10 طرق لكسب الجيران
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد..
فلا شك أن حفظ الجار وكسب وده من مكارم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام ورغَّب فيها، فقد قال رسول الله ﷺ: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» [رواه أحمد والترمذي].
وهناك وسائل كثيرة وطرق متعددة يستطيع بها المسلم كسب قلب جاره، والتمتع بصفو محبته وكريم مودته.
وما نراه اليوم من جفوة بين الجيران، وخصومات، وسوء عشرة، وعداوة في بعض الأحيان، ما هو إلا نتاج الإهمال والتفريط في هذه الوسائل والطرق الشرعية التي تحفظ دفء العلاقات بين الجيران، وتنميها على أساس من المحبة والمودة والاحترام المتبادل، ومن أهم تلك الوسائل ما يلي:
1- كف الأذى وبذل الندى:
وهذا واجب، وأذى الجيران محرم، بل هو من كبائر الذنوب، قال النبي ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره» [متفق عليه].
وقال ﷺ: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يَأْمَن جاره من بوائقه» [رواه البخاري].
وفي لفظ مسلم: «لا يدخل الجنة من لا يَأْمَن جاره بوائقه»، وانظر إلى ربط النبي ﷺ بين ترك إيذاء الجار بالإيمان وعدمه، مما يدل على خطورة إيذاء الجار والتسبب في إزعاجه وضرره، فأبسط وسائل الوصول إلى قلب الجار هو عدم إيذائه.
وصور إيذاء الجار كثيرة منها:
- حسده وتمني زوال نعمته.
- احتقاره والسخرية منه.
- هتك أستاره وإشاعة أخباره بين الناس.
- الكذب عليه وتنفير الناس منه.
- تتبع عثراته والفرح بزلاته.
- مضايقته والتعدي على حقوقه؛ مثل أن يترك سيارته أمام بابه، أو يترك أكياس القمامة بجوار داره، أو يترك الماء النجس يتسرب عليه، أو يفتح كوة في بيته تكشف بيت جاره، أو يترك أولاده يحدثون الجلبة والصراخ وقت نوم جاره وراحته، أو يرفع أصوات أجهزة الملاهي بالموسيقى والغناء، أو يترك أبناءه يؤذون أبناء جاره ويضربونهم دون أن يحرك ساكنًا، وغير ذلك من صور المضايقة والإيذاء([1]).
أما بذل الندى فهو الكرم والجود، والكرم ليس ما يظنه بعض الناس أنه بذل المال فقط، بل الكرم يكون في بذل النفس، وفي بذل الجاه، وفي بذل المال، وفي بذل العلم([2]).
وقال النبي ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» [متفق عليه]، وعند مسلم: «فليحسن إلى جاره».
ومن إكرام الجار والإحسان إليه إتحافه بالهدية ولو كانت يسيرة القيمة؛ وذلك لما روته عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله! إن لي جارين، فإلى أيِّهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابًا» [رواه البخاري].
ومن إكرامه معاونته عند الحاجة، وكفايته إذا احتاج، والسؤال عن حاله، والتلطف معه ومع أولاده، فكل ذلك مما نؤلف به قلوب الجيران، فنفوز بمحبتهم ومودتهم.
2- البدء بالسلام:
والبدء بالسلام من علامات التواضع وخفض الجناح للمؤمنين، قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88].
وإفشاء السلام يزرع المحبة في القلوب كما قال النبي ﷺ: «... أَوَلاَ أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم].
قال ابن حبان: الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السلام على العام؛ لأن من سلَّم على عشرة كان كعتق رقبة، والسلام مما يُذهب إفشاؤه بالمُكتنِّ([3]) من الشحناء، وما في الخُلد([4]) من البغضاء، ويقطع الهجران، ويصافي الإخوان.
والبادئ بالسلام بين حسنيين:
إحداهما: تفضيل الله - جل وعلا - إياه على المُسلَّم عليه بفضل درجة؛ لتذكيره إياه بالسلام.
وبيَّن رد الملائكة عليه عند غفلتهم عن الرد([5]).
وإفشاء السلام سُنة مؤكدة، وهو حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه» [رواه مسلم].
وأبخل الناس هو من بخل بالسلام، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أبخل الناس من بخل بالسلام» [رواه ابن حبان وصححه الألباني].
وإفشاء السلام كذلك من أسباب دخول الجنة؛ لقول النبي ﷺ: «يا أيها الناس! افشوا السلام، وأَطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
- فيا أخي الحبيب! ابذل سلامك للجار؛ تزرع محبتك في قلبه.
- لا تبخل بالسلام فيصفك الناس بالكبر والغرور.
أخي!
