسعًا: أين نحن من هؤلاء في: الزهد الحق
- عاشرًا: وهي الخاتمة
أين نحن من هؤلاء؟
محمد بن سرار اليامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فهذا المجموع فيه طلب للاتساء والاقتداء، والاهتداء، بهدي هؤلاء القوم – سلفنا الصالح رحمهم الله -، جعلنا الله وإياكم منهم..
جمعته لنفسي المقصرة، ولكل محب للخير.. بغية أن يتذكر المقصر أحوال السابقين، فيلحق بهم، وتزداد عزيمته، وتقوى همته، وما لي فيه إلا الجمع فقط، والانتقاء، والاصطفاء، والاختيار، فأين نحن من هؤلاء؟ جعله الله لوجهه خالصًا، وعنده مقبولاً.
كما أسأله سبحانه أن يجعله مشعل نور وهداية، لكل من يحاول أن يسير على دروب سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ورحمهم، وجمعنا بهم، وحشرنا معهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه..
فالشكر لله على توفيقه، وله الثناء على إنعامه على عبده، ومنه وكرمه عليه، وستره لزلاته، وأسأله جل وعز أن يجعل هذا العمل ذخرًا لي عنده..
كما أشكر كل من ساهم معي فيه بفكرة، أو دعوةٍ، أو اقتراح..
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، من صلاح الأقوال والأفعال والاعتقادات الظاهرة والباطنة، إن الله ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على محمد.
محمد بن سرار اليامي
أولاً: أين نحن من هؤلاء في التعامل مع الله
أنس العبد بالله وحلاوة ذكره:
* قال أبو أسامة: دخلت على محمد بن النضر الحارثي، فرأيته كأنه ينقبض، فقلت: كأنك تكره أن تؤتى؟
قال: أجل.
فقلت: أو ما تستوحش؟
قال: كيف أستوحش، وهو يقول: «أنا جليس من ذكرني».
* وقيل المالك بن مغول، وهو جالس في بيته وحده: ألا تستوحش؟
قال: أو يستوحش مع الله أحد؟!
* وقال مسلم بن يسار: ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل ([1]).
الرجاء:
* قال أبو بكر بن عياش لابنه عند موته: أترى الله يضيع لأبيك أربعين سنة يختم القرآن كل ليلة؟
* وختم آدم بن أبي إياس القرآن وهو مسجى للموت، ثم قال: بحبي لك إلا رفقت بي في هذا المصرع، كنت آملك لهذا اليوم، كنت أرجو لا إله إلا الله. ثم قضى ([2]).
من رجا الخالق لم يرجُ المخلوق:
* أخرج البيهقي وابن عساكر من طريق أبي المنذر هشام ابن محمد عن أبيه، قال: أضاق الحسن بن على، وكان عطاؤه في كل سنه مائة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين، فأضاق إضاقة شديدة، ثم قال: "فعدوت بدواة لأكتب إلى معاوية، لأذكره نفسي، ثم أمسكت، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال: «كيف أنت يا حسن؟».
فقلت: بخير يا أبت، وشكوت إليه تأخر المال عني.
فقال: «أدعوت بدواة لتكتب إلي مخلوق مثلك تذكره ذلك؟». فقلت: نعم يا رسول الله، فكيف أصنع؟
فقال: قل: «اللهم اقذف في قلبي رجاءك، واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحدًا غيرك.. اللهم وما ضعفت عنه قوتي، وقصر عنه عملي، ولم تنته إليه رغبتي، ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدًا من الأولين والآخرين من اليقين فخصني به يا رب العالمين».
قال: فوالله ما ألححت به أسبوعًا حتى بعث إلي معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف، فقلت: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من دعاه.
فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال: «يا حسن، كيف أنت؟».
فقلت: بخير يا رسول الله، وحدثته بحديثي، فقال: «يا بني، هكذا من رجا الخالق، ولم يرج المخلوق» ([3]).
رجاء أم غسان:
* قالت أم غسان الأعرابية المكفوفة: إن تقبل الله مني صلاة، لم يعذبني.
فقيل لها: كيف ذلك؟
قالت: لأن الله عز وجل لا يثني في رحمته وحلمه.
قال الراوي: وكنت سمعت حديث معاذ: «من كتبت له حسنة، دخل الجنة».
ولم أدر ما تفسيره حتى سمعت أم غسان تقول هذا، فعرفت تأويله ([4]).
