×
تشتمل هذه المقاله على مهمات مبادئ الأخوة الإسلامية، وتوضح معالم الطريق وركائزه نحو تكوين مجتمع إسلامي تسوده المودة والإخاء والصفاء والنقاء.

 الأخوة في الله

القسم العلمي بدار ابن خزيمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن من أجل النعم التي أنعم الله بها على المؤمنين، أن جعلهم إخوة مؤلفة قلوبهم، مجندة أرواحهم، متماسكة أواصرهم، يحن غنيهم على فقيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، وقويهم ضعيفهم، يشد بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص. قال تعالى: }لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [الأنفال: 63] وقال تعالى: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ{ [الفتح: 29].

فالأخوة الإيمانية منة من الله وعطاء، وهبة يمتن بها الله على الصالحين الأتقياء، ونسمة خير يخلقها الله في أفئدة المؤمنين، فتكسوها المودة والصفاء، وتمر ببرد وسلام تلامس أغلفة القلوب فتوقظها يقظة لا تنام بعدها أبداً.

وإذا استيقظت القلوب بنسمات الخير، فلا خوف عليها ولا حزن، ولا غل يسكنها ولا ضغن، فلا ترى إلا وثابة سباقة للصحبة والإخاء، ولوعة تواقة للتراحم والتقاء؛ لذلك كانت المحبة بين المؤمنين نعمة لا تعدلها زبالة الدنيا وأوحالها، فهي أسمى وأعلا من سفول الطين؛ لأنها تمازج الروح وتسكن عشه فهي دائمة الترقي عن سفاسف الدنيا، ملازمة الصعود نحو بيتها العتيق في ظلال الجنان.

فالمحبة في الله خصلة يغبط عليها أهلها يوم القيامة، ولم يكن قدرها كذلك إلا لأن أجرها عند الله عظيم، وثوابها جزيل كريم، فعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء»([1]).

فالأنبياء والشهداء هم أهل الله وخاصته، فلا أحد من البشر أبلى مثل بلائهم في ذات الله جل وعلا، وعلى جلالة قدرهم وعظيم ثوابهم يوم القيامة، تقع في قلوبهم غبطة المتحابين في الله. وهذا يدل دلالة قاطعة على عظم هذه النعمة وثقل وزنها يوم القيامة.

وهذا الكتاب على صغر حجمه يشمل على مهمات مبادئ الأخوة الإسلامية، ويوضح معالم الطريق وركائزه نحو تكوين مجتمع إسلامي تسوده المودة والإخاء والصفاء والنقاء.

والله ولي التوفيق.


 لماذا الأخوة؟

 1- الأخوة في الله من لوازم الإيمان:

إن المتأمل في طبيعة هذا الدين، ليدلك بنظرة متمعنة في قواعده العامة وأصوله العريضة، أنه دين رحمه وهداية، ومنهج حياة وسعادة، ورسالة تدعو الإنسان إلى المودة والصفاء، والتراحم والإخاء، والتعاون والعطاء.

فلقد رسم العلاقات الفردية بين الناس رسما يحفظ لهم حقوقهم جميعا، فبين طبيعة علاقة المؤمن بالمؤمن، وعلاقة المؤمن بالكافر، وما للزوجة على زوجها من حق، وما للزوج على زوجه من حق، وما للوالدين على مولودهما من حق، وما للولد على والديه من حق، وبين حقوق الأقارب على بعضهم البعض، وحقوق الولاة على الرعية، وحقوق الرعية على الولاة... إلى غير ذلك من صور العلاقات الفردية والدولية التي جاء بها هدي الإسلام؛ لتكون نبراس عيش رغيد، ومنهج حياة سعيدة.

ومن أجل ما بينه الله سبحانه وتعالى من تلك العلاقات.. الأخوة الإيمانية، قال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ [الحجرات: 10] ويدل هذا التوجيه الرباني الكريم على أن هناك ترابط وثيق بين حقيقتين اثنتين:

الحقيقة الأولى هي الإيمان، والحقيقة الثانية هي الأخوة.

فكلما وجدت حقيقة الإيمان, وجدت معها بالضرورة حقيقة الأخوة, فكانت الأخوة بذلك الأخوة بين المؤمنين لازما من لوازم الإيمان، ومظهرا من مظاهر توحيد القلوب على حقائق الإيمان مبادئ العقيدة.

فالأخوة الإيمانية هي ثمرة وحدة الدين والعقيدة، فهي أساس المحبة والولاء، وأساس النصرة والجهاد لذلك قال تعالى: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{ [التوبة: 71] وتتفاوت صور الولاء للمؤمنين بحسب تفاوت إيمانهم بالله سبحانه، ومحبتهم له وطاعتهم وولائهم.