جُد لَنا بالسلام إن لم تزرنا | ||
إن بذل السلام نصف الزيارهْ | ||
واكتب الحب بالدموع ليبقى | ||
للمحبين شامة وإشارهْ | ||
3- طلاقة الوجه:
وطلاقة الوجه تعني البشاشة عند اللقاء، والإقبال بالوجه، والبسمة الحانية، والكلمة اللطيفة، والترحيب الصادق، وقد كان من عادة النبي ﷺ أن يتبسم في وجوه أصحابه عند لقائهم، قال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: ما رآني رسول الله ﷺ إلا وتبسم في وجهي. [متفق عليه].
وماذا ستخسر أخي الحبيب إذا قابلت جارك بوجه طليق؟ أَلا تعلم أن هذا هو أهون البر كما قيل:
بُنيَّ إن البر شيء هين | ||
وجه طليق ولسان لين | ||
ومع هوان ذلك فإنك تؤجر عليه خيرًا كما قال النبي ﷺ: «تبسُّمك في وجه أخيك صدقة» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
وقال النبي ﷺ: «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [رواه مسلم].
قال ابن حبان: الواجب على المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يسلم عليه متبسمًا إليه، فإن من فعل ذلك تحاتَّ عنهما خطاياهما كما يتحاتُّ ورق الشجر في الشتاء إذا يبس، وقد استحق المحبة من الناس من أعطاهم بِشْرَ وجهه.
أخو البشر محبوبٌ على حسن بشره | ||
ولن يعدمَ البغضاء من كان عابسا | ||
ويُسرع بخلُ المرء في هتك عرضه | ||
ولم أرَ مثل الجود للمرء حارسا | ||
قال: البشاشة إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي، ومن بش للناس وجهًا لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك.
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أُخبرت أنه مكتوب في الحكمة: يا بُني! ليكن وجهك بسطا، ولتكن كلمتك طيبة، تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء!
4- المواساة في الشدة:
يقال: الصديق وقت الضيق، أي أن الصداقة الحقيقية تظهر في أوقات الشدائد لا أوقات الرخاء، وكما أن للصداقة حقوقها، فإن للجيرة أيضا حقوقها، فمن علامات حفظ الجار ورعايته مواساته في الشدائد، وبذل المعروف له عند الحاجة، قال النبي ﷺ: «إن الأشعريين إذا أرملوا - أي نفد زادهم - في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحدٍ بالسويَّة، فهم مني وأنا منهم» [متفق عليه].
وأين مثل هذه الأخلاق اليوم في دنيا الناس؟!
إنَّ كثيرًا من الجيران لا يدري عن جاره شيئًا، وربما بات جيرانهم طاوين - جائعين - وهم لا يدرون!
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة | ||
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ | ||
إنك لن تصل إلى قلب جارك بمثل معروف تقدمه إليه في وقت الحاجة والشدة، وقد قال النبي ﷺ: «أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطعمه خبزًا» [رواه ابن أبي الدنيا وحسَّنه الألباني].
5- احترام الخصوصيات:
إن مما يتسبب في الجفوة بين الجيران محاولة الجار التدخل في شؤون جيرانه الخاصة، فتراه يكثر من السؤال عن الخصوصيات: كم راتبك؟ كم تنفق شهريًا؟ كم رصيدك في البنك؟ هل لك حساب واحد أم عدة حسابات؟
وبعض الناس يرسل زوجته أو أبناءه ليوافوه بأخبار الجيران، وما استجد من شؤونهم وأحوالهم.
والواجب على المسلم أن يكون ذا مروءة، فلا يتدخل فيما لا يعنيه، ولا يسأل عن خصوصيات الناس وأحوالهم الداخلية، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
وقال النبي ﷺ: «من حُسن إسلام المرء تركهُ ما لا يعنيه» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
فإذا أردت كسب ود جيرانك فلا تتدخل فيما لا يعنيك من أمورهم، ولا تفتش في خصوصياتهم.
6- قبول الأعذار:
من وسائل كسب الجيران معاملتهم بالمسامحة والرفق واللين، ومن صور ذلك قبول أعذارهم إذا أخطؤوا، فكل ابن آدم خطَّاء، وما اعتذر إليك إلا من راعى ودك وحفظ صداقتك، فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه بجرم مضى، أو لتقصير سبق، أن يقبل عذره، ويجعله كمن لم يذنب.
إذا اعتذر الصديق إليك يومًا | ||
من التقصير عذر أخٍ مقرِّ | ||
فصُنه عن جفائك واعف عنه | ||
فإن الصفح شيمةُ كل حرِّ([6]) | ||
والأفضل من ذلك ألا تلجئه إلى الاعتذار، وتعذره قبل أن يأتي إليك معتذراً، فهذا مما يزيد الود لك في قلبه.
قال أبو قلابة: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد له عذرًا فقل: لعل له عذرًا لا أعلمه.