الحارس هو الله:
* أخرج أبو نعيم في الدلائل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: عرض لعلي رجلان في خصومة، فجلس في أصل جدار، فقال له رجل: الجدار يقع.
فقال على امض، كفى بالله حارسًا.
فقضى بينهما، فقام ثم سقط الجدار ([5]).
رؤية الله في الآخرة:
* قال الربيع: كنت ذات يوم عند الشافعي، وجاءه كتاب من الصعيد يسألونه عن قوله عز وجل: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: 15].
فكتب: لما حجب قومًا بالسخط دل على أن قومًا يرونه بالرضا، قلت له: أو تدين بهذا يا سيدي؟
فقال: والله، لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد، لما عبده في الدنيا ([6]).
ذكر الله ومناجاته:
* قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن أهل السماء ([7]) ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم كما تضيء الكواكب لأهل الأرض.
* قيل للحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟
فقال: إنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره.
* قال عبد الله بن عيسى: كونوا ينابيع العلم، مفاتيح الهدى، أحلاس البيوت، جدد القلوب، خلقان الثياب، سرج الليل، تعرفوا في أهل السماء، وتخفوا في أهل الأرض ([8]).
العبودية الحقة:
* قيل لأبي عبد الله بن خفيف: متى يصح للعبد العبودية؟
فقال: إذا طرح كله على مولاه، وصبر معه على بلواه ([9]).
التوكل على الله:
* عن جابر رضي الله عنه قال: قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محارب وغطفان بنخل، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له: غورث بن الحارث – وقيل: دعثور – حتى قام على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف، وقال: من يمنعك مني؟
قال: «الله».
فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيف، وقال: «من يمنعك مني؟».
قال: كن خير آخذ.
قال: «تشهد أن لا إله إلا الله».
قال: لا؟ ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله، فأتى أصحابه، وقال جئتكم من عند خير الناس ([10]).
احفظ الله يحفظك:
* جاء في مسند الإمام أحمد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «كانت امرأة في بيتٍ، فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت ثنتي عشرة عنزة وصيصيتها، كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزة لها وصيصيتها، فقالت: يا رب، إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزًا من غنمي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزتي وصيصيتي».
قال: وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر شدة مناشدتها ربها، تبارك وتعالى.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصيتها ومثلها».
والصيصية: هي الصنارة التي يغزل بها وينسج ([11]).
من حفظ الله حفظه الله:
* روى الحاكم من حديث سفينة – مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قال ركبت البحر، فانكسرت سفينتي التي كنت فيها، فركبت لوحًا من ألواحها، فطرحني اللوح في أجمةٍ فيها الأسد، فأقبل إلي يريدني، فقلت: يا أبا الحارث، أنا مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطأطأ رأسه، وأقبل إلي، فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة، ووضعني على الطريق وهمهم، فظننت أنه يودعني، فكان ذلك آخر عهدي به ([12]).
* * * *
ثانيًا: أين نحن من هؤلاء في: الخوف من الله
بكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
* عن عبد الله – يعني ابن مسعود – رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اقرأ علي».
فقال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟
فقال: «إني أحب أن أسمعه على من غيري».
قال فقرأت سورة «النساء» حتى إذا بلغت ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41].
قال: «حسبك»، فنظرت فإذا عيناه تذرفان - صلى الله عليه وسلم - ([13]).
ثمرة الخوف من الله:
* أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].
تلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على أصحابه، فخر فتي مغشيًا عليه، فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على فؤاده، فإذا هو يتحرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا فتى، قل لا إله إلا الله».
فقالها، فبشره بالجنة، فقال أصحابه: يا رسول الله، أمن بيننا؟
فقال: «أو ما سمعتم قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾» [إبراهيم: 14] ([14]).
من بكاء الصحابة خوفًا من الله:
* عن نافع، قال: ما قرأ ابن عمر رضي الله عنهما هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 284]، ثم يقول: إن هذا الإحصاء شديد ([15]).
* أخرج ابن سعد عن مسلم بن بشير، قال: بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه، فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟ قال أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي لبعد سفري وقلة زادي. أصبحت في صعود مهبطه على جنة ونار، فلا أدري إلي أيهما يسلك بي ([16]).
الخوف من الله:
* قال أنس رضي الله عنه: دخلت حائطًا – أي بستانًا – فسمعت عمر رضي الله عنه يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ، لتتقين الله ابن الخطاب أو ليعذبنك ([17]).