وتظهر صور الولاء في شتى النواحي الاجتماعية والمعاملات الأخلاقية بين المسلمين، قال تعالى: }وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [الحشر: 9-10].

فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات، أن الصحبة والتكافل بين المؤمنين أساس فلاحهم في الدنيا والآخرة، وأن من لوازم الإيمان اجتثاث الغل والبغض للمؤمنين من القلوب والاستعانة على ذلك بالدعاء، ويشمل الاجتثاث عموم الغل، يصدق على قليله وكثيره، لأن الله سبحانه وتعالى أتى بكلمة "غلا" نكرة في سياق النفي، فدلت بذلك على عمومه، ويلاحظ في قوله تعالى: }لِلَّذِينَ آَمَنُوا{ العموم فيشمل أهل الإيمان جميعا على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم وبلدانهم وأحسابهم وأنسابهم. ليعلم المسلمون طوال التاريخ أن الأخوة إنما أساسها الإيمان بالله وحده، وأن حقيقتها المحبة والود والولاء للمؤمنين وما يلزم ذلك من الأخلاق الفاضلة والمعاملات الحسنة والآداب السامية النقية.

حب في الله يوحدنا

ويواسي القاصي والداني

إخواني تلقاني فيهم

وبقلبي تلقى إخواني

فهل أدركت أخي الكريم لماذا كانت الدعوة إلى الأخوة في الله مطلبا حثيثا في حياة المسلمين؟ إنها أمر إلهي قضاه وارتضاه لعباده المؤمنين، ليكون رمز وحدتهم واتحادهم على الحق، وليكون عونا لهم على مغالبة أهل الباطل، وليكون مشعلهم على درب السعاة والهناء في الحياة, إنها عبادة وقوة وحياة.

فالأخوة في الله من أجل العبادات، وأسهل الطرق إلى الجنة، بل هي شرط الإيمان كما قال ﷺ‬: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»([2]) ونجاة يوم العرض على الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»([3]).

والأخوة في الله قوة، لأنها اجتماع على الحق، واتحاد على نصرة الله وشرعه والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وتآزر وتعاون على البر والتقوى، وتكافل بين المؤمنين وتراحم بينهم في كافة شؤون حياتهم. قال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{ [العصر: 1-3] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي ﷺ‬ قال: «المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس»([4]).

والأخوة في الله حياة، لأنها تجمع المؤمنين على أساس الصحبة والمودة، والرفق والحلم، والصفاء والحياء، والتواضع والتناصح، ولين الجانب وخفض الجناح، وغيرها من صور معالي الأخلاق والقيم، ومعالم السعادة في الحياة، قال ﷺ‬: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»([5]) بل إن الله سبحانه وتعالى، جعل من أحب الأعمال إليه ما كان فيه نفع لإخوانه المسلمين. قال ﷺ‬: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد([6]) شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وأن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل»([7]).

فهذا الحديث قَعَّد بأوجز الألفاظ معالم الأخوة في الله، وأصل خطوطها في حياة المسلمين، وبين آدابها وفضائلها السامية.

ولما كانت الأخوة لازما من لوازم الإيمان، كان واجبا على المسلم أن يخص المؤمنين بالمحبة دون الكافرين. قال تعالى: }لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ{ [آل عمران: 28] وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا{ [النساء: 144] وقال تعالى: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ{ [الفتح: 29].

فكما أن الحب في الله من لوازم الإيمان، فإن البغض في الله من لوازمه ومقتضياته, والبغض المطلق إنما يخص به الكفار والمشركون؛ لأنهم ليسوا من أهل الإيمان.

 2- مخاطر الفرقة والاختلاف:

واعلم أخي الكريم أن الشر كل الشر في الاختلاف والفرقة، وفي الصراع والنزاع بين الأحبة والإخوان.

فالاختلاف المذموم في الشرع أساس كل فشل وهلاك، وأساس كل إحباط ودمار، قال تعالى: }وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ [الأنفال: 46] }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا{ [آل عمران: 103].

وقال تعالى: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ{ [الأنعام: 153].

فالفرقة والنزاع داء فتاك بجسم الأمة الإسلامية، وما الانحطاط والتدني الذي تمر به ديار العالم الإسلامي اليوم إلا عاقبة معجلة من عواقب التمزق الوخيمة!!

ومن مخاطر الفرقة والاختلاف:

1- فشو التقاطع والتدابر والتباغض بين المسلمين: فإذا فشا بين صفوف المسلمين هذا الداء الخطير، غابت روح المودة والرحمة بين أفراد المجتمع وسادت العداوات والحروب سواء باللسان أو السلاح، وانتشر الحقد، والحسد، والغيبة، والنميمة، والخداع، والمكر، والقتل، والغدر، وكل أصول الأخلاق الذميمة الناتجة عن الغضب الذي يحدث من جراء الاختلاف والشقاق.