قال ابن القيم رحمه الله: وأما قبولك من المعتذر معاذيره؛ فمعناه أن من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته - حقا كانت أو باطلاً، وتكِل سريرته إلى الله تعالى، كما فعل رسول الله ﷺ مع المنافقين الذين تخلفوا عنه في الغزو، فلما قدم جاؤوا يعتذرون إليه، فقبل أعذارهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى.
وعلامةُ الكرم والتواضع أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه، وقل: يمكن أن يكون الأمر كما تقول، ولو قضي شيء لكان، والمقدور لا مدفع له، ونحو ذلك([7]).
7- النصح برفق ولين:
إن العقلاء من الناس لا يرفضون النصيحة، ولا يكرهون الناصح، ولكن أغلب الناس لا يقبلون الشدة والفظاظة والغلظة حتى ولو كانت في ثوب النصح والتحذير من الخطأ، وقد مدح الله عز وجل نبيه ﷺ ووصفه باللين والرحمة فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
وقال النبي ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» [متفق عليه].
فليس المطلوب من الجار أن يرى جاره على المنكر والمعصية فيتركه ولا ينصحه، فإن ذلك دليل على عدم محبته له، وإنما المطلوب أن ينصحه برفق ولين، ويأخذ بيده إلى الله عز وجل، ويُرغبه في الخير، ويُحذره من الشر، ويدعو له بظَهر الغيب، فكل ذلك من وسائل جذب القلوب وإصلاح العلاقة بين الجيران.
8- الستر وترك التعيير:
ومن وسائل تقوية العلاقات الاجتماعية بين الجيران، أن يكون الجار سترا على جاره، ينصح ولا يفضح، يسر ولا يعلن، يحزن على وقوع جاره في الخطأ ولا يشمت؛ لأنه لا يَأْمَن أن يعافي الله جاره ويبتليه هو بمثل فعله، قال النبي ﷺ: «ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» [رواه مسلم].
وقال النبي ﷺ: «إن الله عز وجل حليم حيي ستِّير، يحب الحياء والستر» [رواه النسائي وأبو داود وصححه الألباني].
إن المؤمن الصادق لا تراه إلا محبا لإخوانه، يسد خلتهم، ويحتمل خطأهم، ويستر عوراتهم، ويجبر كسرهم، ويرجو لهم الخير والتوفيق والسداد والاستقامة، ويحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من الشر، ولذلك فإنه يستر الزلات، ويقيل العثرات، ويطوي السيئات، وبهذا يكسب القلوب وتتغلغل محبته في النفوس.
9- الزيارة:
ومما يزيد أواصر المودة بين الجيران التزاور فيما بينهم، والزيارة معناها التقدير والرغبة في استبقاء العلاقة وتَجدُّدها، ومما ورد في فضل الزيارة أن النبي ﷺ قال: «إن رجلاً زار أخا له في قريةٍ، فأرصد الله على مدرجته مَلَكًا، فقال له: أين تريد؟ فقال: أريد أخا لي في هذه القرية، فقال: هل لك عليه من نعمة تَرُبُّها؟ قال: لا، إلا أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله تبارك وتعالى أحبك كما أحببته» [رواه مسلم].
وعلى الجار أن يتخير الأوقات المناسبة للزيارة، وألا يفاجأ جاره بزيارته، بل يُعْلمه بذلك ويستأذنه، وعليه كذلك ألا يرهق جاره بزيارته، فلا يكثر من الزيارة بحيث يمل جاره مجالسته ويتحاشى زيارته، وكذلك لا يطيل الجلوس، بل يجلس زمنًا يسيرًا ثم ينصرف، فكل ذلك مما يجعل له قبولاً واشتياقًا لدى جاره، بحيث ينتظر الجار هذه الزيارة بكل رغبة وسرور وانشراح صدر.
10- المجاملة اللطيفة:
لا بأس بأن يجامل الجار جاره بعبارة لطيفة، أو هدية مختارة، أو بدعوة إلى طعام، أو غير ذلك من أنواع المجاملة، فهذا مما تقوى به العلاقة بين الجيران.
أما الكلمة اللطيفة، فقد قال الله تعالى فيها: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263].
وأما الهدية، فقد قال رسول الله ﷺ: «تهادوا تحابوا» [رواه البخاري في الأدب المفرد].
وأما إطعام الطعام، فقد ذكرنا الحديث في ذلك عند إفشاء السلام، وأيضًا فإن ذلك من باب الإكرام، والتذمم للجار، وبذل المعروف الذي هو أكثر تأثيرا في القلوب والنفوس من الكلام المحض، والعبارات البراقة، واللقاءات العابرة.
فهذه بعض الوسائل الشرعية لكسب قلوب الجيران، واستبقاء مودتهم، والحفاظ عليهم، نسأل الله أن يوفقنا للعمل بذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.