الخوف من سوء المصير:
* كان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم، فكان يبكي، ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًا. ويبكي، ويقول: أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت ([18]).
* * * *
ثالثًا: أين نحن من هؤلاء في: العناية بالقرآن
أسرة القرآن:
* قال الإمام ابن حجر في ترجمة الحسن بن صالح بن حي الثوري الهمداني، في «تهذيب التهذيب»: قال وكيع: كان الحسن وعلى ابنا صالح وأمهما قد جزؤوا الليل ثلاثة أجزاء يختمون فيه القرآن في بيتهم كل ليلة. فكان كل واحد يقوم بثلثه، فماتت أمهما، فكانا يختمان، ثم مات على فكان الحسن يختم كل ليلة ([19]).
* * * *
رابعًا: أين نحن من هؤلاء في: العناية بالدعاء
من ثمرات الدعاء:
* عن ابن أبي حاتم ومحمد بن إسحاق: أن مالكًا الأشجعي جاء إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: أسر ابني عوف.
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أرسل إليه أن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول: لا حولا ولا قوة إلا بالله».
وكانوا قد شدوه بالقد، فسقط القد عنه، فخرج، فإذا هو بناقة لهم، فركبها، فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه، فصاح بهم، فأتبع أولها آخرها، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب.
فقال أبوه: عوف، ورب الكعبة.
فقالت أمة: واسوأتاه، وعوف كيف قدم لما هو فيه من القد؟!
فاستبقا الباب والخادم، فإذا هو عوف قد ملأ الفناء إبلاً، فقص على أبيه أمره وأمر الإبل، فقال أبوه: قفا حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسأله عنها.
فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اصنع بها ما أحببت، وما كنت صانعًا بمالك». ونزل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 2 – 3] ([20]).
دعاء كفاية الهم والدين:
* دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: «يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟».
قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله.
قال: «أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟».
قال: بلى يا رسول الله.
قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعود بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال».
قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي، وقضى عني ديني ([21]).
دعاء الحفظ من المصائب:
* جاء رجل إلي أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال: يا أبا الدرداء، قد احترق بيتك.
فقال: ما احترق، ولم يكن الله عز وجل ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قالها أول نهاره، لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار، لم تصبه مصيبة حتى يصبح: «اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم».
وفي رواية أخرى: أنه تكرر مجيء الرجل إليه ويقول: أدرك دارك فقد احترقت، وهو يقول: ما احترقت؛ لأني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال حين يصبح هذه الكلمات – وذكر هذه الكلمات – لم يصبه في نفسه ولا أهله ولا ماله شيء يكرهه»، وقد قلتها اليوم.
ثم قال: انهضوا بنا، فقام وقاموا معه، فانتهوا إلي داره وقد احترق ما حولها، ولم يصبها شيء ([22]).
فضل الدعاء بالخير:
* قال حسان بن محمد أبو الوليد النيسابوري: قالت لي والدتي: كنت حاملاً بك، وكان للعباس بن حمزة مجلس، فاستأذنت أباك أن أحضر مجلسه، في أيام العشر، فأذن لي، فلما كان في آخر المجلس، قال العباس ابن حمزة: قوموا، فقاموا، وقمت معهم، فأخذ العباس يدعو، فقلت: اللهم هب لي ابنًا عالمًا.
فرجعت إلى المنزل، فبت تلك الليلة، فرأيت فيما يرى النائم، كأن رجلاً أتاني، فقال: أبشري، فإن الله قد استجاب دعوتك، ووهب لك ولدًا ذكرًا، وجعله عالمًا، ويعيش كما عاش أبوك.
قالت: وكان أبي عاش اثنتين وسبعين سنة.
قال الأستاذ: وهذه قد تمت لي اثنتان وسبعون سنة.
قال الحاكم: فعاش الأستاذ بعد هذه الحكاية أربعة أيام ([23]).
وإذا سألت فاسأل الله:
* قال القاضي حسين: كنت عند القفال، فأتاه رجل قروي، وشكا إليه أن حماره أخذه بعض أصحاب السلطان، فقال له القفال: اذهب فاغتسل، وادخل المسجد، وصل ركعتين، واسأل الله تعالى أن يرد عليك حمارك.