لذلك، فقد حذر رسول الله ﷺ‬ المسلمين تحذيرا بليغا أكيدا من التدابر والتباغض فقال ﷺ‬: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»([8]).

2- غياب روح الأخوة والمودة: وهو خلاف ما هدف إليه الإسلام، من جمع شتات الناس على الهدى والتقوى والمحبة في الله تعالى، قال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ [الحجرات: 10].

وقال تعالى: }أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ{ [المائدة: 54] وقال تعالى: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ{ [الفتح: 29].

ولذلك فقد حذر رسول الله ﷺ‬ من التشاحن بين المسلمين، وبين أن الله جل وعلا يغفر كل يوم اثنين وخميس لمن لا يشرك بالله شيئا إلا المتشاحنين فإنهما يؤخران حتى يصطلحا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ‬ قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا»([9]).

وفي الحديث بيان مهم لمخاطر الفرقة والنزاع، وأي خطر بعد الحرمان من المغفرة والجنة، فلو لم يكن من أخطار الفرقة إلا هذا الحرمان لكان ذلك كافيا بل رادعا لكل معرض عن أخيه، أن يأتيه ويطلب صفحه وعفوه وسماحه ولو كان هو المخطئ الظالم، طلبا لمغفرة الله ورضوانه وجناته.

3- ومن أخطر عواقب الفرقة؛ أنها تُقَعِّس المرء عن أداء حقوق إخوانه، فإن للمسلم على المسلم حقوقا لا بد من إنجازها والقيام بها.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ‬: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله –ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»([10]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ‬ قال: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس»([11]).

وفي رواية لمسلم: «حق المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله، فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»([12]).

فالفرقة بين المسلمين تجعلهم يتهاضمون بينهم هذه الحقوق، بل يقع فيها الظلم في الأموال والدماء والأعراض، نسأل الله العفو والعافية.

لذلك أخي الكريم, كن حذرًا أن تحيد عن إخوانك، أو أن تكون سببا في فرقتهم واختلافهم بل يجب عليك أن تكون قدوة في نفسك مصلحا لغيرك، حريصا على جمع كلمة المسلمين على الحق. قال تعالى: }لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ{ [النساء: 114] وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً»([13]).

فاحرص أخي أن تكون سباقاً لهذا الخير الكريم، واجمع إخوانك على البر والتقوى، وعلى التعاون على ما فيه خير الدنيا والآخرة، فإن المسلمين أحوج اليوم من غيرهم إلى الاتحاد والتآزر، والتعاون والتآخي، والتراحم والتزاور، حتى يكونوا شوكة في حلاقم أعدائهم.

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسرت آحادا

وما نراه من تفرق المسلمين واختلافهم، مرض تتفطر له القلوب وتتحسر له النفوس، وتدمع له العيون، فما أحق الإسلام وأقواه، وما أضعف المسلمين اليوم أمام أعدائهم.

الثُّكْلَ جُرِّع غمركم فتمزقت

أشلاؤه أم أنتم الثكل انبرى؟!!

قم أيها الجلمود وانظر كي ترى

آباء جهل قتلوا من كبر!

استغفر الرحمن إنك لم تمت

نحن الموات ورمسنا فوق الثرى


 خاتمـة

أخي الكريم: اعلم أن الأخوة الإيمانية بين المسلمين، هي دليل الإيمان والتوحيد، وعنوان توحد القلوب على عبادة الله وحده، ونصرة دينه، والعمل بأمره، واجتناب نهيه.

وهذه الأخوة لا حدود لها في الآفاق، فهي باقية بقاء السماوات والأرض، وخالدة خلود المؤمنين في الجنان، قال تعالى: }إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ{ [الحجر: 47].

وقد جعلها رسول الله ﷺ‬ شرطا لدخول الجنان. فقال: «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»([14]).

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



([1]) رواه الترمذي (2391) وقال: حديث حسن صحيح.

([2]) رواه مسلم (54).

([3]) رواه مسلم (2566).

([4]) صحيح الجامع (6659).

([5]) رواه مسلم (2580).

([6]) أي: المسجد النبوي.

([7]) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (906).

([8]) رواه البخاري 10/401 ومسلم (2559).

([9]) رواه مسلم (2565).

([10]) رواه مسلم (2564).

([11]) رواه البخاري 3/90 ومسلم (2162).

([12]) برقم (2162).

([13]) رواه البخاري 5/220 ومسلم (2605).

([14]) رواه مسلم (54).