فأعاد عليه القروي كلامه، فأعاد القفال، فذهب القروي، ففعل ما أمره به، وكان القفال قد بعث من يرد حماره، فلما فرغ من صلاته، رد الحمار، فلما رآه على باب المسجد، خرج، وقال: الحمد لله الذي رد على حماري.
فلما انصرف، سئل القفال عن ذلك، فقال: أردت أن أحفظ عليه دينه كي يحمد الله تعالى ([24]).
* * * *
من أحوال بعض الصحابة رضي الله عنه في إجابة الدعاء
أ- سعيد بن زيد رضي الله عنه
* عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: إن سعيد بن زيد خاصمته أروى بنت أوسٍ إلي مروان بن الحكم، وادعت أنه أخذ شيئًا من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قال: ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا؛ طوقه يوم القيامة إلي سبع أرضين» [أخرجه مسلم].
فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا.
فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة؛ فأعم بصرها، واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت، وكانت تقول: أصابتني دعوة سعيد ([25]).
ب- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
* عن جابر بن سمرة رضي الله عنه شكا أهل الكوفة سعدًا إلي عمر رضي الله عنه فعزله، واستعمل عليهم عمارًا رضي الله عنه.
فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن الصلاة، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن الصلاة.
قال سعد: أما أنا، والله، فإني كنت أصلى بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين.
قال عمر: ذلك الظن بك، يا أبا إسحاق.
فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون عليه معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى: أبا سعدة، قال: إذ نشدتنا، فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية – أي لا يسير مع الجيش للقتال – ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية.
قال سعد: أما – والله – لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك كاذبًا وقام رياءً وسمعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن.
قال: فكان بعد ذلك إذا سئل، يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
قال عبد الملك بن عمير: فأنا رأيته بعد أن قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن ([26]).
* * * *
خامسًا: أين نحن من هؤلاء في: التوبة وطلب المغفرة
الصلاة تغفر الذنب:
* عن أنس رضي الله عنه، قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًا، فأقمه على.
قال: ولم يسأله عنه، فحضرت الصلاة، فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة؛ قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًا، فأقم في كتاب الله.
قال: «أليس قد صليت معنا؟».
قال: نعم.
قال: «فإن الله قد غفر لك ذنبك – أو قال: حدك» ([27]).
مغفرة الذنب يوم القيامة:
* قال أبو هريرة رضي الله عنه: يدني الله العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره عن الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك.
فيقرأ، فيمر بالحسنة، فيبيض لها وجهه، ويسر بها قلبه.
فيقول الله: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم.
فيقول: إني قبلتها منك. فيسجد.
فيقول: ارفع رأسك، وعد في كتابك. فيمر بالسيئة، فيسودّ لها وجهه، ويوجل منها قلبه، وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، فيقول الله: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم يا رب.
فيقول: إني قد غفرتها لك. فيسجد، فلا يرى منه الخلائق إلا السجود، حتى ينادي بعضهم بعضًا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين ربه عز وجل مما قد وقفه عليه ([28]).
الكبيرة والاستغفار:
* روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ([29]).
رجاء المغفرة:
* سئل الإمام أحمد عن رجل اكتسب مالاً من شبهة، أصلاته وتسبيحه تحط عنه شيئًا من ذلك؟
فقال: إن صلى، وسبح يريد به ذلك، فأرجو له قول الله تعالى: }خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 102] ([30]).
فضل الذكر في المغفرة:
* سئل الحسن عن رجل لا يتحاشى عن معصيته إلا أن لسانه لا يفتر عن ذكر الله؟
قال: إن ذلك لعون حسن ([31]).
فضل البكاء في المغفرة:
* قال عطية العوفي: بلغني أنه من بكى على خطيئته، محيت عنه، وكتبت له حسنة.
* وقال بشر بن الحارث: بلغني عن الفضل بن عياض، قال: بكاء النهار يمحو ذنوب العلانية، وبكاء الليل يمحو ذنوب السر ([32]).
توبة الفضيل بن عياض:
* كان سبب توبة الفضيل: أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليًا يتلو: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: 16].
فقال: يا رب قد آن. فرجع، وآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة.
فقال بعضهم: نرتحل.
وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا. فتاب الفضيل، وآمنهم ([33]).
الخوف من الله:
* عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت، أوصي بنيه إذا مات فحرّقوه، ثم اذْروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه، ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين. فلما مات، فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب، وأنت تعلم. فغفر له» ([34]).
بين ذل المعصية وعز التوبة:
* روي عن أبي جعفر السائح، قال: كان حبيب أبو محمد تاجرًا يكري الدراهم، فمر ذات يوم، فإذا هو بصبيان يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا.
فنكس رأسه، وقل: يا رب، أفشيت سري إلي الصبيان، فرجع، فجمع ماله كله، وقال: يا رب إني أسير، وإني قد اشتريت نفسي بهذا المال، فأعتقني.
فلما أصبح، تصدق بالمال كله، وأخذ في العبادة. ثم مر ذات يوم بأولئك الصبيان، فلما رأوه؛ قال بعضهم لبعض: اسكتوا، فقد جاء حبيب العابد.
فبكى، وقال: يا رب أنت تذم مرة، وتحمد مرة، وكله من عندك ([35]).
* * * *
سادسًا: أين نحن من هؤلاء في: الورع
صور من الورع في الخوف من أكل الحرام:
* كان الحجاج بن دينار قد بعث طعامًا إلي البصرة مع رجل، وأمره أن يبيعه يوم يدخل بسعر يومه، فأتاه كتابه: إني قدمت البصرة، فوجدت الطعام منقصًا، فحبسته، فزاد الطعام، فازددت فيه كذا وكذا.
فكتب إليه الحجاج: إنك قد خنتنا، وعملت بخلاف ما أمرناك به، فإذا أتاك كتابي، فتصدق بجميع ثمن ذلك الطعام على فقراء البصرة، فليتني أَسْلَمُ إذا فعلت ذلك ([36]).
* * * *
سابعًا: أين نحن من هؤلاء في التقوى
ما هي التقوى؟
* قال أبو هريرة، وسئل عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقًا ذا شوك؟
قال: نعم.
قال: فكيف صنعت؟
قال: إذا رأيت الشوك، عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه.
قال: ذاك التقوى.
وأخذ هذا المعنى ابن المعتز، فقال:
خل الذنوب صغيرها | ||
وكبيرها فهو التُقَى | ||
واصنع كماش فوق أر | ||
ض الشوك يحذر ما يرى | ||
لا تحقرن ... صغيرةً | ||
إن الجبال من الحصى ([37]) |
خشية الله سراج المتقين:
* عن ابن جريج، قال: أخبرني من أصدقه، أن عمر بينما هو يطوف سمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسودَّ جانبه | ||
وأرقني أن لا خليل ألا عبه | ||
فوالله لولا الله تخشى عواقبه | ||
لزحزح من هذا السرير جوانبه |
فقال عمر: مالك؟
قالت: أغزيت زوجي منذ أشهر، وقد اشتقت إليه.
قال: أردت سوءًا؟
قالت: معاذ الله.
قال: فاملكي عليك نفسك، فإنما هو البريد إليه.
فبعث إليه، ثم دخل على حفصة، فقال: إني سائلك عن أمر قد أهمني، فافرجيه عني. كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فخفضت رأسها واستحيت.
قال: فإن الله لا يستحيي من الحق.
فأشارت بيدها ثلاثة أشهر، وإلا فأربعة أشهر.
فكتب عمر أن لا تحبس الجيوش فوق أربعة أِشهر ([38]).
أقوال في التقوى:
* قال الحسن رحمه الله: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا من الحلال مخافة الحرام.
* وري عن ابن عمر، قال: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترةً من الحلال لا أخرقها ([39]).
* قال عمر بن عبد العزيز: ليست التقوى قيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء ما افترض الله وترك ما حرم الله، فإن كان مع ذلك عمل؛ فهو خير إلي خير. أو كما قال ([40]).
التقوى ترك الحرام:
* قال ابن عمر رضي الله عنهما: لرد دانقٍ من حرام أفضل من مائة ألف تنفق في سبيل الله.
* وعن بعض السلف، قال: ترك دانق مما يكرهه الله أحب إلي الله من خمسمائة حجة.
* قال ابن المبارك: لأن أرد درهمًا من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف حتى بلغ ستمائة ألف ([41]).
التقوى هي المشي في الطاعة:
* قال الحسن رحمه الله: ما ضربت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بطشت بيدي، ولا نهضت على قدمي، حتى انظر أعلى طاعة أو على معصية، فإن كانت طاعة تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت ([42]).
* وقال محمد بن الفضل البلخي: ما خطوت منذ أربعين سنة خطوة لغير الله عز وجل ([43]).
حق التقوى:
* قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: 102]: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر ([44]).
الوصية بالتقوى:
* كتب عمر إلي ابنه عبد الله رضي الله عنهما: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك، وجلاء قلبك.
* وكتب عمر بن عبد العزيز إلي رجل: أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لا يقبل غيرها، ولا يرحمك إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين ([45]).
* وكتب ابن السماك الواعظ إلي أخ له: أما بعد، أوصيك بتقوى الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك وخف الله بقدر قربه منك، وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه، ليس تخرج من سلطانه إلي سلطان غيره، ولا من ملكه إلي ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر منه وجلك ([46])، والسلام ([47]).
ثامنًا: أين نحن من هؤلاء في: ترك الحرام
من ورع الصديق رضي الله عنه في ترك الحرام:
* أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟
قال أبو بكر: ما هو؟
قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني، فأعطاني هذا الذي أكلت منه.
فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه ([48]).
كيف يستجاب الدعاء؟
* روى عن عكرمة بن عمار: حدثنا الأصفر قال: قيل لسعد بن أبي وقاص: كيف تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قال: ما رفعت إلي فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها ومن أين خرجت ([49]).
حق الله في ترك الحرام:
* قال الليث: رأى موسى عليه الصلاة والسلام رجلاً رافعًا يديه، وهو يسأل الله مجتهدًا.
فقال موسى عليه السلام: أي رب عبدك دعاك حتى رحمته، وأنت أرحم الراحمين، فما صنعت في حاجته.
فقال الله: يا موسى لو رفع يديه حتى ينقطع ما نظرت في حاجته حتى ينظر في حقي ([50]).
أثر لقمة الحلال في النجابة والعلم:
* جاء في ترجمة إمام الحرمين الجويني: أن والده الشيخ أبا محمد رحمة الله تعالى، كان في أول أمره ينسخ بالأجرة، فاجتمع له من كسب يده شيء اشترى به جارية موسومة بالخير والصلاح، ولم يزل يطعمها من كسب يده أيضًا إلي أن حملت بإمام الحرمين، وهو مستمر على تربيتهما بكسب الحل، فلما وضعته، أوصاها أن لا تمكن أحدًا من إرضاعه.
فاتفق أنه دخل عليها يومًأ وهي متألمة، والصغير يبكي، وقد أخذته امرأة من جيرانهم، وشاغلته بثديها فرضع منه قليلاً، فلما رآه شق عليه، وأخذه إليه، ونكس رأسه، ومسح على بطنه، وأدخل أصبعه في فيه، ولم يزل يفعل به ذلك حتى قاء جميع ما شربه، وهو يقول: يسهل على أن يموت ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير أمه.
ويحكى عن إمام الحرمين: أنه كان تلحقه بعض الأحيان فترة في مجلس المناظرة، فيقول: هذا من بقايا تلك الرضعة ([51]).
تاسعًا: أين نحن من هؤلاء في: الزهد الحق
زهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
«الآخرة خير من الدنيا»:
* أخرج أحمد بإسناد صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على حصير، قال: فجلست فإذا عليه إزار وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقرظ ([52]) في ناحية في الغرفة، وإذا إهاب ([53]) معلق، فابتدرت عيناي ([54])، فقال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟
فقال: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته، وهذا خزانتك.
قال: يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟! ([55]).
السؤال عن فضول الدنيا في الآخرة:
* أخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بقدح فيه لبن وعسل، فقال: «شربتين في شربة وأُدمين في قدح! لا حاجة لي به، أما إني لا أزعم أنه حرام، ولكن أكره أن يسألني عز وجل عن فضول الدنيا يوم القيامة. تواضع لله، فمن تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن أكثر ذكر الموت، أحبه الله» ([56]).
زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
أدمان في إناءٍ واحد:
* أخرج ابن سعد عن أبي حازم، قال: دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حفصة ابنته رضي الله عنها فقدمت إليه مرقًا باردًا وخبزًا، وصبت في المرق زيتًا.
فقال: أدمان في إناء واحد! لا أذوقه حتى ألقى الله ([57]).
* * * *
عاشرًا: وهي الخاتمة
ختم الله لنا ولكم بإحسان، وبقبولٍ للعمل، والتوبة من العصيان..
وبعدما تقدم أخي الكريم أختي الكريمة: بعد هذه السير العطرة، والمواقف العظيمة.. أرجو من نفسي ومن كل مطلع على هذه الرسالة أن ينظر إلي نفسه، وحاله بعين البصيرة، وبعين الواقع أيضًا..، وإن كان مرًا .. للسعي على خطى من سلف، ولإصلاح ما تلف من حال الخلف...، وفقنا الله وإياكم لإصلاح أحوالنا، في دنيانا ومالنا...
وليجلجل في مسامعنا دائمًا، وفي كل حين: أين نحن من هؤلاء الرجال.. سلك الله بي وبكم سبل السلام، وجنبنا وإياكم الفواحش والآثام، وجعلنا من أهل دار السلام، وممن يحظى بالشفاعة من سيد الأنام محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام... والختام بالسلام، وإلى لقاء قريب بإذن الله جل وعز.
تمت الرسالة في رياض نجد عمرها الله بالطاعة وحرسها من كل سوء .. آمين في: 6/3/1422ﻫ على يد الفقير إلي عفو ربه الغني:
أبي عبد العزيز محمد بن سرار الدغيش اليامي
غفر الله له ولوالديه، وللمسلمين – آمين
ص.ب: 122586 – الرياض: 11731
البريد الإلكتروني: [email protected].
وصلى الله وسلم وبارك على محمد.
([1]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب 1/84.
([2]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب 1/226.
([3]) انظر تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي: ص 193.
([4]) انظر عيون الأخبار، لابن قتيبة: 2/319.
([5]) انظر تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي: ص 178.
([6]) انظر طبقات الشافعية، للإمام السبكي: 2/81.
([7]) يعني الملائكة.
([8]) انظر عيون الأخبار، للابن قتيبة: 2/300 – 301.
([9]) انظر طبقات الشافعية، للإمام السبكي: 3/156.
([10]) انظر حياة الصحابة، عند البيهقي والبداية: 2/682.
([11]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/216.
([12]) انظر الاستيعاب: 2/684 – 685؛ المستدرك: 3/606.
([13]) انظر حياة الصحابة – عن البخاري: 2/692.
([14]) انظر حياة الصحابة، عن الترغيب: 2/688.
([15]) انظر حياة الصحابة: 2/695.
([16]) انظر حياة الصحابة: 2/696.
([17]) انظر تاريخ الخلفاء، للإمام السيوطي: ص 129.
([18]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 1/125.
([19]) انظر تهذيب التهذيب: 2/288.
([20]) انظر تفسير ابن كثير – سورة الطلاق، الآيتان: 2 – 3.
([21]) انظر الأذكار، للإمام النووي: ص 76 – 77.
([22]) انظر الأذكار، للإمام النووي: ص 79 – 80.
([23]) انظر طبقات الشافعية، للإمام السبكي: 3/ 227.
([24]) انظر طبقات الشافعية، للإمام السبكي: 5/55.
([25]) رواه البخاري، ومسلم، وأبو نعيم.
([26]) رواه البخاري، ومسلم، والبيهقي.
([27]) متفق عليه.
([28]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/201 – 202.
([29]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/198.
([30]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/172.
([31]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/171.
([32]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/200.
([33]) انظر وفيات الأعيان، لابن خلكان: 4/47.
([34]) متفق عليه.
([35]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/157 – 158.
([36]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/ 10 – 11.
([37]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/148.
([38]) انظر تاريخ الخلفاء، للإمام السيوطي: ص 141 – 142.
([39]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/161 – 162.
([40]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 1/206.
([41]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 1/206.
([42]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 1/166.
([43]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 1/166.
([44]) أخرجه الحاكم مرفوعًا في المستدرك: 2/294، ووافقه الذهبي.
([45]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/151.
([46]) الوجل: الخوف.
([47]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/154.
([48]) انظر تاريخ الخلفاء، للإمام السيوطي: ص 100.
([49]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 1/227.
([50]) انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 1/229.
([51]) انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/169، وطبقات الشافعية للإمام السبكي: 5/169.
([52]) القرظ: حب معروف يخرج في غُلُف كالعدس من شجرة العضاه، يدبغ به الجلد.
([53]) الإهاب: الجلد.
([54]) ابتدرت عيناه: إذا ذرفتا.
([55]) انظر حياة الصحابة: 2/ 290.
([56]) انظر حياة الصحابة: 2/294.
([57]) انظر حياة الصحابة: 2/302.